البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

السرديّات الاستشراقيّة والتراث الثقافي في البلاد التونسيّة خلال الفترة الاستعماريّة (1881 - 1956): الممارسة والرهانات وإنتاج الصور النمطيّة

الباحث :  محمد البشير رازقي
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  22
السنة :  ربيع 2020م / 1441هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 2 / 2020
عدد زيارات البحث :  2189
تحميل  ( 512.647 KB )
مقدّمة:
يُعرّف التراث الثقافي بكونه المصطلح الذي يشتمل على التراث المادّي واللّا مادي[1]، والقاسم المشترك بينهما هو «دراسة كلّ ما يستخدمه الإنسان»[2]، ومنتجات التراث الثقافي هي ترجمة لتمثّلات وذهنيّة الفاعلين الاجتماعيّين[3]، ومدى تطوّر الممارسة والمهارة التقنيّة لمجتمع ما خلال فترة تاريخيّة محدّدة[4].
إذا، يُعتبر التراث الثقافي مُنتَجًا مهمًّا للمجتمعات المحليّة التي عانت طويلًا من السرديّات التحقيريّة، والتي شُكّلت من طرف الرحّالة والمستشرقين وصولًا إلى الممارسة الأكاديميّة الحديثة. ورهاننا المعرفي من خلال هذا المقال أن نتبيّن أهميّة هذا التراث وأهميّة حفظه، وأيضًا من خلال نموذج البلاد التونسيّة خلال الفترة الاستعماريّة سوف نُبرز الرهانات التي تُصاحب إنتاج الممارسات التراثيّة وخاصّة رهانات دراساتها، وأخيرًا سنسعى إلى تبيّن تقنيات وتكتيكات إنتاج الصور النمطيّة.

1. رهانات إنتاج المعرفة: المجتمع المحلّي وهيمنة سرديّة المستعمر
الإشكاليّة التي طرحناها في المقدّمة مرتبطة ومتأثّرة منهجيًّا ومعرفيًّا بسؤال طرحته رائدة من أهمّ روّاد مدرسة دراسات التابع (Subaltern Studies) وهي غيتاري سبيفاك (Gayatri Spivak)، والسؤال هو: «هل يستطيع التابع أن يُفكّر؟»[5]. على مستوى المنهج لا يمكن فهم تحوّلات التراث الثقافي للبلاد التونسيّة عبر الزمن بدون وضع البلاد التونسيّة ضمن «شبكاتها» وسياقاتها الحضاريّة[6]، فمفهوم تطوّر تقسيمات الزمن وتأثيراته الحضاريّة هو عامل متغيّر أساسي في التحوّلات الاجتماعيّة[7]. فلا يمكن أن نفهم تحوّلات التراث الثقافي بدون أن نعرف أنّ «التّاريخ بشري بالتعريف» فهو «تاريخ البشر للبشر وبالبشر»[8]. أي عند دراستنا لهذه التحوّلات فنحن في الحقيقة ندرس تحوّلات تمثّلات وممارسات الإنسان عبر الزمن.
فالثورة الصناعيّة كانت من أهمّ تجلّيات الحداثة[9]، فقد أسّست لشبكة مُحكمة خاصّة بها حيث أصبحت «نسبة متنامية من سكّان الكوكب تعتمد على الوقود الأحفوري، وعلى الغذاء المزروع في قارّات بعيدة، أي تعتمد باختصار على صيانة الارتباطات العالميّة»[10]. وهنا لا يمكن فهم تحولات التراث الثقافي دون وضعه ضمن هذه الارتباطات. فمع وصولنا إلى فجر الحرب العالمية الأولى كانت الشبكة الإنسانية ترتكز على «الصّلب والبخّار والكابلات، وغدت الرسائل التي كانت تستغرق في السابق سنة لوصولها تستغرق دقيقة...أصبحت الشبكة أشدّ سرعة وإحكاما»[11]، هذا إلى جانب التطوّرات الكبيرة في وسائل النقل[12]. ومنذ بداية القرن العشرين وقع «الانفجار السكاني» بسبب تطوّر التقنيات الصحيّة وتحسّن جودة الغذاء[13]. وقد «أسهم التصنيع في إعادة ترتيب حظوظ ملايين البشر العاديين. وتغيّرت الحياة اليومية...العائلة والعمل والقرية»[14].

ومن ناحيته بيّن هندريك سبروت (Hendrik Spruyt) علاقة التحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة ب«تأثير المتغيّر الخارجي...ألا وهو التجارة»، و«تأسيس التحالفات السياسيّة»، وأيضًا «التحالفات والمساومات المختلفة»، و«يُعدّ التفاعل بين المجالات الداخليّة والخارجيّة عمليّة ذات مرحلتين: أولًا، تؤدّي التغيّرات في الوسط الخارجي إلى تحوّلات محليّة في النفوذ النسبي للفاعلين الاجتماعيين والسياسيين. ومن ثم يُعيد أولئك الفاعلون الاصطفاف من أجل تشكيل أنواع مؤسّسيّة جديدة»[15]. نلاحظ إذًا أن الظرفيات الداخلية والخارجية تساهم في نشأة وتأسيس التحوّلات.
والإنتاج المعرفي الاستشراقي في البلاد التونسيّة خلال الفترة الاستعماريّة ينضوي ضمن المتغيّرات الأساسيّة الخارجيّة، حيث ركّز وجوده مع انتصاب الاستعمار الفرنسي سنة 1881. فقد ساهم في تأسيس ونسج سرديّات كثيرة تهتمّ بتاريخ البلاد التونسية وتراثها ومعارف ومهارات السكّان المحليّين. فالمعرفة حسب إدوارد سعيد، متأثّرًا بميشال فوكو (Michel Foucault) وجمباتيستا فيكو (Giambattista Vico) وغرامشي( Antonio Gramsci) وماركس (Karl Marx)[16]، هي عبارة عن سلطة وهيمنة وترجمة لموازين القوى المعرفيّة والعسكريّة معا[17]. حيث تصبح المعرفة أهم آليات هذه الهيمنة والمراقبة والعقاب والضبط[18]. فإنتاج الصور النمطيّة وتحقير المعارف التراثيّة لسكّان البلاد التونسيّة خلال الفترة الاستعماريّة هدفه أوّلًا شرعنة لتواجد الاستعمار الفرنسي بالبلاد التونسيّة، وثانيًا شرعنة لرواية وسرديّة «عبئ الرّجل الأبيض» التي تبرز التضحيات التي يحملها الأوروبي من أجل إدخال الحضارة للدول غير الغربيّة وإخراجهم من الظلمات إلى النّور[19].
