البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

القراءات المختلفة وإضافات الشيعة الإماميّة على القرآن

الباحث :  مثير بار آشر ، نقد وتعليق: سامر عجمي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  43
السنة :  صيف 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 18 / 2025
عدد زيارات البحث :  114
تحميل  ( 531.783 KB )
الملخّص
هذا البحث هو محاولة جزئيّة من المستشرق الإسرائيلي بار آشر لجمع (القراءات الشيعيّة) المختلفة للآيات القرآنيّة عمّا هو مدوَّن في المصحف العثماني، اعتمادًا على مصادر تفسيريّة وحديثيّة للشيعة الإماميّة، مثل تفاسير: العياشي، القمّي، فرات الكوفي، النعماني، الكافي للكليني...، وتختصّ عمليّة الجمع هذه بالقراءات التي تنطوي على بعد عقائدي يرتبط بحذف الإشارات التي ترتبط بالولاية وأسماء الأئمّة كعليّ(عليه السلام) من النسخة العثمانيّة كنصٍّ متحامل على الشيعة. ويقسّم بار آشر هذه القراءات التي يتبنّاها الشيعة إلى فئات عدّة: تغيير في الكلمة مثل: (ترابًا) = (ترابيًّا)، استبدال كلمة بأخرى، مثل: (أمّة) = (أئمة)، تغيير ترتيب الكلمات، إضافة كلمات، مثل: «علي»، «آل محمّد»...، معتبرًا أنّ ثمّة تناقضًا في الموقف الشيعي تجاه المصحف العثماني، خصوصًا بعد منتصف القرن الرابع الهجري، حيث إنّ الشيعة قبلوا النسخة العثمانيّة من المصحف مع معرفتهم أنّه نقص منها ما تتضمّنه النسخة الشيعيّة من المصحف، مرجِعًا ذلك إلى البراغماتيّة، باعتبار أنّ مصحف عثمان ليس نصًّا كاملًا، لكن يجب إقراره واعتماده، في ظلّ حكم أعداء الشيعة، إلّا أنّ هذا سيتغيّر في آخر الزمان، عند ظهور القائم الذي سيُصلح المظالم الواقعة على الشيعة، وبذلك ستُحلّ أيضًا قضيّة النصّ القرآنيّ الصحيح.

وقد قدّم الباحث سامر توفيق عجمي تعليقات مهمّة وقراءة نقديّة لمضمون هذا البحث في ضوء محاكمة المصادر التي اعتمد عليها بار آشر ومناقشة الأفكار التي قدّمها في بحثه.
الكلمات المفتاحيّة: القراءات المختلفة، الشيعة الإماميّة، المصحف العثمانيّ، التفاسير الشيعيّة، الإضافات التفسيريّة، الأحرف السّبعة.

مقدِّمة: تعريف بـ (مئير بار أشر)
مئير ميخائيل بار آشر (و 1955...) مستشرق يهودي-إسرائيلي، ولد في المغرب، وهاجر مع عائلته وهو رضيع -في عمر تسعة أشهر- إلى فلسطين المحتلّة (إسرائيل). كان والده حاخامًا يهوديًّا، نشأ في القدس وتعلّم في مدارسها، أتمّ دراسته الثانويّة في المدرسة الثانويّة الدينيّة، ثمّ درس في الجامعة العبريّة في القدس، إلى أن حصل على الدكتوراه عام 1991م.
يشغل منصب أستاذ الدراسات الإسلاميّة في الجامعة العبريّة في القدس، كما شغل منصب رئيس قسم اللغة العربيّة وآدابها في الجامعة نفسها، مضافًا إلى تعيينه مديرًا لمعهد الدراسات الآسيويّة والأفريقيّة، وهو سكرتير الجمعيّة الإسرائيليّة للدراسات الشرقيّة. ترأّس تحرير مجلّة «سفونوت» لدراسة الجاليات اليهوديّة في الشرق التي يصدرها معهد إسحاق بن تسفي.
له العديد من الكتب والمقالات، من جملتها: اليهود والقرآن، الديانة النصيريّة-العلويّة بحث في لاهوتها وطقوسها، الشيعة واليهوديّة تفاعلات فكريّة وتاريخيّة، التفسير القرآني المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)...
أهمّ كتبه: «الكتاب المقدّس والتّفسير عند الشيعة الإمامية المبكرة» (Scripture and Exegesis in Early Imāmī Shiism)، وهو في الأصل عبارة عن أطروحته التي نال بها الدكتوراه مع مرتبة الشرف -مع تعديل وتنقيح- تحت عنوان: «قضايا في التفسيرات الشيعيّة الإماميّة المبكرة للقرآن في القرنين الثالث والرابع الهجريين» (Issues in Early Imami Shi’I Qur’anic Exegesis (3rd-4th) Centuries (AH/ 9th-10th) Centuries CE). تحت إشراف المستشرق الإسرائيليّ إيتان كولبرغ، وهو ممّن انصبّ اهتمامه على دراسة الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة.

يعالج آشر في هذا الكتاب جملة قضايا مهمّة، منها: تحليل الخصائص المنهجيّة والعقائديّة للتفسير الإمامي المبكر من خلال دراسة أربعة تفاسير شيعيّة مبكرة: تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير علي بن إبراهيم القمّي، تفسير محمّد بن مسعود العياشي، تفسير محمّد بن إبراهيم النعمانيّ، مركّزًا على أنّها تفاسير نقليّة تعتمد الروايات التي تدعم الرؤية العقديّة الإماميّة، ومفتاحيّة الإمام -الكتاب الناطق- في تفسير القرآن، ودراسة السمات العقائديّة للتفسير الإمامي كالعصمة، والعلم اللدني... إلخ.
يُبرِز آشر -كما تقدَّم- اهتمامًا بدراسة علوم القرآن وتفسيره، خصوصًا عند الشيعة الإماميّة، كما يظهر من مجموعة كتبه ومقالاته، منها: الكفار الطهارة والمسجد الحرام في التفسيرات الشيعيّة للقرآن 9:28، (Unbelievers, Purity, and the Masjid al-Haram in Shi›a Exegesis of Qur›an 9:28) تتناول هذه الدراسة تفسير الشيعة للآية 28 من سورة براءة[2].
ومنها مقال: تحريف القرآن في التفاسير الشيعيّة (The Falsification of the Qur›an in Shi'i Commentaries)، تبحث في التفسير الشيعي لآية 59 من سورة النساء[3].
ومنها مقاله هذا الذي عمدنا إلى ترجمته: «القراءات المختلفة وإضافات الشيعة الإماميّة على القرآن»، وقد نُشرت باللغة الإنجليزيّة تحت عنوان: (Variant readings and additions of the Imami-Shi'a to the Quran», Israel Oriental Studies)، سنة 1991، في المجلّد 13 (ص39-74) من مجلّة «الدراسات الاستشراقيّة الإسرائيليّة» (Israel Oriental Studies)[4].

نصّ المقال
ملاحظات تمهيديّة
قام جولدتسيهر[5] في كتابه الرائد «اتّجاهات التفسير الإسلاميّ للقرآن» بتفصيل أهميّة القراءات المختلفة بالنسبة للمصحف العثمانيّ المُعتَمَد، والتي وردت في المؤلّفات التفسيريّة الإسلاميّة بشكلٍ عامّ، وفي التفاسير الشيعيّة على وجه خاصّ. في هذا الكتاب وفي غيره من الدراسات اللّاحقة (كتلك التي أجراها جوزيف إلياس[6]، إيتان كولبرغ[7]، ومحمد أيّوب)[8]، تمّ تقديم الأمثلة على قراءات الشيعة البديلة والفريدة من نوعها للعديد من الآيات القرآنيّة.
وعلى حدّ علمي، لم تُبذل حتى الآن أيّ محاولة شاملة لجمع هذه القراءات الشيعيّة في مؤلّف واحد؛ لذا يرمي هذا المقال إلى سدّ هذه الفجوة جزئيًّا. أعتقد أنّ هذا سيفيد كلّ المهتمّين بنصّ القرآن الكريم، وأولئك الّذين يدرسون التفسير القرآنيّ عمومًا، والتفسير المذهبيّ -أي تفسير الفريقين السنّة والشيعة- على وجه الخصوص. وتُعدُّ هذه القائمة المنشورة استكمالًا للدّراسة الشاملة والغنيّة التي أعدّها آرثر جفري[9] بعنوان: «مواد لدراسة تاريخ النصّ القرآنيّ»؛ إذ تحتوي دراسة جفري على قراءات بديلة للنصّ العثماني للقرآن، جُمعت من مصادر متعدّدة، معظمها تعود للطّائفة السنيّة؛ أمّا القراءات الشيعيّة، فقد تمّ إهمالها إلى حدٍّ كبيرٍ.

تنقسم هذه المقالة إلى جزءين، يُخصّص الجزء الأوّل (الأقسام 2-6) لمناقشة عدد من المبادئ الأساسيّة التي تحكم القراءات الإماميّة الشيعيّة البديلة للنصّ العثمانيّ، مثل طبيعة هذه القراءات، ومكانتها مقارنةً بالنصّ المعتمد، وغير ذلك. أمّا الجزء الثاني[10]، فيتضمّن قائمة بالقراءات الشيعيّة، تُعرض في جدول مقارن: حيث النصّ القرآنيّ المعتمد في جانب من الصفحة، وتُقابله القراءة الإماميّة الشيعيّة في الجانب الآخر، ويتبع كل قراءة شيعيّة ذكرٌ للمصادر التي وردت فيها، مع الإشارة إلى الأدبيّات الحديثة التي نوقشت فيها تلك القراءة، بالإضافة إلى ملاحظات موجزة تشرح العقيدة الكامنة وراء القراءة الشيعيّة الإماميّة.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذه القائمة تتضمّن القراءات التي تحمل طابعًا شيعيًّا مميّزًا فقط، أمّا القراءات البديلة الأخرى الموجودة في التفاسير الشيعيّة، فهي غير مدرجة.
المصادر التي تمّ اعتمادها لجمع القراءات البديلة والإضافات، هي في المقام الأوّل تلك التفاسير القرآنيّة الإماميّة الشيعيّة المبكّرة التي وصلتنا[11]، ومن ضمنها: مؤلّفات عليّ بن إبراهيم القمّي، فرات بن فرات بن إبراهيم الكوفيّ، أبو النضر محمّد بن مسعود العيّاشيّ (هؤلاء الثلاثة كانوا من أعلام السنين الممتدّة بين القرن الثالث والتاسع هـ). مؤلّفات محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعمانيّ (360هـ/ 971م)، أبو جعفر الطّوسيّ (460هـ/ 1067م) وهو من كبار علماء الإماميّة في أواخر فترة البويهيّين، ومؤلّفات أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ (548هـ/ 1153م). كمّا تمّت الاستفادة من بعض المؤلّفات الإماميّة المبكّرة غير التفسيريّة، إلّا أنّها تحتوي على الكثير من المواد والمحتويات التفسيريّة، نشير بشكلٍ خاص إلى بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار القمّيّ (290هـ/ 903م)، والكافي لأبي جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ (329هـ/ 941م). وأخيرًا تمّ الرجوع إلى بعض المؤلّفات الشيعيّة التفسيريّة اللّاحقة كتفسير البرهان لهاشم البحرانيّ (1107هـ/ 1693م) أو (1109هـ/ 1697م)، وتفسير الصافي لمحمّد بن مرتضى (محسن الفيض) الكاشانيّ (1091هـ/ 1680م)، وبعض المصنّفات من أهمّها بحار الأنوار لمحمّد باقر المجلسيّ (1110هـ/ 1700م).
أمّا المصادر السنيّة الرئيسيّة التي تمّ الرجوع إليها لغرض المقارنة هي التفاسير القرآنيّة الأكثر أهميّة. وقد تمّ تعزيز ذلك من خلال الرجوع إلى كتاب جفري الذي ذكرناه مسبقًا، وينبغي التشديد على أنّ المقارنة التي أجريناها أظهرت أنّه نادرًا ما تمّ الاستشهاد بتلك القراءات الشيعيّة أو نقلها من قبل غير الشيعة.

