البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هل كان ابن مسرّة القرطبي فيلسوفاً؟

الباحث :  بيلار غارّيدو كليمنتي
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  24
السنة :  شتاء 2021م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 9 / 2021
عدد زيارات البحث :  2284
تحميل  ( 515.087 KB )
مُجمل المقالة:
نعرض  بإيجاز، في مستهلّ هذا المقال، لأهمّ التواريخ المذكورة في المصادر عن حياة وأعمال ابن مسرة الجبلي (883 م-931 م)؛ بعد ذلك سندلي بدلونا بخصوص بعض جوانب الجدال الذي أُثير حول  الدراسة الرائدة لآسين بلاسيوس حول فكر صاحبنا القرطبي، سواء بعد الاكتشاف –مؤخرًا- لاثنين من أعماله أو قبل ذلك. بعدها سنتوقّف، عرْضًا وتقييمًا، على مختلف آراء المختصين في تحليل طبيعة الخطاب المسرّي، متسائلين، في الوقت نفسه، عمّا إذا كان يجب قراءة ذلك الخطاب كفلسفةٍ أو كخطابٍ صوفيٍّ ذي طابع عرفاني. وأخيرًا، سندرج ترجمة مصحوبة بالشروح لكلّ المقاطع من العملين المعروفين الآن لابن مسرة اللذين يتحدّث فيهما عن الفلسفة والفلاسفة.

الكلمات المفتاحية: ابن مسرة، التصوّف، الغنوص، الفكر الإسلامي.
المقالة مفصلة:
1- نبذة مختصرة عن حياة ابن مسرة
يرجع الفضل إلى ابن مسرة في نشأة أوّل حركة صوفيّة مشهورة بالأندلس في القرن الثالث للهجرة، والتي أرست في شبه الجزيرة الأيبيرية مرجعيّة ضامنة للاستمراريّة، وخطًّا سالكًا معترفًا به، والذي بفضله، نجد أنّ المتصوّفة الأندلسيين المتأخرين، أمثال ابن عربي المُرسي، الذي ارتقى بالتصوّف الأندلسي إلى أعلى المراقي، كما تشهد على ذلك مجموعة من أعماله[2]؛ وابن المرأة[3] أو الششتري من وادي آش[4]، يعتبرون ابن مسرة واحدًا من بين أكبر الشيوخ الذين كان لهم تأثير كبير عليهم.

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسرة بن نجيح القرطبي الجبلي، وُلد بقرطبة، التي كانت وقتئذ عاصمة الإمارة الأموية، عام 269 هجرية – 883 ميلادية من عائلة أصلها من الموالي (أعاجم تحت الحماية)[5]. توفي  في منزله القروي {معتكفه} بمغارات جبل قرطبة في 4 شوال من سنة 319 هجرية – (19 أكتوبر من سنة 913م).

ماذا نعرف، فضلاً عن هذا، عن حياة هذا المفكر وأعماله، الذي اعتبره ابن عربي رجلاً «من أخير أهل الطريقة» في العلم والحال والكشف[6]؟
بالرغم من أنّ الكثير من المصادر البيبليوغرافيّة تتضمن تواريخ وأخبار عن ابن مسرة[7]، نذكر منها بشكل خاص التاريخ {تقصد تاريخ علماء الأندلس} لابن الفرضي (ت.403-1012)، والمقتبس لابن حيّان (ت.469-1076)، وأخرى تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي مثل  التكملة لابن الأبّار (ت.1260)، فإنّنا، في الحقيقة، لا نعرف عن حياته وسيرته إلا النزر اليسير.

سافر أبوه عبد الله بن مسرة، العلّامة وأحد رواة الحديث المعروفين، إلى المشرق وإلى الديار المقدسة في مناسبتين، ممّا سمح له بالتعرف على الاتجاهات الفكرية في عهده. ويُعتقد أنه نسج في مدينة البصرة علاقات  مع الأوساط  المعتزلية. كما صارت تُنسب إليه، بعد عودته إلى الأندلس، المذاهب القدرية (خاصة مذهب حرية الإرادة). لقد كان، حسب الفرضي، صديقاً للمعتزلي القرطبي المعروف بخليل الغفلة[8].  وفي كل الأحوال، فإن نعت المعتزلي لا يجب، في سياق المذهب المالكي بالأندلس، أن يأخذ بحرفيته. 

تتلمذ محمد في البداية بقرطبة على والده، وبعد ذلك على محمد بن وضّاح (ت. 287ه-900م)[9] الذي يعتبر واحداً من أوائل أشهر القضاة على المذهب المالكي، وأحد الناقلين المعروفين للحديث وللممارسة الزهدية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، ويُرجح  أنه تعرف على متصوفة مشارقة أمثال ذو النون (ت.245ه-859م) وسري السقطي (ت.253ه-867م) وبشر الحافي (ت.227-841)[10] أو ربّما على البعض من تلامذتهم.

سمع أيضًا، على ما يذكر الفرضي، من الخُشنّي. ويُعتقد أنّ الخُنشي هذا هو راوي الحديث محمد بن عبد السلام الخُشنّي[11] الذي سافر معه والد ابن مسرة إلى المشرق؛ حيث سمعًا معًا من العديد من الشيوخ. إنّه من المحتمل جدًا أنّ ابن وضّاح كما ابن عبد السلام الخُشنّي – الذي أمضى بالمشرق فترة لا تقل عن خمسة وعشرين سنة [12] -، قد نقلا إلى ابن مسرة المذاهب الزهديّة والعرفانيّة والباطنيّة المشرقيّة.

توفي عبد الله، أب ابن مسرة، في مكة عام 286هـ ـ 899/ 900م. وقد كان مر ابنه محمد آنذاك سبعة عشر عامًا.
يذكر بعض كتّاب التراجم، بدون إضافاتٍ مهمّةٍ عن مساره الدراسي، أنّ ابن مسرة في السنوات الأخيرة من إمارة عبد الله  في حوالي (300 أو 301) هجرية الموافق ل (912-914) ميلاديّة، وقد كان في عمره، آنئذ، حوالي ثلاثون سنة، كان يعيش في مغارات جبال قرطبة مع أصحابه المقربين.

وبحسب معلومة وردت عند ابن الأبّار (ت. 638ه- 1260م) في التكملة، فإنّ تلامذته المعروفين كانوا أساسًا من مدينتيْ قرطبة وطليطلة[13]. يقول ابن الأبّار إنّ أغلبيّة هؤلاء كانوا زهّادًا ورعين[14] مستعملاً، للتعبير عن ذلك، مفاهيم: الورعُ والناسكُ أو الزاهد، وهي الكلمات الشائعة في السّيّر والتراجم للتعبير، عمومًا، عن أهل العرفان.

بعد رحلة أبيه، التي نجهل تاريخها بالضبط، قام ابن مسرة بدوره برحلةٍ إلى مكة مصحوبًا ببعض تلامذته من الأندلسيين من بينهم محمد ابن المديني ومحمد ابن وهب بن صقيل القرطبي[15].
تبعًا لمعلومة أوردها ابن عذاري[16]، نعرف أنّه توقّف مع مرافقيه بالقيروان؛ حيث حضر لدرس الفقيه المالكي أحمد بن نصر بن زياد، وقد تزامن ذلك مع وجود الفقيه القرطبي محمد بن حارث الخشني صاحب كتاب أخبار الفقهاء والمحدّثين، الذي خصّص حيّزًا مهمًّا لابن مسرة، والذي لم يكن يعرفه قبل حصول هذا اللقاء.

زار، بعد هذا اللقاء، مكة حيث تعرف على الصوفي أبو سعيد ابن العربي (ت. 341- 952)، تلميذ الجُنيد، ويُعتقد أنّه التقى أيضًا مع الأستاذ العارف أبو يعقوب النهرجوري (ت. 330- 941)[17]. من الراجح أيضًا أنّه نهل من تعاليم ذي النون المصري وسهل التستري مباشرة مع تلامذتهما؛ هذان الصوفيان المشهوران، المعروف عنهما معرفتهما بعلم الحروف الذي يذكره غير مرة في كتابه خوّاص الحروف مما يبيّن التأثير الحاسم لهذا العلم عليه.

وخلال مقامه بالمدينة، قام، على غرار باقي الحجاج، بالطواف على الأماكن التي عاش فيها النبي محمد. وحسب ما يذكره رفيقه في الرحلة ابن المديني، فإنّ ابن مسرة أبدى اهتمامًا خاصًا بمنزل ماريا  القبطيّة سرية النبي، وكيف أنّه قاس إحدى الحجرات بشبره ثم بنى له صومعة في معتكفه في قرطبة على مقاسها عندما عاد إلى منزله في قرطبة[18].
لا يُعرف شيء عن تاريخ عودته إلى الأندلس بعد الانتهاء من هذه الرحلة، لكن يحتمل أن يكون ذلك في بداية قيام إمارة عبد الرحمن الثالث.
يُعتقد، حسب التأويل التقليدي الجاري حول نسبته، أنّ انعزاله في مسكنه بالجبل، حيث التحق به تلامذته، بعيدًا عن حياة المدينة، هو السبب في حمله لكنية الجبلي. لكنّه يمكن أن نحتمل أيضًا أنّ صاحبنا قد وُلد في مكان تبدأ تسميته بكلمة جبل، ومن ثم يكون الاسم اسمًا عائليًا.

ذيوع تعليم ابن مسرة وانتشاره جلب شكوك الفقهاء الموالين للسلطة، والذين رموه بتهم الانحرافات المذهبية والعقائديّة. في مستهل السنوات الأخيرة من حكم الخليفة عبد الرحمن الثالث، تمّت، في مناسبات مختلفة، إدانة أتباع ابن مسرة[19] الذي مات، في وقت مبكر، في هدوء بمسكنه في سن الخمسين وثلاثة أشهر على ما يذكر الفرضي.

يبدو مبدئيًا، وبحسب ما هو مستفاد من المصادر، أنّ ابن مسرة، منذ عودته إلى الأندلس، لم يتعرّض لأيّ استفزازٍ أو اضطهادٍ، وإنّه كان بإمكانه ممارسة التعليم دون أن يضايقه أحد[20].

عن بلاغة ابن مسرة يقول ابن حيّان ما يلي: 
«وقد أُوتي من عذوبة الكلام ومتانة الحجاج والغوص على دقيق المعاني والافتنان في ضروب العلوم  [ما] يستلب به القلوب ولا يُعييه عنه صواب [...]؛ فبرسوخه في بسط العلم وتأنّيه في الاستدراج للخصم كان يستهوي العقول ويصيد الأفئدة [...]؛  فألف الكتب البارعة وبثّ الرسائل القارعة وصنّف المقالات الناكبة»[21].

