البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

(بيدرو مارثينث مونتابيث) عميد المستعربين الاسبان

الباحث :  الأستاذ محمد عبدالرحمن القاضي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  9
السنة :  السنة الثالثة - خريف 2016م / 1438هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 11 / 2017
عدد زيارات البحث :  2757
تحميل  ( 214.202 KB )

مدخل:

تقول المستعربة " كارمن رويث برابو  CARMEN RUIZ BRAVO" إن الجهود التي بذلها المستعربون الإسبان وطبيعة دراستهم هي جديرة بالاعتبار... وإن جهودا كبيرة قد بذلت من أجل التعريف بالأدباء العرب في إسبانيا، ولنا أمثلة كثيرة على ذلك نذكر منها اجتهادات آسين بلاثيوس "المستعرب الكبير الذي اكتشف تأثير ابن عربي في شعر الزهد الإسباني والأوروبي، وتأثير رسالة الغفران في كوميديا دانتي غير أن نظريات هذا العالم الكبير وأفكاره لم تنشر كما ينبغي باعتبار صاحبها من كبار الرواد والمثال الثاني الذي نذكره هو المستعرب بيدرو مارتنيث مونتابيث، أكبر مختص أوربي في الأدب العربي الحديث، والذي كشف لأوربا عن قيمة الأدب العربي في كتابه "مختارات من الأدب العربي" الذي صدر سنة 1985م، والذي تضمن أسماء أهم شعراء العالم العربي وكتابه"([1]).

بيدرو مارتينث مونتابيث مستعرب حيوي:

من أبرز المستعربين الإسبان المعاصرين المهتمين بالأدب العربي الحديث ولد سنة 1933م في قرية (خودار) بإقليم جيان، درس في جامعة مدريد المركزية وتخرج في قسم اللغات السامية وقسم التاريخ سنة 1955م.

كانت مدينة تطوان المغربية البلد العربي الأول الذي عاش فيه قبل السفر إلى الشرق([2]). حيث سافر إلى مصر التي قضى بها خمس سنوات دارسا ومدرسا للغة الإسبانية في مدرسة اللغات العليا بالقاهرة، كما عين مديرا للمركز الثقافي الإسباني بها، وقد استفاد كثيرا من إقامته في تلك الديار، يقول عن هذه الفترة: "تخرجت من قسمين: اللغات السامية والتاريخ، واهتمامي الأول شمل الدراسات العربية والتاريخية، ولم تعجبني شخصيا الطرق التقليدية في الدراسات التاريخية، فالذي يهمني هو فهم التاريخ بنواحيه الإنسانية، ولقد لاحظت أن الدراسات الاقتصادية ما تزال متأخـرة في التاريخ العربي بالنسبة للأمم الأخـرى، واستفادة من إقامتي في مصر وتحت إشراف بعض الأساتذة المصريين الكبار المختصين في العصور الوسطى ونظرا للعدد الكبير من المخطوطات في دار الكتب المصرية التي تعالج أحداثا تاريخية من العصر المملوكي اخترت هذا الموضوع "ذبذبة سعر القمح في مصر خلال عصر المماليك"([3]).

كان هذا الموضوع رسالته للدكتوراه التي قدمها في جامعة مدريد سنة 1963م، ولكنه ما فتئ أن ترك التاريخ وتحول إلى الأدب وخصوصا الحديث منه وذلك لسبب رئيسي كما يرى وهو إقامته في وسط عربي، وتجربته الشخصية في هذا الوسط هي: "أن الرجل الغربي المتخصص في الجامعات الغربية يأخذ كثيرا من المعلومات النظرية عن العالم العربي وقليلا جدا من المعلومات العلمية (المعطيات الحية) بعد تخرجه من الجامعة كان يعتمد تجربتي على الخصوص ـ أن العالم العربي شيء ميت أو شبه ميت. لقد اكتشفت بعد إقامتي في بلدان عربية عالما حيا، يعيش مثلنا، يتألم ويتأمل مثلنا أيضا، ذلك ما كان كشفا موحيا، لهذا السبب الرئيسي ابتعدت قليلا عن الدراسات التاريخية ولجأت إلى الدراسات الأدبية. وباختصار خلال إقامتي في البلدان العربية بدأت أعيش القضايا العربية وأحسها"([4]).

