الباحث : الشيخ د. لبنان حسين الزين
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 44
السنة : خريف 2025م / 1447هـ
تاريخ إضافة البحث : October / 11 / 2025
عدد زيارات البحث : 141
الملخّص
لقد اعتمد المستشرقون على مجموعة من المناهج الّتي تناولوا بها الدّراسات، والعلوم الإسلاميَّة عامَّة، والقرآنيّة خاصَّة. وهذه المناهج متعدِّدة، ولا تقف عند منهجٍ واحدٍ بعينه، وهي تختلف باختلاف الأشخاص، بل باختلاف طبيعة القضيَّة ذاتها. ومع ضرورة التّسليم بأهمِّيَّة اتِّباع منهجٍ ما في أيِّ دراسة من الدّراسات، لكن من الخطورة بمكان أن تتحكّم الدّوافع المسبقة القائمة على التّعصُّب، أو العمل لتحقيق انتصار كلِّ ما هو غربيّ على غيره، فإنّ هذا يعني تفريغ هذه المناهج من منفعتها، والغاية العلميّة المرجوّة منها.
وقد اعتمد المستشرقون منهج الطّعن، والتّشكيك في المصدر الإلهيّ للقرآن، وفي سلامة النّصّ القرآنيّ، وفي جمع القرآن. وعند مراجعة بعض دراسات المستشرقين للقرآن الكريم نرى أنَّهم قد مارسوا أيضًا عمليَّة الإسقاط متأثِّرين بخلفيَّاتهم العقديَّة، وموروثاتهم الفكريَّة، ومندفعين بدافعٍ نفسيٍّ يهدف إلى رَمي القرآن الكريم بما ثبت في حقِّ كتبهم المقدَّسة، والانتقاص من هذا الكتاب العظيم.
ويمكن أنْ نلمس أيضًا المنهج الانتقائيّ بشكل واضح عند تتبّع دراسات المستشرقين؛ أمثال: نولدكه، وبلاشير، وجولدتسيهر، وغيرهم. بحيث يتّفق منهج المستشرقين العام في الدّراسات القرآنيّة على تعمّد اختيار الأخبار الضّعيفة، والرّوايات الشّاذّة في بطون الكتب، وذلك لمقاصد، وأغراض معيّنة، وأخذوا بالخبر الضّعيف في بعض الأحيان، وحكموا بموجبه. ولا ريب أنَّ أرباب الحداثة قد سلكوا مع التّراث الإسلاميّ مسلك الانتقائيّة أسوةً، وتأثّرًا بالمستشرقين.
كلمات مفتاحيّة: المنهج، التّشكيك، المنهج الإسقاطي، المنهج الانتقائيّ، المستشرقون، القرآن، الإسلام.
مدخل
لا شكّ أنّ للمنهج أثرًا كبيرًا في إثراء الدّرس العلميّ، إذ إنَّ فهم أيّ علم يتوقّف على مدى التّوظيف المنهجيّ؛ لذا فقد اختلفت أشكال السّلطة الاستشراقيّة الممارسة على التّراث الإسلاميّ بين فكريّة، وتقليديّة، وكاريزميّة، ومؤسّساتيّة، ومنهجيّة، وغيرها، غير أنَّ أكثرها خطرًا هي السّلطة المنهجيّة؛ لأنّها عُدّت الباب الّذي ولج منه الغربيّون لفهم علوم الإسلام فهمًا ينسجم مع دوافعهم، وخلفيّاتهم الفكريّة، وبهذا فإنَّ المناهج الكلاسيكيّة في التّراث الإسلاميّ لم ترضِ ذائقة المستشرقين، بل وقفت حاجزًا أمام توجّهاتهم الفكريّة ممّا حدا بهم إلى ابتكار مناهج جديدة لقراءة النّصوص المقدّسة، بما في ذلك القرآن الكريم، وإعطاء تفاسير جديدة تتماشى مع روح العصر.
وإنَّ المنهجيّة الّتي سعى المستشرقون لفهم النّصّ القرآنيّ عبرها لم تكن من بنات أفكارهم؛ بل هي وليدة صراع جاء نتيجة التّعارض بين الكتب المقدّسة، والعلم الحديث؛ ما حدا بهم إلى ترك المناهج القديمة لفهم تلك الكتب، والتّوجّه لنقدها عبر مجموعة من الخطوات الّتي أصبحت فيما بعد مناهج متكاملة، فأتت ثمارها في سلخ الشّعوب الغربيّة من هويّتها الدّينيّة، والتّوجّه نحو الانحلال القيميّ، وهنا أدرك المستشرقون أنَّ تطبيق هذه المناهج على التّراث الإسلاميّ سيعطي النّتائج ذاتها الّتي حصدتها الشّعوب الغربيّة؛ بما يعزّز هيمنتهم الفكريّة، ويرسّخ أقدامهم؛ بوصفهم أصحاب سلطة متعالية في دراسة الإسلام، وعلومه.
أوّلًا: منهج الطّعن والتّشكيك عند المستشرقين
استخدم المستشرقون هذا المنهج في أبحاثهم الاستشراقيّة عمومًا، لكنّ توظيفه بشكل مكثّف كان واضحًا، وجليًّا في مجال الدّراسات القرآنيّة[2].
وقد توارد المستشرقون على اتّباع هذا المنهج في جُلّ دراساتهم للنّصّ القرآنيّ، ولعلّ إفراطهم في استعمال هذا المنهج نابعٌ من الخلفيّة العقديّة الّتي أبى المستشرقون التّخلّي عنها، ومن المؤسّسات الدّينيّة الرّاعية للدّراسات الاستشراقيّة، أضف إلى ذلك الدّوافع الّتي أدّت دورًا كبيرًا في تنامي هذا المنهج في الدّراسات الغربيّة، فقد تعدّدت طرائق الطّعن، والتّشكيك في النّصّ القرآنيّ بين مشكّك في مصدريّة النّصّ القرآنيّ الكريم، وألوهيّته، إلى طاعن، ومشكّك في حيثيّات النّصّ الكريم، وعلومه، فذهب جمع من المستشرقين إلى الطّعن في مصدر النّصّ القرآنيّ، وكونه إلهيًّا، أو بشريًّا.
تطبيقات المستشرقين لهذا المنهج في دراسة القرآن
1. الطّعن والتّشكيك في المصدر الإلهيّ للقرآن
من أبرز الدّراسات الاستشراقيّة الّتي طعنت، وشكّكت في المصدر الإلهي للقرآن الكريم: ما جاء به المستشرق «جون سي بلر»، في كتابه «مصادر الإسلام»؛ إذ يقول: «تعني مفردة القرآن التّلاوة، أو القراءة، وهي التّسمية الّتي أطلقها محمّد على الآيات الّتي ادّعى أنَّ الله [تعالى] أنزلها، وهو يؤكّد -أي النّبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)- أنَّ هذه الآيات كانت مكتوبة منذ الأزل، (فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) في السّماء، وأنَّها أُرسلت من السّماء العليا إلى الدّنيا، وقد أنزلها إليه كبير الملائكة جبرائيل(عليه السلام) على دفعات»[3].
وفي هذه المقولة إشارة واضحة إلى أنَّه غير مقتنع بأنَّ القرآن منزل من الله تعالى على رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنَّه يكرّر كلمة «ادّعى»، فضلًا عن أنَّه يتساءل هذه الدّعوى صحيحة أم لا، كلّ هذه الإشارات تدلّ على أنَّه قد استعمل منهج الطّعن، والتّشكيك في مصدريّة النّصّ القرآنيّ بكونه من الله تعالى. ولم يختلف الحال عند «ويلز»، الّذي يقول: «محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الّذي صنع القرآن»[4]. ويسير غوستاف لوبون، على المنوال نفسه عبر قوله: «القرآن من عند محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)»[5].
وهناك كثير من الدّراسات الاستشراقيّة الّتي رعت المنهج التّشكيكيّ في الطّعن بمصدريّة النّصّ القرآنيّ[6]، ومصدريّة النّصّ القرآنيّ لا تحتاج إلى إثبات؛ لأنَّها ثابتة عند المسلمين؛ بقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، وعند كثير من المستشرقين الموضوعيّين[7]، فلا حاجة لإيراد أدلّة لإثباتها.