خلف ابن مسرة سبعة مصنّفات بين كتاب ورسالة، حسب ما وصلتنا من أخبار موثوقة؛ ولكن يبدو أنّ ستة فقط؛ لأن واحدًا منها يحمل عنوانيْن، هي المنسوبة له:

1- كتاب خواص الحروف؛
2- رسالة الاعتبار. هذا هو عنوانه حسب المخطوط المحفوظ؛ ويبدو، من حيث المبدأ أن هذا المؤلّف هو نفس المؤلف الذي ذكره ابن الأبار بعنوان آخر هو كتاب التبصرة[22]؛
3- اختصار مدونة مالك؛
4- توحيد الموقنين؛
5- كتاب التبيين؛
6- كتاب الغريب المنتقى من كلام أهل التُّقى الذي هو، في الحقيقة، كتاب للصوفي ابن خميس الجبوري الاشبيلي (ت. 503ه\10 – 1109م) المعاصر للقاضي عيّاض، كما أشرح ذلك بتفصيل في الكتابات التي خصّصتها لهذا الموضوع[23].
من بين هذه المؤلفات الستة، مؤلفان فقط (1و2) صارا الآن معروفين، وهناك إجماع، إلى حدود الآن، على نسبتهما لابن مسرة. ومن بين المؤلفات المفقودة، التي أُشير إليها تباعًا: (3-5) لا نعرف إلا عناوينها، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإنّ المؤلف المذكور في آخر اللائحة (6) فقد نُسب خطأً لابن مسرة.

2- ابن مسرة قبل وبعد اكتشاف مصنّفيْه
يُعتبر العلّامة المستعرب ميغيل أسين بلاسيوس، الذي نال قصب السبق في إصدار كتاب رائد[24] حول ابن مسرة القرطبي (883م-931م)، أوّل باحث عرّف بشكلٍ معمّقٍ، اعتمادًا على دراسته للمصادر،    بالجزء الأكبر للأخبار حول صاحبنا والتي احتُفظ بها لحد الآن، من بينها، ضمن أخرى، المصادر التي يذكرها الأندلسيان: ابن حزم القرطبي (994م- 1063م) ولاحقًا ابن عربي المرسي (1165م- 1240م)، هذه الأخبار التي تبين أهميّة صاحبنا في تبلور الفكر الأندلسي وتاريخه.

رغم ذلك، فإنّ عمليّة «إعادة تركيب» الفكر المسرّي، اعتمادًا فقط على شواهد غير مباشرة وغير دقيقة،  التي كانت متوفّرة آنذلك، تجدنا أمام شواهد لا تتوافق، في العديد من الحالات، مع التصوّر الفكري لابن مسرة كما تكشف عن ذلك النصوص المحفوظة التي تم العثور عليها عام 1972م في مخطوط رقم 3168 في مكتبة تشستر بيتي بدبلن[25]، التي أتيحت لي فرصة التحقّق منها عندما كنت أشتغل على إعداد الطبعة المحقّقة، وعلى الترجمة الكاملة إلى اللغة القشتاليّة لمؤلفات ابن مسرة[26].

لقد سبق للمستشرق المشهور سترنْ أن انتقد، بنباهة، مونوغرافيا أسين بلاسيوس حول ابن مسرة في الموضوع المعروف الذي كتبه عنه، والذي نشر قبل اكتشاف النصين لابن مسرة[27] حيث يدحض، بمناسبة نشره لنص متين للعامري {أبو الحسن العامري (ت. 992م)، إحدى النظريات المركزية لعلامة سرقسطة هذا، علاقة فكر ابن مسرة مع المسمى بـ أنباذوقليس العربي المنحول.
بعد ظهور مصنفيْ صاحبنا  الشيخ القرطبي صار من اللازم التفكير في ابن مسرة من جديد في ضوء هذين النصين؛ لكن بهدف قراءتهما بعيدًا عن الأحكام المسبقة؛ إذ من المفيد جدًا في البداية تفكيك» البناء التركيبي» الذي أنجزه أسين بلاسيوس[28]، عبر إعادة النظر في كلّ واحدة من كلّ الأفكار التي وصلتنا من المصادر. في إطار هذه المهمّة، أريد المساهمة بهذه الصفحات من هذا المقال؛ لأنّ المعلومات المحصل عليها من المصادر حول ابن مسرة معلومات غير مباشرة، وجدّ مختصرة ومبسّطة للغاية، وتقدّم مذاهب  دقيقة خارج سياقاتها، بحيث يصعب تلخيص محتواها وإيضاحه، فإنّه لا يمكن اعتبار هذه المعلومات كمعلومات تعبر عن  التصور الفكري لابن مسرة بأمانة. وقد لوحظ على أنّها معلومات ترد، خاصة في ما له صلة بالأخبار التي ينقلها بعض الكتاب الذين يذكرون ابن مسرة بنيّة نقده، وإلحاق تشوّهات بمذهبه الصريح.

هل كان ابن مسرة إذن باطنيًا مجاوزًا للظاهر؟ هل كان معتزليًا؟ هل كان شيعيًا متخفيًا أو ربما اسماعيليًا؟ هل استوحى فكره من المسمى أنباذوقليس المنحول؟ هل كان عقلانيًا يضع العقل التأملي الحر في مرتبة النبوة أم يضعه فوقها؟ هل كان أفلوطينيًا فيضيًا؟ هل كان كافرًا يقول بوحدة الوجود؟ هل كان ثوريًا يؤطر أتباعه بنظريات اجتماعية وسياسية غريبة عبر تأويلات غامضة للقرآن؟

في هذا المقال سأحاول أن أعكس بعض جوانب النّقاش حول علاقة صاحبنا بالفلسفة والإجابة عن بعض من هذه الأسئلة. معتبرًا منذ البداية أنّ، على ما يبدو لي، جواب النصين المعروفين لـ ابن مسرة عن الأسئلة المطروحة، جوابٌ سلبيٌّ. إنّ ابن مسرة كما يتّضح من النصين اللذين أصبحا الآن معروفين، وسآتي على ذكرهما في ما سيأتي من الصفحات، لا تثبت، حسب حكمي الشخصي، أيّ شيءٍ من كلّ هذا الذي قيل.

لكن كيف يمكن إذن تفسير كون أن بعض مُجايليه ينسبون إليه مواقف متضاربة ضمن فضاء إسلام أندلسي سني؟. يمكن أن يكون السبب ببساطة هو أنّ تعليم ابن مسرة، كعالم بديل ومستقلّ عن السلطة المركزية وكمدرّسٍ لعددٍ كبيرٍ من الأتباع، شكّل مصدر إزعاج – بل  تهديدًا- للسلطة وللفقهاء المسؤولين عن المؤسّسات المركزيّة. يبدو من خلال انتقادات ابن حزم وآخرين أنّ تعاليم الجبلي، مثله مثل تعاليم متصوّفة آخرين على امتداد تاريخ الإسلام، كانت موضوعًا لحملة تشويه.
أعتقد، رغم ذلك، أنّ مجموع مصنّفات ابن مسرة تندرج تمامًا ضمن التقليد الواسع والمتنوّع للتصوّف السني المستوحى من الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى، فإنّ الخلفيّة الأفلاطونية المحدثة كخلفيّةٍ تأويليّةٍ  مشتركةٍ لا يعني الانتساب إلى مدرسة فلسفيّة محدّدة أو إلى نسقٍ معيّنٍ أو إلى نزعة مذهبية قائمة.
لهذا، بدا لي، في هذا المقال، في ما يتصل بعلاقة ابن مسرة بالفلسفة، أنه من الأهمية بمكان أن أترجم وأجمع هنا مقاطع من أعمال صاحبنا التي تتطرق للموضوع، بحيث يمكن للقارئ أن يقيّم بنفسه، في كل حالة حالة، عمّا إذا كانت وجهات نظر مختلف الدارسين منصفة لتفكيره كما نعرفه الآن بفضل نصّيْه، أم أن وجهات النظر هذه لا تتوافق مع تصوّره الفكري.

أوردُ بعض المقاطع كاملةً للحفاظ على المعنى بحسب ما يقتضيه السياق. لكن، رغم ذلك، فإنّه لتعميق القراءة والفهم لمقطع محدّد من المقاطع التي أذكرها هنا، سيكون من المهم، إضافةً إلى هذا، مراجعة الملاحظات في الترجمة الكاملة التي ستصدر لاحقًا.

3 - غنوص أم فلسفة؟
أقدّم أدناه بعض الرؤى المتخاصمة {ذات الصلة} لأبيّن أنّ العمل المسرّي أفرز قراءاتٍ واستنتاجاتٍ مختلفةً. يبدو جليًا أنّ المواقف والتصوّرات المتباينة، تتحدّد بشكلٍ أساسيٍّ، وفي آخر المطاف، بالاختلافات المفاهيميّة ذات الصّلة بالتعريف المعقّد لألفاظ مثل «التصوّف» و«الغنوص» و«الفلسفة» أو«الوحي»؛ هذا التعريف التي يمكن اعتباره، في آخر المطاف، من زوايا مختلفة، وبدرجات متفاوتة. وجهات النظر التي أعرض لها هنا تباعًا، نقلاً عن أصحابها، حتى وإنْ كانت تلائم، إلى حد ما، اختياراتي الشخصيّة، فإنّني يمكن أن أقول إنّها عمومًا مقبولة ومناسبة من حيث ما تقدّمه من فرضيات مختلفة.

بالنسبة لـ إميليو طورنيرو إنّ ابن مسرة فيلسوف أصيل، كان انشغاله الأساسي التوفيق بين القرآن والفلسفة. يذهب طورنيرو إلى أنّه لا وجود في العملين المعروفين الآن لابن مسرة لموضوعاتٍ صوفيّة على وجه التحديد. أستنتج من ذلك أن رؤيته التصوفيّة، مبدئيًا، لا تتضمّن ذلك البُعد التبصّري الذي يتميّز به متصوّفة مثل ابن عربي، والذي يتجلى أيضًا، على سبيل المثال، في كتابات التستري حول الحروف، السابقة لكتابات ابن مسرة [29].

يقدم الباحث طورنيرو نظريّة الطريقين المؤديين إلى الحقيقة نفسها، معتبرًا، خلافًا لباحثين آخرين، أنّ ابن مسرة يوثر الفلسفة، وذلك بقوله:
«ثمّة ميزتان أساسيتان تبرزان من قراءة هذين المؤلفين: أوّلهما أنّ ابن مسرة فيلسوف حقيقي، متأثّر إلى حدّ كبير بالأفلاطونيّة المحدثة، وإنّما كان انشغاله الأساس التوفيقُ بين القرآن والفلسفة.

