البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الأدب العربي وإشكالات التأويل عند المستشرقين - بحث في مسارات تلقي الخطاب العربي في النّقد الاستشراقي الفرنسي

الباحث :  الدكتور مسالتي محمد عبد البشير
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  9
السنة :  السنة الثالثة - خريف 2016م / 1438هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 11 / 2017
عدد زيارات البحث :  5237
تحميل  ( 364.034 KB )

ملـخص البحث:

تتغيا هذه الدراسة استنطاق جملة من القراءات الاستشراقية الفرنسية التي تشكلت حول النص العربي، بحثا في مسارات التلقي الاستشراقي  للنص العربي؛ وذلك من أجل التحقق من أن القراءات الاستشراقية للنص العربي إنما هي محكومة بأفقها التاريخي وسياقهـــا الثقافي، فهي تتحرك وَفق ما يتيحه لها أفقها وسياقها من"ممكنات"، وفي المقابل فإنها ترضخ تحت الإكراهات/الأيديولوجيات التي يمارسها عليه هذا الأفق وهذا السياق، وهو ما يجعل من دراسة مسارات القراءة الاستشراقية وسيلة جيّدة ليس لاستكشاف قيمة النص العربي فحسب، بل لاكتشاف طبيعة الإكراهات التي يمارسها أفق الانتظار في توجيه القراءات، وأثر هذه القراءات في تصنيع النص المقروء وتشكيل دلالته. كما نروم من خلال هذه الدراسة بيان واستكشاف طريقة تـوظيـف النص العربي في كتـابـات المستشرقين الفرنسيين .

 توطئـة: القراءة الاستشراقية وإشكال المنهج:
 يتأكدُ التّذكيرُ في البدء بأنّ مقارباتِ المستشرقين للمدونـة التّراثية العربية اختلفت وتباينت منهجا ومن ثمّة نتائج، حتى كادوا أن يفترقوا وتتيه مراكبُهم في بحر التّراث العربي تيها يضل معه الموضوعُ المدروسُ وتمحي رسومُه، ولعلّ مرد اختلاف هذه المقاربات راجع إلى تباين مستويات المباشرة التي يتخذونها منطلقات لنظراتهم في التراث العربي وتقويمهم إياه .

ولعل موضوع القراءة الاستشراقية وإشكال العلاقة بينها وبين النص العربي، من المواضيع الأكثر حداثة والأكثر تعقدا في ميدان البحث النقدي الحالي، وهي على كل حال ضرورة تحقيقية وإنتاجية، تنهض على مجموعة من الآليّات والانشغالات النفسيّة والأيديولوجية والثّقافيّة والاجتماعيّة والجماليّة وغيرها. ولذلك نُظر إليها وإلى حركيّتها من زوايا مختلفة. غير أنّه لا يسعنا في هذا المقام رصد هذه الانشغالات و هذه الزوايا المتسمة بالغنى، إن على مستوى الجهاز المفهوميّ أو التّحليل الأدبيّ والنّقديّ.

 من المفيد في هذا السياق أن نصدح ونقرّر- وفق ما يقتضيه البحث- أنّ مشاريعَ القراءات الاستشراقية للنّص التّراثي العربي طرحت إشكالا منهجيّا ارتبط بالمنهج/الإيديولوجية التي كانت تصدر منها هذه القراءات الاستشراقية و الأسيقة التّاريخيّة والثّقافيّة والحضاريّة التي رافقت مناهج المستشرقين من حيث النشأة والتطور. وكذا  في المرجعيّات الفلسفيّة التي  منها  خرجت هذه  المناهج والتي كانت توجه هذه القراءات.

وهذا الطرح المنهجيّ من شأنه أن يكشف لنا عن المرجعيّات والمفارقات التي كانت تحكم آليات المستشرقين في قراءتهم للمدونة العربية من حيث استكشافُ المعنى وبناءُ الدلالة والعملُ على إبراز الفوارق والتّقاطعات بين ما كان سائدا من مناهجَ في قراءة الخطاب العربي؛ خاصة التّلقي التّاريخي وما حملته هذه المناهجُ اللسانيّة والفلسفيةُ من توجهات جديدة غير معهودة في مقاربة التراث العربي.

والحاصل أنه بعد انتهاء الحروب الصليبية في المشرق والمغرب الإسلاميين، لفت نظر الغربيين تلك الحضارة الإسلامية العظيمة في جانبيها المعنوي والمادي، فبدأوا يعدّون العدة لغزوها فكرياً، وعقدياً واجتماعياً.. وأسسوا لذلك مدارس ومعاهد تعنى بالشرق الإسلامي وعلومه، فـمنذ بداية الاستشراق(*) البعيدة والغرب يهتم بكل ما صدر عن المسلمين، فهم الذين أنشئوا مئات الأقسام العلمية، كما تحتفظ مكتباتهم بألوف المخطوطات في شتى المعارف، وقد ثبت أن بعض الأدباء في الغرب تأثروا بالأدب العربي في عصور ازدهار الأمة الإسلاميـة.

  إنّ الفاحص لمنجزات المستشرقين - من حيث الانتماء - يجدها متمثلة في مدارس محتلفة، فهناك المدرسة الألمانية، والبريطانية، والإيطالية، والروسية، والفرنسية، وقد حظيت المدرسة الفرنسية بكثير من الاهتمام من طرف  الباحثين العرب لما تمتاز به من علمية وموضوعية*، مقارنة بالمدارس الأخرى.

يتأكد التذكير في البدء بأنّ العلاقة بين فرنسا والعالم الإسلامي نشأت منذ فتح المسلمين لمقاطعات فرنسية، ثم استمرت أثناء وجود المسلمين في الأندلس، وفي الحروب الصليبية، ثم إنشاء طرق للتجارة، وتبادل السفراء، ثم احتلال شمال أفريقيا، وحملة نابليون على مصر، وفتح قناة السويس والانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان. وكانت تلك العلاقات متعددة /متنوعة /متعاقبة اختلط فيها الحرب والسلم والتجارة والثقافة جميعاً ([1]).

تحيلنا المقاربة التاريخية دون تردد إلى محاولات فرانسوا الأول (1553م)  الأولى لتدريس العربية واللغات السامية الأخرى، حيث أنشأ معهداً بباريس، وأعدّ فيه منبراً لتدريس العربية واليونانية واللغات السامية الأخرى، ثم جُدد بعد ذلك بداية من القرن السادس عشر الميلادي([2]). وقد ضمت فرنسا أول ترجمة فرنسية لمعاني القرآن في العصور الوسطى، وهي ترجمة قام بها انجليزي وألماني(*)، واستعانة باثنين من العرب، ثم تتابعت الترجمات بعد ذلك باللغات الأوروبية([3]).

   ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إنّ مفهوم الاستشراق -مؤسسياً أكاديمياً- لم يظهر في أوروبا بهذا الاسم إلا نهاية القرن الثامن عشر، فظهر أولاً في بريطانيا عام 1779م، ثم في فرنسا 1799م، وأدرج مفهوم الاستشراق في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م، وسبقت الاستشراق مراحل سمي فيها بـ(الدراسات العربية والإسلامية)([4]). ومن ثمّ فإنّ الظهور الفعلي/ الاجرائي/ الممارساتي للإستشراق الفرنسي كان خلال القرن الثامن عشر من خلال ترجمة كالان Antonie Gallant  لألف ليلة وليلة(1704-1717)، وترجمة سفري Claude Savary للقرآن سنة1783.

أولا: جهود المستشرقين الفرنسيين في قراءة الأدب العربي بين إعادة الإنتاج وإعادة القراءة:تعد المدرسة الفرنسية من أهم وأقدم مدارس الاستشراق في العالم، فقد أفادت من القرب الجغرافي،ومن الظروف التاريخية التي فرضت الاهتمام بالمنطقة العربية([5]).

 هذا و لا يخفى على أهل النظر أنّ اتصال المستعربين الفرنسيين بأدبنا العربي كان  استجابة لتطور الذوق الأدبي في بلادهم في أواخر القرن السابع عشر ومطالع القرن الثامن عشر «إذ كان الفرنسيون قد ضاقوا ذرعا بالآداب اليونانية والرومانية (اللاتينية) وملتهـا نفوسهم بعد أن استوعبوها، فطفقوا يبحثون عن عوالم جديدة لم يسمعوا بها من قبل في الآداب المشرقية؛ وقد أثبت نجاح (ألف ليلة وليلة) ورواجها في فرنسا خاصة والغرب الأوربي عامة_بعد أن ترجمها إلى الفرنسية أنطوان غالان _وجود هذا الجو الأدبي المتقبل للجديد،كما أنه فتح الباب واسعا للبحث في آداب الأمم الشرقية، وفي طليعتها الأمة العربية التي كان الغرب قد استفاد منها العلوم العقلية والتجريبية والتأملية، عن طريق الترجمة التي كانت الجسر الذي انتقلت عليه تلك العلوم آنذاك »([6]).

