البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نقد مِنهجيَّة الدِّراسات القرآنيَّة عند المستشرقة أنجيليكا نويفرت

الباحث :  د. حمدان العكله
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  33
السنة :  شتاء 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  March / 20 / 2023
عدد زيارات البحث :  650
تحميل  ( 1.005 MB )
الملخّص
لقد أحدثت المستشرقة الألمانيّة أنجيليكا نويفرت (1943) منهجيّةً جديدةً في الاستشراق الغربيِّ، تمثَّلت بالعودة إلى النَّقد التاريخيِّ ومراعاة الوضعيَّة الاجتماعيَّة التي وجد فيها النَّص القرآنيُّ، لاعتقادها بأنَّ هذا النَّص المنقول سيبقى مبهمًا ما لم نفهم خلفيّته التاريخيَّة والاجتماعيَّة. لذلك كان يجب معرفة العلاقة بين النَّص القرآنيِّ وبين التَّاريخ الذي بات فيها يتمتَّع بالسُّلطة الدينيَّة، عندها تحوَّل إلى نصٍّ مقدَّسٍ، وتمَّ توثيقه بوصفه مرجعيّة.

كما اهتمَّت نويفرت بتقديم قراءةٍ للنَّص القرآنيِّ وفقًا للسياق الزمانيِّ الصَّادر عنه، وذلك بالرُّجوع إلى الفقه اللغويِّ الذي يدرس اللّغة مِن خلال مصادرها التَّاريخيَّة، كما أنَّ دراسة القرآن في حالته الشفاهيَّة تفتح الأفق لدراسة طبيعة الخطاب وآليّة التَّلقي، والبحث في كيفيَّة تقديم الحجج والبرهنة على صحَّتها، وبالمقابل كيفيَّة الاعتراض عليها.
أحدث القرآن مِن وجهة نظر نويفرت شرخًا بين الغرب والشَّرق الأوسط لأسباب كثيرةٍ، تدور كلُّها حول التَّرابط التاريخيِّ بين القرآن والتَّوراة، والتَّرابط الاجتماعيِّ العرقيِّ، لذلك فإنَّها تحاول الوقوف على طبيعة الخطاب القرآنيِّ انطلاقًا مِن النصِّ المكتوب وتصوير رؤيته لحياة النعيم الموعودة، وربطها برؤية الحضارات الشرقيَّة القديمة، ليكون هذا الخطاب الأداة التي تشكِّل الدَّفقة الحيويَّة، وبثَّ روح التَّفاؤل والوحدة بين أتباعه، وهو نمطٌ مِن التَّفكير الاستشراقيِّ الجديد.

الكلمات المفتاحيّة: محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) – القرآن – نويفرت – سلطة النَّص الديني – الهويّة – الخطاب القرآنيِّ – الفردوس.

تمهيد
نتناول في هذا البحث، ومِن خلال الدِّراسة النَّقدية لأفكار المستشرقة أنجيليكا نويفرت، المحاور الآتية:

أوّلًا- جدليَّة العلاقة بين القرآن والتَّاريخ
تذهب نويفرت إلى تبيان العلاقة بين القرآن والتَّاريخ، فتدرس علاقة النَّص القرآنيِّ بتاريخ هذا النَّص المرويِّ، فالنَّص القرآنيُّ هو الموضوع الأبرز في الاستشراق مِن حيث دراسة سياقه التاريخيِّ أو تاريخ جمعه وتدوينه أو صلة النَّص بالتَّاريخ، حيث اهتمَّت نويفرت بكلِّ ذلك عبر دراستها للعلاقة الجدليَّة بين القرآن والتَّاريخ، فقد أعلنت أنَّ النَّص الدينيَّ هو نصٌّ سلطويٌّ، وأنَّ القصص في القرآن تدور حول الإنسان، فكان بحثها في النَّص القرآنيِّ محاولةً لرصد ظهور سلطة النَّص الدينيِّ، وبيان مدى صدق هذا النَّص وقدرته على فرض سلطته وامتداد هذه السُّلطة.

لا تولي نويفرت اهتمامها لدراسة الآليَّة التي قادت لظهور النَّص الدِّينيِّ وترتيب سوره بهذا الشَّكل، بل كانت ترغب في البحث عمَّا هو أعمق مِن ذلك، إذ توقَّفت على التَّطوّرات التَّاريخيَّة التي قادت لخلق هويَّةٍ دينيَّةٍ في الجزيرة العربيَّة، وكيفيَّة اتِّساع رقعة هذه الهويَّة لتشمل مَنْ هم خارج الجزيرة وخارج الهويَّة القبليَّة التي استقبلت بدايات التَّنزيل السَّماويِّ.

وترى نويفرت أنَّ التَّدرُّج البلاغيَّ الذي احتوى عليه النَّص القرآنيُّ، جاء متناسبًا زمانيًّا ومكانيًّا مع الدعوة الدينيَّة الجديدة، إذ إنَّ النُّصوص الأولى جاءت أكثر شاعريّةً وبلاغةً بهدف جذب انتباه أتباعٍ لهذا الدِّين، وهذا جانبٌ شعريٌّ بلاغيٌّ سيتغيَّر بعد ازدياد عدد الأتباع وقيام دولة المدينة التي أعلن عنها المسلمون، إذ إنَّ نويفرت تُرجع سَبب التَّغيير في الخطاب القرآنيِّ إلى ازدياد الوعي الدينيِّ عند أتباع الدِّين الجديد، لذا تذهب إلى تقسيم تاريخ التَّطوّر القرآنيِّ إلى ثلاث مراحل، وهي:

- المرحلة الأولى: الانطلاق مِن التُّراث الكتابيِّ
هي المرحلة التي يتشابه فيها ما قد تنزَّل على النَّبيِّ الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) مع مزامير الكتاب المقدَّس، وتذهب نويفرت لحدِّ القول بأنَّها نصوصٌ شاعريَّةٌ تُتلى في اللَّيل، كما هو الحال في المزامير، فتقول: «تلاوة هذه النُّصوص لاسيَّما في قيام اللَّيل، يجعل منها السِّياق المفترض لتلقِّي الوحي، تشير إحدى أقدم استعمالات كلمة (قرآن)، المزمل (1-10) إلى تلاوة النُّصوص التَّعبديَّة ليلاً: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنهُ قَلِيلًا...)، يدور سياق السُّورة على صلاة اللَّيل، وهو السِّياق التَّعبديُّ الذي يشتمل-إنْ جاء في مكانٍ آخر- على قراءة المزامير... الذي تشبه: (في منتصف اللَّيل أقوم لأحمدك) مزامير 119:62، وكذلك في الآية الثَّامنة (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ)، تذكر بـ: (هَلِّلُويا. سبِّحوا يا عبيد الرَّب) مزامير 113: 1»[2].

وتقصد نويفرت بذلك أنَّ القرآن الذي يدعو إليه محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ما هو إلّا جزءٌ مِن مزامير الكتاب المقدَّس، وبالتَّالي، يكون القرآن امتدادًا تاريخيًّا للمزامير مِن حيث التَّشابه بالأهداف والتَّطابق الكبير بين معاني الآيات، وتعني نويفرت أنَّ المرحلة الأولى مِن ظهور الآيات تعبِّر عن هذا التَّطابق وتؤكِّد التَّزامِن مِن حيث الأهداف، وبذلك لا تقدِّم رسالة النَّبيُّ الجديد أيَّ إضافةٍ جديدةٍ، فما هي سوى تذكيرٍ لما قد تمَّ تقديمه سابقًا.

في الحقيقة، إنَّ القرآن دينٌ سماويٌّ عالميٌّ، وليس خاصًّا بالعرب أو حكرًا عليهم، وهذا ما عبَّر عنه الله تعالى في قوله:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[3]، فقد هدف القرآن إلى وصول الإنسان لحريّته وتجاوز الحواجز والمعوّقات الثقافيَّة والعرقيَّة كافّة، التي تحول دون ذلك، كما هدف إلى اعتزاز الإنسان بإنسانيَّته والقيام بدورٍ فاعل في المجتمع الإنسانيِّ، والحقيقة، أنَّ عناصر التَّشابه بين الأديان موجودةٌ، لا سيَّما في لحظات وصف قوَّة الخالق وقدرته، ولا يعني ذلك انتقاصًا مِن رسالة محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم).

لقد انتهج عددٌ مِن المستشرقين هذه المنهجيَّة، ولا سيَّما مدرسة الاستشراق الألمانيِّ بغية تسليط الضَّوء على التَّشابه بين القرآن الكريم وبين ما ذُكر في العهدين القديم والجديد، وعدد الآيات التي تمَّت عليها المقارنات كثيرةٌ، نذكر مثالًا عن ذلك، «كما هو الحال في سورة البقرة، الآية 224، حيث قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ)= متّى، 34: 5 (لا تحلفوا مطلقًا)، وكذلك في سورة البقرة، الآية 286، حيث قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، تشبه كورنثوس الأولى 13:10 (ما أصابتكم تجربة فوق طاقة الإنسان)...»[4]، فالتَّركيز على التَّشابه بين القرآن وغيره مِن الكتب الدِّينيَّة السَّماويَّة السَّابقة له، هو تركيزٌ على العناصر التي لم تخضع للتدخُّل البشريِّ فيها، وهي تعبيرٌ عن المصدر الواحد لهذه الكتب، ولولا التَّدخلات البشريَّة التي طالت الكتب المقدَّسة السَّابقة لكانت رسالتها واحدةً -كما هي في الأصل- ولزال كلُّ التَّمييز والتَّفرقة بين البشر، فقد جاء الدِّين الجديد برسالةٍ تعيد اللَّون الحقيقيَّ للدِّين القديم، وتغيِّر الألوان الوهميَّة التي اعتادها النَّاس.