الأشكال المتعدّدة للقراءات أو الإضافات
حتى منتصف القرن الرابع الهجريّ/ العاشر الميلاديّ، كان معظم علماء الشيعة الإماميّة يعتقدون بنقص القرآن[12]. ومن أبرز الأشكال التي عبّر بها الشيعة الإماميّة عن رفضهم للنصّ القرآنيّ العثمانيّ هو الإشارة إلى نسخ بديلة لعشرات من الآيات الواردة فيه. ويُنظر إلى النص الذي يُعدّ مقدّسًا لدى غالبيّة المسلمين -أي ما يُعرف بمصحف عثمان- على أنّه نصّ موجّه ومتحامل بوضوح ضدّ الشيعة، ويزعمون أنّ هذا الخليفة (أي عثمان) ومعاونيه عمدوا إلى حذف كلّ الإشارات التي تُضفي شرعيّة شيعيّة على النصّ، أي كلّ ما يشير إلى أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وورثته، أئمّة الشيعة؛ وإلى أحقّيّة الشيعة في قيادة الأمّة الإسلاميّة؛ وإلى بعض العقائد الشيعيّة الخاصّة. ومن منظور الشيعة، فإنّ الكشف عن «النصّ الأصليّ» يُعدّ خطوة نحو تصحيح التحريفات التي طرأت على النصّ القرآنيّ[13].

قبل التطرّق إلى الأنواع المختلفة من القراءات البديلة، ينبغي الإشارة إلى أنّه ابتداءً من أواخر القرن الرابع الهجريّ/ العاشر الميلاديّ، وبعد عقود قليلة من تأسيس الدولة البويهية (334هـ/ 945م - 444هـ/ 1055م)، بدأت تغيّرات عقائدية تطرأ على موقف الشيعة الإماميّة.
تُعدّ فترة حكم الدولة البويهيّة العصر الذهبيّ للشيعة الإماميّة، بعد أن كان تاريخهم السابق مشوبًا بالقمع والاضطّهاد المستمرّين. فقد أدّى الاعتراف بشرعيّة الشيعة الإماميّة في ظلّ الحكم البويهيّ إلى نقطة تحوّل ثقافيّة بالغة الأهميّة، شملت ابتكارات داخليّة كبيرة في العقيدة الإماميّة، من بينها التخلّي التدريجيّ عن الرأي القائل بوجود نقصٍ في المصحف العثمانيّ[14].

يمكن تقسيم الإضافات والقراءات التي يتبنّاها الشيعة، بناءً على أساس نمطيّ لغويّ، إلى عدّة فئات:
تعديل أو تبديل طفيف في الكلمة: استبدال أو إضافة حرف و/ أو تغيير في التشكيل.
أوّلًا: الآية 29 من سورة الجاثية: {هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ}، يطرح الإماميّة قراءة بديلة على شكل (هذا بكِتابِنا ينطِقُ عليكم بالحقّ) (و«هذا» هنا راجعة إلى نفس النبيّ أو الإمام الذي ينطق بالحقّ من خلال القرآن)[15].
ثانيًّا، وفي مثال مشابه، ورد في الآية 40 من سورة النبأ: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}، تطرح بعض الروايات الإماميّة قراءةً بديلةً يتمّ فيها استبدال «ترابًا» بـ«ترابيًّا»، و«ترابيًّا» هنا تعني شيعيًّا، وهو مصطلح يستخدمه الشيعة للتعبير عن أنفسهم، إذ إنّ واحدًا من ألقاب عليّ(عليه السلام) كان «أبو تراب»[16]. لكن يجدر التأكيد على أنّ مصطلح «ترابيًّا» يُطرَح في معظم الروايات التفسيريّة كتفسير للقرآن، وليس بالضرورة كقراءة بديلة.

استبدال كلمة بأخرى.
أفضل مثال على هذا النّوع من التعديل هو استبدال كلمة «أمّة» الواردة في النصّ القرآنيّ المعتمد بكلمة أئمّة، بغية إدراج العقيدة الإماميّة في القرآن. فعلى سبيل المثال ورد في روايات الإماميّة أنّ: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: 110)، تُقرَأ (كنتم خير أئمّة أخرجت للنّاس)[17].

تغيير ترتيب الكلمات
يشير العديد من مفسّري الإماميّة إلى أنّ الآية 17 من سورة هود: (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً) تُعدُّ مثالًا واضحًا على التحريف، حيث إنّهم يعتقدون أنّ الآية في النسخة الأصليّة من القرآن كانت بالترتيب التالي: (أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه ويتلوه شاهدٌ منه إمامًا ورحمةً). والاختلاف الجوهريّ بين القراءتين، هو أنّ النسخة السنيّة تفصل بين عبارتي «إمامًا ورحمةً» و«شاهدٌ منه» التي جاء في روايات الشيعة أنّها تشير إلى عليّ(عليه السلام).


إضافة كلمات
توحي الروايات الإماميّة بأنّ السنّة كانوا قد عمدوا إلى حذف بعض التعابير من القرآن، ومن هذه التعابير نلاحظ مجموعتين من الكلمات التي دائمًا ما يتمّ التطرّق لها، وهي:
- «في عليّ»(عليه السلام).

- «آل محمّد»b وفي بعض الأحيان «آل محمّد حقّهم»، عادةً ما تَرِدُ كمفعولٍ به للأفعال المشتقّة من الجذر «ظلم»، والذي يُذكر كثيرًا في القرآن. تهدف هذه الإضافات إلى إظهار أنّ أفعال الظلم الواردة في بعض الآيات ليست محايدة، بل تشير بالتحديد إلى اغتصاب حقوق أهل بيت النبيّb وذريّتهم (أي الشيعة أنفسهم).
والشيء نفسه ينطبق على غيرها من العقائد الإماميّة التي يمكن استخلاصها من النصّ القرآنيّ من خلال إضافة بعض الكلمات أو الألفاظ، أو -كما يصف بعض المفسّرين- من خلال ترميم النصّ الأصليّ عبر إضافة الكلمات والألفاظ التي حذفها جامعو القرآن. وهكذا يضيف المفسّرون الشيعة عبارة: «في ولاية عليّ» على بعض الآيات القرآنيّة، من أجل إدراج واجب الولاية في النصّ القرآنيّ. وفي سياقٍ مشابه، إضافة عبارة «إلى أجلٍ مسمّى» إلى آية المتعة (سورة النساء، آية 24)، بغية إظهار الطابع المؤقّت لزواج المتعة، الذي يُعتَبَر مسألة خلافيّة بين السنّة والشيعة على مرّ التاريخ.
ويجدر التأكيد على أنّ القراءات والإضافات التي يعرضها الشيعة تُعتَبَر محدودة النطاق، فهي لم تُشكّل آية كاملة مطلقًا، بل اقتصرت على تبديل أو إضافة عدد محدود من الكلمات.

لكن هناك استثناء وحيد لهذه القاعدة يتمثّل في حالة يُستبدَل فيها نصّ آية كاملة من المصحف العثمانيّ في بعض المصادر بآية أخرى، والآية المقصودة هي: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(الشعراء: 214) حيث جاء في رواية في تفسير القمّي تُنسَبُ إلى جعفر الصّادق(عليه السلام) أنّ النصّ الأصليّ الذي نزل من السماء كان: «ورَهْطَكَ منهم المُخلَصين». ومن غير الواضح هنا ما إذا كان ينبغي اعتبار هذه الكلمات بديلًا عن الآية المعتمدة أو أنّها مجرد إضافة إليها. غير أن رواية شيعيّة أخرى وردت في تفسير القمّي أيضًا، منسوبة إلى أبي الجارود، تُسقِط الآية القرآنيّة تمامًا، وتذكر فقط عبارة «ورَهْطَكَ منهم المُخلَصين» دون أيّ تعليق إضافيّ. أمّا في تفسير فرات الكوفيّ، فتظهر نسخة ثالثة تجمع بين النصّين السابقين، وهذا ما يمثّل توجّهًا للتوفيق بينهما يفضي إلى قبولهما معًا دون تعارض.

كيفيّة التمييز بين القراءات المختلفة والإضافات التفسيريّة
من أجل التمييز بين القراءات المختلفة والإضافات التفسيريّة يجب التركيز على المصطلحات المستخدمة من قبل المفسّرين، ففي العديد من المواضع التي يطرح فيها المفسّر صيغة شيعيّة لآية قرآنيّة، يستخدم تعابير نمطيّة معيّنة، مثل: «نزل جبرائيل بهذه الآية هكذا»، أو «هكذا نزلت»، أو من خلال التصريح بأنّ الصيغة البديلة تعود لقراءة أحد الأئمّة. ويتمّ استخدام تعابير أقوى أحيانًا للتّأكيد على أنّ بعض المقاطع النصيّة من القرآن غير صحيحة، منها: «على خلاف ما أنزل اللّه»، أو «فيما حُرِّفَ من كتاب اللّه».
وفي غياب مؤشّرات حاسمة من هذا النوع، يصعب الجزم بما إذا كان التغيير المذكور مجرّد تفسير، أم أنّ المفسّر يقدّم بالفعل قراءة بديلة للنصّ القرآنيّ المعتمد.
وإذا أردنا أن نطرح مثالًا على تلك الحالات غير المحسومة، نتطرّق إلى التفسير المتعلّق بالآيتين (إِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير: 8-9)، فبدلًا من تفسيرهما تفسيرًا يتعلّق بعادة الوأد في الجاهليّة، فُهِمَ أنّ المقصود هنا هو «المودّة»، أي وجوب محبّة أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّةb. لكن نلاحظ أنّ في روايةٍ واحدةٍ وردت في هذا السياق دون استخدام أيّ من الصيغ المعهودة التي تُستخدم عادةً لتقديم قراءة شيعيّة بديلة، وهذا ما قد يشير على الأرجح إلى تفسير وليس إلى قراءة بديلة.

