محتويات العدد
■ الافتتاحيّة
حسن أحمد الهادي
■ جمع القرآن الكريم وتدوينه بعيون استشراقيّة
ـ عرض ونقد ـ
د. سعيد عبيدي
■ نقد تحقيقات المستشرقين لمخطوطات علوم القرآن
(نقد تحقيق الدكتور آرثر جفري لكتاب المصاحف لعبد الله بن أبي داود السجستاني)
د. أحمد عطيّة
■ الرؤية والمناهج الاستشراقيّة في قراءة هشام جعيط للسيرة النبوية
خديجة بن السايح
■ مصادر دراسة الإسلام المبكّر بين الاستشراق الكلاسيكي والاستشراق الجديد
أ.م. د شهيد كريم محمد
■ الإسكندريّة بعيون يهوديّة زمن الدولة المملوكيّة
رحلة الرَّابي ميشولام بن مناحم الفولتيري (688هـ / 1841م)
د. مصطفى وجيه مصطفى
■ صناعة المعجم العربيّ عند المستشرق الألماني فيشر
نرجس بخوش
■ المخطوطة العربيّة وورقها
جونفييف هومبرت
■ ترجمة ملخّصات المحتوى
افتتاحية العدد
القيم...وتحدّيات الاستشراق
يتميّز الإنسان عن باقي الكائنات المشاركة له في وحدة الحياة بأنّه باحث عن الحقيقة وصانع للعلم ومُنتِج للمعرفة. وإنّ البحث العلمي والإنتاج المعرفي وليد قوّة التفكير الذهني المقرونة بفطرة حبّ الاستكشاف، والمتلازمة مع دهشة السؤال عن الحقيقة، فلا معرفة بدون قضايا وأجوبة وتفسيرات، ولا أجوبة بدون أسئلة واستفهامات واستفسارات، ولا أسئلة بدون بحث وفعل التفكير في موضوع ما لاستكشاف خصائصه والاطّلاع على أحواله، والوصول إلى حقيقة صفاته. وللتفكير تجاه الموضوع أنحاء مختلفة للانتقال من المجهول إلى تكوين العلم به، وتبعًا لأنحاء التفكير تتعدّد أساليب وطرق الوصول إلى الحقيقة، وقد وقعت أساليب التفكير الذهني في الموضوع بحدّ نفسها؛ لتكون موضوعاً للتفكير والبحث والدراسة، أيّ التفكير في أساليب التفكير. وقد احتلّت مسألة البحث عن المنهج، ودوره في بناء أيّ منظومة معرفيّة وإنتاج العلم، حيّزًا مهمًّا في الدراسات الحديثة والمعاصرة. والمنهج هو الطريق الواضح[1]، ونهج لي الأمر: أوضحه[2]. والمنهج اصطلاحًا هو مجموعة القواعد والأساليب والأدوات العامّة التي تشكّل خارطة الطريق الواجب على الباحث الالتزام بها والسير عليها في دراسته للموضوع ومعالجته للمشكلة البحثيّة؛ من أجل التوصّل إلى النتائج والأجوبة المطلوبة، وإيجاد الحلول المناسبة لها. وهو فنّ التنظيم الصحيح لسلسة من الأفكار العديدة، إمّا من أجل الكشف عن الحقيقة، حين نكون بها جاهلين، وإمّا من أجل البرهنة عليها للآخرين، حين نكون بها عارفين»[3].