- المرحلة الثَّانية: التَّغلغل في التُّراث الكتابيِّ، حوارٌ مع الكتاب المقدَّس المفسَّر
تذهب نويفرت للقول بأنَّ الأمَّة المؤمنة الجديدة لا ترى في غيرها مِن الأمم سوى خصومٍ ضالِّين، وبأنَّها الأمَّة الوحيدة التي تمتلك حقًّا تستمدُّه مِن شريعتها الحقَّة، يظهر ذلك مِن خلال تطوُّر الخطاب القرآنيِّ، مثل تبديل القبلة مِن المسجد الأقصى القبلة سابقًا إلى المسجد الحرام في مكَّة، وقد تحوَّلت النُّصوص القرآنيَّة إلى نصوص أقلّ شاعريةٍ وأقلّ طولًا، ولم تعد الأحداث التَّاريخيَّة التي تسردها النُّصوص الجديدة بهدف التَّوثيق التَّاريخيِّ لها، إنَّما باتت تُوظَّف لفهم النَّص القرآنيِّ، ممَّا جعله محاطًا بهالةٍ مِن القداسة، كلُّ ذلك حصر التَّفسير بيد مجموعةٍ محدَّدةٍ، بات بها النَّص الدِّينيُّ نصًّا سلطويًّا وثَّق عهد قيام الدَّولة الأولى التي تقوم على أساس هذا الدِّين الجديد.
وهنا ترى نويفرت أنَّ تجربة محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في تشكيل قوَّةٍ سياسيَّةٍ، هي ذاتها تجربة موسى(عليه السلام) وبعض الأنبياء السَّابقين، ويظهر ذلك جليًّا في سورة طه التي تسرد قصَّة موسى ومحاكاتها لقصَّة النَّبيِّ محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تقول: «ذكر موسى في رقعةٍ واسعةٍ مِن القرآن وتقديمه باعتباره نظيرًا لمحمَّد يؤسّس نموذجًا عقديًّا جديدًا، وهو وجوب إقامة النُّبوة كواسطةٍ حاسمةٍ ذات سلطةٍ حصريَّةٍ في التَّواصل مع القوَّة العظمى»[5]، فتحاول نويفرت الوصول إلى التَّتابع المتداخل بين ظهور محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفه رسولًا، وبين موسى(عليه السلام) بوصفه سبَّاقًا لرسالته، وبأنَّ النَّص القرآنيَّ لم يخالف ما جاء به موسى، وفي كلا الحالتين أسَّس النَّص السَّماويُّ رسالةً، وكان له سلطةٌ قويَّةٌ.

ما تقوله نويفرت هو ذاته ما يردِّده عددٌ مِن المستشرقين، كما هو الحال عند المستشرق وليم مونتغمري وات، الذي ذهب للقول: «بأنَّ مِن خصائص العلاقات بين المسيحيّين والمسلمين أنَّه لا يبدو أنَّ محمّدًا كان على اطّلاعٍ على معتقدات الدِّيانة المسيحيَّة، فالقرآن، عدا إشارته للصَّلب وذكر الرُّسل الاثني عشر الذين هم حواريّو عيسى وبعض المعجزات المتعلِّقة بشفاء المرضى وبعث الأموات، لا يقول شيئًا عن حياة المسيح العامَّة، ولا عن تعاليمه كما يرويها العهد الجديد»[6]، إنَّ الخروج بالقول بوحدة الرِّسالة الجديدة مع سابقتها سيجعل الدَّعوة للرِّسالة المحمَّديَّة تقوم على وتيرةٍ بطيئةٍ وعزيمةٍ هادئةٍ ومتردِّدةٍ، كما أنَّه سيفتح الباب أمام طرح أفكار غيرها مِن الرِّسالات السَّابقة بحجَّة التَّشابه والتَّكامل.

- المرحلة الثَّالثة: الهيمنة على التُّراث الكتابيِّ، حوارٌ مع العهد القديم
كان انتقال النَّبيِّ الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة فرصةً سانحةً للقائه مع ورثة الكتاب المقدَّس (اليهود)، حيث كانوا يتَّبعون نبيَّهم عيسى(عليه السلام)، إلَّا أنَّ الرِّسالة الجديدة وما حظيت به مِن قوَّةٍ اجتماعيَّةٍ (أنصار ومهاجرون)، ومِن قوَّةٍ سياسيَّةٍ بعد تشكيل دولة المدينة بزعامة محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، جعلت يهود المدينة يتحوَّلون إلى محاورين ومفسِّرين للكتاب، الذي كان هو الأشهر بوصفه كتابًا سماويًّا، وبوصفه أيضًا وثيقةً تنظِّم حياة النَّاس فيها، حيث تذهب نويفرت للقول بأنَّ النَّص القرآنيَّ قد جاء ليتوافق مع العهد القديم، حيث اعتمدت على تفسيراتٍ متناقضةٍ لتبرير وجهة نظرها بغية الوصول للقول بأنَّ القرآن قد جاء مكمِّلًا ومتابعًا للعهد القديم.

وتذهب نويفرت إلى «أنَّ الإشارات القرآنيَّة إلى الكتاب المقدَّس في المدينة تتعلَّق بالنُّصوص التي تظهر بشكلٍ كبيرٍ في الشَّعائر اليهوديَّة، ومِن أمثلة هذه الشَّعائر يوم كيبور (يوم صوم الغفران)، فيوم عاشوراء ذو أصولٍ توراتيَّةٍ، وفيه إشارةٌ إلى مغفرة الله لبني إسرائيل مِن ذنبهم بعبادة العجل الذهبيِّ، هذا العجل الذي ذكره القرآن في سورة طه (الآيات 83-99)، حيث تشير الآيات إلى رجلٍ غريبٍ هو السَّامريُّ، وليس لبني إسرائيل، وفي ذلك عبرةٌ ودرسٌ تربويٌّ»[7]. وهنا لا تكتفي نويفرت بمسألة التَّوحيد والتَّكامل بين الأديان، بل تذهب للقول بأنَّ القرآن قد جاء ليؤكِّد الشَّعائر اليهوديَّة، كما أنَّه برَّأ اليهود مِن حادثة العجل الذَّهبيِّ؛ ذلك أنَّ المذنب هو الرَّجل السَّامريُّ، وهو رجلٌ غريبٌ، وقد سردها القرآن لتكون درسًا، كما تتابع نويفرت حديثها لتصل للقول بأنَّ القرآن في سورة طه قد بيَّن أنَّ الله قد كان مع اليهود وأنجاهم مِن فرعون، بل حتَّى كرَّمهم بأنْ أنزل عليهم المنّ والسَّلوى، وهما أفضل أنواع الأطعمة، وما كان ليحدث ذلك لولا قربهم مِن الله ومحبَّته لهم، وتستشهد نويفرت بقوله تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِن عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمِن وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمنّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى) [8]، حيث تتابع نويفرت تفسيرها للآيات السَّابقة وما يتبعها مِن آيات، فترى بأنَّ إكرام الله سبحانه وتعالى لبني إسرائيل وإطعامهم بهذا الشَّكل الإعجازيِّ يدلُّ على حبِّه لهم، وعدم رغبته بهلاكهم، وذكر الطَّعام هو ما يشير إلى الخطاب المباشر لليهود المعاصرين المأمورين بالأكل مِن (الطيبات)، أي: «مِن الطَّعام النَّقيِّ الذي رزقهم الله إيَّاه وألَّا (يطغوا فيه)»[9]، في حين أنَّ حقيقة الآية القرآنيَّة هي دعوةٌ لتحريم تناول الطَّعام غير الطَّاهر، والالتزام بالطَّعام الشَّرعيِّ الصِّحيِّ.

في الحقيقة، تسعى نويفرت عبر الدِّراسة التَّاريخيَّة إلى فرض المنهجيَّة الإبستمولوجيَّة النقديَّة على النَّص القرآنيِّ، فهي ترغب مِن وراء هذه المنهجيَّة تخطِّي حالة «الغرائبيَّة» التي تهيمن على النَّص القرآنيِّ على أنَّه نتاج الآخر، غير قابلٍ للقياس، فالعلاقة التاريخيَّة بين النَّص القرآنيِّ والتَّاريخ لا يجب أنْ تتوقَّف على النَّص وتأويله، بل يجب الاستعانة بمختلف العلوم الحديثة لتقديم التَّفسير العلميِّ والموضوعيِّ، لذا سنجدها تعود إلى دراسة اللُّغة القرآنيَّة ودلالاتها ومقاربتها مع النَّص المدوَّن، ومراجعة أبعاد اللُّغة القرآنيَّة ومدى تأثُّرها باللُّغات السَّابقة لها، وكيف أثَّر ذلك على النَّص القرآنيِّ، كلُّ ذلك سيكون محور حديثنا القادم.