 إنّ إصدار حكم بناءً على هذين المصنفين فقط لا يسمح لنا بالقول إنّ ابن مسرة متصوّف؛ لأنّهما لا يتضمنان إشارات إلى موضوعات صوفيّة على نحو مخصوص، ولا إلى أيّ موضوع من موضوعات الزهد. كما أنّ التطرق إلى المسائل المتّصلة بإشكاليّة المعتزلة معدودة؛ فوحدها مسألة التوحيد هي التي تعتبر نقطة التوافق مع الفلسفة. كما نجد إشارة مختصرة إلى القدر، وأخرى جدّ موجزة إلى أبدية[30] الثواب والعقاب الأخرويين. إنّ ابن مسرة يقدّم نفسه، قبل كلّ شيء، كفيلسوف عليم، عارف بنظام الأفلاطونيّة المحدثة وكفيلسوف باطنيّ يبحث عن المعنى الباطني للقرآن اعتمادًا على الأفلاطونيّة المحدثة.

كلّ مجهوده في الرسالتين منصبٌّ على بيان التوافق الموجود في هذا النّسق الأفلاطوني المحدث والقرآن، بين الفلسفة والوحي. الفلسفة في الأندلس كما في المشرق منذ الكندي، بدأت بهذا الانشغال المتمثّل في بيان أنّ هناك مصدرين، أو قل طريقين لنفس الحقيقة الواحدة. رغم أنّ ابن مسرة، على غرار كلّ الفلاسفة، يضع الفلسفة في المقام الأوّل وبعد ذلك يحاول إثبات أنّ الوحي يعبّر عن الحقيقة نفسها، فإنّ ابن مسرة يعبّر عن  ذلك، على وجه التحديد، بأقرب الكلمات وأوضحها، لتذهب إلى الجمهور وليس فقط إلى الفلاسفة، كما سيشرح ذلك ابن رشد لاحقًا. إنّ الغاية الوحيدة للمصنفين إذن هي هذا التوفيق؛ ففي رسالة الاعتبار تتم العملية، قبل كلّ شيء، ومن منطلق فلسفي، من الأسفل إلى الأعلى، وفي كتاب خواص الحروف تتم، بشكلٍ أساسيٍّ، ومن منطلق الوحي، من الأعلى نحو الأسفل.

هذا الانشغال بالتوفيق بين القرآن والفلسفة، كإحدى الانشغالات الأساسيّة لكلّ الفلاسفة، يجعل من ابن مسرة، بالفعل، فيلسوفًا حقيقيًا. لكن هذا يتعزّز {طبعًا} بالحضور النّظري الكبير في هذين المصنفين»[31].

من جهتها، تتحدّث كلود عدّاس، مسايرة للفكرة القائلة بالطريقين، تتحدّث عن وجود طريق الحكماء الذي من بين من يمثّله نجد أفلاطون، و›الطريق الصوفي للحكمة›، الذي من بين من يمثّله في الإسلام نجد ابن طفيل. بالنظر إلى أهميّة المقطع، سأورد التعليق المطول للكاتبة بخصوص رسالة الاعتبار والطريق الصوفي للحكمة كاملاً:

«يعمد ابن مسرة إلى التدليل على أنّ الاعتبار والوحي يؤدّيان عبر مسالك متغايرة إلى الحقائق اليقينيّة نفسها. فالاعتبار في نظر ابن مسرة إنّما يتمثّل في استعمال العقل لتبين إشارات الله والتسامي درجة فدرجة حتى إدراك التوحيد: «فالعالم كلّه، كما يقول، إنّما تشكل «خلائقه كلّها وآياته درجًا يتصعّد فيها المعتبرون إلى ما في العلا من آيات الله الكبرى» […].
هذه الإشارة الخاصّة إلى الأولياء ترفع كلّ التباس: فالعمليّة الفكريّة التي يدعونا إليها ابن مسرة تختلف نوعيًا عن نظر الفلاسفة. فهي عبارة عن جنس من التأمل يقود حسب رأيه إلى البصيرة - وهو مفهوم قرآني آخر [12:108] مستعمل بكثرة في القاموس الصوفي – الذي هو البصيرة ([ل] قد أطلعتهم الفكرة على البصيرة)، ومن ثمة، معرفة الله الواحد: «فإذا فكروا أبصروا، وإذا أبصروا وجدوا الحق واحدًا على ما حكت الرسل عليهم السلام». وبهذه الطريقة فإنّ الاعتبار يمكن من فكّ مغالق العالم؛ لأنّ «العالم كلّه كتاب حروفه كلامه»، ويؤيّد كلام الرسل؛ فبينما يتبع الاعتبار اتّجاهًا ينطلق من العالم المتجلي ليبلغ العالم العلوي، فإنّ النبوّة تصدر من الأعلى في اتّجاه الأسفل فيلتقي كلاهما عند الغاية ذاتها.

لا بدّ أنّ مثل هذه المقرّرات ما كانت لتحظى بقبول الفقهاء في مناخ ذلك العصر. ورغم ذلك، فقد انفصل ابن مسرة تمام الانفصال عن الفلاسفة الذين لم يكن الاعتبار لديهم يتبع نيّة مستقيمة «فأخطأوه، وفصلوا عنه، فتاهوا في الترهات التي لا نور فيها». وبالرغم من كلّ ذلك، نراه يؤكد في كتاب الحروف أنّ الفلاسفة وحكماء الأمم الضالة قد توصّلوا دون عون النبوّة إلى إدراك التوحيد. وممّا لا شكّ فيه أنّ ابن مسرة يفصل بين التفكير المجرّد عند الفلاسفة ويعتبره مؤديًا إلى التهلكة، والاعتبار عند الحكماء من أمثال أفلاطون ويعدّه موصلاً إلى معرفة الله. يتعلق الأمر بموقف، وهذا لا بدّ من الإلحاح عليه، يتطابق مع مواقف العديد من المتصوّفة ولا سيما موقف ابن عربي. غير أنّه حريّ بنا أن نلاحظ هنا أنّ هذا الإلحاح على أهميّة الاعتبار إنّما جسّد في الإسلام أحد أهم تجليات ما يمكن أن نسمّيه «الطريق الصوفي نحو الحكمة»، وهو الذي سيبلوره ابن طفيل فيما بعد في كتابه حي بن يقظان. إنّ ابن عربي (الذي رغم أنّه لا يشير أيّ إشارة مؤيّدة أو معادية له) يعترف بشرعيّة طريق الحكماء هذه. وهي طريق تستلزم ضربًا من التقشّف القبلي الصّارم قصد إزاحة «الحجب» المتأصّلة في الطبيعة البشريّة. لكنّه يعدّها منقوصة إن هي لم تكتمل بالاعتقاد في الإيمان والوحي»[32].

فيما بعد، وفي سياق حديثها عن كتاب الحروف بشكل خاص، فإنّ عدّاس نفسها تؤكّد الطابع الصوفي الجليّ لابن مسرة، وتتساءل عن تأثير كلّ من انبادوقليس المنحول والأفلاطونيّة المحدثة في أعماله قائلة:

«لا يقف هذا النّصّ عند بيان الكيفيّة التي بموجبها يرتبط ابن مسرة بتقاليد الصوفيّة فحسب، وهذا لا يعني بالنتيجة أنّه من المستحسن أن نقارب مذهبه وحركته ضمن هذا الإطار؛ بل يكشف أيضًا أنّه كان واحدًا من أبرز ممثلي هذا التقليد، ورائدًا للتصوّف الأندلسي الذي سيبلغ ذروته بعد قرنين ونصف من الزمان على يد ابن عربي. وأقلّ ما يمكن أن يقال في النهاية إنّ تأثير الإنباذوقليّة المنحولة والأفلاطونيّة المحدثة عمومًا في ابن مسرة لا يبدو جليًّا في هذين الكتابين، بل إنّه لمن البيّن أنّ تأثير سهل التستري كان أشدّ من ذينك التيّارين.

كيف نفسّر، والحالة هذه، الآراء المتضاربة حول الشيخ الجبلي ومذهبه الذي يدمجه البعض في الفلسفة ويلحقه البعض الآخر بالتصوّف؟ لا شكّ أنّ هذا الاختلاف في التلقّي إنّما يرجع إلى اختلاف مستويات التركيز على مضامين المصنفين؛ إنّ قراءةً سطحيّةً لكتاب الاعتبار؛ حيث المفاهيم الخاصّة بالتصوّف تحضر بدرجةٍ ضئيلةٍ، من شأنها أن تجعلنا نعتبر صاحبه فيلسوفًا أكثر منه صوفيًا. في حين أنّ قراءة ما دوّنه في أسرار الحروف حول الحروف  المنفردة تكشف لنا عن شيخ في التصوّف ومتبصّر عارف»[33].

بخصوص مسألة اعتبار ابن مسرة المؤسّس الرائد لحركةٍ فلسفيّةٍ أفلاطونيّةٍ محدثةٍ في الأندلس، سبق لسترن أن علّق على ذلك بالقول:
«لمعرفة الخلفيّة الفكريّة لابن مسرة، تجدنا نرجع إلى معلومات في سيرته الذاتيّة وإلى ارتباطاته المذهبيّة. وفي الحالتين، يتبيّن أنّه كان صوفيًا لا فيلسوفًا أفلاطونيًا محدثًا. لقد كانت بالأندلس ‹مدرسة› لابن مسرة ـ لكن أتباعه، أيضًا، كانوا متصوّفة وليسوا فلاسفة أفلاطونيين محدثين. من جهة أخرى، كان بإسبانيا  فلاسفة أفلاطونيين محدثين، مسلمين ويهود ـ  لكن لم تكن لهم علاقة بابن مسرة وبمدرسته»[34].

