الباحث : مصطفى يعقوب عبد النبي
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 12
السنة : السنة الرابعة - صيف 2017م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث : November / 23 / 2017
عدد زيارات البحث : 5107
مقدمة
قد يبدو أن الإساءة للإسلام كعقيدة وللمسلمين كأمة، من مستحدثات الخطاب الإعلامي الغربي منذ فترة ليست بالقليلة، غير أن الأمر أبعد من هذا التاريخ بكثير. ولعلنا لا نجاوز الصواب إن قلنا: إن تلك الإساءة قد بدأت وواكبت حركة الاستشراق في مهدها ولاسيما بعد الحروب الصليبية عندما بدأ الاحتكاك الفعلي بين الغرب والشرق.
وللأسف الشديد فقد اختلطت دراسات المستشرقين بكثير من الأخطاء المنهجية التي تعدت حدود الخطأ الأكاديمي ـ الذي يسهل تقويمه والرد عليه بالأسلوب ذاته ـ إلى التهجم الصريح على كل ما ينتمي إلى الإسلام والمسلمين بصلة.
ومن هؤلاء المستشرقين أرنست رينان E. Renan (1823-1892) و هو واحد من الأسمـاء اللامعة في عالم الاستشراق فضلا عن أنه من مشاهير المؤرخين الفرنسيين. ويعد من الثقات من علماء اللغات المقارنة وكذلك في فلسفة ابن رشد التي كانت موضوع رسالته للدكتوراه. ولعلنا لا يعنينا من رينان سوى أمر واحد، وهو رأيه في علاقة الإسلام بالعلم، فقد كرس حياته كلهـا لمبدأ واحد لا يتعداه وهو؛ رأيه القائل بأن الإسلام دين يتناقض مع العلم وأن الإسلام هو السبب في انحطاط المسلمين.
ولقد حمل رينان لواء العداوة لكل ما هو إسلامـي وعربـي ويفسر لنـا الأستاذ محمد كرد علـي في كتابه "الإسلام والحضارة العربية" جانبـا من سر هذا العداء المتأصل في نفسية الرجل إذ يقول: "ومن الناقدين من وقعوا في غلط الحس, فحكموا على العرب والإسلام أحكامـا لا مبرر لها, كما وقع لرينان يوم زار في القرن الماضـي جزيرة أرواد ـ إحدى جزر سوريـا ـ فشاكسه بعض أهلهـا, فهجا أهل الجزيرة بأسرهم وقال: إن أهل الجزيرة من المسلمين قاوموه للبغض المتأصل في قلب كل مسلم لما يقال له علـم, وقال في مناسبـة أخرى: إن الذي يميز العالم الإسلامي إنمـا هو اعتقاد المسلمين أن البحث لا طائل تحتـه وأنـه قد يؤدي إلـى الكفر. وحكم هذا المؤلف على كل مسلم بأنـه عدو العلم والبحث في فطرتـه لا يصح على إطلاقه لأنه بعيد عن المنطق ولا يتلاءم بحال مع حكمـة صاحبـه وعلمـه الواسع "(1).
وما قاله رينان لا يخرج عن مجمل آرائه طيلة حياته عن الإسلام وعلاقته بالعلم.
محاضرة رينان عن الإسلام والعلم:
وإذا كانت تلك الآراء والأفكار التي أودعها مفصلـة في مؤلفاتـه إلا أنه قد أجملها دفعـة واحدة في محاضرة شهيرة ألقاها في أخريات حياتـه وتحديدا في 29 مارس سنة 1883بجامعة السوربون(2) بعنوان " دين الإسلام والعلم".
لقد أحدثت هذه المحاضرة ضجة كبيرة في فرنسا وفي مصر على السواء لما حوته من آراء جانبها الصواب أحيانا، بل ومنها آراء صادمة في أغلب الأحيان، وهو أمر قام بالرد عليه في حينه جمال الدين الأفغاني الذي كان مقيما وقتها في فرنسا وعندما ترجمت تلك المحاضرة إلى العربية انبرى جمع كبير من الكتّاب في مصر للرد عليها مثل الإمام محمد عبده وتلميذه رشيد رضا والشيخ مصطفى عبد الرازق وغيرهم من الغيورين على العروبة والإسلام. وقد قرأ الرأي العام في مصر في أوائل القرن الماضي ردوداً عدّة على تلك المحاضرة ومن المرجح أنها لم تعرض كاملة إلا على عدد محدود من المثقفين والكتّاب الذين بادروا بالرد على ما جاء بالمحاضرة على الرغم من أن أحد طلاب البعثة المصرية في فرنسا قد ترجم هذه المحاضرة في حينها وهو المبعوث المصري حسن عاصم (حسن عاصم باشا فيما بعد) (3) ولا ندري ماذا حل بهذه الترجمة، لأننا لم نجد لها ذكرا في الببليوجرافيا التي تولى إصدارها قسم النشر بالجامعة الأمريكية تحت عنوان " الكتب العربية التي نشرت بمصر بين عامي 1900 ـ 1925 "وقد ظلت هذه المحاضرة أشبه ما تكون في طي الكتمان، فلم يدر القراء من أمرها شيئا إلا من خلال الردود عليها .وقد أحسن ـ أخيرا ـ المجلس الأعلى للثقافة في مصر بترجمة هذه المحاضرة في ضمن المشروع القومي للترجمة وإصدارها تحت عنوان " مناظرة رينان والأفغاني ترجمة ودراسة" وذلك في سنة 2005. ولقد أتاح لنا الحظ أن نعثر على تلك المحاضرة في بعض دور الكتب القديمة بالقاهرة والتي قام بترجمتها أحد المبعوثين المصريين بفرنسا وقتهـا وهو المهندس علي يوسف وقد جاء على الغلاف ما يأتي:
دين الإسلام والعلم:
وهي تعريب الخطبة التي ألقاها بباريس المسيو رينان والرد عليها للفيلسوف الكبير ؛ صاحب الفكر الصائب المسيو (مسمر) رئيس الإرسالية المصرية بفرنسا مع فذلكة عن تاريخ حياة رينان وفلسفته بقلم (علي يوسف) المهندس والعضو بجمعية مهندسي المناجم وجمعية المهندسين الملكية والميكانيكية بانجلترا وبجملة مجامع علمية وفلسفية بأوروبا ومؤلف كتاب " تاريخ الرياضيات والفلك عند العرب " وكتاب " حياة الغزالي وفلسفته".
إذن نحن أمام وثيقة من وثائق الاستشراق النادرة والمجهولة للناس، فنحن لانعرف عن صاحب الترجمة أو كتابيه شيئا غير أننا وجدنا في الببليوجرافيا التي حصرت الكتب المنشورة في مصر بين عامي 1900 و 1925 قد ذكرت ما نصه " دين الإسلام والعلم تأليف إرنست رينان ترجمة علي يوسف، القاهرة، 1918، 68 صفحة" (4) ومن الملاحظ أن هذا التاريخ قد يبدو بعيدا عن تاريخ المحاضرة فهناك فاصل زمني يبعد ما يزيد عن ربع قرن، وأغلب الظن أن المهندس علي يوسف صاحب هذه الترجمة قام بترجمتها وقت أن كان مبعوثا بفرنسا ، وعندما عاد إلى مصر طبعها، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون التاريخ المذكورـ وهو 1918ـ تاريخ الطبع بل هو تاريخ إيداعها بدار الكتب المصرية. كما ذكرت الببليوجرافية له كتابا آخر وهو" بحث في فلسفة الضوء، القاهرة، 1918، 38 ص، في المقدمة ترجمة ابن الهيثم وأشهر مؤلفاته واكتشافاته العلمية "(5) ومن الملاحظ هنا أن الببليوجرافيا لم تفرق بين علي يوسف المهندس وعلي يوسف الصحفي المصري الشهير في ذلك الوقت باعتبارهما شخصا واحدا غير أن طبيعة مؤلفاتهما كانت هي الفيصل في التمييز بينهما فشتان بين من يكتب عن تاريخ العلم ومن يكتب في السياسة المعاصرة حينها.
وعلى الرغم من الاختلافات البسيطة في الترجمة وهو من الأمور الطبيعية بوجه عام بين مترجم وآخر فإن الأفكار والمعاني تظل ثابتة لا تتغير، وعلى الرغم ـ أيضا ـ من أن الترجمة الحديثة ـ إذا صح التعبير ـ قد حوت فضلاً عن الترجمة عرضاً وافياً لما قيل وصدر عن الترجمة وهو أمر يجعلها مرجعا لا غنى عنه في الحديث عن تلك المحاضرة ، وعلى الرغم من هذا كله فإننا سوف نعتمد على الترجمة القديمة للمهندس على يوسف لسببين:
الأول: إنّ تلك الترجمة هي التي طالعها الرأي العام المصري في حينها والتي حفزت الكتّاب إلى الرد عليها .
