الباحث : الشيخ حسن أحمد الهادي
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 43
السنة : صيف 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : June / 18 / 2025
عدد زيارات البحث : 99
مُسْتَخْلَص
لقد اهتمّ المستشرقون مبكّرًا ببحث التراث العربي والإسلامي والشرقي عمومًا، ودراسته والتنقيب في كلّياته وجزئيّاته أحيانًا.
وهنا يحقّ لنا أن نتسائل، فلو سلّمنا أنّ هذا الجهد العلميّ المكثّف يهدف للحصول على المعرفة بهدف الاستفادة ونقل التجارب البشريّة والحضاريّة، فلماذا نلحظ غياب أو تشويش الجنبة العلميّة والموضوعيّة والمنهجيّة في البحوث والدراسات التي تناولت أمّهات مصادر الإسلام والتراث العربي؟! ولماذا لا يستقصي كثيرٌ منهم مصادر معلوماتهم استقصاءً علميًّا وافيًا من مصادر الآخر الذي يكتب عنه؟! وبنتيجة البحث والتدقيق في أهداف الاستشراق والمستشرقين تبيّن أنّ الاستشراق قد نشأ بوصفه أداةً غربيَّةً لدراسة الشرق، متذرِّعًا بالعلم والمعرفة، لكنَّه في حقيقته كان سيفًا مسلولًا في خدمة البعثات التبشيريَّة والأطماع الاستعماريَّة، والأفكار الدينيّة الكنسيّة، خاصةً وأنّ الدافع الأساس للاستشراق عند الغربيّين كان دينيًّا، وإنّ الرؤية الاستراتيجيّة للاستشراق تقوم على تغريب الهويّة الإسلاميّة والعربيّة وإعادة صياغة الشرق معرفيًّا، واجتماعيًّا، وعقائديًّا، وتربويًّا..؛ بغية السيطرة على العقول والأفكار والمكوّنات الحضاريَّة والتراث، وإلّا فبماذا نفسّر التصويب على المصادر الرئيسة للتشريع الإسلاميّ، وبماذا نفسِّر كلّ هذه التأويلات للوحي وللنصّ القرآنيّ، وهذا الفهم السطحيّ للسنّة وللحديث الشريف، ولشخصيّة نبيّ الإسلام محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فعندما نقارب هذه الكتابات نجد أنَّ القسم الأكبر من المستشرقين لم يكتب بموضوعيَّةٍ، ولم يراع منهجيَّةً منسجمةً مع القضايا المبحوثة؛ ولذلك كانت أغلب النَّتائج التي قدَّموها متقاربةً من حيث التَّشويش، والتَّشويه، ومجافاة الحقيقة، فضلًا عن عدم الدِّقَّة المضمونيَّة والمنهجيَّة.
وعندما نقرأ الخلفيات ونضمّها إلى الأهداف يتّضح أنّ كلّ ما تناوله المستشرقون في دراساتهم حول الفكر الإسلاميّ والتراث العربيّ يرتبط بثوابت الغرب قديمًا وحديثًا وذات صِلة «بالنزعة الاستعلائيَّة في الفكر الغربيّ، وهي صفةٌ متأصِّلةٌ في هذا الفكر.
كلمات مفتاحيَّة: الاستشراق، المستشرقون، الاستعمار، الكنيسة، التراث، القرآن، النبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، النزعة الإستعلائيّة، الغرب.
مقدّمة
تشترك الغاية الرئيسة لأغلب الدراسات الاستشراقيّة التي عمل المستشرقون على تحقيقها بـ «تغريب الهويّة الإسلاميّة والعربيّة»، بحيث تتمظهر حالات التعلّق والانبهار والإعجاب والتقليد والمحاكاة للثقافة الغربيّة والأخْذ بالقيم والنُّظم وأساليب الحياة الغربيّة؛ حتى يصبح الفرد أو الجماعة يَنظر إلى الثقافة الغربيّة وما تشتمل عليه من قِيمٍ ونُظمٍ ونظريّاتٍ وأساليبَ حياةٍ نظرةَ إعجابٍ وإكبار، ويرى في الأخذ بها الطريقة الـمُثلى لتقدُّم بلده، وهو ما يساهم كثيرًا في نشر قِيَم الحضارة الغربيّة وثقافتها في البلاد الواقعة تحت سيطرتهم عن طريق إسقاط عناصر القوة أو إضعافها؛ في سبيل التسلّل السهل إلى كيان المجتمعات في البلاد، ولا سيّما عنصرَي الدين واللغة؛ إذ في زوال هذه القوى ضمانٌ لاستمرار السيطرة الغربيّة السياسيّة والاقتصاديّة حتَّى بعد إعلان استقلال هذه البلاد وتحرُّرها من نير الاستعمار الغربيّ ظاهريًّا. وبهذا، تتفكّك هويّة الشعوب تدريجيًّا حتَّى الذوبان بأفكار الآخر وقيمه وفلسفته، وتتآكل الثّوابت الفكريّة والروحيّة والقيميّة والثقافيّة للمجتمع والناس.
ولهذا، ينبغي أن لايغترنّ أحدٌ مِن المسلمين ببعض الآراء أو الأفكار الإيجابيّة أو اللاسلبيّة الواردة عن مستشرقٍ هنا ومسشرقٍ هناك، أو مستغربٍ هنالك، يمتدح فيها بعض جوانب دين الإسلام، أو يثني على بعض آيات القرآن الكريم والحديث الشريف، أو يعبّر عن إعجابه بشخصيَّة نبيِّ الإسلام محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) أو شخصيّة أحد الأئمّةb...، فهل يُريد الغربيّون أو بعض الكتّاب المستغربين والباحثين المسلمين إقناعنا بأنَّ الاستشراق حركةٌ علميَّةٌ شفَّافةٌ ذات أهدافٍ معرفيَّةٍ وأكاديميَّةٍ محضة، ولا هدف لها إلَّا دراسة التراث الشرقيّ والإسلاميّ في معتقداته وآدابه واجتماعه وثقافته؟!
أوَّلًا: الاستشراق والدوافع الدينيّة
يجب أنْ لا يغيب عن بالنا فاعليّة العامل الدينيّ في قيام الاستشراق ونشاطه؛ وإذ كان الاستشراق في بدايته عبارة عن دراساتٍ وأبحاثٍ قام بها قساوسة ولاهوتيّون تدعمهم الكنيسة أو الدولة، وسرعان ما امتدّت هذه الدراسات إلى الجامعات لتأخذ شكلًا مغايرًا للبحث العلميّ من قِبل أشخاصٍ تتلمذوا على أيدي المستشرقين، تدفعهم أهواء الاستعمار للسيطرة على العالم، وهم متخرّجون من الجامعات ومسيّرون في بحوثهم طبقًا لمنهج الاستشراق العامّ.
وإنّ الدافع الأساس للاستشراق عند الغربيّين كان دينيًّا، حيث بدأ بالرّهبان، ومن أشهر الرُّهبان الذين اهتموا بالدراسات العربيّة والإسلاميّة الراهب أدلارد أوف باث (1070-1135م)، وكذلك الراهب الشهير بطرس المبجّل. وهذان الراهبان وغيرهما قاموا بتشويه صورة الإسلام من خلال المسّ بثوابته ومقدّساته عن طريق الاستشراق والتبشير. ذهَب رودي بارت (Rudi Paret) إلى أن ّالهدف الرئيس من أعمال المستشرقين وجهودهم في بدايات الاستشراق في القرن الثاني عشر الميلاديّ وفي القرون التي تلت ذلك: هو التبشير (heraldin)، ويمكن إبراز هذا الدافع الدينيّ في أمورٍ ثلاثة، وهي: دراسة الإسلام بأنّه دين معادٍ للمسيحيّة، ودراسة الإسلام بتأثير حركات الإصلاح الدينيّ الكنسيّ المعروفة بالحركة «اللوثريّة» التي ولّدت المذهب البروتستانتيّ، ودراسة الإسلام بهدف تنصير المسلمين.
وقد استطاع عددٌ مِن الباحثين المتخصّصين في تاريخ حركة الاستشراق أنْ يثبتوا -بما لا يدع مجالًا للشكّ- أنّ الهدف الدينيّ كان وراء نشأة الاستشراق، وقد صاحب الاستشراق طيلة مراحل تاريخيّة، ولم يستطع أنْ يتخلّص منه بصورةٍ نهائيّة، وأنَّ هناك نوعًا مِن التكامل بين الاستشراق والتبشير ابتداءً. كلّ ما في الأمر، أنَّ الاستشراق أخذ صورة البحث ذات الطابع العلميّ الأكاديميّ المتمثِّل بالتدريس في الجامعة، والمناقشة في المؤتمرات العلميّة. بينما بقيت دعوة التبشير في حدود طريق التعليم المدرسيّ في دور الحضانة ورياض الأطفال والمراحل الابتدائيّة مِن التعليم، كما سلك العمل الخيّر الظاهريّ في المستشفيات ودور الحضانة ودور اليتامى وملاجئ المسنين في سبيل الوصول إلى غايته.