 وهكذا، لم يكتف المستعربون الفرنسيون بترجمة الآثار الأدبية العربية إلى الفرنسية، وإنما تجاوزوا ذلك إلى استلهام الروح الشرقية عموما بأجوائها العربية والإسلامية على حد سواء، فنشأت عند الفرنسيين طبقة الشعر والفنانين المتأثرين بهذه الروح، فكونوا بظهورهم نزعا جديدا من الاستشراق أطلق عليه الباحث محمد المقداد اسم: « (الاستشراق الأدبي) أو (الاستشراق الفني)على حسب نوع الاستلهام ودرجته،وظهرت النزعة الاستشراقية في الأدب الفرنسي والفنون التشكيلية منذ بداية القرن التاسع عشر تقريبا» ([7])(*).

هذا،ولعل أقدم النصوص الفرنسية الشاملة في هذا اﻟﻤﺠال كتاب(المكتبـة الشرقيـة) (Bliotheque Oriental La) التي صنفها ديربلـو d’Herblot  وأراد لها أن تكون أشبه بموسوعة تتناول علوم الشرقيين، وتاريخهم وآدابهم وأديانهم ونظمهم وعاداتهم وأساطيرهم، وهذا الأثر هو الذي مهّد الجو لتعرف الفرنسيين على الآداب العربية([8]) .

وتبعاً لهذا، فقد كانت مكتبة ديربلو الشرقية هي التي أوحت بإنشاء هذه الموسوعة واتُفق على أن يكون مقرها بليدن في (هولندا) وأن تصدر بثلاث لغات هي: الفرنسية، والألمانية، والإنجليزية. وبدأت طبعتها الأولى تصدر سنة 1913، ورُتبت موادها على حروف المعجم.

وقد كان غالان قد شارك ديربلو في القسم الأخير من هذا العمل، ثم أشرف-بعد وفاته سنة 1695 – على إتمامه وإصداره كله وحده. وقد جمع ديربلو ومن بعده غالان،  في هذا العمل،كلّ المواد والمعلومات التي كانتت معروفة عن الشرق حتى زمانهما؛ مستعينين بكثير من الاقتباسات من المؤلفات الشرقية اﻟﻤﺨطوطة،  بعدما ترجماها إلى الفرنسية ([9]).

وفي هذا التأصيل يقول الباحث محمود المقداد: «ويمكننا،  في الحقيقة،  أن نعد (المكتبة الشرقية) بدايـة التوجه الحقيقي نحو الشرق في ميدان الدراسات العلمية، ونضيف إلى ذلك القول إنّها جاءت ثمرة لجهود العاملين في حقل الاستشراق الفرنسيّ في العصور السابقة كلّها وتتويجا لها في الآن نفسه »([10]).

   ويضيف قائلا:«وربما كان بوسعنا أيضا أن نتخذ من هذه المكتبة نفسها بداية لحركة الاستعراب الفرنسيّ تحديدا،  تلك الحركة التي عُنيت باطلاع الفرنسيّين،  على كلّ الشؤون العربية من لغة وآداب وتاريخ وعقائد وجغرافية، إلى غيرها من الميادين،  عن طريق اللغة الفرنسية نفسها،  أي بطريق غير مباشر فيما يخص جمهور المثقفين والمطلعين الفرنسيين أنفسهم. في حين أنّ المستعربين كانوا هم طليعة المواجهة للغة العربية والاحتكاك المباشر بها والاطلاع على ما فيها من غير وسيط،  نظرا لكونهم الاختصاصيّين باقتحام هذا الميدان روادا فيه لأبناء وطنهم. وكانت الفرنسية لغة الترجمات الجديدة بعد ما كانت اللغة اللاتينية هي لغتها من قبل »([11])

ويمكننا على هذا الأساس أن نقسم تاريخ هذه الحركة إلى أربع مراحل،  هي:

أ-  مرحلـة البدايـات: وهي تمتد من وفاة ديربلو،  سنة، 1695 إلى السنة التي تأسست فيها بباريس المدرسة الخاصة بتعليم اللغات الشرقية الحية،  أي سنة 1795،  ويمكننا أن نصف هذه المرحلة بأنها كانت «مرحلة تلمس الطريق إلى الدراسات العربية، وفيها تكونت الاستعدادات للاتجاه إلى هذه الدراسات في نفوس بعض المثقفين الفرنسيين نتيجة للآثار التي تركتها في تلك النفوس ترجمة قصص (ألف ليلة وليلة) في أوائل هذه المرحلة »

ب – مرحلـة التكـون: وهي تمتد من السنة التي أُسّست فيها المدرسة المذكورة آنفا إلى سنة 1895 التي تقرر فيها إنشاء الموسوعة«E.I» باقتراح من المؤتمر الدولي العاشر للمستشرقين المنعقد في جنيف تلك السنة ،، ويمكن وصف هذه المرحلة بأنّها  تتميز بـ«ترسيخ الدراسات العربية في فرنسا وبثّها في عدد من دول أوربا على أساس من المنهجية والتنظيم» وتأكدت في هذه المرحلة أيضا «استمرارية الدراسات العربية في فرنسا » والجدير بالذكر هنا أنّ هذه الموسوعة لم تكن جهدا فرنسيا خالصا وإنما كان الفرنسيون من جملة المساهمين في إنشائها ومممن عملوا في إدارتها ونشرها في كل مراحلها.

ج- مرحلـة النضـج: وهي تمتد من سنة 1895 إلى السنة التي أنجز فيها نشر الموسوعة الإسلامية بثلاث لغات أوربية هي: الفرنسية، والألمانية، والإنكليزية، في أربعة مجلدات ضخمة،  وهي سنة 1942. ونلحظ في هذه المرحلة أعمالا هامة وقيّمة ينتجها المستعربون في فرنسا خاصة، وغيرها من البلدان الأوربية عامة، ونلحظ أيضا في هذه المرحلة وسابقتها سعي فرنسا الحثيث إلى استعمار أجزاء من الوطن العربي أو بسط هيمنتها عليها؛ فكانت حملة نابليون على مصر سنة 1798، واحتلال الجزائر سنة 1830، وتونس سنة 1881، والمغرب سنة 1914، ثم سورية سنة 1920، وكان لهذا السعي كبير الأثر في تنشيط حراك الدراسات العربية في فرنسا، إلى درجة عالية لما كانت تقدمه  للمستعمرين من معلومات تسهل عليهم السيطرة والإدارة والتوجيه والتأثير في هذا البلدان العربية. وقد كان للجزائر في المرحلة الثانية- الآنف ذكرها -دور هائل في هذا الاتجاه،  إذ نشأت فيها مدرسة من المستعربين عُرفت باسم (المدرسة الجزائرية في الاستعراب الفرنسي)، وأقيمت فيها المعاهد الخاصة بالاستعراب، وكانت المكتبات الجزائرية غاصـة باﻟﻤﺨطوطات العربية المتتنوعة التي استفاد منها عدد كبير من المستعربين فيها وفي فرنسا على حد سواء.

د – المرحلـة المعاصـرة:  وهي تبدأ بسنة 1942 وأواخر الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا.

 ونجد فيها آثارا رائعة للمستعربين الفرنسسين تدل على منهجية متقدمة وتعمق و إلمام،  كما تدل كذلك على نوع من أنواع التخصص في الدراسات العربية، إذ كان المستعربون الأوائل يأخذون من كل علم أو فرع بطرف،  فأصبح المعاصرون منهم يقصرون اهتمامهم وجهودهم على طرف واحد من هذه الدراسات،  فنجد بعضهم يتخصص بالأدب الجغرافي العربي، وبعضهم بالأدب التاريخي العربي، وبعضهم بأديب معين كالجاحظ أو ابن قتيبة،  أو بشاعر معين كالمتنبي،  وبعضهم بعلم الاجتماع الإسلامي،  وبعضهم بالتاريخ العربي،  أو باللغة العربية،  أو بالأدب في فترة من الفترات،  أو بفرع من فروع الدراسات الإسلامية كالقرآن أو الحديث أو التشريع أو التصوف.

ترسيمة توضح مراحل أنساق القراءة الاستشراقية الفرنسية

المرحلة

طبيعتها

امتدادها

خصائصها

الأولى

البدايـات

من  سنة، 1695 إلى سنة 1795

تبلورت الاستعدادات للاتجاه إلى هذه الدراسات في نفوس بعض المثقفين الفرنسيين نتيجة للآثار التي تركتها في تلك النفوس ترجمة قصص (ألف ليلة وليلة) في أوائل هذه المرحلة.

الثانية

التكـون

تمتد 1795 إلى 1895

- ترسيخ الدراسات العربية في فرنسا وبثّها في عدد من دول أوربا على أساس من المنهجية والتنظيم.

- استمرارية الدراسات العربية في فرنسا

الثالثة

النضـج

تمتد من سنة 1895 إلى السنة التي أنجز فيها نشر الموسوعة الإسلامية بثلاث لغات أوربية هي: الفرنسية، والألمانية، والإنكليزية، في أربعة مجلدات ضخمة،  وهي سنة 1942.

- بروز أعمال هامة أنتجها المستعربون في فرنسا خاصة.

