البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الجهاد الإسلامي في الدراسات الاستشراقية دراسة تحليلية نقدية

الباحث :  د. حيدر قاسم مطر التميمي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  10
السنة :  السنة الرابعة - شتاء 2017م / 1438هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 4 / 2017
عدد زيارات البحث :  5768
تحميل  ( 544.240 KB )
مقدمة
احتل موضوع الجهاد في الإسلام حيِّزاً هاماً من تحليلاتِ العلماء والمُفكِّرين المسلمين وغير المسلمين في العالم خلال القرنين الماضيين؛ فقد أبدت الأمة الإسلامية ممانعةً غير عادية طيلة هذين القرنين ضدَّ أشكال الاحتلال والاستعمار، وقد نجح المسلمون بعد ملايين من الشهداء على امتداد العالم الإسلامي في طرد المُحتلِّين من أراضيهم في القرن العشرين، من الجزائر إلى مصر، ومن الشام إلى العراق، وصولاً حتَّى شبه الجزيرة الهندية و... وقد شعر الغرب بأنَّ المسلمين لم يكونوا مثل بعض الدول الأفريقية التي لم تعرف الإسلام؛ لأنَّ ديانتهم اشتملت على تشريعاتٍ ممانعة، كان الجهاد ماثلاً على رأسها.

وقد نادى العلماء المسلمون ـ منذ جمال الدين الأفغاني (1838-1897م) وإلى يومنا هذا ـ بإحياء ما سمَّوه بالفريضة الغائبة، ألا وهي فريضة الجهاد. ولم تختص الاستجابة لهذهِ الفريضة في الأوساط الإسلامية بمذهبٍ دون مذهب، بل شارك في ذلك السُنَّة والشيعة على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، بل ساهم في ذلك غير المسلمين أيضاً في العالمين: العربي والإسلامي.
أحدثت هذهِ الممانعة غير المتوقَّعة صدمةً بالنسبة للغرب، ثمَّ للكيان الصهيوني فيما بعد، فشرعت الدراسات الغربية والصهيونية في تحليل هذا الموضوع على غير صعيد، ومنذ أكثر من قرن والغرب والمستشرقون يدرسون ظاهرة الجهاد؛ بسبب ما أحدثته هذهِ الفريضة من ممانعةٍ مذهلة عند المسلمين.

منذ البداية، كان الهدف هو دراسة الدين الإسلامي وما يتفرع عنه من علومٍ، كعلم الفقه وأصوله والعقيدة الإسلامية وأصولها (علم الكلام) والتفسير والسُنَّة النبوية.
وفي هذا الجانب يختلف النُقاد والباحثون حول طبيعة نوايا الاستشراق وأهدافهِ، إلاَّ أنَّه من المعروف أنَّ الاستشراق بعامة كان له أثر مهم في دراسة ونشر والتعريف بتراث المسلمين الحضاري من جهة، وكذا من جهةٍ أخرى أسهم في معرفةِ نقاط الضعف عند المسلمين وتشويه تاريخهم وانتقاد دينهم وتسهيل الاستعمار والسيطرة على العالم الإسلامي، الأمر الذي دفعنا إلى دراسة معنى ومفهوم الجهاد من وجهة نظر إسلامية، يُقابلها تحديد معنى الاستشراق وحدودهِ الاصطلاحية والعلمية، ثمَّ المزاوجة بين الاثنين وبيان المُخرجات التي توصلت إليها الدراسات الاستشراقية حول العقيدة الإسلامية بصورةٍ عامة وموضوع الجهاد في الفكر الإسلامي بصورةٍ خاصة، وصولاً إلى بيان أهمِّ الجهود المبذولة في الردِّ على أغلبِ هذهِ الآراء التي خرج بها المستشرقون من خلال دراساتهم للدين الإسلامي وعقيدتهِ.

دراسة في المصطلحات والمفاهيم:
سنحاول في البدء تقديم تعريف مختصر لعنصري دراستنا الرئيسين ـ الجهاد الإسلامي والاستشراق ـ محاولين عرض مفهوم هذين العنصرين واستعراض التعاريف الخاصة بهما للخروج إلى التعريف الأمثل مما اتفق عليه العلماء والمختصون في مجال عنصري الدراسة؛ وهما الجهاد الإسلامي أولاً في محاولةٍ منا لبيان التعريف اللغوي والإصطلاحي لهذا التعبير.
أمَّا العنصر الثاني من دراستنا؛ الاستشراق؛ فسنحاول كذلك استعراض أهم ما تقدم بشأن مصطلحهِ ومفهومهِ من دراساتٍ وآراءٍ توضح ماهيّته ومدلولاتهِ وأبرز مجالاتهِ التي خاض فيها وكان له أثرٌ بارزٌ في تحديدِ معالمها. هذا المفهوم الخاص بالاستشراق الذي سنحاول التركيز على استخلاصهِ من جهةِ صانعهِ وليس من جهةِ منتقديه ومعارضيه، كونهم الأولى بأن يقدموا لنا التعريف الأدق والأمثل لما قاموا بإنتاجهِ من دراساتٍ علمية ـ أكاديمية وجِّهت بصورةٍ رئيسة نحو العالم الإسلامي في محاولةٍ جادة منهم لكشفِ النِقَاب عن أسرار هذا العالم والتعرف إليهِ عن كثب، وذلك لتحقيق أغراضٍ وأهدافٍ شتَّى، نجعل في مقدمتها الدافع أو الغرض الديني، الذي انطلق منه المستشرقون في محاولةٍ لتأصيل دراساتهم المسيحيَّة ـ ولاسيَّما فيما يتعلَّق بالعهد القديم "التوراة" ـ فضلاً عن الاهتمام بالتبشير بالدِّين المسيحي لدى أتباع الديانات الأخرى.

أولاً: الجهاد الإسلامي:
الجهاد فريضة إسلامية، لها أهمية خاصة في حماية رسالة الإسلام الإنسانية، والباحث في مفهومهِ يجده مبعث فخار بالنظر إلى سموِّ أسبابهِ، وإنسانيةِ ضوابطهِ، وشهادة التاريخ للرحمة التي سادت ممارساتهِ. غير أنَّ هذا المفهوم في الوقت الحاضر لحقه الكثير من الشبهات من قبل المستشرقين على وجه الخصوص. والجهاد لفظ شامل، له العديد من المعاني والدلالات، يتبيَّن ذلك عند بحث معناه في اللغة، ومراتبه في القرآن والسُنَّة، وتعريفه لدى الفقهاء، وتمايز مدلوله عن الألفاظ ذات الصلة...

تعريف الجهاد لغةً وإصطلاحاً:
الجِهَادُ: مصدر جَاهَدَ جِهاداً ومُجَاهدةً، وثلاثي الكلمة هو (جهد)، والجَهْدُ والجُهْدُ: المشقة والطاقة. وقيل: (الجُهْد): الوسع والطاقة. و (الجَهْد): المشقة أو المبالغة والغاية. والجهاد هو استفراغ الوسع في طلب العدو([1])، يُقال: "جاهَدتَ العدوَّ، إذا قابلته في تحمل الجَهْد، أو بَذَل كلٌّ منكما جُهْدهُ، أي طاقته في دفع صاحبهِ"([2]). وهذا يُبيِّن أنَّ المُقابلة والمُدافعة جزء من حقيقة الجهاد اللغوية، وهذا يصدق على جهاد الكفار والمشركين والبُغاة والعصاة، كما يشمل جهاد الشيطان، وجهاد الإنسان نفسه.

وقد وقفنا في بحث هذهِ الكلمة على كثيرٍ من مراجع اللغة والقواميس والمفردات، وما ورد يُعطي الكثير من مفهوم اشتقاق كلمة “جهاد” من حيث معناها اللغوي، ولا طائل البتَّة تحت ما ذكره أئمَّة هذا الفن في تفريع وتفرق الاشتقاق إذ المقصود فهم القليل الذي يدل على الكثير ولا مزيد.
أمَّا تعريف الجِهاد اصطلاحاً أو شرعاً، فإنَّه يدور عند أغلب الفقهاء من أهل المذاهب الإسلامية، على قتال المسلم الكافر بعد دعوتهِ إلى الإسلام أو الجزية وإبائهِ. فعُرِّف في مصادر الحنفيين بأنَّه: "بذل الوسع والطاقة، بالقتال في سبيل الله U، بالنفس والمالك واللسان، أو غير ذلك، أو المبالغة في ذلك"([3]). وبأنَّه: "الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله"([4]). وفي مصادر المالكيين عُرِّف بأنَّه: "قتال مسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى"([5]). وهو كذلك عن الشافعيين، كما قال الحافظ ابن حجر: "وشرعاً: بذل الجهد في قتال الكفَّار"([6]). وفي مصادر الحنبليين: "وشرعاً: قتال الكفَّار"([7]). أمَّا مفهومه لدى الشيعة الاثنى عشرية، فإنَّه: "بذل النفس وما يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين أو الباغين على وجهٍ مخصوص، أو بذل النفس والمال والوسع في إعلاءِ كلمة الإسلام، وإقامة شعائر الإيمان"([8]).

وكلَّ هذهِ التعريفات لا تُعد بطبيعة الحال شاملةً لكلِّ أنواع الجِهاد الواجب على المسلم أن يُحققها في نفسهِ وفي غيرهِ، كما سنوضح من خلال استعراض مراتب الجهاد في القرآن الكريم والسُنَّة النبوية.

مراتب الجِهاد في القرآن الكريم والسُنَّة النبوية:
من خلال استعراض نصوص القرآن الكريم والسُنَّة النبوية التي ورد فيها لفظ الجهاد، يتبيَّن أنَّ للجهاد مراتب ثلاث([9])، هي:
أولاً: جهاد النفس: بكفِّها عن المعاصي وحملها على الطاعات، وذلك حتَّى يكون هواها تبعاً لحكم الشَرع([10]). ومن النصوص الدالَّة على هذهِ الرتبة من الجِهاد، قوله 9: } وَالَّذينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا {([11])، أي: "الذين يعملون بما يعلمون: يهديهم الله لما لا يعلمون"([12])، ولا يتأتَّى ذلك إلاَّ بجهاد النفس، ومن الحديث قوله 9: "المُجَاهد من جاهَدَ نفسَه"([13])، وكذلك قوله 9: "يا عبد الله، ابدأ بنفسك فاغزها، وابدأ بنفسك فجاهدها"([14]).
ثانياً: جهاد الشيطان: وذلك بدفع كل ما يُلقيه على العبد من الشُبهات والشهوات، فجاء في “شرح نهج البلاغة” على لسان الإمام علي بن أبي طالب (u)، قوله: "إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحبِّ الإطراءء فإنَّ ذلك من أوثقِ فرص الشيطان في نفسهِ، ليمحَقَ ما يكون من إحسان المُحسنين"([15]). كما جاء في “إحياء علوم الدين”: "وأكثر القلوب قد فتحتها جنود الشياطين، وتملَّكتها، فامتلأت بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة، وإطراح الآخرة، ومبدأ استيلائها إتباع الشهوات والهوى، ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلاَّ بتخلية القلب عن قوت الشيطان، وهو الهوى والشهوات، وعمارتهِ بذكر الله تعالى الذي هو مَطْرَحُ([16]) أثر الملائكة"([17])، ومن هنا أتى الأمر الإلهي بوجوب جهاد الشيطان بقولهِ I: } إنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً {([18])، فالأمر باتخاذهِ عدواً يستلزم الأمر بجهادهِ كما يُجاهد المرء عدوه الظاهر، وقد صوَّر النبي الكريم 9 معركة الإنسان مع الشيطان في الحديث التالي: "إنَّ الشيطان قَعَد لابن آدم بأطرقهِ، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك، فعصاه فأسلم، ثمَّ قَعَد بطريق الهجرة، فقال تُهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنَّما مَثَلُ المهاجر كَمَثلِ الفرس في الطِّوَلِ([19])، فعصاه فهاجر، ثمَّ قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل فتُنكح المرأة ويُقسم المال، فعصاه فجاهد. فقال رسول الله 9: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله (I) أن يُدخله الجنَّة"([20]).
ثالثاً: جهاد العدو الظاهر: ويشمل ذلك جهاد الكفَّار والمنافقين وأهل المنكر من الظالمين والفاسقين، وكيفيَّة الجهاد هنا تأخذ أشكالاً متعدّدة، هي:
الجهاد بالنفس: وهو جهاد الكفَّار والمشركين والمرتدين، ويكون بالخروج للقتال ومباشرتهِ بالنفس، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، منها قوله I: }إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَالَّذينَ هَاجَروا وَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرجُونَ رَحمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{([21])، وقولهِ I: }إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بأَمُوالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {([22]).
الجهاد بالمال: ويكون بإنفاق المالِ في السلاح والإعداد، وبإنفاقهِ على غيره ممن يُجاهد، وقد قُدِّم المال على النفس في معظم الآيات القرآنية التي تحدثت عن الجهاد؛ لبيان عِظَمِ دورهِ في قيام الجهاد، قال I: } انفِروا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأموالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إن كُنتُم تَعلَمُونَ{([23])، وقال النبي مُحمَّد 9:}جاهِدوا المُشركينَ بأموالِكُم وَأَنفُسِكُم وَألسِنَتِكُم{([24]).
الجهاد بالكلمةِ أو القول: ويشمل مجاهدة الكفَّار والمنافقين بالحُجَّةِ والبُرهان والبيان للدفاع عن عقيدةِ الإسلام، كما في قولهِ 9: } فَلاَ تُطِعِ الكَافِرينَ وَجَاهِدهُم بِهِ جِهَادَاً كَبِيراً {([25])، وفسَّر ابن عباس 2 الجهاد المذكور في هذهِ الآية إنَّما هو جهادهم بالقرآن([26]). ومن هذا الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر للظالمين من المسلمين، قال 9: "إنَّ من أعظمِ الجهاد كلمةُ عدلٍ عند سلطانٍ جائر"([27])، ويدل الحديث المُتقدم على عِظَم تأثير الكلمة، ومكانتها في تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وذلك من خلال ربطها بالجهاد وجعلها أحد أشكالهِ([28]). وقد روي كذلك عن الإمام علي بن موسى الرضا 7 أنَّه قال: كان رسول الله 9 يقول: "إذَا أُمَّتِي تَوَاكَلت الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عَنِ المُنكرِ فَليَأذنُوا بِوِقَاعٍ مِنَ اللهِ تَعَالى"([29]).
الجهاد بالقلب: وذلك ببغض المُنكر وكراهيتهِ بالقلب، قال النبي 9: "... ومن جاهدهم بقلبهِ فهو مؤمن"([30])، وقد سمَّى أحد الباحثين هذا النوع من الجهاد بـ"الجهاد الصامت"، وقال: "وهذا الجهاد هو رخصة أباحها الله للذين لايستطيعون الجهاد باليدِ أو بالكلمة، ولكن لهذهِ الرخصة ضوابطها وشروطها، ولها إطارها الذي ينبغي أن يُفهم فيهِ الجهاد"([31]).
ومن هذا العرض يتبيَّن مدى شمولية مصطلح الجهاد بمعناه العام، وما ينطوي عليهِ من مضامين روحانية وتربوية، غايتها العمل الجاد الدؤوب الهادف إلى إصلاح النفس والمجتمع الإنساني بأسرهِ، وإخراجها من الظلماتِ إلى النور. يؤكِّد ذلك قول الحسن البصري: "إنَّ الرجل ليُجاهد وما ضرب يوماً من الدهر بسيف"([32])، وهذا يُبيِّن قيمة العمل الإنساني وعلوِّ مكانتهِ في الإسلام، حيث يُعد شكلاً من أشكال الجهاد.