ولتستقيم العمليّة البحثيّة وتؤتي ثمارها العلميّة بشكل موضوعي وشفّاف، تمّ التوافق بين أهل العلم والفنّ على ضرورة مراعاة مجموعة من الشروط والمواصفات، من أهمّها: الأمانة العلميّة والنزاهة والاستقامة، والموضوعيّة العلميّة وروح النقد البنّاء؛ فالأمانة العلميّة تفرض على الباحث أن يكون أمينًا في نقله للأفكار أو التعبير عنها، دون أدنى تحوير أو تغيير فيها، ودقيقًا في اقتباسه للمعلومات. كما ينبغي على الباحث التحلّي بالاستقامة والنزاهة العلميّة وسلوك الطرق القويمة للوصول إلى هدفه أو غايته...[4]. هذا إلى جانب الموضوعيّة العلميّة وروح النقد البنّاء، فهي تفرض على الباحث أن يتحلّى بصفة الحياديّة والتجرّد عن الهوى الشخصيّ، والبعد عن الأحكام المسبقة، والالتفات إلى أنّ معيار أحقّية نظريّة أو فكرة ما أو عدم أحقّيتها ليس في انتمائها إلى حقل قومي أو جغرافي أو مذهبي، أو ديني...، بل بالسؤال عنها: هل هي حقّ في ذاتها أم لا؟ بصرف النظر عن منشئها. وعليه أن يعرض آراءه مرفقة بالأدلّة، ومستندة إلى الشواهد والحجج المقنعة، وأن يناقش الآراء بروح يتعالى فيها عن التجريح الشخصي والشتم والإهانة، بل يناقش الفكرة بذاتها، وينقدها نقدًا بنّاءً. وعدم إهمال أيّ رأي أو نظريّة أو حجّة أو دليل؛ لأنّه لا يتّفق ورأيه ومذهبه الذي يذهب إليه؛ وذلك لأنّ الموضوعيّة العلميّة تقتضي منه ذكر كلّ الأدلّة والحجج والآراء والنظريّات المتعلّقة بموضوعه بكلّ دقّة وأمانة وتجرّد ونزاهة. وهو ما ينسجم مع حقيقة البحث العلمي وغايته، التي هي الكشف عن الحقيقة والوصول إليها.
وتستعمل مفردة البحث بمعنى السؤال عن الشيء، والاستخبار عنه، وطلب العلم به[5]، والتفتيش[6]، والتنقيب[7]، والفحص...، ولهذا عرّفه أهل الفنّ بأنّه عبارة عن بذل جهد فكري منظّم، في دراسة مشكلة أو موضوع ما تفتيشًا، وتحقيقًا، واستقصاءً، وتحليلًا، ووصفًا، ومقارنة، وعرضًا، ونقدًا...، بهدف حلّ المشكلة أو تحصيل المعرفة بأحوال الموضوع، وكشف حقائق جديدة عنه، والتأكّد من صحّتها بالبرهنة عليها، وإسنادها بالشواهد والحجج والأدلّة.
لم نقصد من هذا التمهيد في افتتاحيّة المجلّة، التنظير في أصول البحث العلمي، ومناهجه، وغاياته وشروطه، بقدر ما أردنا الإشارة والتذكير بالأصول والقواعد الحاكمة على العمليّة البحثيّة الرزينة، وعلى الباحثين أنفسهم، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الفكريّة أو الدينيّة أو المذهبيّة، أو ما يرتبط بمشاريعهم البحثيّة؛ وتسليط الضوء على قضيّة حسّاسة ترتبط بعدم اتّصاف المستشرقين غالبًا لا بروح الإنصاف، ولا بروح البحث العلمي التي طالما ادّعوه ونظّروا به على الملأ في بحوثهم وكتاباتهم وموسوعاتهم حول الدين الإسلامي وكلّ ما يرتبط به. وما يؤكّد هذا التوجّه -غير الموضوعي- لدى المستشرقين أنّهم يهتمّون ومنذ القدم بالإسلام والمسلمين والبلاد الإسلاميّة، ويتناولون كلّ شيء بالبحث والدراسة المستفيضة...، وفي قضايا وموضوعات وتفاصيل قد لا يتناولها المسلمون أنفسهم. ومن الطبيعي ألّا يكون هذا الجهد العلمي خالصًا للحصول على المعرفة وحبًّا بها، وحتّى لو سلّمنا بذلك، فلماذا غياب أو تشويش العلميّة والموضوعيّة والمنهجيّة في البحوث والدراسات التي تتناول أمهات مصادر الإسلام؟!. ولماذا لا يستقصي الكثير منهم مصادر معلوماتهم بالشكل العلمي والوافي؟! فتراهم يحمّلون الإسلام والقرآن ما رأوه في مصدر تاريخي أو رأي عالم أو مفكّر ينتمي إلى الإسلام ويعبّر عن رأيه وفهمه في الكثير من الأحيان. وفي هذا الصدد يصرّح المستشرق النمساوي «ليوبولدفايس» في كتابه «الإسلام على مفترق الطرق»: «..