- سعي فرنسا الحثيث إلى استعمار أجزاء من الوطن العربي أو بسط هيمنتها عليها.

الرابعة

المعاصرة

تبدأ بسنة 1942 وأواخر الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا.

تعتمد على منهجية متقدمة وتعمق و إلمام،  كما تدل كذلك على نوع من أنواع التخصص في الدراسات العربية.


ثانيا: القراءة الاستشراقية المعاصرة، بين الأفق الموضوعي والأفق الأيديولوجي (شارل بيلا قارئا للجاحظ):

لا يكاد المتأمّل في قضايا القراءة الاستشراقية داخل الثقافة العربية الحديثة يظفر بما يرتضيه إجابةً شافيةً، تصل به إلى برَد اليقين فيما يخص مرجعيات المناهج التي توسّل بها المستشرقون في قراءة التراث العربي وتأويلـه، وسنذكر ابتداءً  بعضا مما أنجزه المستعربون الفرنسيون في ميدان الدراسات العامة أو الخاصة من أعمال، وسنقتصر على نماذج مختصرة(*):

نشر الدواوين والأشعار وترجمتها:
ترجم دوساسي قصيدة(البردة للبوصيري) سنة 1806.
نشر أيضا (معلقة لبيد) مع ترجمتها ملحقة بكتاب (كليلة ودمنة).
ونشر لوي ماسنيون Louis Massingon (1883-1962) (*) (ديوان الحلاج) في:اﻟﻤﺠلة الآسيوية سنة 1931. ثمّ قام بترجمته إلى الفرنسية ونشر طبعته الثانية سنة 1955.
نشر الكتب الأدبية العامة وترجمتها:
ترجم غالان قصص (ألف ليلة وليلة) إلى الفرنسية لأول مرة بين سنتي 1704 و 1708 .
 وترجم كذلك(مقامات الحريري) سنة 1819 .
  ونشر شارل بيلا(رسالة التربيع والتدوير)للجاحظ مع مقدمة بالفرنسية ضمن منشورات المعهد الفرنسي بدمشق سنة 1956.
  وكان بيلا قد نشر من قبل ترجمة لكتاب(البخلاء) للجاحظ، في باريس سنة 1951.
  ونشر بيلا كذلك ترجمة لكتاب(التاج في أخلاق الملوك) للجاحظ أيضا.
وترجم بلاشير(*) بالتعاون مع ماسنو P. Masnou عددا من(مقامات الهمذاني) في باريس سنة1957.
ج-  نشر المختارات الأدبية وترجمتها: لما كان من الصعب نقل النص الأدبي من لغة إلى أخرى من غير أن يفقد روحه وخصائصه الأسلوبية والجمالية نتيجة للحذف والتعديل والتحوير وغير ذلك من متطلبات الترجمة الأدبية، وخاصة الترجمة الشعرية، فقد وجم المستعربون الفرنسيون أمام التوسع في نقل الكتب الأدبية العربية، وكان تحفظهم أمام الكتب النثرية أقل بكثير منه أمام الشعر ودواوينه، واستبدلوا بذلك جمع اﻟﻤﺨتارات الملائمة للترجمة لشهرتها عند العرب أو لأنها تمثل جانبا من جوانب هذا الأدب وأبرز ما نُشر في هذا المجال نذكر:

 نشر دو ساسي مختارات أدبية شهيرة أطلق عليها عنوانا مسجوعا هو:  الأنيس المفيد للطالب ا لمستفيد. وقد حوت هذه اﻟﻤﺠموعة مثلا(لامية العرب) للشنفري، وبعض أشعار (المعري)، وبعض (مقامات) بديع الزمان الهمذاني، إلى جانب نصوص مختلفة من كتب الأدب والتاريخ والرحلات، وغيرها. وقد وقعت مختاراته هذه في ثلاثة مجلدات متنا وترجمة وتعليقا، ثم طبعها بين سنتي 1806 و 1826.
ونشر أيضا في سنة 1827 مختارات شعرية أسماها(الدر اﻟﻤﺨتار)، متنا وترجمة وتعليقا و تحتوي على معلقة الأعشى ومعلقة النابغة.
ونشر دولاغرانج في سنة 1828 منتخبات من الشعر العربي أسماها: نخب الأزهار في منتخب الأشعار.
ونشر سالمون G. Salmon منتخبات من رسائل المعري وأشعاره، متنا وترجمة، مع مقدمة في باريس سنة 1904 .
ونشر مكاريوس Makarius بالتعاون مع آخرين: مختارات من الأدب العربي المعاصر في الرواية والقصة، في باريس سنة 1964 .
د- تأليف الدراسات الأدبية الخالصة: ويتناول مثل هذه الدراسات في العادة حياة كاتب من الكتاب المشهورين وآثاره، أو حياة شاعر من الشعراء وأشعاره، وربما تطرق إلى تناول فن من فنون الأدب أو أسلوب من أساليبه أو مدرسة من مدارسه أو تيارا من تياراته، وربما درس عصرا من العصور الأدبية أو حاول دراسة تاريخ الأدب العربي عبر العصور، وقد تجسدت هذه التآليف الخاصة إما في شكل كتب وإما في شكل مقالات:

الكتب :
كتب كليمان هوار تاريخا للأدب العربي من أصوله حتى زمانه بعنوان: (الأدب العربي)، نشر طبعته الأولى سنة 1902، ثم طبع بعد ذلك مرارا، ظل معولا عليه في بابه عند المستعربين الفرنسين  إلى أن زحزحه من المقدمة كتاب المستعرب الفرنسي ريجيس بلاشير الذي سيرد ذكره لاحقا.
 وكتب ريجيس بلاشير دراسة بعنوان: (شاعر من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي : أبو الطيب المتنبي،نال بها درجة الدكتوراه من جامعة السوربون ونشرها بباريس سنة 1935([12]).
 صمم ريجيس بلاشير بحثا قيما وطموحا بعنوان: (تاريخ الأدب العربي من الأصول إلى نهاية القرن الخامس عشر، غير أنه نشر ثلاثة مجلدات منه فقط بين سنتي 1952 و 1966 وحالت وفاتهه سنة 1973 دون إكماله ولا تغطي هذه اﻟﻤﺠلدات سوى الفترة الجاهلية وصدر الإسلام والعصرر الأموي  ([13]).
وكتب شارل بيلا دراسة عن: الوسط البصري وتكوين الجاحظ، (نال بها درجة الدكتوراه، ونشرها في باريس سنة 1953)([14]).
وكتب بيلا أيضا بحثا في تاريخ الأدب العربي باختصار بعنوان( اللغة العربية وآدابها) نشره سنة 1952([15]).
وكتب جان فاديه J.Vadet دراسة عن: الغزل عند العرب حتى القرن الخامس الهجري،  ونال بها درجة الدكتوراه، ونشرها في باريس سنة 1968([16]).
ونشر أندريه ميكيل كتيبا في تاريخ الأدب العربي باختصار شديد بعنوان: الأدب العربي، ضمن سلسلة كوسيج(برقم 1355 باريس 1969)([17]).
المقالات:
لا حصر للمقالات التي كُتبت في موضوعات أدبية ولا يمكننا من ثمة أن نحيط بها ها هنا؛ بيد أنه من أراد الاطلاع عليها بإمكانه أن يعود إلى أهم الدوريات الاستشراقية أو الاستعرابية في فرنسا،  فإذا أراد الاطلاع على كل المقالات المنشورة في مختلف الدوريات والمجلات باللغة الفرنسية منذ سنة 1906 فيمكنه الرجوع مثلا إلى إحصائية شاملة لها في الفهرس القيم جدا الذي قام بوضعه وتصنيفه المستعرب الإنكليزي بيرسون J.D. Pearson  بعنوان:  (Index Islamicus) وقد بذل فيه جهودا،ولهذا الفهرس ميزة الترتيب والتصنيف المنهجيين لكل المعلومات المتعلقة بالمقالات، وفيما يلي نماذج من هذه المقالات الأدبية الخالصة:

أصول النثر الأدبي العربي: كتبها وليم مارسيه William Marcais (1874-1956)في (اﻟﻤﺠلة الأفريقية) سنة 1927  ([18]).
أحمد شوقي: كتبها هنري بيريس في(حوليات معهد الدراسات الشرقية)، 2، 1936.
القصة والرواية والأقصوصة في الأدب العربي الحديث، لبيريس أيضا في الحوليات نفسها سنة 1937.
 مقدمات المؤلفين العرب لقصصهم وأقاصيصهم: لبيريس كذلك في الحوليات نفسها سنة 1939 - 1941 .
حديث عيسى بن هشام للمويلحي: لبيريس كذلك في (مجلة الدراسات الشرقية)1944٬10 .
الجاحظ في بغداد وسامراء: كتبها شارل بيلا في نشرة الدراسات الشرقية (٬17 1952).
  هكذا، ومن على شرفة هذا الإحصاء، نلحظ أنّ المستشرقين الفرنسيين قد نقلوا جزءا هاما من تراثنا الأدبي إلى الفرنسية، مسهمين بلا ريب في تعريف خاصة  المثقفين الفرنسيين، وعامتهم والمتخصص منهم بالعربية، بجملة من آثارنا الأدبية الجميلة. وقد أفادونا نحن العرب أيضا بما نشروا من آثارنا الأدبية محققة تحقيقا علميا جادا؛ إذ أحيوها بعد طول سبات، وعرضوها.

