الباحث : أحمد بهشتي مهر، السيدة منى موسوي
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 40
السنة : خريف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : September / 11 / 2024
عدد زيارات البحث : 89
الملخّص
يهتمّ المستشرقون منذ القدم بالإسلام والمسلمين والمذاهب الإسلاميّة وجغرافيا البلاد الإسلاميّة، ويتناولون كلّ شيء بالتنقيب والبحث والدراسة المستفيضة...، وفي قضايا وموضوعات وتفاصيل قد لا يتناولها المسلمون أنفسهم. ومن الطبيعي ألّا يكون هذا الجهد العلمي خالصًا للحصول على المعرفة وحبًّا بها، وحتّى لو سلّمنا بذلك، فلماذا غياب العلميّة والموضوعيّة والمنهجيّة في البحوث والدراسات التي تتناول أمهات مصادر الإسلام؟!. ولماذا لا يستقصي الكثير منهم مصادر معلوماتهم بالشكل العلمي والوافي؟! وفي هذا السياق، وهذه المنهجية تندرج دراساتهم وبحوثهم في تاريخ الشيعة والتشيّع وعقائده وأفكاره وكل ما يتعلّق به وبأئمته وعلمائه، وهو موضوع هذا البحث؛ الذي يحاول أن يؤرّخ إجمالًا لبدايات دخول حقل الشيعة والتشيّع إلى منظومة البحث عند المستشرقين؛ حيث يلحظ بعض المؤرّخين أنّ التعرّف التدريجي للمستشرقين على التشيّع كان مقارنًا لمرحلة الحروب الصليبية، وكانت البداية مع التعرف اليسير على بعض الشيعة الإسماعيلية، يليها المرحلة الثانية التي تعود إلى المرحلة الصفوية (القرن العاشر إلى الثاني عشر من الهجرة). ويبدو أن النشاط العلمي الأول والجاد في حقل الدراسات الشيعية في القرن التاسع عشر للميلاد، كان للمستشرق المجري إجناتس جولدتسيهر(1850-1921م). وقد كثرت الدراسات والبحوث بعد ذلك حول الشيعة والتشيع. وصولًا إلى المعاصرين، ومنهم الباحث الألماني هاينس هالم (Heinz Halm)، الذي تلخّصت دراساته الإسلامية حول تاريخ الإسلام في الشرق الأوسط، ولا سيّما تاريخ الشيعة الأوائل، والإسماعيلية وسائر الفرق الشيعية الأخرى، والأهمية السياسية للشيعة في التحولات التاريخية لإيران، وبيان طيف واسع من عقائد الفرق الشيعية، والتعريف بالمباني العقائدية والتاريخية للشيعة.
كلمات مفتاحية: هاينس هالم، الشيعة، التشيّع، حزب ديني، ظهور الشيعة، ظاهرة دينية، صدر الإسلام، الإمام علي، الخليفة.
المقدّمة
لقد تم الاحتكاك الأول لعلماء الغرب بالإسلام عبر رواية أهل السنة وفكرهم ومباني مذاهبهم، ثم أخذوا يتعرّفون بالتدريج وبشكل سرّي وعلى نحو قليل ببعض الشيعة الإسماعيلية[2]، وذلك خلال [ما يُسمّى بـ][3] الحروب الصليبية (من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر للميلاد)، لتبدأ المرحلة الثانية من تعرّف المستشرقين على التشيّع، خلال المرحلة الصفوية (القرن العاشر إلى الثاني عشر من الهجرة)[4]. بيد أن المعلومات القليلة والمتفرّقة للغربيين حول الشيعة الاثني عشرية الإمامية كانت قد تعرّضت للتحريف؛ وفي بعض الأحوال كانوا ينسبون عقائد الغلاة إلى الشيعة، ويتمّ التعريف به في بعض الموارد على أنه مذهب رجعي. والسبب في ذلك يعود إلى أن تعرّفهم على التشيع كان يتمّ من طريق المصادر الضعيفة والمطعون فيها وغير الشيعية. يضاف إلى ذلك أنه لم يتمّ الاهتمام بالجهود المبذولة للحصول على النسخ الأولى أو تصحيح وترجمة النصوص الشيعيّة.
وقد دخلت الدراسات حول الشيعة والتشيّع لاحقًا حقول البحث والتحقيق التفصيلي في عالم الاستشراق. وقد صدر في هذا الشأن الكثير من الدراسات الأكاديمية في مختلف الحقول، ومن بينها: تصحيح النصوص والمخطوطات، والأبحاث والدراسات القرآنيّة، والتحقيقات اللغويّة والتاريخيّة والعقائديّة، علمًا بأن المستشرقين المختصين في الدراسات الإسلاميّة غالبًا ما يتّجهون في تحقيقاتهم إلى المنحى التاريخي، ويسعون إلى اكتشاف الأسباب التاريخيّة لظاهرة أو مسألة علميّة بين المسلمين.
ويبدو أنّ النشاط العلمي الأوّل والجاد في حقل الدراسات الشيعيّة في القرن التاسع عشر للميلاد، هو الذي قام به المستشرق المجري إجناتس جولدتسيهر (1850-1921م)[5]. وبعد ذلك أضحت الأعمال المتعدّدة لدونالدسون (1884-1976م) -ولا سيّما كتابه (مذهب التشيّع)- مصدرًا مهمًّا لدى الغربيين في حقل الدراسات الشيعية. كما أن بعض المشاهير من المستشرقين الآخرين الذين عملوا في حقل الدراسات الشيعية بشكل منهجي وأكاديمي، هم كل من: برنارد لويس (1916 ـ 2018 م)، ومونتغمري واط (1909-2006م)، وويلفرد مادلونغ (1930-؟م)، وإيتان كولبرغ (1943-؟م)، وموجان مومن (1950-؟م)، وروبرت غليف.
التعريف بكتاب هاينس هالم
هاينس هالم[6] باحث ألماني معاصر يعمل في حقل الدراسات الإسلاميّة والشيعيّة. وقد تلخّصت دراساته الإسلامية حول تاريخ الإسلام في الشرق الأوسط، ولا سيّما تاريخ الشيعة الأوائل، والإسماعيلية وسائر الفرق الشيعية الأخرى. وقد كتب الكثير من الأعمال والمؤلّفات في حقل الإسلام والتشيّع. وقد كان هاينس هالم من التلامذة المميزين عند المستشرقة أنا ماري[7] شيميل[8] في جامعة بون، وتمّ تنصيبه سنة 1980م أستاذًا في حقل الدراسات الإسلامية في جامعة «توبين غن»[9].
وإن موضوع كتاب (التشيّع)[10] لمؤلفه هاينس هالم يدور حول الأهمية السياسية للشيعة في التحولات التاريخية لإيران. لقد كان غرض هالم من تأليف هذا الكتاب هو العمل على بيان طيف واسع من العقائد الموجودة بين الفرق الشيعية. ومن هنا فإنه يسعى جاهدًا من أجل تعريف المخاطب بالمباني العقائدية والتاريخية للشيعة. وعلاوة على ذلك يرصد دور علماء الدين الشيعة في التحوّلات السياسية لإيران. وقد تمّ تنظيم الكتاب ضمن خمسة فصول، وذلك على النحو الآتي: 1- منشأ التشيّع. 2- الإمامية أو الشيعة الإثنى عشرية. 3- الشيعة الغلاة. 4- الإسماعيليّة أو الشيعة الذين يقتصرون على الاعتقاد بسبعة أئمة فقط. 5- الشيعة الزيدية.
لقد تمّت الاستفادة في هذا الكتاب من ثلاثمئة مصدر تقريبًا، وتعود الإحالات إلى القرآن الكريم في هذا الكتاب إلى الترجمة الإنجليزية للقرآن والتي هي من عمل مارماديوك بيكتا (لندن، 1957م). وقد عمل الدكتور سعيد أمير أرجمند[11] على إعادة قراءة هذا الكتاب.
توجد في كل عملية تفهيم وتفاهم بعض الألفاظ والمفردات التي تلعب دورًا محوريًا وأساسيًا في نقل المفاهيم والأفكار إلى المخاطبين؛ بحيث لا يكون التحاور من دونها أمرًا ممكنًا، ومن هنا يقول المناطقة: إن التصوّر متقدّم على التصديق[12]. وعلى هذا الأساس، فإن كل إدراك أو تصديق إنما يتمّ الحصول عليه من طريق المفهوم. وإن التعرّف على أيّ فرقة ما -من حيث المنشأ التاريخي لأفكارها- لا يُعدّ استثناءً من هذه القاعدة. إن من بين الأسباب الأصلية في اختلاف الآراء بشأن العلوم وكذلك النظريات يعود إلى تجاهل التمايزات المفهومية والوقوع في شراك مغالطة الاشتراك اللفظي. وهكذا فإن ظاهرة الشيعة والتشيع بدورها لم تسلم من هذه الآفة، وكانت ماهيتهما المفهومية وتاريخ ظهورهما موردًا لتضارب الآراء، ولا سيّما من قبل المستشرقين.
كانت هناك منذ القدم نظريات مختلفة حول منشأ وظهور الشيعة والتشيّع[13]؛ ولكن حيث إن أغلب هذه النظريات تستند إلى مصادر من الدرجة الثانية، من قبيل مصادر أهل السنة، وإن أكثر الآراء المذكورة في هذا الشأن قد تمّ تقديمها وتقريرها بشكل ضعيف وخاطئ وغير واقعي، فقد تمّ تصوير التشيّع -في نهاية المطاف- على أنه مذهب محرّف ومختلق عن ظهور الأفكار والجماعات. وقد تمّ نقد ومناقشة الكثير من هذه النظريات في العديد من الأبحاث والدراسات[14]. وفي نظرة متفائلة، يجب القول: إنه على الرغم من أنّ لهذه الدراسات طابعها البحثي والعلمي، ولكنها بسبب استنادها الرئيس إلى المصادر غير المعتبرة، تؤدي في الغالب إلى نتائج غير واقعية، وترد عليها لذلك انتقادات جادّة.
