الباحث : د. عبد الفضيل ادراوي
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 44
السنة : خريف 2025م / 1447هـ
تاريخ إضافة البحث : October / 11 / 2025
عدد زيارات البحث : 109
مُسْتَخْلَص
يروم هذا البحث الكشف عن الرّؤية الّتي تحكّمت في رحلة «على إيقاع قصيدة» للكاتب، والرّحالة الإسباني دييغو رودريغيث بارغاس، وقد بدت كتابة خطابيّة براكماتيّة ذات أطروحة معلنه تراهن على تفعيل الدّور الإنسانيّ الاجتماعيّ التّنمويّ للمثقّف، إيمانًا بمحوريّته في توجيه بوصلة السّياسة، وترشيد مساراتها، في سبيل تقريب المسافات بين الشّعوب، والأمم، ومحاصرة مغامرات صنّاع القرار، ودعاة الصّدام.
إلّا أنّ بارغاس، في دعواه، وعبر خطابه المغري، لم يكن موضوعيًّا، فقد بدا أسير مرجعيّة استعماريّة، ومستسلمًا لنسق الكتابة المتحاملة، فهيمنت أناه الاستشراقيّة في تصوير الآخر الّذي بدا موضوعًا متشيّئًا، خاضعًا لإرادة المتغلّب، ولنزعته في المسخ، والتّشويه. فلم تَرَ كتابة بارغاس بأسًا في أن تمارس دورها، ليس في النّقل، والإخبار عن عوالم الآخر المغربيّ، بل المساهمة بوعي فنّي ماكر في صناعة عوالمه، وخلقه خلقًا جديدًا يشوه صورته، ويتفنّن في جعله كائنًا مثيرًا للدّهشة، والعجب يَسرّ النّاظر الغربيّ، ويعجب قرّاءه.
الكلمات المفتاحيّة: الأطروحة، التّعايش، ترشيد السّياسة، الكتابة الاستشراقيّة، تشويه الآخر.
مقدّمة
تمثّل رحلة «على إيقاع قصيدة»[2] للكاتب الإسباني بارغاس أحدى انعطافات الكتابة الرّحليّة المعاصرة، برؤيته الجديدة في الكتابة شكلًا، ومضمونًا، وبما يسكنها من رهانات، ويوجّهها من مرامٍ. فالنّصّ يقيم تداخلًا متعدّدَ الأوجه، تتسانخ فيه الأجناس الأدبيّة، والخطابات بشكل لافت؛ كالرّحلة، والحكاية، والسّيرة، واليوميّات، والمذكّرات، والتّقرير الصّحفيّ، والتّوثيق والشّهادة، والتّاريخ والجغرافية، والصّورة الفوتوغرافيّة، والنّقد التّشكيلي، والخطاب التّربوي، والبورتريه... إلخ، عبر نسيج مختلط يصيّر الكتابة «ليست مجرّد زخارف بريئة، بل تحمل عالمًا ثانيًا من التّمثيلات، يثير على طريقته المعنى الاجتماعيّ، والتّاريخي»[3]، فتكشف بوضوح عن رغبة في التّلاقي، والتّواصل.
غير أنّ هذا الأفق من التّفكير الإنسانيّ الرّحب، والمنفتح، والمتطلّع بوعي إلى مستقبل مشرق للشّعوب، لم يفلح في التّخلّص من إرث الكتابات الاستشراقيّة التّقليديّة[4]، المحْتكمة لسنن، وأعراف المنطلقات، والمقاصد الكولونياليّة، الّتي تحكّمت فيها نزعة تفوّقيّة، قوامها التّمحور حول الذّات (Eguocentrisme)، والاستسلام لمنظور نمطيّ يستصغِر الشّعوب الأخرى[5]، بما هي «ظاهرة تثير الفضول»[6].
أوّلًا؛ الرّحلة ورهان الأفق المشترك
1. التّعايش أفقًا للتّفكير
تتشكّل البلاغة النّوعيّة لنصّ بارغاس، من رهاناته التّعبيريّة الّتي تخلق لنفسها أفقًا رحبًا من إمكانات دلاليّة، وتأويليّة مُغرية، فهو يمتدّ على جغرافيا مكانيّة تستوعب الرّقعة المغربيّة الإسبانيّة في مساحة واحدة، يأتلف عبرها المختلف، وتتفاعل فيها التّنويعات الإنسانيّة، توحّدها عناصر ثُرَّى من القيم المتأصّلة، وتجلّيّات من المشترك الإنسانيّ الخالد، رهانِ كلّ عمليّة بناء حضاريّ. يرشد النّصّ إليها بما يحفل به من أحداث، ووقائع ذات منزع التّاريخ المصغّر (Micro Histoire)[7]، الّذي يردّ الاعتبار للمعيش، واليوميّ، وللكاتب الفرد، وتفاصيل حياته، وتواصله الفعليّ[8] مع الفضاء المغربيّ.
لذا لا يتحرّج بارغاس من الإعلان عن الرّهان الإنسانيّ البراجماتيّ لكتابته، بوصفها كتابة أطروحة[9]، وبمساهمتها الواعية في البحث عن القواسم المشتركة بين الشّعوب، في أفق استثمارها لإقامة مجتمع متواصل متسالم. فالكاتب بحكم اهتماماته، وأنشطته المدنيّة الإنسانيّة بين إسبانيا، والمغرب، يؤمن بضرورة السّعي لتحقيق تلاحم بين شعبيّ الضّفّتين، لإيجاد، وتثبيت بعض من ذلك العالم الممكن المحلوم به. ذلك العالم تؤشّر عليه ذخيرة من الجمال الشّاخص أثرًا باقيًا وشاهدًا، لا تُبْليه الأيّام، ولا تُعفّيه السّنون، ولا تبدله الإكراهات السّياسيّة، والإيديولوجيّة، وغيرها. فهو وحده الّذي يمكن التّعويل عليه من أجل «بناء عالم أكثر عدلًا»[10]. لأنّه الثّابت، والمستمرّ في الزّمان، والمكان، وهو الرّهان نحو عالم «يكون فيه الإنسان إنسانًا»[11].
من هذا الجانب فإنّ الكتابة عند بارغاس تغدو رحلة أطروحة مخصوصة، قوامها السّعي نحو التّغيير، والمساهمة في البناء، وإحداث التّأثير[12]، بنزوعها المزدوج نحو الجمع بين عالمين؛ عالمِ الكائن، وعالمِ الممكن، أو عالمِ الواقع، وعالمِ المأمول، عالمِ الـ(هُنا)، وعالم الـ(هُناك). باعتماد حركة حثيثة تنطلق من الواقع، لكنّها لا تتوقّف عنده، ولا تستسلم لحدوده المرسومة، بل تسعى لتجاوزه، وتخطّيه نحو الممكن، والمحتمل، حيث يمكن أن تلتقي الإنسانيّة، وتشعر بالاطمئنان، والاستقرار، وتتحقّق لها الأحلام، والمطامح. حين يُستثمر الجمال، والسّحر المشهود، ويوظّف توظيفًا براغماتيًّا يفيد الشّعوب، ويخدمها، ويهيّئ لمشاريع إنسانيّة حضاريّة عديدة[13].
2. الرّحلة وبلاغة الاعتراف
يبدي الرّحالة شجاعة لافتة في استحضاره الفضاء المغربيّ، فيجد أنّ أولى الخطوات نحو العالم الإنسانيّ البديل المأمول، الإقرار، والاعتراف الشّجاع بآثار الجمال المغربيّ، والعربيّ، وبقدرته على الاستمرار، والصّمود باقيًا حيًّا، وشاهدًا على ذوق رفيع، وذائقة جماليّة حضاريّة كونيّة، لها سطوتها الإنسانيّة الّتي لا يمكن دفعها، أو جحودها، والّتي يمكن الاستناد إليها لتفعيلها، واستثمارها. إنّ الذّات الكاتبة تأبى إلّا أن تنطلق من اعتراف إنسانيّ حضاريّ يقرّ بحقيقة أنّ الفضاء الأندلسيّ يتضمّن من شواهد الفنّ، والعمران، ومن الآثار الثّقافيّة، والدّينيّة، ومن المعالم الثّقافيّة ما يغني عن غيره من الأدلّة، على أصالة الجمال لدى الآخر، ويغري باستثماره: «ما زالت معالم تلك الحضارة الشّرقيّة شاهدة على الذّوق الرّفيع الّذي تميّز به العرب في مجالات الفنّ، والطّبيعة. فهذا قصر الحمراء، ذو المعمار الأكثر تقليدًا في العالم، من بين المآثر الّتي تستقطب أكبر عدد من الزّوار»[14]، تنضاف إليه شهادة العرفان الجميل الّتي ينقلها عن البروفيسور أ.م. لوركا: «أن حضارة الأندلس كانت منبع الحداثة، وأوّل نهضة أوروبيّة»[15]. ما يفسّر نزوع الكاتب المعلن نحو دمج الحضارتين، وإحداث التّلاقي الحضاريّ الإنسانيّ بين الشّعوب، وبين الضّفّتين خصوصًا. فالتّلاقي مبرَّر، وحتميّ، تشهد له، وتمهّد له في الآن ذاته مظاهر من التّعايش، والانفتاح المشهودة في التّاريخ العريق. فقد عاش الأندلسيّون أعراقًا مختلفة «روم، قوط عربيون، عرب، بربر، يهود، سلافيون وموالي، مولدون ومستعربون... لكنّهم جميعًا كانوا يتعايشون باحترام متبادل لثقافاتهم المختلفة»[16].
