البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

موقف بدوي من المستشرقين "الذات في الآخر"

الباحث :  الأستاذ الدكتور / أحمد عبدالحليم عطية
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  13
السنة :  السنة الخامسة - شتاء 2018م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 27 / 2018
عدد زيارات البحث :  3814
تحميل  ( 473.402 KB )
 مقدمة

الكتابة عن بدوي مغامرة محفوفة بالمخاطر، لكنها مغامرة ممتعة، حيث تمثل لنا كتاباته صورة من صور تعامل الذات مع الآخر وصورة من صور بناء الذات؛ لأن بدوي في ذاته، وبكتاباته قلعة قوية من قلاع الفكر العربي الفلسفي المعاصر الحصينة متعددة الأبواب، كثيرة الأبراج متشعبة الطرق وتأتي المخاطر من كوننا سعينا من قبل لاقتحام أعمال بدوي من باب "الأصول الاستشراقية لفلسفته"(1) دون أن نشير إلى تعدد مداخل البحث في كتاباته أو الأسس النظرية التي يمكن من خلالها أن نتبين أفكاره ونعرض لاهتماماته التي هي من السعة والتنوع بحيث تحتاج إلى جهود عديدة ومناهج مختلفة لبحثها ودراستها.

فقد أسهم بدوي منذ أول كتبه 1939 كما سبق أن أشرنا وربما قبلها بقليل بجهود متنوعة تحدد لنا معالم مشروع فكري متميز، ينبغي علينا أن نضعه في إطاره الثقافي وسياقه التاريخي وعلاقته بالواقع الاجتماعي والاقتصادي آبان المد الوطني وسيادة الليبرالية في مصر فترة الثلاثنيات وما تلاها. مشروع فكري في الأساس يهدف إلى إيقاظ الوعي وإحداث ثورة روحية تسهم في بناء الحضارة، يقوم على البحث في "روح الحضارة العربية" وبيان دور "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية. وهو يقوم بذلك مسلحاً بكافة الأدوات الضرورية اللازمة لعمله من اتقان للغات شتي ومعرفة عميقة بتاريخ الفلسفة، وقدرة على استخدام المناهج المختلفة التحليلية والفيلولوجية والتاريخية مع حصيلة وافرة من المفاهيم والتصورات الفلسفية، إضافة إلى علاقات عميقة ـ ومباشرة ـ بأعمال كبار المستشرقين الذين درس عليهم أو ترجم لهم، أو عرض لأعمالهم بالنقد والتحليل.

ونستطيع أن نحدد محاور ثلاثة تمثل بعض قطاعات مشروع بدوي هي:

1 – الموقف من التراث اليوناني(2).

2 – والتحقيقات الفلسفية التي تنصب على إعادة بناء التراث الفلسفي في العربية. وقد تناولهما في الفصل السابق الآخر في الذات.

3 – الموقف من المستشرقين. أو الذات حين تنبثق عن الآخر.

فكتابات بدوي متعددة، وجهوده متشعبة، وإنتاجه ضخم، وهو من السعة والثراء بحيث تعجز عن القيام به هيئات علمية ذات إمكانيات كبيرة، فقد قام بمفرده في حياتنا المعاصرة بمثل ما قام به حنين بن اسحق من جهد في عصر الترجمة الممهد للحضارة الإسلامية في القرون الأربعة الأولى للهجرة، وإن كان جهد بدوي أكثر تركيباً، فقد تمثلت مهمته في نقل وترجمة نصوص الفلاسفة المعاصرين، وأبحاث المستشرقين حول الدراسات العربية والفلسفة الإسلامية، بالإضافة إلى أبحاثه وتحقيقاته في التراث الفلسفي. وسنخصص هذا الفصل لبحث "الموقف من المستشرقين" ويلزمنا أن نمهد لذلك ببعض الملاحظات الأولية التي علينا أن نضعها بين يدي الباحثين في الدراسات الفلسفية تتعلق بموقف بدوي من المستشرقين.

ملاحظات أولية:

- أننا نقدم هنا قراءة ثانية في كتابات بدوي فقد سبق أن نشرنا كتيباً عنه بعنوان "الصوت والصدى" هادفين إلى بيان الأصول الاستشراقية في فلسفته 1990، أي قبل صدور أبحاثه الأخيرة في نقد الاستشراق مثل كتابه "الدفاع عن القرآن ضد منتقديه" "Defense du Coran contre ses critiques Defense ela vie du prophet Muhammad contre ses detracteurs 89" و"الدفاع عن حياة النبي ضد المنتقصين لقدره" 1990. ومن هنا اتجهت القراءة الأولى إلى تأكيد الموقف المؤيد للدراسات الاستشراقية وتبني مناهجها ونتائجها، وهو ما سيتضح أثناء هذا الفصل أنه أحد ملامح الصورة وليس الصورة كاملة.

- إن بدوي لم يقدم لنا دراسة في الاستشراق، أو بحث عام في توجهات المستشرقين مثلما فعل أدوار سعيد في كتابه "الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء"(3). أو فؤاد زكريا في دراسته "نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية"(4). حيث أننا لا نستطيع أن نتناول موقفه من الاستشراق بل موقفه من المستشرقين؛ الذي ترجم كتاباتهم موظفاً إياها في إطار مشروعه، ودرس أعمالهم في "موسوعة المستشرقين"(5) وقيم دراساتهم في "تاريخ العلوم عند العرب"(6).

- أن الموقف من المستشرقين ليس موقفاً واحداً، ولا جامداً ولا متعصباً، بمعني أننا نجد لدى بدوي مواقف متعددة تجاه أعمال المستشرقين، وتختلف هذه المواقف باختلاف موضوع دراساتهم سواء في الفلسفة أو التصوف، اللغة أو الشعر، أو تاريخ العلم، أو الدراسات الدينية، القرآن والسنة وحياة محمد، وتتعدد هذه المواقف تبعاً لاختلاف مناهج ورؤي المستشرقين وطبيعة كتاباتهم سواء كانت كتابات ذات طبيعة معرفية، أو أيديولوجية موضوعية أو دعائية وأيضاً باختلاف مراحل تطور بدوي نفسه ومن خلال تطور الواقع العربي المعاصر؛ السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

المرحلة الأولى: هي ما يمكن أن نطلق عليها موقف التماثل "الذي يتبني فيه بدوي منهج هؤلاء المستشرقين ونتائج أبحاثهم، يدرس تحليلاتهم حيث يتابع أعمالهم وينقلها للعربية ويعلي من شأنها، ويظهر ذلك بأجلي الصور في دراساته المبكرة التي يبدو فيها الإعجاب بأعمال: ماسينيون L. Massignon (1883-1962) وكراوس P. Kraus (1904-1944) ونلينو Nallino (1872-1938) وهانز هينريشي شيدر (1896-1957) وماكس مايرهوف Meyerhof (1874-1945)م.

المرحلة الثانية: وفيها يظهر موقفه الثاني؛ الموقف الموضوعي؛ الذي يناقش أعمالهم، ويحلل الدراسات المختلفة لهم مع بيان مناهجهم وتوجهاتهم موضحاً أين أصابوا، وفيما أخطئوا، ويتمثل ذلك في موقفه من: جولد تسيهر Goldzieher (1850-1921) ومرجليوث (1858-1940).

المرحلة الثالثة: ويتجلي فيها الموقف الثالث؛ موقف النقد العنيف والهجوم على الدراسات غير العلمية المتعصبة ضد الإسلام والقرآن والنبي محمد، ويظهر هذا الموقف في مؤلفاته الأخيرة، ويمكن بيان ذلك بعرض أعمال بدوي أولاً، وترجماته ومواقفه المختلفة من أعمال المستشرقين.

أولاً: ترجمات بدوي لأعمال المستشرقين، أو المماثلة:

تتميز مؤلفات بدوي بسمة واضحة هي ذلك الطابع البنائي؛ الذي يضم موضوعات ذات طبيعة واحدة، يتداخل فيه التأليف والترجمة والتحقيق. حيث يوظف ترجماته لأعمال المستشرقين، وتحقيقاته لنصوص القدماء وأبحاثه لتحقيق ما يهدف إليه، كما يتضح ذلك من عناوين عدد كبير من أعماله. فكتابه "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية" هو (دراسات لكبار المستشرقين ألف بينها، ترجمها عن الألمانية والإيطالية" و"شخصيات قلقة في الإسلام" (دراسات ألف بينها وترجمها)(7)، ومن تاريخ الإلحاد في الإسلام" (دراسات ألف بعضها وترجم الآخر) و"الإنسان في الإسلام (دراسات ونصوص غير منشورة ألف بينها وترجمها وحققها)(8).

ونتوقف في هذا الفصل أمام بعض هذه الدراسات التي نقلها بدوي إلى العربية عن لغات مختلفة، وفي موضوعات تدور كلها أو معظمها حول التراث الإسلامي خاصة في التصوف والكلام والفلسفة، لعدد من المستشرقين الألمان والإيطاليين والفرنسيين.

أ – أعمال ماسينيون:

"سلمان الفارسي والبواكير الروحية للإسلام في إيران". نقلها عن نشرات جماعة الدراسات الإيرانية، ورقم 7، باريس عام 1934. "المنحني الشخصي لحياة الحلاج شهيد الصوفية في الإسلام" عن مجلة "الله حي" العدد الرابع عام 1945. "المباهلة بين النبي ونصاري نجران في سنة 10هـ بالمدينة (11). "الإنسان الكامل في الإسلام وأصالته النشورية" 1947 Eranos – Jahrbuch(12) ويتناول فيه النظرية الأخروية للإنسان الكامل وبواعثها العصرية، نشأة وتطور نظرية الإنسان الكامل. بذور النظرية في القرآن واعتناق الشيعة لها(13).

وحتى لا نكرر ما سبق أن ذكرناه في موضع آخر عن علاقة بدوي بماسينيون(14). نكتفي بالقول إنه بالإضافة إلى هذه الترجمات فإن بدوي يعتمد عليه. ويستشهد بآرائه في كتبه المختلفة خاصة في "شطحيات الصوفية" و"تاريخ التصوف الإسلامي من البداية حتى نهاية القرن الثاني(15). ويعطي صورة واضحة عنه في موسوعة المستشرقين(16). ولم يتغير موقفه من ماسينون عن هذه الصورة.

ب – باول كراوس:

يرتبط بدوي علمياً بكراوس ارتباطاً وثيقاً خاصة أن المستشرق اليهودي كان ضمن أساتذة جامعة القاهرة؛ التي كان بدوي يدرس بها في الثلاثنيات، وكان ماسينيون هو الذي زكى ترشيحه للتدريس في كلية الآداب، وذلك في مذكرة أشاد فيها بمناقبه، وما يؤمل منه، وهي المذكرة التي عرضت على مجلس كلية الآداب "وقد قرأتها يوم عرضها – يقول بدوى -  وكنت طالباً في السنة الثالثة بقسم الفلسفة فصممت على التعرف عليه غداة وصوله"(17)، ويتضح عمق هذه العلاقة ليس فقط من خلال اللغة التي تحدث بها عنه في "موسوعة المستشرقين"، بل في الاهتمام بكتاباته وترجمتها إلى العربية بدءاً من "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية"؛ الذي شغل به كلاهما، حيث ترجم له بحثه عن "التراجم الأرسططالية المنسوبة إلى ابن المقفع"(18)؛ الذي هو تعليق على ما كتبه فرنشيسكو جبراييلي عن "مؤلفات ابن المقفع"، كذلك تابع أبحاثه عن عدد من الفلاسفة والموضوعات في كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام" مثل باب برزويه في كليله ودمنة وبحثه عن ابن الرواندي(19).

ويستمر الاهتمام المشترك بنفس الموضوعات أو قل السير على نفس الدرب، أقصد سير الفيلسوف المصري على درب المستشرق التشيكي اليهودي كما يتضح في بحثه "أفلوطين عند العرب"(20) ويهمنا أن نشير أيضاً إلى اعتماد بدوي في كثير من أبحاث "تاريخ الإلحاد في الإسلام" على دراسات كراوس خاصة عن أبو بكر الرازي، وجابر بن حيان، وإليك بيانات ما ترجمه بدوي من مقالات كراوس وأبحاثه.

"التراجم الأرسططالية المنسوبة إلى ابن المقفع". وقد نشر هذا البحث في مجلة الدراسات الشرقية، المجلد الرابع عشر عام 1933. والحقيقة أن عمل كراوس هذا الذي نشر بعنوان "حول ابن المقفع" ينقسم إلى قسمين الأول خاص بمسألة التراجم الأرسططالية، ويورد بدوي ترجمته في كتاب "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية" ص(101: 120) والقسم الثاني يتعلق باب برزويه وهو ما نشره في "تاريخ الإلحاد في الإسلام". "باب برزويه في كليله ودمنه" وهو الجزء الثاني من دراسته السابقة وقد نشر في كتاب بدوي عن "تاريخ الإلحاد في الإسلام".

"ابن الرواندي" وقد نشرها كراوس في مجلة الدراسات الشرقية، المجلد الرابع عشر عام 1934 ويتناول فيها الموضوعات التالية بعد المقدمة، النص شذرات من كتاب الزمرد، تأليف الكتاب، وتحليل ما فيه، كتاب الزمرد ودفاع الكندي، البراهمة في كتاب الزمرد، تأريخ الرد، تحليل الرد، حياة ابن الرواندي. ويشغل صفحات 75-188 من كتاب بدوي السابق.

ج – هنرى كوربان:

يشير بدوي إلى اهتمام كوربان بالفلسفة الإشراقية عند السهروردي وإلى نزعته الثيوصوفية التي تستند إلى الوجدان والتجربة الصوفية، ويأخذ عليه مبالغته في إبراز نصيب الفكر الشيعي، وإجحافه بالفكر السني إجحافاًغريباً(21) ومع هذا فهو يتفق معه في الاهتمام بالتصوف الإسلامي والوجودية مما جمع بينهما في صداقة قوية منذ عام 1954 وطوال ربع قرن من الزمان(22). وقد ترجم له ما كتبه عن السهروردي، وترجم شرحه هو وكراوس لأصوات أجنحة جبرائيل للسهرودي.

السهروردي الحلبي (ت 191م)، مؤسس المذهب الإشراقي "نشرات جماعة الدراسات الإيرانية رقم 16، باريس عام 1939. ويتناول فيه بعد الاستهلال لحياته ومؤلفاته، المقالات الميتافيزيقية والمقالات في صورة أمثال، التوحيد، مأساة السهروردي.

شرح رسالة "أصوات أجنحة جبرائيل" للسهروردي، المجلة الآسيوية، عدد يوليه، سبتمبر 1935، ترجمة الفصل الثاني من كوربان وكراوس للرسالة والشرح الفارسي لها. وقد نشرهما بدوي في كتابه "شخصيات قلقة في الإسلام"(23).

د- هانز هنريش شيدر:

يصف بدوي شيدر في "موسوعة المستشرقين مشيداً به وبجهده يقول "خير وصف لهانز هنريش شيدر هو أنه كان أوفر المستشرقين حظاً من النزعة الإنسانية بمعناها المحدد الخاص بالقرنين الرابع عشر والخامس عشر.. اتجه إلى بيان الأصول الإيرانية لبعض المعاني أو النظريات في التصوف الإسلامي وتمخض عن ذلك بحثه الممتاز بعنوان "نظرية المسلمين في الإنسان الكامل"(24). وقد ترجمه بدوي كما ترجم له دراسته عن "الشرق والتراث اليوناني".

روح الحضارة العربية "ترجمة لبحث شيدر" الشرق والتراث اليوناني" مجلة الحضارة القديمة، المجلد الرابع(25).