الثاني: إنّ الترجمة الحديثة برغم ما صاحبها من دراسات وافيه، إلا أن ترجمة المحاضرة لم تخل من أخطاء فعلى سبيل المثال جاء فيها قول المترجم: " كان ابن رشد وابن سينا والباطني عربا ..الخ "(6) ولم يذكر المترجم أي تعريف لكلمة " الباطني "رغم أن الترجمة حافلة بالتعريفات والهوامش، ومن الواضح أن " الباطني " هذه ليست سوى " البتاني " العالم الفلكي الشهير وهو ما أورده المهندس علي يوسف في ترجمته من تعريف للبتاني. وفيما يأتي أهم ما ورد بهذه المحاضرة والرد عليها:
* إن علوم العرب وفنون العرب وتمدن العرب وفلسفة العرب وعلوم المسلمين وتمدن المسلمين الذي نشأ عنـه آراء فاسدة وخطأ عظيم كثيراً ما عمل بـه، إذ لا يخفـى انخفاض بلاد الإسلام الآن وانحطاط دولهـم وجهالـة الأمم المختلفة التي اعتنقت هذا الدين علـى من له أدنى إلمام بحالتنا معاشر الأوروباويين (يقصد الأوروبيين وقد أثبتنا ما جاء على لسان المترجم).
* وكل من ذهب منـا إلـى المشرق أو إلى إفريقية رأى أن عقولهـم بلغت من الحمق غايتـه حتى كأن دينهـم صار غطاء على قلوبهـم فحجبهـا عن أن تعي شيئا من العلوم والأفكار الجديدة.
* وهذا التعاظم هو رذيلة المسلم الكبرى: فإنه يجد في عبادته ما يحثـه على احتقار ما عدا دينـه: ولاتّكاله على الله بأنه يؤتـي فضلـه من يشـاء ويهب ملكـه لمن يشـاء بلا توقف على سعـي للعلـم أو كد للفضائل تراه لا يلتفت إلـى التعلم ولا يجنح للكسب: بل له استخفاف عظيم بالعلوم.
* لا شيء مثل القرن الأول من الإسلام أبعد من العلوم والفلسفة لأن الإسلام هو نتيجة المنازعات الدينية التي دامت جملة قرون .
* ولهذا لا ترى في المدة التي كان الإسلام فيهـا منحصرا في الأمة العربيـة أعني مدة الخلفاء الأربعة الأولين ومدة بني أمية أدنى فكرة خارجة عن الديانة .
* ثم تغير كل ذلك في سنة 750م لمـا قويت الفرس ونصروا بني العباس على بنـي أميـة وأعطوهم الملك.
* وعند ذلك انتقل مركز الإسلام إلـى أقطـار دجلة والفرات التي كانت قد حفظت بقايا أعظم تمدن عرفه الشرق أعني تمدن الفرس.
* هذا وأغلب سكان هذه الأقطار كانوا من النصارى النسطورية الذين كانوا منفردين بالطب وعلى إلمام بالفلسفة الإغريقيـة وأساقفتهم كانوا من أهل الهندسة والمنطق فجاء الإسلام وأوقف هذا التقدم الإيراني الجليل مدة مائة سنة .
* ثم أن النسطوريـة تقربوا إلـى هؤلاء الخلفاء قليلي الدين وصاروا أول أطبائهم .
* وتأسست مدينـة بغداد عاصمـة لهذه الدولـة الفارسيـة في الحقيقـة وكان النصارى والمجوس أعلياء الكلمـة وللنصارى على الأخص أعطيت شئون الإدارة والضبط حتى أنه يشك في إسلام الخلفاء الراشدين المشهورين أعنى المنصور وهارون الرشيد والمأمون.
* وقد أطلقت هذه الكلمـة الإغريقية الأصل ـ الفلسفـة ـ علـى كل ما خالف الديانة وصار كل من يطلق عليه لقب فيلسوف معرّضاً للمخاوف والاضطهـاد أو للموت كلفظة زنديق.
* فهـذه هي الفلسفـة التي يقال لهـا فلسفـة عربيـة لأنها كتبت باللغـة العربيـة والحال أنهـا في الحقيقـة فلسفة إغريقية ساسانية أو إغريقيـة فقط لأن عنصرهـا المنتج جاء من الإغريق.
* وبواسطة ترجمة هذه الكتب العربية المترجمة من الإغريقية عرفت أوروبا علوم الإغريق وفلسفتهـم التي فتقت قرائح أهلها وإنارتها .
* ولو كانت طلبت هذه الكتب من قسطنطينيـة لكان ذلك أولـى من ترجمتهـا من كتب عربية لغتهـا عاجزة عن تأدية أفكار الإغريقيين, لكن منعنا من ذلك العداوة الدينيـة التي كانت بين كنيسة رومـه وكنيسة قسطنطينية.
* ولهذه الأسباب أخذنا من أسبانيا العلوم الإغريقية مترجمة ترجمـة رديئـة مغشوشـة عوضا عن الفلسفة الإغريقية الحقيقية.
* ومن سنـة 1130 إلـى 1150 من الميلاد أرسلت إلـى طليطلـة جمعيـة مترجمين من أهل النشاط تحت رئاسة المطران ريموند لترجمـة كتب العلم العربيـة المهمـة إلـى اللغـة اللاتينية .
* ولـم يظهـر منذ سنـة 1200 م, فيلسوف عربـي, فإن الفلسفة وإن لم تترك كليـة كانت على الدوام محظورة ومضطهدة عند المسلمين بنفس الإسلام.
* ونرى أيضـا أن كتب الفلسفة أعدمت وصارت نادرة جداً وأنه لا يجوز تعليم علم الفلك إلا بقدر ما هو لازم لمعرفة اتجاه القبلة للصلاة.
* ثم بعد ذلك أتت أمة الترك واستولت على الإسلام وغلبت عليها حالتها الغريزية في إطفاء الفلسفة والعلوم بالكلية.
* ومن هذا العهد انخفض لواء العلوم والفلسفة, فلا يوجد في بلاد الإسلام عالم ذو فكرة وقادة إلا نادرا مثل ابن خلدون. والحاصل أن الإسلام قتل العلم والفلسفة في شخصـه.
* لكن هذه العلوم التي اعتاد الناس بتسميتهـا علومـا عربيـة هي في الحقيقة عربية ؟ لا ! ليس للعرب فيها إلا اللغة وحدهـا فإن الفتوحات الإسلاميـة نشرت لغتهم من الحجاز إلى أقصى بلاد العالم فظن أن كل ما كتب باللغـة العربية كان من ذوق العرب وأفكارهم كما ظن من قبل أن كل ما كتب باللغة اللاتينية كان من ذوق اللاتينيين وأفكارهم والحال أن الأمر بخلاف ذلك .
* ولو حققنـا لوجدنا أن جميع العلمـاء والفلاسفـة المدعـى أنهـم من العرب ليس فيهم من النسل العربـي إلا الكندي .
* إنمـا قد استعملوا اللغـة العربيـة في مؤلفاتهم مع قصورها عن تأدية مرادهم. فاللغة العربية وإن كانت صالحة للشعر والفصاحة لا تصلح للفلسفة .
* فظهر لنـا مما تقدم أن العلوم التي يقال لهـا عربية ليست كذلك فهل هـي إذن إسلاميـة ؟ وهل أجاز الدين الإسلامي البحث عن حقائق الأشياء. كلا ! لأن الذين نشروا المعارف ورفعوهـا هم المجوس والنصارى واليهود والحرانيون والاسماعيليون والمسلمون المنافقون وأما المسلمون المؤمنون فكانوا يسبونهـا حتى أن علماء التوحيد كفروا المأمون لأنه أجاز تعليم الفلسفة الإغريقية ونسبوا المصائب التي جاءت في حكمـه إلـى تسامحـه
* وكثيرا ما اضطر الخلفاء خوفا من الرعيـة المحرضـة بهؤلاء الأتقياء على حرق كتب الفلسفة وعلم الفلك في ميدان أمام الأهالي أو على طرحها في الآبار والصهاريج وكان يقال لمن يتعلم هذه العلوم زنديق ويضرب في الحارات ويحرق بيتـه وربمـا اضطرت الحكومـة إلى قتلـه لتسكين ثائرة الأهالـي .
وينتج من ذلك أن دين الإسلام حظر دائمـا العلوم والفلسفـة وعذب أهلهـا حتى قطع دابرها.
* غير أنه ينبغـي تمييز مدّتين في تاريخ الإسلام: الأولـى ـ من ابتدائـه لغاية القرن الثاني عشر من الميلاد. والأخرى من القرن الثالث عشر لغاية وقتنـا هذا .
* فبسبب وجود المعتزلـة وغيرهم من أصحاب المذاهب الكثيرة في المدة الأولـى كان التعصب والغيرة على العمل بالدين أقلّ منـه في المدة الثانيـة التي فيها وقع الإسلام تحت أيدي التتر والبربر الذين هم دواب وهمج لا يعقلون.
* ويشاهد أنـه مع مضـي الزمن تقوى إيمان المسلمين واشتد تعصبهـم للدين فإن العرب الذين أسلموا في مبدأ الأمر كان تصديقهم بنبوة محمد ضعيفـا جدا كما كان يمكن مشاهدته في مدة القرنين الأولين أو الثلاثة قرون الأولى.
* لمـا كثر عدد المسلمين واشتدت حميتهم الدينيـة زالت العلوم وظهر الهول الدينـي والنفاق ظهوراً تامـا فكان دين الإسلام ذا حرية وعدل لمـا كان ضعيفـا وذا قساوة لما كان قويا فلا فضل إذاً فيما أجازه لعدم استطاعته منعه ففضله في ذلك كفضل علماء ديننـا في علوم عصرنا التي استكشفت رغما عنهم إذ عقائد الدين النصراني كان أشد منعا للعلوم من دين الإسلام إلا أنها ما نجحت في قتل العلم كما نجح دين الإسلام في بلاده.