لقد استهواه الأدب العربي الحديث وخصوصا الشعر، فأنجز في ذلك دراسات مهمة وترجم منه الكثير إلى اللغة الإسبانية، فأسس بذلك جسرا قويا بين الأدب العربي الحديث والقارئ الإسباني والأوروبي، ومن بين هذه المنجزات نذكر كتاب: "الشعر العربي المعاصر" الذي ظهر سنة 1958م، ويتضمن مقدمة عن النهضة وعن تطور الشعر العربي من القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين كما تعرض فيه إلى مختلف الاتجاهات الشعرية في المغرب ومصر ولبنان والأردن وإلى أهم المقومات الجمالية للشعر العربي المعاصر، ثم كتابه "شعراء عرب واقعيون" سنة 1970م، و"مقدمة في الأدب العربي المعاصر" سنة 1974م، والطبعة الثانية سنة 1985م، وهو في نظر الدارسين والمهتمين أهم ما صدر عن الحركة الاستعرابية في إسبانيا، إضافة إلى كتابه "فلسطين في الشعر العربي المعاصر" سنة 1980م وكتابات حول الأدب الفلسطيني حيث يرى "أن الشعر الفلسطيني يقدم أسماء لا يرقى الشك إلى أهميتها ودلالتها، ويؤكد هذا الشعر وجوده واستمراريته عبر أجيال متعددة من الشعر الغنائي"([5])، ثم كتاب "أغان عربية جديدة لغرناطة سنة 1979م، و"الأساطير المتوسطة القديمة في الشعر العربي الجديد"، "مذكرات صلاح عبد الصبور" و"ثلاث مدن إسبانية في شعر البياتي" وكتاب "الأدب  العربي اليوم" الذي صدر حديثا، ويضم مجموعة من الدراسات والمحاضرات والمقالات كان قد نشرها في بعض المجلات والصحف الإسبانية، ويشتمل الكتاب على فصلين كبيرين، أولهما تحت عنوان "دراسات"، وثانيهما "ملاحظات، قراءات، إنطباعات".

يشتمل الفصل الأول على مجموعة من الدراسات العربية المعاصرة مثل: "الأندلس موضوع إلمام لشعر المهجر الجنوبي"، وإشبيليا وخيرالدة في الأدب العربي الحديث"، و"غارثيا لوركا والشعراء العرب المعاصرون" و"الخيال والتخيل في الأدب العربي المعاصر" ثم "المثقف العربي والصراع من أجل الديموقراطية".

أما الفصل الثاني فهو عبارة عن رحلة طويلة في جوانب عديدة من الإبداع العربي والإسباني، شملت نجيب محفوظ وجبران خليل جبران، وطه حسين، ودراسات عن الحركة الأدبية النسائية في مصر المعاصرة، والرواية العربية الجزائرية، والإسلام والأدب العربي اليوم: إنه كتاب جدير  بالقراءة والدراسة([6]).

وقام مونتابيث بترجمة أعمال أدبية عربية متنوعة حظي الشعر فيها بنصيب كبير. فقد ترجم لنزار قباني مع مقدمة عن شعره والذي كانت تربطه علاقة وثيقة أيام كان هذا الأخير مستشارا بالسفارة السورية بمدريد. وقد راجع معه ترجمة القصائد والمقدمات التي كتبها([7]).

ويرى أن شعر نزار قباني "شعر ناضج يعبق برائحة التراث العربي، وفي شعره ترابط ونغم ووحدة داخلية عميقة أصيلة، وهو مجدد في الشكل والمضمون، استطاع أن يخلق إيقاعا وموسيقى شعرية خاصة به ومتميزة، وهو شاعر يبني عرشه على الكلمة والسيطرة عليها وامتلاكها"([8]) .