نظرية الإنسان الكامل عند المسلمين مصدرها وتصويرها الشعري. وأصلها محاضرة ألقيت أمام شعبة برلين للجمعية المشرقية الألمانية في 26 نوفمبر 1924(26).

د – كارلو الفونسو نلينو:

ومكانة نلينو بين المستشرقين جميعاً مكانة ممتازة لا يساويه فيها غير جولد تسيهر ونولدكه. وهو يمتاز عن جولد تسيهر بدقته العلمية وسعة إطلاعه على مختلف المسائل الإسلامية والعربية، ويذكر بدوي تدريسه بالجامعة المصرية، وتأثيره الكبير على تكوين الأدباء في مصر خاصة طه حسين أنبغ طلاب الجامعة المصرية؛ الذي يتضح أثر نلينو عليه في "الأدب الجاهلي"(27). ويشير بدوي في موسوعته إلى دراساته الخاصة بأصل تسمية المعتزلة واسم القدرية، والمقالة الخاصة بفلسفة ابن سينا وهل هي شرقية أم اشراقية وهي المقالات التى ترجمها في "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية" وغيرها وقد ترجم له بدوي الدراسات التالية:

1 – بحوث في المعتزلة: ( أ ) أصل تسميتها. (ب) اسم القدرية. (ج) الصلة بين مذهب المعتزلة ومذهب الإباحية المقيمة في إفريقيا الشمالية. (د) حول فكرة غريبة منسوبة إلى الجاحظ عن القرآن وقد ظهرت هذه البحوث في مجلة الدراسات الشرقية، المجلد السابع، روما 1916 وقد ترجمها بدوي في كتابه التراث اليوناني ص173-217.

2 - "تعليقات صغيرة على ابن المقفع وأبنه" نشرت في مجلة الدراسات الشرقية بالإيطالية 14. ونجدها في "تاريخ الإلحاد في الإسلام" ص64-71.

3 - "محاولة المسلمين إيجاد فلسفة شرقية". ظهر هذا البحث في "مجلة الدراسات الشرقية" المجلد العاشر، عام 1925 بعنوان: "حكمة ابن سينا الشرقية، أو الإشراقية ونشرها بدوي في التراث اليوناني" ص245-296.

هـ - جولد تسيهر:

وحين نتناول موقف بدوي من جولد تسيهر نجد تبدلاً واضحاً بين موقفين أساسيين الأول مؤيداً، نجده في "التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية" وفيه يعلي من قدر المستشرق اليهودي مبيناً أفضاله التي لا تحصي على الدراسات الإسلامية بحيث نجد أنفسنا وكأننا نقرأ شعراً يتغزل في هذه الشمس الساطعة ونورها ودفئها وأشعتها التي تضئ. ويختفي هذا الموقف المبكر 1941م تماماً مع الكتابات الأخيرة التي يحلل فيه بدوي آراء جولد تسيهر، وفي كتابات بدوي التي صدرت عام 1989، 1990 نجد التحليل والهجوم الحاد على الرجل، الذي أراد رد كثير من عقائد الإسلام وتشريعاته إلى اليهودية وسنعرض هنا الموقف الأول ثم نتناول في الفقرة الثالثة نقد بدوي له.

يشيد به إشادة بالغة في "موسوعة المستشرقين"(28). ويعلي من شأنه في كتابه "التراث اليوناني". فقد كان لديه نوع من التجربة الروحية الباطنة استطاع عن طريقها أن ينفذ في النصوص والوثائق كي يكشف من ورائها الحياة التي تعبر عنها النصوص ويتبين التيارات والدوافع الحقيقية. فهو إذ قام بنقد الحديث – كما يخبرنا بدوي – فليس ذلك كي يبين أنه موضوع أو غير موضوع وإنما لكي يدرك الميول المختفية والأهواء المستورة التي يعبر عنها أصحابها فيما يضعون أو يروون من حديث(29).

تأمل اللغة التي كتب بها بدوي في موسوعته عنه يقول: "يشاء الله أن يهب الإسلام من الأوروبيين من يؤرخون له كسياسة فيجيدون التأريخ، ومن يبحثون فيه كدين وحياة روحية فيتعمقون هذا البحث ويبلغون الذورة فيه أو يكادون... وكان سيد الباحثين فيه من الناحية الدينية خاصة والروحية عامة اجنتس جولدتسيهر"(30). أما عن منهجه فقد كان يقبل على النصوص وفي عقله جهاز من المقولات والصور الإجمالية يحاول تطبيقها على هذه النصوص والتوفيق بينها وبين ما يوحي به ظاهر النص يتلاءم وهذه الصور الإجمالية.

وكتابه "محاضرات في الإسلام" 1910 هو كما يقول بدوي: صورة كاملة متناسبة الأجزاء للحياة الروحية في الإسلام". أما في كتاب "اتجاهات تفسير القرآن عند المسلمين" فهو يقدم لنا في الظاهر تاريخاً حياً لتفسير القرآن بينما هو في الحقيقة إنما يعرض لنا فيه مرآة صافية انطبعت فيها صورة واضحة للحياة الروحية طوال ثلاثة عشر قرناً عند الملايين من المسلمين"(31). و - قد ترجم له بدوي الأعمال التالية:

موقف أهل السنة القدماء بإزاء علوم الأوائل. وقد نشر هذا البحث في "مباحث الأكاديمية الملكية البروسية" عام 1915 ، القسم الفلسفي التاريخي، (العدد 8) (32).

العناصر الأفلاطونية المحدثة والغنوصية في الحديث. "ظهر هذا البحث في مجلة الآشوريات Z.A المجلد عام 1909. وكلا العملين نشرهما بدوي في التراث اليوناني سنة 1941 صفحات (123، 172، 218، 421)(33). وقد ترجم له عدة نصوص في كتاب "دراسة المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي" سنة 1979 (34).

ز – ماكس مايرهوف:

وهو يصف مايرهوف "طبيب العيون المشهور في القاهرة" بأنه من أعظم الباحثين في تاريخ الطب والصيدلة عند العرب.. قوى الصلات ليس فقط بالأجانب في مصر بل وأيضاً بالنابهين من رجال الأدب والفكر والسياسة من المصريين. ويؤكد بدوي على صلته القوية به يقول: وأن أنس لا أنس حسن استقباله لى وأنا شاب في الثانية والعشرين حيث ذهبت إليه في عيادته بتوصية من باول كراوس للحصول منه على نسخة من مقاله "من الإسكندرية إلى بغداد" كى أترجمه ولا يزال هذا البحث أفضل ما كتب في موضوعه رغم التقدم الهائل في هذا الميدان؛ لأنه يعطي نظرة عامة لكيفية انتقال التراث اليوناني الطبي إلى الإسلام، ويتناول بإيجاز أشهر المترجمين والعلماء العرب حتى القرن الرابع الهجري(35). وقد ترجم بدوي في التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية هذا العمل: "من الإسكندرية إلى بغداد: بحث في تاريخ التعليم الفلسفي والطبي عند العرب"(36).

ج – كارل هنريش بكر:

والمستشرق والسياسي الألماني بكر K. H. Bekker عالم واسع الأفق بارع في فهم الناس، شامل النظرة نحو الأشياء محيط بالأحوال السياسية والاقتصادية التي يضطرب بها عصره، خبير بالشئون الاجتماعية والدينية الخاصة بالدول المستعمرة، وبخاصة الإسلامية منها. دعي لكي يكون أستاذاً في المعهد الذي انشأته الحكومة الألمانية في همبرج لدراسة المسائل الخاصة بالاستعمار ولتكوين طبقة من القادرين على إدارة شئون المستعمرات والخبراء بأحوال الأمم المستعمرة(37). ولم يعلق بدوي على ذلك بل اكتفي بتقديمه الذي أكد فيه على كونه يجمع بين العلم والسياسة. "عرفته السياسة بمعناها الرفيع أحداً من رجالها الأفذاذ النابهين، وعرفه العلم مستشرقاً وفيلسوف حضارة كان في الطليعة من بين فلاسفة الحضارة والمستشرقين(38).

ترجم بدوي دراسته "تراث الأوائل في الشرق والغرب" وهو محاضرة كان قد ألقاها بكر في جمعية الإمبراطور ببرلين في مارس 1931 وطبعت بليزج في نفس العام (راجع بدوي التراث اليوناني.. ص3-23).

ط – فرانشيسكو جابرييلي:

كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها في جامعة روما، برز في دراسة الشعر العربي وفي تحقيق التاريخ الإسلامي. ترجم له بدوي "زندقة ابن المقفع" في كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام" ص40-53. وهو فصل من دراسة أوسع بعنوان "مؤلفات ابن المقفع" نشر في مجلة الدراسات الشرقية المجلد 13 عام 1932(39).

ى – أسين بلاثيوس:

يعرض بدوي ترجمته لكتاب أسين بلاثيوس عن ابن عربي لحياته ومؤلفاته وخصائص أبحاثه وينتقد إسرافه في استخدام منهج التأثير والتأثر في بيان صلات الفلسفة والتصوف الإسلامي بما يسبقها وتأثيرها على اللاحقين راجع مادة بلاثيوس في بدوي ص75-81. "ابن عربي: حياته ومذهبه" ترجمة ودراسة، القاهرة 1967(40). وهو يناقش أفكار بلاثيوس في دراسته من كتابه المذهب الروحي عند الغزالي ونزعته المسيحية(41).

ك – نولدكه Naldeke:

يعد نولدكه (1836-1931) شيخ المستشرقين الألمان غير مدافع، وقد أتاح له نشاطه الدائب وألمعيته وإطلاعه الواسع على الآداب اليونانية واتقانه التام لثلاث من اللغات السامية مع استطالة عمره حتى جاوز الرابعة والتسعين – أن يظفر بهذه المكانة ليس فقط بين المستشرقين الألمان بل بين المستشرقين جميعاً(42). هذا الموقف سيتغير كلية في كتابات بدوي المتأخرة كما يتضح في عرضنا له في الفقرة الثالثة من هذا الفصل، ويشير بدوي إلى كتاباته خاصة (أبحاث لمعرفة شعر العرب القدماء) والبحث الأول فيه هو الذي ترجمه بدوي في كتابه "دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي. من تاريخ ونقد الشعر العربي القديم (بدوي ص17-40.).

ل – دفيد صموئيل مرجوليث:

يتخذ بدوي موقفين تجاه مرجوليث، أو قل موقف مزدوج يتمثل في الإشادة بأعماله وتحقيقاته في الأدب العربي من جهة وانتقاداته بشدة في دراساته عن الإسلام وهو ماسيتبلور في دراساته المتأخرة التى توضح لنا موقفه النهائي من المستشرقين فقد كتب عن "محمد ونشأة الإسلام" 1905 ثم الإسلام، وألقي محاضرات عن "تطور الإسلام في بدايته ونشرت عام 1914. وهذه الدراسات كما يقول بدوي: كانت تسرى فيها روح غير علمية ومتعصبة مما جعلها تثير السخط عليها ليس فقط عند المسلمين، بل وعند كثير من المستشرقين"(43). إلا أن نزاهة وموضوعية بدوي جعلته يشيد بمرجليوث في مجالات أخرى يقول "إن فضل مرجليوث الحقيقي ينبغي أن يلتمس في نشرته لكتاب معجم الأدباء لياقوت ولرسائل أبى العلاء المعري(44). وقد ترجم له بدوي: دراسات أخرى حول الشعر الجاهلي(45).

ثانيا: من الترجمة والنقل إلى التمحيص والنقد:

ذكرنا – في تمهيدنا – أننا بصدد تقديم قراءة ثانية لموقف بدوي من المستشرقين، وحددنا مواقف ثلاثة تميز تعامله مع كتاباتهم. وقد عرضنا في دراسة سابقة متابعته لهم، وإعجابه بأعمالهم، والتماثل مع موقفهم من التراث؛ وهو ما يظهر في عدد كبير من الترجمات السابقة التي نقلها في مرحلة مبكرة من حياته لكل من كراوس، وماسينيون، ونللينو، وماكس مايرهوف، إلا أننا نجد تحولاً في موقفه من هؤلاء المستشرقين حيث أعاد النظر في عدد من الأحكام التي أصدرها على أعمالهم مثل موقفه من جولدتسيهر. وفي هذا التوجه الجديد نجده قد يشيد بمستشرق في موقف، أو مجال، أو موضوع في الوقت الذي ينتقده في موقف أو مجال آخر، نجد ذلك في موقفه من مرجليوث، وهو توجه يميز كتابات بدوي في مرحلة تالية في حياته تمتد لفترة طويلة منذ الستينات وحتى عام 1984 تاريخ صدور موسوعة المستشرقين". وهذا التوجه يختلف عن المرحلة الأولى من حياته العلمية الذي يبني على "المماثلة" مع أعمال المستشرقين كما يختلف عن المرحلة الأخيرة التي تبدأ من عام 1989 بصدور أعماله ضد الكتابات الاستشراقية التي تهاجم الإسلام ونبيه وهي مرحلة "المقابلة" والتضاد، ضد أعمال ومناهج المستشرقين، ونتائج أبحاثهم، وهي مرحلة يغلب عليها النقد الديني والنقد الديني المضاد، وبالطبع لا تمثل هذه المرحلة الوسطي انقطاعاً تاماً عن موقفه السابق، ففيها كثير من الأحكام العلمية الموضوعية التي تشيد بأبحاث وتحليلات المستشرقين كما لا تختلف اختلافاً جذرياً عن المرحلة الأخيرة من كتاباته، ففيها نجد بذور نقده الأخير للمستشرقين، إلا أنها تتميز عن هذين الموقفين بثراء، وخصوبة، وتعدد الأحكام التي يصدرها على أعمال المستشرقين، بحيث تمثل مرحلة وسطي ذات خصائص متميزة وبلغة تختلف عن لغة الإعجاب الشديد في المرحلة الأولى، ولغة الهجوم العنيف في المرحلة الأخيرة، إنها لغة هادئة، موضوعية، منصفة، محايدة لا تطلق أحكاماً عامة، بل تتعامل مع كل عمل وكل مستشرق على حدة تنصف وتشيد بأصحاب الجهود العلمية الجادة، وتدين، وتنقد بشدة المواقف غير العلمية.

ونستطيع أن نميز عدة أنواع من الإدانة يصدرها بدوي على أعمال هؤلاء المستشرقين. فهو يدين بعضهم لأسباب أيديولوجية سياسية لانغماسهم في مواقف سياسية استعمارية ضد مصر والعرب، أو يدين البعض لأسباب دينية في فهم الإسلام وتحريف بعض حقائق التاريخ الإسلامي أو لأسباب علمية تتعلق بالفهم واللغة والتحليل العلمي للتراث العربي الإسلامي.

في هذا الموقف النقدي الموضوعي الذي يمثل مرحلة وسطي في كتابات بدوي عن المستشرقين يتواري فهمه لهم باعتبارهم معلمي الإنسانية أساتذتنا المستشرقين". ويظهر التحليل النقدي بأشكاله الثلاثة: السياسي والديني والمعرفي. وإذا كانت دراستنا "الصوت والصدي" توضح موقف المماثلة معهم، الذي يتضح في الفقرة الأولى من الفصل الحالي الذي تناولنا فيه ترجماته لكتابات المستشرقين. والفقرة التالية عن "المقابلة" مع تحليلاتهم وكتاباتهم، فإن الفقرة الحالية تمثل المرحلة الانتقالية التي تعبر عنها كتابات بدوي في "موسوعة المستشرقين" – النقدية الموضوعية والتي نستطيع تحديدها في عدة نقاط هي:

1 – الإشادة بأعمال المستشرقين ونتائج أبحاثهم.