قد لا تتقبّل أوروبا تعاليم الفلسفة البوذيّة أو الهندوكيّة، ولكنّها تحتفظ دائمًا فيما يتعلّق بهذين المذهبين بموقف عقلي متّزن ومبني على التفكير. إلّا أنّها حالما تتّجه إلى الإسلام يختلّ التوازن، ويأخذ الميل العاطفي بالتسرّب، حتّى إنّ أبرز المستشرقين الأوروبيّين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزّب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام. ويظهر في جميع بحوثهم على الأكثر كما لو أنّ الإسلام لا يمكن أن يعالج على أنّه موضوع بحت في البحث العلمي، بل على أنّه متّهم يقف أمام قضاته. إنّ بعض المستشرقين يمثّلون دور المدّعي العام الذي يحاول إثبات الجريمة، وبعضهم يقوم مقام المحامي في الدفاع، فهو مع اقتناعه شخصيًّا بإجرام موكّله، لا يستطيع أكثر من أن يطلب له مع شيء من الفتور: «اعتبار الأسباب المخفّفة».
تتناول مجلّة دراسات استشراقيّة في هذا العدد مجموعة من البحوث المتخصّصة الهادفة إلى بلورة حقائق الأمور في الكثير من القضايا التي التبست على المستشرقين، أو ألبسوها الثوب الحاكي عن مخيّلاتهم وخلفيّاتهم الفكريّة أو أحكامهم المسبقة.
ففي القسم الأول من بحوث المجلّة المتعلّقة بالملفّ القرآني ندرس قضيّة جمع القرآن الكريم وتدوينه بعيون استشراقيّة: عرض ونقد، ثم نعرض لدراسة تحت عنوان: نقد تحقيقات المستشرقين لمخطوطات علوم القرآن (نقد تحقيق الدكتور آرثر جفري لكتاب المصاحف؛ لعبد الله بن أبي داود السجستاني).
وأمّا في القسم الثاني من بحوث المجلّة المتعلّقة بمناقشة ونقد ما طرحه المستشرقون حول التراث الإسلاميّ والعربيّ، فيتضمّن هذا العدد باقة من البحوث العلميّة المهمّة؛ وهي:
ـ الرؤية والمناهج الاستشراقيّة في قراءة هشام جعيط للسيرة النبويّة (دراسة تحليليّة نقديّة).
ـ مصادر دراسة الإسلام المبكر بين الاستشراق الكلاسيكي والاستشراق الجديد.
ـ صناعة المعجم العربيّ عند المستشرق الألماني فيشر.
ـ الإسكندرية بعيون يهوديّة زمن الدولة المملوكيّة؛ رحلة الرَّابي ميشولام بن مناحم الفولتيري 886هـ/ 1481م.
ـ المخطوطةُ العربيةُ وورقُها.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقدّم الشكر لكلّ الأساتذة الباحثين في هذا العدد والأعداد السابقة، راجين من الله تعالى القبول والتوفيق الدائم.
مدير التحرير
حسن أحمد الهادي
------------------------------------
[1]- الفراهيدي، العين، ج3، ص392.
[2]- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص361.
[3]- بدوي، عبد الرحمن، مناهج البحث العلمي، الكويت، وكالة المطبوعات، 1977م، ط3، ص4.
[4]- فضل الله، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، ص25-26 بتصرّف.
[5]- ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404هـ، لا ط، ج 1، ص204.
[6]- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح -تاج اللغة وصحاح العربيّة، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، بيروت، دار العلم للملايين، 1407هـ-1987م، ط4، ج1، ص273.
[7]- ابن منظور، محمّد بن مكرَّم، لسان العرب، تصحيح أمين محمّد عبد الوهاب ومحمّد الصادق العبيدي، بيروت، دار إحياء التراث العربي ومؤسّسة التاريخ العربي، 1417ه-1997م، ط2، ج1، ص769. ج2، ص114.