وهذه مالقة، موطن الكاتب، والمدينة السّاحرة، وغيرها من المدن الإسبانيّة، بمآثرها، وبما يفوح في أرجائها من عبق التّاريخ الإنسانيّ المشترك، ظلّت «مثالًا للتّسامح، والتّعايش»[17]، مثلما أنّ جغرافيا الوجود العربيّ على امتداد أقطاره، تشير إلى تأثير، وتأثّر متبادلين، وإلى تحوّل عناصر الجمال المكانيّ إلى إرث مشترك بين النّاس حيثما وجدوا. الأمر الّذي يجعل من التّواصل، والتّفاهم ضرورة حضاريّة، وحقيقة تاريخيّة، وحتميّة مستشرَفة، ينبغي استثمارها لصالح رؤى جديدة من التّقارب، والتّفاهم، والتّعايش. كلّ هذا يكشف عن رؤية إنسانيّة بانية، ونهج حضاريّ مأمول في مقاربة مسألة الآخر. هذا النّهج يتطلّب جرأة للتّفعيل بديلًا عمّا انتهجه السّياسيّون، والعسكريّون. وهو الوجه الّذي يفلح الكاتب في بسط خيوطه، ويستنهض شخصيّاته الشّاهدة، مثلما يستنفر كلّ دعائمه من الذّاكرة لتحقيق هذه المهمّة الإنسانيّة، بشكل يبدي الذّات الكاتبة ساردًا حجاجيًا متبنّيًا وجهة نظر[18]. وكأنّنا به يغازل الحقيقة القرآنيّة الّتي ترسم خريطة التّعامل بين أبناء الإنسانيّة؛ (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13). حيث تغدو العلاقة الطّبيعيّة بين الإنسان، وأخيه علاقة سلم، وتعارف، من حيث هو الأصل الأوّل الّذي لا يجوز الخروج عنه إلى ضدّه (العنف/ اللَّاسلم)، إلّا في حالات نادرة وخاصّة[19]. لأنّ «الاختلاف بين البشر جنسًا، وعرقًا، وعقيدةً، ولونًا، لا يلغي حتميّة التّعارف، وحقيقة (وحدة الجنس البشريّ)» في أصل وجوده[20].
3. الرّحلة وبلاغة الاعتذار
لا يكتفي بارغاس باستحضار فضاء الضّفّة الأخرى الجميل، والحنين إلى تفاصيله، بل يجعل الحرب موضوع إدانة، ومنها جلد الذّات المستعمِرة، فحرب أنوال -كما يرى- هي إحدى الحروب الأقلّ نفعًا، والأكثر فسقًا في تاريخ إسبانيا... «جنود من شرائح المجتمع الأكثر فقرًا في البلاد، تمّت التّضحية بهم من أجل شرف، وطنيّ سخيف»[21]. وهي حرب مُدانة من الأوساط الشّعبيّة الإسبانيّة نفسها، لأنّها لم تساهم سوى في تكريس حالات الظّلم الاجتماعيّ، والفقر الّتي كانت تعيشها شريحة واسعة من المجتمع الإسبانيّ، خرجت في مظاهرات، وحركات احتجاجيّة ثوريّة اعتبرت «حربًا ضدّ حرب»[22].
بل إنّ الكاتب ينقل تساؤلات تستنكر المغامرات اللّاإنسانيّة الّتي أقدمت عليها السّلطات الإسبانيّة: «فما الّذي كنّا نهدف إليه من استعمار الرّيف ... أهو تعزية أنفسنا بضياع آخر المستعمرات منّا سنة 1898م. أم إشباع الأطماع الماليّة لبعض السّياسيّين؟ أم مجرّد إرضاء طموحات شخصيّة لشرذمة من العسكر..؟؟»[23].
و«يسجّل الكاتب بنبرة حادّة، رفضه السّلوك المتهوّر للفعل الاستعماريّ الّذي أقدمت عليه الطّغمة الحاكمة باحتلالها المغرب، وأوهامها في البحث عن تحقيق أحلام إمبراطوريّة توسّعيّة استعماريّة لا مبرّر لها»[24]. بل إنّ الحرب، والاحتلال سببه مغامرة النّخبة السّياسيّة العسكريّة، وانفرادها بقرار الزجّّ بالإسبان في الحرب المكلفة: «لم تحظ حرب المغرب بالشّعبيّة في إسبانيا، ولم تكن الرّوح الوطنيّة بمفردها كافية»[25]، لذا تعالت الهتافات داخل الكنغرس: «لا حرب، لا أساطيل... نريد زادًا ومدارس»[26].
ويصوّر بشكل دراميّ الخسائر البشريّة المؤلمة الّتي جرتها الحرب على المجتمع الإسبانيّ، مُبديًا تعاطفه الإنسانيّ مع أصحاب الأرض، وبخاصّة المقاتلين الّذين شوَّه المستعمِر صورتَهم، وقدّمها للشّعب الإسبانيّ: «حرب أنوال صفحة سوداء، كان بائعو الجرائد ينادون بأسماء الموتى في الشّوارع طالبين الثّأر من المتوحّشين (برابرة الرّيف)، الّذين رسمتهم المخيّلة بالدّمويّين، والسّاديّين عديمي الرّحمة: بينما كل ّما فعلوه كان هو القتال دفاعًا عن النّفس»[27].
هكذا يستثمر الكاتب معرفته الطّويلة بالفضاء المغربيّ، وبمكوّناته المختلفة، فيعتمده منطلقًا، وأساسًا لبناء تصوّره الحضاريّ القائم على الاعتراف بالآخر، والإقرار بأحقيّته في الحياة، والوجود. لذلك فهو لا يتردّد في نقد السّياسة الخاطئة الّتي تنهجها السّلطة الرّسميّة المركزيّة في التّعامل مع الشّعوب، ومع إنسان الضّفّة الأخرى، هذه السّياسة، لا تخرج عن النّهج الاستعماريّ السّابق، الّذي أنتج صورًا من المعاناة، والفشل، وولّد مشاعر العداء، والتّنافر. لأنّها سياسة قائمة على التّفاوت، وأحاديّة المنظور. وجب توقّفها، والقضاء عليها، وإلّا فإنّ الفقر، والمعاناة، والمآسي ستتفاقم، وهذا ما يبيّنه الأب خوان: «ستبقى إفريقيا بؤرة لعدم الاستقرار الاجتماعيّ، والسّياسيّ، والاقتصاديّ إلى أن تصبح التّنمية شمال-جنوب واقعًا ملموسًا»[28].
3. سعادة الفعل بديل البكائيّة
في هذا السّياق تنزع الذّات الكاتبة نحو التّأسيس لواقع حضاريّ جديد يحافظ على الموروث الجماليّ، والإنسانيّ المشترك، ويعترف بقيمته الكونيّة الحضاريّة، لأنّها باقية، وما تزال فاعلة، ومؤثّرة في النّاس، فتستحضر مبادرات مدنيّة رائدة، بدأت العمل منذ التّسعينيّات بهدف رفع المعاناة، وإعطاء جواب شموليّ لظاهرة الهجرة نحو إسبانيا، عبر «تطوير عمليّات تساعد المهاجرين على إيجاد عمل يحفظ كرامتهم، فوضعت برامج توعية لسّكان مالقة الّذين يمثّلون طرفًا أساسًا في عمليّة الإدماج هذه»[29]، عبر القيام بحملات تحسيسيّة للتّعاطف، والتّوعية ضدّ العنصريّة، وكره الآخر داخل محيط العمل، والدّراسة.
يقول الأب خوان بابلو، هو أحد العاملين في السّاحة التّنمويّة: «لقد عرفت السّعادة عندما اكتشفت معنى المساعدة الحقيقيّة، فكانت هذه هي طريقتي الخاصّة لاعتناق الدّين من جديد -إذا جاز التّعبير- كنت أقول من قبل إنّ الفقراء هم إخوتي... لم يكن ذلك صحيحًا»[30].
بل إنّه يعتبر نفسه مسؤولًا عن ظاهرة الهجرة، ومآسيها، بوصفها ظاهرة ملحّة، ومخزية للإنسان أكثر من الفقر. فواجب الإنسانيّة الحقّة يقتضي منع ظاهرة الفقر، والعمل الجادّ عبر كلّ الوسائل، والسّبل المتاحة من أجل اجتثاث أصول المشكلة، ومسبّباتها، وتجفيف منابعها، وليس الانتظار حتّى تستفحل الظّاهرة، وتنتشر، وتنتج العدد الهائل من الضحايا الّذين يضطرّون للهجرة، فنعاملهم بمنطق الأخوة. فهذا عمل إنسانيّ هو من صميم مسؤوليّة المثقّفين، أو المبدعين، وكلّ الفاعلين، لكنّهم قبل ذلك معنيّون بالنّظر في الأسباب، والحيثيّات، لأنّهم يتولّون مهمّة قيادة الآخرين بشكل، أو بآخر إلى حياة أفضل[31].
ثانيًا؛ الرّحلة من سعة التّعايش إلى ضيق التّعالي الإمبرياليّ
تعلن الرّحلة سعيها الواعي نحو التّأسيس لعالَم إنسانيّ يُعترف فيه بقيمة الإنسان، بعيدًا من المنظورات التّصنيفيّة المغرضة. لذا وجدنا جرأة نادرة في انتقاد مغامرات النّخبة السّياسيّة، والعسكريّة، وما اقترفته بحقّ الآخر، وما راكمه ذلك من مشاعر عداء، وكراهيّة. لكن الكاتب، وهو يدافع عن أطروحته الحضاريّة هذه، لم يستطع أن يتخلّص من ضيق الانتماء للكتابة الاستشراقيّة المتحاملة، وسلطتها في توجيه الرّؤية نحو أنانيّة مفرطة، مشبَعة بمشاعر التّعالي، واحتقار الآخر.
