البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نقد مقدمات الأب لامنس النقدية لكتاب السيرة النبوية

الباحث :  حسن بزاينية
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2017م / 1438هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 16 / 2017
عدد زيارات البحث :  5108
تحميل  ( 361.092 KB )
مُلخَّص البحث:
هنري لامنس (ت. 1937 [Henri Lammens])، راهب يسوعي بلجيكي، التحق مبكِّرا بالكلية اليسوعية ببيروت، ثم أصبح بها مدرِسا... فأمضى جلّ حياته بلبنان إلى أن توفي. وقد كان ناشطا في مجال التبشير، فأشرف على مجلة المشرق بعد لويس شيخو، وقد كتب في هذه المجلة مقالاتٍ عدّة ذات مقاصد تبشيرية دينية (كانت تُترجم عن الفرنسية). وللامنس كُتب كثيرة تتعلّق بنشأة الإسلام والخلافة الأموية، سنهتم منها بكتابين في السيرة النبوية هما: فاطمة وبنات محمّد، مقدمات نقدية لدراسة السيرة (1912) وكتاب: الإسلام، عقائده ونُظُمه (1926)([1]).

تأثر لامنس بمؤلّفات المستشرق الإيطالي ليوني كايتاني (Léone Caetani)، صاحب حوليات الإسلام (1905-1907) في نقده للوثائق الإسلامية المتأخرة، لكنّه تجاوزه في اطّراح المرويات المتعلِقة بالعهد المكي (ما عدا القرآن)، وأجحف في نقد الأخبار الإسلامية عن السّيرة، فلم ير فيها سوى ركام من الروايات الدّائرة بتأويل الإشارات القرآنية إلى حياة النبي، ركام من "غريب" الأخبار التمجيدية أثّر فيها التراث المسيحي واليهودي، وخضعت لهوى العصبيات الحاكمة.... ولعلّ هذا الإجحاف هو الذي جعل مستشرِقين مُنصِفين من أمثال منتغمري واط يعتبر نقد لامنس التّاريخي "متطرِّفا"([2]).
إنّ لامنس لم يطلب التّاريخ لذاته في دراسته لسيرة النبي محمّد، بل مزج بحثه بمقاصد تبشيرية صريحة وخفية، ولم يكن نقدُه سوى تفنيدٍ للمرويات التمجيدية عن رسول الإسلام، وهكذا يُمكن عدّ لامنس نموذجا سيئا للاستشراق الكلاسيكي، ونحن لا نقصد في هذا البحث إلى مجادلة الأب لامنس فيما كتب منذ قرن من الزّمن فذلك عقيم، وإنّما نريد أن نفحص عن أمر آرائه فحصا علميا لنُظهر قطاع العصبية والهوى الديني في كتابته عن نبي الإسلام حتى نُسهم في تعديل النظرة الغربية إلى العرب والمسلمين، وتبديد الصورة السوداء عن الإسلام ونبيه، تلك الصورة التي أسهم في تشكيلها هو وبعضُ المستشرقين والمُبشرين خلال النصف الأول من القرن العشرين. ونعتقد أن سبيل التعارف بين الشعوب يبدأ بإزالة "الألغام" الثقافية، ثم السعي إلى تعايش يقبل الاختلاف ويقرظه.

كلمات مفاتيح: سيرة نبوية- لامنس- استشراق- فاطمة بنت محمّد
نقد مُقدِّمات الأب لامنس النقدية لكتابة السّيرة النبوية:
تنبيه: أشرنا في متن البحث، في مواضع كثيرة إلى كِتابيْ لامنس فاطمة والإسلام (بالفرنسية) إشاراتٍ مختصَرة بـف وإس عريضتين، وبإزائهما أثبتنا رقم الصفحة في الكتاب، فمثلا (ف: 11) تُحيل على الصفحة 11 من كتاب فاطمة، و(إس: 33-34) تُشير إلى الصفحتيْن 34-35 من كتاب الإسلام، وقد فعلنا ذلك لكثرة الإحالة عليهما في كامل البحث.

مقدّمة
"حاكي الكُفر ليس بكافر"، ابن واصل الحموي، تجريد الأغاني
ساهم الاستشراق البلجيكي في إغناء البحث في التراث العربي والفكر الإسلامي، وقد أنجبت المدرسة البلجيكية أعلاما كشوفان ([ت. 1913] Victor Chauvin,) مُؤلِف البِبليوغرافيا الشّهيرة حول المصنفات العربية التي نُشِرت بأوروبا في القرنِ التاسعَ عشرَ([3]). وأثار كتاب هنري بيران ([ت. 1935] Henri Pirenne) محمّد وشارلمان (Mahomet et Charlemagne) جدلا واسعا في أوساط العلماء حول أطروحته التي تربط بين بداية العصر الوسيط بأوروبا والفتوحات الإسلامية، إذ يذهب إلى أنّ إمبراطورية شارلمان بأوروبا ما كانت لتظهرَ لولا الإسلام الذي أحدث -حسَب رأيه قطيعة- بين الشّرق والغرب، فانكفأت أوروبا على نفسها تتابع نسقها الحضاري القديم...
لكن هناك علَم من بلجيكا ملأ الدنيا وشغل المثقّفين غربا وشرقا بآرائه في الثّلث الأوّل من القرن العشرين، وهو الأب اليسوعي هنري لامنس، إذ كان من أغزر المستشرقين تأليفا (185 مقال وكتاب بالفرنسية، و127 بالعربية)، وقد دارت أبحاثه بالسّيرة النبوية وتصدى لها في فصول كتبه العديدة من دون أن يخُصّها بكتاب مُفرَدٍ. وسنسعى في هذا البحث إلى الإحاطة بجامِع آرائه في نشأة الإسلام وفي مُؤسِسه على حدّ عبارته، مُعتمِدين خاصّة على كتابه فاطمة وبنات محمّد، مقدّمات نقدية لدراسة السيرة (1912) وكتاب الإسلام، عقائده ومؤسّساته (1926)([4]).

ولن يستقيم لنا أن نفهمَ آراء لامنس وخلفياتها الفكرية، ومرجعياته الدينية... من دون أن ننظرَ في سيرة الرجل الشخصية والعلمية، إذ تُنير كثيرا من مقاصد كتابته في تاريخ الإسلام. وقد ارتأينا أن نعرِض عرضا موجَزا لصورة نبي الإسلام لدى المسيحيين والمستشرقين السّابقين حتى نتبيّنَ مكانة آراء لامنس في نسق الكتابة المسيحية والاستشراقية عن محمّد. فما هي مقاصدُ الأب لامنس من تدبّر قضايا السّيرة النبوية، وهل أتى بما لم يأت به أسلافُه مِمّن كتب عن نشأة الإسلام؟

