البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

قيمة الدراسات الاستشراقية في المباحث الإسلامية (نظرة نقدية تقييمية)

الباحث :  د.خالد إبراهيم المحجوبي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  15
السنة :  السنة الخامسة - صيف 2018م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث :  August / 11 / 2018
عدد زيارات البحث :  1229
تحميل  ( 212.523 KB )
مدخل

لم تزل الظاهرة الاستشراقية مثيرة للجدل والخلاف على مستوى التقييم والفاعلية والجدوى والتأثير والتأثر، ولم يزل الباحثون العرب والمسلمون ناظرين إليها نظرة غير موحدة.
سنركز بحثنا على التناول الاستشراقي لمباحث وقضايا الدراسات الإسلامية، التي حازت أهم، وأسخن، وأوسع، وأغزر ما كتبه المستشرقون في سياق تواصلهم البحثي مع العالم الشرقي وثقافاته وحضاراته.
 لا أحسب أحداً ممن درس الاستشراق وأثره وعلاقته بالمباحث الإسلامية، يمكنه أن يحكم على المنهج، والمنتج الاستشراقي بحكم لا يكون مفاده أن هذا المنهج، والمنتج كلاهما – بعامة- قاصران، ومنطويان على نقاط ضعف كثيرة . ولا أراني مبالغا إذا قلت انه منهج، ومنتج  غير علمي في عمومه .
 وقد كان وراء هذا القصور التناولي بواعث متعددة، ستكون محور بحثنا ، ومناط اهتمامنا في هاته الأوراق.

المبحث الأول
تحديد البواعث والأسباب
ليس من الممكن إنكار اشتمال الطروح الاستشراقية على نقاط ضعف، أثرت فيها بعامة، وتأذت بها المكانة المعرفية، والسمعة العلمية  لكثير من المستشرقين.
ونحن هنا سنشخص ما نراه من بواعث وأسباب أوصلت المنتج الاستشراقي- في مجال الدراسات الإسلامية تحديداً - إلى هاته الحالة التقييمية، المؤثرة بالضرر في مسيرة، وكيان حركة الاستشراق ونتاجها المعرفي .

الباعث الأول:
إن الباحثين المستشرقين إما أن يكونوا- فكرياً- ماديين، علمانيين لا يؤمنون  بالتصورات الغيبية وبالأفعال اللااعتيادية  ويضعون كل شيء تحت مجهر الحقائق المادية وإما أن يكونوا من اليهود أو النصارى أو اللادينيين([1])؛ من هنا فإنهم لايؤمنون بالديانة الإسلامية، ويشككون في مصدرها الإلهي، ويعتبرونها على الأقل من الأعمال الإنسانية العظيمة التي لا علاقة لها بالمصدر الإلهي .
وهكذا عندما تدرس أفكار وأطاريح هؤلاء الناس؛ فإنك تجدهم يشكون في الغزير من الحوادث والأخبار التاريخية التي أكدت صحتها معظم  المصادرالتاريخية الموثوقة، من ذلك - مثلا - الاسترابة والتشكيك في وجود النبي محمد نفسه([2]).  

الباعث الثاني:
إن كثيراً من الأخطاء والتلبيسات التي وقع فيها المستشرقون كان مرجعها ومردها أن أكثرهم كان عند تناوله لقضية ما لا يتوغل فيها، ولا يتتبع بدقة كل ما يتعلق بها تأثيرًا وتأثرًا مما له شأن فيها؛ فلم يصلوا في كثير من بحوثهم إلى الأعماق، والجذور، ولم يستشفوا ما وراء الظواهر، والألفـاظ ولم يتمثلوا حق التمثل البيئة والعصر والملابسات التي أثرت فيها([3](.
وهذا مرد وباعث ظاهر لصفة القصور التي اتسمت بها كثيرات من البحوث والدراسات الاستشراقية، ولو أن كثيرا منهم أنعموا أنظارهم في التفاصيل والملابسات لما يبحثون ؛ لجاءت نتائج دراساتهم مغايرة لما ظهرت عليه.
وجدير بالملاحظة أن هذا المرض البحثي - أعنى عدم الاستقصاء وضعف التدقيق-  هو مرض تليد من قديم الزمن ومن أمثلــته القديمة ماكتبه ( أوريجين الاسكندري )( *)  (185 ـ 254م) آخر حياته بعنوان (الرد على كلسس ) الذي كتب كتاب (المقال الحق ) هـــاجم فيه اليهودية والمـــسيحية هجوما عنيفاً ([4])  كما يفعل كثير من المستشرقين مع الإسلام ،وافترى على موسى وعيسى والأنبياء ماهـم منــه برآء.