4. التّراث الإسبانيّ النّفيس والمغربيّ المُفَرِّط
في سياق نقد الكاتب السّلطة الرّسميّة، وفشلها في اقتراح حلول لواقع المعاناة، وظاهرة الهجرة، وآثارها، يورد شهادات تشكّل تجسيدًا عمليًّا لرؤيته الحضاريّة البراغماتيّة. فيحدثنا عن كتاب كان يؤلّفه حول مركز الدّراسات المغربيّة في تطوان. «تلك المدرسة الّتي أسّستها السّلطات الإسبانيّة سنة 1947م، بهدف تعليم التّرجمة التّحريريّة، والفوريّة من العربيّة، والأمازيغيّة، إلى الإسبانيّة، والّتي لم يعد لها وجود الآن»[32].
وهو كما يبدو سرد استرجاعيّ لا يخلو من نبرة للكتابة الكولونياليّة، المُحْتكِمة إلى منطق الهيمنة الإمبرياليّة، والمكرّسة للغرب بوصفه: «الأصل المركزيّ الحواضري»[33] الّذي يمارس وظيفَته من حيث هو «إحالة مرجعيّة»[34]. فالاستطراد بجملة (والّتي لم يعد لها وجود الآن)، توحي بنوع من التّقريع، والتّوبيخ للآخر، ولومه بوصفه المفرّط في الإرث، والمسؤول عن التّضييع، مثلما يوحي السّرد التّوصيفي التّعريفي بأهمّيّة المستعمِر، وفاعليّته، وبامتلاكه الرّؤية الاستباقيّة، والمشاريع الإنسانيّة ذات البعد المستقبليّ. من دون استحضار إمكان الاستعاضة عنها بمشاريع ربما أهمّ، وأنفع، وبعيدًا من منطق الخضوع للمهيمن.
هذا الاسترجاع المنحاز يدعمه حديث الكاتب عن السّينما بمدينة النّاظور، الّتي دشّنتها السّلطات الإسبانيّة سنة 1951م، وتمثّل تحفة، أو قطعة متحف بالنّسبة لتاريخ المدينة، إلّا أنّها لم تحظ بأيّ عناية، أو تطوير؛ «خلال زيارتي للنّاظور في يونيو سنة 2004م، ذهبت إلى سينما الرّيف، وأدركت بأنّها كما قد وصفت لي تمامًا، لم يحدث أيّ تغيير فيها، أو ترميم لما يربو على الأربعين عامًا»[35]. ولا يخفى أنّ هذه الصور المرجعيّة لا تخلو من نفحة استعلاء استشراقيّ، لكونها تسهم في إظهار الرّحالة الزّائر، مثقّفًا، وذا حسّ فنيّ متأصّل، فهو يتفقّد مؤسّسة فنّيّة هي السّينما، أنشأها المستعمر الإسبانيّ، منذ ما يزيد على أربعين سنة، ولم تُعَرْ أيّ اهتمام، ولم تحظ بأيّ تطوير، ما يشير الى غياب روح المسؤوليّة الثّقافيّة، والفنّيّة لدى الإنسان المحلّيّ، سواء أكان مسؤولًا من أصحاب القرار، والمعنيّين بتطوير الحياة الثّقافيّة الفنّيّة، وتوفير المؤسّسات، ووضع المخطّطات، أم كان من الجمهور المستهدف بالأنشطة، فكلاهما مهمل، وغير مهتمّ بالمجال الفّنّيّ، والسّينمائيّ. فالكاتب يجتهد في رصد كلّ ما يثير الانتباه، ويبعث على الاستغراب من الإنسان المغربيّ الّذي يبدو كائنًا بشريًّا من الدّرجة الثّانية. الأمر الّذي يجعله مدعاة للسّخريّة، والتّندر من لدن الآخر (المتحضّر)، وهذا ما من شأنه أن يثير لدى المتلقّي الغربيّ انفعالات الكره، والاستصغار اتّجاه هذا الجنس عن طريق مراكمة هذه الأوصاف السّلبيّة[36].
وبالمقابل، يبدو الكاتب صاحب ذائقة فنّيّة، وصاحب اهتمامات تاريخيّة، يعتبر المؤسسة المفرّط فيها تحفة فنّيّة، وتاريخيّة تستوجب العناية، والاهتمام. مثلما يبدو صاحب مشاعر جيّاشة، ينوب عن الإنسان المحلّيّ (الخامل والمفرِّط) في إبداء التّأثّر، والتّحسّر على تراث نفيس ضاع، وتمّ التّفريط فيه. فهو بديل عن الذّائقة الفنّيّة المحلّيّة (الميّتة)، بذائقته الفنّيّة الحيّة، والمتيقظّة، والمهمومة.
5. المستعمِر ونور المدنية
يستدعي الكاتب مرويات تُجلي دور الإسبان المشرّع لمظاهر التّمدّن، ولأنوار الحضارة المادّيّة الحديثة في المغرب، فعبر تلخيص مضامين شريط وثائقي عن فترة الحماية، يسجّل باعتزاز فضل الإسبان على شمال المغرب، حيث وجدوا عند وصولهم «مدنًا بلا كهرباء، ولا ماء صالح للشّرب، تنعدم فيها مجاري المياه، ولم يكن فيها أيّ وجود للخدمات الصّحّيّة، فأقاموا مصلحة للرّعاية الصّحيّة إضافة إلى شبكة للماء الصّالح للشّرب، وأخرى للمياه الصّحّيّة، أمّا في مجال التّعليم فتمّ فرض منهج يجمع بين البيداغوجيّة الإسبانيّة المتّبعة آنذاك، ومنهج تعليم القرآن»[37].
ولعلّها مسرودات تستعاد بغائيّة مدروسة، تكشف عن واقعيّة أحاديّة المنزع، فهي توظّف المرجعيّ، لكن عبر تسريد موجَّه؛ ينظر من جانب واحد، وبعين منتقية، ومتحيّزة، تضفي على الأنا (الإسباني المستعمِر) هالة من الإجلال الّذي يوجبه سياق السّرد، لأنّه يبدو مصدرًا مطلقًا للخير، والنّماء، والنّفع العميم. أمّا هذا الآخر (المغربيّ)، فتتوارى صورته نحو الخلف، وتبهت ملامحه الإنسانيّة، والحضاريّة، ليبدو كائنًا قاصرًا، مطوّقًا بسمات الكسل، والخمول، عاجزًا عن الفعل، محتاجًا إلى كلّ شيء، وجوده متوقّف على تدخّل من يساعده، ويشفق لحاله، ويَهُبّ لنجدته، على نفس نهج الرّحلات الكولونياليّة الّتي يعمد أصحابها إلى مراكمة توصيفات، وتبئير لقطات سرديّة تلصق سمة الكسل، ليس فقط بالمواطن العادي، أو البسيط، وإنّما تطال على حدّ سواء المسؤولين، وجهاز السّلطة، أو المخزن: «لا مبالاة، وخمول المخزن... وحدها الأخبار تنتقل بسرعة، فالكلّ متفرّغ، ومنشغل بنقل الأخبار، وتناقلها»[38]، فـ«تظهر المقارنة بشكل سافر بين المغربيّ، والأوروبيّ، أو على الأصحّ بين الشّرقيّ، والغربيّ [...]، وتنكشف صورة المغربيّ الكسول بواسطة وحدات معجميّة ذات حقل دلاليّ موحّد يدلّ على السّكون، والجمود»[39].
وهنا تغدو الحاجة ملحّة للمساعد، والمنقذ، الوافد (الإسبانيّ)، الّذي تستحضره الذّاكرة الواصفة، مجلّلًا بسمات فحولة مقنّعة، حيث يبدو قادرًا على أن يوفّر الحاجيّات، وضروريّات الحياة. مثلما يبدو كائنًا خيِّرًا، لا يرجى منه إلّا النّفع، والصّلاح، ولا يحيط به سلب، أو تحدوه مصلحة خاصّة، فلا يعقل اتّهامه بِشَرٍّ، أو مَفْسدة. ومن ثمّة تغدو الصّورة المستعادة شاهدًا يبرّر فعل الحماية المفروضة على المغرب (وهي في حقيقتها أحد مرادفات الاستعمار). وتصبح الكتابة الاستعاديّة منخرطة في بناء إيديولوجيا الذّات الكاتبة الّتي تتوسّل بـ«مزيج من خلط الوقائع بالمتخيّلات»[40].
المستعمر منشط التّجارة
وفي السياق ذاته، يبئر الكاتب إنجازات وازنة تسهم في ترجيح كفّة المستعمر، وتبديه قوّة فاعلة إيجابيّة، تؤمن بالجمال، وتسعى إليه، وتساهم في مشاريع التّحديث، والتّحضر؛ «إنّ الإسبان عندما دخلوا تطوان، أوجدوا مستقرًّا للتّجارة خارج المدينة القديمة، وأنشأوا ساحة إسبانيا الجميلة (شارع محمد الخامس)، على النّسق الكولونياليّ، وكانت المنازل، والحياة العامّة يعكسان ذوقًا بورجوازيًا رفيعًا». فلا يخفى المنزع الاستعلائيّ للصّورة، حيث يخضع السّرد لمنظور هوياتي مطْمئِن لإنجازات المستعمِر، ويجعل الفضاء واقعًا تحت رحمة (ذوق بورجوازي رفيع-ساحة جميلة)، فهي إنجازات مغرية، من فضائل المستعمر، وأنعمه على الآخر. بل إنّ الكاتب يجتهد في تحسين صورة الأنا الجمعيّ، فيبيّن أنّ الإسبان قد نجحوا في جعل العلاقات بين النّاس ممتازة، وسيادة الاحترام بين الثّقافتين. بعد حملة التّهدئة الّتي فرضها الجنرال بريمودي ريفيرا بمساعدة الفرنسيّين، بعد انتصاره على زعيم المقاومة محمّد بن عبد الكريم الخطابي. وكان الأخير قد هزم القوّات الإسبانيّة في معركة أنوال بعد أن نجح في جمع القبائل البربريّة المتفرّقة حوله، وإنشاء جمهوريّة الرّيف المستقلّة، ... إلى أن هزمه الإسبان في معركة الحسيمة[41].