ثانيًا- مقاربة النَّص القرآنيِّ ضمِن الإطار الدِّلاليِّ اللُّغويِّ
تعود هنا نويفرت إلى التَّأسيس اللغويِّ للقرآن عبر اعتماد منهجيَّةٍ نقديَّةٍ بعيدةٍ عن التَّقديس المطلق الذي يعيق قراءة النَّص الدينيِّ قراءةً موضوعيَّةً بعيدةً عن المشاعر الدينيَّة، فالتَّطور الدينيُّ وتعاليمه ارتبط بتطوُّر نزول القرآن بين مكّيٍّ ومدنيٍّ، فكان هدفها الوصول إلى توثيق النَّص القرآنيِّ ومقاربته بالنَّص التوراتيِّ، وإظهار أوجه الشَّبه مستغلةً بأنَّ النَّص القرآنيَّ متَّسع الدِّلالات وفيَّاض المعاني، فحاولت الاستعلاء على النَّص القرآنيِّ مِن خلال منهجيَّتها التَّاريخيَّة التي لا تساعد على فهم النَّص، بل على العكس فهي تقرِّبه مِن النَّص التوراتيِّ، وتبرِّر تباينه أو أيَّ تناقضٍ فيه؛ لأنَّه نصٌّ ذو مصدرٍ شفاهيٍّ، تمَّ نقله في زمانٍ تاريخيٍّ عبر الكلام المحكيِّ، ممَّا جعله عرضةً لخطأ النَّقل والتَّفسير الغائيِّ الذي قيل فيه.
يرى العرب أنَّ القرآن جاء معبِّرًا عن بلاغتهم وعن ميولاتهم الشِّعريَّة والأدبيَّة مِن حيث اللُّغة الشِّعريَّة والجزالة التَّعبيريَّة، إلَّا أنَّ العرب يدركون أنَّ النَّهج التَّوحيديَّ ليس مِن بيئتهم الاجتماعيَّة، حيث أنَّها تقوم «على نصوصٍ مدوَّنةٍ بالعبريَّة واليونانيَّة، وتنتشر في الغالب بالسِّريانيَّة، التي كانت أيضًا لغة مجموعةٍ مِن النُّصوص الطُّقوسيَّة، فإنَّ مِن الصَّعب الاعتقاد أنْ يكون القرآن خاليًا مِن آثارٍ لذلك التَّقليد، سواء كان روحيًّا أو لغويًّا، وليس مِن المستغرب أنْ نجد في القرآن عددًا كبيرًا مِن الكلمات المستعارة، أغلبها مِن السِّريانيَّة»[10].

إنَّ القول بورود شيءٍ مِن السِّريانيَّة أو غيرها مِن اللُّغات التي كانت سائدةً، أمرٌ لا مشكلة فيه، كما أنَّ التَّأثُّر والتَّأثير أمرٌ شائعٌ بين الحضارات، أمَّا أنْ تتحوَّل المسألة لاتِّهام القرآن بأنَّه ذو مصدرٍ سريانيٍّ أو غيره مِن المصادر الحضاريَّة السَّابقة، فهذا يحوِّل الأمر لمهاجمة القرآن، حيث يذهب الباحث الإسبانيُّ-الفرنسيُّ فرانسوا دي بلو إلى أنَّ العلماء المسلمين قد ذهبوا للقول: «في مسألة إنْ كانت هناك مواد لغويَّةٌ غير عربيّةٍ في القرآن (آراميَّة، فارسيَّة،...إلخ). ارتضى بعض العلماء على الأقلّ ممّن كانوا أوسع أفقًا على وجودها؛ إذ بما أنَّ الله تعالى خلق كلَّ اللُّغات، فليس ثمَّة مانعٌ مِن استعماله لكلماتٍ مِن لغاتٍ أخرى في وحيه. وقرَّرت المعرفة اللُّغويَّة الحديثة -بالتَّأكيد بحلول منتصف القرن 19- أنَّ اللُّغة العربيَّة -سواءٌ في القرآن أو في نصوص أخرى- تحوي عددًا كبيرًا مِن الألفاظ الدَّخيلة مِن لهجاتٍ آراميَّةٍ متعدِّدةٍ (سريانيَّة، بابليَّة،... إلخ).كانت الآراميَّة اللُّغة الثَّقافيَّة الرَّئيسة للمنطقة بين سيناء ونهر دجلة لأكثر مِن ألف عامٍ»[11]، بالتَّالي، فإنَّه مِن الطَّبيعيِّ أنْ تكون لغة الثقَّافة والحضارة السَّائدة أكثر انتشارًا وتأثيرًا بغيرها مِن اللُّغات، كما أنَّ العرب هم جزءٌ رئيسٌ مِن حضارة السِّريان التي قامت على أرضهم.

ذهب بعض المستشرقين إلى حدِّ القول بأنَّ لغة القرآن المنزَّل تختلف عن لغة المصحف المدوَّن، حيث تدارك العرب ذلك بإضافة بعض الحركات والتَّعديلات النَّحويَّة والإملائيَّة على النَّص القرآنيِّ، كالحركات والنُّقاط على الحروف، ولعلَّ أبرز مَنْ تحدَّث عن ذلك، كان المستشرق كريستوف لكسنبرغ، الذي يرى بأنَّ «الأجيال اللَّاحقة (المتأخِّرة) مِن المسلمين لم تستطع فهم الاصطلاحات العربيَّة-الآراميَّة في كتابهم المقدَّس، فكانوا مجبرين على إضافة علامات تشكيلٍ ونقطٍ للنَّص عشوائيًّا؛ ليكون مفهومًا جزئيًّا بالعربيَّة (الفصحى)، مخترعين بذلك تقليدًا شفهيًّا مزعومًا لتبرير تلك القراءة الجديدة. ولإعادة اكتشاف المعنى (الأصليِّ) نحتاج لنبذ نقاط التَّشكيل في النَّص التَّقليديِّ، وإيجاد قراءةٍ أخرى»[12]. وفي الحقيقة، إنَّ انتشار الدَّعوة الإسلاميَّة ودخول عددٍ كبيرٍ مِن غير العرب إلى الدِّين الجديد، وانتشار اللَّحن في اللُّغة العربيَّة، والخشية مِن امتداد اللَّحن إلى القرآن الكريم، كان سببًا بإضافة النُّقاط والحركات، وقد آتت هذه العمليَّة ثمارها لاحقًا بعد التَّوسع الإسلاميِّ شرقًا وغربًا، «فالدِّين الجديد حمل لغته وخطَّه إلى البلاد المفتوحة، ممَّا ساعد الخطَّ العربيَّ أنْ يستولي على سائر الخطوط التي كان منها ما هو أكثر كمالًا منه، كما في العراق وسوريا وفلسطين، فإنَّه حلَّ محلَّ السِّريانيَّة واليونانيَّة، أمَّا في فارس، فقد حلَّ محلَّ الخطِّ البهلويِّ، وفي مصر فقد حلَّ محلَّ الكتابة القبطيَّة والرُّوميَّة، وفي شمال أفريقيا حلَّ محلَّ الكتابة التي عند البربر»[13]، والخطّ علامةٌ على اللُّغة وفنونها، ممَّا جعل اللُّغة العربيَّة تصبح مِن أهمِّ لغات الحضارات، حيث ارتبطت بتوسُّع الدِّين وانتشاره، وازدهار الحضارة الإسلاميَّة.

لقد مثَّلت عمليّة النَّقل للقرآن مِن المرحلة الشَّفهيَّة إلى المرحلة الكتابيَّة نقلةً لغويَّةً مكَّنت غير العرب مِن التَّعامل مع النَّص المكتوب بشكلٍ أكثر سهولةً، فأصبح قابلًا للتَّعلُّم والحفظ، لا سيَّما أنَّ الخطاب القرآنيَّ المنزَّل، والذي كان متداولًا شفاهيًّا،كان قد تنزَّل بلغة أهل مكَّة؛ أي بلهجتهم المحكيَّة، والتي قد تصعب على بعض القبائل العربيَّة مِن خارج مكَّة، ناهيك عن غير العرب.

ترى نويفرت أنَّ التَّعديل اللغويَّ الذي طال القرآن الشَّفويَّ بعد تحويله إلى نصٍّ كتابيٍّ، دفع المستشرقين لدعوات ضرورة إخضاعه للتَّنقيح اللُّغويِّ، إلَّا أنَّه في حقيقة الأمر «لم يقم تفسيرٌ تنقيحيٌّ للتَّاريخ الإسلاميِّ المبكِّر على أساسٍ لُغويٍّ قبل كتابات لولينغ، ومؤخَّرًا بعد لوكسنبرغ، فقد نشر غونتر لولينغ كتابه: القرآن الأوّليّ قبل ثلاثة أعوام مِن ظهور كُتُب كلٍّ مِن وانسبرو وكرون وكوك، وفيه يعتبر أنَّ ثُلث القرآن-قصار السُّور التي يظهر فيها أسلوبٌ موجزٌ وشديد الشَّاعريَّة بشكلٍ بارزٍ، ومِن ثمَّ تُعدُّ صعبةً بل غامضةً ـ هو ناتج عمليّة إعادة كتابةٍ لتراتيل مسيحيَّةٍ»[14]. فما يرغب هنا المستشرقون إشاعته، هو أنَّ اللُّغة القرآنيَّة هي لغةٌ عربيَّةٌ سريانيَّةٌ، لذا فقد تمَّ اعتماد النَّحو والتَّعديلات في كتابة النُّصوص القرآنيَّة، وأنَّ اللُّغة السِّريانيَّة لها الدَّور والأثر الأكبر في لغة القرآن، إلَّا أنَّ التَّعريب الإسلاميَّ حاول طمس كلِّ ذلك عبر هذه التَّعديلات اللُّغويَّة، مستندين إلى أنَّ المفردات العربيَّة لها جذورٌ سريانيَّةٌ.