مكانة القراءات المختلفة وأهميّتها
إنّ النقد الشيعيّ المبكّر لتحيّز المصحف العثمانيّ ضدّهم حاسمٌ وقطعيٌّ. كما كانت العبارات المستخدمة -التي كنّا قد ذكرناها في بداية القسم الثالث من المقال- تُعَدُّ دليلًا يعتمد عليه مفسّرو الإماميّة للكشف عن الحقيقة المنزلة. والمقصود من استخدام هذه العبارات رفع مكانة النسخة الإماميّة البديلة، وبالتالي إبراز أهميّتها في نظر المؤمنين الشيعة، وفي الوقت عينه، رفض شرعيّة القراءات الأخرى وإلغاء أي قراءات لأهل السنّة. وفي ظلّ هذا الرفض للنصّ السنّيّ، كان من المتوقّع أن يلجأ الشيعة إلى إدراج هذه النسخ البديلة والإضافات في النصّ القرآنيّ، أو على الأقلّ تطبيقها في الأحكام الدينيّة و/ أو تضمينها في الطّقوس والعبادات.

على الرّغم من ذلك، في الواقع -وحسب علمي- لم يُتّخذ أيّ إجراء فعليّ من قِبل الشيعة الإماميّة لتقنين قراءاتهم المختلفة. والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو محاولة متأخّرة، جاءت على شكل مخطوطة من القرآن اكتُشفت في أوائل القرن العشرين في مدينة بانكيبور في الهند، وتضمّنت -إلى جانب النسخ الشيعيّة البديلة لبعض آيات القرآن- سورتين موضوعتين (مختلقتين)، هما: سورة الولاية، وسورة النّورين[18].

يكشف هذا السلوك عن تناقض لافت، فالشيعة من جهةٍ يعتقدون اعتقادًا جازمًا أنّ النسخة الحقيقيّة من النصّ القرآنيّ هي تلك المعروفة في أوساطهم، ومن جهة أخرى، لا يكتفون بعدم رفض المصحف العثمانيّ فحسب، بل في الواقع يقرّونه ويعتمدونه أيضًا. هذا التناقض يُعدُّ نموذجيًّا بالنسبة إليهم، إذ إنّ هذا السلوك المتناقض يضمن لهم من ناحية تبنّي موقفٍ عقائديٍّ نظريٍّ صارمٍ يقوم على التفوّق والتميّز، ومن ناحية أخرى، يدفع عنهم الخوف الدّائم من الاضطّهاد في بيئة سنيّة معادية، وهذا ما دفعهم عمليًّا إلى تبنيّ موقفٍ براغماتيّ، شمل في جوهره قبول المصحف العثمانيّ واعتماده.
يظهر هذا التناقض في التقليد الروائيّ الشيعيّ في العديد من الروايات التفسيريّة التي تتحدّث عن القراءات الإماميّة. ففي بعضها نجد مثلًا أنّ تلميذَ أحد الأئمّة يقرأ من القرآن المعتمد بحضور الإمام، وعندما يصل إلى آية مُختَلَف فيها، يوقفه الإمام ويخبره بأنّ الآية نزلت بصيغة مختلفة، ثم يتلوها بالصيغة «الحقيقيّة»، أي الشيعيّة[19].
لكن، وعلى نقيض هذه الروايات التي تقلّل من أهميّة المصحف العثمانيّ وقيمته، نجد روايات أخرى ذات نزعة معاكسة، مثلًا: إنّ شخصًا كان يقرأ من القرآن بحضور أحد الأئمّة، فقرأ بإحدى النسخ البديلة، عندها أوقفه الإمام وأمره بأن يقرأ وفق النسخة التي يتّبعها الناس جميعًا (أي النسخة المعتمدة)، وذلك إلى أن يأتي «المنقذ العادل» (القائم) ومعه النسخة الصحيحة من القرآن، وهي مطابقة للنسخة التي كانت بحوزة الإمام عليّ(عليه السلام)[20]. وكمثال أوضح على هذه الروايات نذكر: «قرأ رجل على أبي عبد اللّه (جعفر الصادق)(عليه السلام) وأنا أستمع حروفًا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّه(عليه السلام): كفّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائمf قرأ كتاب اللّه عزّ وجلّ على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ(عليه السلام).[21]

هذا السياق الروائيّ يُبيّن أنّ الرأي الشائع الذي تبنّاه الشيعة يمكن التعبير عنه كالآتي: إنّ مصحف عثمان ليس نصًّا كاملًا أو مثاليًّا، لكن يجب إقراره واعتماده، في ظلّ حكم أعداء الشيعة -أي السنّة- للعالم. إلّا أنّ هذا سيتغيّر في آخر الزمان، عند ظهور القائم الذي سيُصلح المظالم الواقعة على الشيعة، وبذلك ستُحلّ أيضًا قضيّة النصّ القرآنيّ الصحيح.

القراءات الإماميّة والقراءات السبع (نزل القرآن على سبعة أحرف)
تثير الأفضليّة التي يمنحها الشيعة لقراءاتِهم القرآنيّة إشكالية إضافيّة، ألا وهي ماهيّة موقفهم من الادّعاء السنّي الّذي يقرّ أنّ «القرآن أنزل على سبعة أحرف، كلّها شافٍ كافٍ»[22]. وكما هو معلوم، ارتبط هذا الحديث مبكرًا بمسألة القراءات القرآنيّة المتعددة، والتي اعتُبرت كلّها صحيحة ومقبولة. قد يبدو أنّ الشيعة رفضوا هذا التفسير، لأنّهم يؤمنون بوجود نسخة إماميّة-شيعيّة أنزلها اللّه على نبيّه محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقبوله يعني بشكلٍ أو بآخر قبول نسخ أخرى واعتبارها صحيحة، وهو ما يقوّض حصريّة وصحّة قراءاتهم الخاصّة. لكنّ موقفهم من هذه المسألة أيضًا لا يبدو موحّدًا.
وفي هذا السياق يمكننا ملاحظة منهجين متعارضين في الفكر الشيعيّ حيال هذه المسألة، وهذا ما يكشف عن العلاقة المباشرة بين موقف علماء الشيعة من سلامة النصّ القرآنيّ من جهة، وموقفهم من القراءات المختلفة من جهةٍ أخرى. ففي الحقبة التي سبقت الدولة البويهيّة (القرن 3-4هـ/ القرن 9-10م)، حين كان جزءًا من العلماء يروّج لنظريّة تحريف القرآن، كان جزءًا ثانيًا منهم يتبنّون موقفًا يرفض النسخ البديلة للآيات رفضًا قاطعًا. وبالحديث عن هذه القضيّة، نذكر روايتين نقلهما الكلينيّ عن أستاذه عليّ بن إبراهيم القمّي، الأولى: «قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام): إنّ الناس يقولون: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال: كذبوا أعداء اللّه، ولكنّه نزل على حرفٍ واحدٍ من عند الواحد»[23]. والثانية عن الباقر وتتضمّن تفسيرًا إضافيًّا: «إنّ القرآن واحد نزل من عند الواحد، ولكنّ الاختلاف يجيء من قِبَل الرواة»[24].

في الفترات اللّاحقة، تخلّى الشيعة عن القول بتحريف القرآن، وتبنّوا موقفًا أقلّ تشدّدًا إزاء مسألة تعدّد النسخ. ويُعدّ أبو جعفر الطوسيّ أحد أبرز ممثّلي هذا التوجّه الجديد، حيث تناول في مقدّمة تفسيره للقرآن مسألة القراءات، وعمد إلى الاستشهاد بالروايات التي ذكرناها مسبقًا (التي تتناول مسألة الأحرف السبعة)، وتبنّى منهج أسلافه بتفسير المسألة على أنّها تتعلّق بتأويلات متعدّدة وليس قراءات متعدّدة. وعندما واجه مسألة اختلاف النسخ القرآنيّة، قال: «واعلموا أنّ العرف من مذهب أصحابنا والشائع من أخبارهم ورواياتهم أنّ القرآن نزل بحرفٍ واحدٍ، على نبيٍّ واحدٍ، غير أنّهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء، وأنّ الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء قرأ، وكرهوا تجويد قراءة بعينها، بل أجازوا القراءة بالمُجاز الذي يجوز بين القرّاء...»[25].
هذا الموقف المعتدل الذي شاع بين الشّيعة في بداية العهد البويهيّ يبدو مفهومًا تمامًا. فحين انحسرت عقيدة الترويج لفكرة وجود نقص في القرآن، أصبح بإمكان علماء الشّيعة تبنّي موقفٍ إيجابيٍ تجاه مسألة تعدّد النسخ القرآنيّة، وبذلك تمّ تبرير النسخة الشيعيّة ضمن هذا الإطار. ومن ناحية أخرى، لا ينبغي استبعاد احتمال أن يكون هذا الموقف المتسامح الذي تبنّاه الشّيعة لا يعدو كونه موقفًا تكتيكيًّا لا يعكس حقيقة معتقداتهم. وبعبارةٍ أخرى، يمكن القول إنّ الرغبة في تجنّب المواجهة المباشرة مع أهل السنّة -وهي رغبة قائمة على مبدأ التقيّة- أدّت إلى تراجع ظاهريّ في تشدّد المواقف الشيعيّة، في ظلّ تمسّكهم الداخليّ بكون نسختهم القرآنيّة هي النسخة الوحيدة الصّحيحة.

التشابه بين القراءات الإماميّة البديلة والمدراش اليهوديّ «أل تقرِئ» (لا تقرأ)
إنّ المنهج التفسيريّ الذي يستخدمه الشّيعة فيما يتعلّق بالقراءات البديلة يذكّرنا بشدّة بالمنهج التفسيريّ التلموديّ المعروف بـ«أل تقرِئ» (لا تقرأ). وهذه الطريقة تقدّم تفسيرًا جديدًا لآية توراتيّة عن طريق تغيير قراءة أو لفظ بعض الكلمات (بطريقة مشابهة جدًّا لتلك الموضّحة أعلاه فيما يتعلّق بالتعديلات الشيعيّة على نصّ القرآن). ومن بين العديد من الأمثلة الموجودة في الأدب التلموديّ، سأقتصر على مثال واحد معروف، وهو: جاء في تانا ديبي إيليا: «كلّ من يدرس الهالاخوت (الأحكام الشرعيّة أو الدينيّة) مضمون له أن يدخل العالم الآتي (العالم الآخر)، طرقه هي للعالم (سفر حبقوق 3/ 6). لا تقرأها «هاليكوت» (طرق)، بل «هالاخوت» (أحكام الشريعة). يرغب المفسّر في استنباط مفهوم يقضي بأنّ كلّ من يخصّص وقته لدراسة الأحكام الدينيّة (هالاخوت) له مكان في العالم القادم. وذلك من خلال استبدال «هاليكوت» بـ«هالاخوت»، وبذلك يعيد تفسير الآية بحيث يشير مصطلح «طرقه هي للعالم» إلى العالم الأبديّ، أي العالم الآتي.
إنّ هذا التعديل الطفيف على الكلمة (في هذه الحالة، حذف حرف وتغيير في التشكيل) أعطى الفرصة للمفسّر أن يُدخِل فكرة جديدة على الكتاب المقدّس. لكن، من المهمّ جدًّا ملاحظة الفرق بين هذا المنهج والمنهج الشيعيّ، رغم التشابه الفنيّ الذي لاحظناه، لأنّ لكلّ من هذين المنهجين موقف مختلف تمامًا من مكانة التفسير بالنسبة للكتاب المقدّس، فالمفسّر التلموديّ لا نيّة لديه لتغيير معنى الكتاب المقدّس، ولا يعتقد حتّى من الناحية النظريّة أنه اكتشف المعنى الأصليّ للآية، بل قراءاته تقتصر على التفسير المجازيّ. في المقابل، تُعتَبَر التفسيرات الشيعيّة التي تستخدم نفس الأسلوب اللّغويّ اللّفظيّ، نسخًا بديلة أصليّة وحقيقيّة عن الآيات القرآنيّة المعتمدة، وليست تفسيرًا بديلًا محتملًا فقط.