إن من بين المسائل الأهم في أفكار أيّ تيار مذهبي، عبارة عن التقرير والبيان الذي يقدّمه عن هويته وماهيته التاريخية. وكلما اتسع الشرخ الزمني بين ظهور التيارات الدينية ومنشأ ظهور ذلك الدين، فإن ذلك التيار سوف يواجه المزيد من التهم، من قبيل: الاختلاق والانحراف. ومن بين التيارات الإسلامية تمّ وضع الشيعة -للأسف الشديد- في موضع الاتهام بالانحراف. وإن الجذور الأصلية لهذه التهم تعود إلى هذه النظريات الخاطئة فيما يتعلق بمنشأ ظهور الشيعة وتبلور التشيّع. ومن هنا يتعيّن على الباحثين والمحققين من الشيعة أن يقدّموا توصيفًا وبيانًا دقيقًا بهويتهم التاريخية، والعمل بعد ذلك على انتقاد الآراء الخاطئة الموجودة في هذا الشأن.
ومن بين الكثير من الأشخاص الذين كتبوا في حقل ظهور التاريخ الفكري وكذلك جموع الشيعة، هو المستشرق والباحث الألماني في الشأن الشيعي هاينس هالم؛ حيث ذكر في كتابه (التشيّع) رؤية تستحق البحث والتأمّل من عدّة زوايا.
نحن نرى أن «الشيعة» و«التشيّع» مفهومان متمايزان، ولكل واحد منهما أنواع ومصاديق مختلفة، وبالتالي يكون لهما مناشئ ظهور متنوّعة. وفي هذه المقالة سوف نعمل في البداية على بيان رؤية هاينس هالم ضمن ثلاثة أقسام، وهي: «تعريف «الشيعة»»، ومنشأ ظهور الشيعة، والخلافة المباشرة للإمام علي(عليه السلام). ثم بعد بيان التمايز المفهومي والمصداقي لـ«الشيعة» (في إطار الفرد والجماعة والمجتمع) ومنشأ ظهورها، سوف نعمل على تحليل أن كلامه ناظر إلى أي واحد من أنواع الشيعة. ومنشأ ظهور أيّ نوع من الشيعة كان هو المراد من كلامه؟ وهل ذكر دليلًا وبرهانًا على مدّعاه؟ ثم نعمل في نهاية المطاف على نقد رأيه وما إذا كان صحيحًا أو خاطئًا.
تعريف «الشيعة» من وجهة نظر هاينس هالم
بعد نقل هاينس هالم لرأي فلهاوزن[15] -القائل إن الشيعة «حزب ديني/ سياسي»- عمد بدوره إلى تعريف كلمة «الشيعة» على أنها تعني «حزب»[16]، وبذلك فإنه ينظر إلى الشيعة نظرة سياسيّة، ويعتبر الشيعة جماعة كانت تدافع عن دولة الإمام علي(عليه السلام) في مواجهة حكم عثمان بن عفان[17].
منشأ ظهور الشيعة من وجهة نظر هاينس هالم
يذهب هاينس هالم إلى الاعتقاد بأن مصطلح «شيعة علي» قد ظهر بعد مقتل عثمان ومسألة تعيين الخليفة بعده، حيث قال: «إن عنوان شيعة علي أخذ يطلق -في إطار النزاع الحاصل بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان حول من يخلفه- على الأشخاص الذين دعموا ترشيح صهر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وابن عمّه علي بن أبي طالب(عليه السلام)»[18].
وفي الأساس، فإن هاينس هالم يعتبر الشيعة ظاهرة سياسية، وهذه الرؤية لهالم تلوح من جميع مواضع كتابه، فهو من خلال بيان الفترة الزمنية لظهور الشيعة بوصفهم حزبًا عمل على تعريفهم بأنهم يقومون على خصوصية سياسية، ويوحي بأن هذه الجماعة ليس لها من همّ أو هاجس سوى الاستيلاء على الحكم والسلطة. ومن هنا فإنهم في الاعتراض على الوضع القائم، مالوا نحو الإمام علي(عليه السلام)، وإن ذات هذا الدافع هو الذي صار علة لظهور هذه الجماعة؛ إذ يقول: «لقد ظهر الشيعة على شكل حزب، في إطار سعيهم من أجل الوصول إلى السلطة السياسية»[19].
وهو لا يفتأ يذكر الصبغة السياسية للشيعة مرارًا وتكرارًا. وكأن هذا الدافع هو الوحيد بوصفه خصوصية لازمة وضرورية لهم. يذهب هالم إلى الاعتقاد بأن الشيعة كانوا يسعون في جميع حالاتهم من أجل الحفاظ على مكانتهم السياسية، وإن هذا الدافع السياسي معقود في وجدانهم بحيث لا يزال مستمرًّا فيهم إلى الآن. ومن ذلك قوله: «لقد ظهر الشيعة في سعيهم إلى الحصول على السلطة السياسية على شكل حزب سياسي، ولم يتخلّوا عن هذه الخصوصية السياسية لهم أبدًا. وحتى اليوم نجد الدين والسياسة عند الشيعة -كما كان عليه الأمر في السابق- في علاقة وثيقة. لم يكن الشيعة يومًا... حتى في مراحل ضعفهم، قد غفلوا عن قوتهم الكامنة من أجل الوصول إلى السلطة»[20].
يذهب هاينس هالم إلى الاعتقاد بأن التشيّع لا يمكن أن يكون مجرّد ظاهرة دينيّة بحتة؛ إذ في هذه الحالة سوف يصعب تعريف التشيّع، وذلك لسببين، وهما:
1ـ إن ما هو موجود في التشيّع لا يتطابق مع أيّ من المقولات المسيحيّة أبدًا.
2ـ إن التشيّع ليس له ماهية ثابتة، وقد تطوّر على مرّ الزمن، وطرأت عليه تغيّرات وانقسم إلى مذاهب وجماعات[21].
وقال في ذلك: إن الاختلاف بين الشيعة والسنة ليس بالحجم الذي يمكن معه عدّ التشيّع دينًا آخر أو حتى فرقة منشقّة؛ إذ إنه لا يحتوي على خصائص الفرقة. ومن هنا فإنه يميل إلى ترجيح التعبير عن المنشأ والسبب الأولي لانتشار التشيّع بـ«الانشعاب»؛ وهو الانشعاب الحاصل بسبب النزاع حول قيادة المجتمع والأمّة[22]. وعليه فإنه يقلل الاختلاف الكلامي والاعتقادي بين التشيّع والتسنن إلى مجرّد أمر فرعي، ولكن على حساب أن التشيّع قد انشعب وانفصل عن أصله في صدر الإسلام، وكان سبب هذا الانفصال والانشعاب هو الموقف السياسي المخالف في تعيين القائد والخليفة[23]. وعلى هذا الأساس يمكن القول في نهاية المطاف: إن التشيّع مذهب يعمل على التعريف بإمام معيّن[24].
ويبدو أنه يعتبر الإسلام مرادفًا ومعادلًا للتسنن الذي له الأصالة، وأن التشيّع بمثابة الفرع المنفصل عن أصله. وكان هذا بداية لانتشار وتبلور التشيّع. إلا أنه يحدد التاريخ الأصلي لتكوين التشيّع وانتشاره بما بعد مقتل عثمان[25]، وأن معقل التشيّع عبارة عن مدينة الكوفة. وأن الإمام علي(عليه السلام) طوال كفاحه من أجل الحكم قد لجأ إلى هذه المدينة وحصل على دعمها[26].
كما أنه يأخذ رأي الشيعة بنظر الاعتبار أيضًا، ويقول: إن الرأي الصحيح عندهم هو أن التشيّع كان موجودًا منذ البداية، وأنه لم يطرأ عليه التغيّر أبدًا، وإن ذات هذا الاختلاف بين الطائفتين يبيّن البداية التاريخية له بوصفه حزبًا وجماعة منفصلة، إلا أنه يعتقد أن هذا البيان لا يؤدّي حق الكلام بشأن تكوين الشيعة[27].
يرى هاينس هالم أن زمن انعقاد الاختلاف وحدوث الانشعاب يختلف عن زمن ظهور التشيّع بوصفه حزبًا يدعم قائدًا معيّنًا. إن المنشأ الأولي والأصلي لظهور الشيعة يعود إلى صدر الإسلام، وإن الموقف المخالف حول تعيين القائد الديني/ السياسي قد اكتسب بالتدريج خصائص أخرى[28]. إلى أن ظهر مصطلح «الشيعة» وجماعة التشيّع بعد مقتل عثمان، وأخذ هذا المصطلح يُطلق على أنصار الإمام علي(عليه السلام)[29].
رأي هالم حول خلافة الإمام علي(عليه السلام) المباشرة ومن يؤمن بذلك من الشيعة
لا شكّ في أن هذا المستشرق الألماني ملتفت إلى أن الشيعة يسندون عقيدتهم بشأن خلافة الإمام علي(عليه السلام) المباشرة للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حديث الغدير، ويرون أن كلمات النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير تمثّل نصًّا جليًا على تعيين الإمام علي(عليه السلام)[30]. من هنا وفي ضوء رؤية الشيعة فإن الأشخاص الذين كانوا حاضرين في يوم الغدير، ومن بينهم عمر بن الخطاب، باركوا للإمام علي(عليه السلام) وخاطبوه بلقب «أمير المؤمنين»[31]. وقد ذكر صائبًا أن الشيعة يعتبرون الإمام علي(عليه السلام) هو وحده الخليفة الحقيقي للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يطلقون لقب «أمير المؤمنين» إلا عليه، ويرون أن خلافته القصيرة كانت وحدها هي الحكومة المشروعة التي عاشت الأمة الإسلامية تجربتها بعد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)[32]؛ وذلك لأن النبي قد صرّح بخلافته وإمامته في عدّة مواطن، بيد أنه لم يصل إلى الخلافة إلا في وقت متأخر، وذلك بعد ربع قرن من موعدها الأصلي بعد رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة[33].