1. لامنس: سيرة وصورة:
لا تُفيد الترجمة التقليدية للامنس في مثل هذه الأعمال العِلمية، إذ يُظفَرُ بترجماته في مظانّها، في الموسوعات التي اهتمت بالمُستشرِقين وفي غيرها. إنّ ما يعنينا من سيرة لامنس هو المُؤثِّرات التي طبعت فكره وآراءه التّاريخية، والمحاضن التي اكتنفت كتابته عن الإسلام ونبيّه...
هنري لامنس (Henri Lammens, [1862-1937])، راهب يسوعي وُلِد بجاند (Gand) ببلجيكا، وتوفي ببيروت، التي ارتحل إليها في شرخ شبابه، وبها تعلّم في الكليّة اليسوعية، وبجامعة القديس يوسف، وعاش حياة الرهبنة في كنف الآباء اليسوعيين بجبل لبنان. ثمّ ارتحل للتدريس بإنقلترة، وفيينا، وروما... حيث اضطلع بالتعليم بمعهد الكتاب المُقدس (1910-1914). وانتهى به ترحاله إلى الاستقرار بجامعة القديس يوسف، مُدرِّسا ومُبشِّرا. وقد أشرف على مجلّة البشير، التي يدُل اسمها على وظيفتها الدينية، ولمّا توفي الأب لويس شيخو (1927) خلفه على إدارة جريدة المشرق التي كان يُصدرها الآباء اليسوعيون ببيروت...([5]).
وهكذا تُبيّن هذه اللّمحة من ترجمة لامنس أنّ الرّجلَ كان شديدَ الصّلة بالمُؤسسة الدينية المسيحية، بل منخرِطا في التبشير. وهذه المحاضن الدينية لا يُمكن في غالب الأحيان أن تُنتِجَ عِلما خالِصا من تأثير العقيدة، إذ ترجم جماعة دَيْر كْلُونِي في القرن الثّاني عشر الرّسالة التي تُنسب إلى عبد المسيح بن إسحاق الكندي([6])، وتُصوِّر النبيّ "عاشِقا" للنّساء و"قاتِلا"([7]). وقد ظلّت «حُجج الرسالة تظهر فتُعيد الظهور على هيئات مختلفة، في كثير من الأعمال المسيحيّة»([8]).
أمّا امتزاج وظيفة المُستشِرِق بوظيفة المُبشِّر فقد أدّى الكاتب الإنجليزي وليام مُويِر ([ت. 1905] William Muir) الذّي كان ناشطا في مجال التبشير بالهند، إلى تأليف حياة محمّد استِجابة لطلب أحد المُبشِّرين، فأرسخ في هذه السيرة التُّهم المسيحية القديمة المنسوبة إلى نبيّ الإسلام، وبخاصة تُهمتا السيف (العُنف)، والرُّخَصُ الجنسية([9]). وكثيرا ما يقترن اسم مُوير باسم لامنس في ردود المُجادلين العرب المُحدَثين، بوصفهما أبرزَ المُتحامِلين على النبيّ([10]).

وأغلب الظنّ أنّ المنزع الدّيني التبشيري هو الذي جعل أساطين المُستشرِقين يرمُون منهج لامنس في نقد الوثائق الإسلامية المُتأخرة بـ"التطرف". وتزداد حُجية نقد الغربيين لنقد لامنس إذا صدر عن علماء راسِخين في المعرفة بتراث الإسلام من أمثال ثيودور نولدكه (Th. Nöldeke) صاحب تاريخ القرآن، وشفالي (Friedrich Schwally) الذي عدّل كتاب نولدكه، وقد قال فيه: «يسلك الباحث الناشئ هنري لامنس (Henri Lammens) أكثر المسالك تطرُفا في هذا الميدان [نقد الروايات]. وهو يتّبع مَثَل كِتاني وغولدتسيهر»([11]). وهذه المآخذ عينها عابها ماكسيم رودنسن، ومنتغمري واط على لامنس، ولنا عَوْد في متن العمل إلى هذا.
ولا تختلِف مآخذ الكُتاب العرب على لامنس كثيرا عن مآخذ الكُتاب الغربيين، إذ يُقيّدها عبد الرحمان بدوي في بقوله: «مُستشرق بلجيكي، وراهب يسوعي شديد التعصب ضد الإسلام (...) ويُعدُّ نموذجا سيِّئا جدا للباحثين في الإسلام من بين المُستشرقين»([12]). ولهذا التفت كثير من كُتاب السيرة العرب المُحدَثين إلى مُساجلة لامنس في مسائل كثيرة، والرد على تُهمه لنبي الإسلام، وقد ذكر محمد حُسين هيكل لامنس في غير موضع، وتصدى لتفنيد ما عدّه تشنيعاً على النبي محمّد([13]).

2. محصول المقالات المسيحية والاستشراقية في النبيّ محمّد قبل لامنس:
تعود أوائل المقالات "الاستشراقية" في محمّد النبيّ إلى القرن الثّاني من الهجرة، إذ يُعدّ يوحنّا الدّمشقي (ت. 132 ه/ 749 م [St. Jean Damascène])([14]) على حدّ عِبارة جواد علي: «ممهِّدَ الجادّة للمستشرقين المعروفين بتحاملهم على الإسلام، فأكثر ما يزعُمونه ويذكرونه عنه، هو ممّا كان قد قاله ودوّنه قبلهم بما يزيد على ألف عام»([15]). وأهمُّ مقالاته في نبي الإسلام هي: نبوّة محمّد كاذبة، والقُرآن مَنْحُول لله قَصْد تبرير شهوات جنسية (قصة زينب وزيد). وقد لُقِّن محمّد الإسلام من قبل راهب مسيحي (بحيرا)، وليست هذه الدّيانة حسَب القدّيس يوحنّا سوى هُرطقة (Hérésie). أمّا ظهورُ محمّد فهو علامة من علامات المسيح الدجّال (Antéchrist). ويرى يوحنا أنّ الإسلام انتشر بحدّ السّيف لا بالمُحاجّة، وعلى هذا النّحو الجدلي انتقد ما عدّه شعائِرَ وثنيةً في الإسلام كتقبيل الحجر الأسود...
ثمّ ظهر في صُلب الإمبراطورية البيزنطية في القرون الوُسطى (القرن 7 حتّى القرن 15)، وبغيرها من الأمصار المسيحية مُجادِلون كرّروا ما قاله أسلافهم، وتأثروا برسالة عبد المسيح الكِندي التي تقدّم ذكرُها، وهي رسالة جدلية، اتّهمت الرسول محمّد بالقتل، وحبّ المرأة... ويُمكن أن نختصر باقي مقالات المُجادلين النّصارى خلال القرون الوسطى في قولهم بتعارض القرآن مع العقل، وفي غمزهم على "وثنيّة" الإسلام، وقولهم إنّ عبادات المسلمين لا طائل منها. وقد نسب المُجادلون الإسلام إلى الهُرطقة، بل عدّوه جامع الهُرطقات. ولم يروْا في محمّد سوى متنبٍّ، أخذ تعاليمه من هراطقة النّصارى، ومن اليهود([16])... إنّ أهمّ مطاعن أهل القرون الوسطى على الرسول هي: نشر الدعوة بقوّة السّلاح، و"الرّخص" الجنسية([17])، وهي المطاعن التي ستتوارثها أجيال الغربيين ممّن كتب عن الإسلام.
أمّا كُتّاب عصر النهضة الغربية (أواخر القرن 15 حتى أواسط القرن 16) فقد ثبّتوا  المطاعن القديمة على الرّسول، كتُهمة الصّرْع، وعشق النّساء، وانتشار الإسلام بالسّيف. وواصل أولائك الكُتاب ترديد المقالة القديمة: إنّ محمّدا مسيح دجّال. ولم يأتِ الرحّالة الغربيون إلى بلاد الإسلام في القرن السّابعَ عشرَ بجديد يُذكر في حديثهم عن الإسلام والرّسول، إذ لم يستندوا إلى تجاربهم الخاصّة، بل اعتمدوا على ما ورِثوه من مقالات أهل القرون الوسطى. فتواصل التشهير بعِشق محمّد للنّساء، وتلاعبه بالتعاليم حتى تناسِبَ جميع مظاهر المُتعة الجسدية([18])...

