العدد 14

العدد 14

محتويات العدد

 ■  "يهود الجزائر" في الفكرين الاستشراقي والسياسي الإسرائيلي

د. أحمد البهنسي

■ مخاطر استهداف المستشرقين للغة العربية

د. صالح زهر الدين

■  "طيب تيزيني" والقرآن الكريم

د. سعيد عبيدي

■  سيبويه وأطروحة التأثير اليوناني

د. أحمد بوعود

■ الاستشراق.. الأهداف والغايات

عبدالعالي احمامو

■  قراءة في كتاب  جاك بيرك "العرب من الأمس إلى الغد"

إعداد: الدكتور محمد القاضي

■  نقد الخطاب الاستشراقي وجدلية الشرق والغرب

أحمد شحيمط

ملخصات البحوث باللغة الانجليزية

Algerian Jews in both the Israeli Orientalist and the Political Intellects

Dr. Ahmad Al Bahnasi

"The Hazars of Targeting the Arabic Language"

By Dr. Saleh Zahr Eddin

Tayeb Tizini and the Holy Quran

From the historical illusion to the rumination of orientalists' suspicions

By Dr. Saeed Obeidi

Sibawayeh and the Treatise of the Greek Influence

A Study in the originality of Arabic grammar with Gérard Troupeau

By Dr.  Ahmad Bou Oud

Orientalism Objectives and Goals

A'bed Ala'ali Ihmamou/ Morroco

Arabs from Yesterday till Tomorrow

A reading in a book by Jacques Berque

By Dr. Mohammad Al-qadhi

Criticizing the Oriental Discourse and the Argumentation of the West and the East Edward Said a prototype

By Ahmed Shuhaymet/ Morroco

افتتاحية العدد

سقوط آليات الهيمنة

إذا كان هناك من صفةٍ نطلقها على المرحلة التي نعيشها فهي جديرة بصفة "مرحلة الانكشاف"، فالاستعمار الجديد لا يتخفّى اليوم تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل يمارس عمليات التدخل والاحتلال والتخريب والإرهاب في العالم بكل صلافةٍ، ويبتز بكل وقاحةٍ، ويقتل ويهجّر ويدمّر بكل عنصرية. والناس يرون لما يحدث وقد انزاحت عن بصيرتهم غشاوة الإعلام المضلل، وسقطت أمامهم مشروعية الذين استخدموا الفهم المتخلف للدين لخدمة السلطان، ولطالما كان منطلق النهضة في هذه الأمة هو تحرير الوعي والأذهان والضمائر والإنسان من آليات بسط السيطرة وحراسة التخلف.

ويبقى الإسلام في نسخته الأصيلة والمنفتحة في آن، ملاذ أصحاب البصائر النافذة، ومداد المدافعين عن حرية إرادة هذه الأمة وفرادة تجربتها.

تميّز هذا العدد من مجلة دراسات استشراقية بمساهماتٍ عميقةٍ شملت دائرةً واسعةً من اهتمام المعنيين بإسقاط الأساطير التي تأسّست عليهــا السرديات التي مهّــدت  وبـرّرت المشــروع

الصهيوني في المنطقة والمشروع الغربي في العالم الإسلامي، وهذه خلاصةٌ موجزةٌ لما عرضه الباحثون وناقشوه، أوردنا بها ملاحظاتٍ إضافيةً تستكمل الفائدة من محتوى النصوص.

1- "يهود الجزائر في الفكرين الاستشراقي والسياسي الإسرائيلي": دراسةٌ قيّمةٌ يقدمها الدكتور أحمد البهنسي معتمدًا على مصادر المستشرقين الإسرائيليين، تتضمّن تاريخ التواجد اليهودي في الجزائر، خصوصًا في وهران، وقسنطينة، والجزائر العاصمة، وغيرها من المدن الجزائرية التي شهدت ازدهارًا للجاليات اليهودية، خصوصًا في فترات حكم المسلمين، حتى وصل الأمر إلى أن يكونوا مرجعًا لليهود في المغرب العربي وعامل "فرنسةٍ" للجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي.