الخاتمة[26]
يرى مشهور علماء الإماميّة الاثني عشريّة أنّ النسخة المتداولة من المصحف العثمانيّ الذي جمعه عثمان بن عفّان، كان هو القرآن المعروف في عهد النبيّ والذي تداوله المسلمون يدًا بيد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، بحيث يكون وقوع التحريف هو في تلك المصاحف الأخرى التي أحرقها عثمان دون هذا القرآن الذي ثبت تواتره عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالتالي لا يكون هناك تحريف بالنقيصة ولا فقدان لشيء من آيات القرآن وسوره.
وأقدم نصّ واصل إلينا عن قدماء الشيعة يصرّح فيه بهذه الفكرة هو من القرن الخامس الهجري، عن محمد بن علي بن بابويه القميّ (306-381هـ/ 923-991م).
نعم، ثمّة جماعة من الشيعة الإمامية كانت تذهب إلى وجود النقصان في القرآن الكريم. وقد أجاب عنها علماء الشيعة منذ القرنين الرابع والخامس الهجريين في النصوص الواصلة إلينا عبر الصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي وغيرهم، بطرح أفكار عدة، منها:

الأولى: أنّ الروايات المفيدة للنقصان -على فرض صحتها سندًا- هي أخبار آحاد لا تقاوم ما تواتر من أخبار تفيد عدم وقوع التحريف، فتسقط عن الاعتبار بالمعارضة.
والثانية: أن النقصان الثابت في الروايات ليس من النص نفسه، بل بلحاظ التنزيل والتفسير والتأويل.
والثالثة: أنّ الروايات المتواترة تحثّ على التمسّك بالقرآن، وتبرز محوريّة القرآن ومعياريته في تقويم الأحاديث وعرضها عليه، فما وافقه منها أخذ به، وما عارضه يُضرب به عرض الجدار. فكلّ رواية غير قابلة للتأويل بما يوافق أصالة عدم تحريف القرآن تطرح.

مع ضرورة الإشارة إلى أن أغلب الروايات هي ضعيفة، غير معتبرة، موضوعة... يقول السيد الخميني: «ما وردت فيه [التحريف في القرآن بالزيادة أو النقيصة] من الأخبار، بين ضعيف لا يستدلّ به، إلى مجعول يلوح منها أمارات الجعل، إلى غريب يقضى منه العجب، إلى صحيح يدلّ على أنّه مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره»[27].
وممن ذكر ضعف مثل هذه الأخبار المرتضى[28]. وذكر ضعف أخبار النقيصة غاية الضعف سندًا ودلالة حسين البروجردي على ما نقله عنه تلميذه لطف الله الصافي[29].

وكذلك قال السيِّد الخوئي في الروايات المتواترة التي دلّت على تحريف القرآن: «إن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه... إن كثيرًا من الروايات وإن كانت ضعيفة السند، فإن جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري، الذي اتّفق علماء الرجال على فساد مذهبه، وأنّه يقول بالتناسخ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنّه كذاب وأنه فاسد المذهب»[30]. وقال في الروايات التي دلت على تحريف القرآن بالنقيصة فقط: «إن أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند وبعضها لا يحتمل صدقه في نفسه»[31].
الخلاصة: يعتقد مشهور الشّيعة أنّ أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الأمّةَ بالتمسّك بالقرآن وعرض الحديث عليه، والاهتمام بتدوينه وحفظه وتعلّمه وتعليمه وقراءته و...، يناقض القول بوجود تحريف فيه بأي معنى من المعاني، لأنّ ذلك يفيد عصمته وحقانيّة مضمونه ليصح جعله ميزانًا وحافظًا للأمّة عن الضلال.


لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الأفندي، عبد الله بن عيسى، رياض العلماء وحياض الفضلاء، تحقيق: أحمد الحسيني، باهتمام جواد المرعشي، مطبعة الخيام، قم، 1401هـ/ 1980م.
البحراني، يوسف، الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، تحقيق ونشر: شركة دار المصطفى لإحياء التراث، مكتبة فخراوي، ط2، 2007م.
البلاغي، محمد جواد، آلاء الرحمن في تفسير القرآن، تحقيق: مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1420هـ.
الجزائري، نعمة الله، الأنوار النعمانية، مطبعة شركت جاب، تبريز.
الحر العاملي، محمد بن الحسن، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، دار الكتب الإسلامية، ط3.
الحر العاملي، محمد بن الحسن، أمل الآمل، تحقيق: أحمد الحسيني، دار الكتاب الإسلامي، مطبعة نمونه، قم، 1362هـ.
الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق: محمد رضا الحسيني الجلالي، مؤسّسة آل البيتb لإحياء التراث، ط2، 1414هـ.ق.
الخوانساري، محمد باقر الموسوي، روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، نشر إسماعيليان، قم، ط1.
الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، ط5، 1413هـ/ 1992م .
الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، دار الزهراء، بيروت، ط4، 1395هـ/ 1975م.
الصدوق، محمد بن علي، الاعتقادات في دين الإمامية، مصنفات الشيخ الصدوق، تحقيق اللجنة العلمية في مكتبة بارسا - قم، (لاط)، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، 1430هـ/ 2009م.
الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليقات: محمد باقر الخرسان، دار النعمان، النجف الأشرف، 1966م.
الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تصحيح وتعليق: هاشم الرسولي المحلاتي وفضل الله اليزدي الطباطبائي، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1406هـ/ 1986م.
الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار الأضواء، بيروت، ط3.
الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، ط1، 1409هـ.
الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست، تحقيق جواد القيومي، مؤسسة نشر الفقاهة، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1417هـ.
العاملي، أبو الحسن بن محمد الطاهر، مقدمة تفسير البرهان، المسماة بمرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، ط2، 2006م.
العياشي، محمد بن مسعود بن عياش، تفسير العياشي، تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الاسلامية، طهران، ط1، 1380هـ.
القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تعليق: طيب الموسوي الجزائري، دار السرور، بيروت، ط1، 1411هـ/ 1991م.
الكاشاني، محمد بن المرتضى، تفسير الصافي، منشورات مكتبة الصدر، طهران، ط2، 1416هـ.
الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط4، 1365هـ.ش.
الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق: محمد كاظم، ط1، طهران، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1410ه‍/ 1990م.
المازندراني، محمد صالح، شرح الكافي الجامع (المعروف بشرح أصول الكافي)، مع تعليق أبو الحسن الشعراني، تصحيح علي عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1421هـ/ 2000م.
المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق: إبراهيم الميانجي ومحمد باقر البهبودي، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1403هـ/ 1983م.

المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط2، 1404هـ.
المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، المسائل السروية، تحقيق: صائب عبد الحميد، دار المفيد، بيروت، ط2، 1414هـ/ 1993م.
المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، 1403هـ/ 1983م.
النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة المعروف برجال النجاشي، تحقيق: موسى الشبيري الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
الهلالي، سليم بن قيس، كتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق: محمد باقر الأنصاري، ط1، 1422هـ.