حكم الجهاد:
الجهاد بمعناه الواسع فرض عينٍ على كلِّ مسلم، كلٌّ بحسب استطاعتهِ, وهو بمفهومهِ الضيق الذي رأيناه (القتال في سبيل الله) فرض كفاية. وقد تحدث عن ذلك الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد"، فقال: "فأمَّا حكم هذهِ الوظيفة فأجمع العلماء على أنَّها فرضٌ على الكفاية لا فرض عين، إلاَّ عبد الله بن الحسن، فإنَّه قال إنَّها تطوع، وإنَّما صار الجمهور لكونه فرضاً، لقولهِ I: }كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرهٌ لَكُمْ {([33]). وأمَّا كونهِ فرضاً على الكفاية، أعني: إذا قام بهِ البعض سقط عن البعض، فلقولهِ I: } وَمَا كَانَ المُؤمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّة {([34])، وقولهِ I: } وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسنَى {([35])، ولم يخرج قط رسول الله r للغزو، إلاَّ وترك بعض الناس، فإذا اجتمعت هذهِ اقتضى ذلك كون هذهِ الوظيفة فرضاً على الكفاية"([36]).
وبالإضافة إلى ما تقدم، فإنَّ فريضة الجهاد تكون في حالاتٍ معينة فرض عينٍ على كلِّ مسلم، كحين يلتقي الزحفان، فليس لِـمَن حضر أن يفر أو يتخلَّى عن القتال. قال ابن قدامة: "إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفَّان، حُرِّم على من حضر الانصراف، وتعيَّن عليهِ المُقام"([37])؛ وذلك لقولهِ I: }يَا أيُّهَا الَّذينَ آمنُوا إذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُروا اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُم تُفلِحُونَ{([38])؛ أو إن نزل الكفَّار ببلدٍ تعيَّن على أهلهِ قتالهم ودفعهم([39])؛ أو إن استنفر الإمام قوماً لَزِمَهم النفير معه، عن ابن عباس 2 قال: قال رسول الله 9: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونيَّة، وإذا استُنفِرتُم فانفِروا"([40]). ما يدل على أنَّ من عيَّنه الإمام وأمره بالخروج للجهاد تعيَّن عليهِ ذلك([41]).

أهداف الجهاد وغايته:
يتبيَّن لنا من تعريف الجهاد، في الاصطلاح الفقهي، أنَّه القتال في سبيل الله Y، ومن بيان الرسول الكريم r لما هو في سبيل الله بأنَّه ما كان لتكون كلمة الله هي العليا أنَّ غاية الجهاد هي إعلاء كلمة الله Y، وذلك تعبير جامع لا يشذ عنه شيء من أهداف الجهاد السامية. ولكننا إذا أردنا شيئاً من التفصيل، يمكن أن نُجمل أهداف الجهاد فيما يأتي:
القضاء على الفتنة: بحيث يكون لكلِّ من أراد الإسلام أن يدخل فيه بحريةٍ ولا تمنعه من ذلك أيَّ قوة. قال I: } وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإنِ انتَهَوا فَلاَ عُدوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالمِينَ {([42])، وقد فسَّر العلاَّمة الطباطبائي لنا هذهِ الآية المباركة بقولهِ: "تحديد لأمد القتال.. والفتنة في لسانِ هذهِ الآيات هو الشرك باتخاذ الأصنام كما كان يفعله ويُكره عليه المشركون بمكَّة"([43]).
نُصرة المظلومين: قال I: }وَمَا لَكُم لاَ تُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَالـمُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخرِجنَا مِن هذهِ القَريَةِ الظَّالِمُ أَهلُهَا وَاجعَل لَنَا مِنْ لَدُنكَ وَلِيَّاً وَاجعَل لَنَا مِنْ لَدُنكَ نَصِيراً {([44]).
ردُّ العدوان وحفظ الإسلام: قال الله I: } الشَّهرُ الحَرَامُ بِالشَّهرِ الحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمثِلِ مَا اعتدَى عَلِيكُم وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ {([45]).
ردع العدو: قال I: } وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسَتطَعتُم مِنْ قُوِّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِم لاَ تَعلمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُم{([46]).
ثانياً: الاستشراق:
تعريف الاستشراق لغةً وإصطلاحاً:
الاستشراق، كلمةٌ لم ترد في المعاجم العربية المختلفة([47])، إلا أنَّ تحديد معناها على وفق قواعد الصرف يدلنا على أنَّها مفردة تمَّت صياغتها على وزنِ "استفعال" وأصلها "شَ رَ قَ" أُضيفت إليها الألف والسين والتاء التي تفيد الطلب؛ فيكون معناها: طَلَب الشرق([48])؛ ولا يُطلب الشرق إلاَّ لطلب علومهِ معارفهِ ولغاتهِ وأديانهِ...، ومما يُعمِّق دلالة الاستشراق اللغوية والمستشرق كون لفظ (أَشْرَقَ) يأتي بمعنى النور والضياء؛ وذلك لأنَّ الشمس تُشرق من المشرق، فأصبح معناها طلب النور والضياء الحسِّي أو المعنوي، فالحكمة المشرقية أو حكمة الإشراق على أساس الشرق هو المنبع الرمزي لإشراق النور، وليس المقصود بالشرق (الشرق الجغرافي)([49]) وذلك لوقوع أجزاء من العالم الإسلامي ضمن جهات أُخرى كالجنوب والشمال والغرب([50]).
كما يُقال في المعنى ذاته: إِسْتَشْرَقَ، أي طَلَبَ علوم الشرق، ولغاتهم، يُقال لمن يُعنى بذلك من علماء الفرنجة([51]).
ولو تتبعنا تصريف كلمة (شرق) لاستعرضناه على الترتيب الآتي: شرق المكان شرقاً أشرقت عليه الشمس. وأشرقت الشمس: طلعت وأضاءت على الأرض([52]). قال I: }وَأَشْرَقَتِ الأَرضُ بِنُورِ رَبِّهَا{([53]). وأشرق وجهه: تلألأ حُسناً، وقد أشرق البلح لون بحُمرةٍ، وأشرق القوم: دخلوا في وقت الشروق، قال I: }فَأَتبَعُوهُم مُّشرِقينَ{ ([54]). والإشراق: انبعاث نور من العالم غير المحسوس إلى الذهن، وبهِ تتم المعرفة([55]). والتشريق: ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر، قال رسول الله 9: "أيامُ التَّشريق أيامُ أكلٍ وشرب"([56]).
وعلى الرغم من أنَّ كلمة "الاستشراق" لم ترد إلينا في المعاجم العربية ـ المتقدمة منها بخاصة ـ كونها كلمة ليست عربية أصيلة بل هي مولَّدة عصرية([57])، إلاَّ أنَّه من الواضح أنَّ اللغة العربية التي وَسِعَت كلَّ شيء واستوعبت الكثير من المصطلحات العلمية والفكرية الحديثة لن تضيق وتقصر عن تفسير هذا المصطلح وتصريفهِ.
إنَّ أول استعمال لكلمة "مستشرق" كان عام 1630م، إذ أُطلِقَ على أحد أعضاء الكنيسة الشرقية (أو اليونانية)([58])، وبذلك تكون كلمة "الاستشراق" مُصطلحاً مُستحدثاً في اللغات الأجنبية كما هو الحال في اللغة العربية، فقد ظهر مُصطلح (Orientlist) في إنكلترا عام 1779م، ومُصطلح (Orientaliste) في فرنسا عام 1799م، ثم أُدرجت كلمة الاستشراق في قاموس الأكاديمية الفرنسية (Dic. De l'Acadèmi Franciase) عام 1838م([59]).
أمَّا المفهوم الاصطلاحي للاستشراق، فإنَّ من غير اليسير التوصل إلى تعريف محدَّد الملامح والأُطُر لمفهوم الاستشراق، وقد يكون ذلك بسبب تعدد آراء المختصين في دراسة الاستشراق من الشرقيين والغربيين على حدٍّ سواء وأقوالهم في هذا الشأن. وبهذا فإنَّ الاستشراق يكون بمفاهيم عدَّة متداخلة ومتكاملة في آنٍ واحد، فهو أحياناً يُراد بهِ ذلك العلم الذي تناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من علماء الغرب. وأحياناً يُقصد بهِ أسلوب للتفكير يرتكز على التمييز المعرفي والعرقي والأيديولوجي بين الشرق والغرب. ومرةً أخرى يُحدَّد مفهومه بالعلماء الذي يقومون بهِ ونعني بهم "المستشرقين" وهم الكُتَّاب الغربيون الذين كتبوا عن الفكر والحضارة الإسلامية([60]).

وفي معجم المصطلحات الأدبية ونظرية الأدب (Dictionary of Literature & Literary theory)، نجد تعريفاً للاستشراق يتكشَّف عن طريقهِ أنَّ التعريف القائم على اختصار المفهوم بالموضوعات التي تناولها جهد المستشرقين قد تغير، وأنَّ هناك رؤىً ومواقف في تعريف الاستشراق بات لصوتها حضورٌ في الساحة الثقافية الغربية، فالاستشراق "مصطلح يخص الشرق كما اكتشفه وسجله ووصفه وتخيله وأنتجه واخترعه الغرب. وفيما يخص الأدب؛ فهو مصطلحٌ يدل على الخطاب الغربي حول الشرق؛ والذي يتضمن كماً هائلاً من النصوص الأدبية والإجتماعية والتاريخية واللغوية والسياسية والإنثروبولوجية والتوبوغرافية؛ التي تراكمت منذ عصر النهضة"([61]). ويستمر هذا التعريف ليُبدي نظرة محلِّلة للنزوع المؤسَّساتي للاستشراق؛ كاشفاً عن البُعد النفسي والسياسي الذي هيمن على مناهج المستشرقين، مبيناً الموقف من موضوع حضاري وإنساني كان لهُ بالغ الأثر في صياغة الأحداث السياسية والثقافية في العالم الشرقي، فصاحب المعجم يرى: "إنَّ معظم الخطاب الاستشراقي كان متحيِّزاً ومتحاملاً، وفيه كثير من الشعور بالتفوق،... وكل ذلك يكشف عن قدرٍ كبير من التكبر والشعور بالتفوق، ومعظم ذلك قد امتزج بعنصرية وافتراض مُسبق وجهل بيِّن؛ أفرز الكثير من العموميات السطحية من لدن أناس كان عليهم أن يعلموا الكثير عن الشرق؛ خلافاً لتلك الأحكام الغامضة التي صدرت عنهم... كما أنَّ بعض الكُتَّاب والباحثين كانوا يكررون أفكار من سبقهم ليتبنوا مجموعة آراءٍ ومواقف تشبه تلك التي قال عنها الكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير Gustave Flaubert (1821 ـ 1880): "إنَّها مبتذلة ومتدنية، وتوهم بأنَّها تتضمن الحقيقة"­([62]). وهذا كلُّه يتحصَّـل بحضور خطاب لا يكاد يتخلَّى عن فكرة التفوق، يعززها شعور بالقدرة على فهم الآخر([63]).

قد يخص مفهوم الاستشراق الوارد في هذا التعريف تيار الاستشراق المؤسَّساتي الذي مارس سلطته عن طريق كشوفات المستشرقين ومباحثهم؛ فهو يُعبِّر عن سلطةٍ سياسية؛ تمثل التمحور حول مركزية غربية في تفسير التاريخ الشرقي وحضارته من منطلق نزوعٍ متعالٍ، لكن ـ وفي مجال الجهد المؤسَّساتي بكلِّ مسارب سلطتهِ تلك ـ فقد تمخضت عنه معطياتٍ كبيرة لا تصب كلُّها بالضرورة في هذا النزوع التعسفي للاستشراق([64]).

أمَّا إدوارد سعيد فإنَّه يُحدد مفهوم الاستشراق بـ: "مبحث أكاديمي.. وأسلوب تفكير يقوم على التمييز الوجودي والمعرفي بين ما يُسمَّى "الشرق"، وبين ما يُسمَّى "الغرب".. وهو أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائهِ، والتسلُّط عليه"([65]).

وبحسب إدوارد سعيد، فإنَّ الاستشراق هو كتاب عن الغرب، وإشكالاتهِ الفكرية، والخلل الجوهري في ثقافتهِ، والمفارقات الأساسية في داخلهِ، بين ما يعده مبادئ تطوره الحضاري، والبحثي، والعلمي، وبين الطريقة التي ينظر بها إلى الآخر، ولاسيَّما حين تتم تلك النظرة في مجال القوة، والفوقية، والسلطة، وهي طريقة "لا تبدو خاضعة للفكر النقدي، الذي يمارسه الغرب في فهم ذاتهِ، بل لفكر آخر مصدره الإنشاء الاستشراقي، المُتشكِّل، المتصلِّب الذي أُسس في إطار معطيات ومنطلقات أخرى". لقد كشف سعيد التكوين المؤسَّسي للاستشراق، وارتباطه بالمصالح السياسية الغربية، إذ جاء ازدهار الاستشراق مواكباً للتوسع الاستعماري، والإمبريالي الغربي، فقد وظَّف كثير من المستشرقين علمهم في الشرق لخدمة المصالح السياسية لبلدانهم على نحوٍ ظاهر، أحياناً، وخفي في أحايين أخرى([66]).
ويُحدِّد لنا رودي باريت مفهوم الاستشراق العلمي بأنَّه: "علمٌ يختص بفقه اللغة خاصةً.. وهو علم الشرق أو علم العالم الشرقي"([67]). ويرى البعض أنَّ الاستشراق علمٌ لا يقتصر على دراسة الغربيين الشرق فحسب، بل هو أثر الشرق في تكوين البناء الحضاري وتطوره في العالم بأسره([68]).