هاجر اليهود من الاضطهاد المسيحي، وطُرد آخرون من إسبانيا مع المسلمين وتجمعوا في بلاد المغرب العربي، ومكّنهم التسامح الإسلامي من التجذر إلا فيما ندر، وهذه الحقائق التاريخية التي يعرضها الدكتور بهنسي تحتاج إلى وقفة تأمُّلٍ.

2- "مخاطر استهداف اللغة العربية من قبل المستشرقين": يقدم الدكتور صالح زهر الدين دراسةً تكشف خلفيات هذا الاستهداف، وأسرار تركيز المستشرقين على تعزيز اللغات العامية على حساب الفصحى في الأقطار العربية، بل وشن الحملات العسكرية والثقافية لإلغاء الصلة بالعربية، كما حدث أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر. ومن أهم ما ورد في هذه الدراسة هو سعي المستشرقين المرتبطين بأجهزة الاستخبارات إلى تقويض العربية وحبسها داخل الطقوس الدينية كما حدث للاتينية. وفي دفاعه عن العربية يعود الدكتور صالح إلى نصوص لكبار العلماء والمفكرين القوميين العرب، وهنا يختلط دفاعه عن العربية بالفكر القومي العربي الذي هو بذاته أثر من آثار النزعات القومية الغربية.

وفي هذا الإطار، ليسمح لنا الدكتور صالح أن نختلف معه عندما قال إن الرسول الأعظم (ص) "زارع أوّل بذرة قومية"، في حديث منسوب إليه من أن "العربية هي اللسان فمن يتكلم العربية فهو عربي"، فالحديث إن صحّ صدوره عن رسولنا الكريم يخفّف من العصبية العرقية التي كان العرب يشتهرون بها في الجاهلية، ويؤسس لرابطةٍ ثقافية - إسلامية تحلّ محل العصبية العِرقية التي تقوم عليها القوميات  المتأثرة بالنزعات القومية الغربية، فالعربية من دون شك هي الحامل الأول للثقافة الإسلامية، وانتشارها والعناية بها يذوّب القومية العربية في الأممية الإسلامية، ويجعل من تلك القومية رسولًا ثقافيًا منفتحًا على كل القوميات والشعوب من خلال إظهار عالمية القرآن والإسلام.

وهنا نختلف أيضًا مع كل من أراد للغة العربية أن تكون خط تماسٍ مع الأمم الأخرى، بل هي لكونها لغة القرآن تقدِّم نفسها كجسر تواصلٍ مؤهّلٍ لحمل كل العلوم وتطوير العقول والقلوب لكل البشر، وإن استهداف اللغة العربية من قبل المستشرقين يؤكد على أهميتها في الإسلام، وهو المستهدف الحقيقي عند كل من عمل وخطط لإضعاف العربية من الغربيين والمتغربين والمستشرقين، وإذا نظرنا إلى التاريخ نجد أن شعوبًا كثيرةً قد دخلت الإسلام من بوابة قيمه السامية، وذهبت إلى تعلُّم العربية للتعرف على دينها الجديد أكثر، فالإسلام والعربية حاملٌ ومحمولٌ يتبادلان الخدمات والنشر أينما حل كل منهما. وإعادة استخدام اللغة العربية لشد العصب القومي على الطريقة البعثية نكوصٌ فاضحٌ عن الرسالة التي أرادها الإسلام من اللغة.

أما الاستشهاد بالشاعر العربي القائل:

إن فرّق الإيمان بين جموعنـا   ***   فلساننا العــربي خير موحِّد

فهذا كلامٌ يرفع اللغة فوق الإيمان، هذا وهي جامعةٌ بين الناطقين بها ومفرّقة للناطقين بها عن غيرهم، بينما يعم الإيمان كل موحِّدٍ بغض النظر عن كونه ناطقًا بالعربية أو لا، وليس من شأن الإيمان أن يفرّق، كيف ذلك وأصل الأديان الإبراهيمية في الشرق هو التوحيد، والتوحيد يوحِّد الإله ويوحِّد أمة الإيمان بالتوحيد، وقد نسب القرآن الكريم أسباب الفرقة إلى الأهواء وعبادة الذات والتلاعب بمضامين الرسالات، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، فقرن وحدة أمة الإيمان بتوحيد الباري تعالى، والخطاب هنا يعم كل من يقول بالتوحيد... وفي أسباب الاختلاف آياتٌ كثيرةٌ يحضرني منها قوله تعالى: ( بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾. فالإيمان في حقيقته وأصله موحِّدٌ، ولا يفرّق إلا الشرك الخفي الذي ينقص من التوحيد، وأكبر وأخطر أشكاله اتباع "الأنا الفردية أو الجماعية".