2 – تصحيح الأخطاء العلمية والتحليل الموضوعي لدراساتهم.

3 – إدانة التوجهات السياسية والتعصب الديني في كتاباتهم.

إذا كانت هذه المرحلة تمثل انتقالاً في موقف بدوي فهي تحمل بعض آثار المرحلة الأولى التي يربط فيها بدوي بين أعماله وأعمال المستشرقين. حيث نجده يحيل في كثير من مواد موسوعته، وعند حديثه عن كثير من هؤلاء إلى أعماله التي تحمل نفس الاهتمامات، وتدور حول نفس الموضوعات، أو التي تعتمد على نفس المصادر والمخطوطات.

يذكر بدوي في حديثه عن المستشرق الألماني زنكر Zenker (ت1884) أنه نشر ترجمته لكتاب "المقولات" لأرسطو عن المخطوط المشهور رقم 882 عربي (ت2335 عربي في فهرس رسلان) "وهو المخطوط الذي نشرناه كله، ومعظمه لأول مرة في كتابنا "منطق أرسطو" في ثلاثة أجزاء القاهرة 47-49-1952، وقد صدرت نشرة زنكر في 1846" (46). ويشير إلى نشرته لترجمة دلافيدا Dellavida أثناء مقامه في أمريكا وإطلاعه على "المخطوطات، وكان ثمرتها بحث طويل بعنوان "الترجمة العربية لتواريخ أورسيوس"(47). وكذلك يبين بدوي اهتمام جاينجوس (1809-1897) بالأدب الأسباني في العصر الوسيط ونشره كتاباً بعنوان "كتب الفروسية"، مدريد 1857 وهو نشرة نقدية لنص قصة أماديس الغالي ويشير لمقدمة ترجمته لـ "دون كيخونه" القاهرة 1964 (موسوعة المستشرقين ص48). وحين يعرض لـ "سوميرز" يحيل إلى كتابه "مسكويه: الحكمة الخالدة" القاهرة 1952 (نفسه ص149). وفي تناوله للمستشرق الألماني اليشمان يخبرنا بعثوره على نسخة مخطوطة من جاويدان خرد (الحكمة الخالدة) لمسكويه وفيه ترجمة عربية للغز قابس" وعلى الأشعار الذهبية المنسوبة إلى فيثاغورث، وقيامه (اليشمان) بتحقيق هذه النصيحة وترجمتها إلى اللاتينية". ويحيل إلى نشرته وتصديره لنفس العمل (ص30-31).

وحين يذكر يوحنا الاشبيلي يشير إلى أعماله ومنها في "الخير المحض" المنسوب إلى أرسطوطاليس، ويشير إلى كتابه "الأفلاطونية المحدثة عند العرب" القاهرة 1954 (ص439). وفي مادة بوكوك يذكر أنه بعد ترجمته اللاتينية لرسالة "حي بن يقظان" توالت الترجمات الأوربية لهذه الرسائل الأصلية الفريدة "وقد ذكرناها تفصيلاً في كتابنا بالفرنسية" "تاريخ الفلسفة في الإسلام، الجزء الثاني باريس، 1972"(48). وحين يتحدث عن المستشرق الألماني كوزجارتن (1792-1862) يذكر علاقته بجوته، إذ كان يترجم له قصائد عربية، وكان جوته يعيد صياغتها شعراً وقد ضمنها في "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" راجع ترجمتنا له القاهرة عام 1967(49). ونفس الأمر في حديثه عن فيهلم ألفرث (1828-1909) يشير إلى كتابه "دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي "الفصل الأول منه، وهو كتاب يعلي فيه من جهود المستشرقين ومنهجهم وتحليلاتهم للشعر الجاهلي مقابل الدراسات العربية التي ينتقدها بشدة، وضد المواقف المختلفة التي هاجمت طه حسين في دراساته حول الشعر الجاهلي (ص29). ويذكر لـ "روسي Rossi (1894-1955) المستشرق الإيطالي الذي اهتم بتاريخ ليبيا بحث "حكم الأسبان وفرسان مالطه في طرابلس في الفترة من 1510 إلى 1551" وأنه فحص هذا الكتاب بعرض مسهب في "مجلة كلية الآداب بالجامعة الليبية، المجلد الثالث، بنغازي 1969 ويحيل القارئ إليه (200). وحين يتحدث عن أوجست ملر Muller 1847-1892) يأتي ذكر جوشه Gosche صاحب الدراسات عن مؤلفات الغزالي فيشير إلى كتابه "مؤلفات الغزالي" القاهرة 1961 (ص395-419).

وهو يشيد بأعمال هؤلاء المستشرقين، ويمتدح تحقيقاتهم، وأبحاثهم، ويبين أن رمبولدى G.B.Rampoldi أول إيطالي عني بالتاريخ الإسلامي كان ذا نزعة عقلية جعلته متحرراً من الأحكام السابقة المغرضة عن الإسلام. ولهذا كتب عن حياة النبي ورسالته دون تحامل سابق، وإن كان بروح عقلية استبعدت كل الخوارق والمعجزات! كذلك نجده لا يسكت عن المخازي التي ارتكبها الصليبيون خصوصاً في الحملة الصليبية الأولى لما أن أغرقوا قبر المسيح بالدماء ولم يراعوا له حرمه" (ص90). وحين يعرض للمستشرق الإنجليزي سيل (1697-1736) يبين أنه كان منصفاً للإسلام – بريئاً – رغم تدينه المسيحي – من تعصب المستشرقين المسيحيين وأحكامهم الزائفة. فلم يذكر النبي محمد، وذلك لأنه كان من أنصار نزعة التنوير التي انتشرت في أوروبا في تلك الفترة (ص252).

ونفس الموقف يتخذه من أعمال ريلاند Reeland المستشرق الهولندي، ويعرض لأهم مؤلفاته "في الديانة المحمدية" الذي كتبه باللاتينية. وهو ينقسم إلى قسمين الأول هو تحقيقه لكتاب موجز في العقائد الإسلامية، وترجمه إلى اللاتينية مع تعليقات وفيرة، وبهذا يعطي للقارئ الأوربي عرضاً أميناً للعقيدة الإسلامية كما يفهمها المسلمون. ويفحص القسم الثاني عن بعض الآراء الباطلة – المنتشرة – في أوروبا منذ العصر الوسيط حتى "القرن السابع عشر – عن الإسلام، والقرآن، والسنة المحمدية، ويحاول تصحيحها استناداً إلى القرآن والسنة ومؤلفات المسلمين. وهو بهذا عند بدوي أول أوروبي حاول تبرئة الإسلام من التهم الباطلة التي اخترعها الكتاب الأوروبيون وشوهوا بها حقيقة الإسلام. ويشير بدوي إلى أنه كتب بالفرنسية بحثاً مفصلاً عن موقف ريلاند من الطعن في القرآن بمناسبة الآية: (ياأخت هرون) وهو ما سيتحدث عنه بعد ذلك بالتفصيل في المرحلة التالية(50).

وكذلك شاخت Schacht (1902-1969) الذي كان حريصاً على الدقة العلمية في عرض المذاهب الفقهية، وفي دراسة أمور الفقه بعامة، مبتعداً عن النظريات العامة والآراء الافتراضية التي أولع بها أمثال جولد تسيهر وسانتيلانا ممن كتبوا في الفقه الإسلامي، ولهذا كانت دراسات ومؤلفات شاخت أبقي أثراً وأقرب إلى التحقيق العلمي وأوثق وأجدي (ص255). ويشيد بكل من: نيلدكه Noldeka (1836-1931)  شيخ المستشرقين الألمان غير مدافع، ونيكلسون Nicholson (1868-1945) – الذي يعد عنده بعد ماسينيون – أكبر الباحثين في التصوف الإسلامي. ويشير إلى مؤلفات نبيرج Nyberg (1889-1974) ورسالته للدكتوراه عن "المؤلفات الصغري لابن عربي" ويصفها بأنها من أجل الأعمال في باب التصوف الإسلامي (ص415)، وإلى نشرته الممتازة لكتاب الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد" (ص414-415). الذي زوده بتعليقات مفيدة للغاية. وتكاتش Tkatsch (1871-1927) وأهم أعماله تحقيق الترجمة العربية لكتاب فن الشعر لأرسطو، وأن عمله من أجل الأعمال الفيلولوجية" (ص97).

ويفيض في بيان تعمق رايسكه Reiske (1716-1774)، ويشيد بنشرته لمعلقة طرفه التي كانت فتحاً جديداً عظيماً في ميدان الدراسات العربية، وكيف بدأ بنفسه أن ينقد أستاذه اسخولنتر الذي كان يتهرب من الصعوبات في النصوص العربية إذا وجد كلمات لا يفهمها فإنه كان يحذفها في صمت، أو يغيرها اعتباطاً. ويضيف أن رايسكه؛ الذي وجد الناشرين للنصوص اليونانية يتهافتون عليه لم يجد ناشراً واحداً يقبل أن ينشر له كتبه في ميدان الدراسات العربية فاضطر أن ينشر ما نشر من ذلك على نفقاته الخاصة. ومن هنا ظلت أحواله المالية سيئة "ذلك أن اللاهوتيين يبغضونه أشد البغض؛ لأنه مجد الإسلام، ولم يوافقهم على أكاذيبهم واتهاماتهم الدينية للنبي محمد والإسلام بعامة، ويستشهد بقول فوك عنه: "لقد كان متهماً عند اللاهوتيين بأنه حر التفكير، ولم يسايرهم في ادعائهم أن محمداً كان نبياً زائفاً وغشاشاً، وأن ديانته خرافات مضحكة، ولم يشأ أن يقسم تاريخ العالم إلى نصفين نصف مقدس ونصف دنيوي، بل وضع العالم الإسلامي في قلب التاريخ العالمي وفوق ذلك كان يعبر عن آرائه بصراحة تامة دون أن يحفل بما عسي أن يترتب عليها من نتائج فجلب عليه الكساد (ص205-206-208).

والسمة الثانية التي تميز هذه المرحلة وتوضح خصائص هذا الموقف النقدي هي التحليل الموضوعي لدراسات المستشرقين والتي تظهر في تصحيح يشيد بدقة أعمال مستشرق ما، وفي نفس الوقت ينتقده في جوانب أخرى؛ فالأحكام التي يصدرها على كل مستشرق لا تنصب على أعماله جملة، بل على المنهج والتحليلات، والنتائج لكل عمل على حدة، ويمكن تفصيل ذلك على الوجه التالي:

حين يعرف بدوي اسكاليجير Scollger (1540-1609) يصفه بإنه مستشرق، وفيلولوجي كلاسيكي فرنسي عظيم. وبعد أن يعرض مؤلفه يرى أنه فيما عدا كتابه "في إصلاح الأزمنة" 1583 فإننا لا نعثر لديه على ما يدل على أنه سار في الدراسات العربية والشرقية بعامة شوطاً بعيداً، ولهذه نعجب كيف وصفه اربنيوس بأنه الأول بين المستعربين Primus arabisantuin. والحقيقة أن أهميته كمستشرق ضئيلة، وإنما هو في المقام الأول عالم فذ في الدراسات الكلاسيكية" (ص17). ويشير إلى كتاب بوكوك Pococke (1604-1691) "لمع من أخبار العرب"، وهو أول كتاب يطبع في اكسفورد بحروف عربية وأن أهمية الكتاب تقوم في التعليقات المفيدة جداً التي زود بها بوكوك نص ابن العبري. ونصف هذه التعليقات تتناول العرب قبل الإسلام، أما التعليقات الخاصة بالنبي محمد فقليلة وتتسم بالتحيز والتعصب البغيض، وهو لا يستغرب ذلك من مبشر نذر نفسه خصوصاً للتبشير في بلاد الإسلام (ص91-92).

وفي تناوله لهاملتون جب H.Gibb (1895-1971) يشير إلى أنه نال في حياته كثيراً من ألقاب التشريف التي لا يستحقها علمياً وأن شهرته فوق قيمته العلمية، وإنتاجه أدني كثيراً من الشهرة التي حظي بها لأسباب كلها بعيدة عن العلم وما كتبه عام 1926 بعنوان "الأدب العربي" وهو كتيب صغير سطحي تافه قصد به إلى القراء الإنجليز، وعمله الخليق بالذكر – في مجال التاريخ الإسلامي – هو الكتاب الذي ألفه بالاشتراك مع هارولد بوون بعنوان "المجتمع الإسلامي والغرب: المجتمع الإسلامي في القرن الثامن عشر". والكتاب عرض عام لم يقم على الوثائق والمحفوظات. ولهذا كانت قيمته العلمية ضئيلة إذا ما قورن بالدراسات العديدة في نفس الموضوع والتي اعتمدت أساساً على الوثائق والمحفوظات. ولكن هذا هو طابع كل ما كتبه جب (ص105-106).

وتظهر موضوعيته في تقييمه لأعمال "ستينشيندر M. Steinschneider (1861-1907) خاصة "الترجمات العربية عن اليونانية" 1897 يقول بدوي: "على الرغم من أن معظم المعلومات الواردة فيه قد صارت عتيقة بفضل ما قمنا نحن به من نشرات ودراسات في هذا المجال، فإنه لاتزال له بعض الأهمية فيما يتصل بالعلوم الرياضية والطبيعية". والكتاب الثاني في نفس الميدان هو "الترجمات الأوربية عن العربية" 1904-1905 وقد صار هو الآخر عتيقاً بفضل تقديم الدراسات في هذا المجال، ولكن لا يوجد حتى الآن كتاب جامع يتناول نتائج البحث حتى اليوم، إنما هي دراسات متفرقة مشتتة وعسى أن نقوم بذلك قريباً" (ص24).

ويبين أن كرنكوف Krenkow (1872-1953) اتصل بدائرة المعارف العثمانية، التي تتولي، ولاتزال، نشر كتب إسلامية في مختلف فروع العلوم الإسلامية أو أنه نشر ضمن مطبوعاتها نشرات يعوزها "التحقيق النقدي. ولم يكن الذنب ذنبه بل ذنب المشرفين على هذه الدائرة إذا جردوا نشراته من الأجهزة النقدية، والتعليقات، والقراءات، وكان خيراً له ولسمعته أن ينأى بنفسه عن نشر شيء ضمن مطبوعات هذه الدائرة، ولهذا سنهمل ذكر ما نشره فيها (ص331).

ويظهر على امتداد الموسوعة نقد بدوي لبعض ما أورده المستشرقين من معلومات ووقائع خاطئة في كتاباتهم حيث ينتقل بدوي من موقف الناقل إلى موقف الند؛ مناقشاً مراجعاً مصححاً. فهو يصحح خطأ اربري A.J.Arbery (1905-1969) في نشرته لكتاب النبات المنسوب لأرسطو موضحاً أنه في الحقيقة لنقولاوس (ص5). ويبين أن إربينيوس Th.Erpenius (1584-1624) في نشرته "أمثال لقمان الحكيم وبعض أقوال العرب" ألحق بها خرافات منسوبة إلى لقمان الحكيم، هي في الواقع تعديل لخرافات ايسوفوس اليوناني حرره كاتب مصري مجهول (ص11). وفي حديثه عن رتر Ritter (1892-1971) يبين أنه اشترك مع فالتر في نشر رسالة الكندي "في دفع الأحزان" 1938 "وأن هذه النشرة حافلة بالأخطاء التي نبه عليها في نشرته المحققة لهذه الرسالة ضمن كتاب رسائل فلسفية للكندي والفارابي وابن باجه وابن عدى (ص186).

