البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

"يهود الجزائر" في الفكرين الاستشراقي والسياسي الإسرائيلي

الباحث :  د. أحمد البهنسي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  14
السنة :  السنة الخامسة - ربيع 2018م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 13 / 2018
عدد زيارات البحث :  3460
تحميل  ( 384.597 KB )
يعتمد العقل الاستراتيجيُ والأمنيُ الإسرائيليُ - الصهيونيُ نظريةَ "الأطواق" في تعامله مع الأخطار التي تواجه إسرائيل ككيانٍ سياسيٍ دخيلٍ ومحتلٍ تم زرعه بالقوة في المنطقة على أنقاض فلسطين المحتلة، تلك النظرية التي تقول بوجود ثلاثة أطواقٍ معادية تحيط بإسرائيل يجب مواجهتها والعمل على صد خطرها.

بالنسبة للطوق الأول - وفقًا للمنظور الإسرائيلي - فهو مناطق وأراضي السلطة الفلسطينية، أما الطوق الثاني فهو ما يُسمى بدول المواجهة العربية (مصر، سوريا، لبنان، الأردن)، أما الطوق الثالث فهو المناطق المحاذية والمتاخمة لدول المواجهة العربية، ومن أهمها شمال أفريقيا (منطقة الساحل والصحراء)([1]).  

   يأتي اهتمام إسرائيل من الناحيتين الأمنية والاستراتيجية بمنطقة الساحل والصحراء، كونها - وفقًا للمحلل السياسي والقيادي الحزبي اليساري الإسرائيلي يوسي بيلين - الفناء الخلفي وخط الدفاع الثاني لأهم دول المواجهة مع إسرائيل، وهي مصر، كما أن هذه المنطقة تمتلك ممراتٍ حيويةً وسهلةً للتجارة الدولية، إضافةً إلى احتوائها على احتياطيٍ نفطيٍ عالميٍ كبيرٍ وضخمٍ جدًا، يُقدّر بحوالي 80 مليار برميل([2]).

وقد تبدّى ذلك الاهتمام السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي من الناحية السياسية بمنطقة الساحل والصحراء عامّةً والجزائر تحديدًا، في أنه منذ عام 2002 بدأت الدوائر السياسية الإسرائيلية تطرح ما سمته بـ"قضية الأملاك اليهودية في البلدان العربية"، لمقايضة المفاوض الفلسطيني للتنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا قصرًا من فلسطين المحتلة أو تعويضهم، مقابل تنازل إسرائيل عن ما يسمى بـ"الأملاك التي تركها يهود البلدان العربية"، الذي هُجّروا قصرًا من بلدانهم عقب قيام إسرائيل عام 1948، وكان من ضمنها ما زعمت إسرائيل أنه أملاكٌ لليهود في حواضر قسنطينة وتلمسان ووهران والجزائر العاصمة في الجزائر، والتي تتضمن وفقًا للباحث الدكتور حاييم هزاز هيشربرج من الجامعة العبرية في القدس، معابد يهوديةً وبيوت قضاءٍ يهوديةً ومنازل ومزارع ومدارس صغيرةً، إضافةً إلى الأراضي والضيعات والحوانيت بالأسواق([3]).

أما من الناحية الفكرية والاستشراقية الإسرائيلية - الصهيونية، فمن المعروف أن الاستشراق الإسرائيلي نشأ بالأساس لخدمة الأهداف السياسية الإسرائيلية والصهيونية([4])، والتي من أهمها محاولة تأصيل التواجد اليهودي في البلدان العربية من أجل إثبات وجود حقٍ تاريخيٍ لليهود في هذه المنطقة، وأنهم ليسوا دخلاء عليها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك منشورات مركز أبحاث "يد بن تسيفي"([5])، الإسرائيلي التابع للجامعة العبرية في القدس المختص في تاريخ الجماعات اليهودية في العالمين العربي والإسلامي، والذي يقوم بإصدار الكثير من المؤلّفات والأبحاث حول الجماعات اليهودية في البلدان العربية، والتي تهدف كلها إلى محاولة إعادة "التأريخ" لهذه الجماعات اليهودية بشكلٍ يثبت مدى ارتباطها بالبلدان العربية، وأن لها أملاكًا تاريخيةً فيها. 

بالنسبة لموقع شمال أفريقيا عامةً والجزائر تحديدًا من بين اهتمامات الاستشراق الإسرائيلي والصهيوني، فإنه من المعروف أن الجزائر وبعض حواضرها لا سيما منطقة "توات" الموجودة في صحراء "ادرار" حاليًا، اشتهرت بتواجدٍ يهوديٍ كبيرٍ خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين([6])، وهو التواجد اليهودي الذي وصفته المراجع الاستشراقية الإسرائيلية والصهيونية بأنه الأكبر والأهم في الصحراء الأفريقية، والذي انتهى على يد القائد الجزائري التلمساني المعروف باسم "المغيلي"([7]).

وقد هدفت هذه المجهودات الاستشراقية الإسرائيلية - الصهيونية بشكلٍ معمّقٍ إلى إعادة التأريخ لمنطقة المغرب العربي، ومحاولة التشكيك في الأصول الثقافية والعرقية لهذه المنطقة، وذلك بهدف تأنيب النعرات القومية وبث روح الفرقة والانقسام.

في ضوء كل ما سبق، فإن هذا البحث يستعرض الرؤية الإسرائيلية "الصهيونية" لتاريخ التواجد اليهودي في الجزائر وحواضرها في ضوء المحاور التالية:

ــ أولاً ــ

التواجد اليهودي في الجزائر وحواضرها

في الفكر الاستشراقي الإسرائيلي

1 - أصل يهود الجزائر:

هناك عدة رواياتٍ أو آراءٍ استشراقيةٍ إسرائيليةٍ حول أصول يهود الجزائر الذين استوطنوا في حواضر جزائريةٍ مختلفة، منها قسنطينة ووهران وتلمسان والجزائر العاصمة وصحراء توات، فالباحث الإسرائيلي مناحيم فانشتيان رأى في رسالته للدكتوراه، التي حملت عنوان "الجالية اليهودية في الجزائر ما بين 1300-1830 ميلادية"، أن تاريخ تأسيس المستوطنات اليهودية في الجزائر وحواضرها يعود إلى تلك المستوطنات اليهودية القديمة التي كانت موجودةً في المغرب الأقصى إبان غزو المرابطين والموحدين للمغرب في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديَين([8])؛ فرغم أن ذلك الغزو كان له التأثير السلبي على الطائفة اليهودية في الجزائر، إلا أن هذه الطائفة تمكّنت من أن تحافظ على هُويتها اليهودية وحياتها الروحية، حتى أعيدت الروح مرةً أخرى لهذه الطائفة مع وصول لاجئين يهود من المغرب والأندلس عام 1391 إلى الجزائر، وكان على رأسهم كل من الحاخام هريبش وهارشبيتس من كبار حاخامات الطائفة اليهودية في الجزائر. وهو ما أدى إلى تكوُّن طوائف يهوديةٍ جديدةٍ وسط المدن الجزائرية القديمة([9]).

أما المستشرق الإسرائيلي حاييم سعدون([10])، فقد أشار في كتابه الذي حمل عنوان "الجزائر: طوائف إسرائيل في الشرق في القرنين التاسع عشر والعشرين"، إلى أن تاريخ يهود الجزائر يعود إلى تاريخ تواجد الفينيقيين في شمال أفريقيا وتأسيسهم مدينة قرطاج، منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، ثم بدأ يتبلور التواجد اليهودي في عدة حواضر جزائريةٍ من أبرزها تلمسان وقسنطينة مع دخول الإسلام على يد القائد العسكري الإسلامي عقبة بن نافع إلى شمال أفريقيا([11]).

ويتفق مع هذا الرأي أيضًا المستشرق الإسرائيلي يوسيف شاربيت([12])، الذي رأى أن تاريخ تواجد اليهود في الجزائر وحواضرها خاصةً وفي شمال أفريقيا عامةً، يعود إلى تاريخ وصول السفن التجارية الفينيقية إلى سواحل الجزائر خلال القرون الأولى قبل الميلاد، مشيرًا إلى أن تمركز اليهود الأساسي خلال هذه الفترة كان في حاضرة قسنطينة التي كانت تسمى حينها باسم "سيرتا"؛ إذ أنشأ اليهود فيها تجارةً مزدهرةً حتى فترة خراب الهيكل اليهودي الأول في فلسطين، لافتًا إلى أن هناك بعض الإشارات التاريخية على أن يهود قسنطينة أمدّوا سليمان الملك بالعديد من القوافل التجارية([13]).

كما أكد المستشرق الإسرائيلي على أن هناك شواهد آثاريةٌ تم الكشف عنها مؤخرًا في مدينتَي قسنطينة وسطيف الجزائريتَين، تشير إلى أن التواجد اليهودي في الجزائر يعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية، حيث وُجدت بقايا معابد ومقابر يهوديةٍ في مدينة سطيف تعود إلى القرن الثالث الميلادي، في حين وُجدت في مدينة تلمسان الجزائرية بقايا معابد يهوديةٍ تعود إلى القرن الرابع الميلادي([14]).