الباعث الثالث:
إن كثيراً من الدراسات جاءت محكومة بنظرة مسبقة عن الموضوع المدروس بتأثيرات من المركزية الغربية من جهة، والأحقاد التليدة  على الإسلام من جهة أخرى؛ لذلك كانت هذه الدراسات تجيء موظفة لأهداف سابقة محدده غالبا.
لذا وبسبب إحكامهم المسبقة وإغراضهم الأيديولوجية غير العلمية؛ وقفت بينهم وبين مواضيع بحثهم حواجز تمنعهم من فهمها وحسن إدراكها([5](.
ولا عجب في أن هذه المنهجية لاتتيح لصاحبها معرفة بالآخر إلا بقدر ما يجد في نفسه .

الباعث الرابع:
إن الكثير من  الدراسات والبحوث الاستشراقية في مجال المباحث الإسلامية اعتمدت على مقابلة حوادثها، وقضاياها بما هو حاصل في زمننا وظروفنا، ولا ينظرون إليها بمعيار زمانها ومكانها، وهذا خطأ منهجي كبير لأن الحكم على الحوادث التاريخية مرهون بظروفها التي حصلت فيها [6]

الباعث الخامس:
عدم الاطلاع على تفاصيل قضايا بحوثهم، في مظانها المناسبة لها، ولا في مصادرها الأصلية المتسمة بدرجة التوثيق اللائق بالبحوث  العلمية
من المثالات على هذا اعتماد بعضهم في مبحث السيرة النبوية - مثلا - على بعض الآثار والروايات ضعيفة الإسناد غير الموثقة، وعلى كتابات بعض الأدباء والروائيين .
 من ذلك أن بعضهم يعتمد في كتاباته على مصادر ليست مؤهلة أصلاً - بأي وجهٍ - لأن تكون مرجعاً لبحث علمي  في أي قضية .
مثال ذلك اعتماد إحدى المستشرقات في فرنسا في بحث لها عن الإسلام على كتاب (أساطير القرون ) للفرنسي( فيكتورهوجو) في قصيدة الأرز، وجعلته مرجعا لها في رسالة للدكتوراه كانت تعدها سنة 1989 )[7](.  
 وقد لاحظ محمد أسد هذا العيب البحثي فقال عن المستشرقين ممثلا بجولدزيهر : إنه يطعن في كل حديث جاء عن الرسول معتمدا على كتب مجهولة لايليـق بباحث جاد أن يعتمد عليها ([8]).
الباعث السادس:
عدم التزام الكثير منهم بالأمانة العلمية، والصدقية الموضوعية، التي ما خلت منها دراسة أو بحث ؛ ألا أصيب بالعقم على صعيد النتائج المرجوة، ذات الإفادة لمن يتلقاها وهذا ظاهر في كتابات كثير من المستشرقين مثل : ( لامانس ) و (غلوور) و(كولي ) وغيرهم كثير.
ولنا أن نمثل بمثال على حيدتهم عن الأمانة العلمية، بما فعله ( جولدزيهر ) في بعض بحوثه فقد نقل جولدزيهر كلاماً عن الزهري بعد تحريفه وهو-قول الزهري- (إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة أحاديث) . ثم قال جولد زيهر (وإن ذلك يُفهم استعداد الزهري لأن يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند الأمة الإسلامية )  وقد كان النص الأصلي كما هو عند ابن عساكر، وابن سعد، عن الزهري: ( إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة الأحاديث فتعالوا أحدثكم بها ؛ فحدثهم)([9]).
نقل جولدزيهر من قول وكيع، عن زياد بن عبد الله أنه (كان مع شرفه في الحديث كذوبًا) وأصل العبارة كما في التاريخ للإمام البخاري (وقال ابن عقبة السدوس عن وكيع : هو ـ أي زياد بن عبد الله- أشرف من أن يكذب)[10](.
 ونتيجة لكل ماسبق جاءت أغلب هاتيك البحوث والدراسات التي تمخضت عنها جهود المستشرقين  مخالفة للجادة مبعدة للنجعة، وهذا الذي عليه نؤكد ليس مطردا في كل البحوث الاستشراقية، بل في أغلبها.