ويصحح خطأ فلوجل Flugel (1802-1870) الذي نشر تحت عنوان "مؤنس الواحد" لابن منصور الثعالبي، لكنه في الحقيقة كما بين جلدميستر هو فصل من "محاضرات" الراغب الأصفهاني (ص286)، ويذكر أن لاندبرج (1848-1924) أصدر كتاب "لغة بدو قبيلة عنزة" ولكن قيمته ضئيلة؛ لأن الرجل اعتمد عليه لاندبرج لم يكن بدوياً من قبيلة عنزة، بل فلاحاً نصرانياً من حوران ولهذا انتقده كانتنوا" (ص351).

ويرى أن ريبو (ت 1867) الذي خلف سليفستردى ساسي، كان بعيداً عن بلوغ مرتبة سلفه إذ لم يكن عالماً باللغة العربية بوصفها لغة إلى درجة كبيرة، ولم يستطع التأليف بالعربية، بل ولا الكلام الصحيح الجاري بها (ص217). وأن إبراهيم الحقلاني (الماروني) نشر في 1641 مقتطفات من كتاب "مقاصد حكمة فلاسفة العرب" تأليف قاضي مير حسين الميبودي في نصها العربي، وزودها بالشكل الملئ بالأغلاط مما يدل على جهله الفاحش باللغة العربية (ص146). ويدحض زعم بابت (دافيد) – الذي اهتم بدراسة اللغة العربية التي كتبت بها وثائق "جينيزة" مصر القديمة وترجم بعض الوثائق إلى العربية الحديثة – أن الأغلاط اللغوية الفاحشة في هذه الوثائق ليست أغلاطاً بل تمثل الحياة" في عصرها موضحاً أن هذا الزعم باطل سخيف، وأن جهل اليهود الذين كتبوها باللغة العربية ونحوها هو السبب في وقوعهم في هذه الأغلاط اللغوية والنحوية الفاحشة، وهو أمر مشاهد عند اليهود في مصر وسائر البلاد العربية وقد انتشرت هذه الدعوى – رغم ذلك – عند بعض جهال المستشرقين خصوصاً في العصر الحاضر (ص47).

ويصدر حكماً قاسياً على المستشرق الألماني هورتن Max Harten (1874-1945) الذي أصدر عدداً كبيراً من الدراسات والترجمات في الفلسفة وعلم الكلام "لكنه لقلة بضاعته في اللغة العربية والمصطلحات الفلسفية والكلامية العربية من ناحية وسوء النشرات التي اعتمد عليها من ناحية أخرى قد أصيب بالخلل وسوء الفهم وبالتالي الخطأ في الترجمة" (ص430).

وحين يذكر ترجمات القرآن الأولى إلى اللغات الأوربية، يعرض للترجمة اللاتينية الأولى، وهي تلك التي دعا إليها ورعاها بطرس المحترم 1543 وقام بها بيلينارد يقول: "أن بيلينارد مشكوك في مدى علمه باللغة العربية بحيث لا ترى أثراً لعلمه بالعربية إلا في حواشي قليلة في الهامش وأن هذه الترجمة أقرب إلى التلخيص الموسع منها إلى الترجمة، فهي لا تلتزم بالنص دقة وحرفية ولا تلتزم بترتيب الجملة في الأصل العربي وإنما هى تستخلص المعني العام (ص307-308). ويذكر أهم إنتاج للمستشرق الألماني اليهودي هورفتس Horovitz (1874-1931) وهو كتابه "مباحث قرآنية" 1926، ومنهجه فيه هو التحليل التفصيلي للغة القرآن، لكنها تحليلات ثبت ما فيها من مغالاة وافتعال، مما جعل نتائج بحثه مشكوكاً فيها منذ البداية ومرفوضة كلها فيما بعد (ص433).

وتتمثل النقطة الثالثة في إدانة التوجهات السياسية والتعصب الديني كما تظهر في كتابات بعض المستشرقين وهذه النقطة بالتحديد هى مقدمة للموقف الأخير في نقد بدوي المضاد للتوجهات الأيديولوجية الدينية لهؤلاء المستشرقين وهو نقد في جانب منه معرفي، وفي جانب آخر أيديولوجي وتظهر فيه نفس السمات الموضوعية السابقة سواء مع أو ضد هؤلاء، وذلك في الجوانب المعرفية، بينما لا تظهر الأساس الفلسفي للنقد الأيديولوجي سواء ضد توجهات المستشرقين الدينية أو السياسية اللهم فقط الشعور الوطني والقومي والديني الذي يسيطر على ميول واتجاهات الإنسان العربي المسلم. ففي تناوله للمستشرق الألماني اليهودي يعقوب بارت Jackb Barth (1851-1914) يذكر أنه كان في تحقيقه للنصوص العربية لا يتورع عن التصحيحات العنيفة خصوصاً فيما يتصل بالشعراء القدامي. وعلى العكس من ذلك فعل بالنسبة للنصوص العبرية الخاصة بالكتاب المقدس فإنه كان يتجنب أى تصحيح فيها.. مما جعل إنتاجه في هذا الميدان متخلفاً جداً عن التطور الهائل الذي حدث في ميدان نقد نص الكتاب المقدس (ص81). ويشير إشارة ذات مغزي هام أن بارث توفي عام 1914 تاركاً ولدين: الباز (ت 1949)، وأهارون (ت 1957) وكلاهما كان من أشنع غلاة الصهيونية والدعاة لها (الموضع نفسه). ونفس الإشارة تتأكد في سياق حديثه عن كتاب بروكلمان "تاريخ الشعوب والدول الإسلامية" 1939 الذي كان يصفه مقيماً أنه صورة شاملة لتاريخ الشعوب الإسلامية دون مناقشة للمشاكل العديدة المتصلة بهذا التاريخ معتمداً على يوليوس فلهوزن وليون كتياني، الأهم من ذلك إشارته إلى ترجمة هذا الكتاب إلى الإنجليزية إبان الحرب العالمية الثانية ونشره عام 1947 مع فصل عن الحوادث من 1939 إلى 1948 شوه فيه القضية الفلسطينية "وأبدي فيه رأياً يخالف تمام المخالفة رأى بروكلمان" كما قال يوهان فوك. ويضيف بدوي ولكن هذه عادة كل الكتاب اليهود في هذا الشأن" (ص65).

ويندد بمواقف المستشرقين الذين تورطوا في خدمة الاستعمار، ويبدو ذلك التنديد هادئاً في إشارته لتوزع سنوك خرغرونيه (1857-1936) بين التدريس في جامعة ليدن وبين الاستشارة السياسية لشئون المستعمرات الهولندية (ص246). ويتدرج ذلك إلى إدانة المستشرق في موقف، والإشادة به حين يتجاوز هذا الموقف كما نجد فيما كتبه عن آربرى الذي أصدر في فترة الحرب العالمية الثانية نشرات لا نهاية لها للدعاية البريطانية في الشرق الأوسط باللغتين العربية والفارسية وظهر في فيلم للدعاية البريطانية – وهو ما يدينه بدوي. وتكفيراً عن هذه "المهمة المنحطة" قام آربرى بتقديم الشرق إلى الغرب بترجمة كتب عربية وفارسية وتأليف كتاب وأبحاثهم لتفهيم الأوربيين حقيقة الإسلام: وحضارته وآدابه وعقيدته هادفاً إلى إزالة حشد هائل من الباطل وسوء الفهم والأكاذيب المتعمدة لإقرار الحق عن الشرق وشعوبه في الضمير المشترك للغرب، فهذا جزء من واجب المستشرق ذي الضمير الحي (ص6). ويصل النقد إلى أقصى مداه فيما كتبه بالمر (أدوار هنرى) (1840-1882) وهو عند بدوي مستشرق إنجليزي من عملاء الاستعمار البريطاني، لقي حتفه جزاءً وفاقاً لعمله هذا، ويبدو أن تاريخ بالمر عريق في خدمة الأهداف الاستعمارية فقد شارك في بعثة "اكتشاف في فلسطين" بغرض اكتشاف الارتباط بين التاريخ المقدس والجغرافية المقدسة. ويكتب بدوي: "أنه لما راحت بريطانيا 1882 تدبر لاحتلال مصر دعاه لورد نورنبروك؛ الرئيس الأول للبحرية البريطانية في 27 يونيو 1882 للاستفادة من خبرته بسيناء؛ واتصالاته بأهلها لكى يتصل ببدو سيناء، ويؤلبهم ضد مصر، ويستخدمهم لتأمين الجانب الشرقي من قناة السويس لصالح بريطانيا، ووافق بالمر للقيام بهذه المهمة الدنيئة التي لا تليق بعالم أبداً. "ويصفها بدوي "بالمهمة القذرة"، وبعد أن يورد تفاصيل ذلك. يوضح أن البدو نصبوا كميناً له، ولمن معه وإقتادوهم إلى وادي سدر وقتلوهم وألقوا بهم في واد سحيق. وتفاصيل هذا كله موجودة في الكتاب الأزرق (رقم 3494)؛ الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1883 ويضيف بدوي: "هكذا لقى بالمر بالجزاء الوفاق عما قام به من تجسس ودسائس وتأمر للتمهيد لغزو بريطانيا لمصر واحتلالها دام منذ ذلك التاريخ (ص46). ورغم هذه الإدانة الشديدة لموقف بالمر التي وجهها بدوي إليه بصفته مصرياً؛ فإنه يورد ترجمته لشعر البهاء زهير موضحاً أن فيها من الرشاقة والجمال مثل ما في الأصل (ص43). وهو موقف علمي ينفصل عن موقفه السياسي، ولا يتناقض معه.

ويرتبط هذا النقد بإدانة تعصب كتابات المستشرقين ضد الإسلام – وهو تمهيد لكتاباته الأخيرة، ويظهر فيه تقصي بدوي لكتابات المستشرقين في ميادين ترجمة القرآن، والدراسات الإسلامية في أوروبا؛ فهو يبين لنا فيما كتبه عن المستشرق الفرنسي بوستل (1510-1581) أن نفسيته تحولت منذ عام 1540 تحولاً غريباً، فاستولت عليه أحلام شاذة؛ لإصلاح أحوال العالم، وأراد أن يضع معارفه اللغوية في خدمة تحقيق هذه الأحلام؛ فراح يحلم بقيام حركة تبشير عالمية ابتغاء تنصير كل الكفار والمبتدعة والوثنية. وإلى جانب هذا التهاويم الدينية تملكته نزعة قومية فرنسية مغالية جداً جعلته يتصور أن الفرنسيين شعب الله المختار، وأنهم مدعون للسيطرة على العالم وحكمه (ص88). ويذكر أن ريكولدو (1243-1320) راهب دومنيكي ومبشر عنيف الخصومة ضد الإسلام له كتاب بعنوان "الجدال ضد المسلمين والقرآن" كما في مخطوط باريس، أو بعنوان "ضد قرآن محمد" كما في مخطوط المتحف البريطاني، أو "الرد على القرآن" كما يرد في عنوان الترجمة اللاتينية. وفيه جمع ما سبق أن ساقه الذين ردوا على القرآن والإسلام وأضاف إليه ردوداً من عنده (ص211). ويذكر لريموند مارتيني وهو لاهوتي ومبشر ومستشرق أسباني (ت 1284) أهم مؤلفاته "ضجر الإيمان في صدور المسلمين واليهود" (ص213) ويشير إلى كارل جوتليب بفاندر Pfander في حديثه عن موير W. Mur (1819-1905) مؤلف كتاب "ميزان الحق"؛ الذي هاجم فيه الإسلام بمنتهي العنف. ودعا موير إلى أن يكتب عن السيرة النبوية؛ فكتب عدة مقالات بروح متعصبة خالية من الموضوعية.. وعاد موير إلى تحامله الشديد على الإسلام فاصدر كتابين هما: "القرآن تأليفه وتعاليمه" 1877، و"الجدال مع الإسلام" 1897 (ص405).

ويشير يوحنا الاشقوبي (ت بعد 1456) وهو لاهوتي أسباني لعب دوراً كبيراً في مجمع بازل. وشارك في ترجمة القرآن إلى اللاتينية، وأنه في خلوته في دير آيتون Ayton في سافويا (فرنسا) – وهذا ما يهمنا هنا -  فكر في الدفاع عن المسيحية ضد الإسلام الظافر؛ الذي بدأ يغزو أوربا خصوصاً بعد استيلاء محمد الفاتح على القسطنطينية في 1453 "وقد تبين له (ليوحنا) أنه لا جدوى من مقاومة الإسلام بالسلاح؛ لأن الدولة العثمانية كانت في أوج قوتها وتهدد أوربا بأسرها، لهذا رأى ترجمة القرآن إلى اللاتينية، وبعد ترجمة القرآن أخذ في كتابة رد على الإسلام بعنوان "طعن المسلمين بسيف الروح" (ص26). وفي نفس الإطار كلف بطرس المحترم – وهو راهب ولاهوتي فرنسي – بعض المترجمين بترجمة القرآن إلى اللاتينية. وقد طبع ونشر هذه الترجمة وألحق بها بعض الرسائل المتعلقة بالنبي والقرآن والإسلام. وقد بين اربينوس ونسليوس – الذين استرشد بهما بدوى – أمثلة لما في هذه الترجمة اللاتينية من غموض وخطأ؛ إلى جانب ذلك قام بطرس الملقب بالمحترم هذا فألف كتاباً في الرد على الإسلام، وكان ذلك حوالي 1143. وعلى الرغم من أنه هو الذي رعي هذه الترجمة فإنه كلف سكرتيره أن يضع النقاط الرئيسية لهذا الرد (ص69).

ومن استعراض أعمال (آل) السمعاني: يوسف سمعان السمعان، اسطفان أيقود السمعاني، يوسف ألويس السمعاني، سمعاني السمعاني... يرى "أنهم لم يسهموا بشئ يستحق الذكر في الدراسات العربية.. بل يكاد يقتصر نشاطهم على السعى لإخضاع الطائفة المارونية في لبنان للسيطرة الكاملة لبابا روما ولإذكاء نار الفتنة بينها وبين وسائر الطوائف المسيحية فضلاً عن التعصب الديني ضد الإسلام.. ويرى أنه الكذب الفاضح أن يدعى أحد أن السمعاني خدموا الثقافة العربية على أى نحو. وهذا الحكم ينطبق على رجال الدين الموارنة الذين عملوا في أوربا في القرون من السادس عشر حتى اليوم. لقد كانوا جميعاً في خدمة هيئة التبشير والدعوة في روما، أو مترجمين لحكام أوربيين، ولم يسهم أى واحد منهم في البحث العلمي المتعلق بالثقافة العربية أو التاريخ العربي (ص243). وربما كان الاستثناء الوحيد هو ميخائيل العزيزي. وحين يتناول ميخائيل العزيزى؛ الذي الحق بدير الاسكوريال يذكر أن مكتبته تحتوى على مقدار وفير من المخطوطات العربية؛ التي اقتنيت بطرق مختلفة أهمها؛ الاستيلاء في البحر على سفينة مغربية كانت تحمل مكتبة مولاى زيدان ملك المغرب (ص269).