فالسرديّة الاستشراقيّة تحرص دائمًا أن تُبقي «الشرقُ شرقٌ» لا يتغيّر مرتكز على أبعاده الغريزيّة الشهوانيّة، ومغيّبًا كلّ منطق عقلاني ومنهجي يمكن أن يُنتجه «الشرقي»[20]. والتدليل على أصالة المنتوج التراثي تضرب في الصّميم التصنيفات التحقيريّة التي أنتجتها الإدارة الاستعمارية والسرديّات الاستشراقيّة، ودراسة وتدوين وتوثيق المعارف والمهارات والتمثّلات والمعتقدات المحليّة للفاعل الاجتماعي في البلاد التونسيّة خلال الفترة الاستعماريّة يساهم في تفكيك مجموعة من الصور النمطية التي ألصقت بالعالم «الشرقي» عامّة «العاجز عن التفكير»، خاصّة عندما يبرز السكّان المحلّيين علاقة ممارساتهم بسيرورة حياتهم اليوميّة. فعلى مستوى السرديّات التي أنتجت حول العالم الإسلامي ومن ضمنها تونس نسجّل تشابكًا ملحوظًا بين السرديّات الاستشراقية التي حشرت الفاعلين الاجتماعيين في العالم الإسلامي ضمن نطاق الشهوانية والشبقيّة، ونُظر إلى الإسلام «كونه رمزًا للرعب والخراب وجحافل الهمجيّين الشيطانيّة الكريهة»، وهو أيضًا «البدوي»[21]، والسرديّات المُنتجة إلى اليوم. فالصور النمطيّة (Stereotypes) التي أُنتجت حول الشرق لعبت دور «التواريخ المُعلّبة، المُكبسلة»[22]، وقد تضرّر حقّ البلدان غير الغربيّة من هذا التعليب خاصّة عند إرادة مُراجعة خُطاطة بزوغ الحداثة وعلاقتها بالمنتجات والممارسات التراثيّة التي يُشكّلها المجتمع المحلّي.
وهاجسنا المعرفيّ هنا هو التدليل على قدرة الفاعل الاجتماعي على ابتكار مهاراتٍ وطقوسٍ ومعارفَ وتقنياتٍ خلال حياته اليوميّة حيث إنّ «الحياة اليومية هي مسرح التطبيق العملي والتغلّب على المصاعب»[23]، كما أنّ «الأزمة تُجبر المجتمع على أن يُعيد التفكير في أحواله وما درج عليه»[24]. ومن هنا يُصبح التراث الثقافي ممارسة إبداعيّة يحاول من خلالها الفاعل الاجتماعي ابتكار حلولٍ من أجل تجاوز أزمات وعوائق معرفيّة أو مجتمعيّة. فالمجتمع التونسي خلال الفترة الاستعماريّة لم يكن مجتمعًا «جامدًا» «فوضويًّا» و«بئيسًا» كما ادّعت الدراسات الاستعمارية والاستشراقية رغم الأزمة الخانقة التي عايشها، بل تجلّت الأزمة نفسها باعتبارها من أهمّ الأسباب التي حثّته على ابتكار مجموعة مهمّة من الممارسات والتقنيات والمعارف تجلّت لنا من خلال التراث الثقافي.

2. التراث الثقافي في البلاد التونسيّة وحفظ الهويّة: الدراسات الاستشراقيّة خلال الفترة الاستعماريّة وإنتاج الصور النمطيّة (Stereotype):
دراسة الممارسات التراثيّة وحفظها وتصنيفها تمكّننا من إعادة تركيب الحياة اليوميّة للإنسان «العادي...الذي يصنع التاريخ»[25]، وهذا ما اعتمدت عليه مدرسة دراسات التّابع [26]Subaltern Studies، وأيضًا «البحث في حياة بسطاء النّاس وفي الذاتي وفي تجارب الحياة»، فالتراث الثقافي «لا يقتصر على عادات التغذية واللّباس أو على علاقات السكن والعمل»، بل هو ترجمة إلى تمظهرات  «التاريخ من تحت» «حيث يتمّ وصف حال النّاس المزاجيّة وحياتهم الباطنيّة»[27]، ورسم جغرافيا حياتهم اليوميّة خاصّة دور الفاعل الاجتماعي في ابتكار تراثه الثقافي وثقافته الماديّة وممارساته ومهاراته عن وعي ودراية وفهم وتعمّد لا عن فطرة وطبيعة وعفويّة[28].
وضمن هذا المنحى المعرفي يتشابك التاريخ المجهري [29]microstoria مع دراسات التابع (Subaltern Studies) من أجل إنتاج معرفة مُنتجة محليًّا من قبل فاعلين اجتماعيّين تمّ إهمالهم على مستوى التاريخ الرسمي الذي يهتمّ عادة بالماكرو أكثر من الميكرو[30]. وهنا دراسات التابع تُسمعنا صوت من أُسكتت أصواتهم، وتُطوّر العمليّة التأريخيّة التي تعتمد على «التاريخ من أسفل» إلى ممارسة تفكيكيّة لمجموعة مهمّة من الصور النمطيّة مثل منابع الحداثة والعقلانيّة والمركزيّة الغربيّة[31]. فدور البحث الأكاديمي هنا هو إخراج ممارسات الحياة اليومية وما تنتجه من تراث ثقافي من «الملكة الشاسعة للشأن الاعتيادي، الشأن الروتيني. هذا الغائب الكبير عن التاريخ»، إلى ممارسات ذات معنى قابلة للتأويل والفهم[32].
إذًا، فمن خلال هذه الأطر المنهجيّة نستنتج أنّ الفاعل الاجتماعي يعتمد كثيرًا على معارفه ومهاراته وممارساته التراثيّة من أجل إعادة إنتاج ذاكرته ووجوده وإعادة تأسيس مستمرّة لسرديّة هويّته سواءً أكانت ماديّة (الممارسة الحرفيّة مثلا) أم لا ماديّة (الشعر أو الدين...). هذه المعارف تبقى دائمًا مهدّدةً من قبل من يُنتج صورًا نمطيّة وتصنيفات تحقيريّة وأشكال مختلفة من الوصم (Stigmatisation). فالصور النمطيّة والوصم التي أنتجت بكثرة من خلال عدد من الدراسات الاستشراقية تقلّل من شأن معارف المجتمعات المحليّة، والهدف هو إنتاج ثقافات استهلاكيّة ذات بعد واحد متخلّصة من ثرائها الحضاري والتراثي والثقافي[33].