* ومع ذلك فيثنـي على دين الإسلام كل من نُسِب إليه ـ يقصد بذلك المسلمين ـ التقدم الذي حصل رغمـا عنـه .
* إن دين الإسلام نفسه فيه أحكام رفيعة المقام وما دخلت في حياتي مسجدا من مساجد المسلمين إلا وحصل لـي انجذاب لدين الإسلام بل لقد تأسفت على عدم كوني مسلما .غير أن هذا الدين أخر العقل البشرى وحجبـه عن التأمل في حقائق الأشياء بنفوذ زاد مفعول تأثيره عن الأديان الأخرى حتى جعل بعض البلاد التي انتشر فيها كميدان لا يعبره البحث عن حقائق الأشياء الذي يتسع به العقل.
* وزد على ذلك أن عقول أهل هذه البلاد قاصرة من نفسها وما يتميز به المسلم هو بغضه للعلوم واعتقاده أن البحث كفر وقلة عقل لا فائدة فيـه.
* فتعلم علم الخليقة معارضة للـه, وتعلم علم التاريخ ربما أرجع الضلال القديم لاشتماله على الأزمنة التي سبقت الإسلام ومن البراهين الغريبـة على ذلك الشيخ رفاعة الذي أقام بباريس عدة سنين بوظيفـة إمام للمدرسة المصرية وألف بعد رجوعـه إلى مصر كتابا حوى ملاحظات عجيبة على الأمـة الفرنساوية يجزم فيه بأن العلوم الأوروباوية كفر خصوصا دعواهـا ببقاء الخليقة. ولا عجب في قوله لأنه مطابق لدين الإسلام الذي هو عبارة عن عقائد دينيـة إلهامية منافية لحرية البحث عن الحقيقة التي ربما كانت مخالفة لها.
* إن التجارب تنافي اعتقاد ما فوق العقل وعقائد التوحيد أساسهـا ذلك. فحينئذ بغض دين الإسلام للعلوم مطابق لمبانيه. لكن لمبالغته في هذه المطابقة أضر نفسه وبقتله العلوم قتل نفسه ووقع في هذا الانحطاط التام .
الرد على ما جاء في المحاضرة :
تلك كانت الأفكار الرئيسية في محاضرة رينان وفيما يأتي بعض النقاط التي ترد على ما جاء بها وتفند مزاعمه.
■ أولاً: عندما تتسلط فكرةُ من الأفكار في ذهن كاتب ما بحيث لا يحيد عنهـا ويجاهد في سبيل الدلالة على صحّتها فإنّه في غمرة محاولاته المتكرّرة لإثبات صحّة ما يَـرْمِي إليـه من فكرتـه تلك ؛ سواء عن حقّ أَوْ بغيْر حقّ لا يلتفت في الغالب إلـى ما يَقعُ فيـه من تناقض قد غفل عنـه فتسْقط فكرتـه من أساسهـا ويَبْطلً ما ذهب إليـه في الدلالة على صحتها. وعندما نتأمل في محاضرة رينان سوف, نجد أنّه في غمْرة استغراقه التام في تلك الفكرة التي أخذت بتفكيره فلم يعُدْ يرى سواهـا وهى أنّ الإسلام بعيد عن العلوم، قد وَقـع في تناقض حادٍّ في بعض أقواله مما يزعزع أركان فكرتـه إنْ لمْ تَسْقطهـا من أساسها.
ولم يكن من العسير علينـا أَنْ نكْتشف هذا التناقض لأن الرجل لم يكن من همً له سوى الطعن على الإسلام. ويتمثل هذا التناقض الذي وَقَع فيه رينان عندمـا أثنـى على النقلـة الذين نقلوا تراث اليونان والفرس والهنود إلـى اللغـة العربيـة. وإذا كان المؤرخون والمستشرقون قد أثنوا على الدّور الذي قام بـه هؤلاء النقلـة من حِفْظهـم للتراث اليوناني بوجه خاص, غير أنَنا نَشْمّ من أسلوب رينان رائحة التعصب المقيت ضد مـا هُوَ عربـي وضد ما هـو إسلامي. فقد أَثْنـى رينان علـى النقلة لأنّهم ليسوا عَربـاً وليسوا مسلمين. وفي هذا الشأن يقول: " ... انتشار الفلسفة والعلوم بواسطة الأطباء النصارى من أهل الشام... الخ". وفي موضوع آخر يقـول: " لأنّ الذين نشروا المعارف ورفعوهـا هم المجوس والنصارى واليهود ... الخ ".
وعلـى الرّغم من هذا الثناء علـى النقلة، فإنّ رينان لم يتورّع عن وَصْف ترجمتهـم بأنها " ترجمة رديئة مغشوشة "، ومعنى هذا أنّ مَنْ كانوا موضع ثنـاء رينـان هم في نفس الوقت موضع انتقاده. والحقيقة أنّ رينـان كان صادقـاً في وَصْفـه للترجمـة بأنها رديئـة ومغشوشـة فقد أثبت بعض الباحثين ـ عربا وغير عرب ـ كثيراً من السلبيات التي أحاطت بحركـة الترجمـة، وهو أمر أدّى إلى وصول التراث اليوناني من جراء تلك الترجمـة الرديئة مشوهـا إلـى العرب(6).
وقد تناسى رينان أن العلماء العرب قد أجهدوا أنفسهم في تصحيح تلك الأخطاء وقضوا في ذلك قرنين ونصف من الزمان (7).
وثمـة تناقض آخر قد وقـع فيـه رينـان عندمـا طعن على اللغة العربيـة بقولـه: " ... استعملوا ـ أي العلماء المسلمين ـ اللغـة العربيـة مع قصورهـا عن تأديـة مرادهـم ولا يستقيم هذا القول ـ بطبيعـة الحـال ـ مع تعليق رينـان نفسـه في كتاب ابن رشد بقولـه " لولا ابن رشد لَمـا فهمْت فلسفة أرسطو "(8).
ولأن رينان في غمار عداوته لكل ما هو عربي وإسلامي مستهدفا ـ هذه المرة ـ اللغة العربية لم يلتفت إلى رأي البيروني العالم الشهير، ففي الفصل الرابع من كتابه "الصيدنة " ذكر البيروني مآثر اللغـة العربية وجمالهـا وسعتها ، وذم الفارسية وعدّها غير صالحة لكتابة العلوم حيث قال " وسيعرف مصداق قولي من تأمل كتاب علم قد نقل إلى الفارسي كيف ذهب رونقـه وكسف بالـه واسود وجهـه وزال الانتفاع بـه، إذ لا تصلح هذه اللغـة إلا للأخبار الكسرويـة والأسمار الليليـة "(9).
وأغلب الظن أن البيروني أراد بكتابة هذا الفصل أن يقول لنا، إنّه وضع يده على اللغة التي تؤدي المعاني العلمية في يسر وسلاسة، وهي اللغة العربية برغم إتقانه لغات عدّة، وبرغم أصله الفارسي. إذن فالبيروني قد اختار عن وعي وإدراك تامين اللغة التي تؤدي المعاني العلمية، فاللغة العربية كانت في ذلك الوقت لغة عالمية وعلمية، وهو عين ما يفعله الآن كثير من العلماء التي لا تتحدث بلدانهم اللغة الإنجليزية. ومن العجيب أن رينان لم يفطن إلى تلك الكثرة الهائلة من الألفاظ العربية التي كان معظمها من المصطلحات العلمية، يقول ديورانت: "وقد أحدثت هذه التراجم ـ يقصد ترجمة التراث العلمي العربي إلى اللغة اللاتينية ـ كلها في أوروبا اللاتينية ثورة عظيمة الخطر، ذلك أن تدفق النصوص العلمية من بلاد الإسلام كان له أعمق الأثر في استثارة العلماء الذين بدءوا يستيقظون من سباتهم. وكان عجز المترجمين عن أن يجدوا مفردات لاتينية تؤدي المعاني التي يريدون نقلها إلى تلك اللغة هو الذي أدى إلى دخول كثير من الألفاظ العربية في اللغات الأوروبية "(10). ومعنى هذا أن اللاتينية وليست العربية هي التي عجزت عن تأدية المعاني العلمية العربية في كثير من العلوم نذكر منها على سبيل المثال الرياضيات(11) والطب(12) والمعادن(13).
■ ثانياً: من الآراء البالغة الغرابة في الجهل بحقائق التاريخ قوله: " إن العرب الذين أسلموا في مبدأ الأمر كان تصديقهم بنبوة محمد ضعيفـا جدا ...الخ " ولعل تلك الغرابة سرعان ما تزول إذا أدركنا أنّ المستشرقين حاولوا جهد الطاقة أن يثبتوا ذلك بشتى الوسائل، فهو من هذه الناحية إنما يمثل اتجاها عاما لدى المستشرقين ولعل ما رواه الدكتور عمر فروخ يفضح هذا الأمر عندمـا كان مبعوثا في ألمانيا لنيل أطروحـة الدكتوراه حيث يقول : “ وسألـني يوسف هل ـ وهو المستشرق الألمانـي الذي أشرف على أطروحة الدكتوراه ـ عن الموضوع الذي كنت أفكر فيه لرسالتي . كنت يومذاك (1935) في عنفوان الشباب فقلت له : “ مدى القومية العربية ـ عظمة الشاعر المتنبي ـ أثر العرب في الثقافة العالمية ... وأشباه ذلك.