فيما يتعدى ذلك، يسرنا أن نتفق مع الدكتور صالح في كل ما ذهب إليه من أن تعزيز اللهجات العامية في الأقطار العربية، والتي وصلت إلى حدّ المأسسة في لبنان ومصر والمغرب العربي، هو من ضمن الجهود الاستشراقية والمخابراتية التي تهدف إلى إضعاف رابطة العرب بالإسلام، بل وإلى تحجيم اللغة العربية إلى مستوى اللاتينية، في تلك الإشارة الحاذقة للمستشرق الألماني ولهلم سبيتا الذي أراد للعربية أن تقتصر على أن تكون لغة الصلاة والطقوس الدينية، وهذه لعمري لقطةٌ قيّمةٌ تكشف باطن التآمر على اللغة والدين.

وفي النهاية فنحن نتّفق مع الدكتور صالح على ضرورة تكريم العربية، ونعتقد أن تكريم هذه اللغة والاهتمام بها يحدث عبر "تسييلها" في عالميةٍ إسلاميةٍ تواجه عولمة الثقافة الغربية، وليس عبر تصنيمها والعودة بها إلى استخدامها وثنًا لقوميةٍ عربيةٍ منغلقةٍ على الطريقة البعثية.

3_ في مقالته "طيب تيزيني والقرآن الكريم"، يعرض الدكتور سعيد عبيدي لأثر المستشرقين في فكر تيزيني، واقتباسه الإشكالات التي دأب المستشرقون على طرحها وتكرارها، بغية الطعن بوحيانية القرآن الكريم وخلوده، وصولًا إلى الطعن بفكرة النبوة أصلًا. إن الدكتور عبيدي يقدّم في هذه الخلاصة لأفكار طيب تيزيني مادةً تستحق النقد العلمي والموضوعي، وعلى الباحثين الإسلاميين أن يتصدوا لها مستعينين بما قدمه الفكر الإسلامي الحديث من ردودٍ بليغةٍ على موجة التشكيك بإلهية القرآن وخلوده ومصدريته التي تصلح لكل زمان ومكان، وفق تطور الأفهام والحوادث الواقعة.

وبقدر ما يتّسع المقام، ينبغي أن نعطّل مفعول الأفكار المطروحة ولا نكتفي بنسبتها إلى المستشرقين، بمعنى أن اتهام هذا الباحث أو ذاك بالتأثُّر بهم لا يؤدي إلى دحض الفكرة من أساسها، فطبيعة الأفكار أنه لا يمكن ردها بالتهمة بل بالفكرة التي تبطلها، وبناءً على ذلك فإننا نشير فيما يلي إلى بعض الردود التي يجب أن تكون موضوعًا لدراساتٍ مطوّلة:

- أولًا: إن وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن يؤكد إلهية الكتاب، من جهة أن السلطة التي أنزلت القرآن هي وحدها المخولة أن تنسخ آياته أو أحكامه، والنسخ بحد ذاته درسٌ للمسلمين في فهم النصوص وتطويرٌ لعقولهم وتعليمٌ لهم كيف يوفّقون بين قدسية النص وتطور الواقع، فالقرآن هنا رسالةٌ من فوق التاريخ إلى الواقع، والصلة بين النص القرآني والواقع هي تطوُّر الفهم وليس تغيير الأحكام الثابتة. ولذلك لم يوافق المسلمون بعد ختم النزول على أي نسخٍ يتعدى قدسية النص، لأن المنزِل والناسِخ واحدٌ هو الله سبحانه.