من ناحية أخرى، نجد المستشرق الإسرائيلي حاييم زئيف هيرشبيرج([15]) يرى أن بداية تواجد اليهود في الجزائر وحواضرها يعود إلى الفترة التاريخية التي شهدت طرد المسلمين واليهود من إسبانيا الإسلامية([16]) (الأندلس)؛ حيث اتجه الكثير منهم إلى شمال أفريقيا وتحديدًا إلى المغرب والجزائر وتونس، مشيرًا إلى أن اليهود في هذه الفترة تجمعوا في عدة حواضر جزائريةٍ من أهمها قسنطينة ووهران والجزائر العاصمة أيضًا، وأنهم كانوا على تواصلٍ وثيقٍ وتامٍ ببقية الجاليات اليهودية في المغرب وتونس، مشيرًا إلى أن هذا الرأي يعتمد على شواهد تاريخيةٍ تتمثل في وجود شخصياتٍ يهوديةٍ معروفةٍ تسجّل عملها بالتجارة في الجزائر، ومنها الحاخام أبراهام شاشابوريتش الذي توجد وثيقةٌ تاريخيةٌ يعود تاريخها إلى عام 1391 تؤكد أنه كان من أهم التجار اليهود في الجزائر. وكذلك وثيقةٌ تاريخيةٌ أخرى تعود لنفس العام تتحدث عن الحاخام اليهودي شاؤول اشتروك، الذي كان حاخامًا وقاضيًا وطبيبًا وتاجرًا وأحد المقربين من ملك تلمسان في الفترة التاريخية ([17]).

2- تاريخ التواجد اليهودي في الجزائر وحواضرها:

يرى المستشرق اليهوي حاييم سعدون أنه من الناحية التاريخية يمكن تقسيم يهود الجزائر بشكلٍ عامٍ إلى فئتين رئيسيتين، الفئة الأولى: اليهود من ذوي التاريخ القديم، وقد توالوا على الجزائر منذ ما قبل الميلاد إلى ما يعتبرها المستشرق الإسرائيلي "فترة المطاردات المسيحية الإسبانية لليهود" في القرنين الرابع عشر والخامس عشر ميلادي، وقد أطلق عليها المصطلح العبري תושבים أي الأهالي بالعربية، وقد انصهرت في المجتمع الجزائري، ولولا اختلاف الدين والطقوس والطبائع النفسية المكتسبة من سنين التشرد لأصبحوا جزائريين بعمق الانصهار، ولذلك أُطلق عليهم لقب "اليهود الأصليين"([18]).

ويرى المستشرق الإسرائيلي أن هذه الفئة من يهود الجزائر تشمل بعض يهود الجزيرة العربية بعد الفتح الإسلامي من بني قريظة وبني النضير الذين أجلاهم الرسول الكريم محمد 9، وبعض يهود بني الدريد الهلاليين الذين قدموا إلى الجنوب التونسي أثناء الهجرة الهلالية الكبيرة من المشرق إلى المغرب خلال القرن العاشر الميلادي([19]).

أما الفئة الثانية - وفقًا للمستشرق الإسرائيلي - فأُطلق عليها بالعبرية המגורשים، وتعني المطرودين، من يهود إسبانيا، عندما بدأت دويلات الأندلس بالتساقط في سنوات 1391 و1462 و1608، وعرفوا بـ"الكبوسيين" نسبةً للكبوسة الحمراء التي يضعونها على رؤوسهم، وبفضل تكوينهم الديني المتفوق على الفئة الأولى، وإمكانياتهم العددية والثقافية العلمية النابعة من البيئة الأندلسية، فقد استحوذوا على المراكز الديناميكية للجالية اليهودية([20]).

من جانبه، يؤكد المستشرق الإسرائيلي أفرايم حازان على أن تاريخ اليهود الحقيقي في الجزائر وحواضرها يبدأ في القرن السابع الميلادي، الذي شهد دخول الإسلام إلى شمال أفريقيا على يد القائد العسكري الإسلامي "عقبة بن نافع"؛ إذ حصل اليهود تحت الحكم الإسلامي على وضع "ذِمِيّ"، الذي كان قد حدده الخليفة عمر لغير المسلمين في البلدان التي يدخلها المسلمون، معتبرًا أن هذا الوضع فتح الطريق أمام اليهود في الجزائر عامةً وفي حاضرة قسنطينة خاصةً إلى مزيد من الازدهار الاجتماعي والاقتصادي، وذلك رغم أن وضعهم كان يتغير ما بين تغيُّر حاكمٍ مسلمٍ وآخر كان يحكم منطقة الجزائر([21]).

وأضاف المستشرق الإسرائيلي أنه من الفترة من القرن السابع الميلادي حتى القرن الثاني عشر الميلادي، شهِد التواجد اليهودي في الجزائر وحواضرها - تحديدًا الجزائر العاصمة، وتلمسان - ازدهارًا معرفيًا وعلميًا وثقافيًا كبيرًا للغاية؛ إذ إن حاخامات يهود تلمسان أرسلوا بكتاباتٍ وخطاباتٍ لكبار حاخامات بابل (العراق) الذين عرفوا في هذا الوقت باسم "الجاؤونيم"، وكان لهم دور كبير في إتمام تأليف وتدوين وكتابة التلمود، الذي يُعد الكتاب الثاني من حيث القدسية عند اليهود. كما أن يهود الجزائر كانت لهم صلاتٌ ثقافيةٌ واقتصاديةٌ كبيرةٌ خلال هذه الفترة التاريخية مع يهود مصر([22]).

 كما أشار المستشرق الإسرائيلي إلى أن هناك فترةً تاريخيةً مهمةً جدًا في تاريخ تواجد اليهود بالحواضر الجزائرية، وهي فترة حكم بني حماد (1014-1152م)، والتي تمتّع اليهود خلالها بحالةٍ من الأمن والاستقرار بشكلٍ كبير؛ فشهدت هذه الحقبة التاريخية ظهور كبار الحاخامات اليهود الذين كان لهم تأثيرٌ كبيرٌ على الوضع الديني للجالية اليهودية في شمال أفريقيا عامةً، ومنهم الحاخام إسحق الفاسي، الذي عاش في مدينة قلعة بني حماد الجزائرية ثم تم تهجيره إلى فاس في المغرب، وبعد ذلك تم تهجيره إلى الأندلس([23]).

واعتبر المستشرق الإسرائيلي أن اليهود في الحواضر الجزائرية كانوا من بين الطوائف التي عانت مما سماه بـ"السياسات التعسفية" للموحّدين خلال القرن الثاني عشر الميلادي، فقد تم تخييرهم ما بين اعتناق الإسلام أو الطرد أو القتل؛ مما أدى إلى تضاؤل عدد اليهود في حواضر تلمسان وبجاية والمهدية الجزائرية، وتراجع وضعهم الثقافي والاقتصادي والاجتماعي([24]).

أضاف المستشرق الإسرائيلي أنه مع قيام حكم السلالة الزيانية في الجزائر (1235-1534)، الذي اتسم بالتسامح تجاه اليهود، بدأت الطوائف اليهودية في الحواضر الجزائرية تستعيد ازدهارها من جديد، وذلك مع تزايد هجرة اليهود من الأندلس، تلك الهجرات التي حملت شخصياتٍ فكريةً ودينيةً يهوديةً مرموقةً إلى الجزائر، أدت إلى ترسيخ أوضاع اليهود في الحواضر الجزائرية، وكان من بينهم الحاخام شموئيل اشتروك الذي هاجر إلى تلمسان (كانت عاصمة السلالة الزيانية الحاكمة) في النصف الثاني من القرن الرابع عشر([25]). 

وأضاف المستشرق الإسرائيلي أنه في عام 1492 وصلت هجرةٌ قليلة الحجم من اليهود إلى الجزائر، خاصةً المناطق الساحلية، وذلك بعد طردهم من الأندلس، لكن أعدادهم كانت قليلةً بسبب مخاوفهم من أن تقوم إسبانيا باحتلال مدنٍ جزائرية([26]).

واعتبرت الموسوعة اليهودية ليهود البلدان الإسلامية أنه خلال هذه الفترة التاريخة كانت أوضاع اليهود مستقرةً في جميع حواضر الجزائر، خاصةً في تلمسان وفي المناطق الجنوبية من الجزائر (صحراء توات)، إلى أن ظهر قائدٌ إسلاميٌ متشددٌ اسمه محمد المغيلي، الذي قام بطرد اليهود من هذه المنطقة بعد أن دخل معهم في معركةٍ حربيةٍ([27]).