وهذا التمشّي المنهجي والهاجس المعرفي يرتكز على هاجس معرفيّ وهو تجاوز الصور النمطيّة (Les stéréotypes) عند دراستنا للتراث الثقافي وتحوّلاته لمجتمع ما. كما أن دراسة للتحوّلات التراثيّة عبر الزمن ورهانات الفاعلين الاجتماعيّين التي صاحبت هذه التحوّلات والمعارف التي تمّ إنتاجها في شكل ثقافة ماديّة ولا ماديّة يساعدنا على تجاوز مجموعة من الصور النمطية التي أنتجت عن هذا المجتمع[34]، سواء من خلال الرحّالة أو الأنثروبولوجيين أو موظفي الإدارة الاستعمارية[35] من خلال مجموعة من السرديّات من قَبِيل «مجتمع أزمة» أو«المجتمع العاجز عن التفكير وينتظر من يخرجه من الأزمة». فقد بيّن مثلًا الأستاذ حافظ ستهم من خلال أحد مقالاته أنّ الرعيل الأوّل من الجغرافيين الفرنسيين في بداية الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسيّة أنتجوا مجموعة من الصور النمطيّة التحقيريّة تجاه السكّان المحليّين لغايات استعماريّة من أجل شرعنة وجودهم في البلاد التونسيّة[36]، فالجغرافي «ديبوا» (Despois) يرى أن الفرنسيين «خَلَقُوا الثروة في أقاليم كانت مهجورة ومهملة وجلبوا الرفاهيّة لسكّان تعوّدوا منذ عهد بعيد على البؤس»، فإذًا، وحسب الجغرافي الآخر أقستان برنار (Augustin Bernard)، فإنّ «من واجب الأوروبيين تسيير الأهالي في طريق التقدّم وتجنيبهم الرجوع من جديد إلى الفوضى التي أخرجناهم منها بعناء»[37]. وتعتمد ميكانيزمات بناء الوصم وتشكيل الصور النمطية على ترسيخ صور المجتمع «الثابت» العاجز عن الابتكار و«الجامد»، حيث يُعدّ «مفهوم الثبات في البناء الإيديولوجي للآخريّة سمة هامة من سماته»، ويتضمّن «معنى اختلال النظام والتفسّخ والتكرار الشيطاني»، والشيء الثابت هو الذي «في مكانه على الدوام معروف مسبّقا»[38].

مثل هذه التصنيفات التحقيريّة تحثّ الباحث على مراجعة الصور النمطيّة المُشَكّلة حول «فوضويّة» المجتمع التونسي قُبيل انتصاب الحماية الفرنسية بتونس وجمود هذا المجتمع وعجزه عن إنتاج معارفه من جرّاء «الأزمة» التي كان يعيشها[39]، هذه الصور النمطية التي شُكّلت حول المستوى الحضاري للبلاد التونسية قبيل انتصاب الحماية الفرنسية بتونس[40]. ومهمّة الباحث هنا هي أن «يُبيّن أن أغلب أشكال الظلم مصنوعة لذا يمكن تفكيكها، ويدلّل على أن ما هو قائم لم يكن دائما قائما في الماضي» حيث إن «مصادر القهر تسكن في الزمان وليست مستقلّة عنه...وعليه فإنّ الماضي يمكن أن يحرّرنا كما يقيّدنا»[41].
ونلاحظ على مستوى الممارسة الاسطوغرافية أنّ تاريخ البلاد التونسية خلال الفترة الاستعماريّة حُشر في زاوية الأزمة، سواء أزمات اقتصادية أو اجتماعية وسياسية وثقافية[42]. فالاسطوغرافية سواء التونسيّة[43] أو الأجنبيّة جعلت الفترة الاستعماريّة فترة أزمة بامتياز. ولكن يجب أن نحذر هنا ونفرّق بين أزمة دولة وأعوانها، وبين حياة يوميّة للفاعلين الاجتماعيّين «العاديّين» الذين لم يتوقّفوا عن إنتاج المعارف والمهارات والطقوس. ومن هنا نثير مسألة مهمّة منهجيًّا ومعرفيًّا، وهي مسألة التحقيب. فهل تعتبر سنة 1881 (تاريخ بداية الاستعمار الفرنسي) هي نهاية أزمة أو بداية أزمة أخرى[44]. جاك لوغوف (Jacques Le Goff) ناقش في أحد كتبه الإشكالية المعرفية التي تصاحب مسألة التحقيب خاصّة عندما ترتبط بمركزية عرقية أو حضارية أو صور نمطيّة، حيث إن التحقيب «يشير إلى فعل إنساني واقع على الزمن، ويؤكّد أن التقسيم الذي يفعله ليس محايدًا»[45]، كما أنّ «لكلّ زمن رؤيته للعالم»[46]. وأمّا كريستيان غراتالوا (Christian Grataloup) فقد تناول مسألة التحقيب من هذه الزاوية أيضًا وخاصّة أبعادها الإثنومركزيّة. فالتقسيم الرباعي للتاريخ هو تقسيم «رَجْعُ صدى لتاريخ فُرض على العالم، وأصل هذا التاريخ أوروبي بأتمّ معنى الكلمة»[47]. ونتساءل هنا هل أزمة الدولة التونسيّة[48]، أثّرت على بقيّة الفاعلين الاجتماعيّين على مستوى إنتاج معارفهم وتقنيات وتراثهم الثقافي على مستوى الحياة اليوميّة؟ ومن هنا يجب ألاّ ننظر للسكان كفاعلين اجتماعيّين ومنتجين لمعارف من زاوية الدولة وأزماتها، وهذا ما سعت إليه مدرسة دراسات التابع، أي يجب تخليص الفاعل من هيمنة الماكرو والنظر إليه من خلال الميكرو.
إذًا، فمن خلال دراسة مجهريّة للتراث الثقافي للمجتمع المحليّ التونسي خلال الفترة الاستعماريّة فإنّنا نتمكّن من فهم واقع الفاعلين الاجتماعيّين وتبيّن طبيعة تقنياتهم وممارساتهم ومعارفهم التي أنتجوها وابتكروها[49]، وتجنّب «اختلاق» صور نمطية عن المجتمعات[50]، خاصة عندما تُؤَوّلُ ممارسات الفاعلين الاجتماعيين بدون معرفة سياق إنتاج هذه الممارسات[51]، وهذا في ظلّ حضور توظيف الممارسة التأريخيّة عامّة[52] ومنها دراسة الموروث الشعبي ضمن الرهانات السياسية والاستعمارية والاقتصادية[53]، خاصة إذا ما كانت الثقافة الشعبية تمارسُ مقاومة ضدّ الحضور الاستعماري ونقدًا له[54].