ثانيًا: الاستشراق والدوافع الاستعماريّة
لقد نشأ الاستشراق بوصفه أداةً غربيَّةً لدراسة الشرق، متذرِّعًا بالعلم والمعرفة، لكنَّه في حقيقته كان سيفًا مسلولًا في خدمة البعثات التبشيريَّة والأطماع الاستعماريَّة[2]. وإذا كان الاستشراق في أصل منطلقه وهويَّته يعبِّر عن توجُّهٍ فكريٍّ يُعنى بـ«علم الشَّرق، أو علم العالم الشَّرقي»[3]، ويتغيَّى الدِّراسة والبحث في المكوِّنات الحضارية للشَّرق؛ والَّتي شملت حضارته، وأديانه، وآدابه، ولغاته، وثقافته، و...، إذ هو «ذلك العلم الَّذي تناول المجتمعات الشَّرقيَّة بالدِّراسة، والتَّحليل من قبل علماء الغرب»[4]، فإنَّ حركة الاستشراق قد تطوَّرت تدريجيًّا من توجُّهٍ فكريٍّ معرفيٍّ عامّ إلى حركةٍ ارتبطت في كثيرٍ من مشاريعها -بل في أغلب مشاريعها وأهدافها- بدول الاستعمار وأهدافها الاستيلائيَّة على مقدَّرات الشُّعوب ومواردها؛ ولا سيَّما عندما دُرِست من قبل الأكاديميِّين بخلفيَّاتٍ كَنَسِيَّة في أروقة الجامعات والمعاهد العلميَّة بصورةٍ أكثر عمقًا ومنهجيَّة. ولتحقيق هذه الغاية فقد أقرَّ مؤتمر فيينا مشروع تعلُّم اللُّغات الشَّرقيَّة في الجامعات الخمس الكبرى في الغرب حينها، وهي: «باريس، وأكسفورد، وبولوينا، وسلمنكا، وجامعة الإدارة المركزيَّة للبابا»، بأن يضطلع الأساتذة فيها بمهمَّة تعليم الطُّلَّاب اللُّغات الشَّرقيَّة من قبيل: اللُّغة العربيَّة، والعبريَّة، واليونانيَّة، والكلدانيَّة وما إلى ذلك[5].
ومع التَّسليم بأنَّ المنطلقات والغايات الأولى للاستشراق قد ترتبط بأهدافٍ بحثيَّة وعلميَّة نزيهة، وهو ما تحقَّق على يد نفرٍ من المستشرقين، دفعهم حبُّ الاستطلاع، والانبهار بالإسلام وبتعاليمه إلى أن يبحثوا فيه ويكتبوا عنه متجرِّدين، عن الهوى، والأغراض، والأحكام الجاهزة؛ حيث تذكر لنا المصادر المختلفة العدد الكبير ممَّن اهتدى وكتب عن الدِّين الإسلاميِّ والدِّيانات الأخرى كتاباتٍ تمثّل تراجعًا لبعض المستشرقين عن أهدافهم المرسومة مسبقًا[6].
لكن بالمقابل لم تغب غايات الاستشراق وأهدافه عن نصوص ومشاريع أعلام المستشرقين وأرباب الكنيسة، والَّتي ارتبط عنوانها العامّ بطابعٍ استعماريٍّ استعلائيّ، ولم تفرِّق بين الاستعمار السِّياسيّ، والأمنيّ، والمعرفيّ، والثَّقافيّ، والاقتصاديّ في المراحل التَّاريخيَّة كلِّها، وعلى امتداد الجغرافيا الموضوعة ضمن أهداف الاستعمار. وليس من الغلوِّ القول إنَّ الشَّرق الَّذي اهتمَّ الغرب بدراسته، والتَّخصُّص في ثقافته وتراثه، ليس هو الشَّرق الجغرافيّ الطَّبيعيّ، وإنَّما هو «الشَّرق الهويَّة»، وهو محور ما استهدفه علم الاستشراق، ومصدر العناية والاهتمام، فهدف الاستشراق هو معرفة «الشَّرق الهويَّة، والتَّاريخ» المتمثِّل في الإسلام، والمسلمين، وأنَّ الاستشراق هو إسقاط من الغرب على الشَّرق بهدف السَّيطرة عليه[7].
فإنَّنا نقرأ في عددٍ من المصادر أنَّه عندما تطلَّعت الدُّول الأوروبيَّة إلى استعمار العالم الشَّرقي، احتاج هؤلاء إلى معلومات كثيرة لتحقيق تطلُّعاتهم الاستعماريَّة، وقد وجدوا في المستشرقين قوالب جاهزةً ذات علاقةٍ قويَّةٍ بالشَّرق، وعلى درايةٍ كافيةٍ بكثيرٍ من المعلومات التي تمهِّد لحركة الاستعمار، ومن هنا تمَّ التَّلاقح بين الاستشراق والاستعمار، ودخل المستشرقون في مرحلةٍ جديدةٍ هي المرحلة الاستعماريَّة[8].
وبغض النَّظر عن التَّقسيمات التي اعتمدها الباحثون في مراحل الاستشراق بين الاستشراق الاستعماريّ، والاستشراق ما بعد الاستعماريّ، والاستشراق الجديد (New Orientalism)، وغيرها من أشكال التَّقسيم. فإنَّ كلَّ مرحلة تعبِّر عن هويَّة الدُّول القائمة عليها وخلفيّاتها، وفكر روَّادها من العلماء والباحثين والقائمين عليها، والأنظمة الاستعماريَّة التي توجِّه الأمور وفق الرُّؤية الاستراتيجيَّة التي تحقِّق مصالحها، وأهدافها في هذا العالم، والتي عبَّر عنها المستشرق المسيحيّ «يوهان فوك» بقوله: «عندما يعمد الغرب إلى التَّعرُّف إلى الشَّرق «الاستشراق» بدافع استعادة المستعمرات، وإعادة التَّمدُّد المسيحيّ، فمن الطَّبيعي ألَّا تكون دراسته هذه واقعيَّة، أو حياديَّة، وإنَّما الهدف والغاية منها هي العثور على الخواصر الرَّخوة في الشَّرق، ومن الطَّبيعي ألَّا تكون هذه الغاية علميَّة، ولا واقعيَّة. وفي مثل هذه الظُّروف المتشنِّجة لن تكون معرفة كلِّ واحد من الفريقين للآخر دقيقة، ولا حقيقيَّة. لقد كان الدَّافع التَّبشيريّ، وتنصير المجتمعات الشَّرقيَّة أهمَّ عنصر لترجمة القرآن، والكتب العربيَّة. فكلَّما استمرَّت الحروب العسكريَّة والقتاليَّة ضدَّ المسلمين، لن تفشل في تحقيق النَّصر، وتغيير الدِّين، وإضعاف الإيمان فحسب، بل كان يُشاهد تأثُّر الكثير من المقاتلين الصَّليبيِّين بالحضارة والفكر الإسلامي أيضًا»[9].
بل إنَّ النَّشاط الاستشراقيّ -كما ذكر الباحثون في تاريخه وأدواره- إنَّما هو متمِّم لتحقيق الأهداف النِّهائيَّة من الحملات والحروب الصَّليبيَّة؛ إذ إنَّ الحرب قد يمكِّنها أن تغيّر القوى، فتحلُّ السُّلطةُ الكافرة محلَّ السُّلطة الإسلاميَّة، في حين أنَّ المخطَّطات والمشاريع الثَّقافيَّة الَّتي يضطلع بها المستشرقون تؤدِّي إلى إخراج الفكر الإسلاميّ حتَّى من أذهان المسلمين، لتحلَّ محلَّه الأفكار والقيم الغربيَّة[10].
ومن المعلوم أنَّ صور التَّعاون والارتباط بين المستشرقين والدُّول الاستعماريَّة تعدَّدت وتنوَّعت، منها لا على سبيل الحصر: تقديم معلوماتٍ موسَّعة ومفصَّلة عن الدُّول الَّتي رغبت الدُّول الغربيَّة في استعمـارها والاستيلاء على ثرواتها وخيراتها، تشمل عناصر القوَّة، والضُّعف، والمشارب الدِّينيَّة للشُّعوب، والقراءات الديموغرافيا، والاختلافات المذهبيَّة الدِّينيَّة والقوميَّة والعشائريَّة، كلُّ ذلك شكَّل مادَّةً دسمةً للمستعمرين للبناء عليه في خطط الهيمنة والاستعمار ومشاريعها. وبهذا تتبيَّن -لنا- وجهة الاستشراق الحقيقيَّة، ويبرز جانب من أثر عمليَّة التَّلاقح بين الاستشراق والاستعمار، وكيف شرَّق الغرب منذ القدم، وما زال مشرِّقًا، وإن تبدَّلت الأدوات، والأساليب، والأولويَّات.
وعلى هذا الأساس، قدّم المستشرقون خدماتٍ جليلة للمستعمرين في أغلب البلدان؛ إذ ساهمت دراساتهم وتقاريرهم ورحّالاتهم بإزاحة العقبات الإيديولوجيّة والفكريّة والنفسيّة...؛ وذلك في سبيل تمكين المستعمر الغربيّ من السيطرة على العقول والأفكار والإرادات من خلال التسلّل التدريجيّ الهادىء والناعم إلى مكوّنات الهويّة ومقوّماتها وعناصرها المختلفة، وبهذا يتوسّع الاستعمار من السيطرة على الجغرافيا والموارد الطبيعيّة إلى السيطرة على الإنسان من خلال تغيير هويّته وثقافته، «...إنّ القيمة الكبرى للاستشراق تكمن في كونه دليلًا على السيطرة الأوروبيّة الأمريكيّة على الشرق أكثر من كونه خطابًا صادقًا حول الشرق، وهو ما يزعمه الاستشراق في صورته الأكاديميّة أو البحثيّة»[11].
وبعد أن اجتاح الفكر الاستعماريّ الأوروبيّ العالم الشرقيّ واستعمرت فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرهم من الدول الغربيّة العالم الشرقي والإسلاميّ، احتاجت هذه الدول الغربيّة إلى دراسة واقع الدول الشرقيّة التي استعمرتها، فوجدت في الحركة الاستشراقيّة ضالّتها المنشودة التي تساعدها على تحقيق أهدافها الاستعماريّة، فاستعانت بهم في هذا المجال، فقدّم المستشرقون خدماتٍ جليلة للمستعمرين من أبناء جلدتهم، ومن هنا تحقّق التلاقي بين الاستعمار والاستشراق، ودخلت الحركة الاستشراقيّة في مرحلةٍ جديدة هي المرحلة الاستعماريّة. وكما يقول العقيقي: «فلمّا أرادت معظم دول الغرب عقد الصلات السياسيّة بدول الشرق والاغتراف من تراثه، والانتفاع بثرائه، والتزاحم على استعماره، أحسنت كلّ دولة إلى مستشرقيها، فضمّهم ملوكها إلى حاشياتهم أمناء أسرار وتراجمة، وانتدبوهم للعمل في سلكَي الجيش والدبلوماسيّة إلى بلدان الشرق، وولّوهم كراسي اللغات الشرقيّة في كبرى الجامعات والمدارس الخاصَّة، والمكتبات العامّة، والمطابع الوطنيّة، وأجزلوا عطاءهم في الحلّ والترحال، ومنحوهم ألقاب الشرف وعضويّة المجامع العلميّة»[12].