2. الطّعن والتّشكيك في سلامة النّصّ القرآنيّ
اعتمد بعض المستشرقين على هذا المنهج في الطّعن بسلامة النّصّ القرآنيّ عبر القول بتحريفه، وكان من أبرزهم: جولدتسيهر الّذي يرى أنَّ القرآن الكريم كتاب فيه كثير من الاضطرابات؛ بقوله: «لا يوجد كتاب تشريعيّ اعترفت به طائفة دينيّة اعترافًا عَقَديًّا على أنّه نصّ مُنزل، أو موحى به، يقدّم نصّه في أقدم عصور تداوله، مثل هذه الصّورة من الاضطراب، وعدم الثّبات، كما نجد في نصّ القرآن»[8]؛ حيث إنَّ كلمة «الاضطراب وعدم الثّبات» الواردة في عبارة المستشرق تصريحٌ واضحٌ على الطّعن، والتّشكيك في سلامة النّصّ القرآنيّ من التّحريف.
وعلى هذا المنهج -أي التّشكيك- سار المستشرق نولدكه، فهو يؤيّد معاصره جولدتسيهر في التّشكيك بسلامة النّصّ القرآنيّ، بقوله: «بحسب ما يُفيدُنا به كتاب القرن الرّابع للهجرة يَطال التّحريف حوالي خمسمئة موضع قرآنيّ، ولا أعلم إذا كان عدد المواضع الّتي أمكننا التّعرّف عليها يقارب هذا العدد»[9]. ومع عدم ذِكْر هذا المستشرق المواضع الّتي زعم أنَّ التّحريف قد أصابها، فإنَّ رأيه يفتقر للقيمة العلميّة!
وآرثر جفري هو الآخر لم يفته العمل بالمنهج التّشكيكيّ؛ إذ يدعو إلى البحث في القرآن؛ بغية الوقوف على مواطن التّحريف؛ بقوله: «فسّرَ في أيّامنا هذه علماء الشّرق كثيرًا ممّا يتعلّق بتفسير القرآن الكريم، وإعجازه، وأحكامه، لكنّهم إلى الآنْ لم يبيّنوا لنا ما يُستفاد منه التّطوّر في قراءاته، ولا ندري لماذا كفّوا عن البحث في عصر له نزعة خاصّة في التّنقيب عن تطوّر الكتب المقدّسة القديمة، وعمّا حصل لها من التّغيير، والتّحوير، ونجاح البعض منها»[10]. وهنا نجده قد تغافل عن أنَّ القرآن الكريم مختلف عن باقي الكتب السّماويّة، فهو لم يُكتب بعد وفاة النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كتب وجمع في حياة النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)[11]، أضف إلى ذلك تصريح القرآن الكريم نفسه بعدم وجود الاختلاف فيه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النّساء: 82)، والّتي جاء في تفسيرها: «لو كان كلام البشر كما زعم الكفّار، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا: من تناقض المعنى، وتفاوت النّظم، وكون بعضه فصيحًا، وبعضه ركيكًا، وبعضه معجزًا، وبعضه غير معجز، وبعضه مطابقًا للواقع، وبعضه غير مطابق، لنقصان القوّة البشريّة، ولعلّ ذكره ها هنا للتّنبيه، على أنَّ اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم، بل لاختلاف الأحوال في الحكم»[12].
واستمرّ منهج الطّعن في دراسات كثير من المستشرقين[13]، ولا سيّما ممّن عُرف عنهم التّعصّب في الدّراسة؛ ومنهم كلير تسدال، إذ يقول: «في حياة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو المرجع الدّائم لتبديد أيّ شكّ قد يظهر فيما يتعلّق بالصّيغة المناسبة للعبارة، وتظهِر بعض الآيات، والسّور أنَّه تمّ الاحتفاظ بها في شكلها المكتوب في بيوت زوجات محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) أثناء حياته، ونحن نضيف أنَّ بعض الآيات الّتي كُتبت فُقدت للأبد، بحيث لم يعد استرجاعها ممكنًا»[14]. وهذا الزّعم تفنّده عمليّة اكتمال النّصّ القرآنيّ الّتي صرّح بها في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3)، إلى جانب عمليّة مراجعة الوحي الثّنائيّة للقرآن الكريم[15]، وبهذا لا يبقى لزعم المستشرق أيّ وجه إلّا عمليّة التّأسيس المقصود لهذا المنهج.
3. الطّعن والتّشكيك في جمع القرآن
استمرّ المستشرقون في تبنّي منهج الطّعن، والتّشكيك في النّصّ القرآنيّ، حتّى وصل إلى حقل جمع تدوين النّصّ القرآنيّ، فطبّقوا المنهج التّشكيكيّ على الرّوايات الّتي سلّطت الضّوء على جمع القرآن الكريم، وتدوينه، فظهرت دراسة جولد تسيهر الّذي طعن في روايات جمع القرآن في عهد النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى يدسّ سمّه في عسل المسلمين ليتسنّى له القول بعدم اعتراف الإماميّة بجمع القرآن الكريم في العهد العثمانيّ، وقد درس نولدكه أحاديث الجمع، فأشار إلى ثلاثة أحاديث كلّها تؤيّد فكرة الجمع في عهد الخلفاء الثّلاثة، ولم يؤيّد جمع القرآن على عهد النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وسعى إلى تضعيف الأحاديث الّتي تبرز جهود الإمام عليّ(عليه السلام).
والحال ذاته عند بلاشير، فقد تناول هذه المسألة بشيء من الأيديولوجيا المفرطة، مشكّكًا في تدوين النّصّ القرآنيّ، وجمعه[16].
وعمد هؤلاء المستشرقون إلى إثارة الإشكاليّات على المصحف الشّريف بجمعه، وترتيبه، معتمدين على منهج التّشكيك، والطّعن، لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ هذه الدّراسات ليست على سبيل الحصر، بل هي على سبيل المثال. على أنَّ هناك دراسات أخرى[17] تناولت ذات المنهج، ونكتة المستشرقين أنّهم لجأوا إلى مصادر المسلمين؛ بوصفها أساسًا لتلك الدّراسات، على الرّغم من تشكيكهم في التّراث الإسلاميّ!
والحقّ أنَّ النصّ القرآنيّ سالمٌ من التّحريف بعدّة أدلّة؛ منها: الحفظ الإلهيّ[18]، ومنها: التّحدّي الإعجازيّ في القرآنيّ الكريم الّذي أفحم أرباب البلاغة في عصره[19]، ومنها: التّواتر الّذي حظي به النّصّ القرآنيّ جيلًا بعد جيل[20]، ومنها: التّدوين النّبويّ الفوريّ، والمراجعة السّماويّة له، وغيرها.
ثانيًا: المنهج الإسقاطيّ عند المستشرقين في دراسة القرآن الكريم
عند مراجعة بعض دراسات المستشرقين للقرآن الكريم نرى أنَّهم قد مارسوا عمليَّة الإسقاط متأثِّرين بخلفيَّاتهم العقديَّة، وموروثاتهم الفكريَّة، ومندفعين بدافعٍ نفسيٍّ يهدف إلى رَمي القرآن الكريم بما ثبت في حقِّ كتبهم المقدَّسة، والانتقاص من هذا الكتاب العظيم.
1. تعريف المنهج الإسقاطيّ
هو إسقاط الواقع المعيش على الحوادث، والوقائع التّاريخيَّة، إنَّه تصوُّر الذّات في الحدث، أو الواقعة التّاريخيَّة[21]. فالمنهج الإسقاطيّ هو المنهج الّذي يُسقط فيه المستشرق من ذاته على الموضوع، أي ممَّا في ذهنه من أحكامٍ مسبقةٍ من ثقافته، ودينه، وتحيُّزاته الخاصَّة، فتغطِّي الموضوع، وتكون بديلًا عنه، وقد يصل الأمر إلى حدِّ التعصّب لهذه الأحكام الإسقاطيَّة الخاصَّة.
فيسمَّى الإسلام -مثلًا- «المحمَّديَّة» كما فعل «جِبْ» قياسًا على المسيحيَّة نسبةً إلى المسيح، أو البوذيَّة نسبة إلى بوذا، أو الكونفوشوسيَّة نسبة إلى كونفوشيوس، أو التّاويَّة نسبة إلى تاو.. مع أنَّ الإسلام غير مشتقّ من اسم الرّسول محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل من لفظ «سلم».