صحيح أنّ ابن مسرة يوظّف في خطابه الاصطلاحات المتداولة في الأفلاطونيّة المحدثة بميسمها الإسلامي، التي عُمّمت كمرجعٍ ثقافيٍّ في الإسلام، لكن هذا لا يسمح باعتباره فيلسوفًا أفلاطونيًا محدثًا بالمعنى الحصري للكلمة، طالما أنّ صاحبنا لا ينتسب لأيّ نزعةٍ مذهبيّةٍ محدّدةٍ، ويميّز خطابه عن أولئك الذين يسميهم فلاسفة، ولم يسبق له أن قدّم نفسه كواحد منهم. من جهة أخرى، وكما يقترح ذلك سترن، لا يوجد ما يثبت وجود اضطهاد التيّار الأفلاطوني المحدث الذي تبناه الفلاسفة الأندلسيون. يمكن الزعم ـ لم لا؟ ـ أنّه أدخل مفاهيم وأنماط تفكير مستوحاة من الأفلاطونيّة المحدثة إلى الأندلس، لكنّه لا يمكن عدّه الرائد لمدرسةٍ فلسفيّةٍ بالمعنى الحقيقي للكلمة، اللهم إذا كنا نفهم الفلسفة في معناها العام والواسع للفكر العقلاني؛ وفي الحالة هذه، فإنّ متصوّفة آخرين كابن العريف وابن عربي، كعارفيْن ومفكريْن عقلانييْن (رغم أنّهما ليسا عقلانيين بالمعنى الحصري والمخصوص للكلمة) يمكن اعتبارهما بدورهما كفيلسوفين. يبدو أنّه من الأجدر ذكر ابن مسرة، كما يفعل سترن، مقرونًا بكلمة ‹الصوفي› بمعناها الواسع  التي تشمل سواء الذين يشير إليهم ابن مسرة في أعماله أو الذين سيأتون بعده كابن عربي والششتري[35]، اللذان يستشهدان به كأحد الأسلاف.

من جهةٍ أخرى، فإنّه بخصوص الإحالات الفلسفيّة لابن مسرة في كتابه خواص الحروف وإلى أولويّة  النبوة، نجد أنّ رامون غريّيرو يميّز الفكر الغنوصي عن الفلسفة بحصر المعنى. وفي هذا يدلي هذا الدارس بالملاحظات التالية:

«يبدو أنّ ابن مسرة على درايةٍ ببعض المذاهب الفلسفيّة. لكنّه، يبتعد عنها وعمّا تنصّ عليه من تعاليم، عندما يعبر صراحة عن أولويّة النبوة المحمديّة […].
في هذا الكتاب {خواص الحروف} لا نجد إحالاتٍ واضحةً إلى مواقف فلسفيّة. ولا يتضمّن مذهبًا يمتّ بصلةٍ ما إلى الأفكار المُعبّر عنها من طرف الفلاسفة. نجد فقط بعض المبادئ الفلسفيّة وبعض الاصطلاحات المستعملة من طرف الفلاسفة، التي ليس من شأنها أن تجعل من صاحبنا فيلسوفًا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهو ما ينطبق كذلك على الصوفيين والعرفانيين الذين استخدموا المبادئ نفسها ذات الجذور الفلسفيّة، بحسب ما يقتضيه ذلك الترابط الموجود بين الفلسفة والغنوص[…].

إنّ هذه الإحالة المختصرة إلى مفاهيم فلسفيّة [يشير إلى النّصّ نفسه المذكور أسفله في الفقرة الثانية من كتاب خواص الحروف] لا تدلّ على أنّ ابن مسرة يقدّم لنا مذهبًا فلسفيًا حقيقيًا، بل مجرّد أفكار عامّة كانت رائجة في العالم الإسلامي في بداية القرن الثالث الهجري – التاسع الميلادي والتي لا نمنح أي وضعيّة خاصّة للشخص الذي يروّج لها. وهذا يبدو أكثر وضوحًا عندما ينتهي الخطاب الذي يعرضه إلى تبني فكرة أنّ الطبيعة هي حكمة الله في الأشياء التي يتجلّى فيها [...]. لا. هذا الكتاب لابن مسرة ليس كتابًا فلسفيًّا، بل يظهر أنّ محتواه أقرب إلى الغنوصيّة الإسلاميّة»[36].

في مقابل هذا التمييز يمكن القول، رغم ذلك، وكما يقترح ذلك أنطون باتشيكو في مقالاته، إنّ الفرق بين الغنوص والفلسفة ليس محدّدًا بما فيه الكفاية. هكذا نجد، على سبيل المثال، أنّ ابن سينا والسهروردي يمزجان الخطاب المفاهيمي المجرّد بالخطاب التمثيلي في رؤاهم الإشراقيّة كما بيّن ذلك هنري كوربان في أعمالٍ مختلفةٍ[37]. بالمعنى الحصري للكلمة، إنّ الفلسفة (فلسفة الفارابي، على سبيل التمثيل، باعتباره ممثلاً للفلسفة الأرسطيّة على الأغلب، رغم أنّها أيضًا فلسفةً أفلاطونيّةً محدثةً)  في الإسلام يمكن أن تعارض الفكر الخاص للغنوص الصوفي، الذي يتميّز بالتركيز على التلقين، وعلى الوحي النبوي كمرجعٍ أوّليٍّ وثابتٍ، وعلى التجربة المباشرة للأسرار وليس المتخيّلة فقط، وعلى القلب كعضوٍ رئيسيٍّ لمعرفةٍ مستوحاةٍ مما هو مفارق للعقل، أو الإدراك الروحي الذي يستدعي تغييرًا جذريًّا للوعي، من بين أمور أخرى. ورغم ذلك، وبمعنى أوسع، يمكن أن نفهم أنّ الفلسفة تشمل كلّ أشكال الفكر والمعرفة، بما في ذلك، طبعًا، الغنوص. بهذا المعنى المفتوح والتكاملي يمكن اعتبار ابن مسرة، مثل العديد من المتصوّفة الآخرين، فيلسوفًا.

بعد ذلك، يواصل رامون غريرو تفكيره حول هذا الموضوع، ويعلّق على الطابع الغنوصي لرسالة الاعتبار، في سياق نظريّة الطريقين بالقول:
«يؤكّد [ابن مسرة] كما في الكتاب السابق، على أنّه إلى جانب التأمّل العقلي نجد أنّ الوحي هو الموصل إلى الحقيقة. لذلك، كان يُعتقد أنّ ابن مسرة قد دشّن في الأندلس تقليد الطريقين لبلوغ الحقيقة؛ طريق الفلسفة وطريق الدين؛ هذه الحقيقة المؤسّسة على العقل الإنساني وعلى الوحي الإلهي، وهو ما يميّز مقاربة الفلاسفة للفلسفة والوحي. رغم ذلك، فإنّه يتبنّى، من خلال قراءةٍ متأنّيةٍ لهذا الكتاب، أنّ صاحبه بعيدٌ كلّ البُعد عن مرامي الفلاسفة؛ لأنّه كان فقط يحاول تفسير الفكرة القرآنيّة التي تدعو مرارًا الإنسان وتحثّه على اعتبار علامات الله التي وضعها في العالم اعتبارًا عقليًّا، حتى ليجد فيها ما خفي وليبلغ درجة الاعتراف بوجود مدبّرٍ متعالٍ للكون ولوحدته المطلقة»[38].

هكذا يفسّر رامون غريرو رأيه بالقول إنّ هذا الكتاب ليس من الفلسفة بالمعنى الحصري للكلمة مشيرًا إلى أنّه يمكن أن نجد سوابق لهذا التصوّر حول العقل في التقليد الغنوصي، من قبيل أعمال المحاسبي (ت. 857) أو الترمذي (ت. 898) التي تعكس حضور الفلسفة اليونانيّة، لكنّها لا تندرج ضمن التقليد الفلسفي[39].

بخصوص كتاب خواص الحروف على وجه الخصوص، يعبّر بيير لوري عن رأيه قائلاً:

«لا يُعتبر كتاب خواص الحروف قطعًا كمصنّفٍ في الفلسفة؛ إذ لا يستدلّ على محتواه  بتسلسل براهين عقلية، ولكن من خلال وسائط وحدوس قياسًا على النصوص القرآنية»[40].
من جهته، يقدّم خوسي أنطونيو أنطون في دراساته الهرمنوطيقيّة منظورًا تكامليًا يحلّ هذه الخصومة. في الهرمنوطيقا الوسيطية {نسبة إلى العصر الوسيط} على الخصوص لا نجد خصومة بين النبوّة والفلسفة، بين العقل والإيمان؛ بل إنّ الواحد منهما يُغني ويخصّب الآخر ويتكامل معه. وفي إطار تعليقه على مذهب الأسماء الإلهية عند ابن عربي، يشرح لنا أنطون، أنّه بالنسبة لهذه الأسماء،

«لا يوجد فقط تماهي بين الوجود والفكر، بل أيضًا بين الوجود والفكر والقول (كما سبق أن قال بذلك برمنيدس). لذلك، فإنّ كلّ فلسفةٍ أصيلةٍ هي فلسفةٌ نبويّةٌ؛ فلسفة القول التي تعلن وتعدّ وتؤسّس. الفلسفة النبويّة التي تتشكّل إذن كمقتربٍ تأويليٍّ؛ لأنّها هي نفسها نقل وتأويل كما أنّها هي نفسها تنتج أشكالاً تأويليّةً».

بعد ذلك، واستنادًا إلى التفسير الميتافيزيقي لاسم «أنا الرب» (في الصحاح 3، 14)، يقول ما يلي:

«من المؤكّد أنّ الكتاب وقراءته التأويليّة لا يعيقان الفكر الفلسفي، بل إنّهما، على العكس من ذلك، يشكّلان معًا مصدرًا للتفكير والتجربة الميتافيزقيتين. تُشتقّ من الصحاح 3، 14 هيرمينوطيقا ميتافيزيقية وتصوفيّة  في الوقت نفسه (بصدد الاسم دائمًا)»[41].

بالطبع، انطلاقًا من هذا المنظور التكاملي، يمكن اعتبار ابن مسرة فيلسوفًا وفيًا للشرع، ينتسب إلى التقليد التأويلي الخاص بالفلسفة النبويّة.

4 - ذكر الفلاسفة والفلسفة في مصنّفيْ ابن مسرة
شخصيًا أعتبر ابن مسرة عارفًا ومتصوّفًا سنيًّا إسلاميًّا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وذا استيحاءٍ شرعيٍّ،  وصوفيٍّ. وهو مرتبط من حيث تكوينه بالمدرسة الفقهيّة المالكية، مع حضور بُعدٍ أفلاطونيٍّ عامّ كان بمثابة ثقافة سائدة في عصره. مهما يكن من أمر، وبالنظر إلى أنّ وجهات النّظر التي ذكرتها متخاصمة  وتقترح علينا منظورات مختلفة، فإنّ الأسئلة المطروحة هنا تظلّ مفتوحة أمام كلّ التأويلات.

دعونا نرى الآن المقاطع التي يتعرّض فيها ابن مسرة للفلسفة تصريحًا أو تلميحًا، بالشكل الذي سيسمح للقارئ بأن يقارن بنفسه الآراء، التي جمعتها هنا، بكلمات ابن مسرة نفسه.