كما ترجم ديوان أغاني مهيار الدمشقي، وأشعار أدونيس وأحمد دحبور وشوقي بغدادي ومحمد علي شمس الدين والبياتي الذي ترجم له الكثير من القصائد وكان صديقا حميما له، ويعتبره أميرا للشعراء العرب المعاصرين وصاحب مدرسة جديدة في الشعر العربي الحر لما وجد عنده من سهولة التخلص من الأساليب العتيقة ومن طريقة النظم التقليدية ولشاعريته المرهفة "هو شاعر بطريقته المرهفة وسخريته الشفافة والنافذة التي تشف لكنها لا تصل إلى أن تحجب الانفعال الداخلي العميق الذي يجتاح أواره، يحمل الكثير من النسك والعزلة والمعرفة الواسعة الشاملة. هو رجل لا يغني فقط بل يؤمن أيضا إيمانا عميقا بهذا الأمل. لكنه يحمل في جسده وفي روحه آثار تجارب وجيعة محفورة فيه هو سابح وعنيد لجغرافيات ومناخات متميزة ومختلفة ولظروف متناقضة ولبشر متمايزين باحث لا يتعب عن السر الجوهري، يلاحق الإنسان أينما كان وشعره ينمو بشكل انفجار للنفس متوتر ومتواصل باحثا عن آفاق وأبعاد كونية لا متناهية هذا الشعر نضج لكنه يبدو وكأنه لم يصل أي لم يحقق ذاتيته النهائية بعد .."([9]).

وقام بنشر كتاب عن شعر المقاومة الفلسطينية بالمشاركة مع الدكتور محمود صبح (شعر المقاومة الفلسطينية) وذلك سنة 1969م ضم أشعارا لمحمود درويش، وتوفيق زياد، وفدوى طوقان، وسميح القاسم، وسليم جبران. ويقول في مقدمته: "إن هذا الكتاب ليس رسالة في هجاء اليهود ولا هو مديح أعمى للعرب، وإنما هو يريد فحسب أن يصور ظروفا محزنة شخصية وجماعية وإظهار قيم أدبية في نفس الوقت"([10]).

يعتبر مونتابيث من المستعربين الإسبان المعاصرين الذين يبذلون مجهودا جبارا وبدون كلل في إيجاد التواصل الثقافي بين إسبانيا والعالم العربي كله، فنشاطه غزير في الميدان الأدبي واطلاعه واسع لما يجري في الساحة العربية الحديثة. حضر الكثير من المؤتمرات الأدبية العربية والعالمية كما ألقى سلسلة من المحاضرات داخل إسبانيا وخارجها، أشرف وما يزال على العديد من الدراسات الجامعية التي ينجزها العرب والإسبان في جامعة مدريد المستقلة التي كان يرأس إدارتها وقسم الدراسات العربية والإسلامية فيها، إضافة إلى منصبه الدائم كأستاذ كرسي، مؤسس ومدير مجلة "المنارة" التي صدرت سنة 1970م، وهي مجلة تخاطب العرب والإسبان دون داع لاستعمال وسيط بينهما، شارك في تحريرها مجموعة من المختصين  العرب والإسبان.

وبهذا استحق مونتابيث أن يوصف من طرف الباحثين والمهتمين بالاستعراب الإسباني بمؤسس مدرسة الفكر العربي والإسلامي الحديث، التي تعتبر الوحيدة من نوعها في القارة الأوروبية من حيث تخصصها الملتزم بمبدأ: إن الثقافة العربية ما زالت حية ترزق"([11]).


مونتابيث وحركة الاستعراب الإسباني :

يلح مونتابيث على استعمال كلمة الاستعراب "ARABISTA" بدل الاستشراق([12]). لأن الدراسات التي بدأت في إسبانيا وازدهرت منذ وقت طويل كانت دراسات عربية ولا توجد منذ بداية هذه الدراسات، دراسات في التركية ودراسات في الصينية والهندية وكلها تدخل في الاستشراق([13]).

فعلا، فقد كان المستعربون الإسبان سباقين إلى الاحتكاك بالتراث الحضاري العربي الإسلامي قبل غيرهم من الأجناس الأوربية الأخرى، كما أن الحضارة الإسلامية في إسبانيا تركت بصماتها بارزة في الحياة الثقافية والاجتماعية وهو ما يعترف به العديد من الباحثين الإسبان أنفسهم وقد أثبت الباحث الإسباني "أمريكو كاسترو" جيدا "الكمية الهائلة من المقومات والعناصر الإسلامية التي نفذت وتغلغلت في الحياة الإسبانية، وهذا في حد ذاته سبب كاف لكي ننفي القربى، لأن الأمر قائم على أساس أن تأكيد الذات والهوية مبني على نفي الآخر ففي صلة القربى هذه بين إسبانيا والإسلام يمكن أن يفهم على أنه بحث عن هوية خاصة بالإسبان"([14]).