ويفيض في الحديث عن المستشرق والراهب اليسوعي البلجيكي لامنس Lammens (1862-1937) الشديد التعصب ضد الإسلام؛ الذي يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث، والأمانة في نقل النصوص، وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين. وبعد أن يعرض لكتاباته يوضح أنها تلخيص لأبحاث المستشرقين وعلماء الآثار والجغرافيا في هذه الموضوعات وليس له فيها أى إسهام أصيل. ويشير إلى تحامل كتاباته في السيرة النبوية تحاملاً شديداً ويصف عمله بالبعد الشديد عن العلم وأصول البحث والنزاهة العلمية. فهو يلقي الكلام جزافاً ويعتمد على تحكمات ذهنية استقرت حسب معانى ذهنية سابقة. ولم يكن لديه إطلاع باحث مثل جولد تسيهر؛ يحاول أن يستمد دعواه من مصادر أخرى تلمودية أو هلينية... إلخ. بل راح يخلط دون أدنى سند أو برهان عقلي. وأبشع ما فعله خصوصا في كتابه "فاطمة وبنات محمد"؛ هو أنه كان يشهر في الهوامش بصفاتها، ويخبرنا بدوى أنه راجع معظم هذه الإشارات في الكتب التي أحال إليها لامنس؛ فوجد أنه إما أن يشير على مواضع غير موجودة إطلاقاً في هذه الكتب أو يفهم النص فهماً ملتوياً خبيثاً أو يستخرج الزامات بتعسف شديد يدل على فساد الذهن وخبث النية، ولهذا ينبغي – كما يخبرنا بدوى – ألا يعتمد القارئ على إشاراته إلى المراجع؛ فإن معظمها تمويه وكذب وتعسف في فهم النصوص يقول: "ولا أعرف باحثاً من بين المستشرقين المحدثين قد بلغ هذه المرتبة من التضليل وفساد النية" (ص348).

وهو نقد عنيف بلغت فيه لغة بدوى أقصى درجات الهجوم والعنف. وهذا ما يظهر في أسلوب كتابيه الآخيرين. ويواصل نقده لبقية أعمال لامنس التي تتعلق بالتاريخ الإسلامي. فقد درس الخلافة الأموية وفي هذه الدراسات بالغ لامنس في تمجيد الأمويين بدافع الحقد الشديد على الإسلام. وبالمقارنة مع فلهوزن نجد الفارق الهائل بين ما قام به يوليوس فلهوزن في كتابه "الدول العربية وسقوطها" وبين الاندفاع الأهوج عند لامنس في تبرير أبشع جرائم يزيد والأمويين. وفي ميدان الإسلام بعامة وضع لامنس كتاباً عاماً بعنوان "الإسلام: عقائد ونظم" وقد زعم في استهلال الكتاب أنه كتاب حسن النية Un Livre de bonne foi ومع ذلك فقد دس فيه كل سمومه التي سبق أن عرضها في مؤلفاته، وذكر أنه (الكتاب) عرض موضوعي Exposé tout objectif. وهذا أيضا فيما يرى بدوى – من خلال تحليله للعمل – غير صحيح تماماً.. وهو عرضي سطحي جداً وليست له قيمة علمية ولا حتى كدراسة مبسطة ابتدائية؛ لأنه مزجه بوجهات نظره المليئة بكراهيته للإسلام في غل منقطع النظير (ص349).

وتنقلنا الإشارات النقدية المتفرقة لبعض مواقف المستشرقين؛ خاصة فيما يتعلق بالدراسات الإسلامية والقرآنية؛ إلى إعادة نظر جذرية في موقفه. والحقيقة ان إعادة النظر هذه ليست تحولاً مفاجئاً في نظرة الدكتور بدوي بل أن أصولها بدت واضحة للعيان في كثير من الإشارات السابقة. ويستطيع الباحث في كتاباته أن يستبصر هذا الموقف واضحاً، لكن السؤال الهام في هذا السياق هو لماذا ارتبطت في أذهاننا أبحاث بدوى بالإشادة إلى المستشرقين؟ وهل حدث تحول مفاجئ في موقفه؟

في الحقيقة هناك أسباب عديدة لذلك. أولها تلك الحماسة والإعجاب الشديد بأعمال هؤلاء، وترجمتها إلى العربية، وجعلها جزءاً من بنية أعماله؛ فكأن أبحاثه وتحقيقاته تتكامل مع ترجماته لهؤلاء، بالإضافة إلى استلهام كثير من المستشرقين وأعمالهم في أبحاث وكتابات خاصة، خاصة أعمال كراوس. ثالثاً هذه السمة الإنسانية التنويرية في طرح القضايا والعناوين التي يختارها لكتاباته مثل: "تاريخ الإلحاد في الإسلام" والتى تعطي انطباعاً مباشراً بتبني مثل هذه الأفكار؛ إلا أن ذلك الانطباع المباشر قد لا يعبر حقيقة عن قناعات الرجل. فالدراسات التي أوردها عن الإلحاد تتعلق بإنكار الفلاسفة للنبوة وليس الألوهية. إضافة إلى أن مثل هذه الدراسات كانت سائدة ومنتشرة في الدوريات والمجلات الثقافية المصرية والعربية في هذه الفترة(51). فهو نوع من المشاركة في القضايا المثارة في مطلع الشباب سرعان ما تحولت بفعل الخبرات العملية؛ إلى نوع من التوجه العام، الذي تبناه بدوى عن طريق طه حسين وأحمد لطفي السيد، وهو الاستفادة من الدراسات الغربية والمشاركة فيها وعدم الشعور بالدونية أمام هذه المناهج الفلسفية والعلمية؛ التي تمكننا من إعادة النظر في تراثنا الثقافي، وقضايانا الفكرية. إلا أن الغرب عند بدوى لم يكن فقط فرنسا كما لدى أحمد لطفي السيد وطه حسين بل إن اتجاهه إلى الدراسات الألمانية والإيطالية بفضل إتقانه هذه اللغات، وعلاقاته الوثيقة بأهم الباحثين والمستشرقين من إيطاليا وألمانيا وتكوينه الفلسفي، الذي مال به نحو المثالية الألمانية لدى كانط وهيجل وفشته وشلينج؛ والذي ارتبط بتوجهه السياسي، أو أسس له، وذلك في انتمائه "لمصر الفتاة"(52) جعله يختلف عن توجه أساتذته لطفى السيد وطه حسين من ناحية، ويعيد النظر في أحكام بعض المستشرقين من جهة ثانية، وينشغل بقضية "روح الحضارة الإسلامية" بل يستخدم أحياناً لفظ الإسلام بدلاً من العرب في عناوين أحد كتبه. فبعد "أرسطو عند العرب" و"أفلوطين عند العرب" يكتب عن "أفلاطون في الإسلام". التحول أذن لم يكن مفاجئاً بل نجد بذوره في هذه المرحلة الوسطي؛ التي كان فيها موضوعياً إزاء كتابات المستشرقين المعرفية. وناقداً لكتاباتهم الدينية والسياسية وهذا ما ينقلنا إلى المرحلة الحالية؛ التي يتقابل ويتضاد فيها موقفه مع إراء بعض ما كان يعجب بهم ويتماثل مع كتاباتهم من قبل. هنا يتحول من "تاريخ الإلحاد في الإسلام" إلى "الدفاع عن محمد والقرآن".

ثالثاً: الدفاع عن القرآن والنبي (المقابلة والنقد):

أول ما يميز موقف بدوي الحالي من المستشرقين، الذي تعبر عنه هذه المرحلة من تطوره الفكري، والتي نطلق عليها موقف "المقابلة"؛ هو تحوله من ترجمة أعمال هؤلاء وتبني مناهجهم، ونتائج أبحاثهم، أو الكتابة عنهم، وتحليل كتاباتهم في الفلسفة، والكلام والتصوف، والأدب وتاريخ العلم العربي؛ إلى إعادة النظر فيما كتبوا؛ خاصة فيما يتعلق بالدين الإسلامي والقرآن الكريم، وحياة النبي محمد، وأصبحت القضايا الدينية هي محور البحث ودارت حول:

التشابه المزعوم بين القرآن والإنجيل. مفهوم لفظ "أمى" المتعلق بالنبي محمد، معنى كلمة فرقان، الصائبة في القرآن. الرسل في القرآن. هل هناك مصدر يوناني للقرآن. التصنيف التاريخي للقرآن. الكلمات غير العربية في القرآن، حقيقة الشخصيات التاريخية التي جاءت في القرآن؛ "أخت هارون"، "هامان"، وهي محاور كتابه "الدفاع عن القرآن ضد منتقديه"(53). وصدق محمد فيما نزل عليه من الوحي. وسياسة محمد تجاه خصومه. وموقفه تجاه معاهداته، وصحة رسالته وخطبه وأحاديثه، وشهوات محمد المزعومة. والفرائض الإسلامية وأصولها وهي موضوعات "الدفاع عن محمد ضد المنتقصين لقدره".

وكما يتضح من عناوين هذه الموضوعات؛ فإن بدوى يناقش القضايا التي اثارها المستشرقين حول الدين الإسلامي وتشريعاته، وكتابه المنزل، ورسوله. وهي قضايا تاريخية ولغوية في الأساس. هنا تحول الاهتمام عن كتابات المستشرقين في فروع المعرفة الإسلامية، وعن شخصيات المستشرقين؛ إلى الاهتمام بالقضايا التي تتصل بأساس الدين. وفي كل منها يعرض بدوى لمواقف الذين تناولوها بالبحث والنقد بل بالهجوم والتجريح في كثير من الأحيان. وفي كل قضية يشير للمشكلة وموقف المستشرقين منها، وأصلها لدى الكتاب المسلمين، والمواقف المتباينة تجاهها، وموقف القرآن منها، ثم يقدم تحليله لها، ووجهة نظره الخاصة موضحاً أن بعض هذه القضايا زائفة مفتعلة، وبعضها قضايا ستظل مثارة ويستمر الجدال حولها بعد وضعها الوضع الصحيح. والاتجاه الأساسي السائد في تحليله لكل منها هو بيان تهافت المنهج الذي استخدمه المستشرقون، وتحليلاتهم الخاطئة، ودوافعهم المغرضة وروح التعصب.

ومن الممكن عرض موقف بدوى من كل قضية من هذه القضايا والإشارة إلى كل من تناولوها من المستشرقين، أو وهذا هو الحل الثاني الذي اخترناه، تتبع مواقف بدوي من كل مستشرق في كل قضية منها موضحين علاقة هذا الموقف بآراء بدوي السابقة في بعض هؤلاء المستشرقين إذا كان قد ذكرهم من قبل. ونقدم هنا بعض الملاحظات التمهيدية التي تساعد في متابعة تحليل بدوي لهذه القضايا، وتحليلنا لموقفه من المستشرقين وهي:

1 –  إن بدوى كما يتضح من مقدمات كتبه الأخيرة – بإزاء توجه جديد يتمثل في مشروع يشغل في الحقيقة كثير من الباحثين المنتمين للعالم الإسلامي المعاصر وهو إعادة النظر الجذرية في كل ما كتبه المستشرقون فيما يتعلق بالدين الإسلامي. وقد أصدر بدوي بعض أجزاء من هذا المشروع، ويعدنا بكتابات أخرى – تحت الطبع – كتابه عن "الإسلام كما أرتاه: فولتير وهردر وجيبون وهيجل"، وكذلك نيته في تخصيص دراسة وافية عن السنة النبوية المحمدية يرد فيها الرد الكافي والمقنع على أولئك المستشرقين المتشككين.

2 - إن إعادة النظر الجذرية هذه تجعله يخصص مقدمات تاريخية طويلة يتتبع فيها بداية ظهور المشكلة موضوع البحث، والآراء المختلفة التي قيلت فيها من المؤرخين وآباء الكنيسة والكتاب المسيحيين؛ سواء في الكنيسة الشرقية أو الدولة البيزنطية، أو أوروبا، بحثاً عن الأصول والكتابات الأولى التي تنوقلت وتواترت وأصبحت تكون نوعاً من الرؤية الأسطورية في فهم حقيقة الإسلام التاريخية(54).

3 - إنّ هذه الأعمال تتسم بقدر كبير من التكامل. فهي لا تكتفي فقط ببيان آراء المستشرقين ضد الإسلام، رغم أن هذا هو ما يمثل الاتجاه السائد في الكتابات التي يعرضها بدوي – وإنما تشير أيضاً كلما كان ذلك ممكناً – إلى كثير من المواقف الإيجابية لبعض هؤلاء المستشرقين. موضحاً أيضاً بموضوعية كاملة هذه المواقف، ودوافعها، وتوجهات أصحابها وفي هذا الإطار نفسه يمكن أن نجد بعض الإشارات؛ وهي قليلة للغاية إلى آراء سلبية وإيجابية لبعض هؤلاء المستشرقين خاصة ماسينيون ونيلدكه.

4 - الاعتماد في بعض الأحيان على المصادر الإسلامية؛ وخاصة القرآن والاستشهاد بآياته وتحليل ألفاظه(55). وتقديم بيانات إحصائية بهذه الألفاظ ودلالتها بنفس طريقة العلماء في البرهنة النقلية. والاستشهاد بالنصوص وكذلك الاعتماد على كتب المفسرين والمحدثين والمؤرخين وعلماء اللغة العربية القدماء(56). والحقيقة أن الهدف من ذلك ليس البرهنة على صدق دعواه بل هي أساس لبيان كافة الجوانب والآراء المثارة قديماً وحديثاً حول كل قضية من هذه القضايا.

5 - الملاحظة الخامسة وهي على جانب كبير من الأهمية – ويصح أن تكون الأولى تتعلق بحفر بدوي في الأصول التاريخية لعلاقة الإسلام بأوروبا وموقف أوروبا منه. وعلاقة المسلمين بالطوائف الدينية المجاورة خاصة اليهودية وتاريخ التحالفات معهم، وهل هناك مصداقية لهذه التحالفات. ونكثهم الدائم للعهود. وكذلك أيضاً – وهي مسألة فرعية لعلاقة الإسلام بأوروبا – مسألة حرية الرأى والتعبير والدفاع عن حقوق الإنسان؛ التي يتشدق بها الأوربيون ويدعو إليها فلاسفتهم، أو ما يطلق عليه الليبرالية الأوربية، وحقيقتها كما تتضح في بعض المواقف التاريخية المعاصرة (57). وكذلك إشارته إلى الصلة بين الإسلام والمذاهب الغربية خاصة الاشتراكية، وحقيقة هذه الصلة. وهي قضايا لها أهمية كبرى في عالم اليوم. وتحتاج في تحليلها إلى الاستعانة بإنجازات الثورة المعرفية المعاصرة في العلوم الإنسانية. وإن كان بدوي قد طرحها على طريقة الفيلسوف التقليدي. وأهمية هذا التناول أنه يتجاوز تناول اللاهوتي (العدائي) والسياسي (المنغلق).

6 - الملاحظة الأخيرة تتعلق باللغة المستخدمة في الكتابات، وهي اللغة الفرنسية الموجهة للأوربيين؛ والتي كتب بها بدوي عديد من دراساته السابقة، وقد استخدمها هنا لتوضيح حقيقة الآراء الاستشراقية المغرضة؛ التي قدمت تصوراً تاريخياً مخلوطاً وأسطورياً للنبي محمد. وفهماً معكوساً لحقيقة القرآن. ولم يستخدم اللغة العربية في الكتابة. واللغة المستخدمة لغة ليست دعائية ولا تبشيرية، ولا تهدف إلى جذب الأوربيين إلى الإسلام، لكن غرضها إبراز الحقيقة. وتوضيح المغالطات المتعصبة التي يقدمها المستشرقون. وأخيراً هي لغة حادة وعنيفة في الهجوم على تلك الآراء غير المنصفة؛ بل الجامدة المغرضة المتعصبة. وإذا كانت تلك هي سمة بدوي في التعامل مع أقرانه – كما اتضح في كتاباته ضدهم – فهي هنا أحد وأشد.