المبحث الثاني
الصورة المزدوجة للتناول الاستشراقي
عند استقراء دراسات وبحوث المستشرقين بعامة سنلقى بعضهم منصفا معتدلا، غير متحامل ولامتعصب  وهذا الضرب هو الممثل للأقلية منهم ـ أي البحاثة المستشرقين   وإن كانت أكثر كتاباتهم المعتدلة تتركز في تاريخ العلوم التجريبية عند المسلمين، وتاريخهم الحضاري، وأثر المسلمين في هذا المجال لا ينازع فيه إلا مكابر وهم في هذا لم يأتوا بجديد غير إحقاق الحق، وهو فعل محمود بلا شك  .
يأتي من هذا الباب-مثلاً-  كتاب المستشرقة ( زيغريد هونكه ): ( شمس العرب تسطع على الغرب ) ،  وكتاب (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري) لآدم متز .
أما العلوم الدينية فلا نكاد نجد لها منصفا - إلا قليلا منهم - ؛ لخطورتها، وأهميتها في حياة الإنسان، ولأن هذه العلوم الدينية مرتبطة بالإسلام والدعوة العالمية  للتوحيد، وإذاعة منهج الله على الأرض)[11](.
وفي  المقابل هناك من المستشرقين من يمثل الاستثناء في الموقف المضاد للفكر الإسلامي أو المتحامل عليه أو الممتهن لذويه. وكانوا يتمتعون بقسط وافر من الشجاعة الأدبية والأمانة العلمية [ كما هو ظاهر في شخوص كثير منهم ولنا أن نمثل بناصر الدين دينيه في كتاب (محمد رسول الله) وروجيه غارودي ، وروم لاندو، وماسينيون، وغيرهم ممن أتصف بالأمانة العلمية والشجاعة، ومنهم من ارتضى الإسلام دينا مثل : روجيه غارودي، وموريس بوكاي، وعلي شودكيفتش مثلا .
وبرغم السرُج المنيرة في ظلام التعصب، فإن صوت هؤلاء الذين احترموا عقولهم وصدقوا مع أنفسهم، كان أشبه بالهمس وسط  الضجيج الهائل ؛ فلا يسمعه أحد وإذا سمعه لا يأبه به،  ولا يركن إليه؛ لأن الضجيج الذي ساد جو الاستشراق غطى على مثل تلك الهمسات، وجعل عامة الناس لا تطمئن إليها، بل ترك فيها عروقا من العقيدة الصحيحة إلي دين الشرق الملفق [كما زعموا])[12](.
يمكننا أن نقسم المستشرقين الذين تناولوا الإسلام وقضاياه بالبحث والدراسة إلى قسمين:
1-قسم اتسمت بحوثهم بالموضوعية والأمانة .
2- قسم اتسمت بحوثهم بعدم الموضوعية .
في هذا الصدد نجد ممن تناول المنهج الاستشراقي في البحث الأستاذ مالك بن نبي ـ رحمه الله- فهو يقسم المستشرقين من حيث اتجاههم العام نحو الإسلام من خلال كتاباتهم إلى قسمين : فهناك طبقة المادحين للحضارة الإسلامية , وطبقة المشوهين لسمعتها .     ويمثل الأستاذ مالك لطبقة المادحين والموضوعين في كتابا تهم وأفكارهم  بـ ( دوزى ) و( سيديو) في علم الفلك وبآسيين بلاثيوس في الأدب([13]). فهؤلاء بناء على ماحوته نتاجاتهم البحثية لاريب في سلوكهم مسلك النصرة للحقيقة العلمية، وللتاريخ؛ فخلت أعمالهم من آثار التعصب والمـَيْن، ولا يعني ذلك أن كتاباتهم خلو من الأخطاء والهفوات.
ويرى الأستاذ السباعي  أن ( غوستاف لوبون ) خير مثال على الإنصاف والاعتدال فيصف كتابه ( حضارة العرب ) بقوله : إنه أعظم كتاب ألفه الغربيون في إنصاف الإسلام وحضارته. ([14]) غير أننا لا نعدم سقطات وتجاوزات للوبون في بعض كتاباته.
ومن الموضوعيين الذين خلت كتاباتهم عن الأغراض، المستشرق ( آدم متز) في كتابه(الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري)([15]).
في هذا المقام سنمثل بنماذج نصية،  لكل من الصنفين الذين يمثلان موقف الحركة الاستشراقية بعامة من الإسلام ومباحثه.