-----------------------------------------------
[1](*)- تعريب: زينة الجمّال. نقد وتعليق: سامر توفيق عجمي (باحث متخصّص في الدراسات القرآنية والاستشراق المعاصر).
(**)- مستشرق إسرائيلي.
[2]- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
[3]- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.
[4]- هذا البحث من جملة أبحاث المستشرقين عن القرآن عند الشيعة تعمل المجلّة على ترجمتها، تقدم اثنين منها في عددين سابقين.
الأولى: نُشرت تحت عنوان: «قرآن الشيعة في الدراسات الغربية»، جونا وينتر، العدد 40، ص65-100. الثاني: «قرآن الشيعة: مراجعة في تفسيرات جولدتسيهر»، جوزيف إلياس، العدد 41، ص17-32.
ومنها: دراسة كلير تيسدال تحت عنوان: «الإضافات الشيعية على القرآن»
(SHI’AH ADDITIONS TO THE KORAN by Wiliam St. Clair Tisdall).
ومنها: دراسة تيد لاوسون تحت عنوان: «مذكرة حول دراسة قرآن الشيعة»
(NOTE FOR THE STUDY OF A SHI’I QUR’AN by TODD LAWSON).
[5]- أجناس جولتسيهر (1850-1920م) مستشرق مجري من أصول يهوديّة، له شهرة واسعة، ويُعتَبر من أهمّ المستشرقين الذين اشتغلوا على التراث الإسلاميّ عقيدة وشريعة وتاريخًا وتفسيرًا...، ومن جملة اهتماماته الدراسات القرآنيّة ومدارس التفسير ومذاهبه ومناهجه، خصوصًا كتابه «مذاهب التفسير الإسلامي». ويمكن القول إنّ حركة الدراسات الاستشراقية بعد جولدتسيهر اتّخذت مسارًا مختلفًا؛ ولذا تشكّل دراسة جولدتسيهر مدخلًا رئيسًا لفهم الاستشراق، وقد تعرّضت أفكاره للدراسة النقدية، ومن جملتها ما نسبه إلى الشيعة من آراء.
[6]- جوزيف إلياس (Joseph Eliash) (1931-1981م) مستشرق يهودي-إسرائيلي مهتمّ بالفكر الشيعي. وُلد في القدس. نال درجتي البكالوريوس والماجستير من الجامعة العبرية في القدس، ثم أكمل دراسته في جامعة لندن، وحصل على الدكتوراه من هذه الجامعة على أطروحته تحت عنوان: «علي بن أبي طالب في العقيدة الاثني عشرية» (Ali b. Abi Talib in Ithna Ashsri Shii belief). أسّس قسم الدراسات اليهوديّة والشرق أوسطيّة. ركّزت أبحاثه على المذهب الشيعي، ترجم ونشر مجموعة من روايات «الكافي». من أبرز أعماله كتاب غير منشور بعنوان «الشيعة الإماميّة كما في نصوصهم الروائيّة»، ومقالات مثل: «آراء فقهاء الشيعة في المرجعية الفقهيّة والسياسيّة»، الانطباع الخاطئ عن المكانة القانونيّة لعلماء إيران». كما نشر بحثًا عن النظريّة الفقهيّة الاثني عشريّة في السلطة السياسيّة والقانونيّة (The Ithna ashari-Shia Juristic Theory of Political and Legal Authority). وساهم ضمن دائرة المعارف الإسلامية الصادرة عن دار بريل في هولندا ببحث عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام). وسبق أن نشرت مجلة دراسات استشراقية مقاله: «قرآن الشيعة: مراجعة في تفسيرات جولدتسيهر» في العدد 41- شتاء 2025.
[7]- إيتان كولبرغ (Etan Kohlberg) (1943-2022م)، مستشرق إسرائيلي بارز ومتخصص في الدراسات الإسلاميّة، مع تركيز خاص على التشيّع الإمامي الاثني عشري. حصل على الدكتوراه من جامعة أكسفورد تحت إشراف ويلفرِد مادلونغ. عمل أستاذًا في قسم الدراسات العربيّة والإسلاميّة في الجامعة العبريّة في القدس. من أهمّ أعماله: (Belief and Law in Imami Shiʿism) «العقيدة والشريعة في التشيّع الإمامي»، عالج فيه موضوعات كالعصمة، الغيبة، والفقه؛ دراسة عن ابن طاووس تحت عنوان: (A Medieval Muslim Scholar at Work: Ibn Tāwūs and His Library؛ Medieval Muslim Discussions of the Origins of the Qur’an)، تناول فيها النقاشات العقدية حول القرآن وتكوينه وتاريخه، بما في ذلك الروايات الشيعية المتعلقة بمصحف فاطمة والقراءات؛ (Some Imami Shiʿi Views on the Ṣaḥāba)، عن تقويم الشيعة لبعض الصحابة، (The Term rāfiḍa in Imami Usage)، تحقيق لغوي وتاريخي في مصطلح «الرافضة»؛ (Shiʿi Hadith and Identity)، يناقش فيه دور الحديث في تشكّل الهوية الشيعيّة وبلورة الاختلاف عن أهل السنّة؛ (Early Imāmī Theology)، تناول فيه ملامح التأسيس الكلامي للتشيع في القرون الأولى.
[8]- محمود محمّد أيوب (1935-2021م) مسلم، لبناني الجنسيّة، ولد في عين قانا في جنوب لبنان، حصل على البكالوريوس في الفلسفة من الجامعة الأمريكيّة في بيروت عام 1964م، ثمّ سافر إلى أمريكا، نال درجة الماجستير في الفكر الديني من جامعة بنسلفانيا عام 1966م. عام 1975م نال الدكتوراه من جامعة هارفارد في تاريخ الأديان. عمل مديرًا مشاركًا في مركز دانكن بلاك ماكدونلد لدراسة الإسلام والعلاقات المسيحيّة الإسلاميّة بكلية هارتفورد. أستاذًا ومديرًا للدراسات الإسلاميّة في قسم الأديان بجامعة تمبل في فيلادلفيا. باحثًا في مركز الشرق الأوسط بجامعة بنسيلفانيا، أستاذًا زائرًا في كلية المحيط الهادئ للأديان في جامعة بيركلي. له إسهامات عدّة في دراسات القرآن الشيعي، مثل: القرآن ومفسّروه (The Qur›an and Its Interpreters) في مجلّدين يستعرض فيهما مدارس التفسير المختلفة مع التركيز على التفسير الشيعي. نشر كتبًا وأبحاثًا متعدّدة عن الإيمان والتاريخ، الدين والسياسة، القرآن الشيعي، عاشوراء والمعاناة الفدائية في الإسلام، الحوار الإسلامي-المسيحي، الصحوة الإسلاميّة...
[9]- آرثر جفري (Arthur Jeffery) (1892-1959م) من المستشرقين البارزين في القرن العشرين، ركّزت أبحاثه على الدراسات القرآنية والتاريخ الإسلامي المبكر، خصوصًا في مجال تطور النص القرآني والقراءات القرآنية ولغة القرآن. من أوائل المستشرقين الذين درسوا أصول الألفاظ الأجنبيّة في القرآن وحاول ربطها بلغات غير عربية (السريانيّة، العبريّة، الفارسيّة، اليونانيّة). عمل أستاذًا في جامعة كولومبيا في نيويورك. وكان باحثًا في معهد الدراسات الشرقية. أهم كتبه وأبحاثه: (The Foreign Vocabulary of the Qur›an) «المعجم الأجنبي في القرآن»؛ (Materials for the History of the Text of the Qur›an) «مواد لتاريخ نص القرآني»؛ (The Qur›an as Scripture) (القرآن كنصّ مقدّس)...
[10]- اقتصرنا على ترجمة الجزء الأوّل من المقال.
[11]- بار آشر كان أمينًا في نقله عن الكتب التي ذكرها، ولكنه استند إلى روايات هذه الكتب لينسب إلى «معظم الشيعة» القول بتحريف القرآن بالنقصان أو للقول بأنّ الشيعة الإماميّة تملك قراءة خاصّة مختلفة للوثيقة الرسميّة المدوّنة والنسخة العثمانيّة، يمكن المناقشة فيه من أوجه، والوجه الذي يعنينا ذكره في هذا التعليق يرتبط بتحقيق موجز حول الكتب التفسيريّة التي اعتمد عليها، وهي: تفسير العياشيّ، تفسير القميّ، تفسير فرات الكوفيّ، تفسير النعماني.
تفسير العياشي: مؤلّفه أبو النضر محمّد بن مسعود العياشي السمرقندي، «ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة، وكان يروي عن الضعفاء كثيرًا... صنف أبو النضر كتبًا، منها: كتاب التفسير...» كما نصّ النجاشيّ (فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص350). وقال الطوسي: «جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات، مطلع عليها. له كتب كثيرة ... منها: كتاب التفسير»، (الطوسي، الفهرست، ص212). فالعياشي له كتاب تفسير، ولكن السؤال: هل كتاب التفسير الذي اعتمد عليه بار آشر وهو النسخة المتداولة اليوم هي النسخة التي كتبها العياشي؟ وهذا الكتاب بنسخته المتداولة وإن كانت له قيمة علمية بنظر بعض علماء الشيعة الإماميّة كمحمّد حسين الطباطبائي مؤلف الميزان في تفسير القرآن (تفسير العياشي، المقدمة بقلم: محمّد حسين الطباطبائي، ج1، ص4)، لكن الطباطبائي نفسه يعترف في (ص5) أن رواياته قد حذف منها الأسانيد وترك المتن، وبالتالي النسخة الموجودة الآن محذوفة الأسانيد. بل يمكن القول إنّها ليست هي النسخة الأصلية بقلم العياشي أو بسماع عنه أو إجازة منه، فقد ورد في مقدمة الكتاب: «قال العبد الفقير إلى رحمة الله إنّي نظرت في التفسير الذي صنفه أبو النصر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عياش السلمي بإسناده، ورغبت إلى هذا وطلبت من عنده سماعًا من المصنف أو غيره، فلم أجد في ديارنا من كان عنده سماع أو إجازة منه، حذفت منه الإسناد». وهذا وإن لم يكن سببًا تامًّا لسقوط روايات الكتاب عن الاعتبار، لعدم تشدّدنا في المنهج السندي لمحاكمة الروايات، إلّا أنّه لا شك يؤثّر على قيمة الكتاب بمعايير منطق الاستدلال برواياته. مضافًا إلى أنّه على فرض كون العياشي قد ذكر تلك الروايات التي تتحدّث عن النقصان، فهذا لا يفيد تبنّيه لها كما تقدّم، لأنّه ليس من منهجية العلماء الاكتفاء بالصحيح من الروايات في كتبهم.
تفسير القميّ: علي بن إبراهيم القميّ «ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب... وله كتاب التفسير»، كما نصّ عليه النجاشي (فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص260، ترجمة: 680)، وقال الطوسي: «له كتب، منها: كتاب التفسير» (الطوسي، الفهرست، ص152).
نسب بعض علماء الإمامية القول بالتحريف بالنقصان إلى علي بن إبراهيم القمي، بناء على ما ورد في التفسير المنسوب إليه. (انظر: البحراني، الدرر النجفية، ج4، ص65؛ وأبو الحسن العاملي، مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ج1، ص83؛ النوري، فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، ص26؛ الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج2، ص197؛ والفاني، آراء حول القرآن، ص88؛ والطهراني، محجّة العلماء، ص141).
لكن السؤال نفسه: هل الكتاب المتداول اليوم تحت عنوان تفسير القمي، هو فعلًا ذلك الكتاب الذي دوّنه القمي نفسه، أم هو كتاب آخر مخلوط يحتوي على تفاسير متعدّدة؟
بالنظر إلى استقراء حال الكتاب نفسه، نرجّح وجهة النظر القائلة بأنّ الكتاب المتداول اليوم ليس هو النسخة الأصلية من تفسير القميّ، بل هو خليط من تفسيرين: تفسير القمي، وتفسير أبي الجارود -في الحدّ الأدنى- لأنّ البعض يذهب إلى وجود إضافات فيه من العباس بن محمّد الراوي للكتاب، بل هناك من يرى أنّه أضيف إليه تفاسير أخرى. (انظر: آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج4، ص302-309؛ ومعرفة، محمّد هادي، صيانة القرآن من التّحريف، ص187؛ محسني، محمّد آصف، بحوث في علم الرجال، ص74؛ والسبحاني، جعفر، كليات في علم الرجال، ص307؛ الدواري، مسلم، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، ص164)، فأبو الفضل العباس بن محمّد الرواي عن القميّ ليس له أيّ ذكر في كتب الرجال، وكذلك من أُملي عليه التفسير غير معروف بالاسم، حيث ورد في النسخة المطبوعة (ج1، ص27): «حدثني أبو الفضل العباس بن محمّد ... قال: حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم...»، وبالتالي لا يمكن الاطمئنان بنسبة هذا الرأي أو ذاك في التفسير إلى علي بن إبراهيم، ولذلك تنخفض قيمة هذا التفسير من الناحية المنهجيّة، وإن صلحت الاستفادة من رواياته كقرائن مؤيّدة في الجملة.
تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: من أعلام القرن الثالث والرابع الهجريين، وهو شخصيّة إشكالية، لا يمكن الجزم بأنّه من الشيعة الإمامية، فقد اعتبره كثير أنّه زيديّ المذهب، واعتبره بعض الرجاليين لقرائن نقل الصدوق عنه أنّه إمامي، وقال بعض زيدي منفتح على الإماميّة، ولكن ثمّة شواهد على أنّه على غير عقيدة الإماميّة كذكره بعض الروايات التي تنفي العصمة عن السجاد والباقر والصادق من أئمّة الشيعة، ولو كان إماميًّا لتعرّض رجاليو الإماميّة لذكره لعدم إمكانية خفاء حال مثله عليهم، لكن لم يتعرض علماء الإماميّة له بمدح ولا قدح كما صرّح المجلسي (بحار الأنوار، ج1، ص37). نعم ذكره المتأخرون في القرن الثاني عشر الهجري وما بعده كالأفندي مؤلف رياض العلماء (ت 1130هـ)، والخونساري مؤلف روضات الجنات (ت 1313هـ)، وهذا لا يفيد في التوثيق شيئًا. مضافًا إلى أنّ هذا الكتاب لم يكن بمتناول أحد من العلماء والأعلام إلى زمن العلامة المجلسي (القرن 11هـ) سوى الحاكم عبيد الله الحسكاني مؤلّف النفيس شواهد التنزيل (القرن الخامس هـ) (انظر: بحار الأنوار، م.س؛ وتفسير فرات الكوفي، مقدّمة المحقق، ص13)، وبالتالي لا يمكن نسبة ما فيه إلى الإماميّة، فضلًا عن ظهور أول نسخة يعتمد عليها في النقل عنه في القرن الخامس الهجري كما ذكرنا.
تفسير النعماني: قيل إنّ مؤلفه هو أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني، قال النجاشي: «شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث... له كتب، منها: كتاب الغيبة، كتاب الفرائض، كتاب الرد على الإسماعيلية». (النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص383)، والملاحظ أنّه لم يذكر كتاب التفسير من ضمن كتبه مع كونه خبيرًا متتبّعًا. نعم ذكر (الحر العاملي، أمل الآمل، ج2، ص233): «هذا من تلامذة محمّد بن يعقوب الكليني. ومن مؤلفاته تفسير القرآن رأيت قطعة منه»، ولكن هذا النص في القرن الثاني عشر الهجري. وقال آغا بزرك الطهراني تعليقًا على هذه عبارة الحر العاملي: «لعل مراده من القطعة هي الروايات المبسوطة التي رواها النعماني بأسناده إلى الإمام الصادق عليه السلام، وجعلها مقدمة تفسيره وهي التي دونت مفردة مع خطبة مختصرة وتسمى ب‍«المحكم والمتشابه» كما يأتي، وتنسب إلى السيد المرتضى». (الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج4، ص318). وراجع (الذريعة، ج20، ص155)، والذي يظهر أنّه ليس ثمة دليل قوي على نسبة هذا التفسير إلى النعماني.
قال الحر العاملي في وسائل الشيعة، ج20، ص32: «اعلم أنّ سيِّدنا الأجلّ المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقل أحاديث من تفسير النعماني، وهذا إسنادها: قال شيخنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني رضي الله عنه في كتابه في تفسير القرآن: أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة قال: حدثنا أحمد بن يونس بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام يقول وذكر الحديث عن آبائه، عن أمير المؤمنين(عليه السلام)». وهذا السند لا يمكن الاعتماد عليه لعدم اعتباره بثلاثة أشخاص أو اثنين: هم: الجعفي، فإنّه لم يرد فيه توثيق، والحسن بن علي بن أبي حمزة وهو ضعيف، وأبوه ورد فيه الضعف وهو مؤسس مذهب الواقفة، وبعض العلماء يقبل حديثه.
[12]- ليس ثمّة نصوص واصلة إلينا عن علماء الشّيعة الإماميّة من القرن الرابع الهجري تدل بالدلالة الصريحة المباشرة على صحة هذه النسبة إليهم، نعم استفاد بار آشر وغيره هذه الفكرة بناء على قرائن غير مباشرة، كذكر محدّثي الشّيعة بعض الروايات التي استفاد بعضهم منها وجود نقصان في القرآن، مثل: (تفسير القمي، تفسير الكوفي، تفسير العياشي، الكافي...).
لكن ورود الروايات في أيّ كتاب حديثي ليس دليلًا على صحتها؛ لأنّه لا يوجد كتاب روائي عند الشيعة الإماميّة مضمون الحقانيّة وفوق النقد. وثانيًا: ذكرُها في كتاب لمؤلّف خاص ليس دليلًا ولا قرينة إثبات ناقصة على تبنّيه مضمونها الدلالي، فهذه الكتب تحتوي على روايات مُحكَمة التعارض. لو سلّمنا أنّ ذكر الروايات في الكتب تدلّ على تبنّي مؤلِّف الكتاب لها كما استفاد الكاشاني باللازم عن محمّد بن يعقوب الكليني (تفسير الصافي، ج1، ص52)، إلّا أن هذا التحليل مجرّد فرضيّة لا تؤيّدها الشواهد المتراكمة.
إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد هذه المدوَّنات الحديثية التي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لا يمكن نسبة هذا الرأي إلى «معظم علماء الشيعة الإماميّة»، فإنّ اللغة العلميّة تقتضي التعبير بـ«بعض»، خصوصًا أن مجموع مؤلّفي الكتب الحديثية لا يشكِّلون وجهة النظر الرسميّة لمشهور مدرسة الإماميّة، فكيف ببعضهم؟! وإن كانت آراؤهم جزءًا مهمًّا من مسار تشكّل فكر هذه الجماعة.
نعم، لا ريب في أنّ هذا الرأي كان حاضرًا في القرن الرابع الهجري على ما تشهد به نصوص غير مباشرة، منها تصريح المفيد (ولد عام 336هـ) بوجود هذا الرأي (أوائل المقالات، ص80-81).
أوّل تصريحات مباشرة نعثر عليها لعلماء الشِّيعة الإماميّة عن وجود نقصان في القرآن الكريم هي عند متأخّري المدرسة الأخباريّة في القرن الحادي عشر الهجري، منهم: (المجلسي، الحر العاملي، الفيض الكاشاني، نعمة الله الجزائري، يوسف البحراني...)
بالتالي، إنّ عبارة بار أشر «معظم الشيعة الإمامية» تذهب إلى وجود النقصان في القرآن في القرن الرابع الهجري لا يوجد عليه قرائن قوية ومتينة، بل ثمّة قرائن على خلاف ذلك، منها أنّ محمّد بن علي بن بابويه الصدوق (و306هـ) -وهو من كبار محدّثي الشّيعة الإمامية في القرن الرابع الهجري بل لعلّه كبيرهم على الإطلاق، ولديه اطّلاع على مختلف آراء الشيعة الإماميّة بفعل كثرة مشايخه (252 شيخًا وأستاذًا تقريبًا) وتعدّد رحلاته (17 رحلة تقريبًا)، ومن البعيد جدًّا أن يخفى هذا الأمر على من هذا حاله- يقول: «القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب». (الاعتقادات في دين الإماميّة، ص84).
أضف إليه، المفيد (و336هـ)، والمرتضى (و355هـ)، والطوسي (و385هـ)، من علماء القرن الرابع الهجري وقريبي عهد من منتصف القرن الرابع الهجري على ما يُعرف من تاريخ ولادتهم، ومع ذلك صرّحوا بخلاف ذلك، وهذا ليس تحوّلًا في فكر جماعة الإماميّة، لأنّ التحولات العقائدية المتجذّرة عبر عشرات السنين لا تحصل بفعل انعطافات طفريّة، بل تحتاج إلى تراكمات يكون العامل الزمني عنصرًا مهمًّا في بلورتها، وهذا يعتبر مؤشِّرًا واضحًا على أنّ وجهة النظر الرسميّة للإماميّة إلى حدود منتصف القرن الرابع لم تكن في معظمها قائلة بالتحريف بالنقصان في القرآن كما نسبه إليها بار أشر.
لذلك يقول محمّد جواد البلاغي في كتابه آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج1، ص26: «وقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإماميّة، إنّما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم».
[13]- لم يتوفِّر بين أيدينا أيّ محاولة شيعيّة إماميّة جادّة للكشف عن النص الأصلي للنسخة القرآنيّة، بل لم نعثر على أي نصّ لعالم شيعي إماميّ يدّعي أنّه في مقام البحث عن النصّ الأصليّ. وذلك من المستبعد لسببين: الأوّل: أنّ معظم الشّيعة يعتبرون أنّ المصحف العثماني هو وثيقة نصّية مغلقة موروثة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وتعامل معها الأئمة من منطلق كونها القرآن المتواتر عن النبي بنحو لا يقبل الزيادة أو النقصان. إلى درجة أنّه حتى من يقول بتحريف القرآن بالنقصان كالنوري يعتقد بذلك كما ينقل عنه تلميذه الطهراني في رسالة له يقول: «ليس مرادي من التحريف التغيير والتبديل، بل خصوص الإسقاط لبعض المُنزَل المحفوظ عند أهله، وليس مرادي من الكتاب القرآن الموجود بين الدفتين، فإنه باق على الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان، لم يلحقه زيادة ولا نقصان».
والثاني: أنّ بعض من يرى التحريف يدّعي أنّ النصّ الأصلي هو مصحف عليّ(عليه السلام) الموجود اليوم بين يدي الإمام الثاني عشر، ومن المستحيل الوصول إلى هذه النسخة على فرض كونها قرآنًا يختلف مع النسخة المتداولة من القرآن.
إلّا إذا كان المقصود هو الاعتماد على الاختلافات الواردة في الروايات لتصحيح التحريفات، ولكنها تواجه عقبتين: الأولى: رفض مشهور الشيعة لهذه الروايات سندًا أو دلالة.
والثانية: أن طريق تصحيح التحريف في القرآن بالنقيصة على فرض وقوعه لا يثبت إلا بالخبر المتواتر، والأخبار المفيدة لوقوع النقيصة هي أخبار آحاد على نحو الجميع، أي بالنظر إلى مصداق ما سقط من الآية كتبديل الأئمة بالأمة... إلخ. وبناء عليه، تصبح بعض القراءات الواردة في مثل تفسير علي بن إبراهيم، كما في قراءة (خير أمّة) = (خير أئمّة)، وقراءة (واجعلنا للمتقين إمامًا) = (اجعل لنا من المتقين إمامًا)، غير مستبعدة نظريًّا، ولكن البحث كل البحث في اعتبار هذه الروايات سندًا، ومدى إفادتها التواتر اللفظيّ، لتخرج من دائرة أخبار الآحاد التي لا تفيد إلّا الظن إلى دائرة إفادة العلم بنقصان النصّ المتداول.
فالنص القرآني لا يثبت إلّا عن طريق التواتر، أي نقل اللفظ من عدد كثير من الرواة بنحو يفيد القطع بأنّ هذا من القرآن، أمّا ما تمّ نقله عن طريق الآحاد، فلا يكون من القرآن. يقول السيد الخوئي: «ما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعًا... فإذا نقل القرآن بخبر الواحد، كان ذلك دليلًا قطعيًّا على عدم كون هذا المنقول كلامًا إلهيًّا». (البيان في تفسير القرآن، ص123-124).
وهكذا يمكن تأسيس أصل أوّلي حاكم، كل واصل عن طريق التواتر هو قرآن، كل ما وصل عن طريق خبر الواحد ليس قرآنًا حتى على فرض صحته سندًا، وبالتدقيق في الروايات كلّها بالاستقراء التام، لا يوجد بين الروايات الصادرة عن أئمّة أهل البيتb ما وصل إلينا عن طريق التواتر، فمثلًا قراءة (خير أئمّة) بدل (خير أمّة) لم تصل إلّا عن طريق خبر الواحد، فلا تكون قرآنًا، وهكذا الأمر سارٍ على كلّ الروايات الظنيّة الصدور، تسقط عن الحجية فيما يتعلّق بإثبات شيء من القرآن.