4. 1. مقاطع من كتاب خواص الحروف
في المقطع الأوّل بشأن هذا الموضوع يُبيّن أنّ فلاسفة الأمم الذين لم يكونوا على علمٍ بالنبوّة لحقوا علم التوحيد بفضل علم الأسماء، هذا العلم، كما هو معروف، علمٌ كليٌّ بسبب أصله الآدمي. ومع ذلك، فحتى في هذا الإطار الخاص بمعرفة وحدة الوجود، فإنّ النبوة أعلى من الفلسفة؛ لأنّها توضح ذلك «بأقرب بيان وأوضح برهان». لنر كيف يعبّر صاحبنا عن ذلك:

«ومن الألوهيّة مع الرحمن مع الرحيم تعلم أنّ العقل الكلّي مستغرقٌ في النّفس الكليّة، وأنّ النّفس الكليّة مستغرقةٌ في جثّة العالم،[42] على مذهب الفلاسفة وقدماء الأمم الضالة[43]، أهل الفترات الذين لحقوا علم التوحيد من غير نبوة. إلّا أنّ علمهم في ذلك موافق للأسماء، غير أنّ النبوّة شرحت ذلك بأقرب بيان وأوضح برهان[44].
يُبيّن هذا المقطع الثاني تطابق الصفات الأربع مع مراتب الوجود التي تحدّث عنها صاحبنا انطلاقًا من مرجعيتها القرآنية والمفاهيم المستعملة من طرف الفلاسفة وهم يتكلمون عن الصفات نفسها. كما يمكن ملاحظة ذلك، فإنّ ابن مسرة لا يقرن اسمه، في أيّ لحظة من اللحظات، بالفلاسفة الذين يشكّلون الغير بالنسبة إليه. هذا المقطع المطوّل، الذي ارتأيت الاحتفاظ به كاملاً لكونه يحتوي على إشارات عدّة متتالية إلى الفلاسفة، يقول فيه:

«وقد عبرت الفلسفة[45] عن هذه الصفات بغير هذا اللفظ فقالت: إنّ الموجودات[46] أربع مراتب: ذات الله تعالى وتقدّست أسماؤه، وهو المباين للأشياء[47]. ثم العقل الكلي الذي سموه المثال المجرّد من الهيولى[48]، وهو الجامع للفضائل الإلهيّة[49]، ثم النفس الكبرى، وهي المستغرقة من الهيولى، أعني الجسم، وهي الحاملة لجثة العالم[50]. وبهذه النفس المستغرقة من المُلك، وتسخرت الأفلاك[51]، وحمى الكل، وهي جامعة عندهم لصفات الملك والسياسة[52].

ودونها في المرتبة الطبيعية، وهي مستغرقة في الجسم الجُرمي، صانعة له[53]، ومن قبلها هو التصوير، وجميع الصناعات[54].

ونجد اعتبار هذه الصفات الثلاث من الإنسان؛ لأنّه إذا أراد فعل شيءٍ دبّره وأحكمه بالروح الإلهي الموضوع فيه[55]، حتى تقوم صورة ذلك الشيء مثالاً باديًا للعقل في غير جسم. ثم إنّ ذلك المثال يحرّك النفس الحيوانيّة المالكة لأعضاء الجسم الحاملة له، فتحرّكه على ترتيب ما في المثال المجرّد نحو الشيء المصنوع. فإذا صنعت الجوارح شيئًا فإنّما هو تحريك النّفس لها، وأخذت البيان بالتصوير من أجل أن القوّة الصانعة فيهما، ولهذا مثّلوا فعل الباري تعالى: أنّه إذا أراد فعل شيء أبرز مثاله في اللوح المحفوظ، فكان ذلك داعيًا إلى الأمر بتنفيذ ذلك الشيء، فيحرّك الأمر القوّة المحرّكة، وهي النّفس الحيوانيّة، فتحرّك النّفس الحيوانيّة الطبيعيّة، فتجمع الطبيعة الهيولى بتحريكها واعتدالها وتهيئه لقبول المثال وتصنعه[56].

وقالوا إنّ الطبيعة حكمة الله للأشياء المصورة لها. وإنّما قال تعالى: «المص. كتاب أنزل إليك»[57] يعني القرآن[58] وفهمه؛ لأنّ القرآن ليس شيئًا غير هذه الأربعة وتفسيرها[59]، لأنّه فسّر فيه خلق السماوات والأرض، وتصوير[60] هذا وإحكام صنعتها وترتيب الخلائق»[61].

4. 2. مقاطع من رسالة الاعتبار
ثمّة مقطع واحد فقط يشير فيه ابن مسرة صراحة إلى الفلاسفة، وهي إشارة تحمل نبرةً نقديّةً ملحوظةً. فعلى الرغم من أنّ هؤلاء نهجوا منهج التأويل والاستنباط بطريقةٍ مشابهةٍ للعارفين المستوحين للنبوة، إلّا أنّ نيّتهم لم تكن مستقيمة – وغني عن البيان أنّ هذا ناتج عن كونهم لم يكونوا موجهين من طرف الوحي-، بحيث إنّهم لم يفهموا ‹الرحلة التأويلية› للاعتبار على الوجه الصحيح، فانفصلوا عنها وتاهوا في الترهات فأخطأوه وانحرفوا عن المسار الصحيح. وحده أثر الوحي استطاع أن يثير حدس الفلاسفة حول أصل الوجود. وهذا ما عبّر عنه صاحبنا بالقول:

«فهذا مثال من استدلال الاعتبار، وهو الذي دار عليه وابتغاء المتصنّعون المسلمون بالفلاسفة بغير نيّة[62] مستقيمة فأخطأوه، وفصلوا عنه، فتاهوا في الترهات التي لا نور فيها؛ وإنّما رأوا أصل[63] ذلك شيئًا سمعوه، أوجدوا رسمه إثارة من نبوّة إبراهيم في اعتبار خلائق الملكوت للدلالة على باريه. فأرادوا تلك السبيل بغير نيّة فأخطأوه[64]. وجاءت الأنبياء صلوات الله عليهم  فقالوا...»[65].

ما يعقب هذا المقطع عبارة عن عرض لمختلف جوانب العقيدة الإيمانيّة لابن مسرة والتي، في رأيي، تتوافق تمام التوافق مع العقيدة الإيمانيّة السنيّة على وجه العموم.
يُستفاد من المقطع المقتبس المذكور أنّ الفرق الأساسي بين الفلاسفة وأهل العرفان يكمن في أنّ الفلاسفة محرومون من ‹النية المستقيمة›؛ لأنّهم يفتقرون إلى الأساس الشرعي. إنّ ‹المركب الشرعي› يحدّد تجربة خاصّة للرمز بما هو طريق تفكُّريّ لا بديل عنه.

بخصوص هذه المسألة، وفي إطار المقارنة بين بعض التشابهات الظاهراتيّة بين أعمال أفلوطين والكتابات الغنوصيّة – في ما يتصل، بشكل خاص، بنزول نفس العالم وتفسير سيرورة التعقل -، يعلق أنطون باشيكو (وهذا ما أريد الإشارة إليه هنا) أنّه، بإزاء هذه التشابهات، فإنّ الاختلاف الرئيسي بين المقتربين، «يكمن في ذلك المكوّن الشرعي لكلّ من النزعات التيولوجية والفلسفية المتطرّفة، والميمات الغنوصية […]».
إنّ أفلوطين لا يهتمّ بالأسطورة في حدّ ذاتها. إنّ الأسطورة، عندما تتّخذ صيغةً مجازيّةً، تصبح وسيلةً لتفسير الواقع الأنطولوجي، الذي هو، في آخر المطاف، المرجع الموضوعي المطلوب تأويله. {في هذا السياق} يلاحظ أنطون أنّ «هذا لا ينطبق على الغنوصيين الذين يعتبرون رموز السرديات التوراتيّة  كطريقة تعبير عن الأحداث؛ أحداث البليروما (Pleroma) {الملأ الأعلى} (أي الامتلاء الأنطولوجي والروحي الذي يوازي البرودس (Prَodos) الأفلوطيني [أو العالم المعقول])، يكشفون عنها {الرموز}، لكنّها ليست، بالنسبة إليهم، إلّا مجرّد أدواتٍ أدبيّةٍ تهدف إلى عرضٍ بيانيٍّ تشخيصيٍّ لتلك الأحداث». يوضّح أنطون أنّه هنا يكمن «الفرق الجذري بين الذي يدرج مفهوم الشرع، وهو ما يتميّز به الغنوصيون، في مقابل شخص (مثل أفلوطين) الذي لا قبل له بهذا المفهوم[66].

أفهم، بناءً على ذلك، أنّه بهذا المعنى، يمكن قول الشيء نفسه عن مفكرين آخرين، وعن تيارات شرعيّة حقيقية في الإسلام؛ مفكرون مثل ابن مسرة، الذين يفسّرون الكلمة وقد تجلّت على أنّها رمزٌ حيٌّ، معتبرين أنّ الكتاب يعني ويكشف جميع حقائق العالم المعقول. من خلال هذه المقولة، يمكن تمييز الفكر الشرعي، مثل صوفيّة ابن مسرة أو ابن عربي، حيث الأطاريح الكلاميّة والباطنيّة لا يمكن استبدالها بأخرى فلسفيّة، عن فلسفة مُباينة للشرع، مثل فلسفة أفلوطين؛ حيث لا يمكن أن تحلّ الأطاريح الفلسفيّة  محلّ الاستعارات، التي يتمّ اختزالها إلى عناصر أسطوريّة (ميتيمات).

في هذين النمطين من التفكير، نجد أنّ الأولويات متعاكسةٌ: في الفلسفة المُباينة للشرع، تساعد الأساطير والاستعارات في شرح الحقائق الميتافيزيقيّة التي تُعدّ بمثابة مرجعيتها الموضوعيّة؛ بينما في الفكر الشرعي التأويلي، تساعد الفلسفة على فهم الوحي، والتي تشكّل أساسه الذي يسبقه ويسمو عليه.