ولم تكن مقالات عصر الأنوار (القرن 18) في محمّد والإسلام أقلَّ حُلكةً من مقالات القرون الوسطى، فصورة نبيّ الإسلام لدى فولتير قُدّت من أبشع المطاعن القروسطية القاتمة([19]). إذ ألّف سنة اثنتين وأربعين وسبعِمائة وألف مسرحيّة: التعصّب أو محمّد النبيّ، وأهداها إلى البابا بَنَوان الرّابِعَ عَشَرَ (Benoit XIV). وقد جاء في هذا الإهداء: «أرجو أن تقبلَ قداستُكم من رجل شديد التواضع، لكن من أكثر النّاسِ حُبّا للخير، إهدائِيَ مُؤَلَفا في الردّ على صاحب ديانة كذوب، ومُتوحِّشة»([20]). وهكذا ظلّت سُنة الأوّلين مُستحكِمةً في أذهان مفكِرّين وهبوا أنفسهم للدّفاع عن الجديد ومُحاربة التقليد!
اتّسع التّأليف عن الإسلام بأوروبا الناهضة في القرن التّاسعَ عَشَرَ، وازداد الاهتمام بالتاريخ لدى علمائها، وإذ لا يتّسع المقام للحديث عن كثير مِمّن ألّف في السّيرة النبوية خلال هذا القرن وهم كثرٌ، فإنّنا نقتصر على الإشارة إلى بعض الأعلام المُستشرِقين الذين كان لهم كبيرُ الأثر في غيرهم من الكتاب الغربيين. وقد اتّخذ البحث مع هؤلاء الروّاد منزعا تاريخيّا نقديا واضحا، مثلما يتجلى في كتاب المستشرق النمساوي شبرنجر عن النبي محمّد (1869)، إذ يُعدّ أوّلَ من هاجم السير "العقائدية" من خلال نقده للمرويات الإسلامية السردية بإظهار تأخرها، وصناعتها لمقاصد تمجيدية، وسياسية...([21]).
ثمّ تعمّق الاتّجاه النقدي في دراسة تاريخ الإسلام مع المستشرق المجري إ. غولدتسهر في كتابه دراسات محمّدية (1881)، حيث انتقد الحديث النبوي، وبيّن أسبابَ "وضعه" لأغراض مذهبية حِجاجية، ولدواعٍ سياسية وعصبية (العائلات الحاكمة)...([22]). وقد واصل المستشرق الإيطالي الكبير ليوني كِيتانِي في السّبيل نفسه، إذ شكّ في كتابه الضّخم حوليات الإسلام في صحّة الأخبار المُتأخّرة، التي وصلت إلينا من طريق كتب السّيرة والسُّنة...([23]). ودعا إلى تمحيصها بدقّةٍ، حتّى يُعثر فيها على نزْر يسير من الحقيقة التاريخيّة ([24]). ويُعدّ لامنس من أتباع كِيتاني، وهو من مراجعه في كتاب فاطمة وبنات محمّد، بل ذهب أبعدَ منه في اطّراح وثائق العهد المكّي، وعدم الثّقة بها.
ولم تخلُ مقالات المستشرِقين في القرن التّاسعَ عَشَرَ من تكرار بعض التُّهم المسيحية القديمة للنبيّ، كنِسبة القرآن إليه، ورميه بالخِداع في خصوص قصّة الغرانيق([25]). ولم تخل كذلك من الإشارة إلى "عنف" النبي إزاء خصومه من اليهود خاصّة. والإلماع إلى كثرة زواجاته... فما هي مكانة آراء لامنس في السيرة بين المقالات المُتقدِّمة، وهل استطاع تجاوزها لبناء معرفة تاريخية موثوق بها عن محمّد والدعوة الإسلامية؟   

3. لامنس مُؤرِخا لنشأة الإسلام:
كتب لامنس فاطمة وبنات محمّد (1912) خلال مدّة إقامته برومة مُدرِّسا بمعهد الكِتاب المُقدَّس (1910-1914)، وقد تولت هذه المُؤسسة نشرَه مثلما نُصَّ على ذلك في الطبعة الأولى التي اعتمدنا عليها([26]). وقد بيّنا أنّ هذه المحاضن الدينية التبشيرية يَعسُرُ أن تُنتج عِلما خالِصا، ومعرفة تاريخية مُجرّدةً عن الهوى... فهل شذّت كِتابة لامنس عن هذه القاعدة؟

أ. الشك الانتقائي:
يحصل انطباعٌ جليّ بعَقِبِ قراءة كِتابَيْ فاطمة، والإسلام أنّ لامنس ينتهج ضربًا من الشكّ "انتِقائيا" في التعامل مع مصادر السّيرة النبوية، وبخاصّةٍ المصادرُ العربيّةُ القديمةُ، وسنحاول أن نبيّن هذه الطريقةَ من خلال نماذج "سِيرِية" وردت في الكِتابيْن متفرّقةً، وقد رأينا أن ننظر فيها مرتّبةً حسَب النسق التقليدي للسّيرة النبوية (الفَترة المكّية، ثمّ المدنية).
سعى لامنس إلى تصديق أخبار السّيرة التي تغضُّ من الصّورة المثالية لمحمّد وآل بيته في المصادر العربية القديمة، إذ يذهب إلى أنّ أبويْ عليّ بن أبي طالب لم يُسلِما (فاطمة: 24)؛ ولئن تُؤكد مصادر عربيّة مُتقدّمة كابن هشام جانِبا من هذه المسألة([27])، فإنّ انتصار أصحابها "للسُّنة" غير خافٍ، إذ تُثبِت الشّيعة إسلام أبي طالب، وقد حرّر الشيخ المُفيد (ت. 413 هـ) رسالة في إيمان أبي طالب. وتقول الشيعة إنّ عائلةَ علي كلَّها أسلمت منذ بداية الدعوة، وفيها فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب([28]). وهكذا تُبيِّن روايات الشيعة في إيمان أبي طالب وعائلته تشابهَ الطريقة التمجيدية القديمة، والطريقة الاستشراقية التي تحتفي بالأخبار المسيئة، فكِلتاهما حَسَبَ كلام ماكسيم رودنسن "تصنعان" الصّورة، أو تُشكِّلان الرأيَ، ثمّ تبحثان في المصادر التاريخية عن شواهدَ لتأييده، وتطّرِحان في الآن نفسه ما يُخالِف ذلك الرّأيَ من أخبار!([29]) فليس التّاريخ مطلوبا لذاته لدى الفريقين.