ونحن إذا قمنا باستعراض كلِّ المفاهيم التي دبجت حول الاستشراق، فإننا لن ننتهي أبداً، ولكن يمكن لنا أن نحدده بالدراسة المتقصية المتنوعة متعددة الأغراض التي مارسها الغربيون لمحاولة فهم الشرق والتعرف على كنوزهِ الحضارية، وعاداتهِ وتقاليدهِ وحضارتهِ وديانتهِ وكلِّ منحىً من مناحي حياتهِ، مهما كان الغرض الدافع إلى هذهِ الدراسة سواء أكانت لأهدافٍ دينيَّة أم عسكرية أم سياسية أم اقتصادية أم علمية، وهذه الدراسة الضخمة أنتجت لنا ما نطلق عليه "الاستشراق"([69]).
أمَّا مفهوم مصطلح "المستشرق" فقد تعددت الآراء وتباينت في تحديدهِ كذلك، إذ يذكر واردنبرغ في هذا الشأن ما نصه: "باستخدامه في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان لمصطلح ”المستشرق“ معنى ثقافي وعلمي على حدٍّ سواء. فالمستشرقون الثقافيون، بضمنهم الرسامون والكتَّاب، هم أولئك الذين يستمدون إلهامهم من الشرق، أمَّا المستشرقون العلميون فهم المتخصصون باللغات والثقافات الشرقية، لتمييزهم عن ”الكلاسيكيين“، المتخصصين باللغات والثقافات الكلاسيكية (اللاتينية واليونانية)، ونظراً لأنَّ مثل هذا المستشرق أكثر من مجرد متخصص باللغات، فقد كان إنسانياً يُفترض أنَّه يمتلك معرفة حقيقية معمَّقة لواحدة أو أكثر من ثقافات المشرق ويُكرِّس نفسه لدراسة اللغات والآداب الشرقية في الماضي والحاضر، فضلاً عن المعالم الثقافية الأخرى في ميداني الأدب والآثار، ويُفترض كذلك أنَّ بحثه عن المعرفة الرصينة يُميِّزه عن غيره من المستشرقين الثقافيين، الذين كانوا أنصاراً متحمسين للمشرق"([70]).

في حين يُعرفه المستشرق الإيطالي ميكلنجلو جويدي Michelangelo Guidi (1886 ـ 1940) بقولهِ: "ليس صاحب علم الشرق أو المستشرق الجدير بهذا اللقب بالذي يقتصر على معرفة بعض اللغات المجهولة أو يستطيع أن يصف غرائب عادات بعض الشعوب، بل إنَّه من جمع بين الإنقطاع إلى درس بعض أنحاء الشرق وبين الوقوف على القوة الروحيَّة والأدبية الكبيرة التي أثَّرت على تكوين الثقافة الإنسانية، هو من تعاطى درس الحضارات القديمة ومن أمكنه أن يُقدِّر شأن العوامل المختلفة في تكوين التمدن في القرون الوسطى مثلاً أو في النهضة الحديثة"([71]).
ويُفسِّر لنا المستشرق الألماني فرانسيس يوسف شتاينغازFrancis Joseph Steingass (1825 ـ 1903) مصطلح (Orientalist) بمعنى: "عارف في الألسن والآداب الشرقية"([72]). بينما حدَّد قاموس أكسفورد مصطلح "المستشرق" بأنَّه: "الشخص الذي يدرس لغات وفنون... البلدان الشرقية"([73]). وهو ما يُظهر لنا وجه التقارب الكبير في تحديد مفهوم المستشرق في المعاجم اللغوية، القديمة منها والحديثة على حدٍّ سواء.

ملفات البحث الحديث والمعاصر في قضية الجهاد الإسلامي:
إذا تخطَّينا موضوع العناصر التي أعادت دراسة موضوع الجهاد، لندرس أبرز الهموم الفكرية على هذا الصعيد، وهي الهموم التي تركت أثراً على موضوعات الجهاد التي طُرحت في الساحتين الإسلامية والغربية، سنجد عدَّة ملفات متداخلة تمَّ تداولها ووضعها موضع البحث والمناقشة، وأهمَّها:

1. الملف الإحيائي:
أول الملفات هو الملف الإحيائي، أي إحياء الفريضة الغائبة. لهذا كثر التركيز على الجهاد في القرآن الكريم وعلى نصوصهِ. وهنا يبرز دور الحركة الإخوانية مع مدرسةِ سيِّد قطب (1906-1966م)، بوصفها المدرسة الأبرز التي ركَّزت على هذا الموضوع. فسيِّد قطب عَمِلَ ـ ولاسيَّما في كتابهِ «في ظلال القرآن» - على تقديم تفسيرٍ حركي إجتماعي للنصوص الدينيَّة. وإذا وضعنا هذا الكتاب إلى جانب كتابَيْهِ: «جاهلية القرن العشرين»؛ «معالم في الطريق»، سنجد كيف سعى سيِّد قطب والإخوان المسلمون لتحريك النصوص الدينيَّة في الواقع الإجتماعي؛ لإحياء مفاهيم طالما غابت عن ساحة حياة المسلمين من وجهةِ نظرهم، مثل: الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق الشريعة... إلخ، فمع مدرسة الإخوان المسلمين في شكلها المتطوِّر، وعلى رأسهِ مُنظِّره سيِّد قطب، وفي امتداداتها في مصر والسودان واليمن وسوريا...، نجد تنشيطاً كبيراً لمقولات الحركيَّة الإسلامية، حتَّى طرح قطب مقولته المشهورة، التي أخذها منه العلاَّمة مُحمَّد حسين فضل الله (1935-2010م)، والتي تقول: "الإسلام لا يفهمه إلاَّ الحركيون". ولهذا وجدناه يُرجِّح أن تكون الفئة النافرة في الآية (122) من سورة التوبة([74]) هم المجاهدون؛ لأنَّهم مَنْ كان يفهم الإسلام عملياً وميدانياً، بدل شيوخ البلاط والمُنظِّرين المخمليِّين([75]).
كانت مقولات سيِّد قطب ذات تأثير على بعض اتجاهات الفكر الشيعي أيضاً. فقد تركت بصماتها ـ في ما نُخمِّن ـ على شخصيَّتين شيعيَّتين كبيرتين، هما: مُحمَّد باقر الصدر (1935-1980م)، ومُحمَّد حسين فضل الله. وكذلك على حزبٍ إسلاميٍّ شيعيٍّ عريق، وهو حزب الدعوة الإسلاميَّة([76])، حتَّى وجدنا الشخصية الثانية تنتهج في تفسيرها «من وحي القرآن» منهج التفسير الحركي الإجتماعي، الذي بدأت بذوره مع مُحمَّد عبده (1849-1905م) ورشيد مُحمَّد رضا([77]) (1865-1935م) في تفسير المنار، ووصل أوجه مع سيِّد قطب في تفسيرهِ.

ميِّزات الملف الدعوي الإحيائي:
إذاً الملف الأول لمطالعة الجهاد كان ملفاً دعوياً، يُعيد استحضار مفاهيم الجهاد في الأمة؛ ليحلَّ مشاكلها عِبرَ هذا الطريق. ويمتاز هذا النشاط الذي قام بهِ هذا الفريق بعدَّة ميزات هامة، أبرزها:
أ. التخلِّي عن المنهج التجريدي النظري في تحليل الجهاد، وهو المنهج الذي ظلَّ سائداً لقرونٍ في وسط المسلمين، منهج قراءة موضوع الجهاد وكأنَّه جملٌ تحتاج إلى إعراب وتفكيك لغوي نظري، واستبدال ذلك كلُّهه بمنهج يربط نصوص الجهاد ودراستها بنفس العملية الإحيائية، أي أنَّه لم يحصل هناك فصلٌ كبير في قراءةِ موضوع الجهاد عند هذا الفريق بين عمل المُفسِّر والفقيه والمُفكِّر من جهة وعمل الداعية والمُصلح من جهةٍ أخرى، أي الدمج بين المُفكِّر والداعية. وهذهِ هي السِمَة العامة التي تطبع فكر مثل: سيِّد قطب، ومُحمَّد حسين فضل الله، ومُحمَّد الغزالي (1917-1996م)، ويوسف القرضاوي، وغيرهم.
ب. مطالعة نصوص الجهاد من زاوية الحاجة الميدانية، بمعنى أنَّ الجانب الذي كان ينظر فيه هؤلاء إلى فلسفة الجهاد ونصوصهِ كان مدى الحاجة الإجتماعية إلى هذا الموضوع أو ذاك، إلى هذا الملف أو ذاك... فالمرحلة كانتت تستدعي إحياء المفاهيم، لا دراسة المساجلات الفكرية فيها؛ لهذا لا نجد عند هؤلاء في هذهِ المرحلة تناولاً جاداً لملفاتٍ فكرية شائكة في الجهاد، دون أن تكون هماً إجتماعياً وإحيائياً.

2. الملف الدفاعي:
ثاني الملفّات كان الملف الدفاعي، فالإحيائيون المسلمون، منذ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، اهتموا من جهةٍ بإعادة استحضار مقولاتٍ إسلامية كانت قد ماتت تقريباً على مستوى الحياة اليومية للمسلمين، كما نجد ذلك واضحاً في كلمات الإمام الخميني (1902-1989م) والعلاَّمة مُحمَّد حسين الطباطبائي (1904-1981م) حول القرآن الكريم، وكيف تحوَّل مجرَّد تمائم للأطفال أو تلاوة على الأموات وفي المقابر، ونجده مع حسن البنَّا وسيِّد قطب في حديثهما عن الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ونظام السلطة... إلخ.
هذا هو الجانب الإحيائي الذي يُمارس عملية تذكير للأمَّة بما اختفى من مقولاتِ الإسلام في بطون الكتب؛ ولهذا اعتقد الإحيائيون أنَّ التراث المدفون في المكتبات والمخطوطات قادرٌ ـ مع بعض الإصلاحات ـ على إدارة حركة الأمة، وأنَّ المسلمين ـ لو عادوا إلى هذا التراث ـ قادرون على حلِّ مشاكلهم؛ لهذا سعى الإحيائيون إلى إخراج هذا التراث من المدفون إلى المقروء، فعملوا كثيراً على تغيير لغة التراث؛ لتكون واضحةً وعصرية تتَّسم بالمواكبة، وهذا ما يظهر جليَّاً مع تفسير المنار([78])، وأعمال كلٍّ من: الشيخ محمد عبده في تطوير مناهج التعليم في الأزهر، والشيخ مُحمَّد رضا المُظفَّر (1904-1964م) في تطوير مناهج التعليم في النجف الأشرف([79])، وغيرهما... وكذلك ما قام بهِ علماء، مثل: مرتضى مطهَّري([80]) (1920-1979م)، ومُحمَّد باقر الصدر، ويوسف القرضاوي، ومُحمَّد الغزالي، ومحمد جواد مغنيَّة (1904-1979م)، ومحمد حسنين هيكل (1888-1956م) وغيرهم.
كانت هذهِ بعض ملامح الحركة الإحيائية، لكنْ إلى جانبها ومعها ظهرت الحركة الدفاعية؛ حيث لم يتمكَّن النهضويون المسلمون من إنجاز الإحياء إلاَّ إذا مارسوا إلى جانبهِ حملةً منظَّمة ومكثَّفة للدفاع عن المفاهيم المحياة التي أُقصيت أو شوِّهت بفعلٍ عمدي، أو لتراكم الظروف والأوضاع، فهناك الكثير من المقولات الدينيَّة الراقدة كانت قد تبلورت لها في الوعي العام الإسلامي، فضلاً عن غيرهِ، صورٌ مشوَّهة أو مغلوطة تعرضت لنقد وحملات أطراف معيَّنين، كان من أبرزهم فريقان: أحدهما: خارجي، والآخر داخلي:

أ. أمَّا الخارجي فتجلَّى في حركةِ النقد الاستشراقي، التي اتَّسمت قبل القرن العشرين بظاهرة الانحياز الذي حملته بأشكال مختلفة منذ الحروب الصليبيَّة، التي يعتبرها بعض الباحثين البدايات الأولى لحركة الاستشراق، من هناا تركَّزت الانتقادات على المفاهيم الإسلامية، ومنها: مفهوم الجهاد، كما سنُلاحظ فيما بعد، ومن الطبيعي هنا أنَّ الإحيائيَّ سيواجه واقع النقد هذا حتَّى يتسنَّى له النجاح في مهمة النهوض بالأمة عِبرَ هذهِ المفاهيم التي يقوم بإحيائها.
ب. وأمَّا الداخلي فتمثَّل في حركات التغريب والتشريق التي سادت العالم الإسلامي، وعندما نقول: التغريب فلا نعني هنا منقصةً بالضرورة، وإنَّما التوصيف، فهم ـ شئنا أم أبينا ـ يقعون على هامش الحداثة وأحداثها، وهؤلاءء تنوَّعوا بين ميَّالٍ للثقافة الغربية، ولاسيَّما على مستوى ملف حقوق الإنسان، وميَّال للثقافة الشرقية الشيوعية والاشتراكية، ولاسيَّما على مستوى موضوع الاقتصاد والنُظُم الإجتماعية.
وقد انتقد هؤلاء المفاهيم الدينيَّة عندما ظهروا ضمن الحركات التي صاحبت أو أعقبت إنهيار الدولة العثمانية، من حركةِ تركيا الفتاة Jön Türkler، والاتحاد والترقِّي Ittihat ve Terakki، والحركة القومية العربية والفارسية، مروراً بالاشتراكيين Socialists والماركسيين Marxists، وصولاً إلى حركات النقد الألسني والمعرفي المتأخِّرة، منذ سبعينيات القرن الماضي وإلى عصرنا الحاضر...
هذهِ التيارات سعى الإحيائيون ـ كلٌّ حسب زمنه ـ لمناقشتها؛ ولهذا كان الملف الدفاعي حاضراً بقوة في كتابات هذا الفريق ضدَّ النُقَّاد على أشكالهم؛ وهي حركةٌ سرعان ما تطوَّرت إلى مواجهاتٍ بين التيارات الفكرية وصلت إلى السياسة؛ ومن أبرز أشكال التصادم تجارب كلٍّ من: الحركة الدستورية (المشروطة والمُستبدة)، وكذلك موسى سلامة([81]) (1887-1958م)، وفرج فودة([82]) (1945-1992م)، وطه حسين (1889-1973م)، وعلي الوردي (1913-1995م)؛ وعلي شريعتي (1933-1977م)، وصولاً إلى المواجهات العنيفة خلال العقود الثلاثة الماضية حتَّى بين أطراف محسوبين أنفسهم على الحركة الإحيائية.