أما عن يهود الجزائر في الفترة التاريخية الخاصة بحكم الخلافة العثمانية للجزائر، والتي تبدأ من بدايات القرن السادس عشر الميلادي وحتى عام 1830؛ فيصفها المستشرق الإسرائيلي مناحيم فانشتاين بأنها فترةٌ اتسمت بالهدوء بالنسبة لأوضاع اليهود في جميع حواضر الجزائر حتى في تلمسان، التي كانت حينها تحت الحكم الإسباني، وحتى في مناطق جنوب الجزائر التي كانت تحكمها عناصر محليةٌ ولم تكن خاضعةً للحكم العثماني([28]).

ومع ذلك، يرصد المستشرق بعض الأحداث التاريخية من خلال وثائق وكتاباتٍ يهوديةٍ عُثر عليها في حواضر جزائريةٍ أو من خلال كتاباتٍ ليهود أوروبا عن يهود الجزائر، ومنها أنه في منتصف القرن السادس عشر تم اتهام اليهود بالتدبير لثورةٍ ضد الحاكم العثماني في الجزائر (الداي)، وأنه على إثر ذلك تم الحكم على اليهود بالقيام بالكثير من الخدمات بدون مقابل مادي (السُخرة)، كما تم قتل عددٍ منهم في مصادماتٍ عنيفةٍ معهم([29]).

كما يرصد المستشرق الإسرائيلي أنه خلال هذه الفترة، وتحديدًا منذ العام 1509، حدثت الكثير من المضايقات لليهود في وهران تحت الحكم الإسباني، حيث تحوّل معبدهم الرئيسي إلى كنيسة، كما تعرضوا لبعض أعمال العنف والسرقة والاغتصاب من جانب المحتلين الإسبان في بعض الفترات([30]).

   كما يضيف المستشرق أنه خلال القرن السابع عشر، وتحديدًا عام 1830، وصل إلى الجزائر العاصمة وتلمسان وبجاية عددٌ من يهود إيطاليا وفرنسا وهم أحفاد اليهود الذين طُردوا من الأندلس (المورانوس) وهاجروا إلى بعض الحواضر الأوروبية، والذين تحولوا بعد ذلك إلى عنصرٍ مهمٍ جدًا في التجارة الدولية في حواضر الجزائر (قسنطينة، وهران، تلمسان، بجاية)، وكان من بينهم مقربون من الحاكم العثماني (الداي)، وكان من أشهر العائلات اليهودية من مهاجري أوروبا إلى حواضر الجزائر عائلتين مهمتين، الأولى عائلة بكري، والثانية عائلة بوجناح، وقد أسسا شركةً كبرى عملت على تصدير المواد الغذائية من الجزائر إلى فرنسا([31]).

ورصد المستشرق الإسرائيلي حدثًا تاريخيًا سيئًا في تاريخ يهود الجزائر خلال هذه الفترة وهو يوم 29 يونيو 1805، والذي سُمي بـ"السبت الأسود" في تاريخ يهود الجزائر، حيث وقعت مصادماتٌ قُتل خلالها ما بين 200 إلى 500 يهوديًا جزائريًا، بعد أن وقعت مصادماتٌ بسبب خلافات بين الجنود العثمانيين وبين المستشار اليهودي للحاكم العثماني نفتالي بوجناح([32]) .

أما في العصر الحديث، فيقول المستشرق الإسرائيلي إنه منذ العام 1830 كان عدد يهود الجزائر يقدّر بحوالي 26 ألف نسمة، يتركزون في ثلاث حواضر جزائريةٍ وهي الجزائر العاصمة، وقسنطينة، ووهران، وكانت هناك أعدادٌ قليلةٌ أخرى من اليهود في بعض المدن الجزئرية الأخرى جنوب البلاد، خاصةً في منطقة الصحراء([33]).

ويقول المستشرق الإسرائيلي إن العام 1830، الذي شهد احتلال فرنسا للجزائر، الذي استمر حتى العام 1962، كان سببًا وراء هجرة أكثر من مئتي عائلةً يهوديةً جزائريةً إلى دولة إسرائيل التي أُقيمت عام 1948، وأن سبب هذه الهجرة – فيما يبدو - هو حالة عدم الاستقرار في الجزائر التي تسبب فيها الاحتلال الفرنسي. مضيفًا أن هذه الفترة شهدت حالة اضمحلالٍ دينيٍ وثقافيٍ واجتماعيٍ للجالية اليهودية في الجزائر، لافتًا الانتباه إلى أنه حتى اليهود الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية عام 1860 في عهد نابليون الثالث، والذين يُقدّر عددهم بحوالي عشرة آلاف يهوديًا، عانوا من حالات المعاداة للسامية التي كانت منتشرةً بقوة في فرنسا خلال تلك الحقبة التاريخية. كما أدي ذلك من ناحية أخرى إلى وقوع مصادماتٍ بين السلطات الفرنسية وبين اليهود في الجزائر العاصمة وتلمسان في الفترة من 1881 حتى 1885م([34]).

3 – الأوضاع الثقافية والدينية والاجتماعية لليهود في الجزائر وحواضرها:

أ - وهران: 

احتلت الطائفة اليهودية في وهران مكانةً خاصةً ومميزةً من بين الطوائف اليهودية في بقية الحواضر اليهودية، نظرًا إلى أن وهران وقعت تحت الاحتلال الإسباني من الفترة ما بين 1509 حتى 1708 ميلادية.

ووفقًا للمستشرق الإسرائيلي أفرايم حازان، فإنه خلال فترة احتلال إسبانيا لوهران الجزائرية، عانى اليهود كثيرًا من القمع الإسباني وكثيرٌ منهم تعرض للطرد أو القتل، ومع ذلك فإن الطائفة اليهودية في وهران ظلت قائمةً ومتماسكةً وكان لها قوامٌ اجتماعيٌ واقتصاديٌ ودينيٌ قويٌ وبارز، وكانت هناك الكثير من العائلات اليهودية في وهران عمل أبناؤها كدبلوماسيين بين الدول، كما عمل بعض اليهود تجارًا في خدمة الطبقة الملكية الإسبانية في وهران([35]).

وأضاف المستشرق الإسرائيلي أن التواجد اليهودي في وهران تعرّض لأزمةٍ حقيقيةٍ عام 1669، بعد أن قررت الملكة الإسبانية ماريا ماوستيريا طرد كل اليهود من وهران، وهاجر الكثير منهم إلى إيطاليا، إلا أن الجالية اليهودية في وهران عادت للازدهار مرةً أخرى عام 1708، بعدما طرد العثمانيون الحكم الإسباني من المدينة، مما أدى إلى تعاظم القوة الاجتماعية ليهود وهران التي بدأ يهاجر إليها الكثير من اليهود من حواضر جزائريةٍ وأوروبيةٍ أخرى، وبدأت في التكوين طبقاتٌ اجتماعيةٌ مختلفةٌ ومتنوعةٌ ومتعددةٌ من اليهود في وهران([36]).

ويصنّف المستشرق الإسرائيلي مناحم فانشتاين الطبقات الاجتماعية لليهود في وهران بعد دخول العثمانيين إليها إلى عدة فئات، وهي: الفئة الأولى: هم اليهود الأوائل الذين وصلوا إلى وهران بعد عام 1708 من عدة حواضر قريبةٍ من وهران، مثل مستغانم، وبسكرة، وندرونه، وتلمسان، والجزائر العاصمة، وأيضًا من حواضر مغاربيةٍ أخرى مثل وجده، ودبدو، ومنطقة الريف شرقي المغرب الأقصى، ومثلت هذه الفئة الغالبية العظمى من سكان وهران من اليهود في هذه الفترة([37]).

أما الفئة الثانية: فتكوّنت من بضع مئاتٍ من العائلات اليهودية التي هاجرت إلى وهران من مدينة تطوان شمالي المغرب، والذين وصلوا إلى وهران كلاجئين بعد اندلاع الحرب بين المغرب وإسبانيا عام 1859، وأُطلق على هذه الفئة اسم "التطوانية"، وكانت لهم لهجةٌ خاصةٌ بهم أقرب للهجة اليهودية – الإسبانية التي تسمى " لادينو".

أما الفئة الثالثة فكانت تتكون من المهاجرين اليهود من فرنسا ومن دولٍ أوروبيةٍ أخرى، الذين وصلوا إلى وهران عام 1831 بعد الغزو الفرنسي للجزائر([38]).