----------------------------------------
[1]*. ترجمة: الحسن أسويق.
ـ مصدر المقالة المترجمة:
 Era Ibn Masarra de Cَrdoba un filَsofo?, Anaquel de Estudios ءr abes Vol. 21 (2010)
[2]- انظر بشكل خاص رسالته المعنونة: روح القدس التي ترجمها ميغيل أسين بلاسيوس إلى الاسبانية  تحت عنوان: رسالة القدس: حيوات الأولياء الأندلسيين، مدريد، هيبرون، 1981، (ط.1 1935)، وقد تُرجمت في وقت لاحق إلى الانجليزية من طرف.ر. و. أوستن تحت عنوان: متصوفة الأندلس، لندن، جورج آلن وأنواين، 1971.
[3]- هو أبو إسحاق ابن المرأة شيخ ابن سبعين وصاحب شرح كتاب الإرشاد للجويني، انظر في هذا الصدد: لويس ماسينيون، مجموع نصوص غير منشورة، باريس، 1929، ص. 70 {بالفرنسية}؛ ور. رامون غرّيرو، «ابن مسرة» نشرة خ. ليرولا ديلغادو وخ. م. بويرتا فيلشث، مكتبة الأندلس: من ابن اللّبانة إلى ابن الريّولي  {موسوعة الثقافة الأندلسية، ج 1} 4، (ألمرية: مؤسسة ابن طفيل للدراسات العربية، 2006)، العدد 788، ص. 150؛ وكلود عدّاس، «التصوف الأندلسي وبروز ابن عربي» {بالانجليزية}، ضمن، الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، منشورات سلمى الخضراء الجيوسي، لايدن: بريل، 1993، الجزء الثاني، ص. 916، الهامش 35. {ترجم المقال إلى العربية:محمد لطفي اليوسفي}.
[4]- انظر على سبيل المثال، الششتري، الرسالة الششترية (طبعة العدلوني)، دار الثقافة، الدار البيضاء، 2004، ص.21.
[5]-  انظر ابن الفرضي، تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، طبعة ف. كوديرا، مدريد، 1892، B.H.A  العدد.650، كما ينظر أسين بلاسيوس ميغيل، ابن مسرة ومدرسته. أصول الفلسفة الاسبانية المسلمة، مدريد، المطبعة: الإيبيرية- E. مايستر، 1914، ص. 39-41 (طبع في الأعمال المختارة، مدريد: CSIC، 1946، المجلد الأول).
[6]- انظر ابن عربي، الفتوحات المكية، (طبعة بيروت: دار الكتب العالمية)، المجلد الأول، الفقرة 13، ص.226.
[7]- أهم المصادر: الضبي، البغية، {تقصد:  بغية الملتمس في رجال أهل الأندلس}، رقم 163 (و الرقم 396)؛ الحميدي، جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، طبعة محمد زاهد الكوثري، القاهرة، 1901، 58-9 (الرقم 83)؛ ابن الأبّار، تكملة الصلة، منشورات كوديرا، الرقم 113، 186، 326، 339، و347؛ نفس المصدر، منشورات ألفرد بلْ ومحمد بن شنب، الجزائر، 1920، الرقم 8، 17، 529، 530، و562؛ ابن الفرضي، تاريخ علماء الأندلس، الرقم 650،و 1201؛ ابن فرحون، الديباج (طبعة القاهرة)، ص. 47؛ ابن حارث الخُشني، أخبار الفقهاء والمحدثين، الرقم 209؛ ابن حيّان، المقتبس، الجزء الخامس،  19-21\ 35-8 (يذكر صيغتين من سيرة ابن الفرضي)؛ ابن خاقان، مطمح، {تقصد: مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس، طبعة القسطنطينية، 1302 هجرية،  ص.58؛ المقري، نفح الطيب، طبعة إحسان عباس، بيروت، 1968، II، ص.354؛ صاعد الطليطلي، طبقات الأمم، طبعة لويس شيخو، بيروت، 1912، ص. 21 (معلومة استقاها من ابن القفطي، تاريخ الحكماء، 16)؛ شمس الدين القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى، بيروت، الطبعة الثانية، ص.341، إلى جانب هذه المعلومات، يجب إضافة تلك الواردة عند ابن حزم في الفصل في الملل، القاهرة، 1903، الجزء الثاني، ص.ص. 128-129، والجزء الرابع، ص.ص. 198-200،  والجزء السادس، ص.80، وتلك الواردة في الفتوحات المكية (انظر الفهرس، المجلد التاسع، طبعة  بيروت، في صفحات مختلفة)، وكذلك مؤلفات أخرى لابن عربي. إن الأخبار التي أوردها الضبي، وابن خاقان والمقّري تعيد، إلى حد ما، نفس التعابير التي ذكرها الحُميدي، وهي تعكس صدى التيار المعاكس الذي قدم ابن مسرة كمبتدع، يُنظر في هذا الصدد ليفي بروفنسال،   «عن الزاهد الفيلسوف ابن مسرة القرطبي»، ضمن:
Donvm Natalicivm H. S. Nyberg Oblatvm, Orientalia Suecana, XXVIII, Uppsala, Dic. 1954، ص. 78. كمعلومات جزئية مهمة يشير الحميدي  في أخباره إلى أن كتابات ابن مسرة تتضمن «إشارات صوفية»، ويذكر، إلى جانب أشياء أخرى، أربعة أبيات شعرية  كتبها لأبي بكر اللؤلؤي يدعوه لزيارته في يوم مطر.
[8]- بخصوص هذه الشخصية وعلاقته بابن مسرة، انظر ماريا فييرّو، الزندقة في الأندلس خلال العصر الأموي، مدريد: IHAC ، 1987، انظر بشكل خاص، ص.ص. 91-93 و112.
[9]- عن صاحبنا هذا انظر فييرو، الزندقة، ص.ص. 41-44، 80-85، 90-94، 100-103، 113، 120، 127 و130؛ انظر كذلك: أ.كرمونا، «إدخال التعليم المالكي إلى الأندلس» {بالانجليزية}، ضمن: المدرسة الفقهية الإسلامية: النماء، الانتشار، والتقدم (طبعة ب. بيرمان، ر.بيترز وف. فوجل)، ص.ص. 50 و56.
[10]- عن هذه الأعلام المشهورة، انظر، على سبيل المثال، المداخل الخاصة بالموضوع  في أنسكلوبيديا الإسلام: الطبعة الأولى (EII )، ليدن،1913_1934، 4 مجلدات، وملحق، الطبعة الثانية، )12 E) ليدن، 1960-83، 5 مجلدات، (ضمن صفحات متفرقة).
[11]- انظر بخصوصه:  فييرّو، مرجع سابق، ص.ص. 8&، 88-91، 112-113، 120، 127 و138.
[12]- انظر في هذا الصدد مقال: عدّاس، «التصوف الأندلسي»، ص. 914.
[13]- استند في ذلك إلى الكتاب المفقود أخبار ابن مسرة وأصحابه. وعلى ما يذكر أ. ليفي بروفنسال، فإن هذه المعلومة غير مذكورة في أي مصدر آخر. انظر، ليفي بروفنسال، «عن الزاهد الفيلسوف ابن مسرة القرطبي» {بالفرنسية} ضمن، Donvm Natalicivm H. S. Nyberg Oblatvm, Orientalia Suecana, XXVIII Dic., Uppsala, 1954, p. 81. يشكل هذا المقال مساهمة مبكرة وأساسية في إطار الدراسة النقدية لبيوغرافيا ابن مسرة والمصادر التي تتحدث عنه. يقوم بروفنسال، وفي مساهمات أخرى أيضاً، بتحليل ست بيوغرافيات، يحلل المؤلف ست تراجم إضافية لتلاميذ ابن مسرة الواردة في التكملة والتي لم يتمكن أسين من الوصول إليها أثناء انجازه  لبحثه لأنه لم يتم تضمينها في الطبعة عندئذٍ وتم نشرها فقط، كملحق لعمله لاحقًا في نشرة بل وبن شنب، انظر كذلك مقال عدّاس «التصوف الأندلسي...»، ص.915 والهامش 22. بخصوص النظرة التي كانت لابن حزم عن ابن مسرة، وإدراج المسريين في أخبار ابن الفرضي، يلاحظ ليفي بروفنسال ما يلي: على غرار ابن حزم، الذي  لا يتردد لاحقاً في كتابه المعروف رسالة في فضل الأندلس في ذكر ابن مسرة ضمن قائمة أعظم المشاهير في بلده، رغم أنه يتحفظ موضحاً أنه ‹لا يتفق مع نسق أفكاره ‹[يشير في الهامش إلى المقري]، وأن ابن الفرضي لم يحذف عمداً من لوائحه أولئك الذين تعرضوا لسوء المعاملة من طرف فقهاء قرطبة في القرن العاشر الميلادي»، مرجع سابق، ص. 76. الترجمة  من عندنا ما لم ترد إشارة تفيد عكس ذلك.
[14]- كما تشير إلى ذلك عدّاس، من المهم أن نسجل أنه في  تاريخ ابن الفرضي  نجد أن هذه الإشارة لا تظهر في البيبليوغرافيات الخاصة بالجيل الثاني من المريدين {والأصحاب}. انظر، عدّاس، مرجع سابق، ص. 915.
[15]- عن سيّرهم، انظر ليفي بروفنسال، مرجع سابق، ص.ص. 79 و81.
[16]-  ابن عذاري، البيان،ج. الأول، 194 – 95، انظر كذلك: أسين، ابن مسرة، ص. 45؛ ليفي بروفنسال، مرجع سابق، ص. 81، الهامشين 2 و3.
[17]-  عن هؤلاء المتصوفة المشهورين، انظر، على سبيل المثال، المداخل الخاصة بهم في أنسكلوبيديا الإسلام، (في صفحات متفرقة)، إلى جانب الإحالات المرجعية إلى ابن العربي خاصة، في الهامش 36 بعده.
[18]-  للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة مقال  ليفي بروفنسال، «عن الزاهد......»، ص.ص.ص 79-80. تدرس فييرّو هذه المعلومة كدليل على اتباع أثر النبي، والزيارة المتتالية للآثار المرتبطة بحياة النبي، انظر، فييروّ، «مناهضة ابن مسرة»، مجلة القنطرة، العدد العاشر، 1989، ص.ص. 273-75.