فالخطاب ذو نفحة استعلائيّة جلّيّة، يسير على هدي الكتابات الكولونياليّة الّتي تجعل الآخر مجرّد تابع، ومتلّقٍّ، يفتقد للأهليّة، والكفاءة، في حين أنّ الغربيّ هو الّذي يأخذ بيده، ويدلّه على سبل الحياة الطّبيعيّة. فالإسبانيّ يمتلك القوّة الّتي يستطيع بها أن ينتصر، وينتقم لهزيمةٍ قد تكون عابرة، وعرضيّة، والقبائل البربريّة هي الّتي تنسب إليها صفات الفُرقة، والتّشتّت، ما يعني أنّها تحتاج إلى جامع يلمّ شعثها، ويوحّدها، وبغياب الزّعم الخطابيّ، يكون المستعمر هو من ينوب عنه، ويكمل دوره.
ومن تجلّيات التّمحور حول الذّات في الصّورة، جعل الهدوء، والاستقرار نتيجة تعاون بين الجنرال بريمو دي ريفيرا، وبين الفرنسيّين، ونفي أيّ دور لقادة جبهات المواجهة، وزعماء القبائل، وتغييبهم عن المشهد بشكل تامّ[42]. الأمر الّذي يشير إلى كون التّهدئة مفروضة بتعاون بين القوّتين الفرنسيّة، والإسبانيّة. وهو خطاب ترهيبي يستعيد منطق الحرب، والقوةّ الاستعماريّ. مثلما أنّه خطاب ينزع نحو إجلال الأنا الاستعماري بسمات من الخير، والسّلام، فتضحى بموجبها الأنا مقبولة، ومرحبًا به، بل وتغدو حاجة حضاريّة، ومطلبًا إنسانيًّا ملحًّا. ما دامت مصدرًا للنّفع، والخير العميم.
6. الإسباني ترياق العلل
يركّز الكاتب على نوادر، وذكريات طريفة لا تخرج عن تحكّمات المِيت الاستعماري، حيث الآخر/ المغربي، أو الشّرقيّ عمومًا، الخاضع للحماية، دائمًا في قبضة صورة دونيّة، وكونه فضاءً خصبًا للتّندر، والطّرافة، والفكاهة، والغرائبيّة... فمن خلال محكي صديقه الكاتب باكو زوج ضوري (Dorry) نجده يستمع الى وصف دقيق لـ(صيدليّة إسبانيا)، حيث تُعطَى شخصيّة الصّيدليّ فرانسيسكو بوينو، دورًا يفوق دور الطّبيب، فهو ذو معرفة طبّيّة خارقة تجعله «يعالج كلّ أنواع العلل عندما يلجأ إليه الأهالي»[43]. والمغاربة الّذين لا يستطيعون دفع ثمن أحد الأدوية يجدون في صيدليّة إسبانيا المعاملة الحسنة، والكرم الكبير. لم يكن فقط يعفي من دفع الأدوية هؤلاء الّذين يبدو عليهم العوز، بل إنّه كان يمدّهم بالنّقود لشراء تذكرة، إذا لزم الأمر ركوب حافلة العودة إلى المنزل[44].
فيبدو الإسباني من خلال هذا التّصوير أبًا عطوفًا، وصديقًا حميمًا، ذا قلب رحيم بالمغاربة، يرق لحالهم، ويمدّ لهم يد العون، والمساعدة. بل إنّ مُسمَّى (صيدلية إسبانيا) يتضمّن قدرًا كبيرًا من الإيحاء بنسبة التّطبيب، والعلاج لهذا البلد، ويلقي بظلاله على كلّ الفضاء الّذي يغدو محصّنًا من الأمراض في ظلّ وجود هذه الصّيدليّة الّتي تتّخذ اسمًا عامًّا، وممتدًّا، له أبعاده السّياقيّة المرتبطة بالاستماع لعلل النّاس، وأوجاعهم: كما أنّ التّركيز على شخصيّة فرانسيسكو، ودوره الإنسانيّ، يمثّل دعاية متحيّزة لنموذج بشريّ يريد له شيطان السّرد أن يبدو نموذجًا يقتدى به في صفات الخير، والمساعدة، والأخذ بأيدي المحتاجين، والضّعفاء.
7. المغربيّ وقدر التّسلية والهزل
ومن ذاكرة مشاهدات، ومرويّات الكاتب، يبدو إنسان الضّفّة الأخرى موضوعًا للتّندّر، والتفكّه، حسبُه أن يُستدعى للضّحك، والتّعجيب، والتّرفيه، وإثارة الدّهشة: «في بعض الأمسيات كنّا نحن الفتيات الإسبانيّات لا نكاد نخرج للنّزهة، حتّى يقرب منا بعض الصّبية المغاربة، وببراعة مذهلة، يقرصون أجسادنا، ذلك أنّنا كنا نرتدي ثيابًا أقلّ حشمة من المسلمات»[45]. إنّ النّصّ يركّز على نقل النّوادر الّتي تبدي المغربيّ متخلّفًا عن ركب التّحضّر، ومندهشًا، ومتعجّبًا من ظهور المرأة الأجنبيّة على صورة غير مألوفة محلّيًّا. فشيطنة الصّبية، وأفعالهم الغريبة اتّجاه الفتيات الإسبانيّات المتجوّلات على الكورنيش، تجعلهم في حاجة إلى الاحتكاك بالآخر، والاطّلاع على عاداته، وتقاليده، وأعرافه، ونمط العيش لديه، لينضج، ولا يبقى مجرّد متطفّل يعكّر مزاج الأجنبيّ المتجوّل على جنبات الكورنيتش، مستمتعًا ملتمسًا الاستقرار، والرّاحة.
4-1- منطق الأكل أوّلًا
بمكر فني مكشوف، وباستعلاء إمبريالي معهود في الكتابة الكولونياليّة التّقليديّة، تستدعى مرويّات شفهيّة عديدة تجمع على استهداف الآخر المغربيّ، وإخضاعه لمنطق التّفكّه، والتّندّر الاستشراقيّ، وموضعته تحت وطأة مرويّات تبديه كائنًا مثيرًا للسّخريّة، والضّحك: «خلال حفل زفاف ديني لزواج صديقة لي، أدرك بعض المدعوّين أنّهم نسوا إحضار بعض الأرز لرشق العريسين به عند خروجهما من الكنيسة، فطلبوا من أحد الخدم أن يذهب إلى المنزل ويحضره. ولكن ذلك الرّجل المسكين أحضر لهم طبقًا كبيرًا من الأرز باللّبن، ظنًّا منه أنّهم كانوا يريدونه للأكل، وهو ما أحدث حالًا من الهلع بين الحاضرين»[46].
تكشف الصّورة عن تقابل غير متكافئ بين الإسبانيّ، والمغربيّ، فالأوّل الوافد المستعمِر، يبدو في أجواء احتفاليّة، محافظًا على طقوس المناسبة، وأدبيّاتها، يمارس ثقافته الخاصّة، بمباركة الكنيسة، وبرعايتها، بينما يبدو المغربيّ حاضرًا باحتشام، فهو في موقع الخادم المأمور، لا حول له، ولا قوّة، (الرّجل المسكين)، يجهل أدبيّات المناسبة، ويفتقد للحسّ الجماليّ الاحتفاليّ، غاية وأفق تفكيره المأكل، والمشرب (أحضر لهم طبقًا كبيرًا من الأرزّ واللّبن). بل إنّه بتصرّفاته الغريبة المدهشة، يبدو مزعجًا للأجواء الاحتفاليّة، محدثًا (حالًا من الهلع). وهذا لعمري أحد ثوابت الكتابة الاستعماريّة المتواترة عن شعوب ما وراء البحار. يبدو المغربيّ يتصرّف بمنطق الجائع المحتاج إلى الأكل بوصفه أولويّة من أولوياته الخاصّة، جاهلًا، وغافلًا عن أدبيّات مناسبات الاحتفال. ما يكشف بجلاء عن «تمركزيّة أوروبيّة لا رادع لها، ولا هوادة فيها»[47]. هكذا يبدو الزّواج لدى الوافد الإسبانيّ، زواجًا طبيعيًّا، ومعتادًا، لا يتضمّن ما يستدعي الغرابة، أو العجب، يتمّ في أجواء احتفاليّة لها جلالها، ومهابتها، تباركه الكنيسة، وتضفي عليه روحانيّة خاصّة. ويتمّ بين عريسين متوافقين لا يبدو عليهما، ولا على مراسيم احتفالهما، الأمر الّذي يخالف المعتاد، مع حضور جمهور من المتفاعلين يكلّل أجواء البهجة برشّ العريسين بالأرز عند خروجهما.