هكذا اشتغل فريقٌ من المفكّرين بمجال الاستشراق، مدفوعين من قبل حكوماتهم التي دعتهم إلى مساعدتها على استعمار الشرق، فكانوا عونًا لها مخلصين في تقديم المعلومات التي احتاجت إليها، وهي في طريقها إلى اجتياح الشرق، معلنةً الهيمنة عليه لفترةٍ من الزمن تعين على امتصاص خيراته، وعلى إيجاد البديل عند الخروج، وعلى إضعاف مكامن الخطر بالنسبة إليهم[13].
ثالثًا: الاستشراق والدوافع المزّيفة في قراءة التراث
يبيّن جوزيف مسعد في كتابه «اشتهاء العرب» أنّ المستشرقين اعتمدوا على أسلوبٍ محدّدٍ عند وصف الشرق معالم وسكّانًا وحضارةً، حيث عمدوا إلى ترسيخ الشّهوة تجاه هذا الفضاء الحضاريّ، مثيرين الرغبة والغريزة الغربيّة تجاهه[14]. وهذا يعني أنَّ المستشرقين -من ضمن المشروع الاستشراقي- وبخطوةٍ ذكيَّةٍ وماكرةٍ قد قدّموا الصور الإيجابيّة والساطعة عن أوطاننا وبلداننا من النواحي الحضاريّة والثقافيّة، وتعايش الأديان، وكرم الشعوب وعاداتها وتقاليدها الجميلة...، وبهذا يحقّقون هدفين؛ يثمثّل الهدف الأول في استرضاء أو استقطاب أهل البلد المنوي استعماره أو السيطرة عليه، إذ ما يقدّم عن بلدهم من المديح والصور الجميلة من الأمور المرضيّة عند العموم من الناس؛ وأمّا الهدف الثاني -وهو الأهم- فيعمل على استقطاب المؤسّسات والتجّار والسوّاح والجهات المؤثّرة إلى هذا البلد ليتداخلوا مع النسيج الاجتماعيّ ويؤثّروا تدريجيًّا في ثقافته وقيمه ونمط الحياة العامّ فيه، ولو لم يكن سوى تشييد المؤسّسات التربويّة، كالمدارس لتعليم أبناء القرى والأرياف بهدفٍ نبيلٍ وحسنٍ وهو محو الأمّيَّة، والجامعات لتعليم أجيالٍ من المتخصّصين لخدمة بلدهم وتخريجهم... لكفى؛ إذ بداية تغيير الهويّة يبدأ في هذه المؤسّسات ليتوسّع لاحقًا ويتغلغل في مفاصل المجتمع والحياة كلّها، وصولًا إلى السيطرة على الموارد البشريّة والطبيعيّة. هكذا تتكامل عناصر الاستعمار والهيمنة الغربيّة على مقدّراتنا، وللأسف! قد استعان الغربيّ بأبنائنا علينا بعد أن مسّ مكوّنات الهويّة وعناصرها ومصادرها.
رابعًا: الاستشراق ودوافع صياغة المعرفة والتراث الشرقي
تثبت الوقائع التاريخيّة، فضلًا عن كثيرٍ من الدراسات والتحقيقات الصادرة في الغرب عن الشرق، أو تلك الصادرة في الشرق في مواجهة المدّ الفكريّ الغربيّ، أنَّ الرؤية الاستراتيجيّة للاستشراق التي كوّنتها مراكز الأبحاث والدراسات الغربّية والاستشراقيّة تقوم على فكرة إعادة صياغة الشرق معرفيًّا، وسياسيًّا، واجتماعيًّا، وعقائديًّا، وعلميًّا..؛، بغية السيطرة على العقول والأفكار والتراث، فضلًا عن المكوّنات الحضاريَّة للشعوب، والجغرافيا والبشر والحجر، وبهذا فقد أنتج المستشرقون منظومةً متكاملةً من الأفكار والرؤى حول الشرق والإسلام، نسج بموجبه الخيوط الأولى للمخيّلة الغربيَّة حول الإسلام بوصفه دينًا سماويًّا، وحول كلّ ما يتعلّق بالتراث العربيّ والإسلاميّ، وهو ما كرّس صورةً نمطيَّةً للشرق لا تعكس سوى الجهل والهمجيَّة وعبادة الشهوات، وتركِّز على نقاط الضعف التي تمكَّن الغرب من التسلّل منها للاستحواذ على مواردنا وإرادتنا وقرارنا بصورٍ خادعة، زخرَفَها بمنمنمات فنِّيَّة تحرف النظر عن خبث تلك الصور وواقعيَّة تلك النظرة الغربيَّة الظالمة والمتعالية. ولا فرق هنا بين الاستشراق الجديد والاستشراق القديم، فكلاهما قدّم نسخةً عن الشرق والإسلام أحطّ وأبشع من الأخرى.
خامسًا: الاستشراق ودوافع قراءة مصادر الدين الإسلامي
تتعدّد أساليب الغربيّين وأدواتهم في قراءة الإسلام بوصفه دينًا، ودراسة واقع المسلمين بوصفهم مجتمعًا وأمَّةً، وفهم التراث الإسلاميّ بوصفه مرجعيَّةً دينيَّةً معرفيَّة. وتتنوّع أدوارهم ومشاريعهم ورؤاهم في مقاربة قضايا الإسلام وأصول الفكر الإسلاميّ ومبانيه؛ ولهذا تجدهم تارةً يسلكون طريق الاهتمام الأكاديميّ المتمثّل باستقطاب النخب العربيَّة والإسلاميَّة إلى الجامعات الغربيَّة بهدف استلهام النموذج الفكريّ والثقافيّ والقيميّ الغربيّ، وصناعة الشخصيّات المسلمة شكلًا، والغربيّة فكرًا ومضمونًا؛ تمهيدًا لنشر فكرهم وقيمهم وثقافتهم أكاديميًّا وثقافيًّا وتربويًّا في العالم الإسلاميّ عن طريق المسلمين أنفسهم، بحمل لواء الحرِّيَّة والديمقراطيّة والتسلُّح بالدعوة إلى المدنيّة والحضارة التي يفتقدها غير الغربيّ، ولا يوجد سبيل إليها إلّا عن طريق الغربيّ نفسه. وأخرى يتسلّلون عن طريق الاستشراق تحت عناوين بحثيّة ومعرفيّة وتقديم الخدمات للتراث الإسلاميّ وفق المناهج والأدوات الغربيّة. وثالثة يعتمدون سياسة الاستعمار المباشر وفرض الهيمنة والتسلّط بالقوّة والعنف.
وبغضّ النظر عن التقويم الإيجابيّ أو السلبيّ لهذه الأساليب والأدوات والأدوار والمشاريع، فإنَّه لا يمكن فصلها عن الخلفيَّة الفكريَّة والفلسفيَّة للغرب، كما لا يمكن تجريدها عن الغايات والأهداف التي يستهدفها الغربيّون، ويعمل على تحقيقها المستشرقون والمدارس الاستشراقيّة في العالم الإسلاميّ معرفيًّا، وتقنيًّا، وسياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وتربويًّا، وثقافيًّا...، فلا يوجد فرقٌ جوهريّ بين المستشرقين على تنوّعهم الفكريّ وتوزّعهم الجغرافيّ وانتمائهم القوميّ على مستوى غايات دراسة الإسلام وفهمه بوصفه دينًا سماويًّا يجمع بين العقيدة والشريعة، وقد أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) لهداية البشريّة إلى عقيدة التوحيد التي يلازمها الإيمان والعمل الصالح في ممارسة الشريعة وتطبيقها في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة للناس.
القرآن وعلومه في الميزان الاستشراقي
لقد لعب المستشرقون من أمثال: «برنارد لويس»، و«صموئيل هنتنغتون»، و«غوستاف فون غرونبون» وغيرهم، دورًا كبيرًا في تشويه صورة القرآن الكريم؛ إذ هدفوا إلى: الحيلولة دون وصول مبادىء القرآن وتعاليمه إلى شعوب بلدانهم، والتقليل من أهمّية القرآن عند المسلمين؛ وقد أشار غلادستون إلى ذلك عندما قال: «ما دام هذا القرآن موجودًا، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون في أمان»[15]. وأكمل هنتغتون بأنّ المشكلة الأساس بالنسبة إلى الغرب ليست في الأصوليّة الإسلاميّة بل الإسلام. وساهمت مقولات هنتنغتون في صناعة رأيٍ عامٍّ غربيٍّ يرفض التعايش مع الحضارات والأمم الأخرى، ما دفع بعضهم إلى محاولة إلحاق الأذى بهم وتشويه سمعتهم[16]. وزعم جورجسيل (G. Sale) -في مقدّمة ترجمته لمعاني القرآن 1736م- أنّ القرآن إنّما هو من اختراع محمّد ومن تأليفه، وأنّ ذلك أمرٌ لا يقبل الجدل. ويزعم ريتشارد بل (Richard Bell) أنّ النبيّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) قد استمدّ القرآن من مصادر يهوديّة ومن العهد القديم بوجهٍ خاصّ، وكذلك من مصادر نصرانيّة. ويزعم دوزي (ت 1883م): أنّ القرآن الكريم ذو ذوق رديء للغاية ولا جديد فيه إلّا القليل،كما يزعم أنّ فيه إطنابًا بالغًا ومملًّا إلى حدٍّ بعيد.