استمع إلى بصبر فلما سكت قال لي: احتفظ بهذه الموضوعات. فإذا أنت رجعت إلى بيروت فاكتبهـا وانشرها في الجرائد. ثم قال لي: هنالك موضوع مهم مازلت أعرضه على الطلاب الألمان الراغبين في الإستشراق, منذ عشرين عامـا, فلم أجد الهمـة عند أحد لمتابعته, مع أن نفرا منهم بدأ بتجميع مواده ثم تخلى عن الاستمرار فيه إنه موضوع يحتاج إلى رجل عربي سريع المضي في المصادر العربية. هذا الموضوع هو المشكلـة الآتية: يرى نفر من المستشرقين أن الإسلام لم يستقر في نفوس المسلمين إلا في العصر العباسي (قياسا على أن النصرانية لم تبدأ في الانتشار بين الناس إلا في القرن الرابع الميلادي). فهل تستطيع أنت أن تعالج هذا الموضوع وتضع هذه المشكلة على أحد جانبيهـا؟
بدأت العمل وجمعت عشرة آلاف بيت شعر مؤرخة بالسنوات, منذ السنة الأولى للهجرة (622م) إلى موت الخليفة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ (644م).
دخل في رسالتي أربعمائـة بيت من تلك الأبيات دلت بجزم ووضوح أن تعاليم الإسلام كانت تستقر في نفوس المسلمين (ونطاق الرسالة كان منذ الهجرة) في الوقت الذي كانت تلك التعاليم تفرض عليهـم أو ينزل فيهـا وحى “(14).
وإذا كانت لهذه الرواية أكثر من دلالة تتعلق بنظـرة المستشرقين حيال الإسلام وحيرتهـم الشديدة حيال سرعة انتشاره فى عقود قليلة من السنين, فإن الدلالة التي يمكن أن نخرج بها والتي تتعلق بشخص الدكتور عمر فروخ هي ؛ أن يوسف هل قد أراد شيئا بينما أراد الدكتور فروخ شيئا آخر عكس الأول ومناقضا لما ذهب إليه أستاذه المشرف على رسالته " . وعلى أي حال فقد كان هذا هو اتجاه سائد لدى جمهرة كبيرة من المستشرقين حاولوا جهد الطاقة في إثباته، غير أن حقائق التاريخ قد أتت بعكس ما أراد المستشرقون.
■ ثالثاً: من أغرب ما أبداه رينان من آراء لا تخلو مـن تعصّبٍ ذميم ضد الإسلام فضلاً عمـا يحوط تلك الآراء من جهل بحقائق الواقع والتاريخ, وهي الآراء الخاصّة بكيفيّة انتشار الفلسفـة والعلـوم في العصـر العباسي. وخلاصة هذه الآراء جميعهـا أن الفلسفـة والعلوم قد انتشروا عندما ضَعُفت سلطة الدين في هذا العصر. حيث يقول في هذا الشأن: " وكانت النتيجة المحققّة من هذا التراخي المؤقت بموجب أحكام الديانة انتشار الفلسفة والعلوم ... الخ ".
غير أنّنا سوف نُورِدُ رأيْـاً آخر لرينان في نفس المحاضرة يَهْدم ما اَدّعـاه من الرأي السابق من أساسـه حيث يرى رينان أنّ الإسـلام بَدأ ضعيفـاً ثم قَوِيَ بعد ذلك. يقول رينان: " أَنّه مع مضـي الزمن تقوى إيمان المسلمين واشتدّ تعصّبهـم للدّين... الخ .
والسؤال الآن كيف يستقيم الأمر بين هذين الرأيْين المتناقضيْن فإذا كانت الفلسفـة والعلوم قد انتشرا في العصر العباسي عندمـا ضعفت سلطـة الدين ؛ فلماذا لم تنتشر الفلسفـة والعلوم قبل ذلك ـ في العصر الأموي مثلا ـ مع أن الإسلام ـ كما قال ـ لـم يَقْو إلا بعد مضـي الزمن، وكما قال أيضـا في بدايـة محاضرتـه " لاشـيء مثل القرن الأول من الإسلام أبعد من العلوم والفلسفة " .
■ رابعاً: يُعَدّ رينان من المستشرقين الثقاة في فلسفـة ابن رشد بدليل حصولـه على الدكتوراه عن ابن رشد وفلسفتـه. ولقد ذكر رينان ابن رشد في أكثر من موضع في محاضرتـه مشيراً من طرف خفي أنّ سبب نكبـة ابن رشد هو اشتغاله بالفلسفـة لأنّ الفلسفـة على حدّ تعبير رينان " كانت على الدوام محظورة ومضطهدة عند المسلمين بنفس الإسلام ". يقول رينان عن ابن رشد " عند وفاة ابن رشد آخر فلاسفـة العرب بمراكش مغموراً " في الحزن والنسيان كانت أوروبا آخَذه بجد في اكتساب العلوم " وفي موضع آخر يقول: " بينما كان ابن رشد مشهوراً عندنـا كشهرة أرسطو كان بين إخوانه من المسلمين متروكـا في زوايا النسيان "
والحقيقة أنّ اشتغال ابن رشد بالفلسفـة لم تكن لهـا صلة لا من قريب أو من بعيد فيما حل بابن رشد من نكبات واضطهـاد.
يقول العقاد عن سبب نكبة ابن رشد : " لقد نُكِب بشّار ولم يُنَكَب مطيع بن إياس وكلاهما كان يتزندق، ولكنّ بشّاراً هجـا الخليفة ومطيع لم يقترف هذه الحماقة فنجـا مطيع وهَلَك بشار.
ولم يكن ابن رشد أوّل شارحٍ لكتب الأقدمين, فقد سبقه ابن باجة إلى شَرْح بعضهـا, ولكن ابن باجة كان يُحْسِنُ مصاحبة السلطان وابن رشد لم يكن يُحْسِنُ هذه الصناعة, فنُكِب ابن رشد ولم يُنْكَب ابن باجة. وقيل في أسباب النكبة أَن حساد ابن رشد دسوا عليـه أناساً من تلاميذه يَستَمْلونه شرح الكتب الفلسفية فشرحهـا لهم ونقلوهـا عنـه كأنّهـا من رأيه وكَلاَمه وأشهدوا عليهـا مائـة شاهد ثم رفعوهـا إلى الخليفة وطلبوا عقابـه لانحلال عقيدتـه فنكبـه وألزمـه أَنْ ينزوي في قرية بجوار قرطبـة ولا يبرحهـا " (16).
إذن فالسياسة ولا شيء سواها كانت سبب نكبة ابن رشد وليس كما زعم رينان.
لقد أفاض رينان في ذكر ما سمّاه نكبة ابن رشد لا لسبب سوى التدليل على أن اشتغاله بالفلسفة كانت سبب نكبته على حد تعبير رينان ولعلنا نعجب أشد العجب عندما نعلم أن ما قيل عن هذه النكبة إنما تتمثل في أنه قد فقد حظوته عند المنصور حاكم مراكش وقتها الذي غضب عليه في سنة591 هـ إثر وشاية من بعض الحاقدين عليه ونفاه إلى قرية بالقرب من قرطبة ثم ما لبث أن عفا عنه واستدعاه إلى مراكش حيث مات بعد ذلك بقليل سنة595هـ (1199م) (17) وعلى الرغم من اختلاف الآراء في تفسير محنة ابن رشد، إلا أن رينان وقد عددها جميعا قد رجح فيما يشبه اليقين والتأكيد على أن الفلسفة كانت هي السبب في تلك المحنة فيقول: " ومهما يكن من أمر هذه الحكايات فإنه لا يمكن الشك في أن الفلسفة كانت عامل محنة ابن رشد الحقيقي، وذلك أنها صنعت له من الأعداء الأقوياء من جعلوا صحة اعتقاده موضع شبهة لدى المنصور " (18).
تلك هي الهالة التي حاكها رينان وأمثاله من هذا النمط من المستشرقين، في الوقت الذي فيه قد نسوا جميعا أن الكنيسة في أوروبا قد اضطهدت العلم والعلماء ، يقول ديورانت: " لم تستطع البروتستينية أن تؤيد العلم لأنها أسست على كتاب مقدس معصوم ، ورفض لوثر ـ المصلح الديني الشهير ـ فلك كوبرنيق لأن التوراة ذكرت أن يشوع أمر الشمس، لا الأرض، أن تقف " (19).
