محتويات العدد
■ شبهات "أوري روبين" حول مصدر القرآن الكريم ونقدها
(دراسة تحليليّة نقديّة لنماذج مختارة من تعليقات ترجمة روبين العبريّة لمعاني القرآن الكريم وهوامشها)
د. أحمد صلاح البهنسي
■ نقد خلفيّات المستشرقين في ترجمة القرآن
سيّد محمّد موسوي مقدّم
■ المهدويّة في الرؤية الاستشراقيّة
مجتبى الساده
■ سمة التعاون العلمي بين المستشرقين في نشر الدراسات التاريخيّة
(تاريخ المغرب والأندلس نموذجاً)
إعداد: محمّد جمعة عبد الهادي موسى
■ حاضرة تِنْبُكْتُ في نهاية القرن التاسع عشر من خلال الكتابات الفرنسيّة
(مونوغرافيّة الأب أوگوسطان بروسبير هاكار نموذجًا)
د. عادل بن محمّد جاهل
■ جهود المستشرقين في فهرسة السنّة النبويّة المطهّرة
(المعجم المفهرس لألفاظ الحديث أنموذجاً)
عائشة جنان
■ الاستشراق والمرايا المُقعّرة والمحدّبة
(الحقل العلميّ وأضداده)
محمّد البشير رازقي
■ قراءة في كتاب د. محمّد بلال أشمل "صورة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في الفكر الإسباني المعاصر"
د. محمّد العمارتي
■ ترجمة ملخّصات المحتوى
افتتاحية العدد
كيف يدرس المستشرقون الإسلام؟
يظهر بوضوح للباحث في خلفيّات النتاج العلمي الاستشراقي المتنوّع بتنوّع التراث الشرقي والإسلامي، أنّ الحركة العلميّة للمستشرقين تجاه الشرق بشكل عام والإسلام بشكل خاصّ ليست بريئة أو ناعمة كما يحلو للبعض أن يقدّمها، فهي بالحدّ الأدنى لم تخل من رواسب وخلفيّات الأوروبيّين وأطماعهم في خيرات الشرق من العلوم والمعارف وبقيّة موارده الفيّاضة، وإن قُدّمت إلى الآخر على أنّها ظاهرة منظّمة تمثّل جهدًا بحثيًّا معرفيًّا كبيرًا قام به الغربيون في محاولة لفهم الحضارتين العربية والإسلاميّة في الشرق، من نواحيها المختلفة؛ فكريًّا، واجتماعيًّا واقتصاديًّا...، وأنّ الاستشراق كعلم أو كاتجاه فكريّ عُني مبكّرًا بدراسة الشرق كلّه؛ بأديانه ولغاته ولهجاته وتقاليده وآدابه، وأنّ كلّ هذا الجهد العلمي والبحثي والترجمات والتحقيق في المخطوطات، يرتبط بالبحث عن المعرفة وتطويرها، تمهيدًا لوضعها في خدمة الإنسان والإنسانيّة. وما يؤكّد هذا الفهم اختلاف نتائج هذه الدراسات باختلاف اتجاهات المستشرقين والمدارس التي ينتمون إليها، بل وتلوّنت بتلوّن الأفكار والمؤسّسات التي يرتبطون بها روحيّاً أو فكريّاً، ولم تغب الإسقاطات والقبليّات المشبعة بتصوّر الذات الغربيّة عن الشرق وحضارته.
أضف إلى ذلك أنّ المستشرقين في الغالب يدرسون قضايا الإسلام؛ لغته وتاريخه وشريعته وتراثه، بروح تقوم إمّا على سوء الفهم وإما على سوء النيّة، وهم لا يتصوّرون أيّ شيء إلّا في حدود خلفيّاتهم الدينيّة أو عقليّتهم الغربيّة، التي اعتادت على حصر الظواهر الإنسانيّة في حدود المفهوم المادي الغربي. ومن شأن هذا التصوّر أن يؤدّي إلى إنتاج رؤى وأحكام وآراء تنسجم مع هذا الفكر، ما يعني أنّها لا تتّصف بالعلميّة والموضوعيّة؛ وذلك لأنّ دراسة كلّ دين أو فكر -بحسب أصول البحث العلمي ومناهجه- يجب أن تتصّف بالحياديّة، وتتعامل مع موضوعاته ومضامينه بالذهنيّة البحثيّة الصرفة، التي تتناول أيّ قضية أو موضوع بعد التمحيص والتحقيق والتدقيق بمصادره الأصليّة الموثوقة، ثمّ بعد ذلك تحدّد النتائج العلميّة مرفقة بأدلّتها ونتائج التحقيق حولها.