وقال أيضًا إن انتخاب الإمام علي(عليه السلام) من قبل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خم، يعد من الحقائق الثابتة والقطعية عند الشيعة، وإن جميع الذين خالفوا واعترضوا على خلافة الإمام علي(عليه السلام) هم مورد بغض الشيعة[34]، إلا أنه لا يرتضي دلالة هذا الحديث، ويقول: «إن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذكر أيّ حكم لهداية مستقبل الأمّة الإسلامية، ولم يخلف ولدًا ذكرًا ليكون خليفة له»[35].
يذهب هاينس هالم إلى الاعتقاد بأن مراد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا الكلام أيًا كان، إلا أنه لم يكن تعيين خليفة له[36]. ومن ناحية أخرى فإن انتقال السلطة السياسية من الأب إلى الابن لم يكن قد تأسس على نحو الأصل المُلزم. ومن هنا فإن أهل المدينة قد اختاروا واحدًا من المهاجرين المكيين بوصفه خليفة لرسول الله عليهم، وهو (أبو بكر بن أبي قحافة)[37].
إن خلافة الإمام علي(عليه السلام) -من وجهة نظر هاينس هالم- لم تكن بسبب النصّ عليه من قبل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا بسبب الوراثة، وذلك أولًا لأنه كان واحدًا من أعضاء الشورى الستة لاختيار الخليفة الثالث، وإنه لم يتمّ تنصيبه خليفة على المسلمين بعد مقتل عثمان، وهو إنما كان في ذلك مجرد مرشّح لبعض المسلمين الذين طالبوا بالحكومة الإسلامية الأصيلة؛ ليحصلوا على سلطة أقوى في مواجهة أشراف مكة[38].
وقبل مناقشة كلام هاينس هالم بشكل مباشر، من الضروري أن نذكر كلامًا حول التمايز المفهومي لكلمة «الشيعة» و«التشيّع»، وأنواع الشيعة، ومبدأ ظهور كل واحد من هذه المفاهيم:
التمايز المفهومي بين «الشيعة» و«التشيّع»
على الرغم من استعمال مفردتي «الشيعة» و«التشيّع» بمعنى واحد وعلى نحو مترادف في أغلب النصوص والمصادر الكلاميّة والتاريخيّة وكتب المذاهب والنِحَل وحتى المصادر الروائية، ولكن يبدو أنه يجب الفصل والتمييز بين هذين المصطلحين. إن المعاني المذكورة في الكتب اللغوية لـ«الشيعة» و«التشيّع» تثبت أن هاتين الكلمتين يمكن لكل واحدة منهما -من الناحية اللغوية في الحدّ الأدنى- أن تكون مختلفة عن الأخرى. إن البحث اللغوي يثبت أن كلمة «الشيعة» تطلق على الأشخاص والجماعة والقوم والأصحاب والأنصار الذين يتفقون على أمر واحد، أو يتبعون رأي شخص واحد، أو يكونون سببًا في تقوية الشخص أو نصرته[39]. وأن التشيّع يعني القول بما يدّعيه الشيعة[40]، كما تعني النشر أو التفرّق[41].
كما يختلف معنى هاتين الكلمتين عن بعضهما في المصطلح الخاص أيضًا. إن علماء الشيعة يطلقون لفظ «الشيعة» على الأشخاص والجماعات أو الأفراد. وإن بعض تعاريفهم في هذا الشأن على النحو الآتي:
ـ «الشيعة» جماعة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذين آمنوا بإمامته بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)[42].
ـ «الشيعة» تطلق على أتباع أمير المؤمنين(عليه السلام) الذين يؤمنون بولايته وإمامته اعتقادًا، ويقولون بخلافته بلا فصل بعد رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)[43].
ـ «الشيعي» هو الذي يقول بإمامة الإمام علي(عليه السلام) بلا فصل[44].
ـ «الشيعي» هو الشخص الذي يؤمن بوجود نصّ من النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) على إمامة الإمام علي(عليه السلام) وخلافته[45].
وقد ورد تعريف «الشيعي» في بعض مصادر أهل السنة بأنه الشخص أو الأشخاص الذين يتبعون أمير المؤمنين عليًا(عليه السلام)، أو يعتقدون بإمامته بعد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)[46].
وأما المراد من «التشيّع» فهو المفهوم والاعتقاد الذي يختص بالتفكير. وعلى هذا الأساس يجب التمييز بين تلك العقيدة أو الرؤية الكلامية وبين الشخص الذي يؤمن بتلك العقيدة. وفي هذا الكتاب نذهب إلى الاعتقاد بأن ولاية الإمام علي(عليه السلام) وإمامته تعني «التشيّع»، وأن الشخص الذي يتبع هذه العقيدة هو «الشيعي».
في تعريف هاينس هالم لـ«الشيعي» يجب الالتفات إلى ثلاث نقاط:
الأولى: إن كلمة «الشيعي»، كما يذكر هو بنفسه، كلمة عربية[47]. وكلمة «الشيعة» في اللغة العربية لا تستعمل بمعنى الحزب فقط، بل إن «التبعية واتفاق جماعة على أمر ما» -كما تقدّم في بيان المعنى اللغوي- قد أشرب في معناها أيضًا.
الثانية: لقد ذكر هاينس هالم تعريف «الشيعة»، ولكنه لم يتعرّض لبيان معنى «التشيّع».
الثالثة: إن كلمة «التشيع» التي قام هالم بتعريفها إنما هي ناظرة إلى مجرد واحد من معانيها وأنواعها، وهو «التشيّع السياسي». وسوف نعود إلى التوضيح في هذا الشأن في الفصل اللاحق أيضًا.
تعدّد استعمالات التشيّع
ولمفهوم «الشيعة» استعمالات مختلفة، وعلى غرار ذلك تكون له مصاديق متعددة أيضًا؛ ونتيجة لذلك تكون له مناشئ ظهور متنوّعة:
1 ـ «الشيعي العقائدي»: وهو يُطلق على الشخص الذي يعتقد بمفهوم الخلافة الشامل والمطلق وبلا فصل للإمام علي(عليه السلام) بوصفه خليفة لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وإن الاتجاه الفكري لهذا الصنف من الشيعة يعود بجذوره إلى اعتقاد خاص (وهو الحق الإلهي للإمام(عليه السلام) في الإمامة). وفي هذه العقيدة تكون للإمام -بالإضافة إلى الحق في الحكم وإدارة المجتمع والسلطة- بسبب ارتباطه الخاص بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، منزلة فكرية ومعنوية خاصة، ويجب لذلك اتباعه في جميع الأصول والفروع. ويُشير أتباع هذه الرؤية إلى هذا المقام الثابت للإمام بعبارات من قبيل: الوصاية والولاية والإمامة[48].
2 ـ «الشيعي السياسي»: هو الذي يعترض على عثمان، ويرى أن الإمام علي هو الخليفة الشرعي. والكثير من هؤلاء الشيعة بهذا المعنى كانوا يقبلون بخلافة الخليفة الأول والثاني قبل عثمان، ومع ذلك كان العثمانيون المتطرّفون يطلقون على هؤلاء مصطلح الشيعة[49].
ونحن نطلق على هؤلاء مصطلح «الشيعي السياسي»؛ إذ لم يكونوا يعتقدون بالخلافة المباشرة للإمام علي(عليه السلام) بلا فصل، ولم يميلوا إلى صفّ الإمام علي(عليه السلام) إلا في قضية خلافة عثمان؛ حيث امتعضوا من الأوضاع التي سادت فترة خلافته ولم يعودوا يطيقون صبرًا على الانحراف الحاصل فيها عن مبادئ الإسلام الأصيل، وفي مقام المقارنة فيما يتعلق بالحكم رجّحوا كفّة الإمام علي(عليه السلام).
وقد يكون هناك بين هذا الصنف من الشيعة من يفضّل الإمام علي(عليه السلام) حتى على الخليفتين الأول والثاني، ولكنهم مع ذلك لم يكونوا يقولون بأن الإمامة حق إلهي ثابت له. وتارة يطلق هذا المصطلح «شيعة علي» (في قبال «شيعة عثمان»). وهناك من أطلق على هذا النوع من التشيّع اسم «التشيّع العراقي» أيضًا[50].
3 ـ «الشيعي المحبّ لأهل البيتb»: وهو الشخص الذي يضمر في قلبه مجرّد حبّ ومودة لأهل البيتb، ويقتصر في علاقته بأهل البيتb على حدود هذه المحبة فقط، دون أن يبرأ من أعدائهم ومخالفيهم. ومع ذلك فإن هؤلاء يُعدّون من وجهة نظر العثمانيين من الشيعة؛ ولكن بناء على فهم لرواية الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)[51] يجب تسمية هؤلاء بـ«المحبّين» فقط. وقد أطلقنا على هذه الجماعة في مقام التسمية ولغرض التمييز بين أنواع الشيعة -في ضوء ما حدث طوال التاريخ- عنوان «الشيعة المحبّين».
وفي تبويب آخر، يمكن أن نذكر ثلاثة مصاديق للشيعي العقائدي:
1 ـ الشيعي بوصفه فردًا.
2 ـ الشيعي بوصفه جمعًا وأفرادًا يمتازون من سائر الجماعات الأخرى.
3 ـ الشيعي بوصف المجتمع الذي يشتمل على ميزة وغاية محدّدة ومنظمة، ويكون له في إطار تلك الغاية نشاط منسجم ومركّز.
تعدّد مناشئ الظهور
أ ـ مبدأ ظهور مصطلح «الشيعة»: إن أول استعمال لمصطلح «الشيعة» بمعنى أتباع الإمام علي(عليه السلام) -على ما ورد في الروايات الموجودة بين أيدينا- إنما كان على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك في روايات من قبيل: «هم أنت وشيعتك»[52]، و«هذا وشيعته هم الفائزون»[53]، و«أنت وشيعتك في الجنة»[54]، و«إذا كان يوم القيامة ... أخذ وُلدك بحجزتك، وأخذ شيعة وُلدك بحجزتهم»[55]، و«ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين»[56]. إن هذه الروايات تدلّ بوضوح على تاريخ ظهور واستعمال مصطلح «الشيعة» في عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم).