الخاتمة:
من خلال سيرورة إنتاج المجتمع المحلّي في البلاد التونسية خلال الفترة الاستعماريّة لتراثه الثقافي على مستوى حياته اليوميّة، هل يمكن أن نقول إنّ هذا المجتمع لم يكن غريبًا عن الحداثة، ولم يكن في حاجة إلى الاستعمار الفرنسي لكي «يمدّنه» ويدخل له الحضارة؟
نعتبر هنا أنّ الحداثة هي مُنتجٌ إنسانيٌّ بامتياز لا يمكن احتكاره من طرف حضارة ما، وليس شيئًا «لا يمكن إلاّ للبيض فقط تذوّقه»، بل يمكن أن يكون مفهوم الحداثة نفسه في صيغته المتمركزة حول ذاتها أوروبيًّا مفهومًا «مخترعا» «فالحداثة مفهوم نحته المحدثون من أواخر القرن التاسع عشر وحتّى الوقت الحالي»[55]. وكلّ مجتمع يُشكّل حداثته من أجل تلبية رغبة مجتمعيّة، فهي خاضعة لسياقات خاصّة بأهاليها وفاعليها الاجتماعيّين، والحداثة هي مجموعة الممارسات التي تتشكّل من أجل تلبية رغبة مجتمعيّة وتجاوز عائق خلال الحياة اليوميّة.
ورغم المعارف التي يشتمل عليها المجتمع المحليّ إلاّ أنّ الاستعمار الفرنسي كان في حاجة إلى سرديّة تُشرعن وجوده واحتلاله للبلاد التونسيّة، ومن هنا برزت أهميّة ابتكار سرديّات وتصنيفات تحقيريّة أُلصقت بالممارسات التراثيّة المحليّة ووصمتها باعتبارها ممارسات غير واعية ونابعة وغير متحضّرة، فالمجتمع التونسي حسب الرواية الاستعمارية كان في حاجة للوجود الفرنسي؛ لإخراجه من ظلماته. ومن هنا نؤكّد على أهميّة دراسة وتدوين وحفظ التراث الثقافي للمجتمعات المحليّة حمايةً له من الرهانات والسرديّات السلبيّة، التي نُسجت حوله، وما تُنتجه من صور نمطيّة ووصم وتصنيفات تحقيريّة. وهذا التمشّي المعرفيّ يساعدنا على المساهمة في تفكيك جزء مهمّ من أعمدة المركزيّة الأوروبيّة، وهو الدور التحضيري الذي قام به الاستعمار تجاه الشعوب «المتخلّفة» التي تفتقد إلى «العقلانيّة»، التي يُصرّ ماكس فيبر (Max Wiber) على كونها، أي العقلانيّة، ممارسة غربيّة[56]. فالمجتمع المحلّي قادر على إنتاج معارفه ومهاراته التي تكفل له تسيير حياته اليوميّة وتجاوز العوائق والصعوبات التي تعترضه، هذه المعارف تتحوّل إلى تراث ثقافيّ يحتاج دائمًا للدرس والحفظ والصيانة.

---------------------------------------
[1] Le patrimoine culturel immatériel au Maghreb : Législations et institutions nationales, instrument internationaux et modalités de sauvegarde, Unesco, Secteur de la culture : Bureau multipays de L’Unesco à Rabat, 2009, p.15-16
Clémence Mathieu, «La Sauvegarde du patrimoine immatériel : De la convention de l’Unesco au musée», In, Revue d’ethnologie européenne de la fédération Wallonie-Bruxelles, Vol.5, 2016, pp.45- 61, p.45- 46+ p.50
[2] فرنان برودل، الحضارة المادية والاقتصاد والرأسماليّة من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر، ترجمة مصطفى ماهر، المركز القومي للترجمة، مصر، 2013، الجزء الأول: الحياة اليوميّة وبُنياتها، الممكن والمستحيل، ص 21.
[3] Richard Grassby,  «Material Culture and Cultural History», in, Journal of Interdisciplinary History, Volume 35, Issue 4, Spring 2005, p.591-603.
Simon J. Bronner, Jules David Prown, John Michael Vlach, Dell Upton, WarrenE. Roberts, Allen G. Noble, Michael Owen Jones and Thomas J. Schlereth, «Material Culture Studies: A Symposium», In, Material Culture, Vol. 17, No. 2/ 3, 1985, pp.77-114.
[4] Jacques Le Goff, La civilisation de l’occident médiéval, ةdition Flammarion, Champs Histoire, 2008, Chapitre 2 : «La vie matérielle», p. 170- 233.
[5] Gayatri Spivak Chakravotry, “can the Subaltern Speak?”, in, Colonial discourse and Post- Colonial theory, edited and introduced by: Patrick Williams and Laura Chrisman, (New York, Colombia University Press, 1994), pp. 66-111
[6] Morgan Corriou, « Littérature et folklore colonial dans la Tunisie du protectorat », In, Usages et représentations des cultures pendant la période coloniale, Textes réunis et présentes par : Rabaa Abdelkefi, Cahiers du C.E.R.E.S, Série littérature N10, Tunis, 2009, pp.375-387.
[7] انظر مثلا كتاب: سينثيا ل. نيغري، وقت العمل: الصّراع والضبط والتغيير، ترجمة: ابتسام خضرا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2017.
روي بورتر، «تاريخ الزّمان»، ضمن: فكرة الزمان عبر التاريخ، تحرير: جون جرانت، ترجمة: فؤاد كامل، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، عدد 159، مارس 1992، صص.7 - 50.
إيين نيكلسون، «الزّمان المتحوّل»، ضمن: فكرة الزمان عبر التاريخ، تحرير: جون جرانت، ترجمة: فؤاد كامل، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، عدد 159، مارس 1992، صص.167-257.
[8] عبد الله العروي، مفهوم التاريخ: 1. الألفاظ والمذاهب/  2. المفاهيم والأصول، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الرابعة، 2005، ص.34
يشر الأستاذ النّاصر البقلوطي إلى أنّ ممارسات الفاعلين الاجتماعيّين هي لحظة «التقاء المادي (المواد الأوليّة) باللاّمادي (الفنون الحرفيّة)»، إذا المعرفة هي مهارة وممارسة. و«وراء عناصر الثقافة المادية إنسانا صنع وإنسانا استهلك، ووراء الكلّ نظام اجتماعيّ. لذلك تمثّل تلك الأغراض استجابة لحاجيات طبيعيّة...وآراء ثقافيّة واجتماعيّة». انظر:
ـ الناصر البقلوطي، «الثقافة الماديّة الشعبيّة»، الحياة الثقافية، تونس، العدد 174، جوان 2006، صص.23 - 28، ص.23 - 27.