ومونتابيث نفسه يرى: "أن رصيدا لا بأس به من العادات والتقاليد وحتى من المعاملات الشخصية، ورؤية العالم ورؤية العلاقات الإنسانية بين المجتمعات وبين الأقوام فإسبانيا ما زالت حتى الآن مصبوغة بهذه التخصصات وبهذه الصفات العربية الإنسانية "([15]).

أما الدكتور محمد علي مكي فيؤكد: "أن الأدب الإسباني هو أوثق الآداب الأجنبية صلة بالأدب العربي نظرا للعصور الطويلة التي كانت فيها الأندلس جزءا من العالم العربي... والأدب الإسباني هو الأدب الذي تبدو فيه تأثيرات الفكر والحضارة العربيين بحكم معايشته للفكر الإسلامي في الأندلس، وتأثره العميق له"([16]).

لقد اتجه الاستعراب الإسباني منذ البداية إلى الأندلسيات، فأدى للتراث العربي والإسلامي خدمات لا تنكر سواء بأبحاثه ودراساته الجادة وتحقيقه للتراث الأندلسي واكتشاف مصادره ونفض غبار الإهمال والنسيان عن كثير من المؤلفات المهمة التي لولاها ما رأت النور، كما قام المستعربون بوضع فهارس يستفيد منها الباحثون والمهتمون بالتراث الأندلسي، وهو شيء طبيعي، كما يؤكد ذلك مونتابيث: "لأنه أتاح لنا التعمق في دراسة تاريخنا المشترك"([17]). ولكن هذا الاتجاه تطور في السنوات الأخيرة حيث أصبح يشمل التيارات الفكرية المعاصرة "وهو الاتجاه الجديد الذي بدأ في إسبانيا منذ 25 و30 سنة، وقد ازدهر وتجدد في السنوات الأخيرة حيث تجد مستعربين متخصصين في نواحي معينة، كالتيارات الفكرية المعاصرة وأدب الأطفال... إلى جانب من يتخصص في تكوين المجتمع العربي أو الرواية العراقية"([18]).

أما بالنسبة إليه فإن مجال تخصصه يعود إلى الخمسينات حيث انطلقت الدراسات الجامعية نحو تعدد التخصصات وتوسيع مجالات الاهتمام، فاكتسب معرفة واسعة واطلاعا كبيرا بالتيارات الأدبية العربية المعاصرة، وارتبط بالعالم العربي ارتباطا وثيقا، زادته الأيام والأعـوام متانة وصلابة، كما ربط علاقات متينة مع مجموعة كبيرة من المبدعين العرب "وقد كانت في الغالب علاقات إنسانية مباشرة تتجـاوز الإطار الوظائفي مما كـان له تأثير بالغ على اهتمامــاتي وارتباطاتي كمستعرب"([19]).

وبكل صراحة أقول: إنني وجدت في الأدب العربي أسماء ونظريات تسير وأسماء غريبة عالمية، وأعتقد أن بعض هذه الأسماء واتجاهاتهم يمكن أن تواجه الإنتاج الغربي، وأقصد هنا الإبداعات الشعرية والقصصية والروائية، إضافة إلى أعمال النقاد التنظيرية... وقد اقتنعت أن الإنتاج الأدبي العربي لا يقل في جودته وجماليته وإبداعيته عن نظيره الغربي"([20]).

يتمثل نشاطه الرئيسي في معرفة الأدب العربي المعاصر ودراسته، وقد كان للشعر الحظ الأكبر والنصيب الأوفر "وأعتقد أني منذ فترة من الزمن أقرأ في الشعر العربي أكثر مما أقرأ في الشعر  الإسباني والشعر يمثل مجال قراءتي الرئيسية والمفضلة، وأظن أيضا أن لدي معرفة متوسطة بهذا الأدب العربي المعاصر والسنوات تسمح لي أن أتحدث وأحلل من منظور تاريخي بشكل عام ومفصل وبانورامي، بحيث أركز حديثي على عملية التطور المتواصلة، وفكرتي في هذا الصدد حازمة وواضحة فخلال سنوات الخمسينات والستينات ظهر بشكل عام وبخاصة في مجال الشعر أكثر الإنتاج قيمة وأهمية في كل ما أنتجـه الأدب العـربي المعـاصر وانتشرت أكثـر الاتجـاهات ثـراء وتجـديدا، وهي تحمـل طابعا عالميا واضحا دون أن تفقد طابعها العربي الأصيل"([21]).