وذهب بعض المستشرقين ومنهم تسدال ومستر كانون (سل) وغيرهما إلى أنّ الحنفية ورجالها قبل البعثة المحمّديّة هم أحد مصادر القرآن، وذلك بدليل وجود توافقٍ وتشابه بين أحكام القرآن وهداياته وبين ما كان يدعو إليه الحنفاء مثل: الدعوة لإفراد الله بوحدانيّته سبحانه وتعالى، ورفض عبادة الأصنام، والوعد بالجنان، والوعيد بالعقاب في جهنم، ومنع وأد البنات، والإقرار بالبعث والنشور والحساب، ...
واعتبر بعضهم أنّ الصابئة مصدرٌ من مصادر القرآن الكريم؛ وذلك للتشابه بينهما وبين ما جاء في القرآن من عقائد وعبادات ونسك، حيث قالوا إنّ التأثير من الصابئة انتقل لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) عبر الوسط الوثنيّ الذي عاش فيه وأخذ منه كثيرًا من طقوسه الدينيّة،كما زعموا أنّ الوسط الوثنيّ مصدر من مصادر القرآن الكريم، وقولهم أنّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) استقى معلوماته التي وضعها في القرآن من البيئة التي عاش فيها بدليل التشابه، وأنّ التشابه الموجود بين مقاطع من الشعر الجاهليّ وبعض الآيات القرآنيّة قد استقاها محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) من وسطه الوثنيّ ووضعها في القرآن. وكذلك زعم (تسدال) أنّ كثيرًا من المطالب الواردة في القرآن وفي الأحاديث تطابق مطابقةً غريبةً ما ورد في كتب الزرادشتّية والهنديّة القديمة، فنتج من ذلك أنّنا ملزمون -على حدّ تعبيره- باعتبار الهنديَّة مصدرًا من مصادر القرآن، وبأنّ النصرانيّة كانت أحد المصادر التي أخذ منها محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأدخلها في قرآنه مع أنّ مصادر النصرانيّة هذه لم تكن موثوقة، بل كانت لفرقٍ شاذّة، لها أساطير غريبة، وكان يظن أنّها الإنجيل. وكذا زعم جولدسهير وغيرهم أنّ اليهوديّة مصدر من مصادر الإسلام، واستدلوا على ذلك بتشابه القرآن واليهوديّة في القصص مثل قصَّة ابنَي آدم وقصَّة إبراهيم وغيرها، ممّا أثاروه ونشروه بلغات العالم. والواضح من هذه النماذج أنّ الأعمّ الأغلب منهم -وإن صُنّفوا علماء وباحثين عندهم- يدرس القرآن بروحيّةٍ بعيدةٍ عن التجرّد والموضوعيّة والشفافيّة التي تمثِّل أوّليَّات البحث العلميّ، وهو ما يكشف عن أنّ الأولويّة والاهتمام البالغ الذي أولاه الباحثون المستشرقون بالقرآن الكريم نشأ في كثيرٍ من الأحيان من المخاوف التي استحوذت على عقليّة الإنسان الغربيّ ونظرته إلى الإسلام نظرة المنافس المهدِّد له باستلاب حضارته وثقافته؛ ولهذا فقد ظهر الجدل ضدّ القرآن الكريم مبكِّرًا، منذ القرون الوسطى في الغرب، في الخطاب الدينيّ اليهوديّ والمسيحيّ على لسان يوحنا الدمشقيّ (ت 749م)، وموسى بن ميمون (ت 1204م)، وتوما الأكويني (ت 1274م)، ورئيس دير كلوني بطرس المبجَّل (ت 1156م) الذي كان أوّل من شجّع على ترجمة القرآن الكريم إلى لغةٍ غربيّة ودعمه، فظهرت أوّل ترجمةٍ للقرآن إلى اللغة اللاتينيّة على يد البريطانيّ روبرت كيتون (Robert of Ketton) في الفترة الممتدَّة بين (1136-1157م)، ثمّ تتابعت من بعدها الترجمات إلى اللغات الأوروبيّة المختلفة؛ كالإنكليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والإيطاليّة، والهولنديّة، ... ولم يقتصر عمل المستشرقين على هذا المجال بالنسبة إلى القرآن الكريم، بل اتّسعت جهودهم إلى مجالاتٍ أخرى تتعلّق بالقرآن الكريم، من قبيل: علوم القرآن والتفسير والدراسات القرآنيّة، فبرزت في هذا الصدد شخصيّاتٌ استشراقيّة تنتمي إلى مدارس استشراقيّة أوروبيّة؛ ألمانيّة، وبريطانيّة، وفرنسيّة، ومجريّة...؛ من قبيل: الألمانيّ تيودور نولدكه (Theodor Noldke) (ت 1930م)، ومواطنه رودي باريت (Rudi Paret) (ت 1983م)، والمجريّ إجنتس جولدتسيهر (Ignaz Goldziher) (ت 1921م)، والبريطانيّ ريتشارد بيل (Richard Bell) (ت 1952م)، والفرنسيّ ريجيس بلاشير (Regis Blachere) (ت 1973م)، والأستراليّ آرثر جفري (Arthur Jeffery) (ت 1959م)، ... وقد وصلت هذه الجهود الاستشراقيّة في البحث القرآنيّ إلى مرحلة إصدار موسوعات قرآنيّة، منها: «موسوعة القرآن» التي صدرت ما بين (2000-2006م) عن دار بريل الهولنديّة في أجزاء ستَّة. وفي هذا السياق، ينقل إدوارد سعيد عن «نورمال دانيال» في كتابه «الإسلام والغرب» أنَّه يُنظر إلى النبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغرب على أنَّه نبيّ الوحي الكاذب، وقد أصبح في عيون الغربيِّين مثالًا «للفجور، والفسق، والشذوذ، وأنّه منظومة كاملةٌ من الخيانات المختلفة»[17]، ويؤكّد سعيد -أيضًا- أنّ القرآن لم يسلم من الهجوم العدائيّ للكتّاب الغربيِّين؛ فهاك توماس كارلايل يصف القرآن بأنَّه «خليط مشوّش مضْجِر، خام، فجّ، تكرار لا نهائيّ، إسهاب مملّ، تعقيد، وباختصار هو خام، ركيك، غباء لا يحتمل»[18].
وقد أدّت هذه الجهود الاستشراقيّة في مجال ترجمة القرآن الكريم والدراسات القرآنيّة الكثيرة والمتنوّعة في أغلب ما نتج عنها -عن تعمّدٍ أو عن قلّة اطّلاعٍ وعلمٍ ودراية- إلى الوقوع في أخطاء خطيرة وجسيمة وإلقاء شبهاتٍ كثيرةٍ بعيدة عن القرآن الكريم بوصفه كتابًا سماويًّا، ما استدعى ردودًا من قِبَل العلماء والباحثين المسلمين على مدار العقود المنصرمة. كما ساهمت بعض الدراسات الاستشراقيّة للقرآن الكريم في تعزيز جوانب من الدراسات التفسيريّة للقرآن وعلوم القرآن والدراسات القرآنيّة. وسواء أكانت ما تنتجه الجهود الاستشراقيّة في ما يتعلّق بالقرآن الكريم مصيبًا للحقيقة أم مجافيًا لها، كان لا بدّ من رصد هذه الجهود بعين البصيرة؛ تمهيدًا لتصحيح ما فسد منها، والحدّ من تداعياته الخطيرة على تقديم الإسلام والقرآن إلى الإنسان الغربيّ، والاستفادة ممّا صحّ منها لتعميق البحث القرآنيّ، ورفد الدعوة إلى الإسلام في العالم.
ولا يختلف الحال في المنهجيَّات التي اعتمدها المستشرقون في تفسير القرآن ونسبة ذلك إلى الإسلام؛ حيث يتّضح للمتأمّل في بحوثهم التفسيريَّة، أنّ أساليب بحثها تعتمد نسق الأساليب المتّبعة في تفسير الكتاب المقدّس ومنهجها، والتي قامت أساسًا على منهجيَّة العلوم الإنسانيَّة، والمعطيات التي توصّلت إليها هذه العلوم عبر العلماء والمفكّرين الغربيّين. وهذا الأمر جليٌّ بوضوحٍ في غالبيَّة البحوث التفسيريَّة الاستشراقية، فالقرآن الكريم -بنظرهم- عبارةٌ عن نصٍّ أدبيٍّ -لغويٍّ- يمكن أن تُطبَّق عليه جميع الأساليب المعرفيَّة المتّبعة في الثقافة الغربيَّة من شتّى الجوانب المادِّيَّة والاعتباريَّة؛ سواء أكانت هذه الأساليب أسطوريَّةً أم واقعيَّةً أم تأريخيَّةً أم فلسفيَّةً، فهي قاطبةً قابلةٌ للتطبيق على النصّ القرآنيّ. وعلى هذا الأساس، أكّدوا على عدم وجود اختلافٍ بين تفسير الآيات القرآنيَّة وشرح مقاطع التوراة والإنجيل وسائر النصوص الأدبيَّة غير الدينيَّة.