وبناءً عليه يخطئ من يقول إنّ الاستشراق حركة علميّة تنحصر أهدافها في دراسة التراث الشرقي...؛ لأنّ الاستشراق في الحقيقة والواقع خادم لمشاريع وأفكار وسياسات دينيّة وتبشيريّة واستعماريّة...، وأنّ هذه المشاريع لم تكن يومًا بمعزل عن المواقف الأيديولوجيّة التي تسرّبت إلى تلك المنهجيّة؛ وذلك لأنّ المستشرق يبقى متأثّرًا ببيئته العلميّة، والحواضن الفكريّة والحضاريّة والسياسيّة التي أسهمت في تشكيل عقليّته، أي إنّه يبقى أمينًا لتوجّهاته الذاتيّة وخلفيّاته الدينيّة أو السياسيّة، وهو يتّخذ من دراسة التراث الشرقي وسيلة لذلك، وهذا ما تؤكّده الكثير من الدراسات الكنسيّة في أنّ محاربة الإسلام لا تتم إلّا بعد الإلمام بحقيقة هذا الدين وفهم أصوله العقدية ومبانيه التشريعيّة.
الأكثر من ذلك، حالة الأنا وادّعاء التفوّق المعرفي على أهل الحضارة أنفسهم، والتي تسود عند الكثير من المستشرقين الأوروبيّين، وأنّهم قد بادروا في العصور الحديثة لدراسة تاريخ المسلمين الخاصّ خدمة للمسلمين أنفسهم، وأنّهم قادرون على الاهتمام بدراسة وتحقيق تاريخ كلّ الشعوب أكثر من الشعوب أنفسهم.
وللإنصاف، وحتّى لا يكون حكمنا عامًّا، لا ننفي وجود جهود علميّة وأكاديميّة استشراقيّة موضوعيّة ورصينة لم تكن متأثّرة بهذا المنحى الإيديولوجي أو غير العلمي عند المستشرقين.
وفي المقلب الآخر أنّنا عندما ننظر إلى الكثير من المفكّرين العرب والمسلمين، لا نجد وضوحًا في الرؤية والموقف تجاه الفكر الغربي المُمعن في التراث العربي والإسلامي، بل نجد تفاوتًا في النظرة والمنطلقات الفكريّة تجاه الفكر الاستشراقي والجهود الاستشراقيّة تجاه العرب والمسلمين، فطائفة منهم تنظر نظرة إعجاب تصل أحيانًا إلى الانبهار، بل ونسب الفضل لجهود المستشرقين في تحقيق التراث والكشف عن مكنوناتها، وهناك طائفة رافضة رفضًا مطلقًا لكلّ ما يأتي من المستشرقين، مهما اصطبغ بالصيغة العلميّة، ويوجد طائفة ثالثة سلكت خطّ الوسط فتعاملت بموضوعيّة مع نتاج المستشرقين، ووقفت موقف المتأمّل، فلم تنبهر ولم ترفض، وأخضعت نتائج هذا المفهوم لأحكام علميّة خالصةـ، فرفضت وقبلت[1].
وفي ظلّ هذا التعارض وعدم وجود رؤية واضحة لدى المفكّرين من العرب والمسلمين تجاه قضايا حيويّة ومركزيّة بحجم القضايا التي شغلت عقول المستشرقين قرونًا من الزمن، نجد بأنّ المستشرقين قد تنوّعوا في اهتماتهم على فئات: فهناك فئة عنيت بالقرآن الكريم وعلومه[2]، وفئة اهتمّت بسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)[3]، وهناك فئة ركّزت على الفرق الإسلاميّة[4]، وفئة عنيت بالأحكام الإسلاميّة[5]، وهناك فئة اهتمّت بالفتوحات الإسلاميّة[6]، وهناك فئة ركّزت على الولاة والأمراء وحكّام الأمصار والخلفاء في الدول الإسلاميّة، وهناك فئة درست الحضارة الإسلاميّة ومالها من تأثير وما عليها من تأثّر[7]، وهناك فئة تخصّصت في الآداب العربيّة، وفئة اهتمّت بالفنّ الإسلامي، وفئة أخرى اتجهت إلى العلوم عند المسلمين[8].