[9] نسجّل عوامل عديدة لدخول المجتمعات إلى الحداثة مثل تطوّر وسائل الإعلام (الراديو والتلفزيون...)، هذا إلى جانب توفّر «المصانع والمدن والمدارس والمناورات والمناقشات السياسية». وقد قدّم عدد من الباحثين نظريّات مختلفة لنشأة الحداثة مثل تطوّر «تقسيم العمل في المجتمع» حسب إيميل دوركايم (ةmile Durkheim)، والبروتستانتيّة ودورها في نشأة الرأسمالية وعقلانية السوق وثمّ الحداثة حسب ماكس فيبر Max Weber. انظر:
ـ تيمونز روبيرتس، من الحداثة إلى العولمة: رؤى ووجهات نظر في قضيّة التطوّر والتغيير الاجتماعي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 309، نوفمبر 2004، ص. 61 - 104 + ص.105 - 124 + 181 - 182.
Douja Turki, Les fondements de l’évolution socio-culturelle vers une société globale universelle, Alif-Les éditions de la méditerranée/  F.S.H.S.T : Collection lumières, Tunis, 1998, p.19- 67.
[10] جون روبرت مكنيل/  وليام هاردي مكنيل، الشبكة الانسانيّة: نظرة محلّقة على التاريخ العالمي، ترجمة: مصطفى قاسم، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 458، مارس 2018، ص.292.
[11]جون روبرت مكنيل/  وليام هاردي مكنيل، الشبكة الانسانيّة: نظرة محلّقة على التاريخ العالمي، ترجمة: مصطفى قاسم، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 458، مارس 2018، ص.292.
[12] المرجع نفسه، ص.298.
[13] المرجع نفسه، ص.302 - 305.
[14] المرجع نفسه، ص.337.
[15] هندريك سبروت، الدولة ذات السيادة ومنافسوها: تحليل لتغيّر الأنظمة، ترجمة: خالد بن مهدي، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2018، ص.36 - 38.
[16] شيلي واليا، ادوارد سعيد وكتابة التاريخ، ترجمة: أحمد خريس وناصر أبو الهيجاء، (أزمنة للنشر والتوزيع، 2007).
[17] إدوارد سعيد، الثقافة والامبرياليّة، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، الطبعة الرابعة، 2014، ص.75 - 111.
[18] إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة. السلطة. الانشاء، ترجمة: كمال أبو ديب، (مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت،2005، الطبعة السابعة.
[19] تيموثي ميتشل، استعمار مصر، ترجمة: بشير السّباعي/  أحمد حسّان، مدارات للأبحاث والنشر، مصر، الطبعة الرابعة، ص.99 - 103 + ص. 134 - 143.
[20] Dominique combe, «Théorie postcoloniale, philologie et humanisme. Situation d’Edward Saïd », in, Littérature, N 154, 2009-2, pp. 118-134, in, www.cairn.info/ revue-litterature-2009-2-page-118.htm
Nadia Marzouki, «Théorie et engagement chez Edward Saïd », Mouvements, 2004/ 3 (no33-34), in, www.cairn.info/ revue-mouvements-2004-3-page-162.htm
[21] إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربيّة للشرق، ترجمة: محمد عناني، (رؤية للنشر والتوزيع، مصر، 2006)، ص 124 وما بعدها.
[22] إدوارد سعيد، الثقافة والامبرياليّة، ترجمة: كمال أبو ديب، (دار الآداب، بيروت، الطبعة الثالثة، 2004)، ص 380.
[23] بول جليني/  نيجل ثريفت، «ثورات في الأزمنة: الساعات والبنى الوقتية للحياة اليومية»، ضمن: الجغرافيا والثورة، تحرير: ديفيد ليفنجستون/  تشارلز.ج. ويزرز، ترجمة: عاطف معتمد/ بدر مصطفى/  عزت زيّان، المركز القومي للترجمة، مصر، 2017، المجلّد الأول، صص.251 - 308، ص.287.
[24] بيتر جران، صعود أهل النفوذ: رؤية جديدة لتاريخ العالم الحديث، ترجمة: سحر توفيق، المركز القومي للترجمة، مصر، 2018، ص.23
إلى جانب الأزمات الاقتصادية والاجتماعيّة والسياسيّة، عانت الإيالة من أزمات مناخية وطبيعية مثل بعض الزلازل التي تحدث عنها غوستاف نختغال سنة 1863. أنظر:
غوستاف نختغال، طبيب المحلّة: البلاد التونسية فيما بين 1863 - 1868 من خلال رسائل الطبيب الألماني، نقلها إلى العربية باعتماد الأصل المخطوط وعلّق عليها: منير الفندري، مركز النشر الجامعي، تونس، 2003، ص.63 - 64.
[25] خالد فهمي، كلّ رجال الباشا: محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة، ترجمة: شريف يونس، دار الشروق، مصر، الطبعة الثانية، 2011، ص.27.
[26] Jacques Pouchepadass, «Que reste-t-il des Subaltern Studies?», in, Critique internationale, 2004/ 3, no 24, p. 67-79
Isabelle Merle, «Les Subaltern Studies. Retour sur les principes fondateurs d’un projet historiographique de l’Inde coloniale», in, Genèses 2004/ 3, no56, p. 131-147
Jcques Pouchepadass, «Subaltern et Postcolonial Studies», in, Historiographies, Tome 1: Concepts et débats, Sous la direction de: C. Delacroix, F. Dosse, P. Garcia, N. Offenstadt, Gallimard : folio hitoire, 2010, p.636- 646
Georg G. Iggers and Q. Edward Wang, Aglobal history of modern historiography, Pearson Longman, Great Britain, 2008, p.284- 290.
[27] كريستوف فولف، علم الاناسة. التاريخ والثقافة والفلسفة، ترجمة: أبو يعرب المرزوقي، الدار المتوسطية للنشر/ كلمة، 2009، ص 110.
[28] راناجيت غُها، «نثر مكافحة التمرّد»، ترجمة: ثائر ديب، أسطور، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 6، 2017، ص.121 - 151.
[29] جيوفاني ليفي، «عن التاريخ المُصغّر»، ضمن: ضمن: بيتر بوركي(تحرير): نظرات جديدة على الكتابة التاريخية، ترجمة وتقديم: قاسم عبده قاسم، المركز القومي للترجمة، 2010، الجزء الثاني، صص. 139 - 165.
كارلو غينسبورغ، «التاريخ الجزئي: شيئان أو ثلاثة أشياء أعرفها عنه»، ترجمة: ثائر ديب، أسطور، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 7، 2018، صص. 127 - 147.
[30] Jacques Revel, «Microstoria», in, Historiographies, Tome 1: Concepts et débats, Sous la direction de: C. Delacroix, F. Dosse, P. Garcia, N. Offenstadt, Gallimard : folio hitoire, 2010, p.529- 534
جون لويس غاديس، المشهد التاريخي: كيف يرسم المؤرخون خريطة الماضي؟، ترجمة: شكري مجاهد، منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة، 2016، ص.41 - 42.