  والحال هذه، فقد وقفنا على إسهام المستعربين الفرنسين في تسليط الأضواء على تراثنا الأدبي بما قاموا به من دراسات على شكل كتب أو مقالات، وهي حافلة بالتحليلات والآراء والأفكار الجديرة بالتوضيح والإفهام وإثارة التساؤلات. وقد أوجزت الباحثة وفاء الخميس خصائص الاستشراق الفرنسي في النقط التالية([19]):

1.    تتركز دراسات المستشرقين الفرنسيين حول ثلاثة محاور: المحور الديني، والمحور السياسي، والمحور الاستعماري.

2.    للاستشراق الفرنسي أثر كبير في توجيه الاستشراق الألماني والانحراف به نحو منعرجات دينية وسياسية، ويبرز ذلك من خلال تتلمذ الكثير من المستشرقين الألمان على مستشرقين فرنسيين.

3.    يعد معهد اللغات الشرقية أهم مكان ترعرع فيه الاستشراق الفرنسي.

4.    كان لجامعة السوربون أثر واضح في تنشيط الدراسات الشرقية في فرنسا.

5.    كان لتأسيس المعاهد والمدارس والمراكز الثقافية في بلاد الشرق تأثير كبير في فَرْنَسةِ عدد من هذه البلاد خاصة تلك التي استعمرتها فرنسا.

6.    يمتاز الاستشراق بالتخصص؛ فإن معظم أفراده يتخصص كل منهم في جانب معين من جوانب البحث والدراسة.

7.    نشأت معظم الجامعات والمعاهد الفرنسية التي تعنى بالدراسات الشرقية بجهود رهبان وقساوسة، كما تولوا إدارتها.

8.    قام الاستشراق الفرنسي بفهرسة الكثير من الكنوز الشرقية من مخطوطات ووثائق وغيرها، سواء في فرنسا أو في غيرها من البلاد التي استعمرتها.

9.    اهتم الاستشراق الفرنسي بكل ما يتعلق بالشرق عموماً، وإن كان تركيزه يشتد على علوم المسلمين والعرب.

10. يعد الاستشراق الفرنسي المرجع الأوروبي الأول عن الأبحاث والدراسات الخاصة بالطوارق والبربر، وكان تركز مستعمراته في أفريقيا عاملاً مساعداً له على ذلك، واهتمامه بهذا النوع من الدراسات لا يخلو من نوايا استعمارية.

11. ترك بصماته الواضحة على التعليم في أفريقيا (وخاصة في الشمال منها)؛ وذلك بسبب ما أتيح لأعضائه من فرص في التدريس والتوجيه التربوي وتخطيط المناهج.

12. اهتم كثيراً بالآثار وتتبعها في مواقعها، وأنشأ لها معاهد ومراكز خاصة

13. ضم بين صفوفه الكثير من ضباط القوات المسلحة الفرنسية، وأتاح لهم عملهم في المستعمرات الفرنسية النبوغ في ميدان الدراسات الشرقية في مختلف جوانبها

14. تأثر الأدب الفرنسي بالشرق عموماً، وبالعرب والإسلام خصوصاً. حيث اطلع الآباء اليسوعيون على الثقافة الصينية وترجموا روائعها، وقد تأثر الأدباء الفرنسيون ببعض التيارات والموضوعات السائدة في الأدب الصيني والعربي. فمثلاً: استوحى روسو اعترافاته من الشرق، وكذلك لافونتين في أساطيره، وتسربت  أغراض القصص الشرقي إلى المسرح الفرنسي، فكتب لاساج مسرحيات عن: أبي بكر، والجنة ومكة، وقوافل الحج، وتأثر مونتسكيو بالثقافة العربية فجاء كتابه (الرسائل الفارسية) متأثراً بألف ليلة وليلة مشتملاً على نزعاتها وتعدد احتفالاتها، كما أخذ عن ابن خلدون بعض فلسفته الاجتماعية في كتابه (روح الشرائع) .

15. في المقابل: يرى بعض الباحثين أن مما يختص به المستشرقون الفرنسيون أنهم أشد المستشرقين تعصباً ضد الإسلام ورسوله محمد »؛ إذ من النادر أن تقرأ لمستشرق فرنسي شيئاً طيباً عن حياة رسول الله »، وحتى لو قال شيئاً حسناً فإنه يتحفظ في قوله تحفظاً بالغاً

16. احتضنت فرنسا (كما مر سابقاً) أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم، وظهرت فيها تسع ترجمات للقرآن الكريم.

( شارل بيلا قارئا للجاحظ) :
الجاحظ هو«الكاتب العربيّ الأكثر استحقاقا لماهيّة الإنسيّة »

شارل بيلا: الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، ص4-5.

إن الجاحظ على الرغم من بلوغ نثره درجة نافس بها الشعر، إلا أن النقاد العرب القدامى الذين أعجبوا به لم يبينوا أسباب هذا الإعجاب «ذلك أن الشعر وحده (بصرف النظر عن القرآن طبعا) جدير بأن يكون في نظره موضوع دراسة أسلوبية».

شارل بيلا: النثر الفني ببغداد :

  إنّ أيّ قراءة لا تبدأ من فراغ، بل هي قراءة تبدأ من طرح أسئلة تبحث لها عن إجابات، وسواء أكانت الأسئلة التي تتضمنها عمليّة القراءة صريحة أم مضمرة، فالمحصلة في الحالتين واحدة وهي أنّ طبيعة الأسئلة تحدد للقراءة آليّاتها ويكون الفارق بين السّؤال المعلن والسّؤال المضمر أنّ آليّات القراءة في الحالة الأولى تكون آليّات واعية بذاتها وقادرة على استنباط أسئلة جديدة تقوم بدورها بإعادة صياغة آليّات القراءة، وبذلك تكون القراءة منتجة. أما آليّات القراءة في حالة السّؤال المضمر فتكون آلياّت مضمرة بدورها، تتظاهـر غالبا بمظهر الموضوعية لإخفاء طابعها الأيديولوجيّ النّفعيّ، وتقع من ثمّ في أسر ضيق النّظرة والتّحيّز عن المشروع، وأحيانا ما تتعقد القراءة فتطرح بعض الأسئلة وتضمر بعض الأسئلة وعلى ذلك تزدوج آليّاتها وتتناقض، فتكون قراءة منتجة على المستوى الجزئيّ، ومتحيّزة أيديولوجيّا على المستوى الكليّ العام .

وإذ تحددت إشكالات القراءة في بعدي اكتشاف الدّلالة والوصول إلى المغزى تتحدد إشكالات التّأويل في طبيعة الأسئلة التي تصوغها القراءة انطلاقا من الموقف الحاضر وجوديّا ومعرفيّا.

الأفق التاريخي/السياقي، وكسر القيم الفنية:
القراءة الاستشراقية في معظمها تتجاهل الأثر بحثا عن المؤثر، فلا نجد في الغالب متابعة للنصوص الأدبية والآثار الفنية من الناحية البنيوية الجمالية، ولكننا نقف في معظم الأحيان على قراءات تستخدم النص مطية للبحث عن حقائق(خارج نصية)،كسيرة الكاتب أو ثقافة عصره، أو ظروف إنتاج النص وما إلى ذلك من سياقات،عبر جملة من المناهج  التي تخدم هذا الغرض، كالمنهج التاريخي، والمنهج النفسي، والمنهج الاجتماعي، والمنهج الحفري(الأركيولوجي) وغيرها، وهي مناهج لا تعكس القيمة الفنية والعلمية لموروثنا الأدبي بقدر ما تحوله إلى وثيقة تبحث في مؤثرات هذا الموروث.

والحاصل أنّ شارل بيلا لم يخرج عن هذا النسق التأليفي،ففي كتابه" الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء" نلمس بوضوح النقد التاريخي(اللانسوني)، حيث تنطلق قراءة شارل بيلا للجاحظ-بوصفها مقاربة سياقية- من نقطةة الاهتمام بما حول النص الجاحظي كالحقبة التاريخية التي عاش فيها وما لها من أثر فيــه، ومن شأن هذا المنهج دراسة السياق وما يتعلق به، ويمكن أن نسم منهج الباحث بـ «التفسير» لأنه سعى إلى تفسير النص بتفسير سياقه، ومن ثم ركز الباحث في كتابه الموسوم بـ «الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء» على مجموعة العوامل التي تؤثر في اتجاه نصوص الجاحظ، وفي تشكيلها، وفي ظهورها، «فالسياق العام للأثر الأدبي أو النص هو المجتمع والتاريخ» ([20]).