أولا: القسم غيرالموضوعي :
عرفت الحركة الاستشراقية بعامة كثيراً من الشخصيات التي جاء تناولها البحثي للدراسات الإسلامية، خالياً من أدنى درجات الموضوعية التي لا يصلح بحث  عدمها ، ولا تقوم لأي دراسة قائمة –بالمعايير العلمية ـ إذا ما كانت خلوا منها.
ولنا في هذا المقام أن نعرض فقرات على سبيل المثال لا الحصر مجتزأة من بعض أقوال هذا الضرب من المستشرقين، فإليكها مشفوعة بأسماء أصحابها :
على سبيل المثال لا الحصر قول (غلادستون ) في معرض حديثة عن المسلم : (إنه الإنسان الذي لا إنسانية فيه)
ويقرر المسيو كيمون : ( أن الديانة المحمدية جذام بين الناس، أخذ يفتك بهم فتكا ذريعاً، بل هي مرض مريع).
ويقول لطفي لوفنيان : ( إن تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح).
ويذكر كارل بروكلمان ـ متناسيا كل سماحة الإسلام ـ : (يتحتم على المسلم أن يعلن العداوة على غير المسلمين، حيث وجــدهم، لأن محاربة غير المسلمين واجب ديني ).
ويقول وليم موير ( إن سيف محمد والقرآن هي أكثر أعداء الحضارة والحرية والحقيقة الذين عرفهم العالم حتى الآن عنادا )
وتيودور نولدكه أوصله علمه إلى « أن سبب الوحي النازل على محمد، والدعوة التي قام بها هو ما كان ينتابه من داء الصرع »)[16] ).
هذه عبارات يفوح منها الافتراء  بقدر يؤسف القارئ . إن كل هذا ما هو إلا غيض من فيض مما قد امتلأت به كتابات ومصنفات كثير من المستشرقين .
وما أردنا بإيراد مثل هذه الكلمات البذيئة المغرضة إلا عرض صورة صغيرة، ملتقطة من مجموع كتب المستشرقين لتوضيح موقفهم وطبيعة نظرتهم ولعل دراسات أمثال هؤلاء جعلت عديد الدارسين يقولون مع المستشرق المسلم محمد أسد عند تقييمه للاستشراق«إن ضرره، أكثر من نفعه»)[17]).