نبيّ الإسلام محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في الميزان الاستشراقي
يتّضح للمتابع بسهولة وبشكل جليّ وواضح أنَّ القسم الأكبر من المستشرقين الذين كتبوا عن نبيِّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يكتبوا بموضوعيَّةٍ، ولم يراعوا منهجيَّةً منسجمةً مع القضايا المبحوثة، ولذلك كانت أغلب النَّتائج الَّتي قدَّموها للنَّاس متقاربةً من حيث التَّشويش، والتَّشويه، ومجافاة الحقيقة، فضلًا عن عدم الدِّقَّة المضمونيَّة والمنهجيَّة. ولهذا، لم تكن الصُّورة الَّتي رسمها الغربيِّون للنَّبي محمَّد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الموصوف في القرآن الكريم بنبيِّ الرَّحمة، وصاحب الخُلق العظيم، وأنَّه لا ينطق عن الهوى، وليدة أقلام المستشرقين المعاصرين الباحثين عن معرفة ديانات الآخرين، وحضارتهم كما هو حال العلماء والمؤرِّخين، بل إنَّ بدايات تشكُّل صورة «محمَّد»(صلى الله عليه وآله وسلم) عند الغربيِّين قد بدأت في القرون الوسطى بخلفيَّاتٍ دينيَّةٍ، واستعماريَّةٍ كثيرة، وذات صلة بالمنظومة الفكريَّة الغربيَّة، ومخيالها الأدبيّ، ووعيها الجمعيّ، بناءً على تصوُّراتٍ نمطيَّةٍ، ورؤى مشوِّهة، وأيديولوجيَّات إقصائيَّة معتقِدة بتفوُّقها المعرفيّ والعرقيّ، ومؤمنة بدونيَّة «الآخر».
ويشير إلى هذه الحقيقة إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق» بقوله: «لقد كُدِّست فوق محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في العصور حزمة من الخصائص الَّتي تطابقت مع شخصيَّة أنبياء «الرُّوح الحرَّة» الَّذين ظهروا في أوروبا في القرن الثَّاني عشر، وادَّعوْا أنَّهم صادقون، وجعلوا وراءهم أتباعًا. وبطريقةٍ مشابهة، فما دام محمَّد قد عُدَّ ناشرًا لوحيٍ زائفٍ، فقد أصبح هو كذلك تجسيدًا للشَّبق، والفسق، و...، وسلسلة كاملة من الخيانات المتنوِّعة الَّتي اشتقت جميعًا من انتحالاته المذهبيَّة[19].
وللشَّاهد على ما ذكرناه نورد ما جاء في دراسةٍ للباحث رينو تيرم (Renaud TERME) في أطروحته الموسومة بـ«تلقِّي النُّخبة الفرنسيَّة للإسلام بين (1830-1914م)» ما يبيِّن آثار هذه المنهجيَّة في دراسة سيرة النَّبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يقول: «لم يتمكَّن الفرنسيِّون من حَجب صورة الإسلام الَّتي غرسها مسيحيِّو العصور الوسطى في نفوسهم وعقولهم، بين 1100 و1140م، فجاءت النُّصوص والتَّعقيبات عن محمَّد والإسلام ذات طبيعة خياليَّة بحتة». ويواصل الباحث بأنَّ الأحكام والرُّؤى المشكَّلة حول الإسلام ورسوله الكريم، هي نتائج لقراءات متحيِّزة تستند في بنائها إلى الأساطير الفلكلوريَّة، والقصص البيزنطيَّة المتخيَّلة الَّتي تمَّ إسقاطها بقصديَّة على بنية الإسلام وتشريعاته، بمباركة الكنيسة المسيحيَّة، و«إنَّ النُّصوص الَّتي تمَّ إنجازها تمثِّل القاعدة المعرفيَّة المسيحيَّة للإسلام حتَّى نهاية القرن السَّابع عشر، وبطريقة إراديَّة، أو لا إراديّة، فإنَّ هذه التَّرجمات غالبًا ما تكون محرَّفة، ومضلَّة لأنَّها تشوِّه، وتحتقر وتسخَر من الرَّسول، وأحكام الوحي الإسلاميّ»[20].
ويتَّضح هذا الأمر أكثر عندما نتتبَّع بعض كتابات الغربيِّين في السِّيرة النَّبويَّة، ووصف شخصيَّة النَّبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) الخاصَّة، والدِّينيَّة، والقياديَّة، وفي ما يأتي باختصار صورة رسول الله محمِّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابات القرون الوسطى الَّتي ما تزال كما هي إلى حدٍّ كبير عند كثيرين حتَّى اليوم. فتارة يتَّهمون النَّبيَّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه مصابٌ بداءٍ عصبيٍّ نفسيّ، وأنّه يستمدُّ أفكاره وتشريعاته من سيكولوجيَّته الخاصَّة، فيختلي بنفسه للتَّأمُّل، ربَّما لأنَّه مصاب بداء عصبيّ، فتحوَّل إلى شخص ٍكثير الرُّؤى اللَّاإراديَّة، والهلوسات المرضيَّة الَّتي آمن بها كحقائق سيطرت على سلوكيَّاته فيما بعد»[21]. وأخرى ينزِّلونه منزلة حكَّام الأرض الفاسدين، وأنَّه يملي على الملك جبرائيل، وكما يقول بعضهم: «نراه يمارس نزوات الحاكم، يشكِّل حريمًا، يُدشن، ويؤسِّس سياسة ماكرة، تجسِّد الطُّموحات، والانتقام، فهو الَّذي يملي حاليًا على الملك جبريل الآيات الَّتي يراها نافعة، فتحوَّلت نبوءته إلى أوامر مفروضة على الله»[22].
ويحاول ثالثٌ أن يثبت أنَّ محمّدًا -كما في المسيحيَّة الشَّرق أوسطيَّة- كان في البداية تلميذًا للرَّاهب النَّسطوري سرجيوس بَحِيرا[23]؛ بزعم أنَّه تلقَّى منه بعض المعلومات الأساس عن التَّوراة والإنجيل، وبعد ذلك أعلن نفسه نبيًّا، وكوَّن عقيدةً خاصَّةً به.
وخلال القرن الثَّالث عشر أكمل كتّاب السِّيرة الأوروبيُّون كتاباتهم عن النَّبيّ بسلسلةٍ من الأعمال الَّتي كتبها أمثال «بدرو باسكوال» (Pedro Pascual)، ورامون لول (Ramon Llull)، وريكولدو مونتي دي كروتش (Ricoldo de Monte Croce)، في هذه الأعمال يُصوَّر محمَّد على أنَّه دجَّال، وأنَّ الإسلام ما هو إلَّا هرطقة مسيحيَّة. أمَّا حقائق مثل اعتقاد المسلمين بأنَّ النَّبيَّ كان أمِّيًّا، وأنَّه تزوَّج أرملةً ثريَّة، وتزوَّج لاحقًا زوجات عدَّة، وأنَّه حكم مجتمعًا، ولذا شارك في عددٍ من الحروب، وأنَّه مات مثل «شخص عاديّ» على عكس الاعتقاد المسيحيّ بنهاية الحياة الدّنيويَّة للمسيح بنحوٍ خارقٍ، فكانت كلُّها تفسَّر بأسوأ ما يمكن[24].
ومن الأساطير الَّتي نشرت عن النَّبي محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في القرون الوسطى، تلك القائلة إنَّه ساحرٌ كبير، استطاع عن طريق السِّحر والخداع تحطيم الكنيسة في إفريقيا وفي الشَّرق، وإنَّه سمح بالدَّعارة وبالفسق؛ لكسب مزيدٍ من الأتباع وصولًا إلى حدِّ القول والزَّعم بأنَّ القرآن نفسه يتساهل، ويتسامح مع اللِّواطة[25]. وفي تآليف أخرى ألبسوا محمّدًا قوَّةً ماردةً جبَّارة، ذات منشأ جنِّي أو سحريّ عظيم، أكسبته قدرات فائقة على خلق عجائب خياليَّة وهميَّة؛ لجذب الجهلة، وعامَّة النَّاس، ومحدودي الأفق[26].
وفي مخطوطة ترجمة روبرت كيتون اللَّاتينيَّة للقرآن الكريم المحفوظة في المكتبة الوطنيَّة الفرنسيَّة رقم (BnF, MS Arsenal 1162) ظهر رسم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بهيئة وحشٍ بحريٍّ له رأس إنسان، وجسم، وذيل سمكة[27].
وأورد الباحث الألمانيّ الدُّكتور «أحمد فون دنفر» في بحثه الفريد عن ترجمات القرآن للُّغة الألمانيَّة، أنَّه أحصى واحدًا وأربعين نوعًا من الشَّتائم الَّتي تستخفُّ بالرَّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وتحطُّ من قدره في موضعٍ واحد من مقدِّمة البروفيسور «صامويل فريدريش غونتر فال» لترجمته للقرآن الصَّادرة عام 1828م[28].
ولا نريد -مراعاةً للموضوعيَّة- مناقشة هؤلاء المستشرقين بخلفيَّةٍ أيديولوجيَّة، بل بروحيَّةٍ بحثيَّةٍ موضوعيَّةٍ تستند إلى الثَّوابت العلميَّة الَّتي تقتضي التزام الباحث العودة إلى المصادر المعتمدة والموثوقة عند مَن نريد دراسة فكره، أو أطروحته في أيِّ مجالٍ من المجالات الدِّينيَّة أو العلميَّة بنحوٍ شاملٍ ومفصَّل. وهو ما فقده كثيرٌ من المستشرقين في دراستهم شخصيَّة النَّبيِّs، وسيرته، والشَّريعة الَّتي جاء بها، حيث تحكَّمت بدراساتهم الخلفيَّات الفكريَّة، والأيديولوجيَّة، والنَّظرة الدُّونيَّة إلى الآخر، وهذا غاية السُّقوط البحثيّ والمنهجيّ.
هذا إلى جانب عدم مراعاة الغربيِّين لأخلاقيَّات البحث العلميّ الأوَّليَّة، وإلَّا كيف نفسِّر النُّعوت القبيحة الَّتي نُعت بها نبيُّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!! والعجب من شخصيَّات تدَّعي العلم والمعرفة، وتنسب الحضارة والمدنيَّة والتَّقدُّم إليها، لكنها تتعامل مع المعرفة المتعلِّقة بتاريخ الآخرين ودينهم وعقائدهم بهذا المستوى من السُّقوط الأخلاقيّ والعنصريَّة البحثيَّة؟!!