7 - ويحدد لنا بدوي مهمته في مقدمة كتابه "الدفاع عن محمد"؛ بأنها كشف زيف كتابات المستشرقين؛ التي لا تنفك تردد اتهامات قديمة للإسلام يقول موضحاً أن الإسلام أصبح مرة أخرى، الدين المستهدف للإمبراطورية الرومانية وأوروبا وكيف قام هؤلاء بتوجيه هذه الدعاية السيئة ضد الإسلام. ويؤكد بدوى على أن هذه الدعاية في روايات كاذبة واجبة التصحيح، وإنها تمتلئ بالجهل للحقائق التاريخية" وتتضح هذه الدعاية في كتاب البطريق الإسكندر الأنكوني؛ الذي ظهر بعنوان أسطورة محمد في أوروبا، عشرة قرون من الكذب الباطل والافتراء. ويرى بدوى أنه: "بالخوض في تاريخ مفاهيم الأوروبيين عبر العصور حول نبي الإسلام محمد، فإن المرء يذهل تماماً كما يقول: "لشدة جهلهم، وسوء طويتهم الواضح، وأوهامهم العتيقة، وعنادهم وتعصبهم المحموم، وإصرارهم على الالتزام بالجهل التام فيما يخص أمور خصمهم. ولا ينطبق هذا الأمر فقط على العاديين منهم من الناس والجهلة والسذج؛ إنما ينطبق أيضاً على كبار علمائهم من فلاسفة ورجال دين ومؤرخين". ويتتبع بدوي تفشي أفكار كتاب أسطورة محمد بين كتاب أوروبا بداية من القرن التاسع الميلادي حتى القرن الرابع عشر(58).

كما يتتبع بدوي في "الدفاع عن القرآن" تتبعاً تاريخياً مختلف الانتقادات التي وجهت للقرآن منذ يوحنا الدمشقي (ح 650-750)، وأول هجوم على القرآن جاء في مقدمة كتاب نيكتياس البيزنطي "نقد الأكاذيب الواردة في كتاب العرب المحمديين". ويشير بدوي للجدل العنيف حول الإسلام في النصف الثاني للقرن التاسع الميلادي، والذي يظهر في كتاب كانتا كوزين (ح 1291- 1380). موضحاً أنه بسقوط القسطنطنية في يد المسلمين 1453 توقف كل الجدل البيزنطي حول الإسلام، ثم ظهر ذلك في أوروبا المسيحية حيث كتب نيقولا الكوزي (1401-1464) كتابه Cribratia la chorani. ويعدد بدوي كثير من الكتابات الأوربية في القرن الخامس عشر التي وجهت ضد الإسلام عموماً. ويذكر أول دراسة موجهة ضد القرآن والتي ظهرت في أواخر القرن السابع عشر، وهي دراسة لوديفيكيو ماراشي Marrcci (1612-1700) مشيراً إلى أن عمل مارشي بداية الدراسة الجادة في اوروبا عن القرآن، إلا أنه كما يصفه بدوي مملوء بالأخطاء الخطيرة والمجادلات الساذجة، وهو ما نجده في كل الدراسات المتصلة بالقرآن خلال القرنين التاليين لظهور هذا العمل.

ويظهر في مقدمة كتاب بدوي عن القرآن عدم ثقته في أعمال هؤلاء المستشرقين؛ لإصرارهم على تزييف المشاكل والتصورات والنتائج. ويقدم لنا بعض الأسباب لتفسير جهل المستشرقين بموضوع دراستهم حول القرآن مثل:

– معرفتهم بالعربية معرفة حرفية أكثر منها إصطلاحية لا تحقق كثيراً مما يرغبون.

– معلوماتهم عن المصادر العربية ناقصة وضحلة وغير كافية.

– الحقد المتأجج الموروث ضد الإسلام.

– الاتهامات حول القرآن.

– مناقشتهم لرسالة محمد بوضعها في إطار ضيق. مقابل ذلك يحدد لنا بدوي الموضوعات التي سيناقشها في كتابه والفترة الزمنية للكتابات التي سيتناولها، والمنهج الذي سيستخدمه، والذي يسميه المنهج الوثائقي والموضوعي مبيناً بوضوح هدفه، وهو كشف القناع عن هؤلاء العلماء الكاذبين.

والحقيقة أن أحكام بدوي تتفاوت ما بين حدة وإدانة لبعض هؤلاء المستشرقين الذين سبق له أن أشاد بهم، واعتدال وإشادة لمن تجاوزوا القصور؛ الذي أشار إليه وظهر لديهم معرفة صحيحة باللغة العربية، ودقة في المعلومات وعرضوا أبحاثهم من خلال تفهم موضوعي وتسامح، وناقشوا أمور الدين الإسلامي والقرآن عبر إطار أعم، بالإضافة إلى تناوله لبعض هؤلاء المستشرقين قد يأتي عرضاً خلال تناول قضية معينة أو يخصص لهم فصول بأكملها لمناقشة آرائهم مثل: مرجليوث، وجولدتسيهر، وفنسنك، ونولدكه بالإضافة إلى بعض المستشرقين الذين يناقش آرائهم في كل قضية تعرضوا لها عبر فصول كتابيه وهم: سبرنجر، وهورفتيز، وفرانتز بهل، وجودفروادي موميين وكايتاني وغيرهم. وسوف نتوقف أمام نقده وتحليله لأعمال هؤلاء.

1 - ونبدأ باسبرنجر Aspranger وما قدمه من آراء في كتابه "حياة وعقيدة محمد" الصادر في برلين 1861، وأول قضية يناقشها بدوي؛ هي التفسيرات التي أعطاها سبرنجر للفظ "أمي"؛ فهو يميز أولاً بين أهل الكتاب، والذين لا كتاب لهم (الجزء الأول ص30)، "وأمي" بمعنى وثني (ج 2 ص224 حاشية 1)، وهو صفة الشخص الذي لا يعرف القراءة تماماً ولا الكتابة (ج2 ص401-402). ويرد بدوي موضحاً أن هذه إدعاءات لا تستند إلى أية مصادر، فنحن إذا عثرنا على نص واحد ويرجع إلى ما قبل الإسلام يشير إشارة واحدة إلى أهل الكتاب والأميين فسوف لا تكون هنا مشكلة على الإطلاق(56). كما يشير في حديثه عن "قبلة" المسلمين إلى زعم سبرنجر متابعاً جولدتسيهر، متفقاً مع فنسنك – بأن القبلة كانت قبل الهجرة تجاه بيت المقدس، وأن محمداً اتخذها كذلك لإرضاء اليهود، مع أنه – كما يؤكد بدوي – لم يكن وهو في مكة بحاجة إلى رضا عليه، أما في المدينة فقد كان الاحتكاك الفعلي معهم(60).

ويناقش بدوي آراء سبرنجر مرة ثالثة في سياق حديثه عن الصابئة في القرآن الذي قال أنهم الحنفيون. وهو رأى كاذب عند بدوي للأسباب التالية، فالحنفيون على نقيض الصابئة وديانة كل منهم معارضة للأخرى. والأحناف هم اتباع ملة إبراهيم والصابئون هم عبدة النجوم. وهي عبادة حرمتها ملة إبراهيم، وأن فعل "صبأ في العربية معناه تحول عن دينه ليعتنق ديناً آخر. ويتناول كذلك – في الفصل الأول من "الدفاع عن محمد" ما توصل إليه سبرنجر فيما يتعلق بالحالة؛ التي يكون عليها النبي وقت نزول الوحي. وتتلخص في أن محمداً كان يعاني من الهستيريا العقلية حين ينزل الوحي عليه. وكان يأتي بحركات تشبه تلك التي تصاحب حركات المصاب بالصراع. ويرد بدوي بأن هذا الاتهام قمة السخف من قائليه، ذلك لأن محمداً قبل وبعد نزول الوحي لم يشهد إشارة واحدة أو عارضاً واحدا لهستيريا أو صراعاً على الإطلاق بل على العكس من ذلك. فتماسك شخصية محمد وثباته في سبيل نشر الدعوة كان صلباً على الدوام. والمصابون بهذا المرض يحيون دواماً في الخيال والوهم عكس محمد، كان رجلاً عملياً واقعياً صادقاً أميناً. ويشير بدوي أن العلوم الإنسانية اليوم تضع العباقرة العظام على ضوء الأبحاث النفسية في مكان القوم غير العاديين.

ويرفض بدوي في الفصل الثاني ما أورده سبرنجر من قصة خيالية عن أسباب زواج الرسول من زوجته الثانية زينب بنت جحش. موضحاً أن تعدد الزوجات غير المحدود كان شائعاً بين العرب قبل الإسلام. ولم يحدث أن استنكر أحد من العرب هذا التعدد أو انتقد واحداً لمجرد أنه تزوج من نساء كثيرات. وإن الآية 49 من سورة الأحزاب تحل للرسول الزواج عن اختيار، وتشرح في هذا الخصوص زواجه من زينب بنت خزيمة (أم المساكين). وعبارة "من دون المؤمنين" في هذه الآية تعنى هذه المرأة بالذات، التي وهبت نفسها للنبي ولا تعنى إطلاق العدد في زواجه من النساء عموماً. ويوضح بدوي أن رواية سبرنجر فيما يتعلق بزواج الرسول من زينب بنت جحش رواية واهية. ويذكر عدة حجج في ذلك. كذلك يعرف في الفصل الخامس "الفرائض الإسلامية وأصولها التي أقرها النبي". ويناقش رأى سبرنجر بخصوص فرض صيام شهر رمضان على المسلمين حتى يخالف صوم اليهود ولا يتهم بإنه نقل عنهم هذه الفريضة ويبين في الرد عليه اختلاف الصوم عند كل من المسلمين واليهود.

2 – ويناقش فنسنك A.J. Wensinck بدوي كثيراً في كتابه "الدفاع عن القرآن" في قضية لفظ "أمي" نجد أن فنسنك في مقالته في مجلة Acta Orirntalia يتابع رأى سبرنجر؛ في أن لفظه "أمي" تطلق على صاحبها من غير أهل الكتاب(61). وكذلك فيما يتعلق بمسألة تحويل القبلة في الفصل الخامس. فقد اختار أيضاً رأى سبرنجر. ويخصص الفصل السابع لنقد آراء فنسنك الهوائية بخصوص موضوع الرسل في القرآن (ص104-109). فهو يرى أن فكرة إرسال الأنبياء كرسل ربما تكون قد وصلت إلى محمد عبر قناة مسيحية. ويوضح بدوي عدم معرفة محمد شيئاً عن الاثني عشر رسولاً. كذلك يبين الفرق بين الرسول والنبي، وأن الرسول في المسيحية بمعنى حواري مرسل من قبل المسيح وليس له وحي أو كتاب منزل.

3 – والمستشرق الثالث الذي نتناول موقــف بـدوي مـن آرائــه هو هورفتيز J. Horovitz؛ الذي يعرض موقفه في مقدمة "الدفاع عن القرآن" ضمن الكتاب المتعصبين ضد القرآن(62). وينتقد قوله بأن "أمي" تساوي وثني بالنسبة للنبي متابعاً سبرنجر وفنسنك(63). فهو عالم مغرض، ونواياه سيئة ضد الإسلام. ويدعي أن "أمي" تطلق على الوثنيين المعارضين لشعب بني إسرائيل. ويرفض بدوي تفسيره للصابئة بأنهم مذهب أو مجموعة من المذاهب النصرانية(64).

ويخصص الفصل الرابع من "الدفاع عن القرآن" لمناقشة مزاعم مرجليوث المفرطة Les extravagantes (ص72-80) بصدد التشابه المزعوم بين الإسلام واليهودية يذكر بدوي اسم مرجليوث (داود صموئيل) 1858-1940، اسم ثلاثي يهودي صرف. ينحدر من أسرة إسرئيلية، وأنه أعتنق مثل والده المسيحية وصار قسيساً 1899 ولكنه ظل يهودياً قلباً وروحاً. وقد شغل بالدراسات اليهودية، وله عديد من المؤلفات فيها(65). وقد جند نفسه طوال حياته عدواً عنيداً ضد الإسلام، وأدى به تعصبه إلى إصدار المزاعم ضد النبي. ويعدد لنا بدوي هذه المزاعم، وهي:

أ – الأصل اللغوي لكلمة مسلم، التي أرجعها لعهد سابق على النبي حيث كانت تطلق على مسيلمة الكذاب. ويشير بدوى إلى رد تشارلز ليل عليه في ذلك حيث لم يعد يكرر ذلك ثانية(66).

ب – إرجاع كلمة فرقان إلى الكلمة العبرية بيركي أبوت Prike Abbot التي تعنى مجمعًا للربانية اليهودية(67).

ج – الزعم – في مقاله عن محمد (دائرة معارف الدين والأخلاق ج2 طبعة 1915) أن من المحتمل أن اسم إبراهيم لم يعرف نهائياً في مكة قبل أن يعرف به محمد. وأن من المحتمل أن تكون ملة إبراهيم ظهرت في حران على يد الصابئة. وأن المسيحيين أطلقوا على الحرانيين لقب الأحناف، وهما زعمان كاذبان تماماً، وأن مرجليوث افترض ذلك دون الاستناد على مصدر واحد(68).

د – الزعم بأن طقوس الإسلام ارتبطت بطقوس حربية، وهو زعم سخيف حيث لم تذكر كتب الحديث الصحاح ذلك(69).

هـ - الزعم بأن محمداً حرم على المسلمين من الطعام ما حرم على اليهود.,

4 – ويخصص بدوي الفصل الخامس من كتابه للرد على جولدتسيهر وتشابهاته الخاطئة بين الإسلام واليهودية. فقد نشر هذا الأخير مقال في "دائرة المعارف اليهودية" حول الإسلام بحث فيه عن أصل مختلف التشريعات الإسلامية في اليهودية.

أ – أولاً تصور الإله، يفترض جولدتسيهر أن الفهم الوثني لطبيعة الله، والذي عارضه محمد عند العرب الجاهلية يتوافق مع صورة الإله الواردة في العهد القديم. ويرد بدوى على هذا الزعم الخاطئ؛ بأن إله العهد القديم خصص على إنه إله بنى إسرائيل على النقيض من إله الإسلام وهو "رب العالمين" وأن رب إسرائيل هو الأب بينما رب الإٍسلام لم يلد ولم يولد(70).

ب – يرد بدوى على زعم جولدتسيهر بأن محمداً أخذ الصوم عن اليهود ويصفه بهذا اليهودي دائم الانحياز لبني جلدته؛ الذي ظهر عدم صدقه حين وضع كلمة عبرية بين قوسين بعد اللفظ العرب، فذكر أن الصيام هو (السيام) التي تعني المنتسب للسامين(71).

ويورد بدوى الملاحظات التالية حول ما يتعلق بادعاء جولدتسيهر أن محمداً اتخذ قبلته أولاً بيت المقدس لكسب ود اليهود، فلما لم يوافقوه على ذلك قام بتغير اتجاه القبلة إلى الكعبة في مكة.

لم يقل أحد بعلم مؤكد كيف كانت القبلة في مكة قبل الهجرة.

احترام الدين الجديد قبلة الأباء – في مكة – وحفظ لهم حرمتها ومكانتها وبالتالي حفظ التوجه نحوها.

لما كان الإسلام هو ملة إبراهيم؛ الذي بنى الكعبة فكان من الطبيعي أن يتجه المسلمون في صلاتهم نحوها.

وعلى العكس من ادعاء جولدتسيهر بتأثير التشريع اليهودية على التشريع الإسلامي، وبالمقارنة بينهما يؤكد عدم وجود أى تطابق بينهما(72).

5 – وينكر بدوي صحة افتراض نولدكه Noldek أن البسملة في فاتحة الكتاب ذات أصل مسيحي انجيلي، الذي أورده في Geschichte des Oarans. بعد أن أورد بدوي محاولات علماء المسلمين في وضع تأريخ زمني محدد لآيات القرآن. يعرض لمحاولات المستشرقين، وفي مقدمتهم محاولة نولدكه ويناقشها موضحاً أنهم لم يأتوا بجديد في هذه المسألة. وأن الفصل التاسع من كتاب الزركشي كاف تماماً بالنسبة لهذا الموضوع.