 لقد وجّه لامنس الانتقاء في كتاب فاطمة وِجهة تخدُم تعصّبه على الرّسول وآل بيته، إذ يقبل رواية زواج الرّسول من خديجة وهي شيخة (فاطمة: 7) من دون نقدٍ في مُؤلَّف وسمه بعنوان فرعي: ملاحظات نقدية لكتابة السّيرة. وقد ذكرت بعض مصادر السّيرة المُعتَمدة كـالمُحبَّر أنّ سنَّ خديجة لمّا تزوّجها الرّسول كان ثمانيَ وعشرين سنة في إحدى الرّوايات([30]). ويُثبت هشام جعيط أنّ رقم الأربعين رقمٌ سحري لدى الشّعوب السّامية، ويطرح سُؤالاً وجيها: كيف تُنجب خديجة بناتٍ وبنينَ عديدين وهي شيخة([31])، ولم يرَ المسلمون في ذلك معجِزة؟([32]).
إنّ اختيار لامنس لروايةِ زواج خديجة في سنٍّ مُتقدِّمة لم يكن بريئا، إذ أراد أنْ يُثبت من ذلك أنّ النبيَ محمّدا "أبترُ" (فاطمة: 2-3)، ويحتجّ بوُرود هذه الصّفة في القرآن الكريم (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 3]). ويرى لامنس أنّ السّيرة اختلَقت بأخَرَة أبناءً ذكورا لمحمّد (الطّاهر والطيب وإبراهيم...) لترُد على قذْف "الشّانِئين"، وضاعفت عدد بناته للغرض نفسه (فاطمة: 7). وهذا شكّ لم تُمله إلا رغبة في التشنيع على الرّسول، وقد انتقد البحث التاريخي الغربي بعد لامنس الإجحافَ في الشكّ، إذ يرى واط (1953) أنّ الشك في الأخبار يجب أن يستند إلى وجود تلفيق "مُغرِض"، أو تناقض داخلي بين الروايات([33]). وسبَق لِوَاطْ أن ساق ملاحظة نولدكه حول أعمال لامنس التي تتسم بالإسراف في الشكّ([34]).
 وعلى هذا النّحو ينتهج الأب لامنس سبيلَ الشكّ "العَصَبي" غير العِلمي، فينتقد سيرة فاطمة "الضّخمة"، ويذهب إلى أنّها مُختَلَقة في مُعظمِها([35]). لكنّ  الأمرَ لا يقف عند هذا الحدّ من الشكّ، بل يَصنع لامنس من خلال الروايات القديمة وتأويلها سيرةً قاتمةً لفاطمة، سنفحص عن أمرها في ما يأتي... فقضية الشك ليست منهجية علمية لديه، بل جِدالية دينية، إذ اختلق المُجادِلون المسيحيون قصّة أخرى لسيرة محمّد لأغراض تشنيعية وتبشيرية، وقد نبّه الباحث الإنقليزي ن. دانيال بوضوح إلى هذه المسألة([36]).

ويرى رودنسن أنّ لامنس دفع بالنّقد إلى أقصى الحدود في التعامل مع الأخبار الإسلامية([37])، ولا يُدرك هذا الحكمُ من الحقيقة إلا نصفَها، إذ إنّ نقد لامنس لم يَطُل إلا الرّواياتِ التمجيديةَ، أمّا الرّوايات التي تخدم نظرته المُنحرِفة عن آل البيت النبوي فيقبلها بلا نقد، ولا شكٍّ. وهكذا يعتبر أبياتا في حُسن خَلْق علي منحولةً، ويصدِّق رواياتٍ أخرى تصفه بالبَطِين (فاطمة: 36، ه 5)! ولم يُغادر لامنس في كتابه الإسلام طريقته الانتقائية في الكِتابة التّاريخية، إذ ركّز في الفصل الثّاني الذي خصّصه للسّيرة (»محمّد، مُؤسِّس الإسلام«) على أحداث يتّخذها النّقد المسيحي عادة دليلا على "عنف" النبي إزاء خصومه كغزوة بدر التي قال بصددها إنّ الرّسول "بعث بعصاباتٍ لقطع طُرق القوافل المكية"([38]). وكذلك توقّف عند غزوة بني قُريظة [5 ه]، التي يُشير إليها النقد المسيحي قبل لامنس باعتِبارها تقتيلا شنيعا لليهود، ولامنس نفسه يُكرِّر هذا، فيذكر بصدد هذه الغزوة أنّ ستمائة يهودي قُتِلوا "بلا رحمة" (الإسلام: 42)، وبهذا يُحيِي لامنس سنّة آبائه المسيحيين والمُبشرين السّابقين مِمّن كتبوا عن الإسلام، ويزيد عنها سِبابا مستحدَثا، وتُهما جديدةً...

ب. هجاء آل البيت:
لا نتحامل على لامنس إذا قلنا إنّه كتب فاطمة من أجل التشنيع عليها، وعلى زوجها علي بن أبي طالب، حتى أنّ قارِئَ الكِتاب يندهش ممّا ضمّه من سِباب أَسفَّ بالخِطاب "التّاريخي"، وليست ملاحظات عُلماء المستشرِقين من أضراب نولدكه وبِيكر (Becker)  عن غُلوّ لامنس في النقد التّاريخي لأخبار السيرة إلا سكوتا عن "عصبيّة" سكنت أبحاثه، ففاطمة شخصية لا قيمة لها (ف: 11)، .....
فهل هذه مُقدِّمات نقدية لكتابة السّيرة مثلما ينصّ على ذلك العنوان التفصيلي لكتاب فاطمة (notes critiques pour l’étude de la sîra)؟ إنّها مقدّمات عصبية هِجائية بزَّ فيها لامنس سابقيه من المُتعصِّبين على الإسلام كيوحنا الدمشقي، وعبد المسيح الكِندي صاحب الرّسالة. وهي مقالاتٌ أبلت القرون جدّتَها في عهده (1912). وفيمَ تُفيد هذه الصّفات الخَلقية والخُلقية لفاطمة في كتابة السّيرة؟ إنّ كتابة لامنس متأخرة عن البحوث التاريخية المقارنة التي بدأها شبرنقر ونولدكه في القرن التَّاسِعَ عشَرَ، ولم تستوعب حتى ثورة ابن خلدون (ت. 1406 هـ) على التّقليد في الكِتابة التّاريخية حين قال: »فما الفائدة للمصنِّف في هذا العهد في ذكر الأبناء والنّساء [...] من دولة قديمة لا يعرف فيها أصولهم ولا أنسابَهم ولا مقاماتِهم، إنّما حملهم على ذلك التقليدُ والغفلةُ عن مقاصد المؤلِفين الأقدمين والذّهول عن تحري الأغراض من التاريخ([39])«. لكنَّ ذهولَ لامنس مقصودٌ، إذ لم يطلُب تحقيق التّاريخ بل اتّخذه سلاحا في حربه الدّينية على النبيّ وآله حتى قال عنه رودنسن إنّه "مسكون بحقدٍ مقدّس على الإسلام"([40])، ومثل هذا الحِقد لم يُفِد العِلمَ، ولا تعارف الشّعوب الإسلامية والغربية، بل غذّى التحارُب زمن الاستعمار الأوروبي لجل الأقطار العربيّة. 

يبدو أنّ لامنس لا يستهدف بهجائه فاطمة لذاتها، وإنّما حمل حملة شديدة على آل بيت النبي قاطبةً، فصورة علي ليست أقلَّ بشاعة من صورة فاطمة نفسها، إذ يصفه بالنُّوَمَة (ف: 58)، ويرميه بالخُمول في موضع آخر، ويرسم له ملامح مُضحِكة: بطين، وذو يدين صغيرتين، ورأس ضخم، وأنف أفطس...([41]). وعلى هذا النّحو يصف خَلْقَ أسامة بن زيد (أمُّه أمّ أيمن مولاة الرّسول)، إذ يتحدّث عن "قبحه"، ويُشبّهه بمخلوق عجيب (Monstre)، ويُعيِّر أمَّه بالسّواد (Négresse)...([42]). وكأنّ لامنس رأى زيدا رَأيَ العين، إذ لا يذكر مصدرا واحدا بصدد صفته، فلا يجد القارئ المُنصِف في مثل هذه الكِتابة أيّة فائدة تاريخية، مثلما يستهجن تعارضَ عصبية لامنس الدينية حتى مع القيم المسيحية التي عدّت العبيدَ عِيالَ الله كباقي خَلْقهِ من النّاس!
ولم يتورع لامنس في كتاب فاطمة عن ذمّ العرب في غير موضع، إذ هُم حسبه أصحاب أذهان بِدائية (ف: 66)، ولا يستشرفون عواقب الأمور (ف: 35)، وتغلِب عليهم حسابات المنفعة (ف: 19)، وهكذا أتمّ الأب لامنس كتاب "مثالب النبي وأهل البيت" الذي وسمه بـفاطمة وبنات محمّد. ولا يُمكن فهم أعمال لامنس بمعزل عن ظرفه التّاريخي، إذ كان الأب مُلحقا بجامعة القديس يوسف ببيروت إبّان الحرب العالمية الأولى، فشهد حربَ الشّريف حُسين، زعيم الثّورة العربيّة الكبرى (1916) على السلطة الفرنسية بالشّام، ورمزها القائد الكاتوليكي غورو (Général Gouraud)، فمزج بين الماضي والحاضر إذ عدّ الشريف حسين سليل علي بن أبي طالب، وليس العرب الذين هاجموا السلطة الفرنسية "الكاتوليكية" بالشام سوى مُخرِبين للعمران جبناءُ، وأدعياءُ([43]). وبهذا يكون الأب لامنس قد نظر إلى الماضي بعين الحاضر وفي ضوء مشاكله على حد عبارة إ. كار([44])، فأضعف صلة كتبه بالتّاريخ بوصفه عِلماً مطلوباً لذاتِه.