إنّ  الفاحص لقراءة بيلا يلحظ أنها تغيب كليّا القارئ من حيث هو أداة وطرف أساسُ في إنتاج المعنى الذي يحمله النّص، فهي تراهن على المعنى الواحد بدل المعنى المتعدد والمتنوع مع الاحتكام إلى السياق والظروف المحيطة بمقولات الجاحظ والتي تعد الأصل حسبه في إدراك القصد الجاحظيّ، وسنحاول في هذا السياق أن نناقش بعض آراء بيلا حول الجاحظ.

  لقد كان بوسع الباحث شارل بيلا-كي يكون بحثه وافيا كاملا- أن يفحص حياة الجاحظ في مرحلتيها(البصرية و البغدادية)، بيد أنه أحجم أمام طول البحث وتشعبه، فقصر بحثه على مرحلة البصرة، ومن ثمّ فقد اشتملت دراسته للجاحظ، على كل ما له علاقة بمدينة البصرة، منذ القرن الأوّل الهجري حتى زمان الجاحظ من الناحية الاجتماعية والأدبية والفكرية، والاقتصادية مع حرصه على إظهار التفاعلات التي عملت على بناء شخصية الجاحظ، وذهنيته الجبارة، وينبغي التأكيد على الملاحق التي أضافها مترجم الكتاب(إبراهيم الكيلاني)، وهي:

بحث بعنوان: الجاحظ في بغداد وسامراء، عثر عليه المترجم في مجلة الدراسات الإسلامية التي تصدر في روما.
محاضرة بعنوان:أصالة الجاحظ،(وهي عبارة عن محاضرة ألقاها شارل بيلا في المغرب).
أما بالنسبة لمسرد الكتاب فقد جاء مكونا من تمهيد، ثم ذكر للمصادر التي استقى منها بيلا مادته، وبعدها نجد ستة فصول، هي على النحو الآتي:

الفصل الأول بعنوان البصرة في القرنين الأول والثاني .
الفصل الثاني بعنوان الجاحظ في البصرة.
الفصل الثالث بعنوان الوسط الديني والسني.
الفصل الرابع  بعنوان الوسط الأدبي.
الفصل الخامس بعنوان الوسط السياسي الديني.
الفصل السادس بعنوان الوسط الاجتماعي.
يقول الباحث شارل بيلا مبرزا نهجه السياقي: « إننا لا نستطيع دراسة الجاحظ من (الداخل) بل من الجائز دراسته من (الخارج) على اعتبار أنّ أغلب آثاره هي أبعد من أن تكون نتيجة هوايه كاتب واع لموهبته، بل هي مشروطة بحوادث ذوات طبائع متنوعة؛ لذلك يجب التفتيش عن الفرصة والدوافع في الحالة الفكرية والاجتماعية والدينية والسياسية السائدة حينئذ، كما يجب التنقيب في ظروف حياته الخاصة التي دفعته إلى كتابة رسالة الجد والهزل، والفارق بين العداوة والحسد وعندها يصبح التوقيت الزمني لآثاره أمرا لا غنى عنه»([21]).

يحيلنا نص شارل بيلا دون تردد إلى مجموعة من القراءات النقدية العربية التي تأثرت بمنهج بيلا في فحص الخطاب الجاحظي من منظور سياقي(*)  لعل أبرزها: قراءة جميل جبر «الجاحظ في حياته وأدبه وفكره(*)»، وأطرف من مثل هذه القراءات في حدود اطلاعنا شوقي ضيف من خلال كتابه "البلاغة تطور وتاريخ"، الذي يُعد مدرسة قائمة الذات/مدرسة التّمهيد في المنظومة العربية.

ولقد كان لملاحظات بيلا حول الجاحظ أثر  في الدراسات العربية، فالباحث  صالح بن رمضان يصرح في مقاربته الموسومة بـ أدبية النص النثري عند الجاحظ  إنما يطور ملاحظة وردت في قراءة شارل بيلا) في مقاله: "النثر الفني ببغداد"، الذي رأى فيه أن الجاحظ على الرغم من بلوغ نثره درجة نافس بها الشعر، إلا أن النقاد العرب القدامى الذين أعجبوا به لم يبينوا أسباب هذا الإعجاب «ذلك أن الشعر وحده (بصرف النظر عن القرآن طبعا) جدير بأن يكون في نظره موضوع دراسة أسلوبية»([22]).

 لكن هل مبررات بيلا في عدم دراسته للجاحظ من الداخل منطقية ؟ ثم هل يمكننا أن نسلم بقوله من كون  أغلب آثار الجاحظ هي أبعد من أن تكون نتيجة هوايه كاتب واع لموهبته...

  ونود في هذا السياق أيضا أن نقدم احترازا على منهج الباحث بيلا، حيث  ذكر دالين متناقضين؛ وذلك حينما صرح بأنّ منهجه في المقاربة يعتمد على المرجعية السياقية ومرة أخرى نجده يقول: «إنه لولا كتب الجاحظ لكان عملنا أكثر هزالا...»([23]).

الأفـق الجمـالي:

يؤسس الباحث شارل بيلا (Charles pellat)فهما خاصا/ مغايراً(*) وطريفا لمقولة الاستطراد عند الجاحظ؛ حيث يتصوّر في هذا السياق أنّ «التّفكك» و«التّكرار» هما مصدر«روعة»([24]) كتب الجاحظ، ويدعـونا إلى قراءة استطرادات الجاحظ وتذوقها في سياق المقصديّة الأدبيّة التي تتوخاها كتاباته؛ فالجاحظ أديب يتغيّا إمتاع القرّاء([25]). وكأنّ المستعرب الفرنسيّ يدعو إلى التّعامل مع مؤلفات الجاحظ باعتبارها نصوصا أدبيّة تهيمن فيها الوظيفة الجماليّة على الوظيفة المعرفيّة، كما يدعونا إلى قراءة تلك المؤلفات في سياق الاستراتيجيّات الفكريّة التي تتحكم في إنتاجها؛ أي باعتبارها نصوصا تجيب عن أسئلة كبرى أقلقت الجاحظ. ولا شك أنّ القارئ في هذه الحال سيقدّر استطراداته ويفهمها على الوجه الذي أراده لها صاحبها، وليس انطلاقا من معيار منهجيّ معاصر.

إنّ النّظر إلى كتب الجاحظ : "الحيوان"، و"البيان والتبيين" و"البخلاء" باعتبار الغايات التي تتحكم في بنيتها، يساعدنا من دون شكّ في إعادة تقييم أسلوب الاستطراد عند الجاحظ، ويقدّم تفسيرا أعمق لطبيعة نصوصه؛ على هذا النّحو يرى شارل بلاّ أنّ كتاب "الحيوان" يؤول إلى «إحصاء ما في الطبيعة من الأدلة على قدرة الباري سبحانه وتعالى، وعلى إتقان صنعه، وعجيب تدبيره، ولطيف حكمته»([26]). أما الغاية من كتاب "البيان والتبيين" فتتمثل في الدّفاع عن العرب وإظهار«قريحتهم الخطابيّة وعبقريّتهم الشّعريّة»([27]) بعد أن أصبح الوجود الفارسيّ يهدد الوجود العربيّ في الثّقافة والسلطة. ولا تختلف الغاية من تأليف كتاب "البخلاء" كثيرا عن هذه الغاية؛ فقد ألف الجاحظ هذا الكتاب أيضا للدفاع أيضا عن العرب ضد الوجود الفارسيّ وتسلّطه؛ فبعد أن أظهر تفرقهم في البلاغة، سعى هنا إلى إظهـــار جودهم وسخائهم في مقابل اقتصاد الأعاجم وبخلهم([28]).

وهي نفس الفكرة تقريبا التي دعا إليها مجموعة من الباحثين العرب؛ فالباحث صالح بن رمضان، يدعو إلى مقاربة أسلوب الاستطراد بالنّظر في كتب الجاحظ وتقييمه في ضوء معيارين أساسيّين؛ الأوّل يؤكد على ضرورة مراعاة طبيعة النّوع الأدبيّ الذي تنتمي إليه هذه الكتب التي يشيع فيها الاستطراد. أما الثّاني فيحرص على وجوب الكشف عن أفق انتظار مغاير لتلقي هذه الكتب.

   وعلى هـذا النّحو رأى البـاحث أنّ المـؤلفـات الأدبيّـة من قبـيـل "الحيوان"، «ليست مجرد موسوعات علميّة ولغويّة، وإنّما نوع أدبيّ جامع لأنواع كثيرة، أو قل هي مصب الأنواع ونقطة تقاطعها»([29]).

 ويتأسس على هذا المعيار التّجنيسي الذي قال به بيلا وغيره - فيما يقول مشبال ضرورة- «مقاربة هذه المؤلفات في ضوء معايير أفق انتظار تختلف عن معايير أفق تلقيها القديم التي حددت وظيفة الأدب في الجمع بين الإمتاع والإفادة»([30]).