[14]- ليس ثمّة أي أدلة تاريخية موثوقة على هذا الربط بين تشكّل الدولة البويهيّة وبدء نقطة الانعطاف الفكري والتحول العقائدي عند الإماميّة تجاه المصحف العثماني بالتخلي عن وجود النقص فيه. بل هذا الموقف كان سائدًا قبل الدولة البويهيّة كما قرأنا في نصّ الصدوق الذي ولد عام 306هـ، أي قبل بدء تشكّل الدولة البويهيّة (334-454هـ) بثلاثين عامًا. فضلًا عن أنّ منطق الأحداث يفرض أنّ تكون عقيدة الإمامية بفعل الاضطهاد هو التقية فيما يتعلّق بالنسخة العثمانية من المصحف، وهذا يستلزم السكوت إلى حين أن تسمح الظروف الموضوعية بالخروج من تحت ظل شجرة التقية بالسكوت عن وجود النقصان فيها إلى نور شمس الحقيقة المستبطنة في عقول جماعة الإماميّة، لا العكس، إذ إنّه إذا كان ثمة افتراض لتغيّر عقائدي يُخرج الجماعة من دائرة الاضطهاد، لكان الأصل هو إخفاء هذه العقيدة، ثم في ظهور دولة تحضن عقيدة الشيعة وتسمح لهم بممارستها بشكل يرفع عنهم الاضطهاد ينبغي أن يحصل العكس، أي التصريح بأن المصحف العثماني نقص منه آيات تتعلّق بالولاية والإمامة، لا الانعطاف نحو نكران النقصان، خصوصًا أنّ هذه العقيدة تؤدّي دورًا في مشروعية أي دولة تحمل عقيدة شيعيّة سياسيًّا؛ لأنّها ترتبط بمنطق خلافة النبيّ صلى الله عليه وآله. فالحال ليس كما ادّعى بار أشر على ما سيأتي عنه: «لا ينبغي استبعاد احتمال أن يكون هذا الموقف المتسامح الذي تبنّاه الشّيعة لا يعدو كونه موقفًا تكتيكيًّا لا يعكس حقيقة معتقداتهم. وبعبارةٍ أخرى، يمكن القول إنّ الرغبة في تجنّب المواجهة المباشرة مع أهل السنّة -وهي رغبة قائمة على مبدأ التقيّة- أدّت إلى تراجع ظاهريّ في تشدّد المواقف الشيعيّة، في حين تمسّكهم الداخليّ بكون نسختهم القرآنيّة هي النسخة الوحيدة الصّحيحة».
[15]- نقد وتعليق: وردت هذه الرواية في روضة الكافي، ج8، ص50: سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان الديلمي المصري، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «قلت له قول الله (عزّ وجلّ): {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} (الجاثية: 29) قال: فقال: إنّ الكتاب لم ينطق ولن ينطق، ولكن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الناطق بالكتاب قال الله(عز وجل): «هذا كتابنا يُنطّق عليكم بالحق» قال: قلت: جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا، فقال: هكذا والله نزل به جبرئيل على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنه فيما حرف من كتاب الله». علّق محمّد باقر المجلسي على الحديث: ضعيف. (مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج25، ص107).
هناك رأيان حول موضع الاختلاف في الآية: الأول: (يُنطَق) على البناء للمفعول أي البناء للمجهول. والثاني: (عليُّكم)، قال المجلسيّ: «كان يقرأ بعض مشايخنا رضي ‌الله ‌عنه (عليكم) بتشديد الياء المضمومة [أي: عليُّكم] والأول أظهر». (مرآة العقول، م.س).
وعلى كلّ حال، الرواية ضعيفة بسليمان وابنه، إذا تجاوزنا النقاش في روضة الكافي، وفي سهل بن زياد، قال النجاشي في فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص182: «سليمان بن عبد الله الديلمي أبو محمّد، قيل: كان غاليًا كذّابًا. وكذلك ابنه محمّد لا يُعمَل بما انفردا به من الرواية».
وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي، ج2، ص295: حدثنا محمّد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمّد الفزاري عن الحسن بن علي اللؤلؤي عن الحسن بن أيوب عن سليمان بن صالح عن رجل عن أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قلت: «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق»، قال له: إنّ الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الناطق بالكتاب. قال الله: «هذا بكتابنا ينطق عليكم بالحق»، فقلت: إنا لا نقرأها هكذا. فقال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمّد ولكنه فيما حرف من كتاب الله».
والرواية ضعيفة، فضلًا عن النقاش في تفسير القمي كما تقدّم.
[16]- روى محمّد بن علي الصدوق في علل الشرائع (ج1، ص165) وفي معاني الأخبار، ص120: «حدثني به أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، قال: حدثنا أبو الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، عن عباية ابن ربعي، قال: قلت لعبد الله بن عبّاس، لم كنى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليَّا(عليه السلام) أبا تراب؟ قال: لأنّه صاحب الأرض وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها. ولقد سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّه إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعدّ الله تبارك وتعالى لشيعة عليٍّ من الثواب والزلفى والكرامة، قال: «يا ليتني كنت ترابًا -يعني من شيعة عليٍّ- وذلك قول الله(عزّ وجلّ): {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (النبأ: 40).
وعلّق محمّد باقر المجلسي على الرواية بقوله: «يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان وجه آخر لتسميته عليه السلام بأبي تراب، لأن شيعته لكثرة تذللهم له وانقيادهم لأوامره سمّوا ترابًا كما في الآية الكريمة، ولكونه(عليه السلام) صاحبهم وقائدهم ومالك أمورهم سمي أبا تراب، ويحتمل أن يكون استشهادًا لتسميته(عليه السلام) بأبي تراب، أو لأنّه وصف به على جهة المدح لا على ما يزعمه النواصب ... حيث كانوا يصفونه(عليه السلام) به استخفافًا، فالمراد في الآية: يا ليتني كنت أبا ترابيًّا، والأب يسقط في النسبة مطردًا، وقد يحذف الياء أيضًا كما يقال: تميم وقريش لبنيهما، على أنّه يحتمل أن يكون في مصحفهمb (ترابيًّا) كما في بعض نسخ الرواية: (يا ليتني كنت ترابيًّا)». بحار الأنوار، ج35، ص51.
والرواية ضعيفة السند ففيها مجاهيل، مثل: تميم بن بهلول وأبو الحسن العبدي، ومع تجاوز السند، فإنّ المتن لا يفيد أنّها قراءة مختلفة، بل أنّها من باب التفسير والتأويل.
[17]- عن ابن سنان قال: قرأت عند أبي عبد الله(عليه السلام): «كنتم خير أمّة أخرجت للناس»، فقال أبو عبد الله: (خير أمة) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن عليb؟ فقال القارئ: جعلت فداك كيف نزلت؟ قال: نزلت: «كنتم خير أئمّة أخرجت للناس» ألا ترى مدح الله لهم: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110)» القمي، تفسير القمي، ج1، ص110.
ومثلها روايات كثيرة ورد فيها هكذا نزلت... مثل: قُرأ عند أبي عبد الله(عليه السلام): {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان: 74). فقال: «قد سألوا الله عظيمًا أن يجعلهم للمتقين أئمّة. فقيل له: كيف هذا يا ابن رسول الله؟ فقال: إنما أنزل الله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}» القمي، تفسير علي بن إبراهيم القمي، ج2، ص117.
والبحث يدور حول كلمة «نزلت». إنّ المراد من هذه الكلمة في منطق القرآن والروايات ليس هو المعنى الاصطلاحي العلمي الذي نشأ في قرون متأخرة نسبيًّا، فالتنزيل لا يطلق فيهما على خصوص ما نزل من القرآن الكريم، فهذا إطلاق مستحدث لا يمكن حمل اللفظ الوارد في الروايات عليه، بل التنزيل لغة هو ما نزل، أعم من أن يكون قرآنًا أو غيره، ولا قرينة صارفة إلى حمله على خصوص القرآن، فكل ما يوحى إلى النبي هو تنزيل، حتى لو كان من الأحاديث القدسية أو الأحاديث النبوية، فرسول الله كما نصّ القرآن الكريم في سورة النجم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وبالتالي عندما ترد مفردة «هكذا نزلت» لا تأبى عن الحمل على التفسير الوارد عن النبي أو المعصوم، أي أنّ المعنى المراد باللفظ القرآني هو كذا في ضوء ما نزل تفسيرًا لأنّ النبي من وظيفته تعليم الكتاب: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ...} (الجمعة: 2)، والروايات المروية عنه في مقام التعليم تسمّى الروايات التفسيرية، وتعتقد الإمامية أنها صادرة عن المعصوم، لا بلحاظ كونه بشرًا عاديًّا يستعمل أدوات الفهم العرفي القائم على أساس الكشف الظني عن المراد الجدي للمتكلم الذي يحتمل المعنى المخالف، بل في ضوء الواقع أي المراد الجدي الواقعي للمتكلم الإلهي، وبالتالي الرواية التفسيرية تكون من باب كشف الواقع إمّا عن المعنى في ذاته وإمّا عن مصداق من مصاديق المعنى من باب التطبيق والجري، وبناء عليه يحمل وجود أسماء الأئمة كالرواية التي ذكرها العياشي في تفسيره ج1، ص13، عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): «لو قد قرأ القرآن كما أُنزِل لألفيتنا فيه مسمّين»، وما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) في قول الله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [في ولاية علي والأئمة من بعده] فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 71) هكذا نزلت». (الكليني، الكافي، ج1، ص414)... على التنزيل بهذا المعنى (انظر: المفيد، المسائل السروية، ص79). خصوصًا إذا عطفنا عليها الروايات التي تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ...} (المائدة: 67) بأنها نزلت في تبليغ ولاية عليّ(عليه السلام)، فالتنزيل يأتي بمعنى مطلق الوحي الذي منه تسمية الأئمّةb. قال السيِّد الخوئي: «إن بعض التنزيل كان من قبيل تفسير القرآن وليس من القرآن نفسه، فلا بدّ من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمّةb في التنزيل من هذا القبيل». (البيان في تفسير القرآن، ص230).
وممّا يدل على أنّ اسم أمير المؤمنين(عليه السلام) مثلًا لم يذكر صريحًا في القرآن حديث الغدير، فإنّه صريح في أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما نصب عليًّا بأمر الله، وبعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك، وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس، ولو كان اسم «علي» مذكورًا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب، ولا إلى تهيئة ذلك الاجتماع الحافل بالمسلمين... فصحة حديث الغدير توجب الحكم بكذب هذه الروايات التي تقول: إن أسماء الأئمّة مذكورة في القرآن ولا سيّما أن حديث الغدير كان في حجة الوداع التي وقعت في أواخر حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ونزول عامة القرآن، وشيوعه بين المسلمين». (البيان في تفسير القرآن، ص231).