ويتمثَّل هذا المنهج في خضوع الباحث إلى هواه، وعدم استطاعته التّخلّص من الانطباعات الّتي تركتها عليه بيئته الثّقافيَّة المعيَّنة، وعدم تحرُّره من الأحكام المسبقة الّتي يكوِّنها عن موضوع بحثه، ويعني ذلك تفسير التّاريخ بإسقاط الواقع المعاصر المعاش على الوقائع التّاريخيَّة الضّاربة في أعماق التّاريخ، فيفسِّرونها في ضوء خبراتهم، ومشاعرهم الخاصَّة، وما يعرفونه من واقع حياتهم، ومجتمعاتهم، وهم بذلك يحاولون إثبات الصّور المرسومة في أذهانهم حتَّى وإن استحال وقوعها، وينفون الحقائق الواقعة الّتي لا تتصوَّرها أذهانهم[22].
2. منهج الإسقاط عند المستشرقين
لقد عدّ بعض المهتمّين بالشّأن الاستشراقيّ عمليّة الإسقاط منهجًا لا غنى عنه من الباحثين الغربيّين المهتمّين بالشّأن الإسلاميّ، وفي الواقع إنَّه عمليّة نفسيّة أكثر من كونه منهجًا دراسيًّا، ولا يمكن التّحرّر منه إلّا بالتقيّد الجازم بالمناهج العلميّة.
وتعدّ عمليّة الإسقاط عمليّة لا شعوريّة يقوم بها الشّخص نتيجة مشكلة نفسيّة، أو نقص يشعر به، أو ضعف يعوّضه بالإسقاط، فـ«الإسقاط حيلةً نفسيّةً يلجأ إليها الشّخص للدّفاع عن نفسه ضدّ مشاعر غير سارّة داخله، مثل الشّعور بالذّنب، أو الشّعور بالنّقص، فيعمد إلى أنْ ينسب للآخرين أفكارًا، ومشاعرَ، وأفعالًا حياله، ثمّ يقوم من خلالها بتبرير نفسه أمام ناظريه»[23]. وهذا ما حدث عند المستشرقين الدّراسين للنّصّ القرآنيّ، فشعورهم بالضّعف، والانهزام بعد انهيار الإمبراطوريّة الرّومانيّة، وفشل الحروب الصّليبيّة، وشعورهم بالنّقص نتيجة السّبق الإسلاميّ على المستوى الحضاريّ للثّقافة الأوروبيّة، كالحضارة الإسلاميّة في الأندلس؛ لذا سلك المستشرقون السّبل كلّها بغية تحقيق أهدافهم، ومن أهمّ تلك السّبل إسقاط المعلومات الفكريّة الخاصّة بهم على النّصّ القرآنيّ عبر تزييف بعض الحقائق، وإرساء أخرى مكانها، وإلى هذا المنهج يشير المستشرق بوهل، الّذي يؤكّد حرصهم على تطبيقه في بعض المسائل التّراثيّة قائلًا: «إنَّ عددًا من الباحثين المعاصرين سعَوا بطرقٍ مختلفة إلى إثبات وجود فقرات زائفة في القرآن»[24].
3. تطبيقات المستشرقين لهذا المنهج في دراسة القرآن
أ. الإسقاط الفكريّ والعقديّ على النّصّ القرآنيّ
من الدّراسات الاستشراقيّة الّتي مارست منهج الإسقاط، والتّزييف هي دراسة جولد تسيهر الّذي حاول أنْ يُسقِط فكرة الاضطراب، وعدم التّناسق على النّصّ القرآنيّ، إذ يقول: «لا يوجد كتاب تشريعيّ اعترفت به طائفة دينيّة اعترافًا عقديًّا على أنَّه نصّ منزل، أو موحى به، يقدّم نصّه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصّورة من الاضطراب، وعدم الثّبات؛ كما نجد في النّصّ القرآنيّ»[25]، وبهذا أسقط خلفيّاته العقديّة على النّصّ القرآنيّ عبر محاولته الخلط بين الأحرف الّتي نزل عليها النّصّ، وبين القراءات الواردة فيه، وذهب إلى أنَّ الاختلافات في أوجه القراءات نابع من اختلاف الخطّ العربيّ، والرّسم القرآنيّ، بقوله: «إنَّه حرف فيه تفاعل بني القحطانيّة، والعدنانيّة، لغّة قوامها القريشيّة السّائدة، إنَّما هو انتخاب لسانيّ، يستبقي الأصلح والأمثل، ... وعن المصحف الإمام أُخذت المصاحف جميعًا، وصار هذا المصحف برسمه، وخطّه، ومنطوق حرفه هو المرجع قديمًا، وحديثًا عن كلّ بحث، أو درس، أو تاريخ للقرآن»[26]. وبهذا مارس أقصى درجات الإسقاط على النّصّ القرآنيّ.
ومن السّائرين على خطاه مكسيم رودنسون، الّذي مارس نوعًا من الإسقاط الفكريّ على النّصّ القرآنيّ متّهمًا شخص النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتّصوّف، إذ يقول: «إنَّ ما يراه، ويسمعه الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) هو نتيجة وصوله إلى إحدى درجات التّصوّف الّتي لم تصل إلى الاتّحاد بالّله»[27].
لا شكّ أنَّه قد أسقط إنكاره للوحي القرآنيّ عبر مزجه بالتّصوّف؛ كونه يروّج إلى مسألة اتّحاد النّاسوت باللّاهوت الّتي تقول بها الكنيسة الغربيّة!
ب. إسقاط أخطاء النّسّاخ للنّصوص التّراثيّة على النّصّ القرآنيّ
حاول بلاشير إسقاط بعض الأخطاء الّتي وقع بها النّسّاخ في بعض المصادر التّراثيّة، ولم يشِر إليها، بل قام بتبنّيها، وإسقاطها على النّصّ القرآنيّ، ففي حديثه عن عدد السّور القرآنيّة، وتقسيمها إلى المكّيّ، والمدنيّ ذكر بأنَّ عدد السّور القرآنيّة مئة وثلاثة عشر سورة، وأحال إلى هامش في كتاب الإتقان «بحسب رواية يقدّمها لنا ابن النّديم في كتابه الفهرست، فإنَّ عدد السّور المكّيّة 85، وعدد السّور المدنيّة 28، ... لاحظوا فالمجموع 113 سورة»[28].
ولم يشِر بلاشير إلى أنَّ هناك خطأً في نسخ الرّقم ليصبح العدد الصّحيح للسّور المكّيّة 86 سورة، وبذلك يصبح عدد السّور 114، وهو ما عليه إجماع المسلمين؛ لذا نقف على مدى إفراطه في تزييف الحقائق القرآنيّة، وإسقاط ما يريده على التّراث ليس إلّا.
ج. إسقاط بيئة النّزول على القرآن
من المستشرقين الّذين مارسوا المنهج الإسقاطيّ هنري لامنس، عبر إسقاطه فكرة تأثّر النّصّ القرآنيّ بالبيئة الّتي نزل فيها، حيث يقول: «إنَّ اختلاف الأسلوب بين العهد المكّيّ يعدّ انعكاسًا واضحًا للبيئة الّتي وجد فيها، فالنّصوص القرآنيّة تعكس ظروف، وبيئة كلّ مكان، وكلّ زمان، فالأسلوب القرآنيّ في مكّة يمتاز بالشّدّة، والعنف؛ لأنَّ أهلها أجلاف، بينما يمتاز بالمدينة باللّين، والوضوح، والصّفح؛ لأنَّ أهلها مستنيرون»[29].
ويردّه قول بعض العلماء المسلمين: «من المعلوم أنّ ما نزل من القرآن في مكّة كان يخاطب مجتمعًا وثنيًّا فشى فيه الشّرك، وانتشرت فيه الأصنام، ولم يتلقَّ الدّعوة الإسلاميّة بالقبول، والتّسليم، بل أخذ يناوئها العداء، ويضطهد أتباعها، ويحارب رسولها، وفي المدينة كان القرآن الكريم غالبًا يخاطب أتباعه المؤمنين يأمرهم فينقادون إليه، وينهاهم فينتهون عما نهى عنه، وإذا كان الأمر كذلك، فلا شكّ أنّ البلاغة تقتضي الاختلاف في الأسلوب، والاختلاف في المعاني، والموضوعات بين ما نزل في مكّة، وما نزل في المدنيّة»[30].