4–2- الزّواج العجيب
على نقيض التّصوير السّابق، عندما يتعلّق الأمر بالزّواج المغربيّ، تستسلم الكتابة لمنطق التّعالي، وتهيمن على الصّورة سمات المركزيّة الإثنيّة. فهو يطرح مبدئيًّا تفوَّق تقاليد بلده، ويرفض كلّ إسهام خارجيّ، فلا يلتفت إلى الأجنبيّ إلّا من أجل تحقيره، أو الاستهزاء به[48]، فيتمّ التّركيز على حالات زواج شاذّة، وغريبة. «لفت انتباهي حالات زواج مراهقات مغربيات برجال كبار السّنّ، كانوا في بعض الحالات يتجاوزون السّبعين من العمر، وبما أنّه كان من الصّعب على هؤلاء معاشرتهن في هذه السّنّ المتقدّمة، فإنّ الزّوجات الشّابات كُنّ يلجأن لصيدلية إسبانيا، لعلهنّ يجدن دواء بمقدوره أن يمنح الأزواج قليلًا من «الفورصة»...![49]. فها هو المغربيّ مرّة أخرى يُصوَّر من منظور الكائن الغريب، المقدم على زواج غريب غير منطقي، ولا معقول، يجمع بين زوجين متباعدي السّنّ تباعدًا كليًّا (الشّابّات، والمراهقات ≠ الرّجال كبار السّنّ)، بفارق يجعل الزّوجات في موقع الضّحيّة الّتي تستدعي الشّفقة، والتّعاطف. الأمر الّذي يجعل الحاجة ملحّة، وضرورة إلى التماس المساعدة لإمكان المعاشرة، فيكون الإسبانيّ هو الحلّ، باللّجوء إلى صيدليّة إسبانيا ترياق كلّ العلل، والأمراض. وهو الأمر الّذي يزكّي مرّة أخرى صورة الإسبانيّ النّموذج، والمعيار، لأنّه هو المعالج، وهو الملجأ لحلّ المشاكل، وإيجاد (الفورصة).
4-3- أعناق مشرئبّة للفنّ
من صور السّرد المتحامل، المستسلم لنزعة تهوين، واستصغار الآخر، إظهار الإنسان المحلّيّ، ابن الرّيف، في صورة شبه كاريكاتيريّة، فهو أحوج ما يكون إلى فنّ السّينما الجديد، يحدوه الشّوق المفرط، واللّهفة لمتابعة الأفلام المعروضة، بغضّ النّظر عن قيمتها الفنّيّة، أو توافقها مع طبيعة الفضاء، والمتلقّي. فبتأمّل هذه الصّورة الّتي يستدعي لها السّارد الرّحالة شاهدين من بني جلدته، وهما خوان، وصديقه إيزابيل الّذي كان يعمل محاسبًا بسينما الرّيف: «إنّ الأفلام المفضلة كانت أفلام رعاة البقر، والكاراتيه، إلى أن أتى الفرنسيّون ببريجيت باردو متصدّرة الإعلانات الحائطية، بدون أيّ رقابة، فطالت طوابير الحصول على التّذاكر، لأنّ مفاتن نجمة الإغراء الشّقراء كانت أكثر استحسانًا من بطولات الكوبُوي، أو مهارات بروسلي في فنّ الكاراتيه... ما زال يتذّكر أنّ الفيلم الّذي لقي إقبالًا غير مسبوق من قبل الجمهور، هو فلم (أرض الفراعنة)، ربّما بسبب قرب المكان الّذي فيه أحداث الفيلم. في أحد المناسبات بلغت كتلة المتجمهرين أمام سينما الرّيف كثافة عالية بحيث مكّنت الّذين كانوا في آخر الطّابور من المشي على رؤوس الّذين كانوا في مقدّمته»[50]. فيظهر بجلاء نزوع الصّورة العنيف نحو تثبيت حال الفقر الفنّيّ، وإظهار النّاس في حال من الحاجة، والانبهار، أمام الصّورة، وتقنيّات الحركة الّتي تقدّمها السّينما عبر أفلامها المختارة بعناية[51]. فالصّورة ذات نفحة رمزيّة ساخرة، تظهر النّاس أمام فتح عظيم، جاءت به السّينما، ومن خلفها المستعمر، لأبناء الوطن، الّذين يقصدون السّينما بأعداد غفيرة، ويندهشون لكلّ ما يعرض أمامهم، لا يملكون وعيًا، ولا حرّيّة اختيار، ينساقون مع أفلام الحركة، والمغامرة، الّتي تعرضها الذّائقة الإسبانيّة، وينساقون بعدها مشدوهين اتّجاه مفاتن الممثّلة الشّقراء الّتي تركّز عليها لوحات الإعلانات الّتي تروّج لها الذّائقة الفرنسيّة. فالمغربي إذًا كائن سلبّي لا حول له ولا قوّة، وهو بمنزلة الإناء الفارغ، وفي موقع التّابع، والمفعول به، الّذي يسهل التّلاعب بعواطفه، ومشاعره، ومن اليسير تشكيل ذائقته الفنّيّة، وَسَوْقِها في أيّ اتّجاه يراد له.
وغنيّ عن البيان أنّ التّركيز على انتقاء الكاتب نوعًا خاصًّا من المادّة السّينمائيّة المعروضة، وتركيزه على أفلام رعاة البقر لا يخرج عن الرّؤية الذّاتيّة المسكونة بروح التّفوّق لدى الغرب عمومًا، ولا يكاد يفلت من المنظور الاستعلائيّ النّازع نحو ترسيخ صورة نمطيّة للإنسان الغربي، المنطلق بكلّ قواه العسكريّة، والاقتصاديّة، والبدنيّة، والفكريّة الثّقافيّة، والخياليّة الإبداعيّة، الّتي لا تحدّها حدود، ولا توقفها عراقيل، ولا قوى أخرى في العالم. نزعة فردانيّة أنانيّة تشعر بالتّفوّق، والقدرة على إخضاع الآخر، والسّيطرة عليه، والاستعداد للإطاحة به، وهزيمته. فهي أفلام حجاجيّة بامتياز. والكاتب حينما يستعيدها من بين ذكريات سرديّاته، فهو يبقى أمينًا لانتسابه الاستشراقيّ المتعالي، وسجين هذا النّزوع الغربيّ نحو ترسيخ فكرة الإنسان القويّ، والمذهل، والبراغماتيّ، المؤمن بالنّفعيّة، وبالمصلحة المادّيّة، وبالرّبح، وبتحصيل الفائدة. بل إنّه مستعدّ للقتل، والإبادة، وقادر على فعل أيّ شيء، لأنّه يمتلك المعدّات، والقدرات الذّاتيّة، والخارجيّة الموضوعيّة. وفي هذا بلا شكّ نزوع إقناعيّ حجاجيّ، غايته توليد مشاعر، وانفعالات الخوف، والاندهاش في محضر هذا القويّ الخارق. فلا مجال للآخر سوى التّسليم، والخضوع للأمر الواقع.
فالصّورة ذات قدر شيطانيّ من التّحامل المستصغِر للشّعوب، لا تكاد تفلت من ترديد الصّورة النّمطيّة الّتي يبدئ، ويعيد تكريرها المتفوّق الغربيّ، في مقابل المغربيّ الرّيفيّ الجاهل، والمتخلّف، والمكبوت. بل إنّ التّسمية لا تخلو من دلالات موحية، وموجّهة، حيث تنسب السّينما للرّيف (سينما الرّيف)، بما تحيل عليه صور الفّنّ الهزيل القائم على ذائقة الحركة، والمتعة الجسديّة. وعندما يتعلّق الأمر بالقضايا الثّقافيّة المهمّة، تنسب التّسمية للإسباني (صيدليّة إسبانيّ) (مدرسة بلانيس).
8. آفة المخدّرات ومسؤوليّة المغرب
السّرد عن آفة المخدّرات، ورصد حركة المتاجرة فيها، وترويجها بين إسبانيا، والمغرب، لا يخلو من تحامل استشراقيّ هو الآخر، حيث تلصق تهمة الانحراف، والمسؤوليّة عن مثل هذه الآفات المجتمعيّة بالآخر المغربيّ، فذاكرة الكاتب، وعينه الواصفة تلتقطان بانحياز بيّن تفاصيل دقيقة عن مصير أحد مدمني المخدّرات بشوارع إسبانيا، وهو شاب انقطع عن الدّراسة مبكرًا، ولجأ إلى الشّارع، بسبب معاشرة الكبار، وعدم الوعي بعواقب، وخطورة التّدخين، والإدمان. ويستطرد الكاتب معرّفًا المخدّرات، وتاريخها، وزراعتها، وانتشارها بين الشّعوب، «عرف الصّينيون الماريوانا منذ الألف الثّالث قبل الميلاد، وكانوا يستعملونها بوصفها أعشابًا طبّيّةً... لكن انتشارها، واستعمالها بشكل كبير يعود للعرب»[52]. فرغم أنّ المخدّرات آفة عالميّة، وتعاطيها بصور مختلفة، ممتدّ في التّاريخ البشريّ، بمستويات، ونسب مختلفة، إلّا أنّ نزعة الكاتب المنحازة تجعله يُجْمِل التّاريخ، ويَختصر الأحداث فينسب انتشارها، واستعمالها المَرَضيّ للعرب. فيصبح هؤلاء مصدر هذه الآفات، ومنطلقها، ويغدو تبعًا لذلك الإنسان الغربيّ في موقع الضّحّيّة، والمستهدف بها.
ويحمّل الكاتب مسؤوليّة إنتاج هذه المخدّرات للمغرب، واستهداف الإسبان باستهلاكها: «في هذه السّنة ينتظر أن يحطّم المغرب رقمًا قياسيًّا جديدًا في إنتاج الحشيش، وأن تحطّم إسبانيا رقمًا قياسيًّا جديدًا في استهلاكه»[53]. فيظهر المغرب في وضعيّة من يبحث عن حلول لأزمات النّاس الاقتصاديّة على حساب إسبانيا. فالمخدّرات بوصفها «مشكلة عويصة تترتّب عليها عواقب وخيمة جدًّا بالنّسبة لمجتمعنا، تمثّل حلًّا بالنّسبة لـ800 ألف عائلة مغربيّة تعيش على زراعة القنب، على مساحة تبلغ 250 ألف هكتار في جبال الرّيف بنسبة 2.7 في المائة من مجموع سكّان البلاد، ويبلغ الدّخل السّنويّ لكلّ عائلة 2000 يورو، وحجم المعاملات 10000 مليون يورو»[54].