ومن العجيب أن رينان الذي تأسف على نكبة ابن رشد قد تناسى ما فعلته محاكم التفتيش في معظم ربوع أوروبا، فلم يتأسف على نكبة الفلكي الإيطالي الشهير جاليليو Galileo وأحد بناة العلم في عصر النهضة عندما أصدرت إحدى محاكم التفتيش في إيطاليا سنة 1633قرارها بإدانته بالهرطقة والتمرد والعصيان. وعرضت عليه الغفران شريطة تأدية القسم علنا أمام الجمهور بالتخلي عن آرائه في الفلك وحكمت عليه بالسجن، ورأت للتكفير عن ذنبه أن يتلو مزامير الكفارة السبعة كل يوم طيلة السنوات الثلاث التالية وفي هذا يقول ديورانت: " واضح أن جاليليو كان رجلا متهدما مغلوبا على أمره أذلته كنيسة أحسّت بأنها وصية على عقيدة بني البشر وآمالهم وأخلاقهم أنْ تخلّيه عن آرائه بعد قضاء شهور عدّة في السجن، وأيام عدّة من المساءلة والمحاكمة، مما كان من الجائز أن يحطّم عقل مكافح شاب كما يحطم رادته، نقول: إنّ هذا التخلّي كان أمرا يمكن لدى شيخ هرم علق بذاكرته إحراق برونو"(20) أما برونو الذي ورد اسمه فهو أحد الفلاسفة الذين تبنوا بعض أفكار كوبرنيكس الفلكية حيث حكم عيه بأن يحرق حيا في سنة 1600 م على مشهد من جمع غفير (21). وهل نسي رينان أيضا أن ميشيل سرفيتوس Servitus الذي نشر عام 1553 كتابا يصف فيه الدورة الدموية قد أعدم بسببه حرقا (22).
ولقد حفظ لنا التاريخ ـ من حسن الحظ ـ تلك الرسالة الخالدة التي يبرأ فيها جاليليو من أفكاره الفلكية في أخريات حياته وقد قارب من السبعين عاما والتي يقول فيها: " بقلب مخلص، وإيمان صادق، ألعن وأبغض وأعلن التخلي عن الأخطاء والهرطقة المنسوبة إليّ، وعن أي خطأ أو هرطقة أخرى أخالف فيها الكنيسة المقدسة. وأقسم أني لن أذكر بعد اليوم أي شيء قد يثير مثل هذه الريب حولي، وأني إذا عرفت أي هرطيق فلابدّ من أن أبلغ عنه هذه المحكمة.... وأدعو الله أن يمنحني العون وأن تساعدني هذه الكتب المقدسة التي أضع يدي عليها(23).
■ خامساً: يقول رينان في كذب ظاهر وحسرة زائفة "ونرى أيضـا أن كتب الفلسفة أعدمت وصارت نادرة جداً وأنه لا يجوز تعليم علم الفلك إلا بقدر ما هو لازم لمعرفة اتجاه القبلة للصلاة " . ومن يطالع هذا الكلام لابد أن يدور بذهنه على الفور أنه كانت هناك مذبحة لكتب الفلسفة ،غير أن كتب التاريخ قد خلت من ذكر هذا الأمر، كما أن المستشرقين الذين ما انفكوا يكيدون للإسلام والمسلمين لا نجد في مؤلفاتهم ما يؤيد هذا الرأي، ولعل رينان لو كان صادقا في دعواه لأقام هؤلاء المستشرقون الدنيا وأقعدوها طعنا في الإسلام الذي يضطهد الفلسفة والفلاسفة والعلم والعلماء، صحيح أن هناك من كان يبغض الفلسفة كالإمام الغزالي ـ مثلا ـ الذي كتب مؤلفا شهيرا ضد الفلسفة وهو كتاب " تهافت الفلاسفة " غير أن ابن رشد قد رد عليه بكتاب " تهافت التهافت " وهو نوع من صراع الأفكار الدالة على مدى رقي الحياة العقلية والفكرية في الحضارة العربية الإسلامية، فضلا عن كونها من الظواهر الصحية بكل المقاييس. ولعل أوضح دليل على كذب هذا الادعاء وبطلانه، أن جميع المؤرخين والمستشرقين من دون استثناء لم يجدوا فضلا للعرب سوى نقلهم لتراث الإغريق الحافل بالفلسفة والمنطق، فكيف يستقيم هذا مع ادعائه بأن كتب الفلسفة قد أعدمت.
إن المحنة الحقيقية التي حلت بكتب الفلسفة إنما جاءت على يد الأوروبيين أنفسهم إبان سقوط الأندلس، إذ يحدثنا عن هذه المحنة محمد عبد الله عنان في مؤلفه الموسوعي الشهير " دولة الإسلام في الأندلس " بقوله: "واستدعي الكردينال خمنيس إلى غرناطة ليعمل على تنصير المسلمين، ولم يقف عند تنظيم هذه الحركة الإرهابية التي انتهت بتوقيع التنصير على عشرات الألوف من المسلمين، ولكنه قرنها بارتكاب عمل بربري وشائن، هو أنه أمر بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية، ونظمت أكداسا هائلة في ميدان باب الرملة، أعظم ساحات المدينة، ومنها كثير من المصاحف البديعة الزخرف وأضرمت النيران فيها جميعا، ولم يستثن منها سوى ثلاثمائة من كتب الطب والعلوم، وذهبت ضحية هذا الإجراء الهمجي عشرات الألوف من الكتب العربية، هي خلاصة ما بقي من تراث التفكير الإسلامي في الأندلس" (24) .
ويعلق المؤرخ الأمريكي وليم برسكوت W.Prescott على هذه المحنة بقوله: " إن هذا العمل المحزن لم يقم به همجي جاهل، وإنما حبر مثقف ، وقد وقع لا في ظلام العصور الوسطى، ولكن في فجر القرن السادس عشر، وفي قلب أمة مستنيرة، تدين إلى أعظم حد بتقدمها إلى خزائن الحكمة العربية ذاتها "(25).
واستطرادا لسلسلة الإبادة الجماعية للتراث العربي، فقد ذكر المؤرخ جيبون Gibbon عن الدولة الرومانية أنه كان في مدينة طرابلس وحدها على عهد الفاطميين، مكتبة تحتوي على ثلاثة ملايين مجلد أحرقها الفرنجة كلها في سنة 502هـ (1100م)(26).
■ سادساً: لم يأل رينان جهدا في التدليل على أن الإسلام دين يعادي العلم، وأن العرب إذا كان لهم حظ من العلم فإنه لا يعدو عن كونه علما يونانيا قد كُتِب باللسان العربي ، وقد شايع هذا النهج جمهرة كبيرة من مؤرخي العلم من الغربيين. ولو كان رينان على قدر يسير من البصر والبصيرة لأدرك فضل الإسلام بوصفه عقيدة على العلم وهو ما تنبه إليه عدد من المستشرقين منهم على سبيل المثال ؛ كرلو نلينو C. Nallino وهو من الثقات في علم الفلك عند العرب إذ ألف كتابا شهيراً بعنوان " علم الفلك ...تاريخه عند العرب في القرون الوسطى " بيّن فيه العلاقة بين تقدم العرب في علم الفك من ناحية وبين بعض أركان الإسلام من ناحية أخرى إذ يقول: " لا يخفى على من اعتبر أمور الدين الإسلامي، ما وقع بين بعض أحكام الشريعة الإسلامية في العبادات وبين بعض الظواهر الفلكية من الارتباط الواضح الجليّ. إن أوقات الصلوات الخمس تختلف من بلد إلى بلد، ومن يوم إلى يوم، فيقتضي حسابها معرفة عرض البلد الجغرافي، وحركة الشمس في فلك البروج .ومن شروط الصلاة الاتجاه إلى الكعبة فيستلزم ذلك معرفة سمت القبلة .كما أن أحكام الشريعة في الصوم حملت الفلكيين على البحث في المسائل العويصة بشرط رؤية الهلال وأحوال الشفق، فبرزوا في ذلك واخترعوا حسابات وطرقا بديعة لم يسبقهم إليها أحد. فبالجملة أن ارتباط بعض أحكام الشريعة بالمسائل الفلكية زاد المسلمين اهتماما بمعرفة أمور السماء والكواكب ....الخ " (27).
ومثال آخر هو مؤرخ العلم توبي هاف Toby E. Huff إذ يؤكد في كتابه " فجر العلم الحديث " على دور الإسلام بوصفه عقيدة في تقدم العلم حيث يقول: " من أجل تقسيم المواريث فقد اعتبر الحساب موضوعا مهما للدراسة وكذلك كانت الحاجة إلى تأدية الشعائر إلى تحديد المواقيت ومن ثم إلى استخدام الهندسة وابتكار حساب المثلثات من أجل اكتساب عمليات حسابية تحدد الاتجاه إلى مكة حيث القبلة للمصلي. وباختصار وبدافع حب الاستطلاع ولدوافع دينية بلغ العالم العربي الإسلامي من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر أعلى مستوى من التقدم العلمي"(28).