ثانياً: القسم  الموضوعي :  
لايفوتنا في هذا المقام أن نورد الصورة الأخرى، من صور التناول الاستشراقي للإسلام وقضاياه غير أنها ـ وكما سنرى ـ جاءت بشكل موضوعي خلوٍ  من أوحال العصبية وغبش الحقد الإيديولوجي .
من أهم المثالات النصية  للصورة الموضوعية ما جاء على لسان  غوستاف لوبون عندما قال :  ( كان تأثير العرب في الغرب عظيما للغاية، فأوروبة مدينة للعرب بحضارتها، ونحن لانستطيع أن ندرك تأثير العرب في الغرب إلا إذا تصورنا حالة أوروبة عندما أدخل العرب الحضارة إليها ) . ولا يخفي ما في كتابه-أي لوبون- المهم ( حضارة العرب ) من إنصاف للعرب وحضارتهم ([18](.
وهذا( سيديو ) يقول ( ولقد حاولنا أن نقلل من شأن العرب، ولكن الحقيقة ناصعة يشع نورها من جميع الأرجاء وليس من مفر أمامنا إلا أن  نرد لهم ما يستحقون من عدل، إن عاجلا أو آجلا ).
ويقول نيكلسون : ( أعمال العرب العلمية اتسمت بالدقة وسعة الأفق؛ ولقد استمد منها العلم الحديث ـ بكل ما تحمل هذه العبارة من معان ـ مقدماته بصورة أكثر فاعلية مما نفترض»([19](.
وهذا ( هيجل ) الفيلسوف الألماني « الذي عرفت عنه آراؤه الناقدة لجميع الأديان في كتابه ( لغز العالم ) نجده يقول في الإسلام :  يجب علينا أن نعترف بأفضلية الدين الإسلامي على كل الأديان السماوية...، فقد احتفظ بعقيدة التوحيد خالصة احتفاظا  لا مثيل له في الديانتين اليهودية والمسيحية ... يظهر هذا حتى الآن في أدعية المسلمين وصلاتهم وخطبهم، وفي كل أركان شعائرهم» )[20] ).
وفي هذا السياق تأتي أقوال الأديب الأيرلندي ( جورج برنارد شو ) عن الإسلام ونبي الإسلام، رغم عدم إطلاعه الواسع على الدين الإسلامي وشريعته، فهو يقول ( لو قدر لرجل مثل محمد أن يتولي قيادة عالمنا المعاصر؛ لتمكن من حل مشاكلة على النحو الذي يكفل له السلام والسعادة المنشودين، .... وقد كان رده ـ أي شو ـ عندما دعي للإسلام إنني أومن بإسلام النبي محمد وإسلام الخلفاء الراشدين، وليس بإسلام مسلمي هذا العصر([21]).
وفي صورة ردة فعل على حملات التشويه والتدليس غير الموضوعية التي أنشأ يبثها كثير من المستشرقين والكتاب غير المسلمين،  ينادي (توماس كارليل) في كتابه الإبطال يقول  : »لقد أصبح من اكبر العار على أي فرد متمدن في هذا العصر، أن يصغي إلى من يظن أن دين الإسلام كذب وأن محمدا خداع مزور...فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول مازالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً».
وعندما خرجت مقولات عديدة من تحت عباءة بعض المستشرقين تقول : إن محمداً نبي الإسلام، هو المسيح الدجال، قام برنارد شو؛ وتصدى للقائلين بهذه المقولة وقال : «إن الكتاب الذي نزل على محمد ،وأخلاق محمد وتعاليمه التي تركها، كل هذه المعالم تقول إن محمدا لم ولن يكون دجالا في أي وقت من الأوقات، فهو إنسان فاضل كامل والذي جاء به لا يمكن أن يكون مصدره بشرا » )[22] (.
إن من يسمع هذا الكلام مقطوعا عن  مصدره وقائله، لا يداخله ريب في أن قائله واعظ أو داعية مسلم قلبا وقالبا، وليس الأديب (جورج برنارد شو(.
  على الرغم من هذا كله يحرص كثير من أقطاب  الاستشراق على طمس كل فضل لأمتنا في عقيدتها وتاريخها وأثرها في الحضارة الإنسانية، وحينما ألف ( ناصر الدين دينيه ) كتابه ( محمد رسول الله ) ثارت ثورة المستشرقين، لأنه لم يعبأ بما كتبوا، ولأن اعتماده إنما كــان على مصادر إسلامية، وكـتاب مسلمين ،كابن هشام، وابن سعد.
وقد نبه (دينيه )إلى أن الافتتان بالمستشرقين لا أساس له وهذا أمر طبيعي، لأنهم أساتذة في فكر رفضوه، وعقيدة ألحدوا بها، وأمامهم حضارة يحرصون على إدانتها وهضمها حقها وعدم توضيــح معالمهـــا الحقيقية لاسيما في الصعيد الأكاديمي.
ومما قاله ( روجيه غارودى )  : ( لم يدرس الغرب الإسلام دراسة صحيحة حتى في الجامعات الغربية، وربما ما كان هذا مقصودا مع الأسف)([23]) . ويفسر هذا -أي عدم دراسة الإسلام على حقيقته ـ كثيرا من المواقف والآراء المجحفة بحق الإسلام، فما دام الإسلام لم يدرس دراسة صحيحة عند الغرب، فطبيعي أن تكون آراؤهم تجاهه، حاملة لطابع العداء، والسلبية ؛ مصداقا لقول من قال:  المرء عدوُّ ما جهل.
من ثم فقد كان للإسلام ودراساته، نصيب كبير كما علمنا من الافتراءات والتلبيسات التي حاكها كثير من المستشرقين، فضلا عن المبشرين النصارى في سبيل النيل من هذا الدين الخالد، والكيد له بشتى الطرق من بث فتنٍ،  ونشر شبهٍ، وزرع تشكيكات، كل هذا كان صورة لإسقاطات كثير منهم.
إن لنا أن نسمي ما بدر من كثير من المستشرقين إسقاطا والإسقاط (projection ) كما هو معلوم في علم النفس «حيلة لا شعورية تتلخص في أن ينسب الإنسان عيوبه، ونقائصه، ورغباته المستكرهة، ومخاوفه المكبوته التي لا يعترف بها، إلي غيره من الناس، والأشياء، أو الأقدار أو سوء الطالع ..الخ ؛ وذلك تنـزيها لنفسه، وتخففا مما يشعر به من القلق أو الخجل أو النقص أو الذنب»([24](.
 هذا ما نراه منطبقا على عدد كبير من المستشرقين الذين تصدوا للبحث في الدراسات الإسلامية، والكتابة على دين الإسلام الخالد .