وجيه كوثراني، «التأريخ العربي بين التاريخ الشامل والتاريخ الجزئي»، ضمن: التأريخ العربي وتاريخ العرب، كيف كتب وكين يُكتب؟، الإجابات الممكنة، (مجموعة مؤلفين، إعداد وتنسيق: وجيه كوثراني)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2017، صص.31 - 34.
Gyan Prakash, «Postcolonial Criticism and History: Subaltern Studies», in, The Oxford History of Historical Writing, Volume 5: Historical Writing since 1945, Edited by: Axel Schneider and Daniel Woolf, Oxford University Press, 2011. P.74- 92.
[31] ديبيش شاكرابارتي، «دراسات التابع والتأريخ ما بعد الكولونيالي»، أسطور للدراسات التاريخية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 3، 2016، ص.7- 23.
جيم شارب، «التاريخ من أسفل»، ضمن: بيتر بوركي(تحرير): نظرات جديدة على الكتابة التاريخية، ترجمة وتقديم: قاسم عبده قاسم، المركز القومي للترجمة، 2010، الجزء الثاني، ص. 51 - 72.
Gyan Prakash, «Subaltern Studies as Postcolonial Criticism», in, The American Historical Review, Volume 99, Issue 5, December 1994, Pages 1475–1490.
[32] فرنان بروديل، ديناميكية الرأسمالية، ترجمة: شفيق محسن، دار الكتاب الجديد المتحدة، لبنان، 2008، ص 20 وما بعدها
كليفورد غيرتز، تأويل الثقافات: مقالات مختارة، ترجمة: محمد بدوي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2009، ص.79 - 128.
[33] سلمان سيّد، استعادة الخلافة: تفكيك الاستعمار والنّظام العالمي، ترجمة: محمد السيّد بشري، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2018، ص.78 - 80 + ص.83 - 130.
[34] Ali Moussa Iye, «Décoloniser l’histoire», in, Le courrier de L’Unesco, Numéro spécial: Histoire des peuples : Le passé recomposé, Paris, N8, 2009, pp.8-10.
Sanjay Seth, «Où va L’humanisme», in, Le courrier de L’Unesco, Numéro spécial : L’humanisme, une idée neuve, Octobre- Décembre 2011, PP.6-9.
[35] Gilles Boetsch et Jean- Noel Ferrié, «Du Maure à la Mauresque : Les métamorphoses d’un stéréotype dans les représentations savantes et vulgaires», In, Individu, Famille et société en méditerranée, Sous la direction de : Gilles Boetsh, Zeyneb Samandi, Christiane Villain-Gandossi, Cahiers du C.E.R.E.S, Serie Sociologie n26, Tunis, 2003, pp.87- 105.
[36] للتوسّع في مسألة علاقة الممارسة الجغرافيّة بالإنتاج المعرفي الاستعماري أنظر:
Pascal Clerc, «La «géographie coloniale» en France: Une catégorie à déconstruire», in, Terra Brasilis (Nova Série): Revista da Rede Brasileira de Histَria da Geografia e Geografia Histَrica, N8, 2017, Dossiê : 5؛ Congresso Brasileiro de Geografia – 100 anos, 17 pages, URL :file:/ / / C:/ Users/ Admin/ Downloads/ terrabrasilis-2043.pdf.
Nicolas Ginsburger, «La Belle ةpoque d’un géographe colonial : Marcel Dubois, universitaire et figure publique, entre Affaire Dreyfus et Entente cordiale (1894-1905)», in, Cybergeo : European Journal of Geography [En ligne], Epistémologie, Histoire de la Géographie, Didactique, Document 855, mis en ligne le 16 mai 2018, consulté le 24 août 2018. URL: https:/ / journals.openedition.org/ cybergeo/ 29138.
[37] حافظ ستهم، «المجتمع التونسي من خلال دراسات الجغرافيين الغربيّين في الفترة الكولونياليّة»، مجلّة كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، الرباط، جامعة محمد الخامس، المغرب، العدد 15، (1989 - 1990)، صص. 89 - 117، ص. 92 - 93.
ومثل هذه النظريّات نجد صداها أيضا متخلّلة السرديّات التي نُسجت مباشرة بعد انتصاب الحماية الفرنسيّة، حيث عُدّت الحماية وسيلة مهمّة لتحضير وتمدين أهل الإيالة. انظر:
J. de Saint-Haon, «La régence de Tunis et le protectorat français», In, Revue des Deux Mondes, Vol. 53, 1882, pp.606-648.
ومثل هذه السرديّات عادة ما تكون متشابكة ومكمّلة لسرديّات أخرى تعتمد أساسا على تحقير الموروث الحضاري للبلاد التونسيّة. انظر مثلا:
Blanche Lee Childe, «En Tunisie: Souvenirs de voyage», In, Revue des Deux Mondes, Vol. 64, 1884, pp.830-867
Paul Leroy-Beaulieu, «La colonisation française en Tunisie», Revue des Deux Mondes, Vol. 78, 1886, pp.373-406, p.377-380.
ومثل هذه السرديّات المُنتجة لم تكن حكرا على البلاد التونسيّة خلال القرن 19، بل شملت بلدانا أخرى مثل المغرب الأقصى، وكان الهدف من إنتاج هذه المعارف هو «ترشيد الفعل السياسي» للدول الأوروبيّة تجاه «المخزن والأهالي»، أي المعرفة من أجل ترسيخ الهيمنة والسلطة. انظر:
عبد الله العروي، الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربيّة (1830-1912)، ترجمة: محمد حاتمي/  محمد جادور، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الأولى، 2016، ص.37 - 38.
كما بيّن إدموند بورك الثالث أنّ المغرب الأقصى جُعل موضوعا لصياغة المعرفة، وقد تمّ «ابتكاره» من طرف المرتكزات المعرفيّة للإستعمار الفرنسي من خلال علماء الجغرافيا والإثنوغرافيّا. أنظر:
Edmund Burke 3, «The invention of Moroccan Islam», In, Hespéris- Tamuda, Université Mohamed 5, Agdal: Faculté des lettres et des sciences humaines- Rabat, Vol.158, 2013, pp.41-58.
وانظر أيضا في هذا السياق نفسه:
Abdelmajid Hannoun, « De l’historiographie colonial a l’historicisme, ou comment le Maghreb fut inventé », In, Hespéris- Tamuda, Université Mohamed 5, Agdal: Faculté des lettres et des sciences humaines- Rabat, Vol.48, 2013, pp.59-79.