3. الملف النقدي:
ثالث الملفات هو الملف النقدي، وقد غطَّى مساحةً لا يُستهان بها في دراسة الفكر الإسلامي، ومنه: موضوعات الجهاد، فارزاً تياراً نقدياً واسعاً. وقد بدأت الحركة النقدية لبعض المقولات الإسلامية مع الباحثين الغربيين (المستشرقين بالخصوص)، فقد دَرَس هؤلاء موضوع الجهاد ـ وبشكلٍ رئيس ـ على خطَّين: أحدهما: خطِّ التاريخ الإسلامي، وثانيهما: خطِّ التشريعات الإسلامية في حقِّ غير المسلمين، وخاصةً اليهود والنّصارى، وهذا ما اهتم بهِ بشكلٍ مميَّز الباحثون القرآنيون منهم، وباحثو السيرة النبوية.
وكانت الموضوعات الأساسية التي شغلت المستشرقين هنا تتمحور حول العلاقة بين الإسلام والقوة، وأنَّ الإسلام بدأ ديانةً داعية للحوار والسلام والجدال بالتي هي أحسن وإبداء المظلومية و..، لكنه سرعان ما غيَّر مفاهيمه عندما أمسك بزمام السلطة، وهذا ما يراه المؤرِّخون من المستشرقين وعلماء القرآنيات منهم في تحليلهم لسيرة النبي 9 في مكَّة والمدينة، ويراه بالخصوص المختصون بالقرآنيات، ولاسيَّما في موضوع المكِّي والمدني؛ حيث يجدون تحولات كبرى حصلت على هذا الصعيد.
هذهِ العلاقة السلبية بين الإسلام والقوة أو السلطة شكَّلت مركز تفكير المستشرقين في قضية الجهاد، فدرسوا باهتمام بالغ ظاهرة الفتوحات الإسلامية، وأنَّ الإسلام قد انتشر بالسيف. فبعد أن طُلِبَ من النبي 9 أن يُنذر عشيرته الأقربين تطوَّر الموقف فيما بعد ليُنذر أمَّ القرى ومَن حولها، ثمَّ ليتطوَّر فيما بعد ليُؤمَر بإنذار العرب، ثمَّ بعد ذلك ليُعلن أنَّ الرسالة كانت رحمةً للعالمين.. هذا التطوُّر في الخطاب هو الذي أسَّس ـ بفعل العلاقة مع القوة ـ لثقافةِ نشر الإسلام بالسيف، وهو الذي شكَّل شرعية الغزو واحتلال الأراضي وإبادة ثقافات وشعوب ولغات و..؛ بفعل الفتوحات الإسلامية. ذلك كلَّه من وجهةِ نظر المستشرقين([83]).

إنَّ طريقة تعامل المسلمين مع غيرهم ـ تسامحاً وتشدُّداً ـ شكَّلت محوراً آخر. فسياسة فرض الرأي والقمع والتقتيل والغارة شكَّلت مادةً نقديةً دسمة للمستشرقين؛ ولهذا اهتموا بفكرةِ الجهاد الإبتدائي، وتخيير الناس بين الإسلام والقتل أو إلى جانبهما الجزية، وهو النظام الذي حمل صورةً سيئة في الوعي غير المسلم. وظهر هنا البحث الاستشراقي في ملفاتٍ مثل: حادثة بني قريظة، التي اعتبروها جرائم حرب وإبادة، وكذلك إعدام أو اغتيال الأسرى والشعراء في مناسباتٍ متفرقة.

من هنا ساهم كلٌّ من: كارل بروكلمان Carl Brockelmann (1868-1956م)، ودومينيك سورديل Dominic Cordell، ووليام مونتغمري واط William Montgomery Watt (1909-2006م)، وإجناس غولدتسيهر Ignác Goldziher (1850-1921م)، ويوليوس فلهاوزن Julius Welhausen (1844-1918م)، وماكدونالد Duncan Black MacDonald (1863-1943م)، وبرنارد لويس Bernard Lewis، وبلاشير Régis Blachère (1900-1973م)، وثيودور نولدكه Theodor Nöldeke (1836-1930م)، وهنري لامانس Henri Lammens (1862-1937م)، ومكسيم رودنسون Maxime Rodinson (1915-2004م)، وكارين آرمسترونغ Karen Armstrong؛ وغيرهم([84]). ساهموا في دراسةِ قضايا السيرة والتاريخ والقرآنيات والتشريع، ولاسيَّما أنَّ أكثر المستشرقين يرون أنَّ الإسلام ليس سوى تركيبة عربية لدياناتٍ ثلاث، هي: المسيحيَّة، واليهوديَّة، والمجوسيَّة.
وعندما نتحدث عن المستشرقين فلا يصح أن نتصوَّرهم ـ كما يفعل بعضنا ـ فريقاً واحداً متَّحداً في الآراءِ والأفكار، فقد شَهِدَ القرن العشرون بالخصوص تطوُّراً في الدراسات الاستشراقية حوَّلته ـ أي الاستشراق ـ إلى مدارس متعدِّدة؛ قومياً وفكرياً ومنهجياً([85])؛ لهذا كان بعضهم يدافع عن بعض المقولات الإسلامية، وصار بعضهم الآخر يُحلِّل الظروف في مناخها التاريخي، ولا يُسقط عليها ثقافة العصر الحاضر.. إنَّ القرن العشرين شَهِدَ تطوُّراً في الاستشراق العلمي غير المنحاز، أي ليس الاستشراق الكنسي المتمثِّل بمجموعةٍ من الرهبان الذي بحثوا حول الشرق، ولا الاستشراق الاستعماري المتجلِّي بمجموعةٍ من موظَّفي ما كان يُعرف بوزارة المستعمرات في الإمبراطوريات الأوربية السابقة، كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وغيرها.. من هنا تنوَّعت أخيراً آراء المستشرقين، وحصل تبدل كبير في مطالعة بعضهم للإسلام. وهذهِ نقطةٌ لا بدَّ أن تُؤخذ بعين الاعتبار.
ومن ثنايا الفعل الاستشراقي، وتأثُّراً بهِ وبغيرهِ مع جهودٍ ذاتية، ظهرت الحركة النقدية في الوسط الإسلامي، والتي برز عددٌ من كبار رجالها بوصفهم تلامذة للجامعات والأساتذة الغربيين والمستشرقين. وقد اهتم أنصار هذهِ الحركة بالواقع الداخلي في الحياة الإسلامية، واعتبروه مسؤولاً عن المشكلة القائمة المُسبِّبة لتخلُّف المسلمين، وأنَّه ليس من الصحيح دوماً أن نُلصق سبب تخلُّفنا بالآخر ـ أيَّ آخر كان ـ كما أنَّ الموضوع ليس موضوع عدم تطبيق الشريعة الموجودة في بطون الكتب، وعدم إحياء الإسلام التاريخي التراثي..، بل هو أبعد من ذلك. إنَّه يكمن في بُنية الوعي والثقافة والعلم عندنا. إذاً فلا بدَّ من الحفر في التراث ونقدهِ، وتمييز غثِّهِ عن سمينهِ، إلى جانب الانفتاح على ما يُسمَّى: حضارة اللحظة، وهي الحضارة الغربية، والإفادة من منجزاتها وعلومها. وبهذهِ الطريقة نضع ـ كما يقولون ـ أمتنا على الطريق الصحيح، وندخل في مشروع إنقاذي شامل.

بدأت الحركة النقدية الأولى في الهند في القرن التاسع عشر مع شخصياتٍ، كان أبرزها السير السيد أحمد خان([86]) (1817-1898م)، الذي أسَّس ـ مع ولي الله دهلوي([87])، على رأي بعضهم ـ فكرةَ تاريخية التشريعات الإسلامية، ثمَّ انتقلت إلى مصر والشام، وهناك ظهرت أجيالٌ من النُقَّاد، توزعوا على طول العالم الإسلامي وعرضهِ، منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.

نماذج من الدراسات الاستشراقية:
سنحاول فيما يلي قراءة نماذج من أعمال المستشرقين الذين اهتموا بدراسة الجهاد الإسلامي، وتحليلها وفق المعطيات التاريخية التي دُرجت ضمن المنهج العلمي الذي اتبعوه، وقد عَمِدنا إلى اختيار نماذج إيجابية في موقفهِا من موضوع الجهاد في الدين الإسلامي، وأُخرى سلبية؛ لبيان التفاوت والاختلاف الكبيرين بين مواقف المستشرقين.
النموذج الأول كتاب([88]): "الحرب المقدسة.. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم"([89]) للمستشرقة البريطانية كارين آرمسترونغ (Born in:1944) Karen Armstrong. حيث تبدأُ المؤلِّفة دراستها بوقائع معروفة، يمكن إيجازها بدعوة البابا أوربان الثاني Pope Urban II (1042-1099م) الفرسان المسيحيين، عام 1095م للإندفاع نحو الشرق، من أجل تحرير القدس من قبضة أتباع مُحمَّد [9]، واستنقاذ الدولة البيزنطية المسيحيَّة من هجمات الترك (السلاجقة) الذين استولوا على أجزاءٍ كبيرة من آسيا الصغرى، وهددوا القسطنطينية Constantinople نفسها؛ على أنَّ هؤلاء الفرسان، بالترتيبات الطبقية السائدة في المجتمعات الإقطاعية آنذاك، قادهم عملياً وللمرة الأولى رجال الدين المسيحيون، الذين أرسلهم البابا معهم، والذين ما كان من حقِّهم ولا من تقاليدهم استخدام السلاح بأنفسهم، لكن في خضم الحماسة الدينيَّة الهائلة، وعِبرَ عقودٍ عدَّة، تطورت لديهم رؤى جديدة دفعت باتجاه تكوين أخويات مسلَّحة، وبلورت دوغما ـ دينيَّة([90]) حول الحرب المقدسة أو الحرب العادلة، والتي شُدِهَ لها رجال الدين الأرثوذكس الذين قابلوهم عند أسوار القسطنطينية وفي أنطاكية، وسائر أنحاء الشرق. كان الغرب إذاً وفي القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد، وهو يخوض حرباً ضروساً في حملاتٍ متتابعة ـ كانت الحملة الثانية أكثرها نجاحاً ـ يبحث عن روحٍ جديدة، وتتكون لديه إحساسات رسالية لا يمكن تحقيقها إلاَّ بالحرب باسم المسيح 7، لكنها في الوقتِ نفسهِ تُعيد تشكيل المجتمع الأوربي، والكنيسة الأوربية. فقد تفرعت عن الحرب ضدَّ المسلمين، حروب ضدَّ الأرثوذكس، ثمَّ حروب وحملات ومحاكم تفتيش ضدَّ الهراطقة والمُنشقِّين في الداخل الأوربي استمرت حتَّى القرن الخامس عشر. وما توقف الأمر عند هذا الحد، ففي القرن السادس عشر، وعندما كانت الحروب الدينيَّة ضدَّ المسلمين شارفت على الانتهاء، واجهت أوربا الكاثوليكية تحديين كبيرين: الانقسام الداخلي الكبير في الإصلاح البروتستانتي، واختراق العثمانيين بعد المغول لأوربا من أقصاها إلى أقصاها، وسط ظروفٍ وأفكارٍ جديدة، على أنَّ هذهِ البانوراما الشاسعة الأُفق، التي تتراوح بين العرض التاريخي لحركات الجيوش، والتطور التاريخي للأفكار الدينيَّة والدنيوية أو الدولتية ـ التي تُسمِّيها آرمسترونغ: علمانية ـ توازيها بانوراما أخرى تعرضُ أوضاع المسلمين وعقائدهم ووجوه تصرفهم منذ بدء الحروب الصليبية، وحتَّى الغزوات العثمانية. هناك التركيز المُسرف بعض الشيء في عرض عقيدة المسلمين القتالية، في عودةٍ مستمرة إلى القرآن الكريم، والتاريخ الإسلامي الأول، لكن هناك أيضاً الإصرار على أنَّ الروح الجهادي ما كان قوياً لدى المسلمين على مشارف الحروب الصليبية، وحتَّى أيام نور الدين زنكي (511-569هـ/1118-1174م) وصلاح الدين الأيوبي (532-589هـ/1138-1193م). كان المسلمون مشدوهين لهذهِ الوحشية التي يُظهرها الفرسان والرهبان، وقد لمسوا ذلك الانشداه أيضاً من جانب البيزنطيين الذين كان خوفهم من حَمَلَةِ الصليب لا يقل عن خوف المسلمين؛ ولهذا تُسوِّغ المؤلِّفة بعض تصرفات المسلمين القاسية، ليس بعقيدة الجهاد، بل بأنَّ المسلمين أيام صلاح الدين وخلفائهِ أرادوا الانتقام لما أصابهم طوال حوالي القرن، كانوا خلاله شديدي الضعف، فأُنزلت بهم مذابحُ ومهانات يستحيل القبول بها.

على أنَّ هذهِ المعلومات الغزيرة المُستقاة من المصادر المسيحية ـ العهد القديم على الخصوص ـ والإسلامية (القرآن الكريم)، ومن تاريخ الصراع ومراجعهِ الأدبية ـ كتابات رجال الدين والآخرين المُرافقين للحملات، وكتابات المسلمين من رجال صلاح الدين ومن بعدهم مثل ابن الأثير وأبي شامة ـ ما أوصلت المؤلِّفة إلى تعليلٍ "معقول" للكراهية المسيحية الوسيطة المتأصلة ضدَّ الإسلام، حتَّى بعد مُضي أكثر من قرنٍ على انقضاء الحملات الصليبية، فحتَّى الذين قرأوا القرآن مترجماً من الرهبان والعلمانيين، وحتَّى الذين تمتعوا بحُسن مُعاملة المسلمين لهم على رغم قسوتهم ومذابحهم ظلَّوا يعتبرون المسلمين إمَّا هرطقة مسيحية، أو وثنيين. وتصل المؤلِّفة بعد تقليب الأمر على كلِّ وجوههِ، إلى أنَّ ضخامة الإسلام ونجاحه التاريخي، وتحدِّيه للمسيحية عقائدياً وتاريخياً بنجاح، هي التي كانت ـ ولا تزال ـ السبب وراء الكراهية، في ما تحسب([91]).
النموذج الآخر في دراستنا هذهِ الكتاب المعنون بـ: "الجهاد من أجل القيصر" للمستشرق النمساوي شتيفان كرويتسر([92]). فربما هناك قلَّة قليلة من خبراء علوم الاستشراق من المسلمين العرب وغيرهم على درايةٍ بدور بعض المستشرقين الأوربيين في تحريض المسلمين المشاركة بالحرب العالمية الأولى التي اندلعت قبل مائةِ عام، أي فيما يُعرف بأزمة تموز/يوليو التي نجمت عن تصفيةِ ولي عهد النمسا فرانس فرديناند Franz Ferdinand von Österreich-Este (1863-1914) في سراييفو Sarajevo، تلك الأزمة التي مُنيت بها الدبلوماسية الأوربية للحيلولةِ دون إندلاع الحرب العظمى الأولى المعروفة لدى قُدامى تركيا وبلاد الشام بـ: "سِفر برلك"([93]). الدبلوماسية الأوربية لم تكن في ذلك الوقت في صالح عدم الحرب بل ساهمت باندلاعها جراء تأييد الدبلوماسية لأطماع القوى العظمى والتي تُحب إبقاء سيطرتها على أوربا، ألمانيا وأسرة هابسبورغ Haus Habsburg كانت تسعى لإبقاءِ نفوذهما في أوربا وروسيا وفرنسا، وبريطانيا كانت تُزاحم الدولتين المذكورتين على النفوذ بالعالم.
كانت العلاقات بين القيصرية الألمانية والخلافة العثمانية جيدة وقوية، فهي علاقات مصالح للعداء بين دولة الخلافة والقيصرية الروسية والعداء بين القيصرية الألمانية والروسية، أي أنَّ القيصرية الألمانية قد استغلت العداء العثماني الروسي من خلال ما يُطلق عليهِ بالأدب والتاريخ الدبلوماسي (عدو عدوي صاحبي). ولـمَّا شاركت الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا والنمسا ضدَّ روسيا وبريطانيا وفرنسا طلب القيصر الألماني فيلهلم الثانيWilhelm II (Deutsches Reich) (1859 ـ 1941) من المستشرق الألماني ماكس فون أوبنهايم Max Freiherr von Oppenheim (1860 ـ 1946) فتح مكتب للجهاد يدعو المسلمين للجهاد ضدَّ فرنسا وبريطانيا وروسيا، وذلك في ساحة باريس التي تقع عليها بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor.