ولهذا عمل ويعمل على إنجاز العديد من الأعمال الأدبية التي لها علاقة بالعالم العربي أدبا ونقدا وفكرا وترجمة داخل إسبانيا لأن هذا الإنتاج الفكري وخصوصا الأدبي ليس بعيدا عن ذوق القارئ الإسباني كما يرى: "لأن العرب لم يتركوا في إسبانيا آثارا فنية فقط بل تركوا أيضا نوعا من الحساسية الفنية ومفهوما للإبداع مزدوجا... كما أن إسبانيا والعالم العربي يعيشان في وسط حضاري واحد وهو المتوسط. ثم إن التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري في إسبانيا والعالم العربي متشابه، وهذا يساعد القارئ الإسباني على أن يتذوق الأدب العربي القديم أو الحديث أكثر من أي قارئ غربي آخر"([22]).

هناك خصائص مهمة تميز شخصية مونتابيث الفكرية كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصيته الاستعرابية، أولها تمكنه من اللغة العربية وتذوقه لها وهو ما جعله ينهل بسهولة من المنابع الأصلية دون صعوبة أما الخاصية الثانية فهي معرفته المباشرة للبيئة العربية بفضل السنوات الطويلة التي قضاها هناك مكنته من الغوص في أعماق المجتمع العربي بصفة عامة.

أما الخاصية الثالثة فهي زيارته المتعددة إلى بلدان المشرق والمغرب على السواء ولقاءاته الكثيرة مع الأدباء والمبدعين العرب في ديارهم ومحاورتهم في قضايا أدبية تتعلق بإنتاجهم، وتوطيد العلاقات مع العديد منهم.

الخاصية الرابعة وهي الأهم استيعابه للثقافة العربية بشكل عام، يقرأ باستمرار ويحرص على أن يكون في صميم التيارات والاجتهادات النقدية المعاصرة وأن يتعلم منها.

الخاصية الخامسة هي أنه مترجم ممتاز يهتم بالاختلافات ويحددها بدقة ويعتبرها طبيعية ومهمة لقيام المترجم بعمله، ولذلك ينطلق من وجود اختلافات بين الشعر العربي والشعر الإسباني، وبين الشعراء العرب والشعراء الإسبان، وهي حتما غير متشابهة مع بعضها، ولكل خصائصه وملامحه. كما يحرص على أن تفصح النصوص الأدبية عن دواخلها وخصائصها.

أما الخاصية الأخيرة فهي: "إن كل من يلتقي به أو يتعامل معه يحس وكأنه عربي، فهو يدافع بحرارة عن قضاياهم ويتحدث عن مشاكلهم بوضوح وصدق، وكأنما يحس في أعماقه بأن العرب مؤهلون لأن يكونوا أفضل بكثير مما هم عليه الآن... ويجب عليهم أن يتجنبوا الوقوع في خطأ البحث عن صيغ لا تزيد عن كونها تقليدا (صيغ مستوردة)، فليس كل ما يأتي من الغرب مثلا سيئا، كما أنه ليس كل ما يأتي منه طيبا"([23]).

هذه الخصائص تميزه عن غيره من المستعمرين الأوروبيين المعاصرين، وفي اعتقاده "أن مستوى الدراسات العربية الإسلامية في إسبانيا لا يقل كما وكيفا عما أنجز في بلدان غربية أخرى. بل وأحيانا نجد نوعية هذه الدراسات الاستعرابية في إسبانيا أحسن بكثير من غيرها خصوصا فيما يتعلق بالأدب العربي المعاصر حيث لا نجد فرقا ملموسا بين الرصيد الموجود عندنا من دراسات وترجمات وبين ما أنجزه غيرنا من المستعربين الأوروبيين"([24]).

ورغم ذلك فقد أهمل "ادوارد سعيد" في كتابه القيم "الاستشراق/المعرفة- السلطة-الإنشاء-" دور الإسبان الاستشراقي  وهو خطأ منهجي وشيء مؤسف في نظره.


*  هوامش البحث  *

[1]  - جريدة الشرق الأوسط السعودية / عدد يوم 3/7/1990 ( صورة الأدب العربي في أوربا ) / ملف أعده عبد الوهاب والي .