ويضيف المستشرق الإسرائيلي أنه على الرغم من هذا التنوُّع في الطوائف اليهودية في وهران خلال هذه الحقبة التاريخية، إلا أن هذه الطائفة كان لها زعيمٌ روحيٌ واحدٌ وأُطلق عليه بالعبرية اسم "המוקדם المقدم"، وكان هناك مجلسٌ مكونٌ من أعيان يهود المدينة يساعده في أشغاله، وقد أُطلق على هذا المجلس اسم "טובי העיר أعيان المدينة"، وحتى أواسط القرن التاسع عشر تمكّن اليهود من بناء سبعة عشر معبدًا في وهران، وفي عام 1880، وبمساعدة زعيم الطائفة اليهودية "شمعون قناوي" الذي أُطلق عليه اسم روتشيلد وهران، تم بناء معبدٍ يهوديٍ كبيرٍ ومركزيٍ في وهران، كما تم إنشاء عددٍ كبيرٍ من المدارس الدينية اليهودية التي تسمى بـ"يشيفا"، وفي نهاية القرن التاسع عشر، أصبحت هناك صحفٌ يهوديةٌ ذائعةُ الصيت في وهران، وكان أبرزها صحيفة "הנוער העברי الشاب العبري"، التي كانت تصدر باللغتين العبرية والفرنسية([39]).

وحول علاقة التواجد اليهودي في وهران بالثقافة الفرنسية بعد الاستعمار الفرنسي للجزائر، فترى الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية أن ذلك التواجد اليهودي ساعد على تعزيز تبنّي الثقافة الفرنسية خلال هذه الحقبة التاريخية؛ فقد تم افتتاح أول مدرسةٍ فرنسيةٍ في المدينة عام 1849 بمساعدة اليهود، وكان أول تلاميذها وأساتذتها من يهود وهران، لا سيما من فئة اليهود الذين هاجروا من تطوان، وبعد ذلك بدأ كثيرٌ من اليهود يعزفون عن المهن التقليدية التي كانوا يشغلونها مثل الخياطة، وترقيع الأحذية والصنادل، وبدأوا يعملون في أعمال التجارة الحرة تحت حماية ورعاية المستعمر الفرنسي([40]).

مع ذلك، فقد عانت الطائفة اليهودية في وهران من ظواهر المعاداة للسامية التي انتشرت بين المستعمرين الفرنسيين ضد اليهود، خاصةً في نهايات القرن التاسع عشر، وخلال الحرب العالمية الثانية، حيث عانى يهود وهران من الكثير من القيود التي فرضها عليهم المستعمر الفرنسي([41]).

ب – قسنطينة:

أما عن الأوضاع الثقافية والاجتماعية والروحية والدينية ليهود قسنطينة، فيقول المستشرق الإسرائيلي مناحم فانشتاين إن يهود قسنطينة كانت من أكثر طوائف اليهود في الحواضر الجزائرية محافظةً على التقاليد الدينية والتعليمية اليهودية، لذلك فقد عملت فيها الحركة الصهيونية في فترةٍ تاريخيةٍ مبكرة، وكان من أبناء المدينة من اليهود إدوارد اتال، الذي أنشأ جمعيةً يهوديةً في المدينة أواخر القرن التاسع عشر، وكان أحد أعضاء الكونجرس الصهيوني الأول([42]).

وأكدت الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية على أن الطائفة اليهودية في قسنطينة ينتمي لها عددٌ من كبار حاخامات اليهود المهمين في منطقة شمال أفريقيا بأسرها، مثل الحاخام سيدي فرج حليمي، والحاخام يوسف بن داوود جناسيا، الذي كان شاعرًا ومترجمًا أيضًا، كما كان من أبناء هذه الطائفة كذلك كلود كوهين طنوجي الذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1994([43]).

ج - الجزائر العاصمة:

اعتبر المستشرق الإسرائيلي شالوم بر - أشير، أن يهود الجزائر العاصمة لم يزدهر وضعهم الديني والثقافي والاجتماعي إلا منذ أواخر القرن الرابع عشر، وذلك بسبب هجرة يهود إسبانيا إلى المدينة، وكان من بينهم شخصياتٌ يهوديةٌ ثقافيةٌ رفيعةُ المستوى، من أبرزها الحاخام شمعون بن تسيمح دوران (هرشيبتش)، إذ تحولت المدينة بعد وصوله إليها إلى مركزٍ ثقافيٍ وروحيٍ كبيرٍ جدًا ليهود المغرب وشمال أفريقيا قاطبةً، وشهدت الفترة من 1400 حتى 1467 ازدهارًا دينيًا وثقافيًا ليهود الجزائر العاصمة، وخرجت من بينهم شخصياتٌ ثقافيةٌ ودينيةٌ يهوديةٌ مهمةٌ جدًا، ونشأت في هذه الفترة محكمةٌ دينيةٌ يهوديةٌ كان لها دورٌ كبيرٌ في حل مشاكل الطائفة اليهودية في الجزائر العاصمة، وفي عام 1492، بعد طرد اليهود والمسلمين من إسبانيا، وصلت موجةُ هجرةٍ يهوديةٍ إلى العاصمة الجزائر كان من بينها عددٌ من المثقفين والعلماء اليهود، ومن أهمهم الفلكي والمؤرخ الحاخام أبراهام زخوت([44]).

وأضاف المستشرق الإسرائيلي أنه في الفترة التاريخية الممتدة لحكم العثمانيين في الجزائر، تطور الوضع الاقتصادي ليهود الجزائر العاصمة، ففي هذه الفترة هاجر إلى المدينة يهودٌ من إيطاليا وتحول اليهود فيها إلى عنصرٍ مهمٍ في التجارة الدولية في منطقة شمال أفريقيا وحوض البحر المتوسط، وكان من أبرز كبار التجار اليهود في المدينة في هذه الفترة الحاخام يهودا عياش([45]).

وأردف المستشرق الإسرائيلي أن احتلال الجزائر من قبل فرنسا عام 1830 أدى إلى تغيُّر الأوضاع الثقافية والاجتماعية والدينية ليهود الجزائر العاصمة، حيث ارتبطت الطائفة اليهودية فيها بكل تطورات الحداثة التي أدخلها الاستعمار، فقد خرج اليهود من الحي اليهودي القديم الذي كانوا يسكنون فيه إلى الأحياء الأوروبية الحديثة التي بناها الاستعمار الفرنسي، وفي عام 1845 ألغت فرنسا المحكمة اليهودية في الجزائر العاصمة، وبدأت تُخضع أبناء الطائفة اليهودية للقانون الفرنسي بشكلٍ مباشر، وتم دمج منصب زعيم الطائفة اليهودية ضمن المنظومة البيروقراطية الفرنسية في الجزائر، وتولى زعيم الطائفة اليهودية منصبَ نائب رئيس المدينة المعين من قبل المستعمر الفرنسي، وتحوّل يهود الجزائر إلى الدراسة في المدارس الفرنسية العلمانية، وتشبعوا بالثقافة الفرنسية وبدأوا يتحدثون بالفرنسية بدلًا من العربية والعبرية. وحدثت زيادةٌ في أعداد اليهود خلال هذه الفترة في الجزائر العاصمة، ووصل عددهم إلى عشرة آلاف نسمة حتى العام 1900([46]).

ويرى المستشرق الإسرائيلي افرايم حازان أن في هذه الفترة كان يهود الجزائر العاصمة بمثابة الوسيط بين الثقافة الفرنسية الأوروبية والثقافة الجزائرية العربية – الإسلامية، وهو ما ظهر وانعكس بشكلٍ خاصٍ في مجال الموسيقى، فالكثير من المطربين اليهود الجزائريين حصلوا على عدة جوائز في الجزائر وفرنسا لنجاحهم في المزج بين الأساليب الموسيقية الفرنسية والأساليب الموسيقية الجزائرية (الأندلسية)، ومن أمثلتهم المطرب والموسيقي إيدموند ناتان يافيل، الذي يُعد أحد كبار قادة الحداثة في الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية في بدايات القرن الـ20. وكان من مؤسسي أول مدرسة موسيقية في الجزائر. كما أن هناك عددٌ من الموسيقيين والمطربين اليهود الجزائريين من ذوي الشهرة يعملون حتى الآن في إسرائيل وفرنسا، ومن أمثلتهم إنريكو ماتياس وموريس المديوني([47]).

4 – علاقة يهود الجزائر باليهود في حواضر شمال افريقيا وأوروبا:

رصدت عددٌ من الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية تلك الروابط الروحية والدينية والثقافية التي كانت بين الجالية اليهودية في الحواضر الجزائرية وغيرها من الجاليات اليهودية في شتى أنحاء العالم، لا سيما في أوروبا وشمال أفريقيا، ووفقًا لهذه الكتابات، فقد تحولت الجزائر إلى واحدةٍ من أهم المراكز الروحية لليهود في العالم بعد طرد اليهود من إسبانيا، لا سيما في حواضر قسنطينة وبجاية ومستغانم وتلمسان ووهران، وظهر في الجزائر عددٌ من الحكماء والحاخامات اليهود الذين اشتهروا في أوساط جموع اليهود في العالم إلى درجةٍ أصبحت تصل إليهم الأسئلة والمسائل الدينية اليهودية من جموع اليهود في شتى أنحاء العالم للفصل فيها.