ويبيِّن الباحث نويد كرماني أنَّ نويفرت ترى أنَّ «للقرآن لغةً متَّسقةً وذات إيقاعٍ وجرسٍ موسيقيين، ولا يمكن قراءته بسهولةٍ مثلما يقرأ المرء قصّةً أو نصًّا قانونيًّا. وكلُّ مَنْ يفتح القرآن بلا تمهيدٍ، فإنَّه سيشعر بالاضطراب أوَّل الأمر، فيبدو له القرآن خاليًا مِن التَّرابط، ويستاء المرء مِن التِّكرار الكثير والكلمات المبتورة أو الغامضة والإحالات التي تبقى معانيها ألغازًا، ومِن التَّغيير المفاجئ للمواضيع، وعدم وضوح الضَّمائر والصُّور المتعدِّدة المعاني»[15]، حيث تقدِّم نويفرت رؤيةً، مفادها أنَّ الموسيقا القرآنيَّة ذات منشأٍ مزاميريٍّ (مزامير)، وهو متأثِّرٌ باللَّحن والموسيقا السِّريانيَّة وبغيرها مِن الحضارات الشَّرقيَّة التي أخذ القرآن مِن لغتها، وأضاف وعدَّل عليها النَّحويُّون وعلماء اللُّغة العرب في تدوين القرآن، فالحديث عن اللُّغة القرآنيَّة ومقاربتها مع النَّص المدوَّن دفع نويفرت لإعادة النَّظر ومناقشة التَّباينات بين مرحلة الخطاب القرآنيِّ الشَّفويِّ وبين مرحلة التَّدوين النَّصيِّ، وكيف حدث ذلك، وما أثر التَّدوين على الخطاب وفعاليَّته في مجتمعه، هذا ما سنتحدَّث عنه في الفقرة التَّالية، محاولين الرَّدَّ على أفكار نويفرت الاستشراقيَّة حول ذلك.

ثالثًا- النَّظر في النَّص القرآنيِّ بين الشَّفاهيَّة والتَّدوين
تذهب نويفرت هنا إلى المقارنة بين النَّص القرآنيِّ بوصفه كلامًا شفهيًّا منقولًا، وبين كونه مصحفًا مكتوبًا، لتدَّعي بأنَّ القرآن تكوَّن مِن أصلٍ منقولٍ، فتداخلت معه نصوصٌ مِن تراث الأمم القديمة وأديانها بقصدٍ أو بغير قصدٍ، وبذلك تسلِّط الضَّوء على مرحلة النَّص المنقول قبل تحوُّله إلى نصٍّ مكتوبٍ، هذه المرحلة التي يتوجَّب علينا دراستها بشكلٍ نقديٍّ، وذلك بدراسة حال المتلقِّين وطبيعتهم وحججهم واعتراضاتهم.
لقد امتاز القرآن بالبلاغة متماشيًا مع بلاغة العصر والقوم الذين نزل القرآن بلغتهم، ولكون محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) يخاطب قومًا فصحاء برعوا في مجالي اللُّغة والشِّعر، إذ إنَّ البلاغة احتوت على الكلام وما وراء الكلام، فالكلام القرآنيُّ خطابٌ يتضمّن لمعانٍ مشارٍ إليها بشكلٍ بلاغيٍّ، يعبِّر عنها هذا الخطاب ويقصدها، وترى نويفرت بأنَّه علينا في تعاملنا مع القرآن أنْ «ننظر إليه باعتبار النَّصّ ما قبل مرحلة الاعتماد والتَّدوين، ذلك النَّص الذي اتَّصف بالثبات والمرونة في آنٍ واحدٍ»[16].

ترغب نويفرت أنْ تقول إنَّ القرآن قد جاء في فترةٍ زمِنيَّةٍ شهدت تنقيح أهمِّ الأسفار التَّوحيديَّة، وقد انتشرت بعد عمليَّة التَّنقيح هذه بشكلٍ أوسع، وهذه الأسفار قد امتازت ببلاغةٍ وجزالةٍ شبيهةٍ بجزالة القرآن، ممَّا يجعل فكرة التَّلاقي والتَّكامل واردةً جدًّا؛ أي إنَّ القرآن قد أخذ مِن هذه الدِّيانات التَّوحيديَّة، لاسيَّما أنَّ الخطاب القرآنيَّ الشَّفاهيَّ كان يحمل في طيَّاته إجاباتٍ عن تساؤلاتٍ مطروحةٍ في الأديان السَّابقة، كما أنَّ الخطاب القرآنيَّ «يخاطب أناسًا لديهم معرفةٌ ودرايةٌ بالعقائد والمعارف التَّوراتيَّة والإنجيليَّة وما بعدها، وبالتَّالي، فإنَّ كتابهم المقدَّس لابدَّ أنْ يقدِّم إجاباتٍ عن الأسئلة التي أثارتها التَّفاسير التَّوراتيَّة والإنجيليَّة، فهو كتابٌ يعقَّب على عددٍ كبيرٍ مِن الموروثات الدِّينيَّة القديمة، ويتعرَّض لها بالتَّفسير والتَّوضيح»[17]. وهذا ما يذكره عددٌ مِن المستشرقين، وليس نويفرت لوحدها، فعلى سبيل المثال يذكر المستشرق جولدتسيهر أنَّ «بعض عناصر القرآن المسيحيَّة نعرف أنَّها وصلت محمَّدًا عن طريق التَّقاليد أو الرِّوايات المتواترة المنحرفة، وعن ابتداعات المسيحيَّة الشَّرقيَّة القديمة، كما ينضمُّ إلى هذا وذاك شيءٌ مِن الغنوصيَّة الشَّرقيَّة»[18].

وترفض نويفرت النَّظريَّة الغربيَّة التي يتبنَّاها بعض المستشرقين، والتي تذهب إلى القول بأنَّ القرآن مِن تأليف محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ اعتمده المسلمون لاحقًا بوصفه كتابًا سماويًّا لدينٍ جديدٍ، وهنا تحاول أنْ يكون رفضها لهذه النَّظريَّة التي يرفضها المسلمون أداةً تتقرَّب بها منهم، وتبرِّر طرح بقيّة أفكارها مِن خلالها، إذ إنَّها تذهب للتَّمييز بين المصحف ككتابٍ مدوَّنٍ، وبين القرآن المتداول شفاهيًّا، لتقول بأنَّ المسلمين اعتمدوا هذا المصحف وحافظوا عليه دون العودة للبحث عمَّا كان متداولًا شفاهيًّا، فقد اعتمد المسلمون على المصحف المدوَّن كوثيقةٍ تاريخيَّةٍ مقدَّسةٍ، فطابع القداسة المطلق الذي تمَّ منحه لهذه الوثيقة التَّاريخيَّة منعهم مِن العودة إلى أصلها الشَّفهيِّ المتداول سابقًا بوصفه أصلًا لها.

لذا، فإنَّ نويفرت تركِّز على القرآن، لا بوصفه مصحفًا ثابتًا خلَّفه النَّبيُّ الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بعده، ولا بوصفه كتابًا مقدَّسًا لا يجوز التَّغيير أو التَّعديل عليه؛ بل تعود إلى المرحلة التي كان فيها هذا المصحف المنجز «سلسلةً مِن البلاغ الشَّفهيِّ الذي خاطب المجتمع المكّيَّ والمدنيَّ، ذلك المجتمع الذي تجلَّت خلفيَّته الدِّينيَّة وتوقُّعاته في النُّصوص القرآنيَّة»[19]، إذ إنَّ مرحلة القرآن الشَّفهيِّ -حسب رأي نويفرت- كانت قد تميَّزت بالبُعد اللَّاهوتيِّ، وذلك وفقًا للإستراتيجيَّات التي اتَّبعها القرآن بما فيه مِن نمطٍ فكريٍّ جدليٍّ يتشارك فيه السَّامع والمتحدِّث، ولابدَّ مِن العودة إلى دراسة هذه المرحلة المهمَّة في سيرورة تكوُّن النَّص القرآنيِّ، والوقوف على التَّطوّرات الحاصلة على النَّص ونموِّه الدِّيناميكيِّ ومعرفة الحقائق وتطوُّرها والظُّروف المحيطة بالنَّص.