ويخطىء رأى نولدكه عن "هامان"؛ الذي نشره في "دائرة المعارف البريطانية" والذي زعم فيه أن هامان المذكور في القرآن مذكور أيضاً في الإنجيل على أنه الوزير المحبوب لاشوروس ملك الفرس(73). ومقابل ذلك يرى بدوى أن هامان المذكور في القرآن ربما لا يكون اسماً لشخص بل هو لقب عام يطلق على كبير كهنة فرعون، ويفترض أنه مطابق لاسم آمون، وأنه من السهل أن يطلق أمان، وهي وظيفة رئيس الكهنة؛ الذي تعرف بالقول الدارج على أنه وزير فرعون.

6 – ويناقش بدوي آراء فرانتزبهل Frantz Buhl في كتابيه ويعرض لقوله أن لفظة "أمى" مأخوذة عن أمة، حيث يرى أن محمداً كان يعرف القراءة والكتابة حين اشتغل بالتجارة، إلا أن كتب اليهود والنصارى لم تكن مفهومه له. ويرفض بدوى هذا الرأى الذي يصفه بالسخف(74). ويعرض في كتابه "الدفاع عن حياة محمد" موقفه هو وتوراندريه ضد رأى سبرنجر فيما يتعلق بحالة محمد عند نزول جبريل عليه بالوحي، فقد أكدا في كتابيهما أن محمداً كان صادقاً فيما كان عليه الوحي، وأنه كان يذعن لصوت عال من السماء كان يسرد عليه القرآن.

ويرد بدوي – في الفقرة الثانية من كتابه المشار إليه سابقا – على افتراءت بهل فيما يزعمه بشهوانية محمد. ويورد كلامه بنصه مبيناً أنه وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه سبرنجر؛ حيث يؤكد بهل بمنتهي الصلافة والحقد تعصبه ضد محمد والإسلام. ويرى أن كتابه أكثر الكتب المرذولة؛ التي وضعت في سيرة نبي الإسلام. ويعجب بدوي في الفصل الرابع من موقف بهل الذي فسر رحمة الرسول بالمشركين في صلح الحديبية؛ بكونه أراد إدخالهم إلى ملته دون إقتناع منهم بذلك، وتعجبه (بهل) من قبول الرسول لأولئك المشركين الذين دخلوا الإسلام مواطنين في دولته. ويرد على ادعاءاته القائلة بأن الفرائض الإسلامية مأخوذة عن المسيحية واليهودية، وأن المسلمين لم يلتزموا في نهاية حياة الرسول بفريضة الصلاة. زاعماً أنه استقي ذلك من عدد من المصادر الإسلامية لم يشر إلى أسمائها. وهو زعم خاطئ تماماً ويندد به بدوي لطعنه في صحة رسائل النبي، وحقيقة وجود هذه الرسائل، وعدم وجود أصول لها. وأن خطابه إلى المقوقس حاكم الإسكندرية؛ ليس كتاباً مزيفاً فحسب ولكنه لا أصل له على الإطلاق. ويرفض ما زعمه من كونه؛ محمداً لم يضع في ذهنه أن تكون ديانته للعالم أجمع، مع أن الرسول منذ بداية دعوته أعلن أنه أرسل للناس كافة وعامة.

7 – وفي إطار هذه المزاعم يعرض بدوي لما أورده جودفروا دى موميين بصدد زواج النبي من زينب بنت جحش. وبعد أن يعرض لروايته يرفض الأخذ بها معدداً أسباب ذلك. كما يناقشه في أخذ الفرائض الإسلامية عن المسيحية واليهودية في الفصل الخامس من "الدفاع عن محمد" وكذلك تشكيكه في رسالة النبي إلى المقوقس.

8 – ويرد على تباكي أمثال كاتياني وجابربيلي عن موقف محمد من يهود بنى قريظة؛ بأن الحكم؛ الذي صدر على اليهود هو حكم سعد بن معاذ حليف اليهود الذي ارتضوه حاكماً بينهم وبين المسلمين ولم يكن حكم محمد. وأنهم (اليهود) تآمروا على الرسول وخانوه في الحرب وهي تهمة تجابه بالقتل في كل مكان وعلى مر التاريخ، وقد اعترف كاتياني نفسه بخطورة ما قام به بنوقريظة ضد المسلمين وقت الحرب. وقد دلل بدوي في الفصل الخامس على عدم صحة مزاعم كاتياني بأن الصوم الإسلامي تقليد للصوم المعروف عند اليهود.

9 – ويناقش آراء مونتجمري W. M. Watt عن سياسة محمد تجاه خصومه. فرأيه عن حكم سعد بن معاذ على اليهود؛ مهتزاً بما فيه الكفاية. ويرد على افتراضه الساذج المضلل بصدد إمكانية تعاون محمد مع اليهود - وكأن بدوي يحذرنا من التعامل مع هؤلاء الذين يؤكد التاريخ دائماً غدرهم في كل تحالفاتهم - ويرد بدوي بعنف على هذا الرأى.

أ – بصدد القول عن "الفوائد الجمة" التي يتحدث عنها الكاتب (وات)، فإنها إذا كانت قد حدثت؛ فسوف لا تكون أكثر من منحهم الإسلام مقابل دفع الجزية على أنهم أهل ذمة. وبذلك لن يتغير وضع اليهود طوال التاريخ الإسلامي وبالتالي لن يتغير وجه العالم.

ب – قول وات أن الإسلام سيصبح مذهباً يهودياً هو السخيف حقاً. إن الإسلام لا يمكن أن يكون مذهباً يهودياً، إن لم يكن ذلك قد حدث ولو أنه من المستحيل حدوثه؛ فإن معناه أن محمداً قد اعتنق اليهودية! وليس هناك عاقل واحد يستطيع أن يقول مثل هذا الهراء، أو يفترض هذا الافتراض الأبله. ولماذا يقدم محمد على ذلك.. لو كان الأمر كذلك إذن فقد كان من الأحسن لمحمد ألف مرة من ذلك لو اتبع ملة آبائه وملة قومه وملة غالبية شبه الجزيرة العربية.

ج – إذا كانت هنالك (فرصة طيبة ضائعة) كما يقول وات، فإنها فرصة طيبة ضائعة على يهود المدينة ويهود خيبر، لأنهم هم الذين أضاعوها، ولو كانوا قد أرادوا حقيقة أن يغتنموها بالقطع لوقفوا مع محمد على الحياد.

كما ينكر بدوي ما أورده دوزي R. Dozy باعتبارها إسرائيليات. وكذلك هوتسما Houtsma في ردهما الحج الإسلامي إلى الحج اليهودي. ويعارض هذا الموقف برأى سوك هرغرونيه؛ الذي يرفض إدعائهما في مقالة "أعياد مكة".

وما نريد أن نشير إليه تعقيباً على موقف بدوي الحالي؛ الذي نطلق عليه "المقابلة" هو أن الفكر العربي الإسلامي لا يهدف إلى الهجوم على آراء هؤلاء المستشرقين جملة – بل إنه في ثنايا عرضه للقضايا المختلفة التي يناقشها في "الدفاع عن محمد" و"الدفاع عن القرآن" يعرض بموضوعية لآراء كل من ناقش هذه القضايا ويشيد بموضوعية عديد من المستشرقين ذوي المنهجية العلمية غير المتحيزة.

أ – فهو يذكر الدقة والموضوعية التي ظهرت بها الدراسات حول الإسلام بعد ظهور كتاب ج. هـ هوتينجر Hothinger. H. J "تاريخ الشرق" Historia Orientalis في منتصف القرن السادس عشر، حيث تدخل أبحاث المستشرقين مرحلة جديدة يظهر فيها رجوع أصحابها إلى المصادر الإسلامية بصدد هذا الموضوع. ومن خلال هذه المصادر قام هوتينجر لأول مرة في أوروبا بدراسة تاريخ محمد بروح جديدة يظهر من خلالها الآتي:

- خفت "أسطورة محمد"؛ التي كانت شائعة في أوروبا خلال القرون السابقة بشكل ملحوظ. تاركة المجال لتصور تاريخي معقول ومقبول.

- استبعاد العلاقة بين بحيري الراهب ومحمد؛ تلك العلاقة المزعومة التي نسج حولها المؤرخون الأوربيون السابقون ديانة محمد وتأثرها بالمسيحية.

- عالج المعجزات التي وقعت لمحمد، وانتهي إلى أن معجزة محمد الوحيدة والكبرى هي القرآن.

ب – ويختتم بدوي تمهيد كتابه عن محمد بالإشارة إلى أول كاتب أوربي رد بعدالة عن محمد والإسلام وهو أدريان ريلاند Adrien Reland صاحب كتاب "ديانة محمد"(75). وكان أمل ريلاند بإخراج هذا الكتاب أن يواجه المعارف الموجهة في أوروبا ضد الإسلام. وأن يدحض الأساطير الموضوعة على يد الكتاب الأوربيين والمسيحيين لتشويه صورة محمد والافتراء عليه وعلى ديانته. ولقد ساهم الكتاب كثيراً في إنارة الطريق للأوربيين فيما يتعلق بالإسلام.

ويقوم بإبراز دفاع ريلان عن الإسلام، الذي سبق وأشار إليه في دراسته "الدين عند كانط"، الجزء الرابع عن منهجه، فيما يتصل بدراسة المصادر اتي استقي منها كانط ما يتصل بالإسلام(76).

ويشيد بدوي بفضائل أدريان ريلان في "الدفاع عن القرآن" بقوله: لقد أثر كثيراً هذا الكتاب بسبب أنصافه، وفراسة كاتبه وموقفه الشديد الموضوعية تجاه الإسلام ونبي الإسلام محمد"(74). فهو يبحث في دراسة العقيدة الإسلامية من خلال المصادر العربية؛ مما يسمح برؤية الإسلام من واجهة مخالفة تماماً لتلك التي كانت معتادة في الغرب. كذلك ناقش ما في كتاب ريلاند من دراسة للعقيدة الإسلامية مع إيراد ترجمة لاتينية تقابلها وحواش تفسيرية وناقش رأيه في عبارة ( ياأخت هرون) الواردة في القرآن بصدد السيدة مريم العذراء. ويلخص ما أوردوه في هذا الفصل بخصوص هذا الموضوع(78).

ج – ويشيد بدوي بموقف اندريه تور Tor Andrea ويستشهد به في رده على سبرنجر بخصوص الصرع المرضي والهيستريا التي يدعي الأخير أنها تنتاب محمداً أثناء نزول الوحي عليه. ويورد نصوص عديدة من كتاب تور اندريه "محمد، حياته وعقيدته"؛ بخصوص ما زعم البعض حول شهوانية محمد، حيث يقدم لنا اندريه بعض الاعتبارات التي يجب أن نحتكم إليها في تحليلنا لهذا الموضوع منها: المعايير الأخلاقية في المجتمع الذي نشأ فيه ومدى تأثره بها. وحالة الأخلاق والعادات في الجزيرة العربية قبل الإسلام.. ليصل بذلك إلى أن محمد تمسك بحزم بالحدود التي وضعها في التشريع لكبح جماح التسيب في موضوع العلاقة الجنسية، وحاول وضع تشريعات عدة لتقويم فهم اخلاقي عال للغاية للزواج ولوضع المرأة في المجتمع. ويعلق بدوي على أقوال أندريه بأنه قد فهم فهماً صادقاً عادلاً سلوك محمد بصدد الزواج والمرأة للاعتبارات التالية:

وضع في اعتباره ما كان شائعاً من أمر تعدد الزوجات في الجزيرة العربية قبل الإسلام.

أشار إلى أن محمد رفع من قدر المرأة بإعطائها الحق في الميراث لأول مرة في تاريخها.

أنكر أوهام الباحثين بصدد موضوع النزوات، وأكد على أن حياة محمد لا يليق بمن يتعرض لها أن يعيب سلوكه في هذا الخصوص.

صحح أفكار من سبقه بصدد تفسير الآية 52 من سورة الأحزاب، وأورد التفسير الصحيح لها، وهو أنه لم يعد مسموحاً للنبي بعد اكتمال عدد زوجاته أن يتبدل غيرهن أو يزيد عليهن.

كان محقاً في إشارته إلى أن أخلاق المسيحيين الموروثة في العصور الوسطي عن الوثنية قد بالغت في أمر تحريم الميل الجنسي وأن ترك المتعة الجنسية ليس فضيلة(79).

د – ونجد نفس الإشادة بعدد من المستشرقين؛ منهم فلهوزن؛ الذي سبق أن ترجم له بدوي كتاب "الشيعة والخوارج" فهو من أصحاب الكتابات المعتدلة وهو يستند إلى أحكام فلهوزن حول اتفاق الصحيفة بين محمد وخصومه(80).

* * *

يتناول بدوي بأمانة آراء هؤلاء، ويشيد بها في تلك المواضع؛ التي تتفق مع الحقيقة التاريخية كما يراها. ويناقش آراءهم ويرفض بعضها حين تتجاوز حدود التحليل العلمي إلى الطعن في العقيدة، مثلما فعل مع "فرنتز بهل" وكذلك مع ماكسيم رودنسون؛ الذي يرفض زعمه القائل بأن عفو محمد عن أبى سفيان وزوجته هند كان يهدف استمالتهم وكسبهم إلى صفه، والتلميح بأنه استفاد من هذا العفو ليقترض الأموال من القريشيين الأغنياء. ومع هذا فإن بدوي يرى أن تقويم رودنسون بصدد الحكم الذي صدر ضد بني قريظة معقولاً ومقبولاً على العكس من رأى مونتجمر وات.

إلا أن بعض أحكام بدوي تحتاج إلى نقاش سواء فيما يتعلق بمن أشاد بهم أو ندد بمزاعمهم؛ خاصة موقفه من رينان. فمواقف رينان غير علمية في كثير من الأحيان وقد ناقشها كثير من الباحثين العرب(81). ومع هذا يطلق عليه بدوي الكاتب المنصف، وإن كان هذا صحيحاً في السياق الذي أورد فيه بدوي رأى رينان الخاص بموقف الأوربيين وما كتبوه عن محمد، والذي يقول فيه رينان "أنه لتاريخ يمتلئ بالغموض والكراهية والحقد عليه"(82).

وعلى هذا فإن بدوي في اتجاهه الأخير يقدم لنا صورة يحاول أن يصحح فيه أحكام بعض المستشرقين الخاطئة حول الإسلام والقرآن والنبي محمد بعيداً عن تلك الكتابات الكثيرة المتسرعة المنتشرة هذه الأيام ضد الاستشراق بعامة؛ فهو يحلل ويناقش ويرفض وفي نفس الوقت يذكر أصحاب الاتجاهات التي تتفق مع الحقيقة التاريخية لدى بعض المستشرقين؛ الذين يعتمدون على المصادر الأساسية والمناهج العلمية والتحليل الدقيق. وهذا الموقف الأخير يختلف كلية عن موقفه المبكر المتابع تماماً لجهود المستشرقين. ومن أجل هذا أوضحنا موقف بدوي من المستشرقين "لنعطي صورة كاملة عن جهود الرجل تكمل بعض الجوانب في دراستنا السابقة عنه.





*  هوامش البحث  *



1 –    نقدم في هذا الدراسة قراءة ثانية في موقف عبدالرحمن بدوي من المستشرقين، وقد سبق لنا أن أصدرنا كتيباً بعنوان الأصول الاستشراقية في فلسفة بدوي الوجودية، وهي دراسة تعبر فقط عن موقفه الأول تجاه المستشرقين، راجع: الصوت والصدي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 1990.

2 - راجع دراستنا: بدوي والموقف من التراث اليوناني، مجلة أوراق كلاسيكية، العدد الخامس، القاهرة 1995.