ألّف لامنس كُتُبا عديدة حول بني أمّية وخلافتهم، منها كتاب معاوية (1907)، وكتاب خلافة يزيد الأوّل، فدافع عنهم، وحتّى ما اقترفوه من أخطاء برّره، كما أثنى على تساهلهم في الدين، واستِعانتهم بمسيحيي سوريا في إدارة الدولة، وهذا ما يُفسِّر حملته الشعواء على آل البيت والعلويين أعداء بني أمية. أمّا النبي الذي ينتسب إليه العلويون فأظهره في كتاب الإسلام "قاطع طريق"، وأكثرَ في كتاب فاطمة (الفصل الرابع) من الحديث عن شارات "ملكه" من ذهب وحرير، وحُرّاس وخيل... وقد عدّه في سائر كتاباته "مُتنبِئا" (ادعى النبوة)، ورجلا يهيم بالنساء عِشقا، وقد غذّى الاستِعمار الأوروبي مثل تلك المقالات القديمة-الجديدة التي تعبّر في جوهرها عن صراع سياسي وعسكري بين العرب وأوروبا في العصر الحديث، وبين بلاد الإسلام والديار المسيحية قديما.

ج. المنهج التّاريخي في دراسة السّيرة النبوية:
يستعمل لامنس مصطلح "مؤرخ" في كتاب فاطمة (ف: 134) بطريقة تُوحي بأنه يعدّ نفسه مُؤرِخا، فما هو حظُّ التّاريخ في ما كتب عن السّيرة؟ يبدو من خلال ما تقدّم أنّ الهواجس الجدلية الدّينية طغت على مؤلفات لامنس، فانحرف عن التّاريخ إلى التّشنيع على النبي وآله، وأغرق نفسه في تفاصيل لا تُفيد التّاريخ كبحثه في ترتيب بنات النبيّ محمّد سِنّا (ف: 10)، وإطنابه في "إثبات" قُبح فاطمة وعلي، وأُسامة بن زيد... ولا شكّ في أنّ هذه المقاصد غير التاريخية جعلته يتعسّف على التّاريخ، فيُصدِّق الرّواية التي توافق هواه مُتخلِّيا عن شكّه، كتصديق ما رُوِي حول تأنُّق الرسول في معاشه لمّا أصبح قائدَ دولة من خلال المصادر العربية، ومنها الوفاء بأحوال المصطفى لابن الجوزي (ت. 597 ه)، وابن الجوزي متأخر مزج في كتبه الثقافةَ العالِمة بالثّقافة الشعبية، وليس من مصادر التاريخ الموثوق بها لدى العلماء (ف: 70).
قال النُقاد العرب قديما، ما ملكت العصبيّة قلبا فأبقت فيه للإنصاف موضِعا، ولا للتّحقيق نصيبا، وهكذا انساق لامنس إلى نتائج لا تصمد إزاء النّقد التاريخي العِلمي، إذ يقول إنّ الصحابة لم يأبهوا بأن يكونوا أصهارا للرّسول، استِنقاصا من بناته وبخاصة فاطمةُ (ف: 22)، وهذا يُناقض منطق العقيدة والقبيلة والغنيمة (ثالوث محمّد عابد الجابري)، ويشهد التاريخ بعكس ذلك إذ تزوج عثمان من أمّ كُلثوم ورُقية، وعلي من فاطمة... فإذا عاضدت الصّحبةَ مصاهرةٌ وتقارب عصَبي في المعنى الخلدوني يُصبح موقف الصّحابي في الدّولة قويّا، وقد ولِي الخلافة من أصْهار النبيّ عثمان وعلي، واثنان من أختانه أبي بَكر وعمر، فكيف لا يعبأ الصّحابة بمثل هذه العلاقات؟  
وأدّت رغبة لامنس في كتابة سيرة "سوداء" للرّسول وآله إلى الوقوع في أخطاء تاريخية فادِحة، إذ شكّ في غزوة مُؤتة([45]) (ف: 24، ه 6)، وذهب إلى أنّها اختُلِقت في النِّصف الثاني من القرن الهجري الأول، ولم يستدل لشكّه بأيِّة حُجّة، سوى ميله إلى اطّراح ما رُوِيَ عن استبسال جعفر بن أبي طالب في الحرب، واستشهاده مُقبِلا! وقد فات لامنس أنّ أرباب السّير والمُؤرِخين العرب جميعا ذكروا هذه الغزوة، وذكرها المُؤرخ البيزنطي تيوفانوس (Théophane) كذلك ضمن أحداث سنة 629 م!([46])
لقد توخّى لامنس في كتابيْه فاطمة والإسلام منهج التّاريخ المُقارن طريقةً في الدّراسة، وهو يُصرِّح بذلك في مواضعَ (ف: 34، 140)، وهذا منهج المستشرِقين السّابِقين عُموما، بل كان منهاجَ البحث في التّاريخ واللّغة، وعلوم أخرى في القرن التاسعَ عشرَ... لكنّ لامنس لم يكن وفيًّا لهذا المنهج إذ استعمله في نقد الوثائق التمجيدية فنبذها، ولم يُطبّقه على المرويات المسيئة لآل البيت، أو التي يُؤوِّلها على وجه الإساءة إليهم، فقبل المرويات التي تخدُم الصورة "القبيحة" لفاطمة وعلي، وأعرض عن سواها، وماذا سيبقى لديه من الكِتاب المُقدّس إذا طبّق عليه المنهجية التاريخية المُقارنة؟ وهل تُناسب هذه المنهجية دراسة العقائد أصلا؟

استعاد لامنس في كتبه عن نشأة الإسلام التُّهمَ المسيحية القديمة للرّسول كنِسبة القرآن إليه (ف: 104)، وتُهمة القوّة والعُنف. ولم يُجدّد في منهج التاريخ إذ اتّبع طريقة المُستشرِقين السّابقين في ردّ الإسلام إلى الدِّيانتيْن اليهودية والمسيحية (ف: 140)، وتلك خُلاصة دراسات غولدتسهر (1890) وبيكر (1910) للإسلام، وهذان العَلَمان من مراجعه في كتاب فاطمة([47])، وقد سلك السّبيلَ نفسَه في كتاب الإسلام إذ تحدّث عن التقاء النبي محمّد بآباء مسيحيين خلال سَفَراته، فأثّروا في تعاليمه (إس: 33-34)، وعن أخْذِ نَسَبِ بني إسرائيلَ عن يهود المدينة (إس: 37-38). بل يذهب إلى أنّ دور الرسول كان مُتواضِعا، إذ انحصر في تدوين الرّسالة العالمية بلغة عربيّة (إس: 34-35)، وهذه من مقالات بيكر إذ رفض المنطق التاريخي الفيلولوجي الذي يربط بين الإسلام والعربية لمُجرّد لغة القرآن([48]).