ب ـ مبدأ ظهور التشيّع الاعتقادي: ذكرنا أن هناك تفاوتًا بين «الشيعة» و«التشيّع». وكذلك فإن للشيعة أقسامًا وأصنافًا. ومن هنا فإننا نواجه مناشئ متنوّعة لظهور هذين المفهومين. إن النقطة الجديرة بالاهتمام هي أن بداية ظهور التفكير يمكن أن تكون مختلفة عن الذين يعتنقونه ويؤمنون به. فقد يتمّ بيان فكرة في مرحلة زمنية، ولا تجد لها أتباعًا إلا في مرحلة زمنية أخرى. وكذلك لا بدّ من الالتفات إلى أن هناك وراء ظهور كل فرقة، فكرة ورؤية. وعلى هذا الأساس نقول أوّلًا: إن كل صنف من أصناف التشيّع يقوم على نوع من الدعامات الفكرية. وثانيًا: قد يكون هناك اختلاف زمني بين منشأ ظهور تلك الفكرة وبين أتباعها والقائلين بها في كل واحد من هذه الأصناف. وقد التفت الشهيد السيد الصدر إلى هذه النقطة في ظهور التشيّع والشيعة، وقال في ذلك: إن مضمون ومفهوم التشيّع منبثق عن الإسلام[57]، وإن كان الأشخاص الذين اكتسبوا هذا العنوان قد ظهروا لاحقًا[58].
إن المفهوم الذي يتحلّق حوله الشيعي العقائدي هو خلافة الإمام علي(عليه السلام) بلا فصل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع شؤون الرسالة (باستثناء الوحي التشريعي). إن هذا المفهوم يستند إلى كلمات النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) التي صدرت عنه في مختلف المناسبات بشأن الوصية والولاية للإمام علي(عليه السلام)، من قبيل: حديث يوم الإنذار، وحديث الثقلين، وحديث الغدير، وحديث «سلّموا عليه بإمرة المؤمنين»[59].
وعليه فإن تاريخ ظهور التشيّع الاعتقادي يعود إلى عصر النبي الأكرم[60]. يذهب السيد الشهيد الصدر إلى الاعتقاد بأن مفهوم «التشيّع» لا يمكن أن يكون قد حدث فجأة؛ وذلك لأن هذا الأمر لا يتطابق مع الواقع، ولا هو معقول ومنطقي، كما لا تؤيّده الشواهد التاريخية[61]، بل هو يمثل نقطة تكامل الإسلام الذي تبلور ضمن إطار الدعوة الإسلامية على يد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر الله سبحانه وتعالى، من أجل الحفاظ على مستقبل الإسلام[62].
يثبت السيد الشهيد الصدر -في ضوء الاتجاه التاريخي- أن التشيّع يأتي كنتيجة طبيعية لتبلور دعوة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). ويبني استدلاله في ذلك على أربعة أركان:
1 ـ ماهية الدعوة الإسلامية، التي هي عبارة عن بناء الإنسان المسلم.
2 ـ حقيقة المجتمع في تلك الحقبة، من قبيل: عدم توفر الاستعداد الذهني والديني والسياسي للناس، بالإضافة إلى وجود المنافقين المشاكسين.
3 ـ سلوك وسيرة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) طوال حياته وقيادته.
4 ـ عدم ارتقاء الناس إلى مستوى القيادة[63].
وعلى هذا الأساس، فإن الموقف السلبي للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وترك القيادة وإعطاء زمام الأمور السياسية والفكرية إلى المهاجرين والأنصار -وذلك بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة وبلا مقدمات- لا يعدّ تصرّفًا ناضجًا، بل هو أمر غير معقول وبعيد عن المنطق، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنه الدين الخاتم وآخر الأديان التي يراد لها الخلود والبقاء إلى آخر الزمان، وعليه فإن هذه الأمور مجتمعة لا تسمح بتركه عرضة للأهواء والاختبارات الخاطئة. بل إن الطريق الوحيد المعقول والمنطقي والمنسجم مع مقتضيات صدر الإسلام ورسالة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، هو أن يختار النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر الله الشخص المناسب، وتعريفه -من خلال تعليم أسرار القيادة- لإدارة المجتمع الإسلامي من الناحية الفكرية والسياسية والاجتماعية[64].
وقال العلامة الطباطبائي بدوره: إن إهمال الخلافة وغياب القوانين من أجل إقامة الحكومة، مخالف للفطرة، ومخالف كذلك لسيرة ومنهج النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما هو مخالف لطبيعته. وعليه كيف يمكن له أن لا يكون مهتمًّا بالأحداث التي ستقع بعد رحيله؟![65]
إن التقريرات التاريخية الموثّقة تدلّ على أن أحداث السقيفة تؤيّد أصالة مفهوم «التشيّع»؛ إذ عمد بعض الأشخاص في السقيفة -على أساس هذا المبنى- إلى مخالفة الطريقة السائدة في انتخاب الخليفة. كما لم يقبل الإمام علي(عليه السلام) في الشورى بأن يعمل بشيء غير كتاب الله وسنة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)[66]. كما أن عموم المهاجرين والأنصار لم يكونوا يشكّون في أن إدارة الأمور بعد النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ستقع على عاتق الإمام علي(عليه السلام). ومن ناحية أخرى فإن بعض الصحابة على الرغم من بيعتهم للإمام علي في غدير خم، إلا أنهم نقضوا بيعتهم من خلال حضورهم في السقيفة، ثم ندموا على ذلك. يقول الزبير بن بكار: بعد بيعة أبي بكر، ندم كثير من الأنصار على هذه البيعة، وأخذوا يتلاومون فيما بينهم ويذكرون اسم علي(عليه السلام)[67].
وهناك من المستشرقين من التفت إلى هذه المسألة، وقال: إن الاختلاف في السقيفة يُشير إلى أن الذهنية السابقة كانت تؤكد على خلافة أمير المؤمنين؛ الأمر الذي أدى إلى هذا الاختلاف. تقول السيدة لالاني: يتضح من الاختلاف في خصوص انتخاب أبي بكر، أنه قد سبق ذلك كلام في خصوص إمامته، ومن هنا فقد اعترض الناس على انتخاب أبي بكر وانتقدوه[68].
وقد ذكر دونالدسون هذا الاختلاف في كتابه أيضًا، وتساءل عن سبب ترشيح بعضهم عليًا(عليه السلام) للخلافة[69]؟ وقد اعتبر ذلك دليلًا على وجود الذهنية السابقة بشأن خلافة الإمام علي(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد ذهبت آن لمبتون إلى القول: كان هناك من يرى أن الخلافة حق لعلي(عليه السلام)[70]. وهذا بدوره يمكن أن يكون شاهدًا على أن بحث ظهور الفكر الشيعي وحتى ظهور الشيعة يعود إلى ما قبل مقتل عثمان، بل وحتى قبل السقيفة.
ولا شكّ في أنّ هذه الاعتراضات تستند إلى مفاهيم قد تبلورت في الأذهان وكانوا يعتقدون بها؛ وهي مفاهيم تستند إلى تعاليم النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). وعلى هذا الأساس يمكن القول: إن مبدأ ظهور هذا الفكر (التشيّع الاعتقادي) يعود إلى عصر حياة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويستند إلى تعاليمه.
وبطبيعة الحال فإن المصادر التاريخية والتفسيرية تذكر يوم دعوة العشيرة الأقربين بالتحديد -والذي يقترن باليوم الأوّل من الإعلان العام عن رسالة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)- بوصفه اليوم الأول للإعلان عن هذه الرؤية أيضًا[71].
ج ـ مبدأ ظهور التشيّع الاعتقادي
إن بداية التشيّع الاعتقادي، بمعنى الشيعي الذي يؤمن بهذا المفهوم ويتمسّك به موضوع آخر، يتمّ بحثه بشكل مستقل:
1 ـ ظهور التشيّع الاعتقادي (بعنوان الفرد الشيعي) في عصر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): أورد ابن طاووس رواية عن عيسى بن المستفاد، عن الإمام الكاظم(عليه السلام) حدّثه فيها عن كيفية إسلام السيدة خديجة؛ وجاء في هذه الرواية أنها بعد الإيمان بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ومبايعته، طلب منها النبي أن تبايع عليًا(عليه السلام) وتؤمن بولايته أيضًا، وأن السيدة خديجةh بايعت عليًا(عليه السلام) وأشهدت الله ورسوله على ذلك[72].
إن هذه الرواية بالإضافة إلى شواهد أخرى -من قبيل: شدّة تعلّق السيدة خديجةh بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، ودعمها السخي له، وبذلها جميع ثروتها في سبيل نشر الإسلام[73]، ومنزلتها عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)[74]، وأنها من أول المسلمين إسلامًا وإيمانًا برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)[75]- تعد من المؤيدات القوية على هذا القول، وهو أن السيدة خديجة كانت أول الشيعة إيمانًا برسول الله في بداية سنوات الدعوة كانتh.
2 ـ ظهور التشيّع الاعتقادي (بعنوان جماعة الشيعة) في عصر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
هناك من يستند -لإثبات ظهور التشيّع الاعتقادي في عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)- إلى الروايات النبوية المشتملة على لفظ «الشيعة». ولكن يجب القول: إن هذه الروايات في حدّ ذاتها وبالضرورة لا تفيد بيان تاريخ ظهور الشيعة. فقد تكون هذه الروايات واردة على سبيل القضايا الحقيقية، وأن مراد النبي هو أن الإمام علي(عليه السلام) سوف يكون له شيعة في المستقبل، وإنهم سوف يدخلون الجنة. بل ويمكن تفسير هذه الروايات على نحو القضية الشرطية أيضًا، والقول بأنها تعني: إذا كان الشخص من شيعة علي(عليه السلام)، فإنه سوف يدخل الجنة.