ومن أجلِ كسب الكثير من المسلمين لدعم القيصر الألماني فيلهلم الثاني قام فون أوبنهايم ببناءِ مسجدٍ بمنطقةِ "فونسدورف" التابعة لقرية "تسوسين" التي يصل بعدها إلى الشرق من العاصمة برلين إلى حوالي (42) كلم، هذا المسجد الذي بُني عام 1899 من خشبٍ لا يزال شاهداً حيّاً على تاريخ تلك الحِقبَة.
ويرى المؤلِّف أنَّ سبب طلب القيصر الألماني فيلهلم الثاني من المستشرق فون أوبنهايم، هو تأكيد المستشرق الذي عاش ببلاد الشام أكثر من أربعين عاماً بأنَّ روح الجهاد سارية في شرايين المسلمين وهم على استعداد للتضحية من أجل الإسلام، ولاسيَّما للحيلولةِ دون قيام دولة لليهود على أرض فلسطين من خلال تحذيراتٍ أطلقها سياسيون مسلمون عرب مثل مُحب الدين الخطيب([94]) وشكيب أرسلان (1869-1946م)، من تشجيع أوربا الهجرة اليهودية إلى فلسطين بدءاً بوعد بلفور Balfour Declaration والمُراسلات التي اكتشفت بين شريف مكَّة الحسين بن علي (1854-1931م) ومكماهون Sir Arthur Henry McMahon (1862-1949م)، والتطورات التي نجمت عن إقصاء السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918).
ويرى المؤلِّف أنَّ الدعوة إلى الجهاد تُعتبر الرصاصة الأخيرة التي يستطيع كلُّ حاكم مسلم إطلاقها ضدَّ المُستبد وضدَّ أيِّ عدوٍ يريد استباحة دولة إسلامية؛ والقيصرية الألمانية التي كانت على علاقةٍ قوية مع العثمانيين استغلت المسلمين بدعوتها هذهِ، فقد وصل عدد الذين تهافتوا على قرية "فونسدورف" حوالي اثني عشر ألف مسلم قام جيش القيصرية الألمانية بتدريبهم على استعمال سلاح ذلك الزمن، وأنَّ أي حاكم مسلم موثوق بهِ يدعو المسلمين إلى الجهاد من أجل تحرير فلسطين لن يتخلَّف عن دعوتهِ اثنان. ولعلَّ من مفارقات التاريخ أننا نجد هذهِ السياسة تُجدد نفسها من خلال استغلال الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الشباب المسلم بدعوتهم للجهاد من أجل تحرير أفغانستان من الشيوعيين، ولكنها لمَّا استطاعت تحقيق بغيتها بإزاحة السوفييت غدرت بالمجاهدين العرب وغيرهم من المسلمين كما غدر الغرب بالمسلمين الذين قاموا بالدفاع عن البوسنة أثناء حرب البلقان، ولولا جهاد الشباب المسلم ودفاعهم المُستميت عن سراييفو لسقطت بأيدي الصرب والكروات وأصبح المسلمون بتلك المدينة وعموم البلاد أثراً بعد عين.
ويتطرق "كرويتسر" في كتابهِ إلى دور شريف مكَّة الحسين بن علي بقيام دويلة للصهاينة على أرض فلسطين، فيؤكِّد أنَّ الشريف المذكور كان قد وافق ضمنياً على إعطاء فلسطين للصهاينة، وإنَّما رفضه لوعد بلفور اليهود الأوربيين برغبة الملكة فيكتوريا Queen Victoria (1819-1901م) قيام دويلة وطنية لليهود في فلسطين كان رفضاً سطحياً، وموافقته السرية كانت شريطة مساعدة الأوربيين له للحيلولة دون توسعة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1876-1953م) سلطانه، خاصةً بعد سيطرة الأخير على مدينة الرياض عام 1901م.

النموذج الثالث ضمن هذهِ الدراسة هو كتاب المستشرق البريطاني ويليام مونتغمري وات William Montgomery Watt (1909-2006) المعنون بـ: "مُحمَّد في المدينة" Muhammad at Medina. الذي يعمد خلال كتابهِ هذا إلى تحليل الغزوات والسرايا الموجَّهة ضد مسيحيي شمال الجزيرة العربية، فيذكر مثلاً أنَّ السبب في غزوة دومة الجندل التي حدثت في سبتمبر 626م (6هـ) قد يكون "هو ما ذهب إليه المستشرق الإيطالي ليون كايتاني Leone Caetani (1869-1935) من أنَّ العلاقات يمكن أن تكون قد قُطعت مع بلاد الشام فانقطع بذلك تموين المدينة. وربما كان هدفه منع القبائل في الشمال من الانضمام إلى التحالف الكبير ضده. ولكن ما علمه الآن عن الأوضاع في الشمال أظهر له إمكانية التوسع في هذهِ المنطقة"([95]). لكن ما الذي علمه عن الأوضاع؟ يأتي وات في الوقت الذي يذكر فيه أنَّ العلاقات كانت قائمة بين المدينة وبلاد الشام، مما يعني أنَّ النبي 9 كان ملمِّاً بالأوضاع. يذكر ابن سعد: "بلغ رسول الله [9] أنَّ بدومة الجندل جمعاً كثيراً، وأنَّهم يظلمون من مرَّ بهم من الضافطة([96]) وأنَّهم يريدون أن يدنوا من المدينة، فنَدَب الناس وكان ذلك لخمس ليالٍ بقينَ من شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً من مهاجرهِ"([97]). وإذا أخذنا بتعريف ابن منظور للضافطة بأنَّهم الأنباط الذين يحملون إلى المدينة المنورة الدقيق والزيت وغيرها من المواد التموينية، فيمكن أن يكون ما ذكره وات عن تموين المدينة من الأسباب. ولكن هناك أسباباً أخرى منها تحريض أهل دومة الجندل بالمدينة المنورة. كما أنَّ حماية الضفَّاطين تُعتبر من الأسباب الجوهرية للغزوة؛ ذلك لأنَّ هؤلاء التجار الأنباط كانوا ـ بحكم تجوالهم ـ من المصادر في جمع المعلومات عن أعداء الدولة الإسلامية([98]).

في تحليلهِ لغزوة مؤتة يذكر مونتغمري وات: "تحولت قصة مؤتة كثيراً في أثناء تناقلها على ألسنة الرواة ولهذا يستحيل التأكد إلاَّ من الخطوط الكبرى، والسبب الرئيس للاختلاف فيها هو الرغبة في تشويه سمعة خالد، وهكذا فإنَّ الرواية القائلة أنَّ مُحمَّداً قد عيَّن جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن أبي رواحة لخلافة زيد إذا قُتل موضوعة وهدفها اتهام خالد بأنَّه تولَّى القيادة بصورةٍ غير شرعية"([99]). والحقائق التي تبقَّت لنا ـ كما يذكر وات ـ هي "حدث لقاء مع قوة العدو وقُتل زيد وجعفر وعبد الله ولم يُقتل غيرهم، عاد الجيش إلى المدينة بقيادة خالد دون أن يتكبَّد خسائر جسيمة، أمَّا ما عدا ذلك فمشكوكٌ فيه"([100]). كانت غزوة مؤتة([101]) في جمادى الأولى سنة ثمانٍ للهجرة. وسببها أنَّ رسول الله 9 بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بُصرى بكتابٍ، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمر الغساني فقتله، فاشتد ذلك على رسول الله 9 وندب الناس وقال: "أمير الناس زيد بن حارثة، فإن قُتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة؛ فإن قُتل فليرتضِ المسلمون بينهم رجلاً فيجعلوه عليهم. فاصطلح الناس على خالد بن الوليد"([102]). ولو قبلنا افتراض وات بأنَّ هدف المصادر اتهام خالد بن الوليد بأنَّه تولَّى القيادة بطريقةٍ غير مشروعة فإنَّ الوقائع لا تُثبت صحة افتراضهِ؛ لأنَّ هذهِ المصادر أشارت إلى أنَّ خالداً اصطلح عليه الناس بعد وفاة القيادات الثلاث التي عينها النبي 9 ([103]).

ويعتقد مونتغمري وات أنَّ الجيش الإسلامي لم يلتقِ مع مجموع الجيش المعارض([104])، ويتحدث عن انسحاب خالد ويقول: "إنَّ هذا الانسحاب لم يتم بسبب الجُبن ولكن تمَّ بسبب مدة الغياب بعيداً عن القاعدة أو ربما جَهِلَ خالد بالأسباب الحقيقية للغزوة، يبدو أنَّ التعليمات المدعاة التي أُعطيت لزيد هي من تاريخٍ لاحق"([105]). ليس من المعقول أن يكون خالد بن الوليد أو غيره من المشتركين في الغزوة جاهلاً بالأسباب الحقيقية للغزوة. وإذا كانت التعليمات التي أُعطيت لزيد هي من تاريخٍ لاحق ـ أي إنَّها موضوعة ـ فما هي التعليمات الحقيقية التي أُعطيت لزيد؟ لايذكر وات شيئاً ومن المفترض أن يذكر هذهِ التعليمات بعد أن شكَّك في التعليمات التي ذكرتها المصادر الإسلامية([106]). كذلك فإن كان وات قد ذكر أنَّه لم يحدث لقاء بين مجموعة الجيشين فإنَّ الروايات الإسلامية تتحدث عن معركةٍ حقيقية، ويذكر ابن سعد أنَّ المسلمين انهزموا فيها: "فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فأخذ اللواء وانكشف الناس فكانت الهزيمة"([107]). بينما يرى آخرون أنَّ كل فرقة انحازت عن الأخرى بعد أن تولَّى خالد القيادة، فلما عادوا إلى المدينة حثا الناس في وجوههم التراب وقالوا: يا فُرَّار([108]).

أمَّا النموذج الرابع من المستشرقين ممن اهتموا بموضوع الجهاد في الفكر الإسلامي من خلال البحث والدراسة، فهي المستشرقة الدنماركية الأصل الأمريكية الجنسية باتريشيا كرون Patricia Crone (1945-2015)، ولعلَّ مقالتها المعنونة بـ: "الجهاد.. الفكرة والتاريخ"([109]) كانت من أبرز أعمالها حول هذا الموضوع الذي لم يخل الحديث عنه ودراسته في ثنايا مؤلَّفاتها العديدة الأخرى عن التاريخ والفكر الإسلامي. وقد تناولت كرون ـ ضمن مقالتها المذكورة ـ موضوع الجهاد الإسلامي من حيث نشأته، معتبرةً أنَّ نشأة الجهاد في الإسلام ارتبط بهِ منذ البداية نوعان من الحروب: الأول ما أسمته بالحروب التبشيرية، والتي تعني إتباع الدولة الإسلامية لسياسة العنف لنشر الدين الإسلامي في أرجاء العالم، حيث انتشرت الجيوش لفرض الإسلام في كلِّ مكان قسرياً. والنوع الثاني ما كان موجهاً للكفار الذين رفضوا الإسلام، حيث يُقابل هؤلاء بالعنف والقتل فيما عدا أهل الذمَّة في حالةِ قبولهم بدفع الجزية، أمَّا لو رفضوا فإنَّهم يُقابلون بالقتل أيضاً.

وتسوق كرون مقارنة غريبة بين التبشير الإسلامي ـ كما أسمته ـ وبين التبشير المسيحي، إذ أنَّ المُبشِّرين المسيحيين انطلقوا مع الجيوش الأوربية في العصور الوسطى التي جاءت لغزو الأقاليم والدول الإسلامية في المشرق كمُبشِّرين سلميين ومدنيين لا كجنود، بينما المحاربون المسلمون ـ الفاتحون ـ كانوا هم في الوقت نفسهِ مُبشِّرين دُعاة، وهذا هو الفرق ـ بحسب رأي المستشرقة كرون ـ بين الإسلام والمسيحيَّة وطبيعة الدعوة والتبشير بهما، حيث يتبيَّن لنا الخلط واضحاً بين مفهوم الجهاد والدعوة في الإسلام لتصل إلى الإدعاء بأنَّ الإسلام هو دين عنف لا سِلْم يعمل على نشر دعوتهِ بالسيف لكون دعاته هم جنوده في آنٍ واحد. كما نرى كرون في موضعٍ آخر توضح الفارق بين الحروب الصليبية وحروب المسلمين التوسعية، في أنَّ الأولى لم تكن حروباً توسعية أو لتنصير المسلمين أو غيرهم، بل كانت تسعى لاستعادة الأراضي المقدسة فحسب.