لذلك تغدو إسبانيا هي الملاذ، حيث يحاول سكّان الضّفّة الأخرى -الّذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و50 سنة- الهروب من واقع اجتماعيّ لا يوفّر لهم أدنى فرص العمل. فإذا كانوا من أسر متواضعة، تملك قطعة أرض صغيرة، فإنّهم يبيعونها لدفع تكاليف سفر أحد أبنائهم نحو مصير مجهول، على متن أحد قوارب الموت، إلى بلد يمكنه الحصول على مدخول لإنقاذ عائلته من الفقر[55]. فالكاتب يبدو خبيرًا في الشّأن الاجتماعيّ المغربيّ، و«ممّن يحيطون بالأوضاع العامّة، ويضعون خارطة الطّريق أمام صنّاع القرار، ويرسمون المعالم الكبرى لمنفذّي المشروع الإمبرياليّ»[56]. فهو يرسم المشهد القاتم، ويقدّم الصّورة المظلمة عن الآخَر، الّذي يغدو مثيرًا للشّفقة، والرّحمة، ومحتاجًا للمساعدة، والتّدارك الفوري. وتزداد الصّورة قتامةً بالتّركيز على واقع العشرات من القاصرين الّذين تؤويهم دور الرّعاية الاجتماعيّة بمالقة، الّذين يتعاقبون أفواجًا عبر قوارب الموت، بحثًا عن ملاذ أفضل، يحقّق لهم بعضًا من الكرامة المفتقدة. وهنا تبرز مراكز الرّعاية الإسبانيّة هي المحتضن، وهي الملجأ الإنسانيّ الآمن، رغم اليقين بأنّهم لن يستقرّوا بها، فهم «يستخدمون مرورهم، من أجل استعادة بعض القوّة... وبعد ذلك يهربون لمتابعة مسيرتهم نحو أماكن أخرى»[57]. فيبدو هؤلاء المهاجرون، في موقف الانتهازيّ، ومتصيّد الفرص الّذي لا يعترف، ولا يخلص للمدينة، ولا لمؤسّساتها الّتي احتضنته، وما أسدته له من فضل، ويتحيّنون الفرص من أجل الهرب نحو مدن أخرى. فهم باحثون عن مصالحهم، ولا تربطهم بالوطن المضيف رابطة.
9. المغربيّ وقدر التّمييز بين مستعمِرين
رغم تصريح الكاتب برغبته في التّأسيس لحال من الانفتاح، والتّعايش بين الشّعوب، وبما يردّ الاعتبار للأطراف الّتي لحقها التّهميش، والظّلم بسبب توجّهات النّخب السّياسيّة، والعسكريّة، إلّا أنّ الكتابة لم تستطِع أن تخفيَ تحمّسها نحو تشكيل صورة عن الإسبانيّ، المستسلم لمنطق التّصوير المتمحور حول الذّات[58]. فهو ذو صورة مثاليّة، تحوطه الجلال، والمهابة، فيستحقّ الاحترام، والتّقدير، لأنّه غالبًا مصدر العطاء، والمبادرة، ومساعدة الآخرين. في مقابل الآخر المغربيّ المحتاج، والمتوقّف على من يهتمّ بشؤونه، ولو كانت السّلطة الاستعماريّة «أدرك الشّعب المغربيّ بأنّ منطقة الحماية الإسبانيّة كانت تعامل من طرف حكومتنا، وكأنّها إقليم من الأقاليم الإسبانيّة، إذ كانت الميزانيّة المخصّصة لها تعادل ميزانيّة إقليميّ الأندلس». ولذلك لا غرو أن يبدو المغربيّ متعايشًا مع هذا الإسبانيّ (المحترم)؛ «كنّا نحن العساكر، نتمتّع بالاحترام من قبل المغاربة»[59].
وتتكفّل الكتابة الاستعاديّة الانتقائيّة بتبئير صورة مثاليّة عن التّعايش السّلميّ القائم على المحبّة، والتّقدير، والاحترام، تُستبعد معها، وتورّى إلى حين صور منطقيّة محتملة من المواجهة، والعداء، «إلّا أنّ الكره الّذي كان يكنّه المغاربة للفرنسيّين في المناطق الّتي كانت خاضعة لسيطرة هؤلاء، ظهر على شكل مقاومة دامية خلال مرحلة الانتقال نحو الاستقلال. أمّا في منطقة الحماية الإسبانيّة، فإنّ هذا التّحوّل سار بطريقة سلميّة»[60]، تكشف هذه الصّورة الجزئيّة عن انتمائها لمنطق الكتابة المتعالية، أو المستعمِر الّذي تجلّله سمات الصّلاح، والخير، فتجعله مؤهّلًا ليحظى بالمقبوليّة، وتقدير، ورضى الآخرين، وتحصّنه من خطر الاستهداف بمشاعر الكره، والانتقام الدّمويّ[61] الّذي خصّ به المستعمر الفرنسيّ (المكروه) دون المستعمر الإسباني (المحترَم).
10. المكان وقدر التّوصيف السّاخر
تتّخذ الكتابة المتحيّزة شكل التّوصيف السّاخر للمكان، وللنّاس، فهاذا بارغاس في زيارة له لتطوان الحديثة، عضوًا ضمن لجنة للتّعاون الثّقافيّ، يبدي شعوره بمظاهر من الغرابة، والاندهاش: «كلّما توغلنا داخل منطقة الرّيف، ازداد إحساسي بالعودة إلى طفولتي. أنواع السّيّارات الّتي كنّا نلتقي بها في طريقنا: شاحنات، سيارات، حافلات نقل الرّكاب... كلّها، تقريبًا، كبيرة الحجم، وقديمة جدًّا. لذا كانت حافلتنا تبدو كأنّها قادمة من كوكب آخر، بين بحر من سيّارات ميرسيديس الزّرقاء من عقد الخمسينيّات الّتي تقوم بدور سيّارات أجرة جماعيّة، نوع من مايكرو باس صغير»[62].
فنلاحظ أنّ هذا السّرد التّوصيفيّ الاستعاديّ، ينطلق من تفاصيل الواقع، ومعطيات المُشاهَد العينيّ، إلّا أنّه ينخرط في نظم الرّؤية السّرديّة المنحازة، باعتماد انتقائيّة تقوم على المبالغة، والتّعميم الواعي (كلّها تقريبًا ... قديمة جدًّا)، مثلما تقوم على صيغة مجازيّة مُعوَّمة (بحر من سيّارات ميرسيديس الزّرقاء)، تجعل الفضاء العامّ غارقًا في عتاقة، وصور من الماضويّة، والتّقليديّة البئيسة، وغيرها من الملامح المساهمة في تسييج فضاء الآخر بسمات التّخلّف، والبدائيّة، تستدعي الشّفقة، وتقصي كلّ مظاهر التّحضّر، أو التّطوّر الأخرى الممكنة، والموجودة حتمًا، بمنطق المشاهدة المنصفة. يتمّ ذلك وفق رؤية تصويريّة انتقائيّة أحاديّة، تلتفت إلى الخلف (الخمسينيات). وفي الوقت نفسه لا يفرط هذا التّصوير الاستعاديّ في الحفاظ على الصّورة النّموذجيّة للإسبانيّ، امتثالًا لأُصول التّصوير المتمحور حول الذّات (كانت شاحنتنا تبدو كأنّها قادمة من كوكب آخر). ما يشعر بفارق كبير بين الأنا الزّائر (الإسباني)، وبين الآخر المحلّيّ المَزُور (فضاء الرّيف)، وهو فارق يؤشّر عليه في سياق الوصف، بالمسافة الفارقة ما بين الرّجل الرّاشد، وطفولته، وما يرافق ذلك من ظلال، ومعان تستوعب في حدّها الأوّل الكبَر، والنّضج، والرّجولة، وفي حدّها الثّاني ما يحيل إلى الصّغر، والحاجة إلى التّعهّد، والتّرشيد، والمتابعة الدّقيقة، والخضوع ... إلخ.