ويرى المستشرق مناحيم فانشتاين أن يهود الجزائر كانوا "همزة وصلٍ مهمةً جدًا" بين يهود أوروبا، وخاصةً يهود شبه الجزيرة الإيبرية، وبين يهود شمال أفريقيا، لاسيما يهود المغرب وتونس ومصر([48]).

أ- المغرب:

ذكرت الموسوعة اليهودية حول اليهود في العالم الإسلامي أن علاقات يهود الجزائر بيهود المغرب توثّقت وزادت بشكلٍ كبيرٍ بعد طرد اليهود والمسلمين من إسبانيا ووصول هجراتٍ يهوديةٍ كبيرةٍ إلى مدن فاس وتطوان وكذلك وهران وتلمسان والجزائر العاصمة، مع ذلك يرى المستشرق أنه مع تراجع وضعية مدينة فاس كمركزٍ روحيٍ مهمٍ جدًا لليهود في منطقة شمال أفريقيا بعد وصول الموحّدين للحكم، فإنه بدأ يظهر مركزٌ روحيٌ مهمٌ ومؤثّرٌ آخر في حواضر الجزائر، حيث تسجّل الوثائق التاريخية أن يهود فاس بدأوا يتوجهون إلى حاخامات الجزائر، ومن ضمنها خطابٌ أرسله أحد حاخامات فاس ويُدعى إسحاق بن نحمياش إلى حاخام الجزائر الأكبر هاربيتش، يسأله فيه عن رأي الدين اليهودي في خلافٍ نشأ بين تاجرين يهوديَين كبيرَين في فاس يتاجران بالأحجار النادرة والكريمة([49]).

وترى الموسوعة اليهودية أنه يُستدل من هذه الوثيقة التاريخية على أن الطائفة اليهودية في فاس كانت كبيرةً وكان لها علاقاتٌ دينيةٌ وروحيةٌ وتجاريةٌ وثيقةٌ مع يهود الجزائر، وأن المركز الروحي ليهود شمال أفريقيا في هذه الفترة التاريخية كان في الحواضر الجزائرية([50]).

ووفقًا للمستشرق مناحيم فانشتاين، فإنه توجد وثائق تاريخيةٌ أخرى تدل على وجود علاقات مصاهرةٍ قويةٍ بين يهود فاس ويهود تلسمان، ووجود علاقاتٍ ثقافيةٍ قويةٍ وكبيرةٍ بين اليهود في الحاضرتين العربيتين في شمال أفريقيا خلال فترة حكم الموحدين، ومنها وثيقةٌ تاريخيةٌ تتحدث عن أبناء إحدى العائلات اليهودية في فاس، الذين توجهوا للدراسة في المدارس اليهودية بتلمسان، وأنه بمرور الوقت حدثت صلات مصاهرةٍ بين اليهود الدارسين من فاس وبين يهود تلمسان([51]).

وأضاف المستشرق الإسرائيلي أنه توجد وثائق تاريخيةٌ أخرى تدل على أن يهود فاس كانوا يعتمدون في فتواهم الدينية كل الاعتماد على كبار حاخامات الجزائر، وتحديدًا حاخامات تلمسان، ومن ضمنها وثائق تاريخيةٌ ترصد عددًا من فتاوى الحاخام هربيتش حول المرأة الحامل والمرأة المطلقة كان أرسلها ليهود فاس بناءً على طلبهم منه([52]).

وأشار المستشرق أن هذا الوضع ظل حتى نهاية القرن السادس عشر، وذلك بتغير وضعية يهود الحواضر المغربية، لا سيما في فاس التي تحولت إلى مركزٍ يهوديٍ بامتياز ولم يعد اليهود فيها بحاجة إلى يهود الحواضر الجزائرية، بل إن الوضع تغير وأصبح يهود الجزائر هم الذين يهاجرون إلى فاس، ومن ضمنهم الحاخام اليهودي الجزائري سعيدا بر أبراهام، الذي هاجر إلى فاس لتعلم التوارة بها([53]).

أما المستشرق افرايم حازان، فيرى أنه مع احتلال إسبانيا لتلمسان عام 1547 ضعفت القوة الروحية والاقتصادية ليهود تلمسان خاصةً وليهود الجزائر عامةً، في مقابل زيادة القوة الاقتصادية والروحية ليهود فاس، مما دفع الكثير من يهود تلمسان إلى الاستنجاد بيهود فاس لتزويدهم بالمال لدفع فدياتٍ للقوات الإسبانية التي أسرت الكثير من يهود تلمسان([54]).

ويضيف المستشرق الإسرائيلي أنه في هذه الفترة أيضًا كان واضحًا تراجع الوضع الروحي والديني ليهود الجزائر، وهو ما تبدى في إرسال الحاخام تسيمح بن شمعون بر دوران - من يهود الجزائر العاصمة - إلى الحاخام نحمان سنبئيل يسأله حول عددٍ من الفتاوى الدينية، ومع ذلك فإنه في نهاية القرن السادس عشر حدث تراجعٌ قويُ للقوى الاقتصادية والروحية ليهود فاس، مما اضطرهم إلى طلب المساعدة من يهود الحواضر الجزائرية، وكانت القوى الاقتصادية ليهود الجزائر مركزةً في أيدي يهود الجزائر العاصمة، فتم إرسال مساعداتٍ ماليةٍ ليهود فاس عن حاخامين كانا يقيمان بوهران إلى يهود فاس. كما تدل بعض الوثائق التاريخية التي تعود إلى هذه الفترة على حدوث هجراتٍ جماعيةٍ لعائلاتٍ يهوديةٍ من فاس إلى تلمسان ووهران في الجزائر، وذلك بسبب تراجع الوضع الاقتصاي ليهود فاس، ومن ضمنها وثيقةٌ تاريخيةٌ عبارة عن كتابٍ تذكاريٍ يحكي فيه حاخامٌ من فاس رحلة هجرته من فاس إلى وهران مع عائلته عبر تطوان شمالي المغرب([55]).

ويخلص المستشرق الإسرائيلي مناحيم فانشتاين إلى أنه نظرًا للتقارب الجغرافي بين يهود الجزائر والمغرب، فإنه خلال الفترة التاريخية الممتدة طوال العصور الوسطى كانت هناك علاقاتٌ عائليةٌ وروحيةٌ ودينيةٌ قويةٌ بين اليهود في الحواضر الجزائرية (الجزائر العاصمة، وهران، تلسمان) وبين اليهود في حواضر المغرب (فاس، تطوان)، ومع ذلك لا يمكن القول إن اليهود في الحواضر الجزائرية والحواضر المغربية كانوا يمثلون طائفةً يهوديةً واحدةً متماسكة، إذ كان لكلٍ من يهود الجزائر ويهود المغرب خصائصٌ وسماتٌ روحيةٌ وثقافيةٌ متباينة، وأوضاعٌ اقتصاديةٌ مختلفةٌ ومتغيرةٌ بتغيُّر الأحداث والوقائع التاريخية التي تعرّضت لها كل من المغرب والجزائر. لا سيما أنه في هذه الفترة التاريخية كانت كل بلدٍ يحكمها نظامٌ سياسيٌ مختلفٌ عن النظام الذي يحكم في البلد الآخر([56]).

وأضاف المستشرق الإسرائيلي أنه من الناحية الجغرافية فإن منطقة الصحراء في الجنوب وجبال الأطلس في الوسط والشمال، كانتا بمثابة "عائقٍ جغرافي" بين الجزائر والمغرب، منع حرية التنقل بين أبناء الطوائف اليهودية في كل من المغرب والجزائر، وجعل من الصعب وجود تواصلٍ دائمٍ بين يهود الجزائر ويهود المغرب([57]).

ب- تونس:

رصد المستشرق الإسرائيلي مناحيم فانشتاين، عددًا من الوثائق التاريخية حول العلاقات بين يهود الجزائر ويهود تونس، والتي تعكس كم كانت العلاقات قويةً ووثيقةً بينهما، لا سيما مطلع القرن السادس عشر، وربما يعود ذلك إلى أن تونس كانت مركزًا يهوديًا قويًا([58]).

وقال المستشرق الإسرائيلي إن الوضع الديني ليهود الجزائر كان أقل من الوضع الديني ليهود تونس، وبالتالي فإن الوثائق التاريخية سجلت مكاتباتٍ من قبل حاخامات الجزائر إلى حاخامات تونس حول بعض القضايا الدينية اليهودية، وكان التقارب الجغرافي بين تونس والجزائر عاملًا قويًا في هجرة عددٍ من كبار حاخامات الجزائر إلى تونس خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، ومن بينهم الحاخام يعقوب نعيم، كما كانت هناك علاقاتٌ تجاريةٌ قويةٌ بين يهود تونس ويهود المدن الساحلية الجزائرية، لا سيما يهود الجزائر العاصمة([59]).