وقد قاده الشكّ في أخبار السّير "التمجيدية" التي دُوِّنت بأَخَرة عن زمن الرّسول إلى الإعراض عنها جملة في كتاب الإسلام (1926) مُكتفِيا بالاعتِماد على القرآن، لكنّه انتهج سبيل السرد إذ يُقدّم الرواية المشهورة للحادثة مُوهِما بأنّه يستند إلى القرآن مثلما فعل في الحديث عن غزوة بدر (إس: 39-40)، إذ أحال على الآية [وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)]، وذكر أبا سفيان الذي كان على رأس القافِلة، ثمّ تحدّث عن عدد قتلى بدر، في حين أنّ القُرآنَ يكتفي بالإشارة إلى نصر المسلِمين في هذه الغزوة من دون ذكر أسماء، ولا تعيين عدَدٍ.
يرى جُمهور المُستشرِقين أنّ القرآن أوثقُ مصدر لكتابة السّيرة النبوية لأنّه مُعاصِر للدّعوة، غير أنّ محاولاتِهم في الاكتِفاء بالقرآن اصطدمت بعقبات كثيرة، فالقُرآن لم يُرتَّب ترتيبا زمانيا حسَب النّزول مِمّا يجعل إشاراته إلى السّيرة مُتداخلة، ولا يذكر القرآن أسماء الأعلام إلا قليلا، ويسكت عن الأعداد في حوادث كثيرة يُشير إليها... فلا مناص من اللّجوء إلى الأخبار طوْعا مثلما فعل واط الذي ألمع إلى ما تقدّم من عقبات، ثمّ قال إنّ أفضل طريقة في كتابة السّيرة هي الاعتماد على القرآن والمرويات القديمة([49])، أو كَرْها كما فعل لامنس حين أورد قصّة بدر بأسمائها، وعدد قتلاها... مُوهِما بأنّه لا يرجع إلا إلى القرآن.

إنّ محصول رأي لامنس في السّيرة يتلخص في كونها رُكاما من الروايات الدّائرة بتأويل إشارات القُرآن إلى حياة النبي، رُكاما من "غريب" الأخبار التمجيدية أثّر فيها التراث المسيحي واليهودي، وخضعت لهوى العصبيات الحاكمة...([50]). وقد ناقشنا جوانبَ من هذا الكلام في ما تقدّم. وأمّا مسألة التّمجيد التي نفّرت لامنس من أخبار السّيرة، فإنّا لا نراها وجيهة دائما إذ حوت السّيرُ القديمة رواياتٍ استثمرها المُجادِلون المسيحيون قديما، والمستشرِقون حديثا في ثلب النبي محمّد، وقصّة الغرانيق التي أوردها ابن إسحاق وابن سعد أفضل مثال لهذا، إذ "صفّق" لها المُستشرِقون على حدّ عِبارة هشام جعيط ووجدوا فيها مَغْمَزا للتوحيد، أساسِ الرسالة القرآنيّة([51]).

خــاتمة
إنّ الإجحاف في نقد الأخبار الإسلامية، والتعصُّب على الإسلام، لم يُنسبا إلى لامنس باطِلا، فقد اتّفق في هذا أساطين المُستشرقين من أضراب نولدكه ورودنسن، والكُتّابُ العرب، إذ نتبيّن من خلال شواهد كثيرة صريحة عرضناها في هذا البحث أنّ لامنس حشا كتابيْه فاطمة والإسلام بهجاء مُقذِع للنبيّ وآله خاصّة، وأطنب في تصوير قُبح فاطمة وعلي، مُظهِرا حِقدا مُقدسا عليهما.
لا مِريةَ في أنّ المحاضن الدّينية التي اكتنفت مصنّفاتِ لامنس أثّرت مليّا في نظرته إلى الإسلام، وخصوصا إذا علِمنا أنّ الرّجلَ كان منخرِطا في التبشير، إذ رأس مجلّة البشير بلبنان، وصدر كتابه فاطمة عن معهد الكِتاب المقدّس برومة عندما كان به مُدرِّسا (1910-1914)، وقد رأينا أنّ مثلَ هذه المؤسسات الدينية لا يُمكن أن تُنتِجَ عِلما خالِصا لا تخالطه الأهواء، ونشاط جماعة دَيْر كلُوني في القرن الثّاني عشرَ من الميلاد أفضل مثال. فلا مناص من تحرير البحث في الإسلام والسّيرة من أسر المؤسسة الدينية التي لا تقصد إلى المعرفة العِلمية لذاتها، وإنّما تطلب الجدل والسِّجالَ... وهي غايات تُذكِي صراع الشعوب ولا تخدُم تعارفَها، لا سيّما وقد ألّف لامنس كتبَه في ظرف احتدم فيه الصّراع بين أوروبا الغازية، وبلاد العرب المُستعمَرة.
لم يستطع الأب لامنس أن يُغنِيَ البحث في تاريخ الإسلام، وأضاف إلى التُّهم المسيحية القديمة لمحمّد وآله "مثالِبَ" جديدة، فاقترف إثمين: أوّلهما استنساخ ما سطّره المُجادِلون المسيحيون القُدامى، وما استعاده مُبشِّر مثل مُويِر في القرن التّاسِعَ عَشَرَ دون نظر وتحقيق. وثانية الأثافي كيْلُ سيْلٍ من السِّباب لفاطمة وعلي نزعت عن خطابه التاريخي كلَّ موثوقية، فلم يستطع أن يُجدِّدَ المباحث التاريخية المُقارنة التي ابتدأها شبرنجر ونولدكه في القرن التّاسعَ عشرَ.
وقد كتب لامنس كتبه في الثُّلث الأول من القرن العِشرين، فتأثّر بموقف الكنيسة الكاتوليكية التاريخي من الإسلام، هذا الموقف الذّي لم يتغيّر إلا مع انعقاد المجمع الفاتيكاني الثّاني (1962-1965) إذ نصَّ على احترام العقائد الأخرى، فأسهم ذلك قليلاً في تعديل النِّظرة المسيحية والاستشراقية إلى الإسلام، لكنّ استمرارَ كثير من المقالات القديمة في أعمال بعض المُستشرقِين المُعاصرين يدعو إلى ضرورة انتهاج سُبل تفهُّمية في دراسة الأديان، فلا مجال للثّقة بما يقوله صاحب المِلّة عن ملّة غيره، بل يُثبت العُلماء ما تقوله كل مِلّة عن نفسها، وهذا مسلك علم الأديان الحديث عموما، وهو كفيل بإرساء معرفة دقيقة بالعقائد يُمكن استِنادا إليها أن نبنِيَ علاقاتِ تحاور لا تستنقص من "حقائق" الشّعوب على اختِلافها، وعلى المسلِمين كذلك أن يتّبعوا النّهج نفسه كي لا يُنتِجوا معرفة دينية بأديان غيرهم قد لا تختلِف كثيرا عن كتابة لامنس، وإن ذهب الأب بعيدا في تعصُّبه على الإسلام.

--------------------------------

(*) المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، جامعة تونس المنار.