ولعلّ هذه أهمّ دراسات المستشرقين الّذين أسّسوا قواعد المنهج الإسقاطيّ في الدّراسات القرآنيّة، وأسّسوا الخطوط العريضة لمن يروم السّير على نهجهم بغية تحقيق مآربهم.
د. إسقاط المفاهيم الدّينيّة اليهوديّة والنّصرانيّة على القرآن
يؤمن اليهود بإله واحد هو الله، ويعتقدون في أن الله خالق كلّ شيء بلا شريك، وأنّه لا شبيه له، ولا يمكن رؤيته، وهو محجوب عن الخلق، وفي سفر التّثنية تجد دليلًا توراتيًّا على التّوحيد في الآية: «اسمع يا إسرائيل، الرّبّ إلهنا ربّ واحد» (التّثنية 6: 4).
ولكن للأسف تعرّضت هذه العقيدة للتّحريف بعد ما تعرضت التّوراة إلى التّحريف من قبل أحبار اليهود أصبحت تجد في سطور هذا الكتاب كلمات تتنافى مع قدسيّة الله، فتارة تقرأ أنّ الله يغضب، وتارة تجد أنّ النّاس فعلوا الشّرّ في أعين الرّبّ. وأصبح الرّبّ في التّوراة لا يتورّع عن مصارعة أحد أفراد البشر، ويغضب، ويغار، ويعتب، ويحنق، وغير ذلك من الصّفات الّتي نسبوها إلى الله تعالى.
وهذا الأمر يعكس بشكلٍ كبيرٍ تأثّر أحبار اليهود، وكتاب العهد القديم بالعقائد الّتي سبقت ظهور أنبياء بني إسرائيل، الأمر الّذي جعلهم يشبهون الله بذاك الإله البدائيّ القبليّ القديم الّذي كان على شاكلة البشر يحبّ، ويكره، ويحزن، ويغار، ويصارع باليد، ويطالب بنصيبه من اللّحم، والشّحم، والمسكن ككلّ النّاس كما تذكّرنا بها مرارًا نصوص التّوراة.
ويعكس اسم الرّبّ في اليهوديّة أيضًا تخبّطًا شديدًا هم يطلقون عليه «إلوهيم»، وهذه صيغة جمع تعني «الآلهة» وليس إلهًا واحدًا، وهم يفعلون هذا على الرّغم من أنّهم أقرّوا في هذه الفترة بالتّوحيد لله، لكنّ ثقافتهم ظلّت عاجزة عن تفادي آثار التّعدّديّة الّتي سيطرت على عقائدهم قبل ظهور الأنبياء.
وفي مرحلة أخرى يتغاضى بنو إسرائيل عن نطق اسم الرّبّ، فيكتبونه «يهوه»، وينطقونه «أدوناي» أي السّيّد. أو ينطقونه «هَشِمْ» أي الاسم، وهم يفعلون ذلك تطهيرًا لاسم الرّب من أن ينطق على لسانهم.
والخلاصة: أنّ بني إسرائيل على الرّغم ممّا هم فيه من ضلال، وكذلك بعدهم عن ما أنزل عليهم في التّوراة، لكنّهم يعبدون إلهًا واحدًا لا يشركون به شيئًا.
وكان للمستشرق جولدزيهر قصب السّبق في تحريف مدلولات القرآن الكريم عن الله تعالى بإسقاط المفاهيم اليهوديّة، والنّصرانيّة على هذه المدلولات الّتي لا تتّفق، والعقيدة الإسلاميّة، ومن ذلك[31] إسقاطه لمفهوم التّجسّد الإلهي عند اليهود، والنّصارى على التّمثيل القرآنيّ لنور الله سبحانه، وتعالى بنور المصباح في مشكاة، وهي قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النّور: 35)، وهذا الإسقاط نابع من جهل المستشرق بالأساليب البلاغيّة في اللّغّة العربيّة الّتي منها التّشبيه، وهو نابع كذلك من تأثره بمسلك العقائد اليهوديّة.
وقد خضع المستشرق جاك بيرك (Jacques Berque) أيضًا لعقيدة التّجسيد، وأسقط مفهومها على قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ (البقرة: 54) مفسِّرًا إياها بـ: «فالّله هو الّذي تاب بدلًا منكم لأنّه يميل إلى التّوبة»[32].
كما قام المستشرق كراتشكوفسكي (Kratchkovski) بنهج المنهج نفسه في ترجمة سورة النّاس: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَـهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ (الناس: 1-6) إذ ترجمها بـ: «أعوذ بإله النّاس الّذي يختبئ من شرّ الوسواس الّذي يوسوس صدورَ النّاس»[33]. إلى غيرها من النّماذج الّتي ذكرها هؤلاء، وجسّدت إسقاطات للعقيدة الّتي يحملونها عن الله على القرآن الكريم.
ثالثًا: المنهج الانتقائيّ في دراسة القرآن الكريم
المراد بالمنهج الانتقائيّ عند المستشرقين هو الانتقاء للمصادر، والنّصوص، والأفكار من دون الخضوع للضّوابط العلميّة، والمنهجيّة، فعلى سبيل المثال: نجد في كتاباتهم عن القرآن الكريم، والسّيرة النّبويّة الشّريفة، والتّاريخ الإسلاميّ أنّهم ينتقون بعض الرّوايات، والأحداث، والقضايا، ويكتبون عنها، ويهملون غيرها، وهكذا الأمر في كتب الحديث فهم يذهبون إلى الكتب الّتي تجمع الأحاديث؛ مثل: كنز العمّال، وغيره من الكتب الّتي لا يرد فيها تصحيح، أو تخريج للأحاديث.
1. المنهج الانتقائيّ عند المستشرقين
لعلّ من أبرز تطبيقات هذا المنهج عند المستشرقين في مجال الدّراسات القرآنيّة يكمن في انتقاء المصادر، وهو ما يتنوّع، ويختلف تبعًا لطبيعة الموضوعات المستهدفة من جهّة، وموضوعية المستشرق، وأمانته العلميّة، أو حياده على الأقلّ في توظيف تلك المصادر، والنّقل عنها من جهّة ثانية.
ومثالًا على هذه الانتقائيّة يذكر أحد الباحثين في دراسة أجراها أنّه بتتبّع عدد المراجع الّتي ذكرها (بلاشـير) فـي مقدّمة كتابه مدخل إلى القرآن وجد أنّه اعتمد على مائة وثمانية وسبعين كتابًا ليس منها سوى سبعة وأربعين كتابًا عربيًّا، وكثير منها في الأدب، والتّاريخ؛ مثل اليعقـوبي، ومـروج الذّهب للمسعوديّ، وأسد الغابة لابن الأثير، ومقدّمة ابن خلدون، والفهرست لابـن النّـديم[34].
أ. الانتقاء في مصادر تاريخ القرآن
يمكن أنْ نلمس المنهج الانتقائيّ بشكل واضح عند تتبّع دراسات المستشرقين؛ أمثال: نولدكه، وبلاشير، وجولدتسيهر، وغيرهم[35]، حيث نجد هؤلاء المستشرقين يعتمدون على مصادر معيّنة دون أخرى، فأغلبهم اعتمد في مسألة جمع القرآن على كتاب المصاحف لأبي داوود، والإتقان للسيوطيّ، والفهرست لابن النّديم، في حين أهملوا الكتب الأخرى الّتي تحمل الرّوايات الصّحيحة الّتي تشير إلى مسألة الجمع؛ ككتب الإماميّة، وصحاح المسلمين السّتّة، وغيرها.