ولم يغِب عن هذا المشهد صناعة الصُّورة والموقف الانفعاليّ تجاه النَّبيّ بوصفه شخصًا وبوصفه رسولًا من عند الله في المنتديات العلميَّة، وصناعة رأيٍّ عامٍّ سلبيٍّ وحاقدٍ عند الطَّبقات المثقَّفة والعامَّة؛ ليتكوَّن لدى الجماعة عداءٌ من هذا النَّبيّ ودينه، وهو ما حصل بحسب ما سجلت الدِّراسات التَّاريخيَّة.
ولم يكتفِ المستشرقون بالعمل بمختلف الوسائل على محاولة إسقاط شخصيَّة النَّبيِّ ونبوَّته، بل عدُّوا القرآن الكريم هدفًا آخر لدراساتهم، وهو ما يفسِّر تصدِّي كبارهم وصغارهم لترجمة القرآن مع ما في هذه التَّرجمات من ضعفٍ وخللٍ منهجيٍّ. وأقلُّ ما يقال في هذه التَّرجمات إنَّها تقدِّم القرآن الكريم منتجًا ثقافيًّا بشريًّا مؤسَّسًا على أساطير وتعاليم دينيَّة مستقاة من الكتب السَّماويَّة السَّابقة بدقَّةٍ وذكاءٍ من محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم). فتحوَّلت التَّرجمة إلى آليّة لصناعة معادلٍ موضوعيٍّ يُعادي النَّصَّ الـمُقدَّس، ويُناهضه، وينتقده؛ عوض تقديم معانيه في جماليَّاتٍ أدبيَّة، ولغويَّة، وفكريَّة.
بالنَّتيجة: إنَّ القراءة العلميَّة المحايدة والموضوعيَّة، فضلًا عن التَّعمُّق في تقويم بحوث الغربيِّين وكتبهم ودراساتهم، يجعل الباحث الموضوعيّ، فضلًا عن المسلم، يقتنع بأنَّ هذه الدِّراسات تستهدف في غايتها نبيَّ الإسلام محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بكلِّ ما يمثِّل؛ كونه المحور الَّذي ترتبط به قضايا القرآن والسُّنَّة الشَّريفة بما يمثِّلان من مكانةٍ وقدسيَّةٍ عند المسلمين، وكونهما مصدرَي التَّشريع للدِّين الإسلامي. وهذا ما يفرض على الباحثين والمفكِّرين المسلمين وغيرهم في هذا العالم الحضورَ العلميَّ الفاعل والمنصف في هذا الميدان البحثيّ الحسَّاس؛ لناحية النَّقد والتَّقويم، وبيان نقاط الضَّعف والتَّهافت في كتابات المستشرقين هذه.
فرسول الله محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإنسان الأكمل الَّذي وصفه الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، وقدَّمه قدوةً للبشريَّة كلِّها بقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21). وشكَّلت بعثته(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا العالم واحدة من أهمِّ -إن لم تكن الأهمُّ مطلقًا- مقاصد الشَّريعة، وأهدافها، وغاياتها، وعللها العامَّة؛ إذ يقول جلَّ اسمه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)؛ فهذا هو المقصد الأسمى من بعثة وإرسال الرَّسول الأكرم محمَّد المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم).
مقاربات نقدية في تهافتات الاستشراق
1. الاستشراق والاستعلاء: كلّ ما قدّمناه وغيره كثير ممَّا تناوله المستشرقون في دراساتهم حول الفكر الإسلاميّ والتراث العربيّ يرتبط بثوابت الغرب قديمًا وحديثًا، وذات صِلة «بالنزعة الاستعلائيَّة في الفكر الغربيّ، وهي صفةٌ متأصِّلةٌ في هذا الفكر، حيث مسّت بل طبعت أدباء وفلاسفة الغرب بطابعٍ استعلائيّ؛ فأعلام الفكر الغربيّ من الفلاسفة وغيرهم لم يخرجوا من قبضة هذه الأيدولوجيا الاستعلائيَّة والنظرة الفوقيَّة...، فإنّ أمثال هوبز ولوك وروسو وهيوم وغيرهم كانوا يرون أنّ الحضارة من صنعهم وحدهم ومقتصرة عليهم، وكان هيجل ينظر إلى الشرق على أنّه في أدنى درجات سلّم الرقي، وقد ترتّب على ذلك جنون القوّة وهاجس التوسّع وقهر الشعوب، وإنّ هذه النزعة لم تغيّرها الأيام، بل هي متوارثة بين أجيال الغربيّين، وتشكِّل اليوم أحد الأهداف المهمّة في صلب الاستراتيجيَّة الغربيَّة التي تقوم على ضرورة ضمان التفوّق الغربيّ على العالم، ومن أجل تحقيق ذلك لا بدّ من تبنّي سياسة هجوميَّة غير اعتذاريَّة، وانفراديَّة غير متردّدة تعتمد على القوّة العسكريَّة[29]. ونقرأ -أيضًا- تأصيل هذه النزعة في ملامح السياسة الغربيَّة للقرن الحاليّ المتمثّلة بـ: «ضرورة نشر القوات العسكريَّة والاستعماريَّة في أغلب بقاع الأرض، والتدخّل في أيّ قضيَّةٍ مهما كانت إقليميَّة، وفرض الحلّ الذي تراه، ويجب أن تكون المقوّم الوحيد لجميع أنظمة الحكم في العالم، والسيطرة على النظام الماليّ العالميّ، كما أنّ هذه السياسة تحمل في ثناياها جعل الثقافة الغربيَّة معيارًا للذوق في جميع أنحاء العالم»[30]. ولم تفلح المحاولات العربيَّة والإسلاميَّة كلّها من خلال التواصل والتحاور مع الغرب بعد ذلك في تغيير تلك الصورة التي التصقت في وعي ولا وعي الغرب، وصارت مُسَلَّمة لا تُدحَض.
2. الاستشراق والاقصاء: يقول «أليكسي جورافيسكي»: «إنَّ الأغلبيَّة المطلقة من المستشرقين لم يتخلّصوا من المواقف المعادية للإسلام»[31]. وتقدِّم «بيانكا سكارسيا» تحليلًا عميقًا لهذه الفئة، فتقول: «عمل الاستشراق لصالح الاستعمار بدلًا من إجراء التقارب بين الثقافتين. إنَّ إنشاء هذا العلم لم يكن إلَّا من أجل تقديم أدواتٍ للاختراق أكثر براعة، فهناك فعلًا عمليَّة ثقافيَّة مستترة ماكرة ومرائيَّة، وهذا ما يفسّر ريبة المسلمين حيال كلّ ما يُقال عنهم في الغرب»[32]. ويذكر «توماس كارليل» في سياق حديثه عن افتراءات المستشرقين حول نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنَّ أقوال أولئك السفهاء من المستشرقين في محمَّد، إنَّما هي نتائج جيل كفر، وعصر جحود وإلحاد، وهي دليل على خبث القلوب وفساد الضمائر، وموت الأرواح»[33]... وإنّ المتتبّع بوعيٍ لمسيرة الغرب المُعاصِر يجد أنَّها جنين مشوّه لحضارات سبقتها كانت تسعى للتخلّص من أِّي حضارةٍ مقاربةٍ لها، كيف لا وقد انفرد الغربيُّون عبر تاريخهم الطويل -وما زالوا- بالإقصائيّة التي لا ترى الآخر من منظورٍ تشاركيٍّ بقدر ما تراه منافِسًا لدودًا وعدوًّا محتملًا. والتاريخ شاهد لا يكذب، ترى ذلك واضحًا عند وصول الأوروبيِّين إلى أستراليا مثلًا؛ إذ لم يبقَ فيها سوى آثار من الشعوب الأصليَّة حتَّى باتوا يدرسونهم على أنَّهم فلكلور وإنثروبولوجيا. ويُمكنك قول ذلك عن الهنود الحمر في أمريكا -أيضًا- عندما تمّت إبادتهم إبادةً تامَّةً ودمويَّة، وعن العبوديّة والعنصريّة يُمكن أن تقرأ مئات التقارير التي تتحدّث عن عدد الأفارقة الذين تمّ استعبادهم ونقلهم من إفريقيا إلى أمريكا، ويُقال إنَّ عددهم وصل إلى أكثر من 13 مليون شخص. وكذا عندما نقرأ تاريخ الإبادة التي تعرّض لها المسلمون الأندلسيّون على يد الحضارة الأوروبيَّة في محاكم التفتيش، لتكشف بما لا يدع مجالًا للشكّ بأنّها حضارة كانت تعيث في الأرض فسادًا واستعمارًا، وقامت على الدماء والإقصاء وطرد الآخر أو إعدامه.
3. الاستشراق والفردانيّة: إنّه لمن غير المفاجىء أن يتقمّص الإنسان الغربيّ الفردانيَّة ويجعلها محور سلوكه وحكمه على الأشياء من حوله، والفردانيَّة تعني في حدِّها الأدنى تمحور الفرد حول مصالح ذاته[34]، وهي كما وصّفها كثيرون تعود في أصلها إلى الأنانيَّة. أو هي «الإنكار لأيّ مبدأ أعلى من الفرديَّة» على حدّ تعبير الفرنسيّ رينيه غينون الذي يرى «أنَّ الفردانيَّة هي السبب الحاسم للانحطاط الراهن للغرب»[35]. وبسيطرة الفردانيّة على السلوك الفرديّ والاجتماعيّ تعمّقت المشكلة الأخلاقيّة التي فتكت في كلّ شيء، فوفق المنطق الفردانيّ أصبح الإنسان معنيًّا بمصالحه الخاصَّة دون أيّ مبالاةٍ بالصالح العامّ. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تكن الوحشيَّة التي تتمتَّع بها القوى العسكريّة الفرنسيّة شيئًا جديدًا على العرب، وخاصَّةً في مصر وبلاد الشام، فحملة نابليون بونابرت على مصر وبلاد الشام (1798-1801م) لا تزال ماثلةً في الأذهان؛ فقد أعدم نابليون آلاف الجنود الذين استسلموا له بحجَّة عدم وجود طعامٍ يكفيهم.