خــاتمــة
هنا نختم بحثنا الذي  أفضى بنا  إلى أن مرد القصور التناولي الاستشراقي  جاء ناتجاً عن عدة من البواعث والأسباب التي كان بعضها منهجياً ،وبعضها ذاتيا، متصلاً بذوات الباحثين وأغراضهم الخاصة.
كما أوصلنا البحث إلى توكيد واقع الاختلاف بين أفراد المستشرقين وتوكيد أنهم في مجملهم ليسوا على نهج واحد، ولا بروح واحدة ؛ مما أوجب أن نقسمهم إلى قسمين :     
1 - موضوعي  أمين.
2- غير موضوعي مغرض.
ومما أحرص على توكيده، وإرساخه في كلامي، أن المستشرقين برغم كل مناقصهم ومثالبهم، كانوا روادا في البحث العلمي، وتجديد مناهجه ،وتحقيق مصادره، وتحليل بوادره، وتدقيق موارده.  كل هاته الأشياء كان لكثير من المستشرقين فضل عظيم في بثها وسط البيئة العلمية، والثقافية العربية والإسلامية الحديثة.

*  هوامش البحث  *
[1] انظر نقد روجيه غارودى للاستشراق في:  غارودى والمشكلة الدينية / محسن الميلي ص 200  و بعدها .
[2] - انظر للتفصيل: الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية – ساسي الحاج 2/ 214.
[3] - دفاع عن السنة – محمد أبو شهبة : ص8
( *) فيلسوف ولد بالاسكندرية في أسرة تنصرت وسافر إلي فلسطين واضطهد ومات في صور .
[4] - انظر تاريخ الفلسفة اليونانية / يوسف كرم . دار القلم . بيروت ص 276.
[5] - روجيه غارودى والمشكلة الدينية / محسن الميلي ص202.
[6] - الظاهرة الإستشراقية 2/214.
[7] - انظر تسامح الإسلام وتعصب خصومه شوقى أبوخليل ـ منشورات مؤسسة مي للطباعة التوزيع 1990. ط1.
[8] - صحيفة الأسبوع الثقافي لقاء مع  محمد أسد ص8 فبراير 1976.
[9] - القرآن والنبي، ص398 .
[10] - نفسه ص  329.
[11] - ضوابط الرواية عند المحدثين – صديق البشير نصر، ص 283.
[12] - خصائص الاستشراق في مرحلته الثالثة . محمد دسوقي. مجلة كلية الدعوة الإسلامية ص 75.
[13] - نفسه.
[14] - للاطلاع على أمثلة لذلك انظر ـ ضوابط الرواية عند المحدثين ـ صديق نصر ـ ص282.
[15] - ترجمة د محمد عبد الهادي أبوريده .تحت عنوان(الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري )    لجنة التالف والترجمة بالقاهرة 1957.
[16] - انظر هاته النقول في: أضواء على مواقف المستشرقين ـ شوقي أبوخليل. ص5 – 6.
[17] -  صحيفة الأسبوع الثقافي لقاء مع محمد أسد ص8، 1967.
[18] -  ترجمه ( عادل زعيتر) عام 1945 عن  الفرنسية وطبع بطبعة ثالثة عربية 1979 وكانت الثانية سنة 1948 الأولى 1945 وكتب عنه شوقي أبو خليل دراسة في سلسلة في الميزان (عن غوستاف لوبون).
[19] - نفسه ص 10.
[20] - نفسه، ص10.
[21] - كتاب الأبطال- ترجمة محمد السباعي – دار لرائد العربي – بيروت ط4- 1982ص54. نقلا عن مقال : أثر اليهودية والصهيونية على الاستشراق- مقال لمحمد الزيادي بمجلة رسالة  الجهاد ص118.
[22] نفس المصدر السابق ص36.
[23]    - نفسه ص9.
[24] - أصول علم النفس – أحمد عزت راجح – دار المعارف – القاهرة. ص562.