وفي إثبات تاريخ ظهور «جماعة الشيعة» يمكن للشواهد التاريخية والمسالك وروايات أصحاب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكون عاملًا مساعدًا ومؤثرًا ومناسبًا في هذا الشأن. فإن الاعترافات والتسليمات والبيعات وأنواع الدعم والنصرة من قبل الأشخاص المعاصرين للنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يتعلق بخلافة الإمام علي(عليه السلام) التي تمّ الإعلان عنها من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، يمكن لها أن تعمل على هدايتنا وتوجيهنا نحو مبدأ ظهور الشيعة في عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل أكثر اطمئنانًا. وفيما يلي نذكر نماذج من هذا القبيل على النحو الآتي:
قال خزيمة بن ثابت الأنصاري [ذو الشهادتين] بعد مبايعة الإمام علي(عليه السلام): «إنّا قد تشاورنا واخترنا لديننا ودنيانا رجلًا اختاره لنا رسول الله؛ فبايعناه»[76].
وكان أبو ذر الغفاري يقول في خطابه للناس: «أما لو قدّمتم من قدّم الله، وأخّرتم من أخّر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم»[77]. وقال للإمام عند مسيره إلى منفاه في الربذة: «إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فلم أصبر حتى أبكي»[78].
لقد روى المقداد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: «معرفة آل محمد براءة من النار، وحبّ آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب»[79].
وروى عمار بن ياسر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: «أوصي من آمن بالله، وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب، من تولاه فقد تولّاني، ومن توّلاني فقد تولى الله، ومن أحبّه فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله»[80].
وكان سلمان الفارسي يقول: «بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وآله- على النصح للمسلمين، والائتمام بعلي بن أبي طالب -(عليه السلام)- والموالاة له»[81]
وبعد عودة الإمام علي(عليه السلام) من صفين، قال له الثابتون من الشيعة: هناك في عنقنا بيعة أخرى أيضًا، وهي حبّنا لمن يحبك، وعداوتنا لمن يعاديك[82].
إن سابقة هؤلاء الأشخاص في الإسلام[83]، وحبهم وتسليمهم لأوامر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، واتباعهم النبي في جميع الحروب، وثناء النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم[84]، ونزول سورة البيّنة في السنة الثالثة من الهجرة، تشكل قرائن على صحة هذه النظرية، وهي «أن جماعة الشيعة» قد تكوّنت في الحد الأقصى ما بين عامي 14-15 من الهجرة[85].[86].
ومن هنا فقد ذهب بعضهم إلى الاعتقاد بأن تاريخ ظهور التشيّع الاعتقادي يعود إلى عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): «فأول فرق الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- المسمّون شيعة علي في زمان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم: المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي، المؤثرون طاعته، المؤتمنون به، وغيرهم ممّن وافق مودته مودّة علي بن أبي طالب(عليه السلام)»[87].
وقال أبو حاتم الرازي في هذا الشأن: إن لفظ «الشيعة» في زمن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) يُطلق على أربعة أشخاص، وهم: سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر[88]. وهناك من أهل السنة من يرتضي هذا القول أيضًا.
وقال كرد علي: «عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)... عرف هؤلاء باسم شيعة علي»[89]. وكان بعض الصحابة، من أمثال: سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري، وخالد بن سعيد، وقيس بن عبادة، يعرفون بموالاتهم للإمام علي(عليه السلام)[90].
كما وقد ذهب العلامة الطباطبائي إلى القول بأن بداية ظهور الشيعة الذين يعرفون بـ«شيعة علي» يعود إلى زمن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). وقد ذكر أن ظهور هذه الجماعة بين أصحاب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان أمرًا يقتضيه ظهور وتطوّر الدعوة الإسلامية على مدى ثلاثة وعشرين سنة. يرى العلامة أن محبة واتباع عشاق الحقيقة للإمام علي(عليه السلام) كان أمرًا طبيعيًّا وبديهيًّا. كانوا يرون أن الخلافة والمرجعية بعد النبي هي حق مطلق للإمام علي، وكانت ظواهر الأوضاع تؤيّد رؤيتهم أيضًا[91].
وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) مبدأ لظهور «جماعة الشيعة»؛ بمعنى أولئك الشيعة الذين كان لهم حضور على نحو متفرّق، وكانوا يتبنّون العقائد الشيعية، ولكنهم لم يكونوا يعملون بشكل محدد وفي إطار برنامج منظم وهدف ونظام خاص.
3 ـ ظهور التشيّع الاعتقادي (بعنوان المجتمع الشيعي) بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
يذهب بعض العلماء والمفكرين إلى الاعتقاد بأن تاريخ ظهور التشيّع الاعتقادي يعود إلى ما بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وذلك حيث قامت مجموعة من بني هاشم في حادثة السقيفة بالانتصار لخلافة الإمام علي(عليه السلام) بلا فصل، وبذلك فصلوا طريقهم عن مسار تعيين الخليفة الأول. وبطبيعة الحال فإن هؤلاء الأشخاص لا يتجاهلون الروايات النبوية المشتملة على مفردة «الشيعة»، ولكنها لا تشكل دليلًا قطعيًا على وجود مجموعة منسجمة ومنظّمة بالعنوان الرسمي لـ«الشيعة» في عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). ومن هنا فإنهم يقولون بأن «الشيعة» بوصفهم جماعة منظّمة ومنسجمة لها مواقفها المحدّدة، لم تظهر إلا بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك في أحداث السقيفة بالتحديد.
ويبدو أن مجرّد وجود هذه الروايات وإن كان لا يدلّ بالضرورة على وجود مجموعة موسومة بـ«الشيعة» -وإن كانت قليلة العدد- في الحقبة الزمنية لصدورها عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) (حوالي أواخر السنة الثالثة من الهجرة) أو قبل ذلك، ولكنها في الوقت نفسه لا تنفي احتمال ذلك أيضًا، إلا أن ضمّ هذه الشواهد التاريخية وروايات بعض الشيعة الأوائل -على ما تقدّم بيانه- إلى بعضها، وكذلك أنواع المواقف التي كانوا يتخذونها في الدفاع عن الإمام علي(عليه السلام) وإخلاص الأتباع والولاء له في عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) يمكن أن يشتمل على هذا المُعطى، وهو أن الاعتقاد الشيعي لهذه الجماعة كان قد ظهر بعد قليل من صدورها أو حتى قبل زمان صدور هذه الرواية، وتشكّلت جماعة الشيعة، ولا يبعد أن يكون استعمال لفظ «الشيعة» في الروايات النبوية ناظرًا -بالإضافة إلى الأجيال القادمة- إلى الشيعة الذين كان لهم حضور في السنة الثالثة للهجرة.
بيد أن النشاط والحراك المنسجم والهادف الأول للشيعة، وموقفهم المعارض تجاه أصحاب السقيفة، إنما كان في خضم أحداث اختيار خليفة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). فقد قام ما يقرب من اثني عشر صحابيًا بإلقاء كلمات تحدّثوا فيها عن تجاهل حق أهل البيتb، وعدم صلاحية أبي بكر للخلافة، واعتبروا أنّ اختياره يمثّل نوعًا من الخداع والاستغفال والخطأ الذي أخذوا فيه على حين غرّة. وقد عمد هؤلاء إلى التحصّن في دار السيدة فاطمة الزهراء(عليه السلام) تعبيرًا منهم عن الاعتراض والامتناع عن بيعة أبي بكر، وإن اضطروا بعد ذلك بفترة إلى إعطاء البيعة مكرهين تحت الضغط والترهيب[92].
وعليه يمكن القول: إن ظهور الشيعة ضمن جماعة متمايزة ذات هدف وإطار محدّد، إنما كان حيث اتخذوا موقفًا في مواجهة التيار الحاكم، وذلك في أحداث السقيفة بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). وفي الحدّ الأدنى يمكن الإقرار بوجود دليل في هذه البرهة الزمنية، وعليه لا ينبغي إرجاء ظهور المجتمع الشيعي إلى الأزمنة اللاحقة.
د ـ مبدأ ظهور التشيّع السياسي
بالنظر إلى تعريف «التشيّع السياسي»، يمكن إرجاع تاريخ ظهور هذا النوع من التشيّع إلى عصر خلافة عثمان أو بعد مقتله؛ حيث تحلّق عدد من المعترضين على سياسته وطريقة حكمه حول الإمام علي(عليه السلام). وفي تلك المرحلة انقسم الناس إلى طائفتين، وعُرفت إحدى هاتين الطائفتين بـ«العثمانية»، والأخرى بـ«العلوية». وقد عمدت هذه الطائفة من الشيعة إلى نصرة الإمام علي والقتال معه في حروبة[93].
يمكن تتبّع منشأ التشيّع السياسي أو الفكر الذي تبلور التشيّع السياسي على أساسه ضمن أحداث ما بعد ارتحال النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). ويمكن اعتبار فقدان النصّ الدال على تعيين الخليفة من قبل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) -الذي يمثّل الاعتقاد الشائع عند أهل السنة[94]- من أهم عناصر هذه الرؤية. والعنصر الآخر في هذا الرأي هو عدم القول بالحق الإلهي للإمام. ومن لوازم هذا العنصر القول بفرعية الإمامة وتقليلها إلى حدود القيادة والإدارة العامّة للمجتمع[95]؛ كما أن الأنصار مالوا إلى تعيين خليفة من بينهم خوفًا من تحالف قريش بعد فتح مكة والانتقام منهم[96]، وكانوا بصدد إدارة مدينتهم من الناحية السياسية بأنفسهم[97].
إن تبلور السقيفة والأسلوب المتّبع في اختيار الخلفاء شاهد على سيادة وحاكمية هذه الأفكار.
وقد استمرّ مسار تعيين الخلفاء على هذه الطريقة، إلى أن ضاق الناس ذرعًا وارتفعت أصوات الاعتراض وأدّت في نهاية المطاف إلى مقتل عثمان. وفي خضمّ هذه الأحداث مال عدد من الناس إلى الإمام علي(عليه السلام) وقبلوه بوصفه إمامًا لهم. إن هذه الجماعة التي كانت ترى اتباع الإمام واجبًا عليها عرفت بأنها من «شيعة علي»[98].