ج- ليبيا:

أما عن العلاقات بين يهود الجزائر ويهود ليبيا، فقال المستشرق مناحيم فانشتاين إنه رغم البعد الجغرافي بين الجزائر وليبيا فإنه كانت هناك علاقاتٌ بين يهود الحواضر الجزائرية ويهود طرابلس خلال القرن الخامس عشر، حيث تسجل الوثائق التاريخية إرسال يهود ليبيا إلى الحاخام هربيتش في الجزائر لسؤاله عن بعض القضايا والفتاوى الدينية، كما أنه في العام 1757 حدث خلافٌ دينيٌ قويٌ بين أبناء الطائفة اليهودية، فما كان منهم إلا أن يستنجدوا بحاخامات يهود الجزائر لحل هذا الخلاف([60]).

د- مصر:

قال المستشرق حاييم زئيف هيرشبيرج إنه كانت هناك علاقاتٌ قويةٌ جدًا بين يهود مصر ويهود الجزائر خلال القرون الرابع عشر حتى السابع عشر الميلادي، فهناك الكثير من الوثائق التاريخة التي تشير إلى ذلك، ومن ضمنها وثيقةٌ هي عبارةٌ عن خطابٍ أرسله الحاخام يعقوب الكفروسي من الإسكندرية إلى حاخامات الزئار يسألهم فيه عن بعض المسائل الدينية اليهودية ورأيهم فيها، وفي العام 1619 توثّقت العلاقات بين يهود الجزائر ويهود مصر فقد سُجّلت الكثير من المكاتبات والخطابات بين الحاخام يعقوب جابيشون في قسنطينة وكبار حاخامات مصر في القاهرة والإسكندرية([61]).

هـ - شبه الجزيرة الآيبرية:

عن علاقة يهود الجزائر بيهود شبه الجزيرة الآيبرية، يقول المستشرق مناحيم فانشتاين إنه كانت هناك روابط عائليةٌ وتجاريةٌ كبيرةٌ بين يهود الجزائر ويهود شبه الجزيرة الآيبرية، لا سيما بين يهود وهران في الجزائر ويهود قشتاله في شبه الجزيرة الآيبرية، حيث سجّلت وثائق تاريخيةٌ وُجدت في أرشيف يهود إسبانيا وجودَ مكاتباتٍ وخطاباتٍ بين حاخامات يهود وهران وحاخامات وعائلات يهود قشتاله، وكذلك بين يهود تلمسان في الجزائر ويهود سرقسطه في شبه الجزيرة الآيبرية([62]).

ووفقًا للمستشرق الإسرائيلي، فقد سُجّل أيضًا وجود صلاتٍ قويةٍ بين يهود تلمسان وطائفةٍ يهوديةٍ صغيرةٍ تسمى يهود murviedeo كانت تعيش في فالنسيا بعد عام 1391، والتي كان من ضمنها صهر الحاخام هاربيش أحد كبار حاخامات الطائفة اليهودية في الجزائر([63]).

ــ ثانيا ــ

الجزائر وشمال أفريقيا

في الفكر السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي

أهمية الجزائر وشمال أفريقيا بالنسبة لإسرائيل:

كانت القارة السمراء – وما زالت – جزءًا أساسيًا وهامًا من المخططات الصهيونية، بل وكانت في البدايات جزءًا من مشروعه الاستيطاني؛ حيث تم اختيار بعض الدول الأفريقية (أوغندا – كينيا – السودان) وطنًا مقترحًا "لِلشعب اليهودي" المزعوم، أو موقعًا بديلًا لتوطين اليهود في حالة فشل المركز الأصلي "فلسطين"؛ حيث اهتم "ثيودور هيرتزل" زعيم الحركة الصهيونية بأفريقيا بشكلٍ خاصٍ، وحاول أكثر من مرةٍ تحقيق طموحاته الاستطيانية فيها. فقد قام بمخاطبة اللورد "كرومر" الحاكم العسكري الإنجليزي لمصر لإقامة الوطن القومي لليهود في السودان في العام 1903، أي عندما كان السودان مستعمرةً بريطانية، وذلك تماشيًا مع رغبة اليهود الروس الذين كانوا يفضّلون أرضًا زراعيةً يمكنهم فلاحتها، بعدما ساءت أحوالهم في روسيا([64]).

وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 احتفظت أفريقيا بمكانةٍ مهمةٍ في العقل الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي، وذلك لما تمثّله أفريقيا، وخاصةً منطقة الساحل الأفريقي، من عمقٍ استراتيجي للعالم العربي الذي تناصِبه إسرائيل العداء([65]).

ويمكن حصر أسباب ودوافع التغلغل الإسرائيلي في منطقة الساحل الأفريقي فيما يلي:

من الناحية الأمنية، فإن العقل الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي تحكمه نظرية "الأطواق الأمنية"، والتي تقول إن اسرائيل في صراعها مع العرب تحكمها ثلاثة أطواقٍ أمنية، الأول: الأراضي الفلسطينية، والثاني: دول المواجهة أو الطوق، وهي المناطق والدول المحاذية لإسرائيل(فلسطين، مصر، لبنان، الأردن، سوريا)، والثالث: المناطق المحاذية لدول المواجهة مع إسرائيل، وعلى رأسها دول أفريقيا لما تمثّله من عمقٍ استراتيجيٍ وقويٍ وظهيرٍ أمنيٍ وعسكريٍ داعمٍ للدول العربية في شمال أفريقيا([66]).

ويرى الدكتور إيال يعقوب فريدمان، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب، أن منطقة الساحل الأفريقي تمثّل الفناء الخلفي لقواعد التأثير والعمق الاستراتيجي للغرب، إذ إنه يمكن لإسرائيل الوصول إلى هذه الدول لـ"تطويق" النفوذ والقوة العربية([67]).

من الناحية السياسية والدبلوماسية، فإن الدول الأفريقية بما تملكه من "كتلةٍ تصويتيةٍ" في المنظمات الدولية، سواء داخل الأمم المتحدة أو المنظمات التابعة لها، فإنها من أكثر الدول والكتل الدبلوماسية والسياسية التي وفّرت عزلةً دبلوماسيةً وسياسيةً على إسرائيل لسنواتٍ عديدة، ما دفع إسرائيل دائمًا إلى محاولة اختراقها([68]).

من الناحية الاقتصادية، فإن الباحث الإسرائيلي عوديد عينون، الباحث المختص بالشؤون الأفريقية بمركز موشيه ديان للشؤون السياسية، يؤكد أن أفريقيا تمثّل منطقة استهدافٍ مهمةً جدًا للطموحات الاقتصادية الإسرائيلية، لما تحويه من موادٍ خامٍ وثرواتٍ معدنيةٍ كبيرةٍ يمكن لإسرائيل استغلالها في صناعاتها المختلفة، أو الحصول عليها بطريقٍ أو بآخر ومن ثم إعادة تصديرها للدول الغربية([69]).

في هذا الصدد يذكر أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أنشأت منتصف التسعينيات من القرن الماضي جهازًا يسمى بـ" الموشاف"، هدفه التغلغل الاقتصادي في دول الساحل الأفريقي تحديدًا، عن طريق استثمار عددٍ من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في هذه البلدان، من خلال توفير التكنولوجيا واستغلال المواد الخام، ومن ثم تقوم إسرائيل بإعادة تصدير منتجات هذه البلدان الأفريقية عن طريق هذا المشروع إلى دول الاتحاد الأوروبي التي تفرض حظرًا على منتجات المستوطانت الإسرائيلية([70]).

2- إسرائيل والتغلغل في منطقة الساحل والصحراء :

ركز جزءٌ من الكتابات الإسرائيلية على التدخل الغربي في ليبيا ومالي، ورآه فرصةً كبيرةً لإسرائيل للتغلغل ونشر النفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، وفي هذا الصدد تقول ورقةٌ بحثيةٌ صدرت عن مركز "بيجين - السادات لأبحاث الشرق الأوسط" حملت عنوان "فرنسا في مالي وأُفق التدخل الإسرائيلي"، من إعداد الباحث الإسرائيلي إيمانويل نافون، إن التدخل الغربي في مالي وليد عدة تطوراتٍ من أهمها تراجع النفوذ والاهتمام العربي بمنطقة الساحل وخاصةً مالي، واحتياج الغرب وخاصةً فرنسا إلى احتياطاتٍ من النفط والمواد الخام في هذه البلدان، وهو ما يمكن أن يمثّل " فرصةً" لإسرائيل لأن تدخل على جناح التدخل الغربي في هذه البلدان([71]).

وتضيف الورقة إن إسرائيل تتمتّع بخبرةٍ ومصداقيةٍ عسكريةٍ لدى هذه البلدان، نظرًا إلى أن بلدان الساحل الأفريقي تمثّل سوقًا مميزًا ورائجًا للسلاح الإسرائيلي، بسبب شيوع الصراعات والتناحرات العرقية والقبلية والسياسية المسلحة فيها، ويأتي التدخل الغربي المسلح في هذه البلدان لينشر مرةً أخرى مبيعات السلاح الإسرائيلية في هذه المنطقة([72]).   