3 - ادوار سعيد: الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة الثانية 1984.

4 - د. فؤاد زكريا: نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية، مجلة فكر، القاهرة، العدد 10 عام 1986، ص(33-57).

5 - د. عبدالرحمن بدوي: موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت 1984.

6 - د. عبدالرحمن بدوي: دراسات ونصوص في الفلسفة وتاريخ العلوم عند العرب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1981، ص (15-45).

7 - د. بدوي: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية. دراسات لكبار المستشرقين ألف بينها وترجمها عن الألمانية والإيطالية عبدالرحمن بدوي ط3، دار النهضة العربية، القاهرة 1965.

8 - د. بدوي: شخصيات قلقة في الإسلام، دراسات ألف بينها وترجمها عبدالرحمن بدوي، دار النهضة ط2، القاهرة 1964.

9 - ويتناول فيها استهلال عن المدائن والكوفة، وكيف يدرس سلمان، يُعرض في خمسة نقاط لخلاصة السيرة التقليدية وتحليل "خبر سلمان" الخاص بإسلامه، وفاة سلمان بالمدائن، ودعوى مجيئة بالوحي ودوره فيما بعد مع على، وخاتمه ثم ملحقين الأول نصوص غير المنشورة خاصة بالفرق الغلاة المساه "السليمانية" أو "السينية" والثاني إشارات إلى المصادر. د. بدوي: من تاريخ الإلحاد في الإسلام؛ دراسات ألف بعضها وترجم الآخر عبدالرحمن بدوي. القاهرة 1945.

10- ويتناول فيها: فكرة المنحني الشخصي، الحلاج مولده وتنشئته، زواجه، حجته الأولى، الرحلة إلى خراسان والعودة إلى الأهواز ثم الإقامة ببغداد، تطوره الروحي أسفار الحلاج آثاره قضية الحلاج، محاكمته، وإعدامه، ثم أشخاص مأساة الحلاج، وشهود هذه المأساة وأخيراً منحني حياة الحلاج. د. بدوي: الإنسان الكامل في الإسلام، دراسات ونصوص غير منشورة ألف بينها وترجمها وحققها عبدالرحمن بدوي. ط2 وكالة المطبوعات الكويت 1976.

11- ميلان عام 1944، كيفية الأداء، الأصل القرآني والإسناد، إسناد الرواية، موجز الرواية، الدور الاقتصادي لنجران والتطور السياسي لبني الحارث، الرمزية الدينية، تحليل كتاب المباهلة للشلمغاني، تحليل الفصل الخامس بالمباهلة في الطقوس النصيرية. د. بدوي: موسوعة المستشرقين ص367.

12 -   المصدر السابق ص368. شخصيات قلقة في الإسلام – دار النهضة العربية – القاهرة 1964 ص158-182.

13- د. بدوي: الإنسان الكامل في الإسلام، وكالة المطبوعات، الكويت ط2، ص103-138.

14- د. أحمد عبدالحليم عطية، الصوت والصدي ص59 وما بعدها. وأيضاً دراستنا عنه الباب الرابع في الخطاب الفلسفي في مصر، دار قباء، القاهرة 2003. وأيضا صورة ماسينيون في الفكر العربي المعاصر 267-294 في "في قلب الشرق: قراءة معاصرة لأعمال لويس ماسينيون المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003.

15- د. عبد الرحمن بدوي: تاريخ التصوف الإسلامي، من البداية حتى نهاية القرن الثاني، وكالة المطبوعات الكويت ط2 1978 ص23، 25، 26، 47، 49، 55.

16- د. بدوي: موسوعة المستشرقين ص363 وما بعدها.

17- المرجع السابق، ص327.

18- كراوس: التراجم الأرسططالية المنسوبة إلى ابن المقفع، في بدوي: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، ص101-120.

19- كرواس: في الإسلام، ص75-188.

20- د. بدوي: أفلوطين عند العرب وكالة المطبوعات الكويت، ط3، 1977، التصدير ص18 وما بعدها والصوت والصدى، ص66.

21 -   د. بدوي: شخصيات قلقة في الإسلام ص136-156- راجع دراستنا كوربان بين الفلسفة والاستشراق – مجلة الجمعية الفلسفية المصرية، العدد الثالث يوليو 1994.

22- المرجع السابق ص337.

23- د. بدوي: شخصيات قلقة في الإسلام ص136-156 راجع دراستنا كوربان بين الفلسفة والاستشراق – مجلة الجمعية الفلسفية المصرية، العدد الثالث يوليو 1994.

24- د. بدوي: موسوعة المستشرقين ص267.

25- هانز هنريش شيدر: روح الحضارة العربية، ترجمة وتقديم د. عبدالرحمن بدوي، دار العلم للملايين، بيروت 1949.

26- وهو ما يدور حول الكشف عن الارتباط الوثيق في تاريخ الأفكار بين الدراسات الإيرانية والإسلامية. ويشمل بعد التمهيد عن الإسلام والإيرانية والهلينية الموضوعات الآتية: الإنسان الأول في الكونيات الإيرانية القديمة، التغير الثنوي التشاؤمي الذي أصاب فكرة الإنسان الأول في نظريات النجاة عند الغنوصيين، قبول النظرية في الغنوص الإسلامي، الصورة الكلاسيكية لنظرية الإنسان الكامل عند ابن عربي، ويبين أن الإنسان الكامل مقصداً سائداً في أسلوب التعبير في الشعر الغنائي الفارسي مع ملحق بنشيد مانوي. هانز هنريش شيدر: نظرية الإنسان الكامل عند المسلمين مصدرها وتصويرها الشعري في بدوي، الإنسان الكامل في الإسلام ص10-101.

27- طه حسين: الأدب الجاهلي.

28- د. بدوي: موسوعة المستشرقين ، ص120. ظل جولد تسيهر أكثر من ربع قرن شمساً ساطعة استمرت ترسل في عالم البحوث الإسلامية ضوءاً يبدد قليلاً من يحيط بنواحي الحياة الدينية الإسلامية في من ظلام وينير السبيل أمام الباحثين في الوثائق التي سجلت فيها تلك الحياة وينمو على حرارته جيل ضخم ممن كانوا بالأمس القريب، أو ممن هم اليوم، أئمة المستشرقين.

29- المرجع السابق، ص121.

30- المرجع السابق، ص119.

31- ويبين بدوي في مقارنة دقيقة أن جولد تسيهر يختلف عن نلينو من ناحية وعن بكر (كارل هنريش) من ناحية أخرى. بينما منهج جولد تسيهر استدلالي يعتمد على البصيرة والوجدان نرى منهج نلينو منهجاً استقرائياً خالصاً كل اعتماده على النصوص لا يكاد يخرج منها إلى النتائج الواسعة، كما أنه يختلف من ناحية ثانية عن بكر في أن بكر لم يكن يحتاط كثيراً في استخدام الوجدان والبصيرة. المرجع السابق، ص124.

32- انظر بدوي: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ، ص123-172.

33 -   المرجع السابق ص218-241.

34- وهي: "مقدمة لديوان حبرول بن أوس، الخطيئة" ولقد نشر جولد تسيهر ديوان الخطيئة في مجلة ZDMG المجلد 46 عام 1892، وقدم لهذه النشرة بهذه المقدمة.

"جن الشعراء" وقد نشر أولاً بمجلة ZKMG المجلد 45 سنة 1891، ثم في أعماله الكاملة، الجزء الثاني 1968.

تعليقات على دواوين القبائل العربية". وقد نشر أولاً في مجلة JRAS عام 1897 ثم في أعماله الكاملة الجزء الرابع. د. بدوي: دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي، دار العلم للملايين بيروت ط2 1986 ص272-282.

35- ماكس مايرهوف: من الإٍسكندرية إلى بغداد، في بدوي: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ص37-100.

36- وقد ظهر هذا البحث في "محاضر جلسات الأكاديمية البروسية للعلوم، قسم الدراسات التاريخية الفلسفية، المجلد 23 سبتمبر 1930 في بدوي ص(37: 100). د. بدوي: موسوعة المستشرقين ص373 وما بعدها.

37- المرجع السابق، ص73.

38- المرجع السابق، ص70.

39- فرانشيسكو جابربيلي: زندقة ابن المقفع، في بدوي التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ص40-71.

40- اسين بلاثيوس: ابن عربى – ترجمة ودراسة عبدالرحمن بدوي – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة 1967.

41- د. عبدالرحمن بدوي: أوهام حول الغزالي ص241-251 في كتاب أبو حامد الغزالي – منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط 1988. أنظر دراستنا بدوى والفلسفة الاسبانية ، وهى ملحق بكتابنا هذا .

42- د. بدوي: موسوعة المستشرقين ص417.

43- المرجع السابق: ص379.

44- نفس الموضع.

45- وهي: ملاحظات على صحة القصائد العربية القديمة" تأليف هـ. الفرت. "في مسألة صحة الشعر الجاهلي" أ. برونيلش. "الرواية والرواة عند العرب" تأليف أوجست اشبرنجر. "التأثيرات الوراثية والمشاكل التي تصنعها رواية الشعر العتيق" تأليف ريجى بلاشير نشرت في مجلة "دراسات عربية وإسلامية ليدن ابريل 1965. استعمال الكتابة لحفظ الشعر القديم" تأليف ف. كرنكوف. نشر في المجلد التذكاري" من الدراسات الشرقية، مهدي إلى أدورد، كمبريد 1992. د. بدوي: دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي. دار العلم للملايين بيروت ط2، 1986.

46- د. بدوي: موسوعة المستشرقين ص225.

47- المرجع السابق ص66 ويتحدث عن علاقته به ص166-167.

48- Abdurrahnan Badawi: Historie de philosophie en Islam 2 vol Vrin, Paris, 1972.

49- د. بدوي موسوعة المستشرقين ص340 وانظر كتاب كاترينا مومزن: جوته والعالم العربي، ترجمة د. عباس عالم المعرفة الكويتية 1995.

51 -   قد شارك بدوى في الكتابة عن الإلحاد في الإسلام 1945 في الوقت الذي أثيرت فيه هذه القضية في عدد من المجلات العربية والمصرية مثل: المقتطف والعصور: حيث كتب إسماعيل أدهم "لماذا أنا ملحد؟" ورد عليه محمد فريد وجدى "لماذا هو ملحد؟" وترجمت مجلة العصور التي يراسها إسماعيل مظهر دراسة رسل لماذا أنا لست مسيحياً؟ وهي قضايا شغلت الكتاب في هذه الفترة. ولم يكن بدوى شاذاً في الكتابة في هذا الموضوع المثار في الدوريات الثقافية في تلك الفترة.

52 -   راجع دراستنا قراءة في كتابات بدوى السياسية، مجلة أدب ونقد، القاهرة ديسمبر 1993، العدد 100.

53- A. Badeaw: Defense du coran contre ses critiques, I'Unicite, Paeis, 1989.

      وراجع الدراسة التي قدمها عطية القوصى للكتاب في مجلة المؤرخ المصري، العدد الثالث عشر يوليو 1994، هذا ونشير إلى أننا اعتمدنا في إشارتنا للعملين الآخيرين للدكتور بدوى على ترجمات موسعة غير منشورة للدكتور عطية القوصي.

54- يشير بدوى في مقدمة "الدفاع عن حياة النبي محمد" إلى كتاب البطريق الإسكندر الأنكوني "أسطورة محمد في الشرق". وتتبع في نفس المقدمة المزاعم المختلفة التي تناقلها هؤلاء الكتاب ثم يخصص تمهيده الطويل لتناول "أسطورة محمد في أوروبا، عشرة قرون من الكذب الباطل والافتراء" لدى المؤرخ البيزنطي ثيومان (751-818م) ومن تابعه أمثال قسطنطين بروفيروجيثينا (905-959م) وسدرنيو (ت1057م) وزيوتارا (ت 1130) ثم الراهب جيوبرت (1052-1124م) وجاك دى فيترى (ت 1244م) ومارتين بولونكو وفانسان دى بوفيه (ت 1264م) وغليوم الطرابلسي وبيير باسكاسيو، ويعقوب الاكويني 0ت 13377) وغيرهم.

55- يعتمد بدوى على بيان الآيات القرآنية وإحصائها وتحليل دلالتها في مواضع عديدة من كتابه "الدفاع عن القرآن.." راجع: الفقرة الأولى من الفصل الأول عن تحليل لفظ "أمى" الذي يذكر ورودها في الأعراف 157، الجمعة 2، آل عمران 19، 75، والبقرة 78 وكذلك في حديثه عن الصائبة في القرآن (الفصل السادس) ويفعل ذلك مع العهد القديم في موضوع الرسل (الفصل السابع)، ويشير إلى ورود كلمة رسول 146 مرة مختصة بمحمد، ورسوله 84 مرة، ورسولنا 4 مرات، وأيضاً في تحليل لمعنى الفرقان (الفصل الثالث).

56- ويستشهد بالمصادر العربية في تناوله لإدعاء مرجليوث بأن الصلاة من طقوس الحرب (الفصل الرابع) والقبلة (نفس الفصل) والصائبة (السادس) والفصل العاشر عن محاولة العلماء المسلمين لتقديم تأريخ زمني لآيات القرآن.

57- يقارن بدوي في الفصل الرابع من "الدفاع عن حياة محمد" بين سماحة سلوك النبي مع أعدائه بعد الفتح العظيم وسلوك الفاتحين الأوروبيين؛ الذين تحدث عنهم المستشرقون في كل تاريخ. واكتفي بالإشارة إلى ما تم في قرننا هذا وما روي من انتصارات الحلفاء على الألمان في الحرب العالمية الثانية وما حدث بعدها من محاكمات أعدمت الكثير من الرجال والقواد. ودلل على محاكمة نورمبرج المشيئة التي وقعت ما بين يوم 20 نوفمبر 1945 حتى يوم 30 سبتمبر 1946.

58- راجع هامش رقم 101.

59- Badawi: Défense du Coran, pp. 14-15.

60- Ibid, pp. 85-86.

61- Ibid, p. 18.

62- Ibid, p. 7.

63- Ibid, p. 15.

64- Ibid, p. 66.

65- يذكر لنا بدوي من مؤلفات مرجليوث في اليهودية الأعمال التالية:

شرح كتاب دانيال ليافث بن على، وترجمة 1899.

مكانة الكليريكية في الأدب السامي 1890.

أصل "الأصل العبري "للأكليروس 1899.

العلاقات بين العرب والإسرائيليين قبل الإسلام 1924 المرجع السابق ص72، 73.

66- Ibid, P. 73.

67- Ibid, P. 74.

68- Ibid, pp. 74-75.

69- Ibid, p. 76.

70- Ibid, p,p. 28-83.

71- Ibid, p. 84.

72- Ibid, pp. 89-90.

73- Ibid, p. 220.

74- Ibid, p. 18.

75- Ibid, p. 62.

76- د. بدوي عبدالرحمن: الدين عند كانط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيورت، القسم الرابع.

77- Adawi, Ibid, p. 27.

78- Ibid, P. 28.

79- راجع الفقرات الأولى والثالثة من الفصل الثاني من "الدفاع عن محمد" الخاص بـ "شهوانية محمد المزعومة" حيث يعرض لرأي اندريه تور في كتابه Das Ieben und Iehre des Mohammad وكذلك كتاب حياة محمد وعقيدته.

80- نقل بدوي للعربية كتاب فلهوزن: الخوارج والشيعة، دراسة وترجمة القاهرة 1959.

81- قارن سالم حميش لأعمال رينان "كحالة عداء معلن" في كتابه "الاستشراق في أفق انسداده"، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط 1991 ص(39) وما بعدها.

82- بدوي: الدفاع عن النبي محمد، التصدير.

***