وبعيداً عن العلوم التي تشترك فيها الأمم بدرجة أو بأخرى كالطب والفلك والرياضيات، فإن هناك علما لا يستطيع أي مستشرق أو مؤرخ أن يدّعي أن اليونان قد أسهمت فيه من قريب أو بعيد، وهو الكيمياء، عدا تلك الخرافة القائلة بشأن إمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة كالذهب، والتي رفضها وبينوا بطلانها الغالبية من العلماء العرب على أساس من النهج العلمي السليم(29). ولقد تحدث مؤرخو العلم على اختلاف مذاهبهم فيما يشبه الإجماع على أن الكيمياء علم عربي أصيل لفظا ومعنى، فمن ناحية اللفظ فقد استقر الرأي على أن "الكيمياء" Chemistry ؛ هي كلمة عربية بشهادة مؤرخ الكيمياء هوليميارد Holmyard (30)، وعرفت في سائر اللغات بهذا الاسم العربي الأصل. هذا من ناحية اللفظ، أما من ناحية المعنى فيقول ديورانت W. Durant : " يكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علما من العلوم ؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة والتجارب العملية والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر في اليونان على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة، فقد اخترعوا الأنبيق وسموه بهذا الاسم وحللوا عددا لا يحصى من المواد تحليلا كيميائيا وميزوا بين الأحماض والقلويات ودرسوا مئات من العقاقير الطبية، وركبوا مئات منها. وبفضل الطريقة التي جروا عليها في اشتغالهم بهذا العلم وهي أكثر طرق العصور الوسطى انطباقا على الوسائل العلمية الصحيحة "(31) . ويقف ج.برنال G. Bernalعلى نفس المسافة من هذا الرأي فيقول: "كانت الكيمياء هي الحقل الذي حقق فيه المسلمون أكبر إسهاماتهم في التقدم العام للعلوم، وتظهر مؤلفاتهم أنهم على معرفة مباشرة بالتقنيات المعملية في تداول العقاقير، والأملاح، والمعادن الثمينة. وتعتمد الكيمياء على الخبرة الواسعة الانتشار بعددٍ من المواد والعمليات، ولا يمكن الكيمياء أن تصبح علما، إلا إذا جمعت هذه الخبرة معا ويمكن استيعابها ككل وتزويدها ببعض المبادئ العامة. وهذا هو ما فعله العرب وهو أمرٌ يعطيهم الحق في أن نعتبرهم المؤسسين لعلم الكيمياء "(32). ويكاد علم الأقراباذين ـ أي المادة الطبية ـ (وهو فرع الطب الذي يبحث في مصادر الأدوية وطبيعتها وخصائصها وتحضيرها وهو علم وثيق الصلة بالكيمياء) لديهم ـ يقصد العرب ـ هو نفس ما لدينا اليوم، ولا يبرح كثير من طرق العلاج عندهم مستعملا بين ظهرانينا إلى اليوم " (33)
■ سابعاً: من أَعْجب مـا ادعاه رينان قبيْل نهاية محاضرته في سبيل التدليل على أَنّ دراسـة العلوم منافيـة للإسلام, أَنّ رفاعـة الطهطاوى ألّف بعد رجوعـه من فرنسـا كتاباً جَزَم فيه أَنّ العلوم كفر يقول رينـان: " .... ومن البراهين الغريبـة على ذلك الشيخ رفاعـة الذي أقام بباريس سنين عدّة وألّف بعد رجوعـه إلـى مصر كتاباً حوى ملاحظات عجيبة على الأمّة الفرنساويـة يجزم فيـه بأنّ العلوم الأوروباويـة كفر خصوصـاً دعواهـا ببقاء الخليقـة ولا عجب في قولـه هذا لأنـه مطابق لدين الإسلام .. الخ".
والسؤال الآن كَيْف أباح لنفسـه رجل كرينان يُعَدّ في زمْرِة العلماء أَنْ يذكر ما ذكره عن رفاعـة الطهطاوي أَبْعَد ما يكون عن الحقيقـة التي تتطلبهـا أخلاق العلماء. ولعلّنـا لا نجاوز الصواب إِنْ قلنـا أنّ وجود شخصيته دينية مستنيرٍة كرفاعـة الطهطاوي سواء في سيرتـه أو أعمالـه يَهْدم أساس ما بناه رينان في محاضرتـه جملـةً وتفصيلا. ومن سوء حظ رينان أنّ المطابع قد احتفظت لنا بمؤلفات رفاعة الطهطاوي لقرب العهد بصاحبهـا. وقد تضمّن جزء غير قليل من مؤلفات الطهطاوي مؤلّفات في العلوم العصرية ما بَيْن ترجمةٍ وتأليف. فمن الكتب التي تَرْجمهـا في العلوم كتاب أصول المعادن ومقدمـة جغرافيا طبيعيـة وثلاث مقالات من كتابٍ في علم الهندسة ونبذة في علم الهيئـة (الفلك ). ونبذة في علم سياسة الصحة ... الخ (34).
غير أنّه يُذكَرُ لرفاعـة الطهطاوي أَنّه قد أُنْشئَت في أوائل سنـة 1351هـ (1835م) ـ تحقيقـاً لاقتراح تقدّم به ـ مدرسـة الألسن حَتّى يتسنّى تَرجمة المؤلّفات الأوروبية في شتّى المعارف إلـى اللغة العربية. وقد قُسّمت فيما بعد (1841م) إلى أربعـة أقسام يهمنّا أَنْ نذكر قسميْن منهـا همـا قسم لترجمة الكتب العلمية والرياضية وقسم لترجمـة الكتب في العلوم الطبية والطبيعية(35) .
ليس هذا فحسب بل أنّه طالمـا نادى بوجوب تعليم الأزهريين العلوم العصرية. يقول الطهطاوي في هذا الشأن: " ومدار سلوك جادة الرشاد والإصابـة منوط بهذه العصبـة (يقصد شيوخ الأزهر وطلابـه) معرفـة سائر العلوم البشريـة المدنيـة من كلّ ما يُحْمَد على تعلّمه وتَعْليمه علمـاء الأمّة المحمدية , لاسيما وأنّ هذه العلوم الحكمية العمليـة التي يظهر الآن أنّها أجنبية هي علوم إسلامية نقلهـا الأجانب إلى لغاتهم من الكتب العربية فلـو تشبث من الآن فصاعداً أَهْل العِلْم الأزهريين بالعلوم العصريـة لفازوا بدرجة الكمال .... الخ (36) .
وإذا كان رفاعـة الطهطاوي لم يَنْج من كذب رينان فإنّ جمال الدين الأفغاني لم يكن بأحسن حالاً من الطهطاوي في رأْى رينان. فقد وصف رينان الأفغانـي عندمـا زاره الأخير في باريس بأنّه ـ أي الأفغاني ـ ملحد عظيم(37).
■ ثامناً: كنّا نظنّ أن رينان واحد من المستشرقين الذين تجاوزوا حدود الصواب وانزلقوا في مهاوى التعميمات الخاطئـة، بدلاً من البحث عن الدليل المحدّد تفصيلاً حتى يمكن الحكم على صحة دعواه. فهذا أمر من اليسير ردّه بالشواهد المستمدة من حقائق تاريخ العرب, وتاريخ المسلمين. ولكن الرجل لم يشأ إلا أَنْ يُبَيّن لنـا أنّه مصابٌ بداء الحِقْد والتعصّب ضدّ العرب والإسلام. فلم يترك سبيلاً إلّا وسلكـه لتحقيق هذه الغايـة, وهو أمر جَعَل من هذه المحاضرة أَشْبـه بقائمـة اتهام ضدّ العرب والإسلام.
ولعل رينان قد أحسّ بأن الحاضرين قد هالهم هذا الكمّ الكبير من التّهم الموجهة إلى العرب والإسلام, أَوْ ربّما قد شَعر بأنـه قد تمادى أكثر ممّا يجب في توجيه هذه التهم, التي ساقها تباعاً في تعميمات يعوزها البرهان فأراد أَنْ يُجَمل نَفْسهُ أمام سامعيـه صادقا مصدقا، فحاول أَنْ يرتدى لباس الحيْدة والتجرّد بقولـه: " ولا يخطر ببالي قط أدنى اعتراض على الأديان..الخ. ويبدو من هذا القول وبالنظر إلى سيرة رينان أنّه أشبـه بقول المريب الذي يكاد يقول خذوني لأن رينان نفسـه الذي يدّعـى عدم اعتراضـه على الأديان كان خارجاً على تعاليم المسيحية في كتابـه الذي ألّفـه عن حياة السيد المسيح, وهو أمر حرمتـه الكنيسـة الكاثوليكية ومنعت رعاياهـا من قراءة مؤلفاتـه. ويُـرْوَى أنّه في أخريات حياته حَن إلى زيارة مدرستـه الابتدائية فمنعـه من ذلك ناظر المدرسة لأنـه كافر ومنبوذ من الكنيسة(38). ولـم يَكْتف رينان بما تظاهر به أمـام سامعيـه من حيدة الرأْي حيال الأديان، بل أَرْدَف قوله السابق بقول أكثر إغراقاً في الغرابـة حيث قال: " إنّ دين الإسلام نفسه فيه أحكام رفيعـة المقام وما دَخْلتُ في حياتـي مسجداً من مساجد المسلمين إلا وحصل لي انجذاب لدين الإسلام بل تأسفتُ على عدم كونـي مسلمـاً ".
ويَبْدو أن هذه الجملة التي جاءت على غير المألوف وعلى العكس تمامـا من السياق العام لمحاضرة قد أثارت دهشـة سامعيـه بدليل أن مترجم المحاضرة ـ وهو المهندس علي يوسف ـ قد أثْبتهـا كما جاءت في نصها الفرنسي.