ويشاطر نويفرت في هذه الفكرة عددٌ مِن المستشرقين، لعلَّ أبرزهم تيودور نولدكه، الذي يقول: «التَّأمل الهادئ حلَّ أكثر فأكثر محلَّ الخيال العنيف، الإثارة والحماس في الفترة الأولى، ويحاول النَّبيُّ أنْ يوضِّح جملةً بواسطة أمثلةٍ كثيرةٍ مأخوذةٍ مِن الطَّبيعة والتَّاريخ، لكنَّه يكدِّس هذه الأمثلة بعضها فوق بعضٍ أكثر ممَّا يرتِّبها منطقيًّا، فيجنح إلى الإطناب، ويصبح مربكًا مملًّا، الطريقة التي يتبعها للخلوص إلى نتائج ضعيفةٍ»[20]، وكذا الأمر عند المستشرق فايل، فجميعهم يسعون إلى الفصل بين القرآن الشَّفهيِّ والمصحف المدوَّن، وعبر عمليّة الفصل هذه، يتمُّ دسُّ وتشويه ما أمكن مِن الحقائق الدِّينيَّة، وهو الأمر ذاته الذي ذهب إليه المستشرق جويتين (Goitein) حين لخَّص «مسألة أصل الإسلام قائلًا: إنَّه مِن صميم لحم وعظم اليهوديَّة»[21].

وهذا ما قصدته نويفرت مِن خلال حديثها عن التَّفاعل الجدليِّ الذي حصل بين الأديان، لا سيَّما وأنَّ الفترة الزَّمِنيَّة التي جاء بها محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) برسالته، كانت فترة تنقيحٍ وتأويلٍ لكثير ممَّا قد تمَّت كتابته حول الأديان السَّابقة وكتبها المقدَّسة، وبما أنَّ القرآن مرحلةُ بلاغٍ شفهيٍّ قد احتوى على تناصٍ خارجيٍّ، فإنَّ هذا التَّناص يمثِّل جزءًا مِن محور الخطابات التي كانت سائدةً آنذاك؛ لأنَّ الاكتفاء بالنَّص المدوَّن هو الاقتصار على جزءٍ مِن الحقيقة، وتشبِّه نويفرت ذلك «بمكالمةٍ هاتفيّةٍ لا تسمع مِنها إلّا صوت طرفٍ واحدٍ، لكنَّ كلام الطَّرف الآخر يمكن استنتاجه مِن كلام الطَّرف المسموع»[22]، وبذلك تكون نويفرت قد اعترضت على غياب فعل التَّواصل واقتصار الفعل القرآنيِّ وحبكته على فاعلٍ وآمرٍ هو الله سبحانه وتعالى، وعلى منفِّذٍ لما يطلب منه عمله، ويمثِّل هذا الدَّور محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، في حين يبقى الآخرون الذين يشكِّلون جزءًا أساسيًّا في العمليَّة السَّرديَّة القرآنيّة عبارةً عن منفعلين لا فاعلين، دون أنْ يُسمح لهم بأيِّ اعتراضٍ أو حتَّى اقتراحٍ أو حرّيةٍ في العمل والرَّأي، وهذا -برأي نويفرت- لا يتوافق مع مبدأ الرِّسالة الجديدة التي جاءت لتكون أكثر حريَّةً وعمليَّةً، وتسهم بشكل أكبر في التَّواصل بين النَّاس.

لقد استطلاع محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) -برأي نويفرت- تحويل البلاغ القرآنيِّ إلى نصٍّ، ولم يتوقَّف عند جعله نصًّا تاريخيًّا، بل حوَّله إلى نصٍّ سرمديٍّ خالدٍ، فقد تمكَّن عبر عمليَّة جمع النُّصوص وتدوينها مِن نزع الطَّابع الزَّمانيِّ لها، حيث تذهب للقول: «وهكذا انتقل القرآن مِن مصافِّ الوثيقة التي تتجاوز حدود الجدل اللُّغويِّ والثَّقافيِّ إلى مرتبة وثيقةٍ لكاتب اسمه محمَّد، وعن معايشته لمجتمع شبه الجزيرة العربيَّة»[23]. وترى نويفرت أنَّ هناك تباينًا بين النُّصوص المكتوبة مِن حيث الأسلوب والبلاغة، مع التَّشابه الكبير بين النُّصوص الأولى والمزامير (مزامير داوود)، يظهر ذلك جليًّا ليس فقط مِن ناحية الأسلوب الشعريِّ، بل مِن ناحية التَّصوير الفنيِّ، ممَّا يجعلنا نؤكِّد بأنَّ مرحلة النَّقل الشَّفاهي قد انتابها شيءٌ مِن الخلط قبل تحويله إلى نصٍّ مكتوبٍ ذي سلطةٍ وطابعٍ قداسيٍّ.

تؤكِّد نويفرت أنَّ الحديث في المصحف المدوَّن يختلف عمَّا هو عليه الحوار والحديث في القرآن، حيث «إنَّ الصَّوت الإلهيَّ ينضمّ إلى الصَّوت النَّبويِّ ليصبح الرَّاوي، بينما يختفي الجمهور المتفاعل»[24]؛ أي إنَّ الأمر يزداد هيمنةً وسوءًا بعد عملية التَّدوين، ولا يبقى أيُّ معنى للنَّاس في سرديَّة النَّص القرآنيِّ.

في حين أنَّ الحقيقة تتمثَّل بأنَّ الرِّسالة القرآنيَّة التي حملها محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وكُلِّف بتبليغها، لم يغب عنها نمط الثَّقافة الدِّينيَّة السَّابقة؛ لأنَّ الكتاب القرآنيَّ قد ظهر في بيئةٍ على معرفةٍ تامَّةٍ بالكتب المقدَّسة السَّابقة له، كما أنَّ الوحي القرآنيَّ منذ البداية، كان خطابه خطابًا مقدَّسًا، فالخطاب في بداياته الشَّفوية كان موجَّهًا إلى الكفَّار، ثمَّ تحوَّل إلى إرساء التَّعاليم والمعاملات التِّجاريَّة والاجتماعيَّة بين النَّاس. وليست المشكلة في التَّشابه بين الخطاب القرآنيِّ وبين غيره مِن الكتب المقدَّسة؛ إنَّما هو دليلٌ على أنَّه رسالةٌ سماويَّةٌ، وليس مِن تأليف محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنَّ ذلك يبيِّن مواطن التَّدخُّل البشريِّ التي حدثت عبر العصور في الكتب المقدَّسة السَّابقة، وبأنَّ القرآن قد جاء لردم هذه الهوَّة بين الكتب المقدَّسة السَّابقة ليكون دعوةً متكاملةً للبشريّة جمعاء، وليس خاصًّا بقومٍ أو أمَّةٍ عن سواها، حيث أبقى مِن شروط الإيمان شرطًا، هو الإيمان بالكتب السَّماويَّة السَّابقة، وبالرُّسل والأنبياء السَّابقين...

رابعًا- الرُّؤية النَّقديَّة للفردوس في الخطاب القرآنيِّ
تقدِّم نويفرت رؤيتها الخاصَّة حول خطاب النَّعيم الذي يقدِّمه القرآن الكريم عبر عمليّة التَّناص مع النُّصوص الدينيَّة في سياق الشَّرق القديم وحضارته، فالنَّعيم الذي يدعو إليه الخطاب الدِّينيُّ الإسلاميُّ عبر القرآن ينضوي على هدفٍ أساسيٍّ، فحواه التَّخلص مِن التَّصور العربيِّ الجاهليِّ، والبحث عن تصوراتٍ جديدةٍ تتناسب مع الدِّين الجديد، فهو خطابٌ لبثِّ القوَّة والعزيمة في نفوس أتباعه وإشاعة التَّفاؤل والقيمة، وهو كذلك تبديلٌ لصورة الحياة القاسية والمتوحِّشة بصورةٍ هادئةٍ أنيسةٍ تتوافق مع تعالِي الله عنها وقـيوميِّته عليها.

تؤكِّد نويفرت هيمنة الأيديولوجيا الدُّنيوَّية التي لا تعرف سوى الحصول على ما يريده الشَّخص دون تفكيرٍ في ما قد يترتَّب مِن نتائج على سلوكه المرتبط أوّلًا وأخيرًا بهذه الحياة الدُّنيويَّة وما تتطلَّبه، ودون أيِّ تفكيرٍ في المستقبل، لاسيَّما المستقبل البعيد؛ أو بمعنى آخر ما بعد الموت، وعالم ما بعد الحياة الدُّنيويَّة، فجاء الخطاب القرآنيُّ ليغيِّر هذا النَّمط الفكريَّ المرتبط بالبيئة وظروفها، حيث احتوى هذا الخطاب على محورٍ مهمٍّ حول الحياة الأُخرويَّة أو الإسكاتولوجيا، فصوَّر مرحلة ما بعد الموت وما فيها مِن نعيمٍ إذا كان الشَّخص المتوفّى صالحاً، وصوَّر الجحيم والعذاب إنْ كان غير صالحٍ.