Abdelmajid Hannoun, «Myth and mythmaking in French historiography of North Africa: Writing the episode of the Kahina», In, Hespéris- Tamuda, Université Mohamed 5, Agdal: Faculté des lettres et des sciences humaines- Rabat, Vol.34, 1996, pp.131-158.
أمّا بالنسبة للصور النمطيّة التي شُكّلت حول الجزائر خلال النصف الثاني من القرن 19 من من طرف «الفنّانين» و«المثقّفين» انظر:
Annie Rey- Goldzeiguer, Le Royaume arabe : La politique algérienne de Napoléon 3 (1861-1870), Edition I.A.I.G, Alger, 2008, p.117-122.
أمّا بالنسبة لتشابك الهواجس التوسّعيّة بالممارسات الجغرافيّة وتنظيراتها في فرنسا خلال النصف الثاني من القرن 19، ودور أدوات الجغرافيا مثل الخرائط في «اختراع» الأوطان وما أتبع ذلك من إنتاج للتصنيفات والأحكام القيميّة، انظر:
Donald Vernon McKay, «Colonialism in the French Geographical Movement 1871-1881», In, Geographical Review, American Geographical Society, Vol. 33, No. 2, 1943, pp. 214-232.
Hélène Blais, Mirages de la carte. L’invention de l’Algérie coloniale, Fayard, Paris, 2014.
Abdelmajid Hannoum, «Hélène Blais, Mirages de la carte: L›invention del’Algérie coloniale», In, The Journal of North African Studies, Vol.23, N4, September 2018. https:/ / www.academia.edu/ 37643666/ Review_of_H%C3%A9l%C3%A8ne_Blais_Mirages_de_la_carte_Linvention_de_lAlg%C3%A9rie_coloniale?auto=download&campaign=weekly_digest
[38] هومي.ك. بابا، موقع الثقافة، ترجمة: ثائر ديب، المجلس الأعلى للثقافة: المشروع القومي للترجمة، مصر، 2004، ص.145.
إدوارد سعيد، الثقافة والامبرياليّة، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، الطبعة الرابعة، 2014، ص.75 - 111 + ص.223 - 229.
الطاهر لبيب، تقديم لكتاب: صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير: الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربيّة/  الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، صص.19-41، ص.28 + ص.41.
انظر أيضا في نفس الكتاب مقال: دلال البزري، «الآخر المفارقة الضرورية»، صص.99-110، ص.106.
كما أنّ نظريّة «الجمود» لم تشمل الإيالة التونسيّة فقط، بل غطّت كلّ بلاد المغارب مثل المغرب الأقصى، والغاية كانت افتكاك الأراضي الفلاحيّة للمغاربة وشرعنة تملّكها من طرف الاستعمار الفرنسي. انظر:
عبد الجليل حليم، الفلاّحون المغاربة في الإثنولوجيا الكولونياليّة: بين الجمود وقابليّة التحسّن»، ضمن: صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه، تحرير: الطاهر لبيب، مركز دراسات الوحدة العربيّة/  الجمعيّة العربيّة لعلم الاجتماع، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، صص449-462.
ستيفن كونرمان، «من الاستشراق إلى العلوم الاجتماعية»، ترجمة: محمد أحمد السيد، الثقافة العالمية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مارس- أفريل 2016، العدد 182، صص.128 - 143، ص.135 - 138.
كما وّصف المغرب الأقصى أيضا في سرديّات أخرى خلال القرن 19 ب«البلد الساكن». انظر:
إدموند بورك، الإحتجاج والمقاومة في مغرب ما قبل الاستعمار (1860-1912)، ترجمة: محمد أعفيف، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، المغرب، 2013، ص.49.
[39] يرتبط إنتاج اللغة والمصطلح بالظرفية التاريخية وعلاقة السلطات بالهيمنة وإنتاج المعرفة والكلمة، ويرتبط إنتاج المصطلح والصور النمطية والوصم بشبكة القوة المنتجة للمعرفة المنتشرة في المجتمع. انظر:
ميشيل فوكو، تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، ترجمة: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الثانية، 2014، ص.471 - 539.
ميشيل فوكو، الكلمات والأشياء، ترجمة: مطاع صفدي/  بدر الدين عرودكي/  جورج أبي صالح/  سالم يفةت/  كمال أسطفان، مركز الإنماء القومي/  دار الفارابي، الطبعة الثانية، 2013، ص.381 - 422
Abdelahad Sebti, «Espace et disciplines et temps des langues», in, Trames de langues : Usages et métissages linguistiques dans l’histoire du Maghreb, Sous la direction de : Jocelyne Dakhlia, IRMC- Maisonneuve et Larose, Paris, 2004, pp.143- 147.
[40] بيّنت آن ماري بلانال Anne-Marie Planel في أطروحتها أنّ القرن 19 في الإيالة التونسيّة كان خاضعا لعدّة رهانات من طرف عدد من الفاعلين الاجتماعيّين الفرنسيّين خاصّة علماء اللغة وعلماء الآثار والجغرافيّين، وقد ساهم كلّ من ناحيته في إنتاج وتأسيس سرديّة تاريخيّة عن البلاد التونسيّة. انظر:
 Anne-Marie Planel, Du comptoir a la colonie : Histoire de la communauté française de Tunisie (1814-1883), IRMC, Riveneuve éditions, Paris, 2015, p.275- 282.
انظر أيضا نقد نلّلي حنّا ل «مناهج المركزيّة الأوروبيّة لدراسة تاريخ العالم الحديث» في:
نلّلي حنّا، مصر العثمانيّة والتحوّلات العالميّة (1500 - 1800)، ترجمة: مجدي جرجس، المركز القومي للترجمة، مصر، 2016، صص.11 - 24.
[41] جون لويس غاديس، المشهد التاريخي: كيف يرسم المؤرخون خريطة الماضي؟، ترجمة: شكري مجاهد، منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة، 2016، ص 162 - 163.
[42] Charles- Andre Julien, Histoire de l’Afrique blanche : Des origines a 1945, P.U.F, Que sais-je ?, 1966, p.101- 123
André Raymond, La Tunisie, P.U.F, Que sais-je ?, N318, 1961, p.20-29.
Carmel Sammut, L’impérialisme capitaliste français et le nationalisme tunisien (1881-1914), Publisud, Paris, 1983, p.17-78.
[43] Mohamed-Hédi Chérif, «Expansion européenne et difficultés tunisiennes de 1815 à 1830», in, Annales : E.S.C, 1970, 25-3, pp.714- 745.