تُبيِّن كرون أن فترة نشأة الدين الإسلامي قد مرَّت بمرحلتين متباينتين: الأولى كانت تمثل فترة الضعف حينما كان المسلمون في مكَّة حيث لم يُشرَّع الجِهاد حينها؛ والثانية فترة القوة بالمدينة، لتطرح تساؤلاً لطالما أُثير وتكررر على ألسنة المُستشرقين: هل انتشر الدين الإسلامي بحدِّ السيف؟ لتُجيب بقوةٍ ومن دون تردد: نعم. فالإسلام يريدد جرَّ الناس للجنة بالسلاسل ـ على حدِّ قولها ـ ثمَّ يزعم أنَّه دين عالمي. ولعلَّ من أبرز الأخطاء المنهجية التي وقعت فيها المستشرقة كرون أنَّها كانت تعتمد أقوالاً منسوبة لمجهولين من دون الإفصاح عن مصادرها لتؤكِّد ـ على سبيل المثال ـ أنَّ كثيراً من الفلاسفة قد شكَّكوا في صحة الدين الإسلامي وطريقة نشره والدعوة إليه، مبينةً أنَّ رأي هؤلاء الفلاسفة كان يتمحور حول القول بأنَّ الإسلام لو كان ديناً حقيقياً وأنَّ نبيه [9] مبعوث من السماء بحق لم يكن ليُنشر هذا الدين بحدِّ السيف، لكون الأنبياء لا يُبعثون بالسيف بل بالرحمة.. وإلى غير ذلك من الآراء والإدعاءات التي ساقتها لنا المستشرقة باتريشيا كرون التي تفتقر إلى العلمية ومنهج البحث الأكاديمي الرصين، فهي تارة تعتمد على مصادر مجهولة وأقوال منسوبة لمجهولين لتأكيد آرائها، وتارةً تجتزئ النصوص القرآنية لتتوافق مع طروحاتها لتصوغ الحُجج والدلائل من مصادر غير إسلامية لتعضيد فكرتها متجاهلةً النصوص والمصادر التي تتناقض ورؤيتها المُسبقة حول الموضوع. فتشريع الجهاد في الإسلام إنَّما جاء متدرجاً على نمط كثيرٍ من الأحكام الفقهية والعقائدية كتحريم الخمر والربا وغيرهما، فكانت سُنَّة التدرج في الأحكام من سمات التشريع الإسلامي وليس ارتباطاً بواقع الضعف والقوة لدى المسلمين([110]).

***

بالإضافة إلى النماذج التي سقناها من آراء المستشرقين المتباينة، فهناك أيضاً العديد من المستشرقين الذين تناولوا موضوع الجهاد بالبحث والدراسة، فكان منهم المُعادي والمُنصف في آرائهِ حول هذهِ الفريضة السماوية، لعلَّ من أبرزهم المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري Laura Veccia Vaglieri (1893-1989)، التي بيَّنت أنَّ التحول السياسي والديني العميق الذي أحدثه النبي الكريم 9 في شبه جزيرة العرب عموماً قد “أزعج طائفةً من الناس، فراحوا يتساءلون ما الذي أدى إلى حدوثهِ، ولكن كثيراً منهم كانوا عمياً أو كانوا يُغمضون أعينهم عمداً، هائمين طويلاً على نحوٍ بائس في متاهة التخمينات الخاطئة، إنَّهم لم يُريدوا أن يعتقدوا أنَّ حكمة الله [9] وحدها كانت مسؤولة عن رسالةِ مُحمَّد [9]، آخر الأنبياء الكِبار حَمَلَة الشرائع والنبي الذي ختم سلسلتهم إلى الأبد، إنَّ مثل هذهِ الرسالة كان يتعيَّن عليها أن تكون رسالةً عالمية لجميع أفراد الجنس البشري من غير تمييزٍ وعلى اختلاف الجنسيات والأوطان والأعراق، لقد كان أولئك إمَّا عمياً وإمَّا غير راغبين في أن يروا”([111]). كذلك فقد كان لهذهِ المستشرقة رأيٌ تحدثت فيه عن الموقف الذي كان يواجه الرسول 9 حين الإذن بالقتال وبعد الهجرة، فتقول: “كان من دأبِ الرسول، بوصفهِ نبياً موحىً إليه، أن يُخاطب المكِّيين ويُحدثهم عن رؤاه السماوية التي طلبت إليه أن يصبر على الأذى والتي أثارت سخط قريش حتَّى إذا اتخذ القرار العسير بالهجرةِ إلى المدينة، وبذلك أصبح محور صراع سياسي، كان عليه أن يختار بين الموت على نحوٍ مُذل، وهو أمر لا يتفق مع رغبات الله [9]، وبين القتال لإنقاذ نفسهِ وجماعتهِ الصغيرة من الهلاك. كان الصراع يدور بين الفوضوية ومادية الوثنيين المتبربرين ومُخاصمات وأكاذيب اليهود غير المتسامحين على الرغم من تحضرهم البعيد، من ناحية، وبين مثل أعلى رفيع في التجدد الديني والإجتماعي من ناحيةٍ ثانية. ذلك كان المثل الأعلى الذي أراد مُحمَّد [9] أن يُحققه بأيِّ ثمنٍ فقاتل قتال الرجل الوديع ضدَّ الغطرسة والطغيان، أو قُل قتال الرجل الذي لا يرغب في الحرب ولكنه مُكره على منازلة أولئك الذين أصروا على تدميرهِ بالقوة”([112]).
ولعلَّ من الغريب أن يتجه تفكير بعض المستشرقين إلى أنَّ الإسلام لم يقصد بهِ مؤسِّسه في بادئ الأمر، أن يكون ديناً عالمياً على الرغم من الكثير من الآيات البيِّنات في القرآن الكريم، ومن بينهم المستشرق الاسكتلندي ويليام ميور Sir William Muir (1819-1905)، إذ يقول: “إنَّ فكرة عالمية الدعوة قد جاءت فيما بعد، وأنَّ هذهِ الفكرة على الرغم من كثرة الآيات والأحاديث التي تؤيدها، لم يُفكِّر فيها مُحمَّد [9] نفسه، وعلى فرض أنَّه فكَّر فيها فقد كان تفكيره غامضاً، فإنَّ عالمه الذي كان يُفكِّر فيه إنَّما كان بلاد العرب، كما أنَّ هذا الدين الجديد لم يُهيأ لها، وأنَّ مُحمَّداً لم يوجه دعوته منذ بُعِثَ إلى أن مات إلاَّ للعرب دون غيرهم”([113]).

وقد فنَّد المستشرق الأمريكي لوثروب ستودارد Theodore Lothrop Stoddard (1883-1950) أقوال الذين يُنكرون عالمية الدعوة الإسلامية تفنيداً علمياً دقيقاً، مستشهداً بتدعيم رأيه على كثيرٍ من أقوال وآراء المُنصفين من المستشرقين في فهم هذهِ الحقيقة بالذات([114]).
وحسبي هذهِ الشهادات من المُستشرقين المُنصفين للردِّ على إخوانهم من الذين أعماهم التعصب عن رؤية الحقيقة الناصعة.. فقد أرجف المرجفون من فقهاء القانون الدولي، وكُتَّاب التاريخ في أوربا وافتروا على الإسلام بما هو براءٌ منه، واتهموه بما ليس فيه، فصوروه بصورةٍ بشعةٍ. صوروه بأنَّه يقوم على القهر والغَلَبة، يريد أن يفرض نفسه على مخلوقات الله I من جميع الأجناس والأديان قوةً واقتداراً؛ أنَّه يحرم الناس من حرية الرأي والعقيدة؛ أنَّ الإسلام في سبيل نشر دعوتهِ أعلن الحرب ضدَّ جميع الشعوب والأجناس من مختلف المِلَل والنِحَل؛ أنَّ الحرب هي أصل الصلة بين الإسلام وبين جميع الأمم والدول والسلم لا يكون إلاَّ موقوتاً لضرورةٍ مؤقتة؛ زعموا أنَّ الإسلام لا يرعى العبد ولا يحفظ الذمَّة ولا يحترم المواثيق والمعاهدات([115])..
كذلك فقد أكَّد المستشرقون مراراً أنَّ النبي 9 كان قد سلك مسلكاً جديداً تمام الجِدة منذ أن هاجر إلى المدينة ومنذ أن تغيرت ظروف حياته هناك، وأنَّه لم يعد هناك البشير المُرسل إلى الناس الذي كان قد أقنعهم بالحجَّة بصدق الذي أُوحي إليه، وإنَّما ظهر الآن أقرب إلى أن يكون متعصباً مندفعاً يستغل كلَّ ما في سلطتهِ من قوةٍ ومهارةٍ وسياسة في فرض نفسهِ وفرض آرائهِ.. وقد صرَّح بهذهِ التهمة أكثر من كاتبٍ من المستشرقين، منهم ويليام ميور، الذي قال: “إنَّ الدعائم التي سار عليها مُحمَّد [(r)] وقد كانت سياسية محضة، إذ أنَّه لم يكن قد أقرَّ حتَّى ذلك الحين طريقة إكراه الناس على اعتناق الإسلام أو معاقبتهم على رفضهِ”([116]). والقصد بـ"ذلك الحين" مذبحة بني قريظة، لأنَّه ساق هذا الحديث بعدها وتعليقاً عليها.
كما قال المستشرق الأمريكي واشنطن إيرفنغ Washington Irving (1783-1859): “بدأت فترة هامة في حياةِ مُحمَّد [9]، لقد ظلَّ حتَّى الآن ينشر الإسلام معتمداً على الحجَّة والإقناع، صابراً على ما يلقاه من أذى المشركين، حتَّى نزل كثير من الآيات تحث المسلمين على الجهاد وتُبشِّر من استُشهد بالجنة.. وهكذا انتقل الإسلام من دور الحُجَّة والإقناع إلى دور الجهاد والقوة، ولم يكن ذلك غريباً على العرب الذين عُرفوا بالشجاعة والإقدام وحبِّ القتال”([117]). وقال أيضاً: “إنَّ مُحمَّداً بعد الهجرة إلى المدينة قد وصل إلى نقطة تحول كبرى وإنحراف عن تعاليم سيدنا عيسى، وهي عدم الإكراه واجتناب وسائل القوة للوصول إلى قلوب الكفار”([118]).

وتحدث المستشرق والروائي الإنكليزي جورج ويلز Herbert George Wells (1866-1946)، قائلاً: “كان دين الله الوحيد، قد بدأ بتعدد هجوم وغارات نحو قوافل مكَّة”([119]). وصرَّح المستشرق البريطاني هاملتون جب Sir Hamilton Alexander Rosskeen Gibb (1895-1971) أنَّ “الحروب الإسلامية عدوانية توسعية”([120]). وهذا قليل من كثير مما وصم بهِ كُتَّاب الغرب، المتعصبون منهم على وجه الخصوص، الجهاد الإسلامي.
وبالتالي، فإنَّ مما نراه من أهداف المستشرقين وحملاتهم المستمرة على “الجهاد” هو أنَّهم حاولوا أن يُخمدوا في حسِّ المسلمين روح الجهاد ويهونوا من شأنهِ، بل يُحقِّروه ويُنفِّروا منه حتَّى يصلوا في النهاية إلى أنَّه لا ضرورة مطلقاً اليوم ولا غداً للاستعانةِ بهذهِ الأداة المخيفة أو “الهمجية” على حدِّ تعبيرهم.. ولا حاجة حتَّى إلى ذكر أسم الجهاد على الألسنة لأنَّه ضربٌ من التعصب والقسوة التي لا تليق بخُلُق الرجل المُتمدِّن، وحتَّى يصل المسلمون في النهايةِ إلى إعلان براءتهم التامة من الجهاد والدعوةِ إليه.
وإمعاناً في المكر والدهاء وإخفاءً لحروبهم الدينيَّة وتعصبهم ضدَّ المسلمين ألقوا في خلدِ المسلمين أنَّ الحرب بين الاستعمار وبينهم ليست حرب عقيدة أبداً تقتضي الجهاد، وإنَّما هي فقط حرب أسواقٍ وخاماتٍ ومراكز وقواعد، ومن ثمَّ فلا داعي للجهاد!([121]). هذا قليلٌ من كثيرٍ مما يهدف إليه أعداء الإسلام وخصومهِ، وصدق الله العليُّ العظيم: ]وَلايَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا [([122]).

وحسبي في الردِّ على مطاعن المستشرقين التي ذكرتها والتي لم يتسع لها المقام ما قدمته في هذا البحث من شرح طبيعة الإسلام وأهداف الجهاد معتمداً على كتاب اللهI الذي لا يأتيه الباطل من بين يديهِ ولا من خلفهِ ومعتمداً على الوقائع التاريخية وشهادات المُنصفين من المستشرقين أنفسهم والتي ذكرت طُرفاً منها. خاتماً دراستي هذهِ بذكر بعض الشهادات العادلة التي وردت على لسان بعض كبار المستشرقين ممَّن أنصفوا الإسلام وفرائضه وعقائده، ولعلَّ من نوادر هؤلاء الذين جمعوا بين حُسن النيَّة وحُسن الفهم في مسألة الجهاد، المستشرق الاسكتلندي توماس كارليل Thomas Carlyle (1795-1881) الذي “ينتهي بزعم الزاعمين أنَّ الإسلام قد انتشر بالسيف إلى الغاية من السخف والغثاثة، ولا يرتضي أن يُعتبر هذا الزعم من أكاذيب التاريخ؛ فإنَّه أضعف من أن يُحسب من الأكاذيب التي تحتاج إلى تصحيح، وهو أظهر بطلاناً من أن يُبطل بالمناقشة؛ لأنَّ القائل بهِ سواء ومن يقول: إنَّ رجلاً واحداً حمل سيفه وخرج إلى جميع مخالفيه؛ ليبعث فيهم الخوف من سيفهِ ـ وحده ـ ويسوقهم كرهاً إلى اعتقاد ما يُنكرون، فيعتقدونه ويثبتون عليهِ ثمَّ يحملون السيف معه لتخويف الآخرين؟!”([123]).

كما يقول المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون Gustave Le Bon (1841-1931): “إنَّ القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن فقد ترك العرب المغلوبين أحراراً في أديانهم، فإذا ما حدث واعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلام واتخذوا العربية لغةً لهم فذلك لِمَا رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين”([124]). ويقول المؤرخ الفرنسي جوزيف ميشود Joseph François Michaud (1767-1839)، في كتابهِ (تاريخ الحروب الصليبية): “إنَّ القرآن الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وقد أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب، وحرَّم مُحمَّد [(r)] قتل الرهبان؛ لعكوفهم على العبادات، ولم يمس عمر بن الخطَّاب النصارى بسوء حين فتح القدس، فذبح الصليبيون المسلمين وحرقوا اليهود بلا رحمة وقتما دخلوها”([125]).

منذ البداية، كان الهدف هو دراسة الدين الإسلامي وما يتفرع عنه من علومٍ، كعلم الفقه وأصوله والعقيدة الإسلامية وأصولها (علم الكلام) والتفسير والسُنَّة النبوية. وفي هذا الجانب يختلف النُقاد والباحثون حول طبيعة نوايا الاستشراق وأهدافهِ، إلاَّ أنَّه من المعروف أنَّ الاستشراق بعامة كان له أثر مهم في دراسةِ ونشر تراث المسلمين الحضاري والتعريف بهِ من جهة، وكذا من جهةٍ أخرى أسهم في معرفةِ نقاط الضعف عند المسلمين وتشويه تاريخهم وانتقاد دينهم وتسهيل الاستعمار والسيطرة على العالم الإسلامي([126]).