وقد حدا منهج الانتقائيّة بالمستشرقين إلى الاعتماد على المصادر الّتي كان وراءها أيادٍ استشراقيّة؛ مثل: كتاب المصاحف لأبي داوود السجستاني الّذي قام بتحقيقه آرثر جفري؛ لذلك نجد أنَّ هذا المصدر هو الأساس في أغلب الدّراسات الّتي تتعلّق بالمصاحف عند المستشرقين، وهذا الأمر ليس لأنَّ الكتاب فريد من نوعه؛ بل لأنَّ الكتاب من تحقيق المستشرقين أنفسهم، وكتاب دابستاني مذاهب[36]، الّذي يقف وراءه المستشرقون، فهو الأساس عندهم في عمليّة الإشكال على تحريف القرآن عند الإماميّة، وهو من مصادر جولدتسيهر المعتمدة في الطّعن على المذهب الإماميّ، ويقول أحد الباحثين: «سنين طويلة، وأنا أتساءل عن سبب حرص المستشرقين على الكتب الّتي صنّفها علماء الإسلام فيما يتّصل بنقل القرآن، ولا أجد الجواب يرجع إلّا إلى أنَّ هؤلاء حاقدين على دين الإسلام، ولهم مقاصد سوء يبحثون عن طريق للطّعن على القرآن، فتراهم مثلًا أوّل من اعتنى بنشر كتاب المصاحف لأبي داوود السجستاني...»[37].
ولعلّ هذا المنهج هو المعتمد لدى أغلب المستشرقين المتقدّمين، أمّا المعاصرون فلم يتطوّر المنهج عندهم أيضًا، فاعتمد أغلبهم على تلك الكتب دون غيرها من كتب التّراث الإسلاميّ، بيد أنَّهم أضافوا إليها كتب المستشرقين السّابقين لهم في هذا المجال.
ب. الانتقاء في مصادر التّفسير
يذهب جولدتسيهر إلى تبنّي منهج الإسقاط عبر إسقاطه مجموعة من الحقائق، والمقدّمات على التّفسير الموروث، فوظّف لذلك ثلاثة تفاسير؛ هي: تفسير الطبري، وتفسير البيضاوي، وتفسير ابن عربي، ولم يتعرّض إلى باقي التّفاسير الإسلاميّة، بل حاول الانتقاص منها، وانتقادها، وادّعى أنَّ هذا التّفسير هو المعتمد عند جميع المسلمين[38]!
وكان عليه أنَّ يستقصي جميع كتب التّفسير عند المذاهب الإسلاميّة، لا أنْ ينتقي بعضها ويُعَمّمه على المسلمين كافّة.
أمّا بلاشير في كتابه مدخل إلى القرآن، فهو يشير في مقدّمته إلى أنَّهُ اعتمد على بعض المصادر المهمّة، وبعد الاستقصاء، والبحث وجد أنَّهُ اعتمد على مئة وثمانية وسبعين كتابًا، كان نصيب الكتب العربيّة منها سبعًا وأربعين كتابًا أغلبها كانت من كتب التّاريخ، والأدب؛ كمروج الذّهب للمسعوديّ، تاريخ اليعقوبيّ، وغيرها[39]، ولم يعتمد على كتب التّفسير الرّصينة، وهذا ما يعزّز وجود الانتقائيّة في دراسات المستشرقين بالاعتماد على مصادر دون أخرى.
ج. الانتقاء في المصادر الحديثيّة
من الجهود الاستشراقيّة الأخرى في ممارسة المنهج الانتقائيّ، هي دراساتهم لبعض المصادر الرّوائيّة في كتب المسلمين؛ وذلك بالاعتماد على مصادر معيّنة، وتعميم نتائجها على التّراث الإسلاميّ؛ كدراسة شاخت الّذي انتقى كتاب الموطّأ لمالك بن أنس، والموطّأ لمحمد الشّيباني، والأمّ للشّافعي.
ويمكن القول: «إنَّ هذه الكتب أقرب ما تكون إلى الفقه من كتب الحديث، وعلى الرّغم من ذلك فقد عمّم نتيجته الّتي توصّل إليها في دراسته لتلك الكتب، وفرضها على كتب الحديث كافّة، وكأنَّه ليست هناك كتب خاصّة بالأحاديث النّبويّة، وكأنّه ليس ثمّة فرق بين طبيعة كتب الفقه، وكتب الحديث»[40].
وعليه انتقى من كتب الحديث ما يوافق توجّهاته، ولم يغفل أنَّ هذه الكتب تميل إلى الفقه أكثر من الحديث، بل طبّق الانتقائيّة لتتماشى مع توجّهاته الفكريّة.
ويكاد يتّفق منهج المستشرقين العام في الدّراسات القرآنيّة على تعمّد اختيار الأخبار الضّعيفة، والرّوايات الشّاذة في بطون الكتب، وذلك لمقاصد، وأغراض معيّنة. ولقد وجد المستشرقون في كتب معيّنة من كتب الأدب، والتّاريخ ضالّتهم في هذا المجال، فقاموا بتصيّد جملة من النّصوص، والشّواهد، وجعلوها أسسًا بنوا عليها أحكامهم القرآنيّة، وغيرها.
لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضّعيف في بعض الأحيان، وحكموا بموجبه، يقول جواد علي: «واستعانوا بالشّاذ، ولو كان متأخرًا، أو كان من النّوع الّذي استغربه النّقدة (النقًاد)، وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأنّ هذا الشّاذّ هو الأداة الوحيدة في إثارة الشّكّ»[41].
ويختلف البحث الاستشراقيّ في الدّراسات القرآنيّة عن المنهج الإسلاميّ المؤسَّس على ضرورة اعتماد الموثوق من المصادر، والمشهود له بالأوّليّة، والتّميّز، فالمصادر القرآنيّة الموثوقة ليس فيها ما يسعفهم في تسويغ ما يَصْبون إلى تأكيده من أحكام مغرضة، واستنتاجات مغلوطة، وخاطئة أريد لها أن تكون كذلك، ولهذا يلجؤون إلى مصادر أخرى بحثًا عمّا يعينهم على بلوغ مأمولهم، فيجدون بغيتهم في كتب الأدب، والتّاريخ، وغيرها، من دون أدنى اكتراث بما يشكّله اعتماد تلك المصادر في قضايا جوهريّة ترتبط بالدّراسات القرآنيّة، والواقع أنّ كثيرًا من المستشرقين، ودعاة التّغريب قد أصرّوا على اعتماد مثل هذه الكتب، وأولوها الاهتمام البالغ، وأعادوا طبعها، وروّجوها، وحرّضوا الباحثين من التّغريبيّين على اعتمادها مصادر ومراجع؛ وذلك لأنّها تفسد الحقائق، وترسم صورًا غير صحيحة، وغير موثوقة عن واقع الأمور.
د. الانتقاء في المصادر والاستناد المرجعيّ
من أخطاء المستشرقين المنهجيّة هو اعتمادهم على مصادر، ومراجع استشراقيّة، وإغفال، أو إهمال المصادر القرآنيّة الأصيلة عند المسلمين، كما وتعمُّدهم عدم الاكتراث بموثوقيّة بعض المصادر عند المسلمين، وأولويّة بعضها على بعض في الرّجوع، والاستناد المرجعيّ؛ لهذا نجد أنّ المستشرق الّذي يسعى إلى فرض فكرة معيّنة، وتكريسها لا يلقي اهتمامًا إلّا إلى المصادر الّتي ترمي مضامينها إلى ما يذهب إليه، وهو يعمد في الغالب إلى تقديم كتب ثانويّة، وغير موثوقة على ما هو معروف من كتب موثوقة، وهذا المنهج الخاطئ كفيل بأنْ يؤدّي إلى نتائج مغلوطة، وخاطئة.
ويبدو أنّ من أعظم أخطاء هذا المنهج المتمثّل في عدم ترتيب المصادر بحسب موثوقيّتها، وقيمتها هو تقديم كتب المستشرقين على غيرها من كتب العلماء المسلمين الأوائل في نقل الرّوايات، والنّصوص القديمة[42].
فالانتقائيّة في المصادر، والاعتماد على المصادر باللّغّة الأجنبيّة، وقلّة الاعتماد على مصادر باللّغّة العربيّة، سواء كانت أصيلة، أم غير أصيلة، يعتبر سمة بارزة في دراسات المستشرقين، وإطلالة سريعة على «دائرة المعارف الإسلاميّة»، و«الموسوعة البريطانيّة»، وغيرهما تؤكّد صحّة ذلك.