وعلى هذا الأساس، لو تمّ التعرّف على عدد من المسلمين في هذه المرحلة بوصفهم من «شيعة علي» أو من «العلوية»، فلا يجدر القول أبدًا إنهم من الشيعة الذين يعتقدون بخلافة الإمام علي(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة ومن دون فصل. إن أكثر هذه الجماعة هم من الذين لا يؤمنون بأن الإمام علي(عليه السلام)هو الخليفة بعد رسول الله مباشرة، وإنما يعدّونه جديرًا بخلافة المجتمع الإسلامي بعد أبي بكر وعمر. وبعبارة أخرى: إن هذه الجماعة يجب عدّها من الناحية الكلامية ضمن أهل السنة، ولا يمكن أن يكونوا من «الشيعة» بالمعنى الخاص للكلمة.
نقد رأي هالم
يمكن الفصل بين ثلاثة موضوعات في كلام هاينس هالم، وهي: تاريخ ظهور مصطلح الشيعة، وتاريخ ظهور العنصر الأول وحاضنة انتشار التشيّع، وتاريخ تبلور الشيعة وتكوينهم. ولكننا لا نشاهد تفكيكًا بين أقسام الشيعة، ولا نرى تمايزًا بين «الشيعة» و«التشيّع»، وقد تقدّم أن الشيعة من وجهة نظر هالم عبارة عن ظاهرة سياسية بالكامل، وأن هناك قولين حول مبدأ ظهور الشيعة، وهما:
1 ـ بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة، وذلك استنادًا إلى حديث الغدير ودلالته على خلافة الإمام علي(عليه السلام) بلا فصل.
2 ـ بعد مقتل عثمان بن عفان، وذلك بسبب الاعتراض على الوضع القائم، والميل نحو الإمام علي(عليه السلام).
ومن هنا فإنه يرى أنّه المؤمنين بخلافة الإمام علي(عليه السلام) بلا فصل، يمثلون نمطًا آخر من التشيّع السياسي، غاية ما هنالك أن اختلافهم الوحيد يكمن في تاريخ وصول الإمام علي(عليه السلام) إلى الخلافة. ومن هنا فإنه لا يراهم فرقة، وإنما هم ـ من وجهة نظره ـ مجرّد انشعاب، وإن الاختلاف الوحيد بين هذا الانشعاب وأصله يكمن في تاريخ القول بخلافة الإمام علي(عليه السلام) ومبدأ الظهور.
يميل هاينس هالم فيما يتعلق بتاريخ تبلور الشيعة بوصفهم حزبًا إلى القول الثاني، وكذلك يرى أن تاريخ ظهور مصطلح الشيعة يعود إلى ما بعد مقتل عثمان بن عفان. إلا أنه يرى اتخاذ الموقف المعارض في أحداث السقيفة نقطة بداية ومهد انتشار التشيّع. ويمكن العثور على هذا الفهم في كلام المستشرقين الآخرين أيضًا. من ذلك أن يوزيف فان إس يقدّم صورة تاريخية عن الشيعة، ويعتبرهم مجموعة تبلورت في مسار التاريخ. وذلك على أنهم في النزاع بين عثمان والإمام علي(عليه السلام) التحقوا بصفّ الإمام علي(عليه السلام) وتحلقوا حوله وأعطوه الحق[99]. وهو يرى أن الفكرة التي قام عليها هؤلاء الشيعة عبارة عن فكرة القيادة النورانية والمقدّسة، وإن وفاء هؤلاء لم يكن من أجل تقديس شخص، وإنما كانوا يبحثون عن قيادة كفوءة تليق في العصر الحاضر. وقد تبلورت رؤية أحقيّة الإمام علي(عليه السلام) عندهم بالتدريج، ولم يكن ذلك ضروريًا، ولم يُكتب له الدوام. وعلى هذا الأساس فإن الإمام علي بالنسبة لهم مفهوم يرتبط بالتاريخ[100].
كما يذهب لمبتون بدوره إلى الاعتقاد بأن الشيعة جماعة قد انفصلت عن الجسد الأصلي للإسلام بسبب الاختلافات السياسية. ورأى أن بداية التشيّع عبارة عن حركة ونهضة سياسية. وقال في هذا الشأن: «إن التشيّع وإن تحوّل لاحقًا إلى ثورة دينية، إلا أنه كان في بداية الأمر مجرّد حركة سياسية تأسست من أجل الانتصار لتطبيق القانون بشكل صحيح، وكانت ترى أن قيادة المجتمع إنما هي من حق الإمام علي(عليه السلام) وبنيه»[101].
إن هذه الرؤية التي تعتبر التشيّع فكرة طارئه ومتمخّضة عن الأحداث التاريخية، إذا لم نقل إنها ناشئة عن خطأ وعدم تدقيق في الكلام، وعدم رعاية الأصول العلمية في تحليل الوقائع التاريخية، فلا أقل يمكن اعتبارهم غير مطلعين على المصادر الشيعية المعتبرة، ويرجع ذلك إلى اقتصارهم على الرجوع إلى مصادر أهل السنة.
إن تقليل شأن خلافة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مجرّد إدارة المجتمع، يعود بجذوره إلى مبنى أهل السنة في الخلافة حيث يذهبون إلى أن منصب خلافة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس شأنًا إلهيًّا وعلميًّا وولائيًّا. يرى هاينس هالم أن حديث الغدير هو مستند الشيعة الإمامية الاثنى عشرية. إلا أنه يرفض دلالته من دون سبب. ناهيك عن أن مستند الشيعة في إثبات إمامة وخلافة الإمام علي(عليه السلام) لا يقتصر على حديث الغدير فقط.
والسؤال الذي يجب طرحه على هاينس هالم هو: أيّ صنف من أصناف الشيعة ظهر بعد مقتل عثمان بن عفان؟ وأيّ أصناف الشيعة هم الذين كانوا يرون أن خلافة الإمام علي(عليه السلام) هي وحدها الخلافة الشرعية دون سواها؟ إن هذا السؤال هو الذي يدفعنا إلى التفكيك والفصل بين أنواع «الشيعة»؛ وهو ما لم يتعرّض له هاينس هالم في مقالته. وإن الذي تعرّض له هالم في تعريف الشيعة إنما هو ناظر إلى قسم واحد من أقسام الشيعة فقط، وهو القسم الذي أطلقنا عليه عنوان «التشيّع السياسي». وهناك في الحدّ الأدنى قسم آخر يمتاز من هذا القسم؛ وذلك بسبب خصائصة الاعتقادية المختلفة تمامًا. إن هؤلاء استنادًا إلى الأدلة العقلية والنقلية والتاريخية الموجودة في المصادر المعتبرة لديهم ولدى أهل السنة أنفسهم، يعتقدون بأن الإمام علي(عليه السلام) هو خليفة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع الأبعاد بالمعنى الواقعي والحقيقي للكلمة.
وربما كانت عبارة وويلفرد مادلونغ هي الأبلغ في هذا الشأن؛ إذ يقول: على الرغم من أن الإمام علي(عليه السلام) كان محقًا فيما يتعلق بمرجعيته الدينية بمقدار ما كان محقًا في القيادة السياسية أيضًا؛ بيد أن إمامته لم تكن مرهونة بالحكومة الفعلية أو أيّ مسعى آخر للحصول عليها[102].
ذكرنا أنه طبقًا للتعريف والشواهد المتوفرة، فإن مبدأ ظهور هذه الجماعة (الجماعة الشيعية) -في ضوء تحليل الروايات والاعترافات الواصلة عنهم- يعود إلى عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). وأما مبدأ ظهور «المجتمع الشيعي» فيعود إلى أحداث السقيفة وما بعد رحيل النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم). إن سابقة التعاليم النبوية التي كانت راسخة في أذهان هذه الجماعة كُتب لها الظهور في أحداث السقيفة؛ حيث اتخذوا موقفهم المعارض والمعروف على أساسها.
ومن الجدير ذكره أن الشيعة الذين يقول عنهم هاينس هالم إنهم لم يفقدوا خصوصيتهم السياسية، هم غير الشيعة الذين عُرفوا بعد مقتل عثمان بوصفهم «شيعة علي(عليه السلام)» (التشيّع السياسي). فإن الكثير من هؤلاء الشيعة إنما هم في الواقع من أهل السنة، وقد تماهوا مع مسار الخلافة. وأما الشيعة الذين لم يفقدوا هذه الخصوصية فهم الشيعة العقائديون الذين لم يقم هاينس هالم بتعريفهم للأسف الشديد. وقد كان لهؤلاء حضور حتى قبل مقتل عثمان بن عفان، وكانوا يُعرفون بهذه التسمية.
الخاتمة
لقد توهّم هاينس هالم أن الشيعة ينحصرون بنوع واحد فقط -وذلك بسبب عدم تمييزه بين جماعة «الشيعة» وبين مفهوم «التشيّع»- وقال بأن الشيعة يمثلون انشعابًا أو فرقة انفصلت عن أصلها بسبب النزاع السياسي حول مسألة القيادة والخلافة، وانتشرت على طول الزمان. إن تركيز الاهتمام على البُعد السياسي من الشيعة، جعل هاينس هالم يغفل عن الاهتمام بالأبعاد المعنوية والمحتوى الاعتقادي للشيعة، في حين أن التشيّع (الفكري والاعتقادي) -طبقًا للتعاليم الشيعية- إنما هو وليد الإسلام، وإن كان الاختلاف الزمني لظهور «الفكر» و«الاتباع» محتملًا أيضًا.