وغالباً ما كان للتكوين الفكري والمُحيط التربوي أثر أساس في اعتماد مناهج وظهور مدارس استشراقية حديثة ومعاصرة جديدة.
ومما يتعلَّق بالمناهج التي اعتمدها المستشرقون في دراساتهم هو افتقارها إلى أهمِّ عناصر البحث في الدراسات الإسلامية، التي منها: الإيمان بالله Y واحترام المصدر الغيبي في الإسلام؛ واعتماد موقف موضوعي خالٍ من الأحكام المُسبقة([127]). ومناهج معظم المستشرقين خالية من ذلك، فضلاً عن عدم مناسبة تطبيقها على الدين الإسلامي.

خـاتمـة
حاولنا خلال هذهِ الدراسة تبيان الإطار العام لموقف أغلب المستشرقين من موضوع “الجهاد” في التاريخ والفقه الإسلامي، سبقناه بتمهيدٍ لإيضاح مفهوم وطبيعة عنصري الدراسة ـ الجهاد والاستشراق ـ بُغية التوصل إلى أفضل النتائج العلمية المُتوخاة من هذهِ الدراسة..
وأخيراً، فإنَّ من المهمِّ الإشارة ـ هنا ـ إلى أنَّ تلك المكانة الكبرى التي جعلها الإسلام للجهاد لم تكن تعنِي أنَّ الجهاد هو الوسيلة الوحيدة لنشر الإسلام، أو إبلاغه إلى النَّاس، كما أنَّها لا تعني أنَّ الجهاد كان وسيلةً لإكراه النَّاس على الدخول في الإسلام، أو قهرهم على اعتِناقِه، كما يدَّعي ذلك بعضُ الدَّارسين للإسلام من المستشرقين أو من غيرهم. فلقَد كانَتِ الدَّعوة إلى الإسلام بالكلمةِ هي الوسيلة الأولى التي بدأت بها هذهِ الدَّعوة، وقد جَمَعَ الرَّسول 9 النَّاس ـ منذ بدء رسالتهِ في مكَّة ـ وخَطَبَهم، ودعاهم إلى الله، وذَهَب إليهم في مجالسهم ومواطن اجتماعهم، وخرج إلى الطائف داعياً، والتقى بالقادمين من المدينة، وكان سلاحه الوحيد في هذا كلِّه، وطِوال الفترة المكِّية، وفي أوائل عهدهِ بالمدينة هي كلمةَ الحق التي أمره الله I أن يَصدَع بها، وقد كتب بها إلى الملوك والحُكَّام في عصرهِ كقيصر، وكسرى، والمقوقس، والنجاشي، وغيرهم.
ولا إكراه ـ إذًا ـ في الدين، وهذا ما يؤكِّده بعض الباحثين المُنصفين من المستشرقين الذين يشهدون بأنَّه لا يُوجَد في تاريخ المسلمين إكراه على الدين، بل إنَّ التسامح هو الطابع العام لعلاقةِ المسلمين بغيرهم، ويستدل هؤلاء بأنَّ وجود كثيرين جداً من الفِرَق والجماعات النصرانية وغيرها في الأقطار التي ظلَّت قرونًا في ظلِّ الحكم الإسلامي لَدَليل ثابت على ذلك التسامح الذي نَعِم بهِ هؤلاء([128]).
وإذا كان الإسلام قد شرَّع الجهاد بوصفهِ وسيلةً من وسائل نشر الدَّعوة، وإبلاغها إلى النَّاس فقد ظلَّ للدعوة بالكلمة والتعريف والإعلام دورها الفاعل قبل تشريع الجهاد، وأثناءه، وبعده، بل كان من آداب تشريع الجهاد أن يبدأ المسلمون بعرض الإسلام على خصومهم من المحاربين قبل بدء القتال، وقد كان من هَدي الرسول 9 أنَّه كان ـ إذا بعث أميراً على سريةٍ أو جيش ـ يُوصيه بتقوى الله في خاصَّة نفسهِ، وبمن معه من المسلمين خيراً، ثمَّ يقول: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال.. فأيَّتها أجابوك إليها فأقبل منهم، وكفَّ عنهم: ادعُهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم"([129])، وهكذا يظل للكلمة دورها الفاعل، في نشر الإسلام؛ لِمَا لها من قدرةٍ على مخاطبة العقل وإقناعه، ودفع ما قد يتراءى له من شُبُهات.
وبهذا تتكامل وسائل نشر الدعوة، فالكلمة في موضعها، والجهاد في موضعهِ، وهو ـ في الإسلام ـ مقرون بآدابٍ ووصايا وتشريعاتٍ إنسانية وأخلاقية ليس لها نظير، وقد كان من وصايا رسول الله 9 للمجاهدين: "انطلقوا باسم الله وبالله وعلى مِلَّةِ رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً ولا صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلُّوا، وضموا غنائمَكم، وأصلِحوا وأحسِنوا، إنَّ الله يُحب المُحسنين"([130]).

(*) بيت الحكمة / قسم الدراسات التاريخية، العراق ـ بغداد.