كما نجد انتقائيّة مذهبيّة في دراسات المستشرقين، حيث يغيّبون عمدًا الاعتماد على نصوص علماء الإماميّة، وآرائهم، ويركّزون على مصادر علماء أهل السّنّة فقط، بل على الضّعيف، أو الشّاذّ منها، والكتب الضّعيفة عندهم؛ سواء في مجال التّفسير، وعلوم القرآن، أو الحديث، وعلومه.
1. أثر المنهج الانتقائيّ الاستشراقيّ على الحداثيّين
لا ريب أنَّ أرباب الحداثة قد سلكوا مع التّراث الإسلاميّ مسلك الانتقائيّة أسوةً، وتأثّرًا بالمستشرقين، فأخذوا يقتطفون من التّراث نصوصًا، وأقوالًا معيّنة لتحقيق أغراضهم، متجاوزين بذلك الموضوعيّة؛ لذا نراهم يركّزون على بعض المذاهب الشّاذّة في التّراث الإسلاميّ، ويعتمدون على آرائها؛ ولا سيّما إذا كانت تتماشى مع أهدافهم، فضلًا عن رفعهم شعار العقلانيّة؛ بغية الخروج على الثّوابت التّراثيّة على حدّ تعبيرهم؛ لذا أحيوا تاريخ الثّورات، والحركات المندثرة، وأفكارهم كالسّبئيّة، والقرامطة، وثورة الزّنج، وإلى هذا المنهج ذهب أدونيس؛ قائلًا: «ومبدأ الحداثة هو الصّراع بين النّظام القائم على السّلفيّة، والرّغبة العاملة على تغيير هذا النّظام، وقد تأسّس هذا الصّراع أثناء العهدين: الأمويّ، والعبّاسيّ، حيث ترى تيّارين للحداثة: الأوّل سياسيّ فكريّ، ويتمثّل من جهّة في الحركات الثّوريّة ضدّ النّظام القائم بدءًا من الخوارج، وانتهاءً بثورة الزّنج، ومرورًا بالقرامطة، والحركات الثّوريّة المتطرفة، ويمثّل من جهّة ثانية في الاعتزال، والعقلانيّة الإلحاديّة، وفي الصّوفيّة على الأخصّ»[43].
والسّؤال هنا لماذا سلّط الضّوء على مثل هذه الحركات؟ وهو يعلم أنَّها لا تمثّل تاريخ المسلمين كلّه، بل هناك فرق رصينة، وأصيلة تمثّل ذلك التّاريخ النّاصع، لماذا لم يلجأ إلى كتب التّاريخ المشهورة؟!
والجواب على ذلك يكمن في السّلطة الانتقائيّة الّتي زرعها المستشرقون في أرباب الحداثة؛ لهدم التّراث من الدّاخل.
بالإضافة إلى الانتقائيّة في المصادر، كانت هناك أنواع أخرى؛ كالانتقائيّة الفكريّة، والانتقائيّة المنهجيّة، وغيرها، وهذا واضح في دراسة نصر حامد أبو زيد، إذ يقول: «ولعلّنا الآنْ أصبحنا في موقف يسمح لنا بالقول إنَّ النّصوصّ الدّينيّة نصوص لغويّة، شأنها شأن أيّ نصوص أخرى في الثّقافة، وأنَّ أصلها الإلهيّ لا يعني أنّها في درسها، وتحليلها تحتاج لمنهجيّات ذات طبيعة خاصّة تتناسب مع طبيعتها الإلهيّة الخاصّة»[44]، وهنا تظهر الانتقائيّة في دراسة أبو زيد الّذي يسعى إلى انتقاء مناهج معيّنة في دراسة النّصّ الدّينيّ، بعد أن بلور فكرة أنّه نصّ لغويّ بشريّ، ونفى صفة القداسة على النّصّ الدّينيّ.
وعلى النّهج ذاته سار الطّيّب تيزيني، فهو يختار هذه المرّة حقل مفردات التّراث الإسلاميّ، وينتقي منها ما يريد هدمه؛ كالإجماع مثلًا، فيرجعه إلى خواطر سياسيّة بقوله: «وقد تبلور الإكراه المذكور بصيغ، وتعبيرات متعدّدة، ربّما كان الإجماع في مقدّمتها… ومن ثمّ فإنَّ من كان يرفض الإجماع كان ينظر إليه على أنَّه جسم غريب عن الإسلام، ينبغي عزله أو بتره - لنتذكّر حالة الحلّاج الّذي راح بضميره الصّوفيّ الدّينيّ الشّخصيّ ضحيّة إجماع سنّيّ لفهم النّصّ الدّينيّ، وابن حنبل الّذي عُذّب في أقبية المأمون المنطلق من إجماع، أو شبه إجماع معتزليّ، والملفت في ذلك أنَّ الفرقاء المعنيّين يضطهد بعضهم بعضًا انطلاقًا من أنَّ كلّ واحد منهم يزعم أنَّه هو الّذي يمتلك الحقيقة، وأنّه من ثمّ يملك حقّ إعلان الإجماع من طرفه، وعلى الرّغم من أنَّ الإجماع مارس غالبًا، أو أُريد له أنْ يمارس وظيفة التّوحيد السّياسيّ، والعقيديّ للمجتمع الإسلاميّ، نجد أنَّه مثّل سلاحًا بحدّين، أوّلهما أفصح عن تلك الوظيفة، وثانيهما تجسَّد في مهمّة الإكراه الدّينيّ لذوي الضّمائر الدّينيّة الطّامحين إلى أنْ يعيشوا علاقتهم بالّله -وهذه هي أسس الدّين- على نحو يلبّي حاجاتهم الرّوحيّة الطّلقة، قبل تلبية طقوس معيّنة بحركات معيّنة تحمل طابع الإلزام من خارج»[45].
وعلى الخطى ذاتها سار عزيز العظمة[46]، فالانتقائيّة عندهما شاءت أنْ تفنّد الإجماع، وتطعن به، وليس لها مبرّر سوى هدم التّراث الدّينيّ سيرًا على نهج المستشرقين، وتأكيدًا لسلطتهم.
وهكذا سار روّاد الدّراسات القرآنيّة المعاصرة في ظلّ الدّراسات الاستشراقيّة، مطبّقين ذات المنهجيّة، ومسدلين السّتار على الموضوعيّة، والأمانة العلميّة، غير أنّهم برّزوا الجانب السّلطويّ، وعضّدوه بالسّير على منهج الانتقائيّة، والخروج على الضّوابط العلميّة، كاشفين النّقاب عن السّلطة الممارسة عليهم في هذا الحقل.
الخاتمة
إنّنا في الوقت الّذي نؤكّد ضرورة التّسليم بأهمِّيَّة اتِّباع منهجٍ ما في أيِّ دراسة من الدّراسات، نلفت إلى أنّه من الخطورة بمكان أن تتحكّم الدّوافع المسبقة القائمة على التّعصُّب، أو العمل لتحقيق انتصار كلِّ ما هو غربيّ على غيره، فإنّ هذا يعني تفريغ هذه المناهج من منفعتها، والغاية المرجوّة منها؛ إذ إنَّ التعصُّب، أو الاعتماد على الأهواء يقضي على النّاحية العلميَّة لأيِّ دراسة كانت، وهذا ما تعاني منه الدّراسات الاستشراقيّة غالبًا!
لا شكّ أنّ للمنهج أثرًا كبيرًا في إثراء الدّرس العلميّ، إذ إنَّ فهم أيّ علم يتوقّف على مدى التّوظيف المنهجيّ.
المنهجيّة الّتي سعى المستشرقون لفهم النّصّ القرآنيّ عبرها، لم تكن من بنات أفكارهم؛ بل هي وليدة صراع جاء نتيجة التّعارض بين الكتب المقدّسة، والعلم الحديث.
اعتمد المستشرقون على مجموعة من المناهج الّتي تناولوا بها الدّراسات، والعلوم الإسلاميَّة عامَّة، والقرآنيّة خاصَّة. وهذه المناهج متعدِّدة، ولا تقف عند منهجٍ واحدٍ بعينه، وهي تختلف باختلاف الأشخاص، بل باختلاف طبيعة القضيَّة ذاتها.