وفي كلّ الحالات نحن معنيّون بدراسة الاستشراق والمستشرقين؛ مفهومًا، وتاريخًا، وأهدافًا، ومدارس، ومناهج، واتجاهات...، وتقديم معالجات علميّة معرفيّة ونقديّة لأطروحاتهم في الدين الإسلامي ومصادره، والعلوم الإسلاميّة والتراث العربي ككل، بالاستفادة من باحثين متخصّصين، وتشكيل فرق بحثيّة ومؤسّسات بحثيّة، ومراكز دراسات متخصّصة؛ ليقوم الباحثون والمفكّرون المسلمون بواجباتهم بشكل علمي ونقدي متخصّص يغطي كلّ المجالات التي طرقها المستشرقون بالبحث والنقد وإثارة الشبهات والإشكاليّات...، ليس من باب ردّة الفعل على نتاج معرفي غربي، بل من باب تصويب الأمور، وتقديم تراثنا إلى الآخر كما نقرؤه ونفهمه نحن، لا كما يؤوّله ويفهمه أو يريد أن يفهمه غيرنا، وهذا من الحقوق الطبيعيّة لأهل التراث أنفسهم.
ختامًا نوجّه دعوة صادقة عبر مجلّة دراسات استشراقيّة المتخصّصة إلى كلّ الباحثين العرب المسلمين وغيرهم إلى دراسة الفكر الاستشراقي؛ أهدافه، خلفيّاته الفكريّة والسياسيّة، رؤاه ومشاريعه القديمة والمعاصرة، والفهم المعرفي والعلمي المعمّق للأطروحات والآراء والإشكاليّات والفهم المغلوط، والتي طرحها المستشرقون على الدين الإسلامي ومصادر تشريعه، ونقد ما قدّمه المستشرقون من قضايا وإشكاليّات في قضايا التراث العربي، بروح علميّة بحثيّة جدّية ومثابرة.
وفي هذا السياق تقدّم المجلّة في هذا العدد (28) مجموعة أبحاث تتناول:
- في باب القرآن في الدراسات الاستشراقية: شبهات «أوري روبين» حول مصدر القرآن الكريم ونقده -دراسة تحليليَّة نقديَّة لنماذج مختارة من تعليقات ترجمة روبين العبريَّة لمعاني القرآن الكريم وهوامشها-، ونقد خلفيّات المستشرقين في ترجمة القرآن.
- وفي باب التراث العربي والإسلامي: المهدويّة في الرؤية الاستشراقيّة، وسمة التعاون العلمي بين المستشرقين في نشر الدراسات التاريخيّة (تاريخ المغرب والأندلس أنموذجًا)، وحاضرة تِنْبُكْتُ في نهاية القرن التاسع عشر من خلال الكتابات الفرنسيّة (مونوغرافيّة الأب أوگوسطانبروسبيرهاكار أنموذجًا)، جهود المستشرقين في فهرسة السنّة النبويّة المطهّرة «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث أنموذجًا»، الاستشراق والمرايا المُقعّرة والمحدّبة: الحقل العلمي وأضداده.
- وفي باب القراءات العلميّة: قراءة في كتاب د. محمد بلال أشمل: «صورة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في الفكر الإسباني المعاصر» الرؤية والمنهج.
مدير التحرير
حسن أحمد الهادي
----------------------------------
[1]- بتصرّف: علي إبراهيم النملة، معيار الاستشراق والمشرقين، بيروت 1432هـ/ 2011م، ص262.
[2]- ينظر: علي بن إبراهيم: المستشرقون والقرآن الكريم في المراجع العربيّة، بيروت - مكتبة بيسان،. 1431هـ/ 2010م، ص269.
[3]- المستشرقون والسنّة والسيرة في المراجع العربيّة، ص157. (م.س).
[4]- الاستشراق والإسلام في المراجع العربيّة، ص224، (م.س).
[5]- م.ن، ص303.
[6]- ينظر: علي إبراهيم نملة - الاستشراق وعلوم المسلمين في المراجع العربيّة، بيروت، مكتبة بيسان، ص256.
[7]- ينظر: محمّد عبد الفتاح، أضواء على الاستشراق، ص53.
[8]- ينظر: علي بن إبراهيم نملة، الاستشراق وعلوم المسلمين، ص256.