نحن نذهب إلى الاعتقاد بأن لكلمة «الشيعة» استعمالات متنوّعة، وإن لها بطبيعة الحال أزمنة ظهور متفاوتة، وإن من بين أنواعها التشيّع الاعتقادي الذي يمكن أن تكون له مصاديق تحت عنوان «الفرد»، أو «الجمع»، أو «المجتمع»، حيث يحتمل أن تكون هذه المصاديق قد نشأت في أزمنة مختلفة. إن الشواهد والتقارير التاريخية ترشدنا إلى هذا الاحتمال القوي، وهو أن «التشيّع على المستوى الفردي» قد ظهر في السنوات الأولى من البعثة، وأن «جماعة الشيعة» -ولو على نحو محدود- قد ظهرت في السنوات الأخيرة من حياة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما «المجتمع الشيعي»، فلم يظهر إلا بعد رحيل النبي الأكرم، وذلك في خضم أحداث السقيفة.
وأما اليوم فإن المراد من التشيّع المصطلح في الأدبيات الشائعة بين المسلمين هو التشيّع الاعتقادي الذي تعود جذوره الفكرية إلى عصر النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما الآراء والأقوال الأخرى في ظهور المجتمع الشيعي، فهي مجرّد تعبير عن التحوّلات التاريخية للتشيّع، وإنها تبعًا لذلك تعبّر عن التشيّع السياسي.
لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، 1337هـ.ش.
ابن الأثير، مبارك بن محمد، النهاية، دار ابن الجوزي، المدينة المنوّرة، 1421هـ.
ابن النديم، محمد بن إسحاق، الفهرست، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد رضا تجدد، انتشارات أساطير، طهران، 1381هـ.ش.
ابن حزم، أحمد، الفصل، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ.
ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، المكتبة الحيدرية، النجف.
ابن عاشور، محمد بن طاهر، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.
ابن عبد البر، الاستيعاب، دار الجيل، بيروت، 1412هـ.
ابن عساكر، أبو القاسم، تاريخ مدينة دمشق، دار الفكر، بيروت، 1415هـ.
ابن ماجة، محمد بن يزيد، السنن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1395هـ.ش.
ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408هـ.
الإسكافي، أبو جعفر، المعيار والموازنة في فضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مؤسسة المحمودي، بيروت، 1402هـ.
الأشعري القمي، سعد بن عبد الله، المقالات والفرق، مركز انتشارات علمي و فرهنگي، ط 2، طهران، 1360هـ.ش.
الآلوسي، محمود، روح المعاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
الأمين، محسن، أعيان الشيعة، دار التعارف، بيروت، ط 5، 1418هـ.
الإيجي، عضد الدين، شرح المواقف، الشريف الرضي، قم، 1325هـ.ش.
البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، دار الفكر، بيروت، 1417هـ.
الجرجاني، شريف علي، التعريفات، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1306هـ.ش.
جعفريان، رسول، تاريخ تشيّع در ايران، انتشارات انصاريان، قم، 1375هـ.ش.
جعفريان، رسول، تاريخ خلفا، انتشارات دليل ما، قم، 1382هـ.ش.
الحسكاني، عبيد الله بن أحمد، شواهد التنزيل، وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامي، طهران، 1411هـ.
الحسيني، إدريس، راه دشوار مذهب به مذهب، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمود مالكي، دار القرآن الكريم، قم، 1374هـ.
خاكرند، شكر الله، تشيع نگاري و خاورشناسان، انتشارات خاكريز، قم، 1388هـ.ش.
الدسوقي، محمد، سير تاريخي و ارزيابي انديشه شرق شناسان، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد رضا افتخار زاده، انتشارات هزاران، طهران، 1376هـ.ش.
دهخدا، علي أكبر، لغت نامه، انتشارات دانشگاه طهران، ط2، طهران، 1377هـ.ش.
دونالدسون، دوايت، مذهب شيعه: تاريخ اسلام در ايران و عراق، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عباس أحمدوند، پژوهشكده تاريخ و سيره أهل البيتb، قم، 1395هـ.ش.
الراغب الإصفهاني، حسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، دار الكتاب العربي، بيروت.
الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، منشورات الرضي، قم، 1374هـ.
الزمخشري، جار الله، ربيع الأبرار، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1412هـ.
السعدي، إسحاق بن عبد الله، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1426هـ.
سعيد، إدوارد، شرق شناسي (الاستشراق)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد الرحيم گواهي، دفتر انتشارات فرهنگ اسلامي، طهران، 1383هـ.ش.
السيد بن طاووس، رضي الدين، الطرائف، انتشارات تاسوعاء، طهران، 1420هـ.ش.
السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، المكتبة العصرية، بيروت، 1408هـ.
شاردن، جان، سفرنامه، ترجمه إلى اللغة الفارسية: إقبال يغمائي، انتشارات توس، طهران، 1372هـ.ش.
شاكر، أبو القاسم، «شبهات پيرامون تاريخ پيدايش تشيّع»، مجلة: پيام، العدد 104، 1389هـ.ش.
الشهيد الصدر، السيد محمد باقر، برآمدن شيعه و تشيع، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مهدي زنديه، دائرة المعارف، قم، 1381هـ.ش.
الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار، جامعة المدرسين، قم، 1403هـ.
الطباطبائي، السيد محمد حسين، «كيفيت پيدايش شيعه و نشو و نماي آن»، مجلة معارف اسلامي، العدد 1، 1345هـ.ش.
الطباطبائي، السيد محمد حسين، شيعه در اسلام، بوستان كتاب، ط10، قم، 1391هـ.ش.
الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، دار المعارف، مصر، 1962م.
الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، المكتبة الرضوية، طهران.
الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، دار الثقافة، قم، 1414هـ.
العاملي (الشهيد الثاني)، زين الدين بن علي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، مكتبة الداوري، قم، 1410هـ.ش.
العسقلاني، ابن حجر، الإصابة في معرفة الصحابة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995م.
العسكري، السيد مرتضى، السقيفة، جامعة أصول الدين، قم، 1387هـ.ش.
العسكري، السيد مرتضى، عبد الله بن سبأ، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد الفهري، انتشارات العلامة العسكري، قم، 1354هـ.ش.
الغزالي، محمد، قواعد العقائد، عالم الكتب، الرياض، 1405هـ.
فان اس، يوزيف، كلام و جامعه، ترجمه إلى اللغة الفارسية: فرزين بانكي وأحمد علي حيدري، دانشگاه اديان و مذاهب، قم، 1397هـ.ش.
فتاحي زاده، فتحية وپروين حيدري، «بررسي منشأ پيدايش شيعه و تفاوت آن با مذاهب ديگر»، مجلة: شيعه شناسي، العدد 20، 1386هـ.ش.
الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، دار الهجرة، قم، 1405هـ.
فلهاوزن، يوليوس، الخوارج والشيعة، دار الجليل، ط5، مصر، 1998م.
قراملكي، أحد، «چيستي و حقيقت امامت»، مجلة: امامت پژوهي، جامعة العلوم الإسلامية الرضوية، مشهد، 1381هـ.ش.
كاشف الغطاء، محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، مؤسسة الأعلمي، ط4، بيروت، 1413هـ.
كرد علي، محمد، خطط الشام، مكتبة النوري، ط3، دمشق، 1403هـ.
لالاني، آرزينا، نخستين انديشه هاي شيعي، ترجمه إلى اللغة الفارسية: فريدون بدره اي، انتشارات فرزان روز، طهران، 1381هـ.ش.
لمبتون، آن كي اس، دولت و حكومت در اسلام، ترجمه إلى اللغة الفارسية وحققه: سيد عباس صالحي و مهدي فقيهي، انتشارات عروج، طهران، 1374هـ.ش.
لمبتون، آن كي اس، دولت و حكومت در اسلام، ترجمه إلى اللغة الفارسية وحققه: سيد عباس صالحي و مهدي فقيهي، انتشارات عروج، طهران، 1374هـ.ش.
المظفر، محمد رضا، السقيفة، انتشارات أنصاريان، قم، 1415هـ.
المظفر، محمد رضا، المنطق، مطبعة النعمان، ط 2، النجف، 1388هـ.
معروف الحسني، هاشم، الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، دار التعارف، بيروت، 1410هـ.
مغنية، محمد جواد، الشيعة في الميزان، دار التعارف، ط 4، بيروت، 1399هـ.
المفيد، محمد بن نعمان، الاختصاص، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، 1413هـ (أ).
المفيد، محمد بن نعمان، أوائل المقالات، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، 1413هـ (ب).
النشار، سامي، نشأة الفكر الفلسفي، دار المعارف، ط 9، مصر، 1977م.
هالم، هاينس، تشيّع، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد تقي أكبري، نشر أديان، قم، 1384هـ.ش.
الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1409هـ.
الوائلي، الشيخ أحمد، هوية التشيّع، دار الكتاب الإسلامي، ط3، قم، 1426هـ.
اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بيروت.
Madelung, Wilferd, Encyclopaedia of Islam (E12), Vol. 3, Leiden, Brill, 1986
------------------
[1][*]- المصدر: نُشرت هذه المقالة باللغة الفارسيّة تحت عنوان «بررسی و نقد دیدگاه هاینس هالم در خصوص پیدایش شیعه و تشیع» في مجلّة «شیعه شناسی» الفصليّة التي تصدر في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، السنة الثامنة عشرة، العدد 72، سنة الإصدار 2021م، الصفحات 83-110.
[**]- أستاذ مساعد في جامعة قم.
[***]- أستاذ مساعد في جامعة قم.
[2]- الطباطبائي، السيد محمد حسين، شيعه در اسلام، ص14. (مصدر فارسي).
[3]- ما بين المعقوفتين إضافة توضيحية من عندنا، وينبغي الإشارة إلى أنّ (البابا أربانوس) فرض على الجيوش أن ترسم شارة الصليب على ثيابها وسروج خيولها، ومن هنا اكتسبت هذه الحملات اسم (الحروب الصليبية)، أما في العالم الإسلامي فلم تعرف آنذاك إلا بـ(حروب الفرنجة)، ويمكن معرفة ذلك لمن يطالع النصوص الإسلامية في تلك المرحلة، وهناك سيجد صيغًا أخرى، مثل: (الفرنج)، و(الإفرنج)، و(الإفرنجة). (المعرّب).
[4]- شاردن، جان، سفرنامه، ص1140.