أما من الناحية السياسية، فقد كشفت صحيفة لوفيجارو الفرنسية في إطار تقريرٍ لها نُشر يوم 2 سبتمبر 2009، أن جولة وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان، والتي شملت عددًا من دول منطقة الساحل الأفريقي، جاءت في إطار تطوير "اتجاهاتٍ جديدةٍ" في سياسة إسرائيل الخارجية، تهدف إلى تقوية إسرائيل وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأفريقية وخاصةً دول الساحل الأفريقي، التي تحاول إسرائيل تطبيق نموذج "جورجيا" عليها؛ إذ تمكنت إسرائيل من التغلغل أمنيًا وعسكريًا في جورجيا وإمدادها بالسلاح وإقامة قواعد عسكرية فيها([73]).

ويمكن حصر تأثير التغلغل الإسرائيلي في منطقة الساحل والصحراء في نقطتين أساسيتين، وهما:

* الإضرار عسكريًا بالجزائر، فاستغلال إسرائيل للنزاعات العكسرية والعرقية والقبلية في دول الساحل ومحاولة جعلها سوقًا كبيرًا للسلاح الإسرائيلي الذي يمكن أن يصل إلى عناصر القاعدة التي بدأت تنتشر في هذه المنطقة، سيجعل الجيش الجزائري في مواجهةٍ صعبةٍ مع عناصر القاعدة، لا سيما وإن هذه المنطقة تتسم بمساحةٍ شاسعةٍ تصل إلى 660 ألف كيلو مترًا مربعًا وذات تضاريس جغرافية صعبة.

* الإضرار بالوضع الجيوبوليتكي في الجزائر، فالتدخل الإسرائيلي في منطقة الساحل والصحراء من شأنه تعزيز حالة الميوعة "الجيوبولوتيكية" في المنطقة نتيجة سقوط نظام القذافي وتطورات الأوضاع في مالي وهشاشة نظام الحكم فيها، وهي الأوضاع التي تدعمها إسرائيل وتحاول تعزيزها بشكلٍ يخدم مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية فيها، وهو ما من شأنه المس سلبًا بوضع الجزائر الجيوبولتيكي، وعودة الطوارق المقاتلين في صفوف كتائب العقيد القذافي، والذين يقدّر عددهم بنحو 800 مقاتلًا، إلى بلدانهم، بعد أن جنّدت القوات الليبية في عهد القذافي، وبشكلٍ جماعيٍ، طوارق من مالي والنيجير من المتمردين السابقين، واستخدمتهم كجنودٍ مرتزقةٍ لمقاتلة الثوار الليبيين. وتثير عودة هؤلاء المقاتلين بأسلحتهم خوفًا في منطقة الساحل الأفريقي، لأنهم يهددون استقرارها من خلال عودة تفجر تمرد الطوارق، بشكل يؤثر بالضرر على استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في الجزائر وغيرها من دول المنطقة.

الخاتـمة

في نهاية هذا البحث يمكن الخروج بالنتائج التالية:

 إن أهمية منطقة الساحل والصحراء عامةً والجزائر تحديدًا بالنسبة لإسرائيل تنبع من أهمية الموقع الجيوبولتيكي الذي تتمتع به الجزائر ومنطقة الساحل والصحراء، والموارد الطبيعية والاقتصادية الكبرى التي تحتوي عليها هذه المنطقة لا سيما النفط.

 إن هناك مساعٍ إسرائيلية حثيثة من أجل التغلغل والسيطرة على منطقة الساحل والصحراء بهدف الإضرار بالوضع الجيوبولوتيكي والسياسي للجزائر.

 تعود أهمية الجزائر وحواضرها في الفكر الاستشراقي الإسرائيلي إلى ذلك التواجد اليهودي الفاعل تاريخيًا وثقافيًا واجتماعيًا في فتراتٍ تاريخيةٍ معيّنةٍ في عددٍ من الحواضر الجزائرية.

 إن الاهتمام الاستشراقي الإسرائيلي بالتواجد اليهودي في الجزائر وحواضرها يهدف إلى محاولة إعادة صياغة تاريخ المنطقة بشكل يُثبت أصالة الوجود اليهودي فيها، ولخدمة أهدافٍ سياسيةٍ إسرائيليةٍ تتمثل في إعادة طرح قضية الممتلكات اليهودية في البلدان العربية، ومن أهمها الجزائر، لتكون ورقةً ماضيةً أمام المفاوض الفلسطيني للضغط عليه ودفعه إلى التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مقابل تنازل إسرائيل عن أملاك اليهود المزعومة في البلدان العربية.

 إن الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية نفسها دللت على أن التواجد اليهودي في الجزائر وحواضرها نَعِم بالهدوء والاستقرار، ما مهّد له حياةً مزدهرةً ثقافيًا واجتماعيًا في فترات الحكم الإسلامي، في حين عانى التواجد اليهودي من العنصرية والتعسف والقمع تحت ظل الاحتلال الفرنسي والإسباني للجزائر وحواضرها.

 إن الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية اعترفت أن دخول الإسلام إلى شمال أفريقيا على يد القائد العسكري الإسلامي كان بمثابة الممهّد الحقيقي لازدهار التواجد اليهودي في المنطقة، بسبب التسامح الإسلامي مع أهل الديانات الأخرى ومنحهم وضع "ذِمِّي"، الذي حفظ لهم حقوقًا قانونيةً مختلفة، سمحت لهم بالازدهار الاقتصادي والثقافي.

 إن اليهود في الجزائر وحواضرها كانوا بمثابة "همزة الوصل" بين يهود الحواضر الإسلامية والعربية في شمال أفريقيا وعدد من الحواضر الأوروبية الأخرى، لا سيما في منطقة شبه الجزيرة الآيبرية.

 رصدت الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية عددًا من الوثائق التاريخية المتعلقة بيهود الجزائر وحواضرها في فتراتٍ تاريخيةٍ مختلفة، والتي أثبتت وجود صلاتٍ ثقافيةٍ وروحيةٍ ودينيةٍ بين يهود الجزائر وحواضرها وبقية الجماعات اليهودية في عددٍ من الحواضر شمال أفريقيا (فاس، تطوان، طرابلس، تونس، القاهرة، الإسكندرية).

 إن االكتابات الاستشراقية الإسرائيلية رصدت أجزاءً كبيرةً من التراث الثقافي ليهود الجزائر وحواضرها، لا سيما في المجال الموسيقي، مما يدلل على ازدهار الحياة الثقافية ليهود الجزائر في فتراتٍ تاريخيةٍ مختلفة.

 وجود اختلافٍ في الرؤى الاستشراقية الإسرائيلية حول أصل تواجد اليهود في الجزائر وحواضرها.

قسّمت الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية يهود الجزائر وحواضرها من الناحية التاريخية إلى عدة فئات وطبقات، مركّزةً على يهود وهران لأهميتهم من بين بقية يهود الحواضر الجزائرية الأخرى.

------------------------------

([1]) حول نظرية الأطواق في السياسات الإسرائيلية، يمكنك العودة إلى: أحمد البهنسي، الرؤية الإسرائيلية لدول مجلس التعاون الخليجي، مجلة شؤون خليجية، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد 15، لندن، 2005، ص 15-61.

([2]) مجموعة باحثين، شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، تقريرٌ خاص، مركز الناطور للدراسات، الرباط، 2010. ص 12.

([3]) أحمد البهنسي، قضية الممتلكات اليهودية في البلدان العربية، مجلة القدس، مركز الإعلام العربي، العدد 67،  القاهرة 2007، ص 11.

([4]) للمزيد حول الاستشراق الإسرائيلي والصهيوني يمكنك العودة إلى: أحمد البهنسي، الاستشراق الإسرائيلي.. الإشكالية، السمات، الأهداف، مجلة الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، مصر، العدد 37، 2007، ص 145؛ ومحمد خليفة حسن (د): المدرسة اليهودية في الاستشراق، مجلة رسالة المشرق، الأعداد 1-4، المجلد 12، القاهرة 2003، ص 31.

([5]) انظر موقع هذا المعهد على الانترنت www.ybz.co.il           

([6]) آدم عبد الله الألوري، الإمام المغيلي وآثاره في الحكومة الإسلامية في القرون الوسطى في نيجيريا، دار الثقافة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1974.

([7]) للمزيد حول الإمام المغيلي وقصة طرده لليهود من صحراء توات، يمكنك العودة على سبيل المثال إلى: حيكم زي، قصة طرد عبد الكريم المغيلي اليهود من جنوب الجزائر، الشروق أون لاين: 12/2/ 2014.   

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/193830.html

([8]) מנחם וינשטין، החברה היהודית באלג׳יריה בין השנים 1300 - 1830، חיבור לשם קבלת תואר "ד"ר לפילוסופיה", אוניברסיטת בר-אילן, תשל"ה. עמ׳ 12-13.

([9]) שם.