لقد حوَّل الخطاب القرآنيُّ الأذهان إلى موضوع الحياة الآخرة، ممَّا جعله يترك أثرًا نفسيًّا عاليًا وهمَّةً كبيرةً في نفوس أتباع الدِّين الجديد للظَّفر بهذا النَّعيم الموعود، حيث باتت الجنَّة القرآنيَّة التي صوَّرها الخطاب الإلهيُّ موضوعًا أدبيًّا يستوحي مادّته مِن الصُّور التي صوَّرها الله عبر القرآن، ممَّا قاد -حسب تعبير نويفرت- لظهور مجتمعٍ قرآنيٍّ مؤمن بالتَّصوّرات التي يقدِّمها الخطاب القرآنيُّ حول الفردوس، كما تولي اهتمامًا بالمجتمع الجديد أو «بالسِّياق الحياتيِّ لإعادة توظيف التَّعاليم الكتابيَّة وما بعد الكتابيَّة في القرآن؛ بمعنى إبراز دور الوظيفة الدِّينيَّة والتَّعليميَّة في عمليّة ظهور المجتمع القرآنيِّ»[25]، ولقد ركَّز القرآن على النَّعيم في الآخرة بوصفها مكان المؤمنين المتَّقين، ولكنَّ المجتمع النَّبويَّ هو مَنْ عزَّز هذه الصُّور ونشرها بين أتباع دينه بعد أنْ أخذ ما يتناسب مع مجتمعه مِن صور الفردوس الواردة في الدِّيانات المختلفة، بما فيها الوثنيّة، دون أنْ يصرِّح بذلك، لذا لا بدَّ مِن إخضاع النُّصوص القرآنيَّة للتنقيح، لا سيَّما أنَّ مفاهيم الفردوس وصورها، قد تكوَّنت في المرحلة القرآنيَّة الممتدَّة مِن بدء الدَّعوة للدِّين الجديد إلى حين وفاة محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ أي المرحلة الشَّفويَّة.

وتذهب نويفرت إلى أنَّ الخطاب القرآنيَّ وتصويره للفردوس الموعود بهذا الشَّكل، لم يعزِّز الإيمان فحسب، «إذ إنَّ تصوير الجنَّة أدَّى إلى موازنة، بل واستبدال تلك التَّصورات الوثنيَّة القويَّة عن الواقع، والتي كانت مهيمنةً على عقول المعاصرين للقرآن»[26]، فصور النَّعيم في الآخرة جرَّدت الإنسان المؤمن بها مِن التَّمسك بملكيَّة أشياء ماديَّةٍ زائلةٍ، حيث جاء في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِن الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَن أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِن اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[27]، يمكننا أنْ نقسِّم حديث نويفرت عن الفردوس القرآنيِّ إلى قسمين، سنتحدَّث عنهما فيما يلي:

- القسم الأوَّل: أثر الدِّيانات والحضارات السَّابقة في تصوير النَّعيم القرآنيِّ
تبيِّن نويفرت أنَّ القرآن مختلفٌ عن المصحف -كما أسلفنا- ولذا، فإنَّه قد انتابه الكثير مِن التَّعديل والتَّغيير والحذف، لاسيَّما أنَّه قد تمَّ تدوينه في مرحلةٍ متأخرةٍ نسبيًّا عن بداية ظهور الدِّين الجديد، كما أنَّ القرآن كان متمِّمًا للرِّسالات السَّماويَّة السَّابقة دون أنْ يلغي شيئًا منها، ويظهر ذلك مِن خلال تأثير الأديان السَّابقة في التَّعابير والأمثلة القرآنيَّة، والتي انتقل بعضها إلى المصحف المدوَّن، وتمَّ التَّخلُّص مِن بعضها الآخر، ولم يكتفِ القرآن بالتَّأثُّر بالأديان السَّابقة فحسب، فقد تأثَّر بالحضارات والثَّقافات التي كانت سائدةً في زمِنه.

ففي الحديث عن الفردوس في القرآن، ذهب بعض المستشرقين لتحريف بعض المعاني القرآنيَّة التي تصوِّر النَّعيم أو حال أهل الجنَّة، كما هو الحال مع المستشرق كريستوف لكسنبرغ، إذ يذهب للقول إنَّ عددًا كبيرًا مِن المعاني القرآنيَّة التي تصوِّر حال الفردوس غير صحيحةٍ وليست دقيقةً، وقد تمَّ أخذ قسمٍ كبيرٍ مِنها مِن سرديّات الدِّيانات السَّابقة لهذا الدِّين، «يقول لكسنبرغ: الحور (جمع الحوراء، ومذكَّرها: أحور) يعني حرفيًّا الأناس البيض، يعني جاريات الجنَّة، والَّلاتي لهنَّ فارقٌ شديدٌ بين سواد قزحياتهنَّ وبين بياضٍ حولها. وعُرفت هذه الكلمة بمِن يُثرْنَ جذل ناظريهنَّ، وهو تعريفٌ خاطئٌ يرفضه اللُّغويون العرب. وهي مفردة ذُكرت في القرآن مرارًا وتكرارًا، وقد سُمِّيت -أيضًا- بأزواجٍ مطهَّرةٍ، وقال المفسِّرون إنَّهن بلا نقصٍ جسدًا وروحًا... ثمَّ يذكر بعض التَّفاصيل الواردة فيما يسمِّيه الأدب المتأخِّر عن الحور العين، ومنها خلقُهُن مِن الزُّعفران والمسك والعنبر والكافور في أربعة ألوانٍ: الأبيض، والأخضر، والأصفر، والأحمر، وهنَّ شفافاتٌ إلى درجةٍ يُرى مخُّ عظامِهنَّ عندما يلبسن 70 ثوبًا حريرًا... يرى لكسنبرغ أنَّ هذه التَّفاصيل كلَّها مداليل مادّيةٌ وحسيَّةٌ»[28]، فبرأيه أنَّ هذا التَّصوير يبتعد عن الموضوعيَّة، ولا يخلو مِن النَّمط الأسطوريِّ في التَّصوير، كما هو الحال في الأساطير الشَّرقيَّة القديمة التي سبقت هذه الدَّعوة القرآنيَّة.

وترى نويفرت أنَّ صورة النَّعيم في الخطاب القرآنيِّ مأخوذةٌ مِن الدِّيانات السَّابقة ومِن أثر الحضارات التي كان قد تأثَّر بها العرب والعالم آنذاك، ففي حديث نويفرت عن الجنَّة وأوصافها في سورة النَّبأ تقول: «تشترك مع التُّراث الكتابيِّ السَّابق: فالكأس الدَّهَّاق تتردَّد صداها في سفر المزامير (5: 23): (كأسي ريّا)، كما أنَّ الأعناب التي ينعم بظلِّها المتَّقون تشير إلى ما جاء في سفر ميخا، (الإصحاح الرابع 4)، وفيما يتعلَّق بإطار المائدة، فلها سلفٌ في تصوُّر المجتمع القرآنيِّ؛ «فهذه الوجبة الشَّعائريَّة هي رمزٌ وترقُّبٌ شبه مقدَّسٍ لمائدةٍ أُخرويَّةٍ عظيمةٍ ترِد الإشارة إليها دومًا في كتابات هذه الفترة، مثل العهد الجديد»[29]. وكذا الحال عند غيرها مِن المستشرقين الذين يزاوجون بين النَّعيم وصوره في القرآن وبين الحضارات والأديان السَّابقة له، كلُّ ذلك بهدف إثبات وبرهنة مسألتين اثنتين، الأولى: أنَّ القرآن خليطٌ مِن عددٍ كبيرٍ مِن الدِّيانات والحضارات، وأنَّه نتاجٌ بشريٌّ للمجتمع القرآنيِّ؛ أي المجتمع الذي بدأ فيه محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) دعوته. الثَّانية: القول بالانفصال بين القرآن الشَّفويِّ ومرحلته المتداولة بين النَّاس، وبين المصحف المدوَّن الذي تمَّت كتابته بعد وفاة محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الرسالة.

- القسم الثَّاني: التَّصوُّرات القرآنيَّة في مرحلته الأولى
شهد القرآن منذ بداية نزوله تقديم صورٍ عن الفردوس الموعود، فتوعَّد العاصي بأشدِّ العقوبات ومختلف أنواع العذابات، في حين وعد المتَّقين والمؤمِنين بالرِّسالة المحمَّديَّة بالنَّعيم والأمان، يظهر ذلك في الخطابات القرآنيَّة مِنذ بدايات الدَّعوة المحمَّديَّة في مكَّة، حيث أنَّ سورة الهُمزة جاءت للتَّنديد بالمخالفين لهذا الخطاب القرآنيِّ، فيقول تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ)[30]، حيث تزعم نويفرت أنَّ عمليَّة تصوير العذاب عمليةٌ أسطوريَّةٌ، كما أنَّ السُّور المكيَّة قد كرَّست جانبًا كبيرًا منها لتصوير العذاب، فهي سورٌ توعديَّةٌ مرعبةٌ للمخالفين والمنكرين لرسالة الدِّين الجديد، في حين أنَّ تصوير النَّعيم قد واجه أيضًا هجومًا عنيفًا بسبب طريقة تصوير القرآن، وبسبب مدى صدق هذه الصُّور المفارقة للواقع.

وترى نويفرت أنَّ التَّصوير القرآنيَّ للفردوس الموعود للمؤمنين، كان يرافقه تصويرٌ للجحيم والعذاب للكافرين والعاصين لهذا الخطاب، فتستشهد نويفرت بسورة النَّبأ كمثالٍ على هذا التَّلاقي في التَّصوير، حيث أنَّنا «نجد أوَّل وصفٍ مفصَّلٍ للجنَّة في القرآن في سورة النَّبأ في الآيات (31-36)، ويسبقها الصُّورة السَّلبيَّة المقابلة، وهي وصف النَّار في الآيات (21-26). (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا) سورة النَّبأ (21)... (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) سورة النَّبأ (31)... ويقتصر التَّصوير على خصائص محدودةٍ تستحضر معًا سيناريو الوليمة والمأدبة؛ فنزلاء المفاز سوف يعيشون في حدائق وأعناب لينعموا بشرب الخمر في وجود أبكارٍ فاتناتٍ، ولا يسمعون فيها لغوًا ولا كذبًا يفتريه خصومهم السَّابقون»[31]، حيث يقدِّم التَّصوير حالةً مِن المقارنة بين النَّعيم وبين الجحيم؛ بهدف إظهار عظمة الفردوس في عالم ما بعد الموت.