هوامش البحث

[1]- Henri Lammens, Fâtima et les filles de Mahomet, notes critiques pour l’étude de la sîra (Roma: Pontif. Institutum Biblicum, 1912).
- L’Islam, Croyances et Institutions (Beyrouth, 1912).
[2]- M. Watt, Muhammad at Mecca (London: Oxford University Press, 1968), Introduction, xiii: «Lammen’s more extreme views».
[3]- Bibliographie des ouvrages arabes ou relatifs aux Arabes publiés dans l'Europe chrétienne de 1810 à 1885.
[4]- Henri Lammens, Fâtima et les filles de Mahomet, notes critiques pour l’étude de la sîra (Roma: : Pontificii Instituti Biblici, 1912).
- L’Islam, Croyances et Institutions, troisième édition (Beyrouth: imprimerie catholique, 1943).
[5]- اعتمدنا أساسا في ترجمة لامنس على موسوعة عبد الرّحمان بدوي، وكتاب نجيب عقيقي:
- عبد الرّحمان بدوي، موسوعة المُستشرِقين، ط 3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1993).
- نجيب العقيقي، المستشرقون، 3 ج، ط 3 (مصر: دار المعارف، 1965).
[6]- كُتبت هذه الرسالة خلال القرن العاشر الميلادي، وتَرجمها إلى اللاّتينيّة بُطرس الطُليطلي (Pedro de Toledo)، برعاية الرّاهب الفرنسي بُطرس المحترم (ت. 1156 م [Pièrre Le vénérable]) رئيس دَيْر كلوني (Abbé de Cluny).
[7]- راجع حول الرّسالة كتاب دانيال:
- Norman Daniel, Islam and The west, the making of an image (Edinburgh: Edinburgh University Press, 1960), pp .6-12.
[8] -Ibid., p. 12: “The Risalah’s arguments appear and reappear in different forms in different Christian works”.
[9] -William Muir, The life of Mahomet (London: 1861).
[10]- كتب محمّد حُسين هيكل (ت. 1956) سيرة مشهورة للرسول (حياة محمّد) نشرها سنة 1935، وقد اعتنى طيّها بالرد على تُهم المُستشرِقين للنبي، فذكر في معرِض تفنيده لما حاكه بعضُهم حول قصة زواج الرّسول من زينب بنت جَحش، وما قالوه حول فرط عشقه للنساء: «أفيبقى بعد ذلك أثر لهذه الأقاصيص التي يكرّرها المُستشرقون والمُبشّرون، ويردّدها مُوير وإرفنج وسبرنجر وفَيْل ودِرِمِنجم ولامنس...؟»، حياة محمّد (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1983)، ص 336.
[11]- أُعِيد نشرُ تاريخ القرآن بلايبزك سنة 1909  (Geschichte des Koran, Leipzig)، وقد تُرجم إلى العربية: تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة جورج تامر وآخرين، ط 1 (بيروت: مُؤسّسة كونراد- أدناور، 2004). أمّا نقد نولدكه لمبالغة لامنس في الشك فقد ورد في ص 414، هـ 712. والشاهد لشفالي بصفحة 413.
[12]- بدوي، موسوعة المُستشرقين، مرجع سابق، ص 503.
[13]- راجع: محمد حسين هيكل، حياة محمّد، مرجع سابق، ص 38-39، 336...
[14]- يعود نسب القديس يوحنّا الدمشقي إلى أسرة شريفة، كانت ذات حُظوة لدى الأمويين، إذ كان والده في خدمتهم، وكان هو نفسُه من رجال البَلاط الأموي بدمشق، مستشارا في الأمور الجليلة. وقد حذِق يوحنّا السُريانيّة واليونانيّة، وأحاط بعلم العربيّة.
[15]- جواد علي، تاريخ العرب في الإسلام، السّيرة النّبوية (بيروت: دار الحداثة، 1988)، ص 26.
[16]- ما أوردناه من حديث في مقالات المجادلين النّصارى خلال القرون الوسطى، اعتمدنا فيه أساسا على كتاب نورمن دانيال المذكور آنفا (Islam and The west)، ص 272-275.
[17]- Daniel, Islam and The west, p. 274: “The two most important aspects of Muhammad’s life, Christians believed, were his sexual license and his use of force to establish his religion”.
[18] - Ibid, pp. 279-282.
[19]  -Ibid., p. 289.
[20]-  Voltaire, Le fanatisme ou Mahomet le prophète, représentée la première fois en 1742 (Paris: 1825), p. 9= «Votre Sainteté voudra bien pardonner la liberté que prend un des plus humbles, mais l’un des plus grands admirateurs de la vertu, de consacrer au chef de la véritable religion un écrit contre le fondateur d’une religion fausse et barbare» (Paris, 17 Auguste 1745).
[21]- راجع حول بحوث شبرنجر: نولدكه، تاريخ القرآن، مرجع سابق. وشبرنجر (ت. 1893Aloys Sprenger, ) مستشرق نمساوي الأصل ثم "تجنّس" إنجليزيا، وكتابه عن محمّد هو:
- Das Leben und die lehre des Mohammad.
وقد صدر الكتاب ببرلين بين سنتي 1861 و1865، في ثلاثة أجزاء، راجع: بدوي، موسوعة المستشرقين، مرجع سابق، ص 28-32.
[22]- Ignaz, Goldziher, Muhammedanische Studien, 2 vols. (Halle: 1889-1890). 
[23]- نشر المستشرق الإيطالي كيتاني: حوليات الإسلام بميلانو، بين سنتيْ 1905 و1926. ويتألّف الكتاب من عشَرة مجلّدات، يتعلق الأوّلان منها بحياة محمّد  (جزء 1: 1905، وجزء 2: 1907):
- L. Caetani, Annali dell’Islam, 10 vols. (Milano: U. Hoepli, 1905-1926).
[24]- نقل بلاشير آراء كِيتاني في الوثائق المتأخرة:
«La pessimiste conclusion que nous pouvons trouver presque rien de vrai sur Mahomet, Dans la tradition, et pouvons écarter comme apocryphes, tous les matériaux traditionnels», Régis, Blachère,  Le problème de Mahomet, essai de biographie critique du fondateur de l’Islam (Paris: P.U.F, 1952), p. 9.
[25]- في أخبار السّيرة أنّ الرّسول رأى من قومه كفّا عنه، فتمنّى ألاّ ينزل عليه شيء ينفِّرهم منه. فجلس يوما مجلسا من أندية قومه حول الكعبة، فقرأ عليهم "وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ" [النجم: 1] حتّى إذا بلغ "أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى" [النجم: 19-20]، ألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلا وإنّ شفاعتهنّ لترتجى)... فسجد الرّسول وسجد معه كفار قريش، ثمّ صحّح جبريل ما ألقى الشيطان على رسول الله...، انظر: محمّد بن سعد، كتاب الطبقات الكبير، تح. علي محمّد عمر، ط 1 (القاهرة: مكتبة الخانجي، 2001)، ج 1، ص 174-176.
[26]- Henri Lammens, Fâtima et les filles de Mahomet, notes critiques pour l’étude de la sîra (Roma: Pontificii Instituti Biblici, 1912).
[27]- ابن هشام، السّيرة النّبوية، تح. مصطفى السقا وآخرين، ط 1 (السعودية: دار المُغني، 1999)، ص 420-421. حيث يروي ابن هشام أنّ الرسول استنطق أبا طالب الشهادة وهو يُحتضر فلم يُسمعه إيّاها، وقد ذُكر في الخبر أن العباس كان مع الحُضور، فقال: «يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولَها، قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أسمع»، ص 421.
[28]- هاشم معروف الحسني، سيرة المصطفى "نظرة جديدة" (بيروت: دار التعارف، 1996)، ص 49= «أسرعت إلى تصديقه والإيمان برسالته، والإخلاص لها في السرّ والعلانية، هي وزوجها وأولادها منذ أنْ بدأ يدعو الناس لعبادة الواحد الأحد».
[29]- Maxime, Rodinson, «Bilan des études mohammadiennes», Revue Historique, 87ème année, Tome CCXXIX (1963), p. 197= «La tentation est grande pour les orientalistes de faire comme ont fait sans grande vergogne les orientaux: Déclarer authentiques les traditions qui conviennent à l’idée qu’on s’est faite d’un événement et rejeter les autres».
[30]- ابن حبيب، المحبَّر، تحقيق شتيتر (بيروت: منشورات دار الآفاق الجديدة، [د. ت.])، ص 79=  "وكان عليه السّلام يوم تزوّجها ابن خمس وعشرين سنة وهي بنت أربعين سنة. ويُقال كان ابن ثلاث وعشرين سنة وخديجة بنت ثمان وعشرين".
[31]- "جملة ما اتفق عليه ستة: اثنان ذكور: القاسم وإبراهيم، وأربع بنات: زينب ورُقيّة وأمّ كُلثوم، وفاطمة رضي الله عنهم"، وباستثناء إبراهيم وهو من مارية القبطية، فكلّ وَلَد الرّسول من خديجة، سُبُل الهدى والرّشاد في سيرة خير العباد، لمحمد بن يوسف الشامي، تحقيق الشّيخ عبد المعز عبد الحميد الجزّار (القاهرة: لجنة إحياء التراث العربي، 1995)، ج 11، ص 442.
[32]- هشام جعيّط، الوحي والقرآن والنبوّة، ط 2 (بيروت: دار الطليعة، 2000)، ص 115، الهامش 20.
[33]- M. Watt, Muhammad at Mecca (London: Oxford University Press, 1968), Introduction, xiv.
[34]- Ibid., xiii = «Lammen’s more extreme views».
[35]- Lammens, Fâtima, p. 139= «la biographie touffue de Fâtima: composition hétérogène d'éléments pour l'immense majorité apocryphes et fréquemment contradictoires».
[36]- Daniel, Islam and The west, op. cit., p. 273= «The creation of a legend of his life was an important part of anti-Islamic polemic, and of the Christian approach to Islam».
[37]-  Rodinson, «Bilan», op. cit., p. 173.
[38]- Lammens,  L’Islam, p. 39.
[39]- المقدّمة، تح. خليل شحادة ورياض زِركلي (بيروت: دار الفكر، 2001)، ص 42.
[40]- Rodinson, «Bilan», p. 173= «Possédé d’une sainte haine de l’Islam».
[41] -Lammens, Fâtima = «au-dessus d'un ventre, démesurément proéminent, se détachaient des bras ridiculement minces Au milieu d'une tête énorme, de petits yeux éteints et chassieux, un nez camard!», p. 37.
[42]- Ibid., p. 103.
[43]- راجع في هذا دراسة رودنسن:
-  «Bilan», p. 173.
[44]- E. Hallet Carr, Qu’est–ce que l’histoire? (Paris: la Découverte, 1988), p.68.
[45]- سَرِيّة مُؤتة: بعث الرّسول جيشا إلى الشّام في جُمادى الأولى من السنة الثامنة، فالتقى جندَ هرقل بقرية مُؤتة فاقتتل الجمعان، حتّى قُتِل الأمراء الثّلاثة -منهم جعفر بن أبي طالب- الّذين أمّرهم النبيّ على الجيش عسى أن ينوب الثّاني من يُستشهد فالثّالث، ولمّا دُفِعت الرّاية إلى خالد بن الوليد نجا بجيش المسلمين، وعادوا إلى المدينة، فلقيهم النبيّ خارجَها. 
[46]- Blachère,  Le problème de Mahomet, op. cit., p. 118
[47]- ذكر غولدتسهر في المراجع التي أثبتها في أول الكِتاب، أمّا بيكر فقد اعتمد عليه مثلا في ص 66، هـ 2 من كتاب فاطمة.
[48]- C. Décobert,  Le Mendiant et le Combattant, l’institution de l’Islam (Paris: Éditions du Seuil, 1991), p. 46.
[49]- Montgomery Watt, Muhammad at Mecca, p. xv: «The sounder methodology is to regard the Qur’ān and the early traditional accounts as complementary sources, each with a fundamental contribution to make to the history of the period».
[50]- Fâtima et les filles de Mahomet, pp. 139-140.
[51]- انظر حول تصديق بعض المستشرِقين لهذه القصّة التي مضى التعريف بها ما ذكره نولدكه مثلا: تاريخ القرآن، مصدر سابِق، ص 90= "ويعترف مُوير وشبرنغر بحصول هذا الحادث فعلا ويريان فيه دافعا لوصف النبيّ مجدّدا بالخِداع".