 إنّ البحث عن أفق انتظار آخر كفيل بتغيير فهمنا لهذه الكتب، وبتغيير نظرتنا وتقديرنا لأسلوب الاستطراد؛ على هذا النّحو أفضى معيار تجنيس هذه الكتب في إطار الأنواع الأدبيّة الجامعة أو الكتابة الموسوعيّة إلى اعتبار الاستطراد سمة من سماتها البلاغيّة. يقول صالح بن رمضان عن الاستطراد في كتاب "الحيوان": «إنّ التداخل بين الفنون والأشكال في كتاب الحيوان يخدم تصور الجاحظ للكتابة، بل لعلّ كافة أساليب الاستطراد، وهي كثيرة، إنّما هي أركان فنيّة تلائم بنية الخطاب في النّص الموسوعيّ، ومن الخطأ أن نواصل استخدام مصطلح الاستطراد دون أن نميز بين الاستطراد الشّفويّ، والخروج أثناء الكتابة من موضوع إلى آخر، أي الاستطراد كظاهرة تتميز بها الكتابة الموسوعيّة»([31]).

  ويعتبر الباحـث نوري جعفـر في تفسيره النّـفسيّ للاستطراد ومحتوياتـه، الجاحظ «عالم نفس»([32]) يراعي المَلل الذي يعتري القارئ فيروّح عنه بالتّغيير في الموضوعات والانتقال بين الجدّ والهزل.

ويعضد الباحث إدريس بلمليح طرح شارل بيلا حينما يقول بـ «النّسق» في خطاب الجاحظ رغم تبعثر أقوالــه وأحكامه، وهو ما عبر عنه- في نص التّقـديـم- بمحاولة العثور على «منطق» داخليّ لتراث الجاحظ يضمن الجهد البلاغيّ عنده([33])، ثم إنّ النتائج التي توصل إليها إدريس بلمليح كفيلة بشرح ذلك.

  إن الذي نحرص على تأكيده في هذا المقام هو متانة قراءة بيلا لمقولة الاستطراد عند الجاحظ حيث دعا إلى إعادة قراءة التراث الجاحظي بأناة، لاستخلاص النظريات التي تحكمه وتلمّس عناصر القوة والأصالة فيه، والبعد عن التسرع في تخطئة الجاحظ خاصة ما تعلق بمنهجية الكتابة والتأليف عنده.

   إنّ فاحص قراءة شارل بيلا يلحظ أنه حاول التركيز على «إضافة» الجاحظ وجدته داخل دائرة انتمائه الاعتزاليّ، ويمكن أن نرد ذلك إلى طبيعة اختيار الباحث المنهجيّ، ومن ثم فقراءته اختلفت عن مقاربات أخرى لاحقة لم تركز على الجانب الفردي بقدر ما ركزت على النتاج الجماعي؛ فالباحث إدريس بلمليح مثلا يقول في هذا الصدد: «لاشكّ أنّ محاولة ردّ حركة فكريّة ذات اتجاهات متعددة، ومبادئ متنوعة، إلى فرد من الأفراد، تبدو محاولة تعسفيّة إلى حدّ كبير، لأنّ تاريخ الفكر الإنسانيّ يعلمنا أنّ الحركة الفلسفيّة أو الثّقافية أو الأدبيّة، إنّما منشؤها فئة اجتماعيّة، للفرد مكانته بينها، لكنّها تبقى بالرّغم من ذلك جماعة، تؤمن بهذا الاتجاه أو ذاك في مرحلة زمنيّة معينة، فيؤسسه بعض أفرادها، ويطوّره أو يغنيه أو يدافع عنه أفراد آخرون عبر الزّمن»([34]) .

وهكذا، لا يمكن تجاهل جانب الفرد أو العبقريّة عند الجاحظ في صياغة رؤيته للعالم،  وفي هذا السياق يؤكد شارل بيلا على «الذّكاء الحاد الفريد من نوعه عند الجاحظ وميله الوراثيّ للتّفكير العقليّ» مع أنّه سعى إلى تحليل وتأكيد تأثير البصرة في فكر الجاحظ، وأنّ عقل الجاحظ صيغ «لا شعوريّا» انطلاقا من هذا التّأثير»([35]).

   إنّ الذي ينبغي أن نبقى على ذكر منه هو أنّ الاستشراق الفرنسي هو الأكثر فهما وقربا من الشرق بحكم الطبيعة التوسعية الاستعمارية لفرنسا خلال القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين، وهو ما مكنها منن التفوق على باقي المدارس الاستشراقية في معرفة العرب والمسلمين واستيعاب ثقافتهم، رغم أنّ معظم النشاط الاستشراقي الفرنسي كانت له أبعاد سياسية استعمارية ظالمة.

(*) الجمهورية الجزائرية / جامعة سطيف .


*  هوامش البحث  *

(*) الاستشراق في اللغة مصدر من الفعل السداسي: استشرق،وأصله: (شَ رَ قَ)، والألف والسين والتاء إذا سبقت الفعل الثلاثي أفادت الطلب، وعلى هذا فاستشرق: أي طلب الشرق انظر: محمد فتح الله الزيادي: الاستشراق أهدافه ووسائله،، (دمشق: دار قتيبة)، الطبعة 2 :2002م، ص17.. والشرق: الشمس، أو الجهة التي تشرق منها، والـمَشْرِق: مثله، وفي النسبة: مَشْرقِي (بفتح الراء وكسرها). والشَرْقَة والمَشْرقة (مثلثة الراء): موضع القعود في الشمس بالشتاء. وتشرَّق: أي جلس فيه. وأشْرَق: دخل في وقت شروق الشمس، وأشرقت الشمس: أضاءت ينظر: القاموس المحيط، مادة (ش ر ق)، ص1158؛ والمصباح المنير، مادة (ش ر ق)، 1 /310-311..وعلى هذا فمعنى الكلمة يدور حول: جهة الشروق، والضوء (والذي يتبادر للذهن عند ذكر الشمس). فسمي الاستشراق بذلك لأن أهله (الغرب) طلبوا علوم المسلمين والعرب، وبحثوا في الإسلام،حيث كان مبدؤه من جهة الشرق بالنسبة لهم. أما المقصود بالاستشراق فهو أسلوب غربي لمعرفة العالم الشرقي عن طريق البحث أو التخصص في الشرق، بدراسة علوم وآداب وديانات وتاريخ شعوب الشرق، للسيطرة عليه. الاستشراق أهدافه ووسائله، ص16 وما بعدها.

(*) إنها -أي الخصائص – علمية مطلقة مع كل ما للعلم الحديث من مقتضيات وموجبات نقدية محللة ناخلة مغربلة تتجلى فيها روح النقد العلمي المقارن دون مراعاة أو محاباة، لأي عامل من عوامل الأثر والغرض، نموذجية قياسية بمعنى أنّ المستشرق يتناول بحثه على وجه من منطلق العلم، ووجه البحث في الطريقة والصياغة والاستطراد والتوسع والغرض والبسط بحيث تتضح أمامك المعالم وتستبين الأهداف.. موسوعية أوجامعية؛ بحيث إنه إذا تناول مستشرق موضوعا ما استفرغ منه المناحي واستظهر منه الخوافي فلا يدع مزيدا لمستشرق، كل هذا في وضوح وجلاء ونقاء ونصاعة. حورية الخمليشي:ترجمة النص العربي القديم وتأويله عند ريجيس بلاشير،منشورات الاختلاف،الدار العربية للعلوم ناشرون،دار الأمان الرباط،ط01، 2010، الإحالة،ص28.

([1]) ينظر: نجيب العقيقي المستشرقون، القاهرة: دار المعارف، بدون تاريخ نشر، 1/ 138.

([2]) ينظر: عبد الله العليان : الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف،(الدار البيضاء:المركز الثقافي العربي)،ط1، 2003،ص78

(*) كانت ترجمة رديئة كثيرة الأخطاء، ومع ذلك فقيل: إنها أحرقت خشية تأثر اللاتين بها.والمنقول أنها ظلت محفوظة في الدير حتى نشرت بأوروبا عام 1543م، وتمت عام 1143م، برعاية (بطرس المحترم) رئيس دير كلوني بجنوب فرنسا وهو من أهم الأديرة في أوروبا

([3]) وفاء الخميس : الاستشراق الفرنسي،نشأته وخصائصه وشخصياته، إشراف الدكتور: خالد القاسم، ص10

([4])ينظر: محمود حمدي زقزوق : الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري،، (القاهرة: دار المنار للطباعة والنشر)، ط2: 1409ه-1989م، ص27.

([5])ينظر: حبيب بوزوادة:القراءة الاستشراقية للموروث الأدبي بين الموضوعية والإجحاف،مجلة جدور، الع.37،الناي الأبي لجدة،2014

 ([6])محمود المقداد: تاريخ الدراسات العربية في فرنسا ،سلسلة عالم المعرفة،167، نوفمير 1992، ص126-127

([7]) المرجع نفسه ،ص128 ويذهب الباحث في هذا السياق إلى أنّ الرحلات كانت قد أخذت تزداد في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر إلى البلدان العربية، وكان الرحالة يَقُصون عند عودتهم إلى أوطانهم أحاديث رحلاتهم وانطباعاتهم ومشاهداتهم وما جمعوا من معلومات حول بعض جوانب الحياة في الشرق بأسلوب ممتع شيق فيه شيء من المبالغة والزخرفة والتلوين الساحر. كما كانوا يخرجون ذلك كله لأبناء لغتهم ووطنهم في كتب يضمنونها ما جمعوا في جعبهم من حكايات جذابة وقصص طريفة من الشرق الذي كان يتمثل في عقول الغربيين بصورة سحرية أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.