[44] حول مشكلة التحقيب في الأسطوغرافيا المغاربيّة أنظر: فاطمة بن سليمان/  هشام عبد الصمد(إعداد)، التحقيب في الكتابة التاريخية المغاربيّة، دراسات مغاربيّة، جامعة تونس/  كليّة الآداب والعلوم الانسانيّة، جامعة محمد الخامس بالرباط/  نقوش عربيّة، تونس، 2009. أنظر مثلا مقال:
خالد شكراوي، «التحقيب التاريخي في المغارب: محاولة في التركيب المقارن، صص.50 - 61. أو مقال:
Fatma Ben Sliman, «Le temps politique de la Tunisie moderne : Héritage et questionnements», pp.49- 63
Mohamed Lazhar Gharbi, «l’historiographie tunisienne de la période moderne et contemporaine et le problème de la périodisation», In, Itinéraire d’un historien et dune historiographie, Mélanges de DIRASET offerts à Mohamed-Hédi Cherif, Sous la direction de: Abdelhamid Hénia, C.P.U, Laboratoire de recherche DIRASET-Université de Tunis, 2008, pp.177-186.
[45] جاك لوغوف، هل يجب حقّا تقطيع التاريخ شرائح؟، ترجمة: الهادي التيمومي، هيئة البحرين للثقافة والآثار، المنامة، 2018، ص.12.
[46] فرنان برودل، الحضارة المادية والاقتصاد والرأسماليّة من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر، ترجمة مصطفى ماهر، المركز القومي للترجمة، مصر، 2013، الجزء الثاني: التبادل التجاري وعمليّاته، ص 755-756.
[47] كرستيان غراتالوا، هل يجب التفكير في تاريخ العالم بطريقة أخرى؟، ترجمة: الهادي التيمومي، هيئة البحرين للثقافة والآثار، المنامة، 2018، ص. 99
كما بيّن الأستاذ سامي البرقاوي أن الممارسة التاريخيّة وسرديّاتها هي نتاج عصرها، والمؤرّخ هو إبن زمنه. انظر:
Sami Bargaoui, «La question des origines dans les historiographies tunisiennes et marocaine de l’époque moderne», In, Savoirs historiques au Maghreb : Constructions et usages, Coordination : Sami Bargaoui et Hassan Remaoun, CRESC- DIRASET- Cahiers de C.E.R.E.S, Série Histoire N16, Tunis, 2006, pp53-65, p.65.
[48] Dette générale du Gouvernement Tunisien: Arrangement du 23 mars 1870 (exécution dudécret du 5 juillet 1869), In, Foreign and Commonwealth Office Collection, 1871. 64 pages. (https:/ / www.jstor.org/ stable/ pdf/ 60235972.pdf?refreqid=excelsior%3A71f28f717219d09ddb35833c1b926c36).
[49] سعيد المصري، «الاستعارة الثقافيّة: دراسة في إعادة إنتاج الثقافة الشعبيّة»، الفنون الشعبيّة، مصر، العدد 91، 2012، صص.53-87.
[50] منذر كيلاني، اختلاق الآخر: في طبيعة الخطاب الأنثروبولوجي، ترجمة: نور الدين العلوي، المركز الوطني للترجمة: دار سيناترا، تونس، 2015، ص.13-36.
[51] Mondher Kilani, «L’Anthropoiesis ou la fabrication de l’humain dans les cultures», in, Terrains et savoirs actuels de l’anthropologie, Cahier du C.E.R.E.S, Séries Anthropologie- Ethnologie N1, C.E.R.E.S, Tunis, 2007, pp.97- 104
أمنية الشاكري، المعمل الاجتماعي الكبير: موضوعات المعرفة في مصر المستعمرة وما بعد الكولونيالية، ترجمة: أحمد محمود، المركز القومي للترجمة، مصر، 2016، ص.159 - 196.
[52] فاطمة بن سليمان، «مسألة الدولة في الإستوغرافيا التونسية الحديثة: سياقات ومقاربات»، ضمن: التأريخ العربي وتاريخ العرب، كيف كتب وكيف يُكتب؟، الإجابات الممكنة، (مجموعة مؤلفين، إعداد وتنسيق: وجيه كوثراني)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2017، صص.461 - 491.
عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الرابعة، 2016، ص.11 - 53.
محمد مفتاح، «كتابة التأريخ بين الفطريّات والمحيطيات»، ضمن: كتابة التواريخ، تنسيق: محمد مفتاح/  أحمد بوحسن، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط/  جامعة محمد الخامس، الرباط، 1999، صص.11 - 37.
محمد حواش، «ملاحظات واجتهادات حول مسألة التحقيب في التاريخ العربي»، ضمن: التحقيب: التقليد- القطيعة- السيرورة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، تنسيق: محمد مفتاح/  أحمد بوحسن، 1997، صص.101 - 123.
Abdelmajid Hannoum, «De l’historiographie colonial a l’historicisme national, ou comment le Maghreb fut inventé», Hespéris Tamuda, Faculte des lettres et des sciences humaines, Université Mohamed 5, Rabat, Vol. 158, Fascicule unique, 2013, pp.59- 79.
[53] Morgan Corriou, «Littérature et folklore colonial sous le protectorat», in, Usages et représentations des cultures pendant la période coloniale, Textes réunis et présentés par : Rabaa Abdelkéfi, Cahiers du C.E.R.E.S, Séris littérature N10, C.E.R.E.S, Tunis, 2009, pp.375-387.
Leïla Ammar, «Les enjeux du patrimoine ancien et récent à Tunis aux XIXe et XXe siècles Entre volontés de sauvegarde et périls». In, Al-Sabîl : Revue d’Histoire, d’Archéologie et d’Architecture Maghrébines, N°3, 2017 (http:/ / www.al-sabil.tn/ wp-content/ uploads/ 2017/ 10/ N3_Leila-Ammar.pdf).
فرانسوا هارتوغ، تدابير التاريخانية: الحاضرية وتجارب الزمان، ترجمة: بدر الدين عرودكي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2010، ص.259-307.
[54] أحمد خواجة، الذاكرة الجماعية والتحولات الاجتماعية من مرآة الأغنية الشعبيّة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس/  أليف: منشورات البحر الأبيض المتوسط، تونس، 1998، ص.131 - 196.
[55] ساندر ل. غيلمان، عندما لا يكون الجديد جديدًا»، ضمن: عصور نهضة أخرى: مدخل جديد إلى الأدب العالمي، تحرير: بريندا دين شيلدجن/  غانغ تشو/  ساندر غيلمان، ترجمة: علاء الدين محمود، (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 417، 2014)، 289 - 296، 290 + 292.
[56] ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع، الاقتصاد والأنظمة الاجتماعيّة والقوى والمخلّفات: السّيادة، ترجمة: محمد التركي، (المنظّمة العربيّة للترجمة، بيروت، 2015)، ص. 205 - 285.