تذهب نويفرت في قراءتها وتحليلها لمدلولات الفردوس في الخطاب القرآنيِّ إلى سورة الرحمن التي تناولت الحديث عن النَّعيم بشكلٍ كبيرٍ، وقد يكون الأسلوب اللُّغويُّ والبلاغيُّ قد زاد مِن جماليَّة التَّعبير عن هذا النَّعيم، فعلى سبيل المثال «يأتي الوعد في الآية السَّادسة والأربعين (وَلِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)... أفضل تفسيرٍ لكلمة (جنَّتان) ما يراعي أساليب الشِّعر العربيِّ القديم الذي تكرَّر فيه استخدام لفظ المثنَّى في سياقاتٍ طوبوغرافيَّةٍ للإشارة إلى مكانٍ واحدٍ شاسعٍ، أو ما يراعي على الأرجح فهم بعض الصُّور اللُّغويَّة العربيَّة التي تعبِّر عن اللَّانهائيَّة، فيكون المعنى جنَّة بعد جنَّة، وجنَّات لا نهاية لها»[32]، وغيرها مِن الأمثلة التي تُظهر البلاغة القرآنيَّة وجماليَّة الجذب القرآنيِّ لأتباعه المؤمنين به، مقابل توعُّد الكافرين بهذه الدَّعوة وتخويفهم بهذه الصُّور العذابيَّة.
لقد سلَّطت نويفرت الضَّوء على تصوير القرآن لحياة النَّعيم ومدى تطابق هذه الرُّؤية مع غيرها مِن الأديان السَّماوية والعبادات الوثنيَّة السَّابقة، التي بدورها صوَّرت النَّعيم الموعود، كما أنَّها قدَّمت صور الفردوس المذكورة على أنَّها نمطٌ خطابيٌّ قرآنيٌّ أوليٌّ، تتركَّز في السُّور المكيَّة وفي بدايات الدَّعوة للدِّين الجديد، فكان الهدف منها التَّرغيب بهذا الدِّين، وبالتَّالي، يكون عملها هذا بمثابة دعوةٍ لتنقيح هذه الرُّؤية المنقولة بالأصل شفاهيًّا والبحث عن الحقائق العلميَّة، حيث تكثر تلك التَّصورات، ويتركَّز خطاب النَّعيم في السُّور المكيَّة أكثر مِنها في السُّور المدنيَّة، كلُّ ذلك يبقى ضمن الطَّعن في أصالة القرآن وموضوعيَّته، في حين أنَّنا لم نجد أيَّ نصٍ أو كتابٍ بديلٍ متكاملٍ ومتماسكٍ لغويًّا وبلاغيًّا يُكمل القرآن أو يُكوّن جزءًا منه.

الخاتمة والنَّتائج
بعد القراءة النَّقديَّة للمنهجيَّة القرآنيَّة عند أنجيليكا نويفرت، ومحاولة الَّرد على الأفكار التي أوردتها، يمكننا تلخيص أهمِّ الأفكار النَّقدية فيما يلي:
لم يكن الخطاب القرآنيُّ خاليًا مِن أثرٍ للأديان والحضارات السَّابقة لظهور الدِّين الإسلاميِّ، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ لما للدِّين مِن طابعٍ عالميٍّ، فهو لم يكن للعرب أو لقريش أو للجزيرة العربيَّة وحدها، إنَّما هو رسالةٌ عالميَّةٌ شاملةٌ. كما أنَّ التَّأثُّر بالحضارات أو الثَّقافات أو حتَّى الأديان السَّابقة مسألةٌ عاديَّةٌ جدًّا، وليس في ذلك أيُّ انتقاصٍ مِن هذا الخطاب، بل على العكس، فذلك إشارةٌ للتَّعايش والانفتاح مع العالم المختلف مِن جهةٍ، كما أنَّ هذه الحضارات والثقافات كانت سائدةً في المنطقة ذاتها الذي ظهر فيها الدِّين مِن جهةٍ ثانيةٍ، أي إنَّ هذه الأرض هي أرض حضاراتٍ وثقافاتٍ تاريخيًّا، والعرب شركاء في هذه الحضارات التَّاريخيَّة التي لم ينكرها القرآن الكريم؛ إنَّما ذكَّر بأهميَّتها، فقد كان الأمر الإلهيُّ للمسلمين الأوائل بالهجرة إلى الحبشة التي كانت تدين بالمسيحيَّة إشارةً إلى أنَّ منبع الأديان السَّماوية واحدٌ، لولا التَّدخُّلات البشريَّة التي طالت الأديان السَّابقة.

إنَّ القول بأنَّ القرآن أخذ شيئًا مِن اللُّغة السِّريانيَّة أو غيرها مِن لغات الحضارات السَّابقة، أمرٌ لا يشكِّل طعنًا في حقيقته بوصفه رسالةً سماويَّةً، فالتَّأثُّر والتَّأثير أمرٌ طبيعيٌّ وشائعٌ بين الحضارات، والله سبحانه وتعالى خلق كلَّ اللُّغات، ولا مانع مِن استعمال كلماتٍ مِن بعضها، لا سيَّما أنَّ الرِّسالة القرآنيَّة رسالةٌ عالميَّةٌ، أمَّا القول بأنَّ القرآن سريانيُّ المصدر، فذلك يجافي الحقيقة والمِنطق، فالدِّراسات العلميَّة الحديثة تؤكِّد أنَّ اللُّغة العربيَّة -ومنها ما جاء في القرآن- تحوي عددًا كبيرًا مِن الألفاظ الدَّخيلة مِن لهجاتٍ آراميَّةٍ متعدِّدةٍ (سريانيَّة، بابليَّة،... إلخ)، حيث كانت اللُّغة الآراميَّة هي اللُّغة الثَّقافيَّة الرَّئيسة للمنطقة بين سيناء ونهر دجلة لأكثر مِن ألف عامٍّ. بالتَّالي، فإنَّه مِن الطَّبيعيِّ أنْ تكون لغة الثَّقافة والحضارة السَّائدة أكثر انتشارًا وتأثيرًا مِن غيرها مِن اللُّغات، كما أنَّ العرب هم جزءٌ رئيسٌ مِن الحضارة الآراميَّة التي قامت على أرضهم.
لم يحدث أيُّ تغييرٍ لغويٍّ على الخطاب القرآنيِّ بين المرحلة الشَّفويَّة المتداولة وبين مرحلة التَّدوين الكتابيِّ؛ بل كان الانتشار الواسع للدَّعوة الإسلاميَّة ودخول عددٍ كبيرٍ مِن غير العرب إلى الدِّين الجديد وانتشار اللَّحن في اللُّغة العربيَّة بشكلٍ عامٍّ، والقراءات القرآنيَّة بشكلٍ خاصٍّ، دافعًا لعلماء اللُّغة العربيَّة والمسلمين لتدارك هذا اللَّحن وانتشاره، فقاموا بإضافة النِّقاط والحركات، وبعد هذه العمليَّة اللُّغويَّة انحسر اللَّحن وسهل على غير العرب تعلُّم اللُّغة وقراءة القرآن بشكلٍ أسهل بعد أنْ أصبحت اللُّغة أكثر قابليةً للتَّعلم والحفظ، ممَّا ساهم في انتشار الدَّعوة بشكلٍ أكبر.

القرآن كتابٌ منزَّلٌ مِن الله سبحانه وتعالى، وليس مِن تأليف محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد تفوَّق على بلاغة العرب الذين أبدعوا في الشِّعر واللُّغة حتَّى فاق مستوى البلاغة البشريَّة، وقد انسجمت بلاغة القرآن بخطابه الشَّفاهيِّ، وبعد التَّدوين كان متكامل الدَّعوة والهدف، كما أنَّ تشابهه مع الكتب المقدَّسة السَّابقة له بمثابة أكبر دليلٍ على أنَّه كتابٌ مقدَّسٌ وسماويٌّ، ولم يكن مِن تأليفٍ بشريٍّ؛ فقد جاء لتعرية وكشف التَّدخُّل البشريِّ والعبث في الكتب السَّابقة، ولردم التَّباعد والتَّناقض الحاصل بين الأديان كنتاجٍ لذلك التَّدخُّل.