[2]  - انظر حوارا معه في " الملحق الثقافي لجريدة العلم " المغربية / عدد يوم 12/01/1973 / ص 6/7.

[3]  - انظر حوارا معه في " الملحق الثقافي لجريدة العلم " المغربية / عدد يوم 12 يناير 1973 / ص 6/7 .

[4]  - نفس المرجع.

[5]  - مجلة "الأقلام" العراقية/عدد 12/1980/ ص: 230 ـ مقدمة كتابه "قصائد إلى فلسطين" / ترجمة د. محمد عبد الله الجعيدي.

[6]  - صدر الكتاب سنة 1990م، وقامت جريدة A.B.C الإسبانية بعرضه كما أشارت جريدة " الشرق الأوسط " السعودية إلى إصدار الكتاب مع عرض موجز لمحتوياته .

[7]  - انظر حوارا معه في " الملحق الثقافي لجريدة " العلم " المغربية عدد يوم 12 يناير 1973 / ص 6/7.

[8]  - نقلا عن كتاب " الدراسات العربية والإسلامية في أروبا / د.ميشال جحا / ص 155 ( معهد الإنماء العربي ) .

[9]  - انظر مجلة الفكر العربي المعاصر / عدد 11 / 1981 / ص 159 إسبانيا الثقافية / سيمون الديري.

[10]  - انظر مقدمة الكتاب بالإسبانية :

POETAS PALASTINS DE RESISTENOS CIA EDITA LA CASA HISPANO ARABE DE MADRID – 1969.

[11] - انظر مجلة : الأقلام العراقية/عدد 11/1978/ ص 140 مراسلة من مدريد (كلمة في معرض الكتب بجامعة مدريد المستقلة 8/5/1978).

[12] - تطلق هذه الكلمة ( الاستشراق ) على من اختص بدراسة العرب وأحوالهم وميزاتهم، وقد جرى استعمالها بنوع خاص في إسبانيا.   انظر دائرة المعارف / فؤاد افرام البستاني / مجلد 12 / ص  11.

    وانظر كذلك كتاب "تراثنا بين ماض وحاضر" د.بنت الشاطئ / ص 68 .

   وانظر كذلك مجلة " آفاق عربية " عدد : 10 / السنة السابعة / ص 79 (المستشرقون وتحقيق التراث العربي / د.جورج كرباج).

[13] - انظر الاستجواب الذي أجرته معه مجلة " الموقف الأدبي " السورية / عدد 122 / ص 96.

[14] - انظر الملحق الثقافي لجريدة " العلم " المغربية / عدد 722، يوم 15/12/1984 ص تأملات في الاستغراب الإسباني / خوان غويسولو.

    وانظر كذلك جريدة " الشرق الأوسط " / عدد 4234 – يوم 2/7/1990 / ص 15 .

[15] - انظر الاستجواب الذي أجرته معه مجلة " الموقف الأدبي " السورية / عدد 122 / ص : 97.

[16] - انظر الاستجواب الذي أجرته معه صحيفة " الميثاق الوطني " المغربية / عدد يومي 23/24/2/1986 / ص : 4 .

[17]  - انظر الاستجواب الذي أجرته معه صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" المغربية / عدد يومي 27/28/5/1984 (الاستشراق والاستغراب) .

[18]  - نفس المرجع.

[19]  - انظر الاستجواب الذي أجرته معه " جريدة الاتحاد الاشتراكي " عدد 2/3 – بدون تاريخ (الملحق الثقافي) ص. 3 .

[20]  - انظر الملحق الثقافي لجريدة الميثاق الوطني المغربية / عدد يومي 12/13/1987، ص 4 - 5.

[21]  - انظر الاستجواب الذي أجرته معه مجلة العربي الكويتية/عدد 341/أبريل 1987/ ص: 101 إلى 107 (د. حامد أبو أحمد) .

[22]  - انظر الاستجواب الذي أجرته معه " مجلة الوطن العربي " / عدد 328 / يونيو 1983 / ص : 73.

[23]  - انظر الاستجواب الذي أجرته معه مجلة " العربي " / عدد 341 / أبريل 1987 / ص : 101 إلى 107.

[24]  - انظر الاستجواب الذي أجرته معه صحيفة " الاتحاد الاشتراكي " عدد 312 / بدون تاريخ ( الملحق الثقافي ) / ص : 3.