[19]-  حول هذه المواضيع، التي تمت أُستفيظ في دراستها، انظر: ليفي بروفنسال، مرجع سابق، ص.ص. 81-83؛ فييرّو، الزندقة، خاصة الصفحات من 110 إلى 118 (حول ابن مسرة) و132-140 (حول اضطهاد المسريين)، وكذلك الملاحظة الواردة في مقالها «مناهضة ابن مسرة»، القنطرة، العدد العاشر، 1989، ص.ص. 273-75؛ وكروث هرناندث، «ملاحقة واضطهاد المسريين تحت حكم عبد الرحمن الناصر لدين الله حسب ابن حيّان»، القنطرة مدريد، 2 (1981)، ص.ص. 51-67، و3 (1982)، ص.ص. 483-484..
[20]- انظر، على سبيل المثال: ليفي بروفنسال، ص. 81؛ فييرّو، الزندقة، ص. 118؛ وعدّاس، مرجع سابق، ص. 914.
[21]- انظر م.خ. فغيرا وف. كورينطي، ولاية الخليفة  عبد الرحمن الثالث الناصر ما بين سنوات 912 و942 [ابن حيان، المقتبس ج. الخامس]، سرقسطة، 1982؛ المقتبس، مدريد، 1979، ج الخامس، 21\37 و11-12\ 26-7)، يظهر النص أيضاً مقتبساً ومصحوباً بتعليقات، في:  فييرّو، الزندقة، ص.ص. 114-115.
[22]-  ابن الأبار، التكملة، طبعة، كوديرا، الرقم 113. نقرأ في ترجمة أسّين: «عندما ألف ابن مسرة كتاب التبصرة، ولأنه لم يسمح بنشر أي نسخة من أي كتاب من كتبه حتى يصححه على امتداد سنة كاملة...»، انظر مقال: ابن مسرة، ص. 49، الهامش 1. هذه الملاحظة تنهض كدليل على حرص المؤلف على تصحيح كتاباته. عن رسالة الاعتبار، انظر، ب. كاريدو، «طبعة نقدية لرسالة الاعتبار لابن مسرة القرطبي»، دراسات عربية وعبرية. أمشاج. القسم العربي الإسلامي، جامعة غرناطة، الرقم.56 (2007)، ص.ص. 81-104.
[23]- 22 انظر: بيلار غاريدو، «ابن مسرة»، ضمن خ. ليرولا دلغادو وخ.م. بويرتا فيلشث (طبعة)، مكتبة الأندلس: من ابن  لبانة إلى ابن الرجولي [انسكلوبيديا الثقافة الأندلسية، ج.1]، 4، (ألميريا، مؤسسة ابن طفيل للدراسات العربية، 2006)، الرقم 788، ص.ص. 150-154؛ ب.غاريدو، «حول كتاب الغريب المُنتقى من كلام أهل التُّقى لابن خميس اليابري، المنسوب لابن مسرة»، القنطرة، مدريد، الرقم 2 (2009)، ص.ص. 467- 490.
[24]- م. أسين بلاسيوس، ابن مسرة ومدرسته: أصول الفلسفة الاسبانية المسلمة، مدريد، 1914؛ وقد أعيد طبعه مع إدخال تعديلات ضمن الأعمال المختارة، الجزء الأول، مدريد، 1946، ص.ص. 1-216.
[25]-  انظر: محمد كمال جعفر، «من مؤلفات ابن مسرة المفقودة»، مجلة كلية التربية، طرابلس، 3-4، (1972- 1974)، ص.ص. 27- 63. يتعلق الأمر بالعملين المعنونين كتاب خواص الحروف ورسالة الاعتبار. الدراسة التي خصّ بها جعفر  هذين المؤلفين في هذا المقال تم تضمينها بالكامل لا حقاً في الدراسة التي سبقت نشرة 1978. انظر ابن مسرة، كتاب خواص الحروف وحقائقها وأصولها، ضمن محمد كامل جعفر، من قضايا الفكر الإسلامي: دراسة ونصوص، القاهرة: مكتبة دار العلوم، 197_، ص.ص.310-344 وابن مسرة، رسالة الاعتبار، في نفس المرجع، ص.ص. 345-360..
[26]-  انظر: بيلار غاريدو، «طبعة نقدية لكتاب خواص الحروف لابن مسرة»، الأندلس مغارب، 14 (2007)، ص.ص. 51-89؛ «طبعة نقدية لرسالة الاعتبار لابن مسرة القرطبي»، أمشاج للدراسات العربية والعبرية (القسم العرب الإسلامي)، 56 (2007)، ص.ص. 18- 104؛ «ترجمة محققة لرسالة الاعتبار لابن مسرة القرطبي»، الدراسات الإنسانية – الفيلولوجيا، جامعة ليون، 30 (2008)، ص.ص. 139- 163، وكذلك ابن مسرة، الأعمال الكاملة المعروفة (دراسة وطبع وترجمة ل: بيلار غاريدو)، قيد الانجاز.
[27]-  انظر: س. سترن، «ابن مسرة، من أتباع أنباذوقليس المنحول – مجرد وهم» {بالانجليزية} ضمن أعمال المؤتمر الرابع للدراسات العربية والإسلامية (كوامبرا – لشبونة، 1968)، لايدن: بريل، 1971، ص.ص. 325- 337
[28]- طوميرو عنون فقرة من مقاله حول الأعمال التي تم العثور عليها «حول إعادة تشكيل الفكر المسري المنجز من طرف أسين بلاسيوس». في هذه الفقرة يعالج بدقة المذاهب التي ينسبها ابن حزم وابن عربي لابن مسرة، انظر، طوميرو، «إيضاح بصدد نشر عملين جديدين كانا مفقودين لابن مسرة»، القنطرة، 14 (1993)، ص.ص. 6à6 62.
[29]- انظر، بيلار غاريدو، «دراسة وطبع رسالة الحروف للصوفي سهل التستري»، مجلة Anaquel للدراسات العربية، 19 (2008)، ص.ص. 67 - 69.
[30]-  شخصيًا لم أعثر على أيّ إحالة إلى الثواب والعقاب على التأبيد في أعمال ابن مسرة.
[31]- طورنيرو، «ملاحظات حول نشر مؤلفات مخطوطة لابن مسرة»، ص.ص. 49- 50.
[32]-  انظر: عدّاس: «التصوّف الأندلسي وبروز اسم ابن عربي»، ضمن إرث اسبانيا المسلمة، طبعة، س. خدرة جيوسي، لايدن: بريل، 1993، الجزء الثاني، ص.ص. 916- 917. {لم يرجع المترجم إلى النص الأصلي، فجاءت ترجمته كالتالي: «فالعالم كله، كما يقول، إنما تشكل» مخلوقاته وإشاراته سلّماً عليه يرتقي الذين دأبوا على درب الاعتبار لبلوغ درى إشارات الله» […].} (ص. 1270). {النص بالانجليزية في الأصل}.
[33]- عدّاس، التصوّف الأندلسي وبروز اسم ابن عربي، م.س، ص. 918، (انظر كذلك: الصفحات 912- 13 و917). {النص بالانجليزية في الأصل}.
[34]- انظر: س. سترن: «ابن مسرة، تلميذ أنبدوقليس المنتحل - مجرد وهم» ضمن أعمال المؤتمر الرابع لمؤتمر الدراسات العربية والإسلامية (كوامبرا – لشبونة، 1968)، لايدن: بريل، 1971، ص. 327). {النص بالانجليزية في الأصل}.
[35]-  انظر: الششتري: الرسالة الششترية، تقديم ودراسة تحقيق وتعليق: العدلوني،لا ط، الدار البضاء، دار الثقافة، 2004، ص21.
[36]- انظر: ر. رامون غرّيرو: «ابن مسرة، الغنوصي والصوفي الأندلسي»، ص.ص. 234- 235، وكذلك «ابن مسرة»  [BA 4, n؛ 788],، ص.3. انظر أيضاً حول مفهومي العقل والمعرفة مقاله: العقل في التقليد الغنوصي الإسلامي، خاصة ص.ص. 500-506.
[37]- انظر بهذا الصدد: كريستيان جامبي: منطق المشرقيين، هنري كوربان وعلم الأشكال، (ترجمة أومبيرتو مارتنيث)، المكسيك؛ انظر كذلك: خ. أ. باشيكو، FCE, 1989؛ وأيضًا: خ. أنطون باتشيكو: التمثل والمفهوم لدى سويدنبرغ، في مجلة Epiméleia، العدد 19-20، بوينوس آيرس، 204، ص. 187-96 (حيث نجد إحالات إلى ابن سينا والسهروردي فيما يتصل بهذه القضية). من جهة أخرى، من المفيد التذكير بأن لابن سينا مؤلف ذو نفحة أفلاطونية محدثة قوية، انظر: أ. فاجدا.
[38]- انظر، ر. رامون غرّيرو، «ابن مسرة، الغنوصي والصوفي الأندلسي»، ص.ص. 235- 236.
[39]- نفس المرجع، ص. 236
[40]-  بيير لوري، «ابن مسرة»، ضمن المعجم النقدي للباطنية، طبعة ج. سيرفيي، باريس:PUF، 1998، ص. 633.
[41]- أنطون باشيو: شهود اللحظة. مقالات في الهرمينوطيقا المقارنة، مدريد: المكتبة الجديدة، 2003، ص. 106.
[42]- حرفيًا ‹جسد الكوسموس›. هذه الفقرة تستنسخ مفاهيم الأفلاطونية المحدثة. انظر: أفلوطين، السباعيات (مقدمات، وترجمات، وتعليقات، خيسوس إيغال)، مدريد: غريدوس، 1982؛ أثولوجيا أرسطو، (ترجمة عن العربية، تقديم وتعليق، لوسيانو روبيو، O.S.A.)، مدريد: Paulinas-Universidad Pontificia de Salamanca، 1978؛ برقلس، مبادئ الإلهيات The Elements of Theology (طبعة أ. ر. دودس)، لندن: مطبعة جامعة أكسفورد، 1963.
[43]- بالمعنى الحرفي «الأمم المنحرفة» أي تلك المحرومة من دليل مباشر للوحي، مما يجعلهم ينحرفون عن الطريق النبوي.
[44]- مخطوط تشستر بيتي 3168، ص. 133.
[45]-  مرة أخرى نجد أنفسنا أمام مشترك فلسفي -  ثقافيي يتضمن مفاهيم الأفلاطونية المحدثة. كما يلاحظ هنا أيضاً أن صاحبنا تارة يقترب من الفلاسفة وتارة ينأى عنهم. بمعنى أنه يقيم حواراً مع الفلسفة بالمعنى الحصري للكلمة (كما سيفعل على سبيل المثال، ابن عربي في وقت لاحق)، لكنه لا ينسب نفسه إليها. إن الفلاسفة يمثلون «الغير»  بالنسبة إليه. إنه يقترح أن تكون هناك توازيات بين الأفكار والمقولات النيو- أفلاطونية ومضمونها التأويلي – الذي لا شك أنه تأثر بها -، لكن هذا لا يعني من حيث المبدأ التماهي الواضح مع تيار فكري فلسفي ما. راجع، مع ذلك، الهامش أسفله.