(*) يمكن لمن يريد التعمق في الاستشراق الفني هذا أن يعود مثلا إلى كتاب: أثر العرب في الفن الحديث، للدكتور عفيف بهنسي، وهناك مرجع أحدث صدر عن سلسلة عالم المعرفة هو »الاستشراق في الفن الروماني الفرنسي « العدد 157 - 1992، تأليف  زينات البيطار-المحرر

([8]) يتكون هذا الأثر من عدة مجلدات. وقد رتبت مواده على حروف ا لمعجم ،  وظل مرجعا يعتمد عليه إلى اليوم الذي قامت فيه جماعة من كبار المستعربين والمستشرقين في العالم بتأليف مواد الموسوعة الإسلامية،Encyclopedie de L‘lslam»  «L’ بإشراف هوتسما Houtsma,  وتلبية لتوصية اتخذها المؤتمر الدولي العاشر للمستشرقين الذي تم عقده في جنيف بسويسرا سنة 1894 ينظر كليمان هوار : الدروس العربية في فرنسا، ترجمة عبد الله رعد، مجلة اﻟﻤﺠمع العلمي العربي بدمشق، مج ٬5 1925، ص 158. و لقد قام الباحثون بتأليف شيء من الكتب عن الشرق وحضارته، وأخذ الفرنسيون يقرؤون ما يكتبه هؤلاء الباحثون عن الشرق عامة والعرب خاصة

 ([9])Elisseeff (N.), Themes et motifs des Mille et Une Nuits, Beyrouth. p8, 1949.

نقلا عن محمود المقداد: تاريخ الدراسات العربية في فرنسا  ،ص128

([10]) محمود المقداد: تاريخ الدراسات العربية في فرنسا، ص129

([11]) المرجع نفسه ،ص129

(*) استقينا معظم معلوماتنا الإحصائية التالية من كتاب : المستشرقون لنجيب العقيقي، وتحديدا من باب الاستشراق في فرنسا عطفا على كتاب: تاريخ الدراسات العربية في فرنسا لـ محمود المقداد.

(*) ولد في باريس وحصل على دبلوم الدراسات العليا في بحث عن المغرب،كما حصل على دبلوم اللغة العربية من مدرسة اللغات الشرقية الحية ( فصحى وعامية) زار كلاً من الجزائر والمغرب وفي الجزائر انعقدت الصلة بينه وبين بعض كبار المستشرقين مثل جولدزيهر وآسين بلاثيوس وسنوك هورخرونيه ولي شاتيليه.

        التحق بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة عدة أعوام(1907-1908) وفي عام 1909 عاد إلى مصر وهناك حضر بعض دروس الأزهر وكان مرتدياً الزي الأزهري. زار العديد من البلاد الإسلامية منها الحجاز والقاهرة والقدس ولبنان وتركيا. عمل معيداً في كرسي الاجتماع الإسلامي في معهد فرنسا ( 1919-1924) وأصبح أستاذ كرسي (1926-1954)ومديراً للدراسات في المدرسة العلمية العليا حتى تقاعده عام 1954.

        لقد اشتهر ماسنيون باهتمامه بالتصوف الإسلامي وبخاصة بالحلاج حيث حقّق ديوان الحلاج (الطواسين) وكانت رسالته للدكتوراه بعنوان ( آلام الحلاج شهيد التصوف) في جزأين وقد نشرت في كتاب تزيد صفحاته على ألف صفحة( ترجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية) وله اهتمام بالشيعة والتشيع. وعرف عن لويس صلته بالحكومة الفرنسية وتقديمه المشورة لها.

(*) ولد في باريس وتلقى التعليم الثانوي في الدار البيضاء وتخرج باللغة العربية من كلية الآداب بالجزائر. تولى العديد من المناصب العلمية منها أستاذ اللغة العربية في معهد مولاي يوسف بالرباط، ومدير معهد الدراسات المغربية العليا ( 1924-1935)، وأستاذ كرسي الأدب العربي في مدرسة اللغات الشرقية الحية بباريس وأستاذاً محاضراً في السوربون ثم مدير مدرسة الدراسات العليا والعلمية، ثم أستاذ اللغة العربية وحضارتها في باريس.

        من أبرز إنتاجه ترجمته لمعاني القرآن الكريم وكذلك كتابه (تاريخ الأدب العربي) في جزأين وترجمه إلى العربية إبراهيم الكيلاني، وله أيضاً كتاب (أبو الطيب المتنبي:دراسة في التاريخ الأدبي)، ترجمه أيضاً إبراهيم الكيلاني.

([12]) وقد نقلها إلى العربية الدكتور إبراهيم الكيلاني، ونشرتها وزارة الثقافة بدمشق سنة 1975ثم نشرت دار الفكر بدمشق طبعتها الثانية سنة1985.

([13]) وقد نقل الباحث إبراهيم الكيلاني هذه اﻟﻤﺠلدات الثلاثة التي أنجزها بلاشير في حياته إلى العربية أيضا، ونشرت في وزارة الثقافة بدمشق في ثلاثة مجلدات كذلك ظهرت كالتالي : الأول والثاني سنة 1973 والثالث 1974. ثم نشرت دار الفكر بدمشق طبعتها الثانية في مجلد واحد سنة 1984 .

([14])وقد استلهمها الباحث أحمد كمال زكي في دراسته: (الحياة الأدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري) التي نشرت طبعتها الأولى سنة 1960 وفد نشر الباحث إبراهيم الكيلاني كذلك كتاب بيلا إلى العربية بعنوان: (الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء) في دار اليقظة العربية بدمشق سنة 1961  ثم نشرت دار الفكر بدمشق طبعته الثانية سنة 1975

([15]) وقد ذكر الباحث محمود المقداد أنّ هذا البحث قيد الترجمة إلى العربية في تونس ينظر: تاريخ الدراسات العربية في فرنسا  الإحالة رقم16(الفصل الرابع) .

([16]) 17 وقد ترجمها إلى العربية أستاذنا الدكتور إبراهيم الكيلاني ونشرها في مجلدين سنة 1979بعنوان(الغزل عند العرب) ضمن منشورات وزارة الثقافة بدمشق.

([17]) وقد ذكر محمود المقداد أنه ترجم إلى العربية في تونس.

([18]) وقد ترجمها محمود المقداد إلى العربية بالعنوان نفسه ونشرها مع نقد وتعليقات في مجلة التراث العربي، بدمشق، العدد ٬18 1985 ص 90-104 وقدعمل وليم مارسيه مديراً لمدرسة تلمسان وأستاذاً فيها وهي إحدى المدارس العربية الثلاث التي أنشأتها فرنسا لتخريج مساعدين لها في أعمالها في إدارة البلاد. اتصل بعلماء الجزائر وتونس والمغرب ودرس لهجات المنطقة. من أهم آثاره نشر كتاب (التقريب والتيسير) للنووي متناً وشرحاً وترجمة. كما ترجم (جامع الأحاديث الصحيحة) للبخاري في أربعة أجزاء، وله كتاب عن اللهجات العربية، وبحث بعنوان " أصول النثر العربي الفني."

([19]) وفاء الخميس: الاستشراق الفرنسي نشأته وخصائصه وشخصياته إشراف الدكتور: خالد القاسم الرقم الجامعي: 431203471، ص18-19

([20]) سمير سعيد حجازي : قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر،  ص41

([21]) شارل بيلا: الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء،  ص16. 

(*) هي التي تنطلق من نقطة الاهتمام بما حول النص كالمؤلف أو الحقبة التاريخية التي عاش فيها وما لها من أثر فيه، ومن شأن هذه المناهج دراسة السياق وما يتعلق به، ومن أبرزها المنهج التاريخي، الاجتماعي، النفسي وغيرها وهي جميعا يمكن أن نسميها «تفسيرية» لأنها تسعى إلى تفسير النص بتفسير سياقه ويعرف الباحث حجازي السياق (Le contexte)  بقولـه: «مفهوم يشير إلى مجموعة العوامل التي تؤثر في اتجاه النص، وفي تشكيله، وفي ظهوره، فالسياق العام للأثر الأدبي أو النص هو المجتمع والتاريخ». سمير سعيد حجازي، قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر،  ص 41.

(*) صادر عن دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1968.

([22])- المرجع نفسه، ص 5.

([23]) شارل بيلا: الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء،  ص21. 