■ تاسعاً: إن رينان وإنْ كان على علم ودراسةٍ بالفلسفـة وكَتَب فيها مؤلفات عدّة إلا أننا نعتقد أنـه لم يكن على شيء ذي بال من العلم. ولو كان رينان على شيء ملموس من العِلْم لعرف قيمة علوم العرب في مخطوطات التراث العلمي العربـي التي تعج بها مكتبات فرنسـا. ولكن الرجل لم يكن يَعْنيـه شيء من علوم المسلمين ولم يكلف نفسـه أَدنى جهدٍ في التعرف على إسهام المسلمين في هذا المجال حتى يكون على بَيّنـةٍ ممّا يقول لأنـه كان مَعْنيّاً بأمْرٍ آخر لا يتعداه، وهـو الطعْن على العرب وعلى المسلمين سواء في لغتهم أو دينهـم أو حتى علومهم. و يخيّل إلينـا أن رينان كان واحداً من هؤلاء المستشرقين الذين لم يجهدوا أنفسهم في التعرف على المصادر الأصلية لتراث العرب في لغتهـا الأصليـة، وأغلب الظن أن ذلك يرجع إلى ضعف مستواه في اللغة العربية باعترافه نفسه بأنه " مستعرب ضعيف المستوى في العربية " (42). وأغلب الظن أيضا أن كل محصولـه من دراسـة العلوم عند المسلمين كان من قراءتـه لمستشرقين سابقين له. فقد لوحظ " أن علماء الاستشراق الكبار يعتمدون في دراستهم للإسلام على مؤلـفات أوروبية في أغلب الأحيان فمثلا أ. جيب A. Gibb عندمـا يستعرض تاريخ الإسلام يرتكز إلى تسعة عشر مؤلفا أوروبيـا ويَفْعل الشيء نفسه فننسان مُشيل V.Mosheel عندمـا وضَع رسالته الحديثة عن العربي الحديث, ممـا يدل على الرغبة في وضع النظريات من دون التعرف على باطن الأرض المدروسـة. فهل يمكن أن تكون تلك النظرية علميـة وسليمة ؟ طبعـا, لا ..... الخ " (43).
■ عاشراً: ولو كان رينان قد أجْهَد نفسـه قليلاً في التعَرف على مآثر العرب العلميـة لكان له رَأْي آخر، ولكنـه لم يَفعل لسبب بسيط للغاية هْو أنه قد خشي أَنْ يهدم فكرتـه التي كرس لها حياته وهى الكيْد للعرب والطعن في الإسلام بوصفه عقيدة وإنه دين يناقض العلم.ولقد تبين لنا من تلك المحاضرة ومن سائر كتبه أنه يحتقر العلم العربي، حيث يقول: " فهذا العلم العربي وهذه الفلسفة العربية، لم يكونا إلا نقلا حقيرا للعلم والفلسفة اليونانية. وإذا تمعّنا في كل هذه الآثار نجد أن العلم العربي، لا شيء عربياً فيه، وأن صفحة من روجر بيكون لتحوي من التفكير العلمي الحق أضعاف هذا العلم غير الأصيل بالمرة " (44). تلك أحكام جائرة بكل المقاييس، لا تليق بمؤرخ يفترض فيه الموضوعية والتجرد من الهوى والعصبية وإذا في قوله هذا أكثر من سقطة يمكن مراجعته فيها ورده إلى الصواب فإن سقطته الكبيرة هو استشهاده بروجر بيكونR. Bacon لأن بيكون (1210 ـ 1290 م) كما يقول فؤاد سيزكين: "قد اقتبس جميع ما نسب إليه من نتائج علمية من الكتب العربية المترجمة إلى اللاتينية"(45). كما أن روجر بيكون الذي جعل رينان صفحة واحدة منه تحوي من التفكير العلمي أضعاف العلم العربي، قد آمن بفكرة تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة كالذهب، وهي الفكرة التي رفضها الغالبية العظمى من العلماء العرب ، والتي نادوا جميعا باستحالة هذا التحويل والتي سبق ذكرها رغم مرور قرون عدة من رفض العلماء العرب لها تطور فيها العلم في مجالات شتى، أي: إن بيكون لم يستفد من العقلية العلمية والنهج العملي لهؤلاء العلماء على الرغم من أنه في كثير من أعماله كان مستمدا من العلم العربي. ليس هذا فحسب بل يبدو أن علم بيكون هذا الذي أقر رينان أن صفحة واحدة منه تحوي من التفكير العلمي أضعاف علم العرب، كان عالة على العلم العربي بدليل اعتراف رينان نفسه ـ وهذا من العجيب ـ في قوله عندما سُئل بيكون عن مسألة فلسفية: " إنه انتحل ـ يقصد بيكون ـ رأي الأساتذة العرب جهرا ".(46) . وقال روجر بيكون في موضع آخر: " وظهر ابن رشد بعد ابن سينا، ظهر هذا الرجل ذو المذهب المتين الذي أصلح به أقوال أسلافه، وأضاف إليها كثيرا. وقد استشهد بيكون استشهادا صريحا بشروح الطبيعيات وكتاب النفس وكتاب السماء والعالم " " (47) وجميعها من مؤلفات ابن رشد .
خاتمة
على الرغم من أن رينان كان ذا شهرة غالبة، إلا أن بعضا من مؤرخي الفلسفة قد نقدوا آراءه بل وذهبوا مذهبا يخالف ما ذهب إليه. يقول مصطفى عبد الرازق في كتابه " تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ": " على أنا نجد من معاصري رينان الفرنسيين من يرميه بالحيف في حكمه على الفلسفة عند العرب. ففي كتاب دوجا Dugat " تاريخ الفلاسفة والمتكلمين من المسلمين " المطبوع بباريس سنة 1889 نجده يقول: " وهذه أحكام ـ يقصد بها آراء رينان ـ تذهب في البت إلى حد الشطط، ومصدرها سوء التحديد للفلسفة وجهلنا بما للعرب من مصنفات غير شروحهم لمؤلفات أرسطو.
وما أسوق إلا شاهدا واحداً:
فهل يظن ظان أن عقلا كعقل ابن سينا لم ينتج في الفلسفة شيئا طريفا ؟وهل مذاهب المعتزلة والأشعرية ليست ثمارا بديعة أنتجها الجنس العربي ؟" (48).
إن رينان وإنْ كان على علم ودراسةٍ بالفلسفـة وكَتَب فيها مؤلفات عديدة إلا أننا نعتقد أنـه لم يكن على شيء ذي بال من العلم. ولو كان رينان على شيء ملموس من العِلْم لعرف قيمة علوم العرب في مخطوطات التراث العلمي العربـي التي تعج بها مكتبات فرنسـا. ولكن الرجل لم يكن يَعْنيـه شيء من علوم المسلمين ولم يكلف نفسـه أَدنى جهدٍ في التعرف على إسهام المسلمين في هذا المجال حتى يكون على بَيّنـةٍ مما يقول لأنـه كان مَعْنيّاً بأمْرٍ آخر لا يتعداه، وهـو الطعْن على العرب وعلى المسلمين سواء في لغتهم أو دينهـم أو حتى علومهم. إن هذه المحاضرة ليست مجرد محاضرة من المحاضرات قد ألقاها مستشرق من المستشرقين، بل هي اتجاه عام في عالم الاستشراق ،فقد شايع هذا الرأي عدد من المستشرقين مثل جيوم تنمان G.Tennemann الذي يقول: " إن العرب ميالون إلى التأثر بالأوهام، وأن القرآن يعوق النظر العقلي الحر، وأن أهل السنة يقفون عند ظاهر النص، ولا يتجاوزونه إلى ما وراءه من معان وأسرار، وبهذا عاقوا انطلاق الفكر " (49).
ومن أصحاب هذا الرأي أيضا مارتن بلسنر M. Plessner الذي كتب يقول " وربما كان العلم هو أقل الميادين الثقافية خضوعـا لعملية الصبغ بالصبغة الإسلامية يضاف إلى ذلك, أن استمرار عداء المذهب السني الرسمي لعلوم الأوائل ـ يقصد علوم اليونان والفرس والهنود ـ وعدم تلاشـى هذا العداء ظل صفـةً مميزةً للإسلام. فقد كان أهل السنـة المسلمون يرون أن كل علـمٍ لا ينْبـع من القرآن والسنـة لا يعتبر عقيمـا فحسب, بل يعتبر الخطوة الأولـى على الطريق المفضي إلى الزندقة "(50) .
ولو كان رينان قد أجْهَد نفسـه قليلاً في التعَرف على مآثر العرب العلميـة لربمـا كان له رَأْي آخر ولكنـه لم يَفعل لسبب بسيط للغاية هْو أنه قد خشي أَنْ يهدم فكرتـه التي كرس لها حياته وهى الكيْد للعرب والطعن في الإسلام.
ولعل ما قاله المؤرخ الشهير ول ديورانت في مؤلفه الموسوعي " قصة الحضارة " يكذّب كل مزاعم رينان حول الإسلام والعلم إذ يقول في ختام الفصل الخاص بالفلسفة في ضمن حديثه عن " الفكر والفن في بلاد الإسلام الشرقية ": " وأن ما يؤسف له أن يكون علمنا بتلك القرون الثلاثة (750 ـ 1050 م) التي ازدهر فيها التفكير الإسلامي ناقصا كل النقص. وليس ما نعرفه من ثمار الفكر الإسلامي في تلك القرون إلا جزءا صغيرا مما بقي من تراث المسلمين، وليس هذا الجزء الباقي إلا قسما ضئيلا مما أثمرته قرائحهم، وليس ما أثبتناه في هذه الصحف، إلا نقطة من بحر تراثهم، وإذا كشف العلماء عن هذا التراث المنسيّ فأكبر ظننا أننا سنضع القرن العاشر ـ أي القرن الرابع الهجري ـ من تاريخ الإسلام في الشرق بين العصور الذهبية في تاريخ العقل البشري " (51).