منهجية نقد الاستشراق في الميزان
عندما ننظر نظرةً موضوعيَّةً متجرِّدةً إلى «الاستغراب» بوصفه مشروعًا علميًّا وفكريًّا وثقافيًّا لمعرفة الغرب ودراسة حضارته وأفكاره وفهمها وهضمها ونقدها، وتفكيك ثقافته وتوجّهاته، فإنَّنا سنجد مكوّنات هذا الطرف تنقسم إلى اتِّجاهين، كلاهما لا يعتمد المنهجَيّة الغربيَّة اللاعلميَّة والاستعلائيَّة والاستعماريَّة في النظرة والتعامل مع تراث الآخر.
الاتِّجاه الأوَّل: حرص مؤيّدو هذا الاتِّجاه -بغضّ النظر عن موقفنا السلبيّ منه- على امتلاك آليَّاتٍ إيجابيَّةٍ فاعلةٍ للتعامل مع الغرب لا تقوم على تشويه قِيَمِه وأفكاره والتعامل السلبيّ مع تراثه، بل تنطوي في أغلبها على الإعجاب به، ومحاولة تمثّله، والاقتداء بما أنجزه في المعارف التطبيقيَّة والإنسانيَّة والفنون، وفي العمران البشريّ، لا سيّما في مجال الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان.
الاتِّجاه الثاني: ينطلق أصحاب هذا الاتِّجاه الثاني من منهجٍ بحثيٍّ وعلميٍّ شفّافٍ ورزينٍ يقوم على عمليَّة دراسة المباني والنظريَّات والأفكار والمناهج الغربيَّة وفحصها، وبيان مواطن ضعفها وعثراتها وثغراتها، وتسليط الضوء على تناقضاتها الداخليَّة وتهافتها وعدم تماسكها، وضعف انسجام أفكارها، وإبراز النتائج غير المنسجمة مع المقدِّمات فيها، ولوازمها الفاسدة، والآثار السلبيَّة التي تترتّب عليها، ونقد المباني والمرتكزات العامَّة من حيث المنهج والمضمون والمحتوى، مضافًا إلى نقد الأفكار الفرعيَّة الناتجة عن هذه المباني والمرتكزات، أو من خلال القراءة التوصيفيّة التي تتضمّن بيان السلبيَّات والأفعال المتعارضة مع القيم والأخلاق الإنسانيّة، خصوصًا في الأبحاث التاريخيَّة. وذلك من قبيل بيان وتوصيف الحروب العسكريّات والاستعماريّة الغربيّة في مختلف أنحاء العالم، سواء الداخليّة بين الدول والمجتمعات الغربيّة أم الخارجيّة، فلا بدَّ في مثل هذه الموارد أن تكون أدبيّات التوصيف تقريعيّة تكشف همجيَّة الغرب وتوحّشه ومادِّيّته.
مضافًا إلى تسليط الضوء على العوامل والظروف والمبادئ المؤسِّسة والجذور الاجتماعيّة والنفسيّة التي ساعدت على وجود عثرات وضعف في المباني والأفكار الفرعيّة، والكشف عن تحيّزات المُفكِّر، والسياقات الحياتيَّة الخاصَّة به التي انعكست على كيفيّة معالجته الأفكار التي هي مورد العرض والنقد.
ولا بدّ من انطلاق النقد من المباني العقليّة السليمة، وبيان عدم انسجام النظريَّة المنقودة مع هذه المباني، والاستناد إلى الأسس الدينيَّة الصحيحة، وبيان الموقف الدينيّ من الموضوع المبحوث، وبالتالي تضمُّن النقد قراءة مقارنة مع الأطروحات والنظريَّات الفكريّة الإسلامَّية الأصيلة، مُبدِيًا قوّتها ومتانتها مقابل الفلسفة الغربيَّة والأطروحات غير الدينيّة. وهو ما يتطلّب تدعيم النقد بالأدلَّة والبراهين والشواهد والقرائن، بعيدًا عن إبداء التعصُّب والانسياق وراء العواطف والميول الشخصيَّة. والأهمّ من ذلك كلِّه الالتزام بالآداب الإسلاميّة في نقد الآخر ومناقشته، باجتناب العبارات التي توحي بالإساءة الشخصيَّة.
ختامًا، لا نشكٌّ -عند تقليب صفحات تاريخ الاستشراق والمستشرقين من القرن الثامن عشر وحتَّى تاريخنا الحديث- في أنّ المخيّلة الغربيّة التي صنعها وأرساها الخطاب الاستشراقيّ متلبّسةٌ بالعدائيَّة والفوقيَّة، والفكر الاستعماريّ، والنظرةِ الدونيَّة للشرق وللإسلام ولحضارته وشعوبه...؛ بغية الاستحواذ على الشرق وثرواته وموارده بأخسّ الأساليب والمناهج، حتَّى لو اقتضى الأمر تزوير الحقائق أو تفسيرها بما يوافق أغراضهم أو ما يسعون إليه؛ ولهذه الغاية دخل الغرب من خلال الاستشراق -ببعدَيه الكلاسيكيّ والمستحدث- بمؤسّساته الفلسفيّة والأكاديميّة واللاهوتيّة والإيديولوجيّة والسياسيّة في اختصامٍ عميقٍ مع الإسلام بكلِّ ما يحمل من هويَّةٍ حضاريَّةٍ راسخةٍ وممتدَّةٍ على امتداد الزمكان؛ إذ من المؤسف أن يُسخِّر هؤلاء العلمَ -الذي يسمو به الإنسان- لإذلال الإنسان أو استعباده أو الطعن في تراثه وعقيدته بغير حقّ، بل ويعتبر نفسه هو المعنيّ في إعادة تشكيل وعي الشرق وثقافته وفي طريقة تفكيره حيال نفسه وحيال الغرب في آن.
ولهذا، لا يُرجى من هذا الغرب الذي بنى أيديولوجيّاته على أفكار المستشرقين الجدد أن يعود إلى صوابه في رسم معايير علميَّة شفَّافة يقوم عليها خطابه ومخّيلته الملّوثة بأفكار المستشرقين الأخطبوطيَّة تجاه الآخر الشرقيّ والمسلم.
الخاتمة
لا نشكُّ عند تقليب صفحات تاريخ الاستشراق والمستشرقين من القرن الثامن عشر وحتَّى تاريخنا الحديث أنّ المشروع والخطاب الاستشراقيّ متلبّس بالعدائيَّة والنظرة الدونيَّة للشرق وللإسلام وللحضارة والشعوب.
لقد برز الخطاب العدائيّ الكنسيّ المتحامل ضدّ الإسلام ونبيِّه مبكّرًا وبشكلٍ جليٍّ على كثير من الصعد، إلى جانب خطابٍ مشوّهٍ ومشبوهٍ طاول الجانب الأكاديميّ والأدبيّ والتاريخيّ والقيميّ والفنِّيّ في فكر شعوب بلدان الشرق وحياتها.
ليس بعيدًا عن المنطق والصواب إن قلنا إنَّ هذا التاريخ المثقل بالشُبهات والإسقاطات غير البريئة على الشرق والإسلام والحضارة والتراث العربيّ، سينتج ظاهرة التطرّف والعداء تجاه الآخر بكلّ بنيانه الفكريّ والدينيّ والمعرفيّ والماديّ...، وبالفعل هذا ما يُتحفنا به الاستشراق الجديد والمستشرقون المتطرّفون بخطابهم الاستشراقيّ المعاصر الذي يجاهر بعداوته للإسلام مجاهرةً صريحةً لا لبس فيها ولا غموض.
من الواضح أنَّ الاتِّجاه الدينيّ في الاستشراق المتطرّف هو امتداد للتّوجه الثيولوجيّ نحو الإسلام، حيث يهتمّ علم الثيولوجيا أو اللاهوت بدراسة الدين، فهو يفحص التجربة الإنسانيّة للإيمان، وكيفيّة تأثير الديانات المختلفة في العالم على المجتمع، وقد شاع استعمال مصطلح «التيولوجيا» في مؤلّفات المعاصرين في وصف الحالة الإيمانيّة للإنسان المتديِّن، ومع أن التوجّه التيولوجيّ كان سائدًا في العصور الوسطى، كما أنّه يعدّ إحياءً للاستشراق الدينيّ في مدرسة الاستشراق القديم حتَّى أوائل القرن العشرين «حيث كان الخطاب الكنسيّ عن الإسلام هو الخطاب السائد، وكان ينظر للإسلام باعتباره «مسيحيّة مشوّهة»، فعلى الصعيد الثيولوجيّ -أي اللاهوتيّ- كان خطاب الغرب المسيحيّ نحو الإسلام حتَّى القرن التاسع عشر يدور حول اعتبار الإسلام «هرطقةً مسيحيَّةً»، بمعنى أنَّ التّعاليم التي جاء بها الإسلام ما هي إلّا تحريف للمسيحيّة أريد له أن يتّخذ شكل دين جديد. وساد قول إنَّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) قام بتوليف هذا الدين الجديد من التراث اليهوديّ-المسيحيّ معتمدًا على تعاليم العهد الجديد»...
أبرز ما عمل عليه المستشرقون تمثّل في نقد القرآن ونقد سيرة نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) والتّشكيك فيها، وأنّ المسلمين لم يفهموا النصّ القرآنيّ لوجود فرق بين لغة القرآن العربيّة الأصيلة واللغات المحكيّة، أو لأنَّ المسلمين لم يستخدموا المناهج العلميّة الحديثة في دراسة النصوص المقدّسة واكتفوا بالتفسيرات القديمة.