11. ميث الفقر والخمول
على النّهج نفسه يراكم بارغاس مشاهداته، وموصوفاته المستعادة عن المغرب منظورًا إليه دومًا كقطعة من الشّرق، ليس بما هو حقيقة جغرافيّة، بل بما هو مفهوم يمثّل الآخر البعيد، والغريب، والأجنبيّ، وبوصفه ذلك المغاير/ الآخر الشّرقيّ، الّذي ترى الذّات الكاتبة أنّه مخالف لها، أو مختلف عنها، وهو ذاك الّذي تقضي الذّات بمخالفته لها، وتحكم باختلافه عنها في نظم الحياة كلّها، في العادات، والتّقاليد، والأذواق، واللّسان، والدّين...[63]. إنّ بارغاس يصوّر لحظات من الإحساس الجميل الّتي انتابته متجوّلًا بمدينة تطوان، ومارًّا بين بعض شوارعها، وممرّات الرّاجلين الفسيحة، فيتأمّل بناياتها البيض الجميلة الّتي حافظت بشكل دقيق على الانسجام بين طرازين جماليّين متناقضين؛ «إسبانيّ أصليّ، وعربيّ كلاسيكيّ»[64]. هذه المناظر الجميلة المشبعة بعتاقة التّاريخ، وبحمولاتها الثّقافيّة، والإنسانيّة، والمحيلة إلى الماضي الخالد، والشّاهدة على ثقافة، وهُوّيّة محلّيّة خاصّة، غمرت الكاتب بكثير من مشاعر الاندهاش، والانفعال الإيجابيّ. إلّا أنّ أجواء التّصوير لا تخلو من مظاهر السّرد المنحاز، فيتمّ اختزال المشهد في صور من الرّوتين، والسّكون المملّ: «الرّجال يتجوّلون من مكان لآخر، وكأنّهم يبحثون عن شيء يمكنهم من كسر الرّوتين اليوميّ المضجر. الكلّ في حركة دائبة إلّا أولئك الّذين اتّخذوا لهم مكانًا في المقاهي، فقد كانوا يجلسون أمام كأس شاي، وهم ينظرون إلى الشّارع متأمّلين منظر المارّة الفريد. أناس كثيرون، شاي كثير... ومحلّات تجاريّة فارغة، حيث لا أحد يشتري، لأنّهم ليسوا بحاجة إلى الكثير، ولأنّه لا يمكن شراء شيء بلا مال»[65]. فتغدو شاعريّة الفضاء المدهش أسيرة رؤية تنزع بنعومة نحو التّشويه، والاستصغار، وترسيخ مِيث، والخمول، والتّخلّف، بوصفها من ثوابت الكتابة الاستشراقيّة التّقليديّة، لتحشره في عوالم من الضّجر، والرّوتينيّة القاتلة، الّتي يعيشها النّاس، والّتي تتسلّل إلى القارئ، فتشعره بسكون مملّ، وبمظاهر من الجمود، والسّلبيّة؛ (محلّات تجاريّة فارغة)، وناس حسبهم الجلوس بالمقاهي أمام كؤوس الشّاي، والتّفرّج على المارّة بالشّارع، يفتقرون للحماس، والمبادرة، مطامحهم محدودة، أو منعدمة، يتعايشون مع الفقر، والحاجة،(لا أحد يشتري) لأنّهم بلا مال (لا يمكن شراء شيء بلا مال).
هذه الحال المريرة يسخّر لها الكاتب المهاجرة المغربية (مليكة) شاهدًا سرديًّا، فقد آثرت أن تستقرّ مع ابنها عمر بمالقة، بديلًا عن المغرب، رغم أنّ زوجها تركها، وعاد إلى فاس. «إنّها تعلم أنّ المستقبل الّذي ينتظر عمر في المغرب سيكون التّسوّل...بلا شكّ. وعليه، فإنّ العودة إلى بلادها أمر غير وارد»[66]. فشبح الفقر، والبطالة، والتّسوّل، وآفات أخرى، هي الصّورة السّوداء الّتي تجثم على وعيها، والّتي تفلح عين الكاتب المنتقية في تبئيرها، لتغدو عنوانا عامًّا عن حالات سخط، ويأس، وهروب، وتناسٍ متعمّد، تلصق بالمكان (المغرب)، فيحصل الاقتناع بحتميّة البحث عن بديل، وقبله يحصل التّفّهم المُبَرّر لحال اليقين، وصوابيّة الموقف الّذي اتّخذته الشّخصيّة. إنّه خطاب -كما يبدو- يتماهى مع الخطابات الكولونياليّة الّتي كتبت عن المغرب، والشّرق، فنظرت إلى الفضاء، وناسه بوصفه بلدًا متخلّفًا، يعوزه الإصلاح، والتّحضّر الّذي لن يتمّ إلّا على يد قوّة استعماريّة أوروبيّة، وذلك انسجامًا مع خلفيّة إيديولوجيّة موجّهة لنظرة الكاتب، كغيره من الكتّاب، والرّحالة الكولونياليّين، أبعدتهم من الحياد، والموضوعيّة[67].
خاتمة
محصول القول، إنّ هذه الرّحلة المابعد كولونيالية بدت كتابة خطابيّة براكماتية أكثر منها جماليّة إمتاعيّة، فقد انتصرت للدّعوى، أو للأطروحة، بدل الامتثال لمتطلّبات التّصوير الفنّيّ الجماليّ، فهي تراهن على تثبيت منظور ثقافيّ قوامه تفعيل الدّور الإنسانيّ الاجتماعيّ التّنمويّ للمثقّف، إيمانا بمحوريّته في توجيه بوصلة السّياسة، وترشيد مساراتها، في سبيل تقريب المسافات بين الشّعوب، والأمم، ومحاصرة مغامرات العسكريّين، وأخطاء المسؤولين دعاة الصّدام. فالنّصّ في أحد جوانبه تجسيد لما دعا إليه أدونيس: «قولوا لأحلامكم أن تأخذ مكان النّجوم -وتتدلّى- قولوا لأفكاركم أن تأخذ مكان الشّجر وتتأصّل»[68].
إلّا أنّ بارغاس، في دعواه، وعبر خطابه التّعايشيّ، والإنسانيّ، لم يكن موضوعيًا، ولا وفيًا لمنطلقاته المعلنة، فقد بدا أسيرًا لمرجعيّته الاستعماريّة، ومستسلمًا لنسق الكتابة المتحاملة، إذ هيمنت أناه الاستشراقيّة في تصوير الآخر الّذي بدا موضوعا متشيّئًا، متصرَّفًا في تفاصيله، خاضعًا لإرادة المتغلّب، ولنزعته في المسخ، والتّشويه. فلم تَرَ كتابة بارغاس، والحال هذه بأسًا في أن تمارس دورها، ليس في نقل عوالم الآخر، بقدر ما آثرت أن تجتهد في صناعة عوالمه، والعمل على خلقه خلقًا جديدًا يَسرّ النّاظر الغربيّ، ويعجب قرّاءه.
لائحة المصادر والمراجع
أوّلًا- المصادر
القرآن الكريم (برواية ورش)
بارغاس، دييغو رودريغيث، على إيقاع قصيدة، (مالقة، تطوان، الناظور)، ترجمة: نعيمة إلهامي، مالقة، 2005م.
ثانيًا- المراجع
- المراجع العربية
إبراهيم، عبد الله، موسوعة السرد العربي، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، ط1، 2016م.
تروتسكي، ليون، الثورة الإسبانية (1931-1939م)، ترجمة: علي الشهابي، منشورات دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سوريا، 1992م.
جبرا، جبرا إبراهيم، السفينة، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، ط5، 2008م.
جماعة مؤلفين، الرسائل المغربية، (عشرون كاتبًا عربيًّا يروون مدن المغرب وطيفًا من وقائعه)، إشراف: سامي كليب وفيصل جلول، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2019م.
دوفوكو، شارل، التعرف على المغرب، ترجمة: المختار بلعربي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط1، 1999م.
ذاكر، عبد النبي، الصورة، الأنا، الآخر، منشورات الزمن، الرباط، العدد 43، أكتوبر 2014م.
ـــــــــــــــــ، المغرب وأوروبا نظرات متقاطعة، منشورات جامعة ابن زهر، أكادير، ط.2، 2007م.
ريشي، إيتيان، رحلة في أسرار بلاد المغرب، ترجمة: بوشعيب الساوري، إفريقيا الشرق، البيضاء، 2016م.
الزاهي، فريد، الصورة والآخر، رهانات الجسد واللغة والاختلاف، أكادير، ط1، 2013م.
سعيد، إدوارد، الاستشراق (المفاهيم الغربية للشرق)، ترجمة: محمد عدناني، رؤية للتوزيع والنشر، 2006م.
ـــــــــــــــــــ، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كما أبو ديب، دار الآداب، بيروت، ط4، 2014م.
سويل، توماس، المثقفون والمجتمع (أنماط المثقفين العامة وأثرها في حياة الشعوب)، ترجمة: عثمان الجبالي المثلوثي، كتاب العربية، ط1، 2011م.
العروي، عبد الله، الإيديولوجيا العربية المعاصرة، ترجمة: محمد عيتاني، دار الحقيقة، بيروت، 1981م، كلية الآداب ابن زهر ، أكادير، 2020م.
العلوي، سعيد بن سعيد، أوروبا في مرآة الرحلة: صورة الآخر في أدب الرحلة الغربية المعاصرة؛ مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 1995م.
غويتيسولو، خوان، في الاستشراق الإسباني (دراسات فكرية)، ترجمة: كاظم جهاد، نشر الفنك، المغرب، 1997م.
لوكليرك، جيل، من موكادور إلى بسكرة رحلات داخل المغرب والجزائر، ترجمة وتقديم: بوشعيب الساوري، منشورات الجمل، ط1، 2016م.
ماتيو، جاك روجيه، مذكرات عبد الكريم، ترجمة: إسماعيل العثماني، دار الأمان، الرباط، ط1، 2021م.
محمد، أنقار، بناء الصورة في الرواية الاستعمارية، صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدريسي، تطوان، ط1، 1994م.
محمد، برادة، الضوء الهارب، منشورات الفنك، ط2، 1995م.
ويليك، رينيه؛ وارين، أوستن، نظرية الأدب، ترجمة: محي الدين صبحي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1981م.
يشوتي، رشيد، إسبانيا والريف والشريف محمد أمزيان، مساهمة في دراسة العلاقات المغربية الإسبانية في بداية القرن العشرين، منشورات جامعة محمد الخامس، الرباط، ط1، (د.ت).
المراجع الأجنبية
Alain Rabatel, Argumenter en racontant, éditions De Boecker Université, 2004.
-Jaques Revel, Jeux d’èchelles, La micro-histoire à l’expérience, Gualimare/ Seuil, 1996.
Henri Mitterand, Le discours du roman, Puf, 1980.
Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, Armand Colin, Paris 2010.
Susan Rubin Suleiman, Le Roman à Thèse, Puf, Paris, 1983.
ثالثًا- المجلات
مجلة البصائر، العدد 34، س 15، 2014م.