[5]- خاكرند، شكر الله، تشيع نگاري و خاورشناسان، ص142. (مصدر فارسي).
[6]- Heinz Halm.
[7]- Annemarie Schimmel.
[8]- آنا ماري شيمل (1922-2003م): واحدة من أهم المستشرقين والمحققين الألمان وأكثرهم تأثيرًا. لها أعمال كثيرة حول الإسلام والتصوّف، ولها شهرة على المستوى الدولي، وقد شغلت منصب أستاذ في جامعة هارفارد وبقيت في هذا المنصب منذ عام 1967 إلى عام 1992م. توفيت عام 2003م، وأوصت أن يُنقش على شاهد قبرها قول الإمام(عليه السلام): «الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا».
[9]- Tubingen.
[10]- The Shi’ites, Edinburg, 1995.
[11]- محقق إيراني/ أمريكي وأستاذ بارز في حقل علم الاجتماع من جامعة (ستوني بروك) في لانغ آيلند، ومدير مؤسسة (ستوني بروك) أيضًا. وتنشط هذه المؤسسة في حقل الدراسات العالمية.
Said Amir Arjomand, 1999, Review of “Shia Islam From Religion to Revolution” International journal of Middle East studies, pp. 276-278.
[12]- المظفر، محمد رضا، المنطق، ص112-113؛ قراملكي، أحد، «چيستي و حقيقت امامت»، مجلة: امامت پژوهي، ص35-36.
[13]- هناك من يقول إن ظهور التشيّع يعود إلى ما بعد السقيفة واختيار أبي بكر خليفة للمسلمين (الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، ج3، ص205). وهناك من قال إن ظهور التشيع يعود إلى حرب صفين (ابن النديم، محمد بن إسحاق، الفهرست، ص263). وهناك من قال إن ظهوره يعود إلى فترة حكم الإمام علي(عليه السلام) (ابن حزم، أحمد، الفصل، ج1، ص78). وهناك من قال إنه يعود إلى ما بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) (معروف الحسني، هاشم، الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص11). وهناك من قال إنه مذهب من صنع عبد الله بن سبأ (العسكري، السيد مرتضى، عبد الله بن سبأ، ص47). وهناك من قال إنه يعود إلى أصول إيرانية ( الوائلي، الشيخ أحمد، هوية التشيّع، ص72-73).
[14]- ومن بينها، فتاحي زاده، فتحية وپروين حيدري، «بررسي منشأ پيدايش شيعه و تفاوت آن با مذاهب ديگر»، مجلة: شيعه شناسي، العدد: 20، ص144-153؛ الطباطبائي، السيد محمد حسين، «كيفيت پيدايش شيعه و نشو و نماي آن”، مجلة: معارف اسلامي، العدد: 1، ص10-15؛ شاكر، أبو القاسم، “شبهات پيرامون تاريخ پيدايش تشيّع»، مجلة: پيام، العدد 104، ص107-114. (مصادر فارسية).
[15]- Wellhausen.
[16]- هالم، هاينس، تشيّع، ص15.
[17]- م.ن.
[18]- م.ن.
[19]- هالم، هاينس، تشيّع، م.س.
[20]- م.ن، ص15-16.
[21]- م.ن، ص16-23.
[22]- هالم، هاينس، تشيّع، 16-23.
[23]- م.ن، ص22.
[24]- م.ن، ص16-17.
[25]- م.ن، ص15.
[26]- م.ن، ص30-31.
[27]- م.ن، ص18-19.
[28]- هالم، هاينس، تشيّع، م.س، ص16.
[29]- م.ن، ص15.
[30]- م.ن، ص28.
[31]- م.ن.
[32]- م.ن، ص31.
[33]- م.ن، ص27-28.
[34]- هالم، هاينس، تشيّع، م.س، ص37.
[35]- م.ن، ص25.
[36]- م.ن، ص29.
[37]- م.ن، ص25.
[38]- م.ن، ص29.
[39]- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، ج2، ص191؛ الراغب الإصفهاني، حسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ص356، وص470.
[40]- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، ص357.
[41]- ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي، لسان العرب، ج8، ص191-192.
[42]- الأشعري القمي، سعد بن عبد الله، المقالات والفرق، ص15.
[43]- المفيد، محمد بن نعمان، أوائل المقالات، ص35.
[44]- العاملي (الشهيد الثاني)، زين الدين بن علي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج3، ص181.
[45]- مغنية، محمد جواد، الشيعة في الميزان، ص33.
[46]- ابن حزم، أحمد، الفصل، ج1، ص370؛ الجرجاني، شريف علي، التعريفات، ص57.
[47]- هالم، هاينس، تشيّع، ص15.
[48]- جعفريان، رسول، تاريخ تشيّع در ايران، ج1، ص30. (مصدر فارسي).
[49]- م.ن، ص21.
[50]- م.ن، ص22.
[51]- سُئل الإمام العسكري(عليه السلام): ما الفرق بين الشيعة والمحبّين؟ قال: «شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا ويطيعونا في جميع أوامرنا ونواهينا، ومن خالفنا في كثير ممّا فرضه الله فليس من شيعتنا». (الإمام الحسن العسكري، ص316).
[52]- الآلوسي، محمود، روح المعاني، ج15، ص432.
[53]- الحسكاني، عبيد الله بن أحمد، شواهد التنزيل، ج2، ص467.
[54]- ابن عساكر، أبو القاسم، تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص334.
[55]- الزمخشري، جار الله، ربيع الأبرار، ج2، ص159.
[56]- ابن الأثير، مبارك بن محمد، النهاية، ج4، ص106.
[57]- الصدر، محمد باقر، برآمدن شيعه و تشيع، ص25.
[58]- م.ن، ص20.
[59]- المفيد، محمد بن نعمان، أوائل المقالات، ص7؛ ابن عساكر، أبو القاسم، تاريخ مدينة دمشق، ج2، ص260.
[60]- الطباطبائي، السيد محمد حسين، شيعه در اسلام، ص14؛ كاشف الغطاء، محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، ص44.
[61]- الصدر، محمد باقر، برآمدن شيعه و تشيع، ص7-8.
[62]- م.ن، ص25 وص87.
[63]- م.ن، ص25، وص39-40، وص70- 72.
[64]- م.ن، ص25.
[65]- الطباطبائي، السيد محمد حسين، شيعه در اسلام، ص151-153.
[66]- ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج1، ص188.
[67]- م.ن، ج6، ص21.
[68]- لالاني، آرزينا، نخستين انديشه هاي شيعي، ص37.
[69]- دونالدسون، دوايت، مذهب شيعه: تاريخ اسلام در ايران و عراق، ص84.
[70]- لمبتون، آن كي اس، دولت وحكومت در اسلام، ص356.
[71]- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، ج2، ص63.
[72]- السيد بن طاووس، رضي الدين، الطرائف، ج1، ص118.
[73]- الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار، ص52؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج4.
[74]- ابن الأثير، مبارك بن محمد، النهاية، ج1، ص26.
[75]- البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، ج1، ص471.
[76]- الإسكافي، أبو جعفر، المعيار والموازنة في فضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ص51.
[77]- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص171.
[78]- م.ن، ج2، ص173.
[79]- ابن ماجة، محمد بن يزيد، السنن، ج2، ص127.
[80]- الزبير بن بكار، الأخبار الموفقيات، ص312.
[81]- الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، ص155.
[82]- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، ج5، ص64؛ البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، ج2، ص348.
[83]- لقد كان أبو ذر هو الرابع أو الخامس من بين المسلمين إسلامًا. (اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص23)، وقد أسلم عمار بن ياسر في السنة الخامسة من البعثة. وكان المقداد هو الشخص الثالث عشر من المسلمين (ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص4). وقد أسلم خزيمة في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة (ابن عبد البر، الاستيعاب، ج4، ص1817). وأعلن سلمان الفارسي إسلامه في السنة الأولى من الهجرة (الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، ج1، ص2).
[84]- ومن ذلك قول النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر: “يا أبا ذر، إنك منا أهل البيت” (الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، ص155). وقوله في عمار بن ياسر: “إنك من أهل الجنة” (الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج2، ص373). وقوله في سلمان الفارسي: “سلمان منا أهل البيت” (المفيد، محمد بن نعمان، الاختصاص، ص341).
[85]- ورد ذكر الروايات المأثورة عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في فضيلة وبشارة الشيعة، ضمن الآية السابعة من هذه السورة.
[86]- ابن عاشور، محمد بن طاهر، التحرير والتنوير، ج30، ص468.
[87]- الأشعري القمي، سعد بن عبد الله، المقالات والفرق، ص15.
[88]- الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج2، ص373.
[89]- كرد علي، محمد، خطط الشام، ج6، ص245.
[90]- م.ن، ج5، ص251-256.
[91]- الطباطبائي، السيد محمد حسين، شيعه در اسلام، ص29، وص31، وص32.
[92]- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص124، وص171؛ جعفريان، رسول، تاريخ خلفا، ص26؛ العسكري، السيد مرتضى، السقيفة، ص76.
[93]- النشار، سامي، نشأة الفكر الفلسفي، ج2، ص78؛ فلهاوزن، يوليوس، الخوارج والشيعة، ص146.
[94]- انظر على سبيل المثال: الغزالي، محمد، قواعد العقائد، ص230.
[95]- الإيجي، عضد الدين، شرح المواقف، ج8، ص344-345.
[96]- المظفر، محمد رضا، السقيفة، ص95-97.
[97]- مادلونغ، ويلفرد، جانشيني محمد، ص51.
[98]- جعفريان، رسول، تاريخ تشيّع در ايران، ج1، ص20-21. (مصدر فارسي).
[99]- فان اس، يوزيف، كلام و جامعه، ص334.
[100]- م.ن، ص334-335.
[101]- لمبتون، أن كي إس، دولت و حكومت در اسلام، ص357-358.
[102]- See: Madelung, Wilferd, Encyclopaedia of Islam (E12), Vol. 3, Leiden, Brill, 1986, P. 1166.