([10]) مؤرخ إسرائيلي، عميد الجامعة المفتوحة في تل أبيب، والمحرر الرئيس لسلسلة "الجاليات اليهودية في الشرق في القرنين التاسع عشر والعشرين"، وهو مشروعٌ تقوم عليه الوكالة اليهودية للهجرة ووزارة التربية والتعليم، وقد خرج في 15 مجلدًا.

([11]) חײם סעדון، אלג׳יריה קהילות ישראל במזרח במאות התשעֿעשרה והעשרים، משרד החנוך، תל- אביב 2005.

([12]) مستشرقٌ وأستاذٌ جامعيٌ إسرائيلي، في الجامعة المفتوحة في تل أبيب، ومختص بتاريخ الجماعات اليهودية في شمال افريقيا.

([13]) יוסף שרביט, יהודי אלג'יריה בעידן הצרפתי 1962-1830, אוניברסיטה משודרת, 2010.

([14]) שם.

([15]) مستشرقٌ إسرائيليٌ مختصٌ بتاريخ الجماعات اليهودية في شمال أفريقيا في القرون الوسطى، وله عدة مؤلفات في هذا الصدد، من أبرزها مؤلفٌ عن يهود المغرب الإسلامي مكوّنٌ من مجلدين، صدر في إسرائيل عام 2005. 

([16]) " إسبانيا الإسلامية"، يلاحَظ أن الكتابات الاستشراقية تستخدم هذا المصطلح بدلًا من استخدامها لمصطلح أو تسمة "الأندلس".

([17]) חיים זאב הירשברג, תולדות היהודים באפריקה הצפונית: התפוצה היהודית בארצות המגרב מימי קדם ועד זמננו, הוצאת מוסד ביאליק, 2 כרכים, תשכ"ה.

([18]) ע״ע، חײם סעדון، עמ׳ 105.

([19]) ע״ע، חײם סעדון، עמ׳ 105-106.

([20]) שם.

([21]) אפרים חזן, השירה העברית באלג'יריה, הוצאת אורות יהדות המגרב ואוניברסיטת בר-אילן, 2009.

  ([22]) ע״ע، אפרים חזן، עמ׳ 201.

([23]) שם.

([24]) שם.

([25]) שם.

([26]) שם.

([27]) للمزيد حول الكتابات اليهودية والإسرائيلية عن اليهود في صحراء توات وصحراء تمنطيط، يمكنك العودة إلى:

John O. Hunwick, Jews of A Saharan Oasis: Elimination of the Tamantit community, Markus Wiener Publishers, 2006.

([28]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 126.

([29]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 126-128.

([30]) שם.

([31]) שם.

([32]) שם.

([33]) שם.

([34]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 129.

([35]) ע״ע، אפרים חזן، עמ׳ 202.

([36]) ע״ע، אפרים חזן، עמ׳ 202.

([37]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 226.

([38]) שם.

([39]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 156.

([40]) انظر الموقع الإسرائيلي بالعبرية على الإنترنت "يهود الجزائر" www.yahadut-algeria.co.il   

([41]) نفس المرجع.

([42]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 156.

([43]) انظر الموقع الإسرائيلي بالعبرية على الإنترنت "يهود الجزائر" www.yahadut-algeria.co.il

([44]) שלום בר-אשר, ‏קווי יסוד לתולדות יהודי המגרב ועליית המרכז באלג'יר, קנ"א-רנ"ב 1391-1492, פעמים תשמ"ז 1987, עמ' עמ' 22-39.

([45]) שם.

([46]) שם.

([47]) ע״ע، אפרים חזן، עמ׳ 128.

([48]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 149.

([49]) Schroeter, "Algeria," Encyclopedia of Jews in the Islamic World, Executive Editor Norman A. Stillman, Brill Online, 2013.

([50]) Ibid.

([51]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 215.

([52]) שם.

([53]) שם.

([54]) ע״ע، אפרים חזן، עמ׳ 216.

([55]) שם.

([56]) שם.

([57]) ע״ע، מנחם וינשטין, עמ׳ 226.

([58]) שם.

([59]) שם.

([60]) שם.

([61]) ע״ע،  חיים זאב הירשברג,עמ׳ 121.

([62]) שם.

([63]) שם.

([64]) حمدي عبد الرحمن (د)، أفريقيا وإسرائيل في عالمٍ متغيّر، مركز الرأي للدراسات، القاهرة، 2007، ص 25-26.

([65]) حمدي عبد الرحمن (د)، المرجع السابق، نفس الصفحة.

([66]) أحمد البهنسي، الرؤية الإسرائيلية لدول مجلس التعاون الخليجي، مرجع سابق ص 17.

([67]) انظر موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي على الانترنت www.inss.org.il

([68]) خليل إبراهيم الطيار، «محاولات إسرائيل العودة إلى إفريقيا وعلاقتها باتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة»، مجلة شؤون عربية، عدد 47، القاهرة،  سبتمبر 1986م، ص 164.

([69]) انظر، أحمد البهنسي، "مداخل إسرائيل للدول المناوئة"، مجلة السياسة الدولية، العدد 166، القاهرة، أكتوبر 2006، ص 151.

([70]) أحمد البهنسي، "مداخل إسرائيل للدول المناوئة"، مرجع سابق، ص 151-156.

([71]) نقلًا عن: مجموعة باحثين، شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، مرجع سابق.

([72]) نفس المرجع.

([73]) نقلًا عن: محمد النحال، دور إسرائيل في إثارة الصراعات بشمال أفريقيا، مركز الراصد للدراسات، الخرطوم، 2010، ص 25.

*  المصادر والمراجع  *

أولًا: بالعربية:

1- آدم عبد الله الألوري، الإمام المغيلي وآثاره في الحكومة الإسلامية في القرون الوسطى في نيجيريا، دار الثقافة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1974.

2- أحمد البهنسي، "الاستشراق الإسرائيلي.. الإشكالية، السمات، الأهداف"، مجلة الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، مصر، العدد 37، 2007.

3- ــــــ، "الرؤية الإسرائيلية لدول مجلس التعاون الخليجي"، مجلة شؤون خليجية، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، العدد 15، لندن، 2005.

4- ـــــــ، "قضية الممتلكات اليهودية في البلدان العربية"، مجلة القدس، مركز الإعلام العربي، العدد 67،  القاهرة 2007.

5- ـــــــ، "مداخل إسرائيل للدول المناوئة"، مجلة السياسة الدولية، العدد 166، القاهرة، اكتوبر، 2006.

6- حمدي عبد الرحمن (د)، أفريقيا وإسرائيل في عالم متغير، مركز الراي للدراسات، القاهرة، 2007.

7- خليل إبراهيم الطيار، «محاولات إسرائيل العودة إلى إفريقيا وعلاقتها باتفاقية التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة»، مجلة شؤون عربية، العدد 47، القاهرة،  سبتمبر 1986م.

8- مجموعة باحثين، شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، تقرير خاص، مركز الناطور للدراسات، الرباط، 2010.

9- محمد النحال، دور إسرائيل في إثارة الصراعات في شمال أفريقيا، مركز الراصد للدراسات، الخرطوم، 2010.

10- محمد خليفة حسن (د)، "المدرسة اليهودية في الاستشراق"، مجلة رسالة المشرق، الأعداد 1-4، المجلد 12، القاهرة 2003.

ثانيًا: بالعبرية:

1- אפרים חזן, השירה העברית באלג'יריה, הוצאת אורות יהדות המגרב ואוניברסיטת בר-אילן,  2009.

2- חיים זאב הירשברג, תולדות היהודים באפריקה הצפונית: התפוצה היהודית בארצות המגרב מימי קדם ועד זמננו, הוצאת מוסד ביאליק, 2 כרכים, תשכ"ה.

3- חײם סעדון، אלג׳יריה קהילות ישראל במזרח במאות התשעֿעשרה והעשרים، משרד החנוך، תל- אביב 2005.

4- יוסף שרביט, יהודי אלג'יריה בעידן הצרפתי 1962-1830, אוניברסיטה משודרת, 2010.

5- מנחם וינשטין، החברה היהודית באלג׳יריה בין השנים 1300 - 1830، חיבור לשם קבלת תואר "ד"ר לפילוסופיה", אוניברסיטת בר-אילן, תשל"ה.

6- שלום בר-אשר, ‏קווי יסוד לתולדות יהודי המגרב ועליית המרכז באלג'יר, קנ"א-רנ"ב 1391-1492, פעמים תשמ"ז 1987.

ثالثًا: بالانجليزية:

1 - John O. Hunwick, Jews of A Saharan Oasis: Elimination of the Tamantit community, Markus Wiener Publishers, 2006.

2 – Schroeter, "Algeria," Encyclopedia of Jews in the Islamic World, Executive Editor Norman A. Stillman, Brill Online, 2013.

رابعًا: مواقع الإنترنت:

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/193830.html

www.inss.org.il

www.yahadut-algeria.co.il