---------------------------------

المصادر والمراجع

المصادر:
· Lammens. Henri, Fâtima et les filles de Mahomet, notes critiques pour l’étude de la sîra (Roma: Pontificii Instituti Biblici, 1912).
- L’Islam, Croyances et Institutions, troisième édition (Beyrouth: imprimerie catholique, 1943).

---------------------------

المراجع العربيّة والمُعرَّبة:
· ابن حبيب، المحبَّر، تحقيق شتيتر (بيروت: منشورات دار الآفاق الجديدة، [د. ت.]).
· ابن خلدون، المقدّمة، تح. خليل شحادة ورياض زِركلي (بيروت: دار الفكر، 2001).
· ابن سعد. محمّد، كتاب الطبقات الكبير، تح. علي محمّد عمر، ط 1 (القاهرة: مكتبة الخانجي، 2001).
· ابن هشام، السّيرة النّبوية، تح. مصطفى السقا وآخرين، ط 1 (السعودية: دار المُغني، 1999).
· بدوي. عبد الرّحمان، موسوعة المُستشرِقين، ط 3 (بيروت: دار العلم للملايين، 1993).
· جعيّط. هشام، الوحي والقرآن والنبوّة، ط 2 (بيروت: دار الطليعة، 2000) .
· الحسني. هاشم معروف، سيرة المصطفى "نظرة جديدة" (بيروت: دار التعارف، 1996).
· العقيقي. نجيب، المستشرقون، 3 ج، ط 3 (مصر: دار المعارف، 1965).
· علي. جواد، تاريخ العرب في الإسلام، السّيرة النّبوية (بيروت: دار الحداثة، 1988).
· نولدكه. تيودور، تاريخ القرآن، ترجمة جورج تامر وآخرين، ط 1 (بيروت: مُؤسّسة كونراد- أدناور، 2004).
· هيكل. محمّد حُسين، حياة محمّد (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1983).

-------------------------------

المراجع الأجنبية:  
· Blachère. Régis, Le problème de Mahomet, essai de biographie critique du fondateur de l’Islam (Paris: P.U.F, 1952).
· Carr. E. Hallet, Qu’est–ce que l’histoire? (Paris: la Découverte, 1988).
· Daniel. Norman, Islam and The west, the making of an image (Edinburgh: Edinburgh University Press, 1960).
· Décobert. Chistian, Le Mendiant et le Combattant, l’institution de l’Islam (Paris: Éditions du Seuil, 1991).
· Rodinson. Maxime, «Bilan des études mohammadiennes», Revue Historique, 87ème année, Tome CCXXIX (1963).
· Voltaire, Le fanatisme ou Mahomet le prophète, représentée la première fois en 1742 (Paris: 1825).
· Watt. Montgomery, Muhammad at Mecca (London: Oxford University Press, 1968).