--------------------------------------------
[1](*)- أستاذ النقد والبلاغة وتحليل الخطاب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان/ المغرب.
[2]- بارغاس، دييغو رودريغيث، -على إيقاع قصيدة، (مالقة، تطوان، الناظور).
[3]- Henri Mitterand, Le discours du roman, Puf, 1980. P.238
[4]- يحدد إدوارد سعيد بعض أهم ملامح الاستشراق التقليدي من قبيل أن: «العلاقة بين الغرب والشرق علاقة قوة، وسيطرة ودرجات متفاوتة من الهيمنة المركبة..، بحيث تكون للغرب اليد العليا في كل علاقة منها...».
سعيد، إدوارد، الاستشراق (المفاهيم الغربية للشرق)، ص47-49.
[5]- هذا المنظور الذي يبدو من خلاله المهتمون بالشعوب الشرقية «يلقون على الواقع المحلي نظرة أنانية ويسقطون في أفضل الأحوال في فخ الغرائبية التي لا تستبعد بطبيعة الحال الشعور بنوع من التفوق المتغطرس».
غويتيسولو، خوان، في الاستشراق الإسباني؛ دراسات فكرية، ص233.
[6]- بتعبير المستشرق مكسيم رودنسون، ينظر: العروي، عبد الله، الإيديولوجيا العربية المعاصرة، (المقدمة).
[7]- Jaques Revel, Jeux d’èchelles, La micro-histoire à l’expérience, Gualimare/ Seuil, 1996.
[8]- بالنظر إلى أن الذات المتكلمة والساردة في النص هي أيضًا الذات الشاهدة التي جالت على امتداد الفضاء المرتحل إليه.
[9]- Susan Rubin Suleiman, Le Roman à Thèse, Puf, Paris, 1983.
[10]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص103.
[11]- م.ن، ص107.
[12]- Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, Armand Colin, Paris 2010.
[13]- يجسد الكاتب بهذا رهانًا تواصليًّا إيجابيًّا في مقاربة مسألة الأنا والآخر، على عكس الرّهان المتوجّس الّذي تحكم في بعض الكتابات، ونستحضر في هذا المقام رواية (السّفينة) لجبرا إبراهيم جبرا، الّتي تخوض هي الأخرى في العلاقة الإشكاليّة بين العالمين العربيّ والغربيّ. مع فارق أنّها تحاول أن تصوّر كون اللّقاء بين الفضاءين شبه مستحيل، وبعيد التّحقّق فوق حيّز جغرافيّ محدّد. ممّا يجعل منظور جبرا للآخر مصوَّرًا بطريقة فنية مختلفة تمامًا عن نظرة بارغاس. ينظر: جبرا، جبرا إبراهيم، السفينة.
[14]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص19.
[15]- م.ن، ص19.
[16]- م.ن، ص19.
[17]- م.ن، ص21.
[18]- Alain Rabatel, Argumentater en racontant, éditions De Boecker Université, 2004.
[19]- العوام، الشيخ فيصل، الأنا والآخر: المنطق القرآني في التعامل مع الآخر، مجلة البصائر، ص65.
[20]- العنكي، الشيخ عباس، المجتمعات؛ الأنا والآخر: المنطق القرآني في التعامل مع الآخر، م.س، ص69.
[21]- على إيقاع قصيدة، م.س، 40-41.
[22]- ليون تروتسكي الثورة الإسبانية (1931-1939م)، ص59.
[23]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص40.
[24]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص41.
[25]- يتماهى رأي الكاتب في هذا السياق مع كثير من المواقف التي عارضت الحرب؛ «حيث خرج الناس لإسماع أصواتهم احتجاجًا على نزول الكوارث بهم والتي اهتمت بها الفئات الشعبية التي تذمرت من الوجود غير المنطقي لأبناء الشعب الإسباني في المغرب».
تنظر تفاصيل ذلك في الفصل السادس من كتاب: إسبانيا والريف والشريف محمد أمزيان، مساهمة في دراسة العلاقات المغربية الإسبانية في بداية القرن العشرين، رشيد يشوتي، ص284-302.
[26]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص39.
[27]- م.ن، ص39-40.
[28]- على إيقاع قصيدة، م.س، 84-85.
[29]- م.ن، ص82.
[30]- م.ن، ص82.
[31]- سويل، توماس، المثقفون والمجتمع (أنماط المثقفين العامة وأثرها في حياة الشعوب)، ص179.
[32]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص85.
[33]- الثقافة والإمبريالية، م.س، ص18.
[34]- م.ن، ص132.
[35]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص47.
[36]- الزاهي، فريد، الصورة والآخر، رهانات الجسد واللغة والاختلاف، ص74.
[37]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص36.
[38]- ريشي، إيتيان، رحلة في أسرار بلاد المغرب، ص117.
[39]- المغرب وأوروبا نظرات متقاطعة، ع النبي ذاكر، ص129.
[40]- إبراهيم، عبد الله، موسوعة السرد العربي، ج7، ص199.
[41]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص36.
[42]- تتحدث مذكرات عبد الكريم عن دور قادة المقاومة وزعماء القبائل بشمال المغرب، وما كان لهم من دور فاعل في توجيه المعارك واختيار لحظات التهدئة أو المواجهة: «تمكنا من إخماد النار نوعا ما وفرض راحة دائمة على القبائل».
ينظر: مذكرات عبد الكريم، تحبير جاك روجيه ماتيو، ص88.
[43]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص47.
[44]- م.ن، ص47-48.
[45]- م.ن، ص48.
[46]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص48.
[47]- الثقافة والإمبريالية، م.س، ص162.
[48]- الصورة... الأنا، الآخر، م.س، ص100.
[49]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص48.
[50]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص48.
[51]- بنفس النبرة النمطية والاحكام المسبقة ذات النفحة العنصرية التي تم ترسيخها عبر قرون من الدعاية المغرضة والمواقف العدائية ضد الشعوب الشرقية والعربية المسلمة، كما يبين ذلك ويلخصه المقطع الحواري التالي:
- حدثني عن طباع «المورو» المغربيّ وشخصيته...
- هو دائم الارتياب من المسيحيين لا يفصح عن مشاعره ولا ينخرط في شيء أبدًا.
- وما الفرق بين مورو الريف ومورو المدينة؟
الريفي نقيض المدنيّ، تجده في شجار دائم مع جيرانه الذين يسرقون غالبًا ماشيته، بل حتى نساءه وبناته.
- وما الصفة الأساسية للمغربيّ؟
- تعصبه الدينيّ، وإن كان أغلب المغاربة لا يطبقون تعاليم القرآن، ويواصلون الادعاء باتباعهم إياه...
نقلًا عن: خوان غويتيسولو، في الاستشراق الإسباني، ص233.
[52]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص92.
[53]- م.ن، ص64.
[54]- م.ن، ص65.
[55]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص69-70.
[56]- بن عمر، محمد ناجي، مرايا العتمة، مدخل إلى السوسيولوجيا الاستعمارية بالمغرب، ص3.
[57]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص61.
[58]- ما عبر عنه محمد أنقار بالتصوير المختل، وهو التصوير الذي يقوم على تحيز ما في الكتابة السردية، والتضحية بمقتضيات السياق الجمالي لصالح الرؤية الإيديولوجية المسبقة.
ينظر: بناء الصورة في الرواية الاستعمارية، صورة المغرب في الرواية الإسبانية، ص187.
[59]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص34.
[60]- م.ن، ص32.
[61]- وهذا على عكس ما تذكره بعض الوثائق التي تؤرخ للمرحلة، يقول عبد الكريم الخطابي مثلًا: «كنا قد عشنا أنا والأخ بين ظهراني الإسبان مدة عشر سنوات... إن الكلمات لتعجز عن وصف القساوة غير المسبوقة التي عاملوا بها سكاننا: ويضيف:
...أجل! أراك تحدق إليّ لأني أثرت قساوة الإسبان. لعلك تستحضر ما كتبته جميع الجرائد، وما كتبته أنت بلا شك. أليس كذلك؟ إذن ما عليك إلا أن تحدق في تلك الصور. شاهد تلك الرؤوس المقطوعة، شاهد تلك العيون المفقوءة! لاحظ انتشاء أولئك الجنود الإسبان المحيطين بتلك الأشياء البئيسة! ثم أجبني: هل يليق ذلك بدولة متحضرة؟».
ينظر: مذكرات عبد الكريم، تحبير: جاك روجيه ماتيو، ص448-449.
وحول نفس الموضوع يسائل عبد الكريم مُحاوِرَه عن حالة العداء لدى المحتل الإسباني: «لماذا كل هذه الشرور؟ هذه القساوة، هذه الوحشية وهذا التعصب من جانب إسبانيا؟» المذكرات، ص57.
[62]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص89
بل إن المذكرات تتحدث بصريح اللفظ فن مشاعر الكراهية تجاه المستعمر الإسباني: «إن نفوذهم في الريف بدأ يتهاوى... ومشاعر الكراهية حيالهم تتعاظم يومًا عن يوم». مذكرات عبد الكريم، ص50.
[63]- العلوي، سعيد بن سعيد، أوروبا في مرآة الرحلة: صورة الآخر في أدب الرحلة الغربية المعاصرة، ص11.
[64]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص89.
[65]- م.ن، ص89.
[66]- على إيقاع قصيدة، م.س، ص80.
[67]- لوكليرك، جيل، من موكادور إلى بسكرة رحلات داخل المغرب والجزائر، ص8.
[68]- جماعة مؤلفين، الرسائل المغربية، (عشرون كاتبًا عربيًّا يروون مدن المغرب وطيفًا من وقائعه)، ص87-88.