 - ثانيًا: البُعد عن مدرسة آل البيت يتسبب في طرح إشكالاتٍ لا مكان لها فيما قرره الأئمة (عليهم السلام)، فهذه المدرسة أثبتت أن القرآن جُمع في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته مباشرةً على يد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وملازمة الإمام للرسول واقعةٌ تاريخيةٌ ثابتة، وقد كان الإمام شاهدًا في زمن عثمان على ما يحدث مع جمعٍ كبيرٍ من الحُفّاظ، فلو أن خللًا شاب جمع القرآن في تلك الفترة فإن تصدي الإمام وكبار الحُفّاظ لهذا سيكون أمرًا طبيعيًا، ومع ذلك فإن الثورة على عثمان احتجّت عليه بهذا القرآن، مما يعني أن يد السلطة السياسية كانت في تلك الفترة غير قادرةٍ على التلاعب بأصل النص، ولذلك عملت على التلاعب بفهم النص حتى وصل هذا التلاعب إلى الذروة في عصر معاوية وما بعده، وحتى في تلك الفترة، بقيت معارضة الحكم الظالم من قبل الأئمة والعلماء في الأمة تستند إلى القرآن من دون أن يتمكن الحاكم من مد يده إلى النص المقدس وتحوير الآيات وفقًا لأهوائه.

- ثالثًا: يبقى وجود المعارف الفوق بشرية في القرآن، بل والمعارف التي لم تكن لا بمتناول عصر الرسول ولا ما قبله، دليلًا واضحًا على إلهية القرآن، ولم يكن أعداء الرسول أغبياء عندما تحداهم القرآن، ولو كانت لديهم هذه الحجة في زمن الرسول لطرحوها وأقنعوا الناس بها، لا لمجرد زرع الشك والدعاية المضادة، بل أيضًا للقضاء على أصل فكرة النبوة. أما أهل الكتاب وخاصةً العلماء منهم، فقد أعادهم القرآن أكثر من مرةٍ إلى النصوص الأساسية التي في حوزتهم، وكانت لديهم فرصٌ ذهبيةٌ لو أنهم لاحظوا خللًا ما فيما يذكره القرآن، وهم بالتأكيد لا يقلون خبرةً وحقدًا على الإسلام من علماء ومستشرقي العصر الحاضر. ولذلك نقول حتى المستشرقون احتاجوا لاستحداث إشكالاتٍ لم يتمكن مَن كان قبلَهم من يهودٍ ونصارى ومشركي عصر الرسول من طرحها، لما كان ماثلًا أمامهم من إعجازٍ "أعجزهم" عن استحضار إشكالاتٍ يقوّيها البعد عن عصر النص من جهة، والبعد عن مدرسة آل البيت من جهة ثانية، والجهل بقوة وثبات النص القرآني من جهة ثالثة، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ .

4- "سيبويه وأطروحة التأثير اليوناني": بحثٌ نحويٌ لغويٌ قيّمٌ للدكتور أحمد بوعود يناقش ادّعاء بعض المستشرقين، ابتداءً من الألماني ميركس، أن النحو العربي يستمد أُسسه من المنطق الأرسطي، ويعرض لأبرز الردود على هذه الدعوى وأبرزها ردود المستشرق الفرنسي جيرار تروبو.

ومن أجمل ما يورده تروبو في إثبات أصالة النحو العربي، ذلك الحوار الرائع بين الفيلسوف السيرافي والمترجم يونس بن متى، الذي نَقل عن السريانية ولم يكن عارفًا باليونانية، حيث يظهر أن النحو السرياني تأثّر بالنحو العربي وليس العكس.

ويستفاد من هذا البحث الرائع أن هناك فارقًا شاسعًا بين "منطق اللغة العربية" والمنطق الأرسطي المعرف بأنه "آلةٌ تعصم مراعاتها الفكر عن الخطأ"، ويمكن إثبات ذلك عن طريق التوسع في بحث دلالة المصطلحات المنهجية التي استخدمها سيبويه في "كتابه"، والتي تثبت أن اللغة العربية أنشأت منطقها الخاص الذي لا تتسع له مصطلحات المنطق الأرسطي.