إنَّ التَّشابه القرآنيَّ مع نمط الثَّقافة الدِّينيَّة والحضاريَّة السَّابقة في بداية الدَّعوة الشَّفاهيَّة، كان بسبب أنَّ القرآن ظهر في بيئةٍ ذات درايةٍ كاملةٍ بالكتب المقدَّسة، فمِن الطَّبيعيِّ أنْ تستلهم مِن نهجها في الأسلوب والتَّعبير والدَّعوة، كما أنَّ الخطاب القرآنيَّ في بداياته حاول أن يميِّز بين الحقِّ والباطل، فكان خطابًا حازمًا، ثمَّ تحوَّل بعد المرحلة الأولى الشَّفاهيَّة إلى لفت انتباه المؤمنين في المرحلة التَّدوينيَّة إلى سلسلةٍ مِن المواضيع التي تهمُّ حياتهم، وتنظِّمها تجاريًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وقد أبقى مِن شروط الإيمان شرطًا، هو الإيمان بالكتب السَّماوية السَّابقة، وبالرُّسل والأنبياء السَّابقين، فهو خطابٌ تكميليٌّ متكاملٌ.
وجَّه الخطاب القرآنيُّ الأذهان إلى موضوع الحياة الآخرة عبر الحديث عن فردوسها الموعود، ممَّا جعله يترك أثرًا نفسيًّا عاليًا وهمَّةً كبيرةً في نفوس أتباع الدِّين الجديد للظَّفر بهذا النَّعيم الموعود، حيث تحولَّت الجنَّة القرآنيَّة التي كانت محورًا قرآنيًّا لموضوعٍ أدبيٍ يستوحي مادَّته مِن الصُّور التي صوَّرها الله عبر القرآن.إنَّ صورة الفردوس في القرآن مهما اختلفت مصادرها، سواء أكانت أثرًا حضاريًّا أو دينيًّا سابقًا أو كانت صورةً تعود إلى مرحلة الخطاب الشَّفويِّ، ففي الحالتين يبقى ذلك يندرج ضمن الإسكاتولوجيا التي تعبِّر عن حالةٍ موضوعيَّةٍ وعلميَّةٍ لمرحلة ما بعد الموت.

- لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
أنجيليكا نويفرت، الدراسات القرآنيّة والفيلولوجي التاريخي النقدي، ترجمة: محمّد عبد الفتاح، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، ط1، 2014م.
محمّد غزوي، القرآن في الدراسات الاستشراقيّة الألمانيّة - دراسة نقديّة، دار الخليج للنشر والتوزيع، الشارقة، 2017م.
عبد الله محمّد الأمين النعيم، الاستشراق في السيرة النبويّة: دراسة تاريخيّة لآراء وات – بروكلمان – فلهاوزن، منشورات المعهد العالي للفكر الإسلامي، الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بنسلفانيا، 1997م.
أنجيليكا نويفرت، وجهان للقرآن- القرآن والمصحف، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2019م.
إقبال بن عبد الرحمِن إبداح، الوحي القرآني بين المفسّرين والمستشرقين: دراسة تحليليّة مقارنة، منشورات دار المنهل، عمان، 2011م.
تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، مؤسّسة كونراد- أدناور، ط1، برلين، 2004م.
أنجيليكا نويفرت، القرآن جزء مِن أوروبا؟، ترجمة: حامد فضل الله، وعصام حداد، مجلّة الكلمة، العدد 63، يوليو، 2012م.
أنجيليكا نويفرت، الفردوس كخطاب قرآني، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2021م.
أمير حسين فراستي، القراءة السريانيّة الآراميّة للقرآن الكريم: دراسة نقديّة لآراء كريستوف لكسنبرغ، إشراف الدكتور: محمود كريمي، منشورات المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجيّة، النجف (العتبة العباسيّة المقدّسة)، ط1، 2021م.
أنجيليكا نويفرت، القرآن والتاريخ: علاقة جدليّة - تأمّلات حول تاريخ القرآن والتاريخ في القرآن، ترجمة: إسلام أحمد، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2021م.
فرانسوا دي بلو، قراءة آراميّة سريانيّة للقرآن: مساهمة في فكّ شيفرة لغة القرآن لكريستوف لسكنبرج، ترجمة: هدى عبد الرحمن النمر، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، د.ت.
حسن قاسم حبش، جواهر الخطّاطين في فنّ كتابة خط الثلث - فنّ الخط العربي، منشورات دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1971م.
نويد كرماني، ما نتعلّمه مِن أستاذة العلوم الإسلاميّة أنجليكا نويفرت، ترجمة: حسين الموزاني، منشورات موقع قنطرة الإلكتروني (نقلًا عن منشورات معهد غوته)، ألمانيا، 2016م.

------------------------------------
[1][*]- دكتوراه في الفلسفة، تخصُّص فلسفة عربيّة معاصرة مِن جامعة دمشق، له مقالات وأبحاث عدّة منشورة تتناول القضايا السياسيّة والفكريّة المعاصرة.
[2]- أنجيليكا نويفرت، الدراسات القرآنيّة والفيلولوجي التاريخي النقدي، ترجمة: محمّد عبد الفتاح، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، ط1، 2014م، ص19.
[3]- القرآن الكريم، سورة الأنبياء، الآية 107.
[4]- محمّد غزوي، القرآن في الدراسات الاستشراقيّة الألمانيّة - دراسة نقديّة، دار الخليج للنشر والتوزيع، الشارقة، 2017م، ص250. بتصرّف.
[5]- أنجيليكا نويفرت، الدراسات القرآنيّة والفيلولوجي التاريخي النقدي، ترجمة: محمّد عبد الفتاح، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، ط1، 2014م، ص29.
[6]- عبد الله محمّد الأمين النعيم، الاستشراق في السيرة النبويّة: دراسة تاريخيّة لآراء وات – بروكلمان – فلهاوزن، منشورات المعهد العالي للفكر الإسلامي، الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بنسلفانيا، 1997م، ص217.
[7]- أنجيليكا نويفرت، الدراسات القرآنيّة والفيلولوجي التاريخي النقدي، ترجمة: محمّد عبد الفتاح، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، ط1، 2014م، ص320 بتصرّف.
[8]- القرآن الكريم، سورة طه، الآية 80-81.
[9]- أنجيليكا نويفرت، الدراسات القرآنيّة والفيلولوجي التاريخي النقدي، ترجمة: محمّد عبد الفتاح، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، ط1، 2014م، ص33.
[10]- أنجيليكا نويفرت، القرآن والتاريخ: علاقة جدليّة - تأمّلات حول تاريخ القرآن والتاريخ في القرآن، ترجمة: إسلام أحمد، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2021م، ص33.
[11]- فرانسوا دي بلو، قراءة آراميّة سريانيّة للقرآن: مساهمة في فكّ شيفرة لغة القرآن لكريستوف لسكنبرج، ترجمة: هدى عبد الرحمن النمر، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، د.ت، ص2.
[12]- فرانسوا دي بلو، قراءة آراميّة سريانيّة للقرآن، م.س، ص3.
[13]- حسن قاسم حبش، جواهر الخطّاطين في فنّ كتابة خطّ الثلث - فنّ الخطّ العربي، مِنشورات دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1971م، ص63.
[14]- أنجيليكا نويفرت، القرآن والتاريخ: علاقة جدليّة - تأمّلات حول تاريخ القرآن والتاريخ في القرآن، ترجمة: إسلام أحمد، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2021م، ص40-41.
[15]- نويد كرماني، ما نتعلّمه مِن أستاذة العلوم الإسلاميّة أنجيليكا نويفرت، ترجمة: حسين الموزاني، منشورات موقع قنطرة الإلكتروني (نقلًا عن منشورات معهد غوته)، ألمانيا، 2016م.
https://2u.pw/2MhFo
[16]- أنجيليكا نويفرت، وجهان للقرآن- القرآن والمصحف، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2019م، ص10.
[17]- أنجيليكا نويفرت، وجهان للقرآن- القرآن والمصحف، م.س، ص10-11.
[18]- إقبال بن عبد الرحمِن إبداح، الوحي القرآني بين المفسّرين والمستشرقين: دراسة تحليليّة مقارنة، منشورات دار المنهل، عمّان، 2011م، ص240.
[19]- أنجيليكا نويفرت، وجهان للقرآن- القرآن والمصحف، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2019م، ص12.
[20]- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، مؤسّسة كونراد- أدناور، ط1، برلين، 2004م، ص105.
[21]- محمّد عبدالله الشرقاوي، الاستشراق وتشكيل نظرة الغرب للإسلام، مِنشورات دار المنهل، عمّان، 2015م، ص137.
[22]- أنجيليكا نويفرت، وجهان للقرآن- القرآن والمصحف، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2019م، ص15.
[23]- أنجيليكا نويفرت، القرآن جزء مِن أوروبا؟، ترجمة: حامد فضل الله، وعصام حداد، مجلّة الكلمة، العدد 63، يوليو، 2012م. www.2u.pw/hW6MD
[24]- أنجيليكا نويفرت، وجهان للقرآن- القرآن والمصحف، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2019م، ص16
[25]- أنجيليكا نويفرت، الفردوس كخطاب قرآني، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2021م، ص10
[26]- أنجيليكا نويفرت، الفردوس كخطاب قرآني، م.س، ص14
[27]- القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 111
[28]- أمير حسين فراستي، القراءة السريانيّة الآراميّة للقرآن الكريم: دراسة نقديّة لآراء كريستوف لكسنبرغ، إشراف الدكتور، محمود كريمي، منشورات المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجيّة، النجف (العتبة العباسيّة المقدّسة)، ط1، 2021م، ص86.
[29]- أنجيليكا نويفرت، الفردوس كخطاب قرآني، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2021م، ص20-21.
[30]- القرآن الكريم، سورة الهُمزة، الآية 1-6.
[31]- أنجيليكا نويفرت، الفردوس كخطاب قرآني، ترجمة: حسام صبري، منشورات مركز تفسير للدراسات القرآنيّة، الرياض، 2021م، ص19-20.
[32]- م.ن، ص29-30.