* هوامش البحث *
(*)كبير باحثين بهيئة المساحة الجيولوجية (سابقا).
1 ـ الإسلام والحضارة الغربية , محمد كرد على ,ج1 ص54 .
2 ـ موسوعة المستشرقين، د. عبد الرحمن بدوي، ص314
3 ـ مناظرة رينان والأفغاني ترجمة ودراسة ، مجدي عبد الحافظ ،ص5
4 ـ الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي 1900 ـ 1925، إعداد عايدة إبراهيم نصير، ص66 .
5 ـ المصدر السابق، ص204 .
5 ـ مناظرة رينان والأفغاني ترجمة ودراسة، مصدر سابق، ص43.
7 ـ عبقرية العرب في العلم والفلسفة، د. عمر فروخ، ص 35 .
8ـ في الأدب الحديث, عمر الدسوقى, ج1 ص 378.
9 ـ البيروني، د. أحمد سعيد الدمرداش ، ص 63 .
10 ـ قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة محمد بدران، مج 17، ص21 .
11ـ راجع "مياسم العلم العربي على العلم الغربي .. الرياضيات مثالاً"، مصطفى يعقوب عبد النبي، الوعي الإسلامي، العدد 572، ربيع الآخر 1434 هـ، ص ص 34 ـ 39 .
12 ـ انظر كتاب " الجذور العربية في المصطلحات الطبية "، د.أحمد رفعت عبد الغفار، كلية الطب، جامعة الزقازيق، 2006 .
13 ـ راجع " الأصول العربية لأسماء المعادن في اللغات الأجنبية، مصطفى يعقوب عبد النبي، آفاق الثقافة والتراث، العدد 65، مارس 2009، ص ص 137 ـ 153 .
14 ـ الإستشراق ـ العدد الأول, يناير 1987, المستشرقون مالهم وما عليهم, د. عمر فروخ ، ص 58 .
15 ـ من هؤلاء العلماء الأستاذ محمود محمد شاكر في كتابـة " رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " والدكتور محمود حمدي زقزوق في كتابه " الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري " والدكتور مصطفى السباعي في كتابه " الاستشراق والمستشرقون وغيرهم من أفاضل العلماء والباحثين.
16 ـ ابن رشد, عباس محمود العقاد, ص 21.
17 ـ معجم أعلام الفكر الإنساني، د.إبراهيم مدكور ص13.
18 ـ ابن رشد والرشدية، إرنست رينان، ترجمة عادل زعيتر ، ص41.
19 ـ قصة الحضارة، مصدر سابق ،ج27 ص115.
20 ـ المصدر سابق، ج30 ص 280 .
21 ـ المصدر سابق، ج30 ص300 .
22 ـ في تراثنا العربي الإسلامي، د. توفيق الطويل، ص126 .
23 ـ قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة محمد بدران، ج 30 ص279 .
24 ـ دولة الإسلام في الأندلس، محمد عبد الله عنان، ج7 ص316 .
25 ـ المصدر السابق، ص 218 .
26 ـ خصائص الأدب العربي، أنور الجندي، ص220 .
27 ـ علم الفلك ...تاريخه عند العرب، كرلو نلينو، ص 229 .
28 ـ فجر العلم الحديث، توبي هاف، ترجمة د. أحمد محمود صبحي، ج1 ص 76.
29 ـ راجع " تبرئة العقل العربي من خرافة تحويل المعادن "، مصطفى يعقوب عبد النبي، الجسرة الثقافية ، العدد10 خريف 2001، ،ص ص 181 ـ 191 .
30 ـ الكيمياء عند العرب ، مصطفى لبيب عبد الغني ، ص28 .
31ـ قصة الحضارة ،ول ديورانت، ترجمة محمد بدران، ج13 ص187 .
32 ـ العلم في التاريخ ،ج. برنال، ترجمة علي علي ناصف ،ج1ص307 .
33 ـ معالم تاريخ الإنسانية، هـ. ج. ويلز، ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد، ج 3 ص 831 .
34 ـ عصر محمد على , عبد الرحمن الرافعى, ص 433.
35 ـ رفاعـة رافع الطهطاوى , د. جمال الدين الشيال , ص 31.
36 ـ المصدر السابق, ص 71.
37 ـ هؤلاء علموني, سلامـه موسى , ص 91.
38 ـ المصدر السابق, ص 70.
39 ـ نهاية الأرب للنويرى, تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم , ج19، ص 171.
40 ـ قصة الحضارة , ول ديورانت, ترجمـة محمد بدران, ج13، ص 380.
41 ـالبداية والنهاية لابن كثير، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ج17 ص359 .
42 ـ موسوعة المستشرقين، مصدر سابق، ص311 .
43 ـ فلسفة الاستشراق ، د. أحمد سمايلوفتش ، ص 706.
44 ـ مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، د. محمد السويسي ، ج2 ص 24.
45 ـ أبحاث الندوة العالمية الأولى لتاريخ العلوم عند العرب، لفيف من الباحثين، ص55 .
46 ـ ابن رشد والرشدية، مصدر سابق ، ص274.
47 ـ المصدر السابق، ص 275 .
48 ـ تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، مصطفى عبد الرازق، ص17 .
49 ـ قضايا من رحاب الفلسفة والعلم، د. توفيق الطويل، ص250 .
50 ـ تراث الإسلام، شاخت وبوذورث، ترجمة د.حسين مؤنس وآخرين، ج2 ص 217 .
51 ـ قصة الحضارة، مصدر سابق، ج 13 ص212.
* المصادر والمراجع *
1 ـ ابن رشد, عباس محمود العقاد, دار المعارف، القاهرة، 1982 .
2 ـ ابن رشد والرشدية، إرنست رينان، ترجمة عادل زعيتر، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1970 .
3 ـ الإسلام والحضارة الغربية , محمد كرد على, دار الكتب المصرية، القاهرة، 1934.
4 ـ البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي ،دار هجر للطباعة والنشر، القاهرة، 1998 .
5 ـ البيروني، د. أحمد سعيد الدمرداش، دار المعارف، القاهرة، 1980.
6 ـ تراث الإسلام لشاخت وبوذورث، ترجمة د. حسين مؤنس وآخرين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1978 .
7ـ تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، مصطفى عبد الرازق ،الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007 .
8 ـ الجذور العربية في المصطلحات الطبية ، د.أحمد رفعت عبد الغفار، كلية الطب، جامعة الزقازيق، 2006 .
9 ـ خصائص الأدب العربي، أنور الجندي، دار العلم للطباعة، القاهرة، 1975 .
10 ـ دولة الإسلام في الأندلس، محمد عبد الله عنان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001.
11 ـ دين الإسلام والعلم، علي يوسف، القاهرة، 1918.
12ـ رفاعـة رافع الطهطاوى، د. جمال الدين الشيال، دار المعارف، القاهرة ،1980.
13 ـ عبقرية العرب في العلم والفلسفة، د. عمر فروخ، ط 4 ، المكتبة العصرية ، بيروت، 1981 .
14ـ عصر محمد على, عبد الرحمن الرافعى, ط 5، دار المعارف، القاهرة، 1989.
15 ـ العلم في التاريخ ،ج. برنال، ترجمة علي علي ناصف، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981 .
16 ـ علم الفلك ...تاريخه عند العرب، كرلو نلّينو، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، بدون تاريخ .
17 ـ فجر العلم الحديث، توبي هاف، ترجمة د. أحمد محمود صبحي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1997 .
18 ـ فلسفة الاستشراق , د. أحمد سمايلوفتش, دار المعارف، القاهرة، 1980
19 ـ في الأدب الحديث, عمر الدسوقى, دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ .
20 ـ في تراثنا العربي الإسلامي، د.توفيق الطويل ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1985 .
21 ـ قصة الحضارة , ول ديورانت, ترجمـة محمد بدران, ط3، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1968 .
22 ـ قضايا من رحاب الفلسفة والعلم، د. توفيق الطويل ،دار لنهضة العربية، القاهرة ،1986 .
23 ـ الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي 1900 ـ 1925، إعداد عايدة إبراهيم نصير، قسم النشر بالجامعة الأمريكية، القاهرة ،1983 .
24 ـ الكيمياء عند العرب، مصطفى لبيب عبد النبي، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967 .
25 ـ معجم أعلام الفكر الإنساني، نخبة من الأساتذة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984 .
26 ـ المستشرقون ، نجيب العقيقي، ط 4, دار المعارف، القاهرة، 1980
27 ـ المستشرقون مالهم وما عليهم, د. عمر فروخ، الإستشراق، العدد الأول, يناير 1987.
28 ـ مكانة العرب في تاريخ العلوم، د. فؤاد سيزكين، أبحاث الندوة العالمية الأولى لتاريخ العلوم عند العرب، معهد التراث العلمي، جامعة حلب، حلب، 1977 .
29 ـ مناظرة رينان والأفغاني ترجمة ودراسة ، مجدي عبد الحافظ، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005 .
30 ـ موسوعة المستشرقين، د. عبد الرحمن بدوي، ط 3، دار العلم للملايين، بيروت، 1993.
31 ـ نهاية الأرب للنويرى, تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم, دار الكتب المصرية، القاهرة، بدون تاريخ
32 ـ هؤلاء علموني, سلامـه موسى، دار المعارف، القاهرة ، 1971 .