لقد استخدم المستشرقون منهج الطّعن، والتّشكيك في أبحاثهم الاستشراقيّة عمومًا، لكنّ توظيفه بشكل مكثّف كان واضحًا، وجليًّا في مجال الدّراسات القرآنيّة. ولعلّ إفراطهم في استعمال هذا المنهج نابعٌ من الخلفيّة العقديّة الّتي أبى المستشرقون التّخلّي عنها، ومن المؤسّسات الدّينيّة الرّاعية للدّراسات الاستشراقيّة، أضف إلى ذلك الدّوافع الّتي أدّت دورًا كبيرًا في تنامي هذا المنهج في الدّراسات الغربيّة.
لقد اعتمد بعض المستشرقين في دراساتهم للقرآن الكريم منهج الإسقاط متأثِّرين بخلفيَّاتهم العقديَّة، وموروثاتهم الفكريَّة، ومندفعين بدافعٍ نفسيٍّ يهدف إلى رَمي القرآن الكريم بما ثبت في حقِّ كتبهم المقدَّسة. ويعتقد البعض أنّ عمليّة الإسقاط عمليّة لا شعوريّة يقوم بها الشّخص نتيجة مشكلة نفسيّة، أو نقص يشعر به، أو ضعف يعوّضه بالإسقاط.
ومن الدّراسات الاستشراقيّة الّتي مارست منهج الإسقاط، والتّزييف دراسة جولد تسيهر الّذي حاول أنْ يُسقِط فكرة الاضطراب، وعدم التّناسق على النّصّ القرآنيّ، فأسقط خلفيّاته العقديّة على النّصّ القرآنيّ عبر محاولته الخلط بين الأحرف الّتي نزل عليها النّصّ، وبين القراءات الواردة فيه.
كما مارس مكسيم رودنسون نوعًا من الإسقاط الفكريّ على النّصّ القرآنيّ متّهمًا شخص النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتّصوّف.
وحاول بلاشير إسقاط بعض الأخطاء الّتي وقع بها النسّاخ في بعض المصادر التّراثيّة ولم يشِر إليها، بل قام بتبنّيها، وإسقاطها على النّصّ القرآنيّ.
ومن المستشرقين الّذين مارسوا المنهج الإسقاطيّ هنري لامنس، عبر إسقاطه فكرة تأثّر النّصّ القرآنيّ بالبيئة الّتي نزل فيها.
كما أسقط المستشرقون بعض المفاهيم الدّينيّة اليهوديّة، والنّصرانيّة على القرآن؛ كمفهوم الله والرّبّ، والتّجسّد الإلهيّ عند اليهود، والنّصارى على التّمثيل القرآنيّ لنور الله سبحانه وتعالى بنور المصباح في مشكاة.
المراد بالمنهج الانتقائيّ عند المستشرقين هو الانتقاء للمصادر، والنّصوص، والأفكار من دون الخضوع للضّوابط العلميّة، والمنهجيّة. وتكمن أبرز تطبيقات هذا المنهج عند المستشرقين في مجال الدّراسات القرآنيّة في انتقاء المصادر، وهو ما يتنوّع، ويختلف تبعًا لطبيعة الموضوعات المستهدفة من جهّة، وموضوعيّة المستشرق، وأمانته العلميّة، أو حياده على الأقلّ في توظيف تلك المصادر، والنّقل عنها من جهّة ثانية. ولا سيّما عند أمثال: نولدكه، وبلاشير، وجولدتسيهر، وغيرهم. فقد ذهب جولدتسيهر إلى تبنّي منهج الإسقاط عبر إسقاطه مجموعة من الحقائق، والمقدّمات على التّفسير الموروث، فوظّف لذلك ثلاثة تفاسير؛ هي: تفسير الطّبري، وتفسير البيضاوي، وتفسير ابن عربي، ولم يتعرّض إلى باقي التّفاسير الإسلاميّة، بل حاول الانتقاص منها، وانتقادها.
ومن أهمّ من أخطاء المستشرقين المنهجيّة هو اعتمادهم على مصادر، ومراجع استشراقيّة، وإغفال، أو إهمال المصادر القرآنيّة الأصيلة عند المسملين، كما وتعمُّدهم عدم الاكتراث بموثوقيّة بعض المصادر عند المسلمين، وأولويّة بعضها على بعض في الرّجوع، والاستناد المرجعيّ.
والأخطر أنّنا نجد انتقائيّة مذهبيّة في دراسات المستشرقين، حيث يغيّبون عمدًا الاعتماد على نصوص علماء الإماميّة، وآرائهم، ويركّزون على مصادر علماء أهل السّنّة فقط، بل على الضّعيف، أو الشّاذّ منها، والكتب الضّعيفة عندهم؛ سواء في مجال التّفسير، وعلوم القرآن، أو الحديث، وعلومه.
لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم
أبو زيد، نصر حامد: نقد الخطاب الدينيّ.
أدونيس، الثابت والمتحوّل.
البغدادي، إسماعيل باشا بن محمّد أمين: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، لا ت.
بلر، جون سي: مصادر الإسلام بحث في مصادر عقيدة وأركان الديانة المحمّديّة، ترجمة: مالك مسلماني، لا ت، كتاب إلكترونيّ.
تسدال، سان كلير: المصادر الأصلية للقرآن، ترجمة: عادل جاسم، ط1، بيروت؛ بغداد، منشورات الجمل، 2019م.
تيزيني، الطيب: النصّ القرآنيّ أمام إشكاليّة البنية والقراءة.
الجديع، عبد الله بن يوسف: المقدّمات الأساسيّة في علوم القرآن، ط1، ليدز - بريطانيا، مركز البحوث الإسلاميّة، 2001م.
الجعفري، «العيوب المنهجيَّة في سياق الروايات الحديثيَّة عند المستشرق مونتجمري وات في كتابَيْه «محمَّد في مكَّة»، و«محمَّد في المدينة»»، مجلَّة الشريعة والدراسات الإسلاميَّة، العدد 97.
جولدتسيهر، أجنتس: مذاهب التفسير الإسلاميّ، ترجمة: عبد الحليم النجار، ط2، الكويت، دار اقرأ، 1983م.
جولدزيهر، أجنتس: العقيدة والشريعة، ترجمة: محمّد يوسف موسى؛ وآخرون، ط2، مصر، دار الكتب الحديثة؛ بغداد، مكتبة المثنى، لا ت.
الحاجّ، ساسي سالم، نقد الخطاب الاستشراقيّ.
الخولي، أمين: عن القرآن الكريم في التنوير الإسلاميّ، مطبعة نهضة مصر، 2000م.
الدريس، خالد: العيوب المنهجيّة في كتابات المستشرق شاخت المتعلّقة بالسنّة النبويّة، لا ط، المدينة المنورة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، لا ت.
الرومي، فهد بن عبد الرحمن: دراسات في علوم القرآن، ط12، المكتبة الشاملة، 2010م.
السعيد، لبيب: «حول دعوى بعض المستشرقين ورجاء إلى علماء المسلمين»، مجلّة رسالة الإسلام، دار التقريب بين المذاهب، السنة الرابعة عشرة، 1392هـ/ 1972م، العدد 60.
الشهرستاني، علي: جمع القرآن نقد الوثائق وعرض الحقائق قراءة تحليليّة جديدة، النجف الأشرف، المركز الإسلاميّ للدراسات الاستراتيجيّة.
الصغير، محمّد حسين: تاريخ القرآن، ط1، دار المؤرّخ العربيّ، 1420هـ.
عبد المحسن، عبد الراضي بن محمد، مناهج المستشرقين في ترجمة معاني القرآن.
عزوزي، حسن: آليَّات المنهج الاستشراقيّ في الدراسات الإسلاميَّة.
ــــــــــــــــ، مناهج المستشرقين البحثيَّة في دراسة القرآن الكريم.
ــــــــــــــــ، مناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم.
العظمة، عزيز: دنيا الدين في حاضر الغرب، ط1، بيروت، دار الطليعة، 1996م.
علي، جواد، تاريخ العرب في الإسلام.
عوّاد، محمود: معجم الطب النفسيّ والعقليّ، ط1، عمان، دار أسامة، 2006م.
فاغيليري، لورا فيشيا: دفاع عن الإسلام، ترجمة: منير البعلبكي، ط5، بيروت، دار العلم للملايين، 1981م.
القمي المشهدي، محمّد بن محمّد رضا: كنز الدقائق وبحر الغرائب، تحقيق: حسين درگاهي، ط1، طهران، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، 1990م.