(*) خالف الباحث شارل بيلا تلك الفهومات التي رسّختها كتب تاريخ الأدب العربيّ، والمؤلفات المدرسيّة في أذهان المتعلمين، من كون أنّ الكتابة الجاحظية تتسم بالاستطراد، الذي كاد يلتصق بالجاحظ دون غيره، ومن يتمعن خبايا قراءة بيلا من حيث مكوناتها وأصول نشأتها يجدها- كما سنقف عليه- مؤسسة على مبدإ النقض، بمعنى أنها ظلت تحدد نفسها لا انطلاقا من ذاتها دوما، ولكن انطلاقا مما تقدر أنها عليه بالنسبة لقراءة أخرى(نقصد القراءات التي رسخت مقولة الاستطراد). فالنسق الاستطرادي الجاحظي حسب جميل جبر يـؤدي بالقارئ الى الغموض والتّشويش ينظر:  جميل جبر: الجاحظ في حياته وأدبه وفكره، دار الكتاب اللبنانين، بيروت، 1968، ص149، وهناك من رأى أنّه (أي الاستطراد) أساء إساءة كبيرة الى كتبه ينظر: عليي بوملحم: المناحي الفلسفية عند الجاحظ، دار مكتبة الهلال، بيروت، 1994، ص466 أما أسبابه « أي اللاتنسيق»» فهو «عجز ذاتيّ» كان نتيجة للمرض (الفالج النّصفيّ) الذي ألمّ بالجاحظ في أواخر حياته، يقول الباحث علي بوملحم هنا: «وإذا كان الجاحظ لم يذكر سبب عجزه عن التّبويب والتّنضيد، فإنّنا نعرف ذلك السّبب بالقياس على ما قاله في أماكن أخرى من كتاب البيان والتبيين وكتاب الحيوان. نجــده في كتاب الحيوان يعتذر عن الاستطراد وعدم التّدقيق والتّبويب بالمرض الذي كان يعاني منه في أثناء تأليف الكتاب وهو مرض الفالج ومرض النّقرس؛ وإذا كان كتاب البيان والتبيين قد تمّ بعد الفراغ من كتاب الحيوان فمعنى ذلك أنّ المرض نفسه الذي أساء إلى التّبويب والتّنسيق في الحيوان قد أساء إلى التّبويب والتّنسيق في كتاب البيان والتبيين». علي بوملحم: المناحي الفلسفية عند الجاحظ، ص333.، ويرد البعض هذا النّمط من التّعبير إلى العصر الذي عاش فيه الجاحظ إذ كان هذا العصر يفتقد إلى التّعريف والتّناول المنظّم ينظر:  المرجع نفسه ص ن . وفي هذا السياق يمكن أن نشير إلى ما سمّاه أمجد الطرابلسي بـ«كتب الأدب» أمجد الطرابلسي: نقد الشعر عند العرب حتى القرن الخامس للهجرة، ترجمة ادريس بلمليح، دار توبقال، الدار البيضاء  1993، ص58.   التي شهدها بداية القرن الثّالث الهجريّ؛ و«الأدب» هنا من حيث هو مجموع العلوم الدنيويّة بعيدا عن اللاهـوت والفلسفــة والتّشريـع، والأمثلـة على ذلك كتاب «البيان والتبيين» للجاحـظ ينظر:  المرجع نفسه، ص59- 60.  ،ومن ثمّ يرى أمجد الطرابلسي أنّ في مجمل أبواب كتاب البيان والتبيين « مزجا اعتباطيّا بين الشّعر والنّثر» المرجع نفسه، ص59.أما الباحث عبد الله العروي ينبهنا - ولو في إشارة موجزة- إلى أنّ الجاحظ كان يتلذذ بالنّقاش، ولم يكن يهمه أن يصل إلى نتائج ينظر:  عبدالله العروي: مفهوم العقل، مقالة في المفارقات، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1997، ص95. ، أما شوقي ضيف فقد نعت استطرادات الجاحظ بأنّها خلل في كتاباته، وحاول أن يفسره بمرضه وثقافته الموسوعيّة وقلّة أعوانه، كما فسره أيضا بالإملاء الذي اضطر إليه. ينظر: شوقي ضيف : الفن ومذاهبه في النثر العربي، دار المعارف، مصر، الطبعة الثامنة، ط1، 1946، ص.168 و172. وفي السّياق ذاته لاحظ أحمد الشايب أنّ مؤلفات الجاحظ تتسم بالآتي:

الخلط والفوضى في التّأليف والإطالة في الاستطراد؛ حيث الانتقال بين المعارف المختلفة وبترالموضوعات وتوزيعها على صفحات متباعدة، إذ يفتقرالجاحظ في رأيّ الباحث، إلى "وحدة علميّة منسقة" لأنّه لم يكتب مؤلفاته بعقل المؤلف، ومنهاج الباحث، بل كتبها بفكر وشعور المناسبات الطّارئة، والخواطر الخاطرة، كان يكتب كما يقرأ، يصادفه أي كتاب في أيّ موضوع فيقرأه، وتعرض له أيّة فكرة لأدنى مناسبة فيكتبها فصارت كتبه المؤلفة صورة لدراسته المنوعة والمتناقضة أيضا. وقد رأينا الجاحظ نفسه يعتذر عن هذه الفوضى في التّأليف، في غير موضع.
هذه الفوضى في التّأليف وغياب وحدة منسقة للمعارف، نتج عنها تكرار مملّ للموضوعات. ينظر : مقالته في كتابه: "أبحاث ومقالات" المنشورة ضمن كتاب: حنا الفاخوري، الجديد في البحث الأدبي، منشورات مكتبة المدرسة، بيروت، ط3، ص .204،203  إن قراءة أحمد الشّايب لكتابات الجاحظ أفضت به إلى وصفها بالتّفكك والتّشتت وغياب وحدة فكريّة أو نسق موضوعيّ. أما الباحث عبد السلام المسديّ فيعلق على هذه القضية التي تضاربت حولها آراء النّقاد مبرزا رؤيته فيها قائلا: « وهذا التّقدير على وجه التّحديد هو الذي يتراءى لنا نوعا من التّفسير التّوقيفيّ اللاحق بعد الحدث، فنحن ما إن نتجاوز الأحكام الخارجيّة التي سنّها القدماء حتى نقتنع بأنّ النّقد الباطنيّ للكتاب يفضي بنا إلى الجزم بعفويّة تلك الظاهرة، بل لعلّه يسمح لنا بأن نزعم بأنّ الجاحظ لو استطاع أن يصنّف كتابه تصنيفا أكثر إحكاما لما تردد في ذلك، وأننا لا نكاد نشـكّ أنّه قد حمــل على المسلك وهـو راغـب عـنه». عبد السلام المسدي: مع الجاحظ "البيان والتبيين بين منهج التأليف، ومقاييس الأسلوب،أسس تقييم جديدة،  ص102-103  وقد ذكر الباحث جملة من مظاهر الاستطراد وضعف التّأليف عند الجاحظ  وحصرها في ثلاث نقط؛ تتمثل الأولى  في التّكرار، مرجعا بروز هذه السمة إلى طغيان ظاهرة المشافهة والاستماع، وسيادة الخطابة كفن أدبيّ متميز، أما الثّانية فتتجلى في تباعد ما حقّه التّعاقب، في حين تتمثل النّقطة الثّالثة في ظاهرة الاستئناف، وهنا ذكر المسديّ أنّ الجاحظ كثيرا ما كان يقوم بتقطيع جمل التّأليف، بضرب من الاستئناف عن طريق بسملة أو افتتاح دعائيّ، دون أن يكون في مضمون الكلام السّابق منه واللاحق.  
 ([24]) شارل بيلا: الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء،  ص7. 

([25])ينظر:المرجع السابق، ص.188.

([26]) المرجع نفسه، ص385.

([27])المرجع نفسه، ص385-386.

([28])ينظر:المرجع نفسه، ص.386-387.

([29])صالح بن رمضان : أدبية النص النثري عند الجاحظ مؤسسة سعيدان للطباعة والنشر سوسة، الجمهورية التنوسية، سنة 1990، ص.95-96.

([30]) محمد مشبال: البلاغة والسرد، ص 115.

([31])صالح بن رمضان : أدبية النص النثري عند الجاحظ ص95-96.

([32])نوري جعفر: الجوانب السيكولوجية في أدب الجاحظ، دار الرشيد، بغداد، سنة 1981، ص.52.

 ([33]) إدريس بلمليح: الرؤية البيانية عند الجاحظ، ص24.

([34])ادريس بلمليح: الرؤية البيانية عند الجاحظ، ص55.

([35]) شارل بيلا: الجاحظ في البصرة وبغداد وسامراء، ص362-363. وَفق هذا الطرح فإنّه من بين الانتقادات التي وُجهت إلى البنيويّة التّكوينيّة التي طبقها بلمليح عدم تركيزها على الجهود الفرديّة، وفي مقابل ذلكك التّركيز على ما يبدو جوانب موضوعيّة في تحليل الظواهر الأدبيّة والفكريّة، فهي تلغي أو تكاد تتجاهل الجهود الفرديّة ودور العبقريّة الذّاتيّة في صياغة رؤية الفنان أو المفكر أو العالم. ينظر:إدريس الناقوري:: البنيوية التكوينية النظرية والتطبيق،  ص711.