وممّا يؤيّد هذا الفهم لمفردة التنزيل أيضًا ما ورد في الكافي عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله(عزّ وجلّ): {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} (النساء: 59). فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسينb. فقلت له: إن الناس يقولون: فما له لم يسم عليًّا وأهل بيتهb في كتاب الله(عزّ وجلّ)؟ قال: فقال: قولوا لهم: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثًا ولا أربعًا، حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهما درهم، حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزل الحج فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعًا حتى كان رسول اللهs هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} -ونزلت في علي والحسن والحسين- فقال رسول اللهs: في علي: من كنت مولاه، فعلي مولاه...» (الكليني، الكافي، ج1، ص286-287).
فهذه الروايات الصحيحة السند حاكمة على تلك الروايات كلّها وتوضح ما هو المراد منها، من أنّ اسم علي والأئمّة كان من باب.
قال المفيد: «قد قال جماعة من أهل الإمامة: إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتًا في مصحف أمير المؤمنين(عليه السلام) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتًا منزلًا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الّذي هو القرآن المعجز، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً...». (أوائل المقالات، ص81).
[18]- إنّ الناظر في التراث الشيعي الروائي والتفسيري والتاريخي... أنّه لا وجود لا من قريب أو بعيد لما يسمّى سورة النورين أو سورة الولاية، فلم يرد ذكرهما في أي مصدر من المصادر الإمامية المعتبرة، بل وغير المعتبرة أيضًا، ولا يعثر الباحث على أي نص لهما في أي مخطوطة شيعية قديمة أو كتاب حديث، بل قد ظهرتا في عصر متأخر في الهند، ويمكن القول بشكل قاطع بأنّهما سورتان مكذوبتان تمّ اختراعهما ونسبتهما إلى الشيعة كذبًا وافتراء، ولو كانت هاتان السورتان من القرآن الكريم لما خفي أمرهما لمئات السنين على كبار علماء الشيعة ثم ظهرا فجأة في هذه العصور المتأخرة، فكيف لمثل هكذا أمر أن يختفي لمئات السنين، فلو كان لظهر وبان، ولو في المصادر الضعيفة وغير المعتبرة في الحدّ الأدنى، وعلى كل حال بغضّ النظر عن النقاش هذا، يبقى أن المتأمّل في هاتين السورتين وأسلوبهما وتركيبهما اللغوي ومفرداتهما يرى أنهما غريبتين عن أسلوب القرآن ونصه وتعبيره ولغته، ممّا يدل بشكل واضح على وضعهما واختلاقهما.
قال محمّد جواد البلاغي في آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ج1، ص24-25: «مما ألصقوه بالقرآن المجيد ما نقله في فصل الخطاب عن كتاب دبستان المذاهب أنه نسب إلى الشيعة أنهم يقولون إن إحراق المصاحف سبب إتلاف سور من القرآن نزلت في فضل علي(عليه السلام) وأهل بيتهb «منها» هذه السورة وذكر كلامًا يضاهي خمسًا وعشرين آية في الفواصل قد لُفّق من فقرات القرآن الكريم على أسلوب آياته. فاسمع ما في ذلك من الغلط، فضلًا عن ركاكة أسلوبه الملفّق، فمن الغلط «واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلفه» ماذا اصطفى من الملائكة؟!! وماذا جعل مّن المؤمنين؟!! وما معنى أولئك في خلقه؟!! ومنه «مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم» ليت شعري ما هو مثلهم؟!! ومنه «ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل» ما معنى هذه الدمدمة؟! وما معنى بما استخلف؟! وما معنى فبغوا هارون؟! ولمن يعود الضمير في بغوا؟! ولمن الأمر بالصبر الجميل؟! ومن ذلك: «ولقد اتينا بك الحكم كالذي من قبلك من المرسلين وجعلنا لك منهم وصيًا لعلهم يرجعون» ما معنى أتينا بك الحكم؟! ولمن يرجع الضمير الذي في منهم ولعلهم؟!! هل المرجع للضمير هو في قلب الشاغر؟! وما هو وجه المناسبة في لعلهم يرجعون؟! ومن ذلك: «وإن عليًّا قانت في الليل ساجد يحذر الآخرة ويرجو ثواب وبه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون»، قل ما محل قوله هل يستوي الذين ظلموا؟! وما هي المناسبة له في قوله وهم بعذابي يعلمون؟! ولعل هذا الملفّق تختلج في ذهنه الآيتان الحادية عشرة والثانية عشرة من سورة الزمر وفي آخرها: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} فأراد الملفق أن يلفق منهما شيئًا بعدم معرفته فقال في آخر ما لفق هل يستوي الذين ظلموا ولم يفهم أنه جيء بالاستفهام الإنكاري في الآيتين؛ لأنه ذكر فيهما الذي جعل لله أندادًا ليضل عن سبيله والقانت آناء الليل يرجو رحمة ربه فهمًا لا يستويان ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. هذا بعض الكلام في هذه المهزلة».
[19]- نص الرواية: محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة قال: «قرأ رجل على أبي عبد الله(عليه السلام) وأنا أستمع حروفًا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله(عليه السلام): كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس، حتى يقوم القائم، فإذا قام القائمf قرأ كتاب الله(عزّ وجلّ) على حدّه، وأخرج المصحف الذي كتبه علي(عليه السلام) وقال: أخرجه علي(عليه السلام) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه. فقال لهم: هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما أنزله [الله] على محمّدs وقد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدًا، إنما كان عَلَيَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه». (الكليني، الكافي، ج1، ص633، ح23). وقد أقرّ المجلسي بضعف الرواية، وقد وقع في سندها سالم بن سلمة وهو رجل مجهول لم يرد فيه توثيق. (انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث، ج9، ص22).
[20]- يعتقد جمهور الشّيعة أنّ مصحف عليّ(عليه السلام) ليس قرآنًا مستقلًّا في مقابل القرآن المدوّن والمتداول بين أيدي المسلمين اليوم، بل هو عبارة عن القرآن نفسه، لكن يختلف عن النسخة المتداولة من حيث كيفية ترتيب السور، واشتماله على بيان التفسير والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ... وغيرها من الخصائص التي يتميّز بها مصحف علي(عليه السلام) دون أن تجعله قرآنًا خاصًّا مقابل النسخة المتداولة من القرآن الكريم. (انظر: المفيد، المسائل السرورية، ص79).
وقد عمد الإمام علي(عليه السلام) إلى تدوين هذه النسخة تنفيذًا لوصية الرسول الأكرمs في قوله له: «يا علي، القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه...» (القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج2، ص451). هذه الوصية النبوية تنطلق مما قام به النبيs من تربية علي(عليه السلام) بشكل شامل، ومنها التربية القرآنيّة، عن الإمام علي(عليه السلام)، قال: «ما نزلت على رسول الله s آية من القرآن إلّا أقرأنيها وأملاها عليّ، فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها...» . (انظر: الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص67. والعياشي، تفسير العياشي، ج1، ص253). فعلي(عليه السلام) امتثل وصيّة النبي وجمع القرآن في ضوء ما علّمه النبيs من أصول التفسير والتأويل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ... إلخ، وجاء به إلى القوم وقال: «هذا كتاب ربكم كما نزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف» (الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، ص86)، ولكن القوم رفضوه قائلين: «لا حاجة لنا فيه، ونحن مستغنون عنه بما عندنا» (الطبرسي، الاحتجاج، ج1، ص383)، وذلك لمعرفتهم أو حدسهم بأنّ في نسخة علي(عليه السلام) من التفسير والتأويل ما لا يتوافق مع أهدافهم السياسية ومخططاتهم فيما يتعلق بالإسلام عقيدة وشريعة خصوصًا قضية الولاية والإمامة.
والخلاصة أن «مصحف علي» هو القرآن نفسه الذي نزل على النبيs، والمتداول بين المسلمين اليوم، مع اختلاف الخصائص. قال الشيخ المفيد: «إنه لم ينقص من كلمة ولا آية ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتًا في مصحف أمير المؤمنين(عليه السلام) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتًا منزلًا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى» (المفيد، أوائل المقالات، ص81).
والنسخة الأصلية لمصحف علي(عليه السلام) قد ورثها الأئمةb يدًا بيد إمامًا بعد إمام إلى أن انتهت إلى الإمام الثاني عشر المنتظرf، حيث يُخرجها إلى الناس مع ما فيها من علوم جدّه علي(عليه السلام) (الهلالي، سليم بن قيس، كتاب سليم، ص212). فاعتقاد الشيعة بوجود مصحف علي(عليه السلام) لا يعني اعتقادهم بتحريف القرآن أو معارضتهم للنسخة العثمانية كما اتّضح ممّا تقدّم في التعليقات السابقة.
[21]- انظر: الكافي، الكلينيّ، ج2، ص633.
[22]- هذا الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده (انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص130). وهذه الروايات وأمثالها عن النبيّs، لم ترد عن طريق الشيعة، بل ما ورد عن طريق الشيعة هو الحرف الواحد كما في الروايتين عن الباقر والصادق(عليه السلام). ثانيًا: إن القول بأنّ الأحرف السبعة هي القراءات السبعة هو أول الكلام، فقد اختلف المفسرون والعلماء في معنى الأحرف السبعة إلى آراء، كالمعاني المتقاربة، والأبواب السبعة (أي المحكم والمتشابه والأمر والنهي...)، واللغات الفصيحة، واللهجات المختلفة، ومنها القراءات السبعة مع أنّها أكثر من ذلك إلى غير ذلك من الوجوه التي لا يتحصّل منها معنى معيّن، وقد ناقشها السيد الخوئي بالتفصيل في كتابه البيان في تفسير القرآن ص170-193، خاتمًا بالقول: «وحاصل ما قدمناه: أن نزول القرآن على سبعة أحرف لا يرجع إلى معنى صحيح، فلا بد من طرح الروايات الدالّة عليه، ولا سيّما بعد أن دلت أحاديث الصادقين -ع- على تكذيبها، وأن القرآن إنما نزل على حرف واحد، وان الاختلاف قد جاء من قبل الرواة».
[23]- الكافي، الكليني، ج2، ص630
[24]- م.ن.
[25]- التبيان، الطوسي، ج1، ص7
[26]- بقلم: سامر توفيق عجمي.
[27]- السبحاني، جعفر، تهذيب الأصول، تقرير بحث السيد روح الله الخميني، ج2، ص417.
[28]- الطبرسي، مجمع البيان، ج1، ص43.
[29]- الكوراني، علي، تدوين القرآن، ص44.
[30]- الخوئي، البيان في تفسير القرآن، ص226.
[31]- م.ن، ص233.