5- "الاستشراق، الأهداف والغايات": بحثٌ جديدٌ لعبد العالي احمامو، يتطرّق إلى الأهداف الدينية والعلمية والاقتصادية والتجارية والشخصية والاستعمارية للحركة الاستشراقية، ومن أهم ما يرد فيه الإشارة إلى وجود مؤسسةٍ تتحكم بإدارة المعرفة الاستشراقية، فتقصي من يكتب عن الشرق بموضوعيةٍ لا تخدم تلك الأهداف. أما نظرية تصدير العنف الغربي المسيحي الى الشرق عن طريق الحروب الصليبية، فيُظهِر البحث أن المؤسس الحقيقي لها هو البابا أوربان الثاني، الذي أشار في خطابه إلى نقل السيف المسيحي إلى رقاب المسلمين، بعد أن فتك بالمسيحيين أنفسهم دون أي وازعٍ من دينٍ أو ضمير، وهذه رؤية كنا نظنها حديثةً وتستند إلى حاجة دول الغرب إلى خلق الأعداء لتصدير العنف الذي تنتجه، ولكن تبين أنها من تأسيس أحد البابوات، ولا ندري ما دخل المسيحية الأصيلة بنقل العنف والظلم من إنسان إلى آخر.

6- "العرب من الأمس إلى الغد"، كتابٌ للمستشرق والفيلسوف الفرنسي جاك بيرك، يعرضه الدكتور محمد القاضي مبيّنًا تميُّز بيرك عن غيره في التعاطف العميق مع قضايا العرب، والرصد الشفاف للتغيرات التي أصابتهم بفعل الظلم الآتي من شمال المتوسط. تعمّقت أزمة الهوية عندما أصبح العرب موضوعًا لتوسع الآخرين، وفقدوا المبادرة الذاتية لتكييف واقعهم كما أرادوا، وإن تقدّموا نحو المستقبل فإنهم يتّبعون أجندا التقدُّم المادي، متغرّبين عن رصيدهم الروحي العريق.

7- "نقد الخطاب الاستشراقي وجدلية الشرق والغرب": دراسةٌ قيّمةٌ يقدم فيها أحمد شحيمط من المغرب خلاصةً ناجحةً لأفكار المبدع إدوارد سعيد، الذي تميّز باستخدام آليات النقد الغربي ضد الخطاب الاستشراقي، "وأكثر ما يلوم إدوارد سعيد المثقفَ غير الملتزم بقضايا الأمة، المثقفَ الذي ينبغي أن يمتلك حسًّا من المعقول والثبات على المبادئ والقناعات دون الذوبان في سياسة تقويض الثقافة والهوية، أي استقلالية المثقف عن كل أشكال السلطة التي تشرعن للاستعمار والإمبريالية، وتُخرس الأفواه عن لعبةٍ تُدار ويتم نسج خيوطها تحت دوافع شتى أشكال الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية على الشرق، بدعوى التفوق ونزعة الأقوى، من هنا تأتي تأملات إدوارد سعيد في نقد الخطاب الاستشراقي وتحليل جدلية العلاقة بين الشرق والغرب في سياق تفكيك هذا الخطاب المحمّل بالعداء للآخر وخصوصًا الشرق".

وهنا ملاحظةٌ لا بد من تدوينها في نهاية هذه المقدمة، وهي أن المفكرين الكبار الذين عايشوا الغرب عن قربٍ، ودرسوا في جامعاته، واكتشفوا بنية السلطة التي تحرّك المعرفة وتجرّد الحرية والديمقراطية من مضمونها... أقلُ انبهارًا بالغرب من الذين يلتقطون فُتات التأثير الغربي من بعيد، ويستخدمون ذلك الفُتات ضد دينهم وأبناء جلدتهم، ولا فرق هنا بين من تغرّب في جامعةٍ عربيةٍ متغربةٍ أو بهرته مظاهر التنظيم المحكم أو خدعه الخطاب المنافق عن حقوق الإنسان. أمثال إدوارد سعيد هم النموذج وهم المرجع في التعرُّف على خفايا البنية الظالمة في مضمونها، المبهرة في مظاهرها.

 مدير التحرير