الكوراني، علي: تدوين القرآن، ط1، دار القرآن الكريم؛ مطبعة باقري، لا ت.
لوبون، غوستاف: حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1979م.
مظاهري، محمد عامر عبد الحميد، منهج الإسقاط في الدراسات القرآنيّة المعاصرة.
نولدكه، تاريخ القرآن.
ويلز، هيربرت جورج: معالم تاريخ الإنسانيّة، ترجمة: عبد العزيز توفيق، ط4، القاهرة، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1994م.
لائحة المصادر الأجنبيّة
Encyclopedia of Islam (first edition), vol. IV.
Henry Lammens: Islam l .Beyrouth, 1934.
Mahomet, Rodinson, ed. Du Seuil, 1961.
--------------------------------
[1](*)- باحث في الدراسات القرآنية، وأستاذ في جامعة المصطفى، لبنان.
[2]- انظر: الحاجّ، نقد الخطاب الاستشراقيّ، ص165.
[3]- بلر، مصادر الإسلام بحث في مصادر عقيدة وأركان الديانة المحمّديّة، ص19.
[4]- ويلز، معالم تاريخ الإنسانيّة، ج3، ص626.
[5]- لوبون، حضارة العرب، ص111.
[6]- لقد ذهب مستشرقون كثيرون في دراساتهم إلى أنَّ القرآن الكريم هو من صنع وتأليف النّبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ أمثال: المستشرق الألمانيّ نولدكه في كتابه تاريخ القرآن، والمستشرق الألمانيّ يوليوس فلهاوزن، والمستشرق القس مونتجمري وات في كتابه حياة محمّد، وغيرهم.
[7]- ذهب جملة من المستشرقين إلى أنّ مصدر القرآن الكريم إلهيّ؛ منهم: إميل درمنغهام؛ بقوله: «كان محَمَّد، وهو البعيد عن إنشاء القرآن وتأليفه ينتظر نزول الوحي أحيانًا على غير جدوى، فيألم من ذلك، كما رأينا في فصل آخر، ويودُّ لو يأتيه المَلَكُ متواترًا» (درمنغهم، حياة محمّد، ص277). والمستشرقة لورا فيشيا، حيث تقول: «كيف يكون هذا الكتاب المعجز من عمل محَمَّد وهو العربيّ الأمِّي؟ وعلى الرّغم أنَّ محَمَّدًا دعا خصوم الإسلام إلى أن يأتوا بكتاب مثل كتابه، أو على الأقلِّ بسورةٍ من مثل سُوَره... وعلى الرّغم من أنَّ أصحاب البلاغة والبيان السّاحر كانوا غير قلائل في بلاد العرب، فإنَّ أحدًا لم يتمكَّن من أنْ يأتي بأيِّ أثر يضاهي القرآن. لقد قاتلوا النّبيّ بالأسلحة، لكنَّهم عجزوا عن مضاهاة السّموِّ القرآنيّ» (فاغيليري، دفاع عن الإسلام، ص57-58).
[8]- جولدتسيهر، مذاهب التفسير الإسلاميّ، ص4.
[9]- نولدكه، تاريخ القرآن، ص324.
[10]- السعيد، «حول دعوى بعض المستشرقين ورجاء إلى علماء المسلمين»، ص70.
[11]- انظر: الصغير، تاريخ القرآن، ص65.
[12]- القمي المشهدي، كنز الدقائق وبحر الغرائب، ج3، ص484.
[13]- لعلّ من أبرز المستشرقين الذين اعتمدوا على منهج الطّعن والتّشكيك في سلامة النّصّ القرآنيّ هم: الفرنسيّ ريجيس بلاشير في كتابه «القرآن نزوله ترجمته وتدوينه»، والمستشرق الإنجليزيّ بول في بحثه المنشور في دائرة المعارف بعنوان «تحريف القرآن»، والمستشرق الإنجليزيّ جون برتون في كتابه «جمع القرآن»، وغيرهم.
[14]- تسدال، المصادر الأصلية للقرآن، ص13.
[15]- انظر: الكوراني، تدوين القرآن، ص244.
[16]- انظر: الشهرستاني، جمع القرآن نقد الوثائق وعرض الحقائق قراءة تحليليّة جديدة، ص8.
[17]- كُثر هم المستشرقون الّذين سلّطوا الضّوء على عمليّة تدوين النّصّ القرآنيّ مشكّكين وطاعنين في تدوينه في زمن النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم). وكان من أبرزهم: المستشرق الأمريكيّ جفري في كتابه «مواد ومصادر عن تاريخيّة النّصّ القرآنيّ»، والمستشرق الفرنسيّ «بلاشير» في كتابه «مقدّمة وقرآن»، والمستشرق الألمانيّ «جانتيه» في كتابه «القرآن وتفاسير القرآن»، والمستشرق البريطانيّ «برتون» في كتابه «جمع القرآن»، وغيرهم.
[18]- الوارد في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، وقوله تعالى: (لا يأتِيهِ الباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِن خَلْفِهِ تِنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصّلت: 42).
[19]- انظر: الرومي، دراسات في علوم القرآن، ص273.
[20]- انظر: م.ن، ص97.
[21]- عزوزي، مناهج المستشرقين البحثيَّة في دراسة القرآن الكريم، ص33.
[22]- انظر: الجعفري، «العيوب المنهجيَّة في سياق الروايات الحديثيَّة عند المستشرق مونتجمري وات في كتابَيْه «محمَّد في مكَّة»، و«محمَّد في المدينة»»، ص208.
[23]- عوّاد، معجم الطب النفسيّ والعقليّ، ص67.
[24]- Encyclopedia of Islam (first edition), vol. IV, P.1071.
نقلًا عن: مظاهري، منهج الإسقاط في الدراسات القرآنيّة المعاصرة، ص20.
[25]- جولد تسيهر، مذاهب التفسير الإسلاميّ، ص4.
[26]- الخولي، عن القرآن الكريم في التنوير الإسلاميّ، ص45-46.
[27]- Mahomet, Rodinson, ed. Du Seuil, 1961, P.106.
[28]- نقلًا عن: عزوزي، مناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم، ص18.
[29]- Henry Lammens: Islam l .Beyrouth, 1934, P.60.
[30]- الرومي، دراسات في علوم القرآن، ص131.
[31]- انظر: جولدتسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ص25.
[32]- عبد المحسن، مناهج المستشرقين في ترجمة معاني القرآن، ص54.
[33]- م.ن.
[34]- انظر: عزوزي، آليَّات المنهج الاستشراقيّ في الدراسات الإسلاميَّة، ص20.
[35]- انظر: عزوزي، مناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم، ص14.
[36]- كتاب دابستاني مذاهب، وهو كتاب مجهول المؤلّف، نسبه نولدكه لمحسن فاني. يتناول الملل، والنّحل الفارسيّة، ولا سيّما في الهند، اكتشفه المستشرق وليم جونز 1787م، وقال عنه البغدادي: «دادبستان مذاهب - فارسي في المذاهب المختلفة في الهند تأليف مؤبّد شاه المهتدى صنّفه لأكبر شاه من ملوك الهند أوّلها أي نام تو سر دفتر أطفال دبستان... إلخ». (انظر: البغدادي، إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، ص442).
[37]- الجديع، المقدّمات الأساسيّة في علوم القرآن، ص182.
[38]- انظر: جولدتسيهر، مذاهب التفسير الإسلاميّ، ص73، 120، 201، 286.
[39]- انظر: عزوزي، مناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم، ص14.
[40]- الدريس، العيوب المنهجيّة في كتابات المستشرق شاخت المتعلّقة بالسنّة النبويّة، ص35.
[41]- علي، تاريخ العرب في الإسلام، ص10-11.
[42]- انظر: عزوزي، آليَّات المنهج الاستشراقيّ في الدراسات الإسلاميَّة، ص19-26.
[43]- أدونيس، الثابت والمتحوّل، ج3، ص9-10.
[44]- أبو زيد، نقد الخطاب الدينيّ، ص206.
[45]- تيزيني، النصّ القرآنيّ أمام إشكاليّة البنية والقراءة، ص171.
[46]- العظمة، دنيا الدين في حاضر الغرب، ص96.