[46]- فيما يخص هذه التعاريف، انظر مقال ر. رامون غرّيرو «ابن مسرة» [BA 4, n؛ 788]، ص. ص. 2 – 3، ومقال  إ. طوميرو «إيضاح....»، ص.ص. 58 وما بعدها. بخصوص هذه التعاريف يدلي رامون غريرو بهذه الملاحظات التي أعتبرها سديدة: «إن هذه الإشارة الموجزة إلى المفاهيم الفلسفية لا تنهض كدليل على أن ابن مسرة يقدم مذهباً فلسفياً بالمعنى الدقيق، بل أفكاراً عامة كانت رائجة في العالم الإسلامي في بداية القرن الثالث الهجري \ التاسع الميلادي، والتي لا تمنح أي امتياز للمدافع عنها.  ويبدو هذا أكثر وضوحاً عندما ينتهي هذا الخطاب الذي يعرض فيه هذه الأفكار بأن الطبيعة هي الحكمة الإلهية بالنسبة للأشياء التي تعتبر تجلياً لها. [...]. بلى. هذا الكتاب لابن مسرة ليس كتاباً فلسفياً، بل إن مضمونه أقرب إلى الغنوصية الإسلامية» (نفس المرجع، ص.3).
يمكن أن نعترض على هذه التعاليق كما على الهامش السابق، رغم ذلك، بالقول إن الاختلاف بين الغنوص والفلسفة لم يتحدد كما يلزم ذلك. هكذا نجد، على سبيل المثال، أن ابن سينا والسهروردي يجمعان بين الخطاب المفاهيمي المجرد والخطاب التمثيلي (في رؤاهم الاشراقية)، كما بين ذلك ه.كوربان في أعمال مختلفة. انظر بهذا الصدد ك.جامبي، منطق المشرقيين: هنري كوربان وعلم الأشكال (ترجمة هومبيرتو مارتنيث)، مكسيكو: FCE، 1989؛ انظر كذلك، خ.أ. أنطون باتشيكو، «التمثل والمفهوم عند سويدنبورغ»، مجلة Epiméleia، العدد المزدوج 19-20، بوينوس آيريس، 2004، ص.ص.187-96 (حيث نجد إحالات إلى ابن سينا والسهروردي في ما يتصل بهذه المسألة). من جهة أخرى، من المهم التذكير بأن لابن سينا كتاب بنكهة نيو-أفلاطونية قوية، راجع. أ. فاجدا، «تعاليق ابن سينا على تيولوجيا أرسطو» {بالفرنسية} في: Revue Thomiste، II، 1951، ص.ص. 348 وما يليها.
بالمعنى الحصري، إن الفلسفة (فلسفة الفارابي، على سبيل المثال، كنموذج للفلسفة الأكثر أرسطية، رغم طابعها النيو-أفلاطوني في نفس الوقت) يمكن أن تتعارض في الإسلام مع الفكر الغنوصي الصوفي، الذي يمتاز بتركيزه على التلقين، وعلى الوحي النبوي باعتباره المرجع الأول والثابت، وعلى التجربة المباشرة وليس المتصورة فقط للمعجزات، وعلى القلب كعضو رئيسي لمعرفة إلهامية مفارقة للعقل، أو على الإدراك الروحي الذي يتطلب تحولاً جذرياً للوعي، إلى جانب مسائل أخرى. رغم ذلك، فإنه بمعنى أكثر شمولاً، يجب أن الفلسفة تشمل كل أشكال الفكر والمعرفة بما في ذلك، بطبيعة الحال، الغنوص. بهذا المعنى المفتوح والتكاملي، يمكن اعتبار ابن مسرة، بدون شك، فيلسوفاً.
[47]-  هذا المقطع ذو الطابع الأفلاطوني المحدث يحيل إلى النيو – أفلاطونية لفورفريوس الذي ينزل  الواحد بالنسبة إليه منزلة الوجود؛ رغم ذلك، فإن ما يعبر عنه هنا لا يتوافق مع نيو- أفلاطونية أفلوطين، الذي بالنسبة إليه الله ليس جوهراً، بل منزهاً عنه.
[48]-  هذا تعبير أرسطي خالص. يجب الأخذ بعين الاعتبار أن أرسطو وأفلاطون لم يكونا في هذه الفترة فيلسوفين توجد  فلسفتهما على طرفي نقيض. هكذا نجد، مثلاً، أن أفلوطين عندما يتحدث عن العقل (الأقنوم الثاني) فإنه يستعمل استدلالات أرسطية (راجع: التاسوعة، V، في المرجع السابق)؛ لأن نفس كتاب اللام من ميتافيزيقا أرسطو شكل أرضية للتأملات النيو – أفلاطونية. ورغم اختلافه عنه، فإن أرسطو لم يتوقف عن أن يكون تلميذاً لأفلاطون. وكما هو معروف، وبعد تراجع أكاديمية أفلاطون، فإن إعادة اكتشاف أفلاطون تم عبر عمليّة إعادة قراءة أرسطو، الذي شكلت أعماله جزءًا من البرنامج النيو – أفلاطوني بمفاهيم ديداكتيكية تعليمية وتأملية مجردة في الوقت نفسه.
[49]-  هذا الترتيب لما هو لمعقول ترتيب نيو – أفلاطوني أمين يكشف أزجه التشابه مع الفلاسفة النيو – أفلاطونيين الاسماعيليين. قارن ب: هنري كوربان، الإنسان وملاكه، مدريد: دستينو، 1995، ص.ص. 83 وما بعدها.
[50]- ‹الجسم› أو ‹خطة العالم›.
[51]- كلمة  تسخّرت المستعملة هنا إشارة إلى الفقرة 13:2، 14:33، 45: 13 وآيات أخرى.
[52]- ترجمها طوميرو (نفس المرجع) صفات المملكة والسياسة›.
[53]- الطبيعة هي الصانع الذي  يصنع الجسم الممتد، إنها علته الفاعلة.
[54]- راجع: ناصر خسرو، كتاب جامع الحكمتين، ترجمة عن الفارسية {إلى الفرنسية}، تقديم وهوامش، إسابيل دي غاستين، باريس، فايار، 1990؛ وكوربان، في الإسلام الإيراني: مظاهر روحية وفلسفية، (4 أجزاء)، باريس» غاليمار، 1978، (انظر خسرو في صفحات متفرقة).
[55]- هذه الروح الإلهية التي أودعها الله في الكائن الإنساني هي التي تنير الفهم.
[56]-  مراحل هذا النطام النيو- أفلاطوني العام لمسار تجلّي الوجود الفعلي تبع نفس النظام - الخاص بالمشترك الثقافي للعصر – وهو نفس النطام الذي سيقدمه ابن عربي أيضًا في أعماله لاحقًا. تجدر الإشارة إلى أنّ صاحبنا يطبق بشكل منتظم مبدأ المماثلة بين عالم الباطن وعالم الظاهر.
[57]-  لاحظْ أن صاحبنا، كما في مناسبات أخرى، يستشهد بالحروف النورانية {الحروف المقطعة في أوائل السور} مقرونة  بجزء من السورة التي تليها مفسراً إياها في علاقتها بهذه السورة، أي كجملة أو كعنصر نحوي للجملة (عموماً، كما هو الأمر هنا، كمحمول).
[58]- تجب الإشارة إلى أن قرآن يعني أيضاً ‹جمع› في مقابل فرقان الذي يعني› فرق›. لهذا السبب، فإن هذه الحروف الأربعة، كرمز للصفات الأربع المُشار إليها، تدل جمعاً على كلية الوجود، بما يعني أن هذه الحروف الأربعة هي القرآن.
[59]-  في الأدبيات القبالية من المعتاد اعتبار {التتراغرامتون} (Tetragrلmaton (YHWH {كلمة مركبة من أربعة حروف تكتب اختصاراً YHWH كأصل ومصدر لكل الأسماء الإلهية، أصل التوراة والسافيروت نفسها (في الواقع، هذه الأبعاد الثلاثة تتزامن). على سبيل المثال، يمكن الرجوع إلى كتاب موسى دي ليون، الزوهار، ترجمه إلى القشتالية وقدم له ليون دوخوفني، بوينوس آيرس» سيغال، 1976، ج. 3، ص. 46؛ ج. 4، ص.ص. 56،203 و222، ج.5، ص.ص. 5-، 153 و175. {الزهار كلمة عبرية تعني الإشراق والضياء، وأهم كتب التراث الكابالي}.
[60]-  يمكن أن نقرأ في المخطوط الضمير المتصل – ها، أو اسم الإشارة هذا. في الحالة الثانية، ربما، سيكون معنى النص هو «وتكوين هذا»، إشارة إلى الكائن الإنساني، كغاية للخلق لأن كل السور التي فيها كلمة ص- و- ر بالمعنى الثاني تشير إلى حقيقة أن الله صور الكائن الإنساني.
[61]- انظر: المخطوط، ص.ص. 149- 150. يمكن أيضاً تفسير العبارة النهائية في هذه الفقرة كتعبير عن ‹تراتبية للموجودات المخلوقة›.
[62]-  يشير اللفظان في عبارة النية المستقيمة إلى مرجعية إسلامية بحتة، يمكن أن نذكر على سبيل المثال الحديث المعروف الذي يؤكد فيه الرسول «إنما الأعمال بالنيات» أو سورة الفاتحة التي ذكرت فيها عبارة الطريق المستقيم.
[63]-  يبدو أنه يحيل إلى الأصل الإلهي للكون وللكلمة (اللوغوس).
[64]-  لفظة أخطأوا تكررت مرتين بضمائر مختلفة. ترجمتها فيما سبق بعبارة ‹لم يفهموا جيداً›. وهنا أترجمها بعبارة ‹تاهوا وانحرفوا›. يُفهم من هذا أن الفلاسفة الذين لم يتلقوا مباشرة دليل النبوة وسمعوا فقط بالحديث عن الله بشكل عام لن يتمكنوا من تحديد الله والتعرف عليه كأصل للوجود.ومن ثمة، لم يتمكنوا من استكمال طريق المعرفة الحقيقية والكاملة؛ هذا الطريق الذي لا يستطيع أن يسلكه إلا الذي يستمد نيته من الوحي. العقل إذن لا يمكنه أن يبلغ المعرفة التي يمنحها الوحي إلا عندما يكون موجها من الوحي نفسه، الذي يخضع له. إن الله، في آخر المطاف، لا نجده إلا بكلمته. إن الاعتبار عند الأنبياء أسمى من الاعتبار اعند لفلاسفة غير العارفين لأنه موافق للوحي.
[65]- انظر: المخطوط، ص.ص. 187- 188.
[66]-  أنطون باتشيكو، شهادات، ص. 58.