بالعودة إلى الاستشراق الجديد والمتطرّف، فهو على أحسن تصويرٍ لا يعدو كونه نسخةً محدّثةً من الاستشراق القديم، لكن بمنظومة أهدافٍ خبيثة، وخلفيّاتٍ فكريّةٍ حاقدة، وفجاجة خطابٍ متعالٍ ومتطرّفٍ عمل على تقديم صورةٍ نمطيَّة للشرق لا تعكس سوى الجهل والهمجيَّة وعبادة الشهوات. ولم يغب عنهم التوصيف بعناوين أخرى مثل التوحّش والبداوة والجِمال والرِّقّ... والهدف الاستراتيجيّ واضحٌ وجليّ، وهو الاستحواذ على الشرق وثرواته وعدم تمكينه من أمره وقراراته، وإفراغه من القيم المعرفيّة والفكريّة الأصيلة التي دعا إليها الإسلام وقامت عليها الحضارة الإسلاميّة والعربيّة.
مع أنّنا هنا لسنا في موقع النقاش والنقد المستفيض مع أفكار هذا الاتِّجاه المتطرّف، لكن من الضروري أن نبيّن جانبًا من رؤيتنا لأدوار هذا الإنسان الفرديّة، ووظائفه الاجتماعيّة أينما عاش في هذا الكون؛ لنرفع جانبًا من إسقاطات المستشرقين المتطرّفين وشبهاتهم التي ألبسوها للإنسان المسلم ولعقيدته ودينه وقيمه.
لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
أودار، كاترين، «ما الليبرالية»، ترجمة: سناء الصاروط، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، قطر، بيروت، 2020م.
بن محمّد القرني، عوض، «الحرب الإعلامية الأمريكية ضد السعودية وسبل مواجهتها»، مجلة المجتمع، الكويت، العدد (1516)، 2002م.
الجندي، أنور، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت، 1984م.
جورافسكي، أليكس، الإسلام والمسيحية، ترجمة: د. خلف محمّد الجراد، عالم المعرفة، العدد 215، الكويت، نوفمبر 1996م.
زقزوق، محمود حمدي، الاستشراق والخلفيَّة الفكريَّة للصِّراع الحضاريّ، ط مصر، 2017م.
خالدي، مصطفى؛ و فروخ، عمر: التبشير والاستعمار في البلاد العربية، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، 1953م.
رزيوق، شريفة، الصورة النمطيّة للإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي والمتغيّرات الراهنة، مجلة الصورة والاتصال عدد 11، مؤسسة الحكمة للنشر والتوزيع، 2017م.
الزيادي، محمّد فتح الله، الاستشراق أهدافه ووسائله، مؤسسة المعاصرة، ط3، 2011م.
سالم الحاجّ، ساسي، نقد الخطاب الاستشراقيّ؛ الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الخطاب، دار المداد الإسلامي، بيروت، 2002م.
سعد الله، الدُّكتور مكي، مجلَّة دراسات استشراقيَّة، العدد (34) مقال بعنوان: حياة محمّد أو حين نكتشف الحقيقة الكاملة للدَّجل والنَّص مأخوذ عن أطروحة دكتوراه للباحث موسومة بـ«تلقي النُّخبة الفرنسيَّة للإسلام» عام 2016م.
سعيد، إدوارد، الاستشراق المفاهيم الغربيَّة للشَّرق، ترجمة: محمّد عناني، مؤسسة هنداوي، ط 2024م.
سعيد، إدوارد، الإستشراق، المعرفة، السُّلطة، الإنشاء، نقله إلى العربيَّة: كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربيَّة، الطَّبعة العربيَّة الرَّابعة 1995م.
سكارسيا، بيانكا، العالم الإسلامي وقضاياه التاريخية، دار ابن خلدون، 1984م.
الطحان، مصطفى، «الطريق إلى العصر الأمريكي»، مجلة المجتمع، الكويت، العدد (1547)، 2003م.
عبد الفتاح، عليان محمَّد، أضواء على الاستشراق، مطبعة الجبلاوي، 1980م.
العقيقي، نجيب، المستشرقون، دار المعارف بمصر، (لا ط)، 1964م.
غينون، أزمة العلم الحديث، ترجمة: عدنان نجيب الدين، النجف، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، ط1، 2016م.
فوك، يوهان، تاريخ حركة الاستشراق الدِّراسات العربيَّة والإسلاميَّة في أوروبا حتَّى بداية القرن العشرين، دار المداد الإسلامي، ط2، بيروت، 2001م.
قطب، محمّد ، المستشرقون والإسلام، مكتبة وهيبة، ط1، القاهرة، 1999م.
مجلة البحوث والدِّراسات الإسلاميَّة، العدد الثَّالث، السَّنة الثَّانية، مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم بالمدينة المنورة.
مسعد، جوزيف، اشتهاء العرب، ترجمة: إيهاب عبد الحميد، دار الشروق، مصر، 2013م.
نقلًا عن ويكيبيديا تحت عنوان: نظرات مسيحيّة إلى محمّد في العصور الوسطى.
النملة، الاستشراق في الأدبيَّات العربيَّة، ط1، 1993م.
النملة، علي بن ابراهيم، صناعة الكراهية بين الثقافات وأثر الاستشراق في افتعالها، ط1، دار الفكر، دمشق، 2008.
المصادر الأجنبيّة
Ahmad von Denffer, History of Qur’an Translation in Germany.
Marius Fontane, Histoire universelle, Mahomet (de 395 à 632 ap. J.-C.) Alphonse Lemerre, Editeur, Paris, MDCCCXCVIII.
Muhammad, Encyclopædia Britannica, 2007, Encyclopædia Britannica Online, 10 January 2007.
Wetzer, Welte, Dictionnaire encyclopédique de la Théologie catholique, Tome XIV, Gaume Frères et J. Duprey, 1862.
--------------------------------------------
[1](*)- أستاذ حوزوي، وباحث في الفكر الإسلاميّ وقضايا الاستشراق، لبنان.
[2]- خالدي، مصطفى؛ وفروخ، عمر، التبشير والاستعمار في البلاد العربية، ص127، 145.
[3]- زقزوق، محمود حمدي، الاستشراق والخلفيَّة الفكريَّة للصِّراع الحضاريّ، ص18.
[4]- سالم الحاجّ، ساسي، نقد الخطاب الاستشراقيّ؛ الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الخطاب، ج1، ص20.
[5]- يوهان فوك، تاريخ حركة الاستشراق الدِّراسات العربيَّة والإسلاميَّة في أوروبا حتَّى بداية القرن العشرين، ص31.
[6]- عليان محمَّد عبد الفتاح، أضواء على الاستشراق، ص37.
[7]- ينظر: سعيد، إدوارد، الاستشراق المفاهيم الغربيَّة للشَّرق، ص120.
[8]- الزيادي، محمّد فتح الله، الاستشراق أهدافه ووسائله، مؤسسة المعاصرة، ص38-39.
[9]- فوك، يوهان، تاريخ حركة الاستشراق، الدِّراسات العربيَّة والإسلاميَّة في أوروبا حتَّى بداية القرن العشرين، ص14-15.
[10]- قطب، محمّد ، المستشرقون والإسلام، ص12.
[11]- المستشرقون والإسلام، م.س، ص50.
[12]- العقيقي، نجيب، المستشرقون، ج3، ص1149.
[13]- انظر: النملة، الاستشراق في الأدبيَّات العربيَّة، ص40.
[14]- مسعد، جوزيف، اشتهاء العرب.
[15]- النملة، علي بن ابراهيم، صناعة الكراهية بين الثقافات وأثر الاستشراق في افتعالها، ص118.
[16]- رزيوق، شريفة، الصورة النمطيّة للإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي والمتغيّرات الراهنة، ص83-98.
[17]- إدوارد، سعيد، الاستشراق، ص62.
[18]- إدوارد، الاستشراق، م.س، ص152.
[19]- سعيد، إدوارد، الإستشراق، المعرفة، السُّلطة، الإنشاء، ص99-100.
[20]- الدُّكتور مكي سعد الله، حياة محمّد أو حين نكتشف الحقيقة الكاملة للدَّجل والنَّص مأخوذ عن أطروحة دكتوراه للباحث موسومة بـ«تلقي النُّخبة الفرنسيَّة للإسلام» عام 2016.
[21]- Wetzer, Welte, Dictionnaire encyclopédique de la Théologie catholique, Tome XIV, Gaume Frères et J. Duprey, 1862, p.117.
[22]- Marius Fontane, Histoire universelle, Mahomet (de 395 à 632 ap. J.-C.) Alphonse Lemerre, Editeur, Paris, MDCCCXCVIII, p.342.
[23]- نقلًا عن: جورافسكي، أليكس، الإسلام والمسيحية، ص74.
[24]- Muhammad, Encyclopædia Britannica, 2007, Encyclopædia Britannica Online, 10 January 2007.
نقلًا عن ويكيبيديا تحت عنوان: نظرات مسيحيّة إلى محمّد في العصور الوسطى.
[25]- نقلًا عن: جورافسكي، الإسلام والمسيحية، م.س، ص74.
[26]- م.ن، ص75.
[27]- جورافسكي، الإسلام والمسيحية، م.س، ص74.
[28]- Ahmad von Denffer, History of Qur’an Translation in Germany.
مجلة البحوث والدِّراسات الإسلاميَّة، العدد الثَّالث، السَّنة الثَّانية، مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم بالمدينة المنورة.
[29]- الطحان، مصطفى، «الطريق إلى العصر الأمريكي»، ص24.
[30]- بن محمّد القرني، عوض، «الحرب الإعلامية الأمريكية ضد السعودية وسبل مواجهتها»، ص31.
[31]- أليكسي، الإسلام والمسيحية، م.س، ص105.
[32]- سكارسيا، بيانكا، العالم الإسلامي وقضاياه التاريخية، ص214.
[33]- الجندي، أنور، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، ص51.
[34]- يراجع: أودار، كاترين، «ما الليبرالية»، ص44 وما بعد.
[35]- غينون، أزمة العلم الحديث، ص77.