* هوامش البحث *
(1) يُنظر: ابن المطرز، ناصر الدين بن عبد السيد بن علي أبو الفتح (ت610هـ/1213م)، المغرب في ترتيب المعرب، تحقيق: محمود فاخوري، (حلب، مكتبة أسامة بن زيد، 1979م)، ج1، ص177؛ الزبيدي، مُحمَّد مرتضى الحسيني (ت1205هـ/1791م)، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: عبد الستار فراج، ط3، (الكويت، مطبعة حكومة الكويت، 2004م)، ج2، ص534؛ كذلك يُنظر:
The Encyclopedia of Islam, DJIHAD, a previous reference, Vol.II, p.538.
(2) المناوي، محمد عبد الرؤوف (ت1031هـ/1622م)، التوقيف على مهمات التعريف، تحقيق: محمد الداية، (بيروت، دار الفكر، 1410هـ)، ج1، ص260.
(3) الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي (ت587هـ/1191م)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، ط2، (بيروت، دار الكتب العلمية، 1424هـ/2003م)، ج9، ص379.
(4) ابن عابدين، مُحمَّد أمين (ت1252هـ/1836م)، ردُّ المحتار على الدرِّ المختار شرح تنوير الأبصار، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، (الرياض، دار عالم الكتب، 1423هـ/2003م)، ج6، ص196.
(5) الدردير، أبو البركات أحمد بن مُحمَّد بن أحمد (ت1138هـ/1726م)، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، تحقيق: مصطفى كمال وصفي، (القاهرة، دار المعارف، د.ت.)، ج2، ص267 وما بعدها.
(6) ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (ت852هـ/1448م)، فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري، تحقيق: عبد القادر شيبة الحمد، ط1، (الرياض، 1421هـ/2001م)، ج6، ص5.
(7) الرحيباني، مصطفى السيوطي، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، (دمشق، المكتب الإسلامي، د.ت.)، ج2، ص497.
(8) الجواهري، مُحمَّد حسن بن باقر بن عبد الرحيم النجفي العاملي (ت1266هـ/1849م)، جواهر الكلام، تحقيق: عباس القوجاني، ط3، (طهران، دار الكتب الإسلامية، 1362هـ.ش.)، ج21، ص3.
(9) لمزيدٍ من التفاصيل حول هذا الموضوع، يُنظر: ياسين، محمد نعيم، الجهاد.. ميادينه وأساليبه، (عمَّان، دار النفائس، 1993م)، ص ص9-112.
(10) ابن دقيق العيد، تقي الدين مُحمَّد بن علي (ت702هـ/1303م)، إحكام الأحكام.. شرح عمدة الأحكام، (بيروت، دار الكتب العلمية، 1960م)، ج4، ص222.
(11) سورة العنكبوت، الآية: (69).
(12) ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل القرشي الدمشقي (ت774هـ/1373م)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: عبد القادر أرناؤوط، ط3، (دمشق، دار الفيحاء، 1998م)، ج3، ص559.
(13) الترمذي، أبو عيسى مُحمَّد بن عيسى (ت279هـ/892م)، الجامع الصحيح سُنن الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.)، ج4، ص165، حديث رقم (1352). وقال: حديثٌ حَسَن صحيح.
(14) إسناده ضعيف؛ يُنظر: الطيالسي، سليمان بن داود بن الجارود الفارسي (ت204هـ/820م)، مَسَند أبي داود الطيالسي، تحقيق: محمد بن عبد المحسن التركي، (القاهرة، هجر للطباعة والنشر، 1420هـ/1999م)، ج4، ص ص35-36، حديث رقم (2391).
(15) ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله (ت656هـ/1258م)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، (القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1387هـ/1067م)، ج17، ص113.
(16) مَطْرَحُ أثر الملائكة: أي المكان الذي تلقي فيه الملائكة أثرها، من طَرَحَ الشيء يَطْرحهُ طَرْحاً إذا ألقاهُ ورمَاه وأبعده. يُقال مجازاً: ما طَرَحَك إلى هذهِ البلاد وما طَرحَك هذا المَطْرحَ: ما أوقعك فيما أنت فيه. يُنظر: الزبيدي، تاج العروس، ج1، ص1682.
(17) الغزالي، أبو حامد مُحمَّد بن مُحمَّد (ت505هـ/1112م)، إحياء علوم الدين، ط2، (بيروت، دار المعرفة، 1983م)، ج3، ص28.
(18) سورة فاطر، آية: (6).
(19) الطِّولُ: اسم حبل تُشَدُّ بهِ قوائم الدابة ثمَّ تُرسل في المرعى. يُنظر: الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد (ت174هـ/790م)، كتاب العين، (بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1999م)، ج7، ص450.
(20) النَّسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (ت303هـ/915م)، السُّنن الكبرى، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، (بيروت، مؤسَّسة الرسالة، 1421هـ/2001م)، ج4، ص283، حديث رقم (4327).
(21) سورة البقرة، آية: (218).
(22) سورة الحُجرات، آية: (15).
(23) سورة التوبة، آية: (41).
(24) أخرجه أبو داود وأحمد والنَسَائي عن أنس. يُنظر: أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت275هـ/888م)، السُنَن، تحقيق: محمد عبد الحميد، (بيروت، دار الفكر، د.ت.)، ج2، ص13، حديث رقم (2504)؛ النَسَائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (ت303هـ/ 916م)، المُجتبى من السُنن، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، ط2، (حلب، مكتب المطبوعات الإسلامية، 1986م)، ج6، ص7، حديث رقم (3096).
(25) سورة الفرقان، آية: (32).
(26) الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جرير (ت310هـ/922م)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: عبد الله عبد المحسن التركي، (الرياض، دار هَجَر، 2001م)، ج3، ص398.
(27) حديثٌ حَسَن؛ أخرجه الترمذي عن أبي سعيدٍ الخُدَري. يُنظر: الترمذي، السُنن، ج4، ص471، حديث رقم (2174).
(28) لمزيدٍ من التفاصيل، يُنظر: الحمود، فاطمة كسَّاب، السيادة الدولية وأثرها على مفهوم الجهاد.. دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلِّية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، عمَّان، 2007م، ص ص72-122.
(29) الكُليني، مُحمَّد بن يعقوب بن إسحاق (ت329هـ/941م)، فروع الكافي، (بيروت، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع، 1429هـ/2008م)، ج5، ص637.
(30) أخرجه مسلم عن عبد الله بن مسعود. يُنظر: مسلم، مسلم بن حجاج القشيري (ت261هـ/875م)، الجامع الصحيح، تحقيق: فؤاد عبد الباقي، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1955م)، ج1، ص69، حديث رقم (50).
(31) الشيباني، أحمد، "تأملات في فقهِ الجهاد"، مجلَّة البيان، العدد (109)، السنة الحادية عشرة، 1997م، ص36.
(32) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج3، ص537.
(33) سورة البقرة، آية: (216).
(34) سورة التوبة، آية: (122).
(35) سورة النساء، آية: (95).
(36) ابن رشد الحفيد، أبو الوليد مُحمَّد بن أحمد بن مُحمَّد بن أحمد (ت595هـ/1198م)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق: خالد العطَّار، (بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، 1415هـ/1995م)، ج1، ص305.
(37) ابن قدامة المقدسي، موفق الدين أبي مُحمَّد عبد الله بن أحمد بن مُحمَّد الدمشقي (ت620هـ/ 1223م)، المُغني، تحقيق: رائد بن صبري بن أبي علفة، (الرياض، بيت الأفكار الدولية، 2004م)، ج2، ص2272.
(38) سورة الأنفال، آية: (45).
(39) ابن قدامة، المُغني، ج2، ص2272.
(40) مسلم، الجامع الصحيح، ج6، ص28، حديث رقم (4938).
(41) لمزيدٍ من التفاصيل، يُنظر: أبو بكر ميغا، عبد الله بن إدريس، التقاتل بين المسلمين باسم الجهاد، دراسة منشورة ضمن وقائع مؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الحادية والعشرون، الرياض، جامعة الإمام مُحمَّد بن سعود الإسلامية، ص ص36-37.
(42) سورة البقرة، آية: (193).
(43) الطباطبائي، مُحمَّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، (بيروت، دار الأضواء، 1431هـ/ 2010م)، ج1، ص371.
(44) سورة النساء، آية: (75).
(45) سورة البقرة، آية: (194).
(46) سورة الأنفال، آية: (60)
(47) سمايلوفتش، أحمد، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، (القاهرة، دار الفكر العربي، 1988م)، ص ص21 ـ 22؛ عبد اللطيف، بهجة كامل، الاستشراق.. المعنى والأهداف، مجلَّة كلِّية الآداب، جامعة بغداد، 2008م، ع85، ص93.
(48) يُنظر: مسعود، جبران، الرَّائد.. معجم ألفبائي في اللغة والأعلام، (بيروت، دار العلم للملايين، 2003م)، (مادة: إسْتِشْراقٌ)، ص73؛ رضوان، عمر بن إبراهيم، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره... دراسة ونقد، ط1، (الرياض، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1413هـ/1992م)، ج1، ص23؛ محمد، إسماعيل علي، الاستشراق بين الحقيقة والتضليل، ط3، (القاهرة، الكلمة للنشر والتوزيع، 1421هـ/2000م)، ص9؛ فوزي، فاروق عمر، الاستشراق والتاريخ الإسلامي.. دراسة مقارنة بين وجهة النظر الإسلامية ووجهة النظر الأوربية، ط1، (عمَّان، الأهلية للنشر والتوزيع، 1998م)، ص ص29 ـ 30؛ المحجوبي، خالد إبراهيم، الاستشراق والإسلام.. مطارحات نقدية للطروح الاستشراقية، (بنغازي، أكاديمية الفكر الجماهيري، 2010م)، ص15.
(49) يقول المستشرق الألماني رودي باريت Rudi Paret (1901 ـ 1983): "إنَّ المفروض أنَّ اسم الاستشراق يختص بالبلدان الشرقية دون غيرها، ومهما يكن من أمرٍ فإنَّ الاسم لا يُبين بوضوح مستقيم المقصود منه بالضبط، والمهم هو الموضوع ذاته". باريت، رودي، الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة: مصطفى ماهر، (القاهرة، دار الكتاب العربي، 1967م)، ص ص11 ـ 12.
(50) أسود، محمد عبد الرزاق، "موقف المستشرقين من السُنَّة النبوية.. دراسة تقويمية"، ضمن أبحاث المؤتمر الدولي "نبي الرحمة مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم"، ط1، (الرياض، الجمعية العلمية السعودية للسُنَّة وعلومها، 1431هـ)، م5، ص2410؛ النعيم، عبد الله محمد الأمين، الاستشراق في السيرة النبوية... دراسة تاريخية لآراء (وات ـ بروكلمان ـ فلهاوزن) مقارنةً بالرؤية الإسلامية، ط1، (فيرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1417هـ/1997م)، ص ص15 ـ 16.
(51) مسعود، الرَّائد، ص73؛ رضا، أحمد، معجم متن اللغة، (بيروت، دار مكتبة الحياة، 1958م)، ج3، ص311؛ السايح، أحمد عبد الرحيم، الاستشراق في ميزان نقد الفكر الإسلامي، ط1، (القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1417هـ/1996م)، ص10؛ مراد، يحيى، افتراءات المستشرقين على الإسلام والردَّ عليها، ط1، (بيروت، دار الكتب العلمية، 1425هـ/ 2004م)، ص ص7 ـ 8.
(52) السرحاني، محمد بن سعيد، "الاتجاهات الحديثة للمستشرقين ومن تابعهم في تفسير القرآن الكريم"، مجلَّة الشريعة والدراسات الإسلامية، مكَّة المكرمة، 2007م، م22، ع70، ص119.
(53) سورة الزُمُر، الآية: (69).
(54) سورة الشعراء، الآية: (60).
(55) عميرة، عبد الرحمن، الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلال الاستشراق، (بيروت، دار الجيل، د.ت.)، ص89.
(56) الإمام مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجَّاج بن مسلم بن وَردِ بن كوشاذ القشيري النيسابوري (ت261هـ/874م)، صحيح مسلم، تحقيق: خليل مأمون شيحا، ط2، (بيروت، دار المعرفة، 1428هـ/2007م)، (كتاب الصوم، باب تحريم صوم أيام التشريق)، ص508؛ النَسَائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر (ت303هـ/915م)، السُنن الكبرى، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، (بيروت، دار الكتب العلمية، 1411هـ/1991م)، (كتاب الصوم، باب صيام شوال والعشر)، ج2، ص171؛ العلاَّمة الحلِّي، الحسن بن يوسف بن علي بن المُطهَّر (ت726هـ/1326م)، تذكرة الفقهاء، ط1، (قم، مؤسَّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1415هـ)، ج6، ص113.
(57) عبد اللطيف، الاستشراق.. المعنى والأهداف، ص94؛ فؤاد، عبد المنعم، من افتراءات المستشرقين على الأصول العقدية في الإسلام، ط1، (الرياض، مكتبة العبيكان، 1422هـ/ 2001م)، ص15.
(58) عبد اللطيف، الاستشراق.. المعنى والأهداف، ص94.
(59) شاخت، جوزيف وبوزورث، كليفورد، تراث الإسلام، ترجمة: محمد زهير السمهوري وآخرون، تحقيق: شاكر مصطفى، ط1، (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1998م)، سلسلة عالم المعرفة / العدد 233، ج1، ص64؛ زقزوق، محمود حمدي، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، (القاهرة، دار المعارف، 1997م)، ص20؛ عبد اللطيف، الاستشراق.. المعنى والأهداف، ص94؛ ناجي، عبد الجبار، التشيع والاستشراق، ط1، (بيروت، المركز الأكاديمي للأبحاث، 2011م)، ص52.
(60) ابن نبي، مالك، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، ط1، (بيروت، دار الإرشاد، 1388هـ/1969م)، ص5.
([61]) J. A. Cuddon, Dictionary of Literature & Literary theory, 4th edition, Uk, Blackwell Publishers Ltd, 1998, Pp.618-622.
([62]) Ibid, Pp.618-622.
(63) تودوروف، تزفيتان، فتح أمريكا.. مسألة الآخر، ترجمة: بشير السباعي، ط1، (القاهرة، سينا للنشر، 1992م)، ص259.
(64) المدرس، فارس عزيز والشيخ، زاهدة محمد، "الاستشراق.. قراءة في المنهج وقصدية الخطاب"، مجلَّة آداب الرافدين، كلِّية الآداب ـ جامعة الموصل، 1432هـ/2011م، ع60، ص149.
(65) سعيد، إدوارد، الاستشراق.. المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، ط1، (القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، 2006م)، ص ص44 ـ 46.
(66) سعيد، خالد، إدوارد سعيد ناقد الاستشراق.. قراءة في فكره وتراثه، ط1، (بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2011م)، ص87.
(67) باريت، الدراسات العربية، ص11.
(68) عبد اللطيف، الاستشراق.. المعنى والأهداف، ص100.
(69) الحاج، ساسي سالم، نقد الخطاب الاستشراقي.. الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية، ط1، (بيروت، دار المدار الإسلامي، 2002م)، ج1، ص ص20 ـ 21.
(70) واردنبرغ، جان جاك، "المستشرقون"، ترجمة: أنيس عبد الخالق محمود، مجلَّة دراسات تاريخية، بيت الحكمة، بغداد، 1431هـ/2010م، ع26، ص ص99 ـ 100.
(71) حمدان، نذير، الرسول صلَّى الله عليه وسلم في كتابات المستشرقين، (الرياض، دار المنارة للنشر والتوزيع والترجمة، 1986م)، ص8.
([72]) Steingass, Francis Joseph, English ـ Arabic Dictionary: for the use of both Travellers and Students, London: W. H. ALLEN & CO., 1882. Pp.266-267.
([73]) Wehmeier, Sally, Oxford Advanced Learner’s Dictionary, 7th edition, China: Oxford University Press, 2005, p.1071.
(74) قال الله (I): } وَمَا كَانَ المُؤمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَولاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طَائِفَةٌ لِيتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إليِهِم لِعَلَّهُم يَحذَرُونَ {. سورة التوبة، آية: (1222).
(75) سيِّد قطب، في ظلال القرآن، ط5، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1386هـ/1967م), ج4، ص ص148-149.
(76) نود الإشارة هنا إلى أنَّ وجهة النظر هذهِ التي نُرجِّحها هنا لا نضعها في سياق التجريح بهذين العالمين الموقَّرين رحمهما الله، خلافاً لما فعله بعضهم، وإنَّما هي في سياق التوصيف؛ لأنَّه من غير المعيب ـ بل من الممدوح ـ أن يستفيد مسلمٌ من مذهبٍ ما من تجربة مسلمٍ من مذهبٍ آخر ما دام قد رأى الحقَّ في عناصر من تلك التجربة.. فاقتضى التنويه.
(77) هو: مُحمَّد رشيد بن علي رضا ولد 27/جمادى الأولى/1282هـ-23/سبتمبر/1865م في قرية "القلمون" لبنان، وتوفِّي بمصر في 23/جمادي الأولى/1345هـ-22/ أغسطس/ 1935م. كتب الشيخ رشيد مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأُمة وتقويتها وخصَّ العلماء والحكَّام بتوجيهاتهِ لإيمانهِ بأنَّهم بمنزلةِ العقل المدبر والروح المفكِّر من الإنسان وأنَّ في صلاح حالها صلاح حال الأُمة وغير ذلك قوله: "إذا رأيت الكذب والزور والرياء والنفاق والحقد والحسد وأشباهها من الرذائل فاشية في أمةٍ، فاحكم على أمرائها وحكَّامها بالظلم والاستبداد وعلى علمائها ومرشديها بالبدع والفساد، والعكس بالعكس". كما اقترح رشيد رضا لإزالةِ أسباب الفرقة بين المسلمين تأليف كتاب يضم جميع ما اتفقت عليه كلمة المسلمين بكلِّ فرقهم في المسائل التي تتعلَّق بصحة الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وإحسان العمل والابتعاد عن مسائل الخلاف بين الطوائف الإسلامية الكبرى كالشيعة، وإرسال نسخ بعد ذلك من الكتاب إلى جميع البلاد الإسلامية وحثِّ الناس على دراستها والاعتماد عليها. كما طالب كذلك بتأليف كتب تهدف إلى توحيد الأحكام، حيث يقوم العلماء بوضع هذهِ الكتب على الأُسس المتفق عليها في جميع المذاهب الإسلامية وبما يتفق مع متطلبات العصر، ثمَّ تُعرض على سائر علماء المسلمين للاتفاق عليها والتعاون في نشرها وتطبيق أحكامها. لمزيدٍ من التفاصيل، يُنظر: متولِّي، تامر محمد محمود، منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة، (جدة، دار ماجد عسيري، 1425هـ/2004م)، ص ص57-104.
(78) محي الدين، حازم، "قراءة في منهج رشيد رضا في تفسير المنار.. وموقف النقاد منه"، مقال منشور على الموقع الإلكتروني لـ"ملتقى أهل التفسير": http://vb.tafsir.net/forum.php
(79) الآصفي، محمد مهدي، الشيخ محمد رضا المظفَّر.. وتطور الحركة الإصلاحية في النجف، (قم، مؤسَّسة التوحيد للنشر الثقافي، 1419هـ/1998م)، ص ص97-114.
(80) هو: عالم دين وفيلسوف إسلامي شيعي، العضو المؤسِّس في شورى الثورة الإسلامية في إيران إبَّان الأيام الأخيرة من سقوط نظام الشاه، ومن المنظِّرين للجمهورية الإسلامية الإيرانية. صاحب الشبكة الواسعة من المؤلَّفات التأصيلية والعقائدية والفلسفية الإسلامية، وأحد أبرز تلامذة المُفسِّر والفيلسوف الإسلامي مُحمَّد حسين الطباطبائي وروح الله الخميني. كان مؤسِّساً مشاركاً لحُسينية إرشاد. وجمعية رجال الدين المقاتلين (جمعية روحانيت مبارز) بعد الثورة الإسلامية فی إيران، تمَّ تعيينه رئيساً لمجلس قيادة الثورة. لمزيدٍ من التفاصيل، يُنظر: جهرمي، مهدي وباقري، محمد، نقد الفكر الديني عند الشيخ مرتضى مطهري، ترجمة: صاحب الصادي، (فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2011م)، ص ص أ-ع.

(81) هو: مصلح من طلائع النهضة المصرية، ورائد الاشتراكية المصرية ومن أول المروجين لأفكارها. ولد في قرية بهنباي وهي تبعد سبعة كيلو مترات عن الزقازيق لأبوين قبطيين. عرف عنه اهتمامه الواسع بالثقافة، واقتناعه الراسخ بالفكر كضامن للتقدم والرخاء. انتمى سلامة موسى لمجموعةٍ من المثقفين المصريين، منهم أحمد لطفي السيد، الذي نادى بتبسيط اللغة العربية وقواعد نحوها والاعتراف بالعامية المصرية. وكانت حجتهم أنَّ اللغة العربية لم تتغير لأجيال، وأنَّ معظم المصريين أميون، ما دعا موسى وآخرين للمطالبة بالكتابة بالعامية. تتلمذ على يديهِ نجيب محفوظ الذي يؤثر عنه قوله له: "عندك موهبة كبيرة، ولكن مقالاتك سيئة"، الأمر الذي دفع نجيب محفوظ إلى العناية في انتقاء مواضيعهِ. لمزيدٍ من المعلومات، يُنظر الموقع الإلكتروني:
https://en.wikipedia.org/wiki/Salama_Moussa
(82) هو: كاتب ومفكر مصري علماني. ولد في 20/أغسطس/1945 ببلدة الزرقا بمحافظة دمياط في مصر. وهو حاصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة في الإقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس. تمَّ اغتياله على يدِ الجماعة الإسلامية في 8/يونيو/1992م في القاهرة. كما كانت له كتابات في مجلَّة أكتوبر وجريدة الأحرار المصريتين. أثارت كتابات د. فرج فودة جدلاً واسعاً بين المثقفين والمفكِّرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت، فقد طالب بفصل الدين عن السياسة والدولة وليس عن المجتمع. كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوماً كبيراً عليه، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبهِ، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 بجريدة "النور" بياناً بكفرهِ. شارك في تأسيس حزب الوفد الجديد، ثمَّ استقال منه وذلك لرفضهِ تحالف الحزب مع جماعةِ الإخوان المسلمين لخوض انتخابات مجلس الشعب المصري العام 1984م. ثمَّ حاول تأسيس حزب باسم "حزب المستقبل" وكان ينتظر الموافقة من لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى المصري. أسَّس الجمعية المصرية للتنوير في شارع أسماء فهمي بمدينة نصر، وهي التي اغتيل أمامها. لمزيدٍ من التفاصيل، يُنظر الموقع الإلكتروني:
https://en.wikipedia.org/wiki/Farag_Foda
(83) حب الله، حيدر، "فقه الجهاد في الدراسات الجديدة.. رصدٌ موجز وتقييمٌ إجمالي"، مجلَّة الاجتهاد والتجديد، بيروت، العدد (24-25)، لسنة 2012-2013م، ص ص8-9.
(84) حول النتاجات العلمية والآراء التي تمخضت عنها لهؤلاء المستشرقين حول الدين الإسلامي بصورةٍ عامة، وموضوع الجهاد بصورةٍ خاصة، يُنظر: بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، ط3، (بيروت، دار العلم للملايين، 1993م)؛ العقيقي، نجيب، المستشرقون، (القاهرة، دار المعارف، د.ت.)، 3ج؛ المنجد، صلاح الدين، المستشرقون الألمان.. تراجمهم وما أسهموا بهِ في الدراسات العربية، (بيروت، دار الكتاب الجديد، 1978م)، 2ج؛ الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي، 2ج؛ فوك، يوهان، تاريخ حركة الاستشراق.. الدراسات العربية والإسلامية في أوربا حتَّى بداية القرن العشرين، ترجمة: عمر لطفي العالم، ط2، (بيروت، دار المدار الإسلامي، 2001م).
(85) لمزيدٍ من التفاصيل حول المدارس الاستشراقية، يُنظر: الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي، ج1، ص ص101-163.
(86) هو: من أكبر رجال الإصلاح الإسلامي في القرن التاسع عشر الميلادي، ومؤسِّس "جامعة عليكرة" بالهند. نشأ في أسرةٍ كان لها اتصال وثيق بالملوك المغول الذين حكموا شبه القارة الهندية قبل الاحتلال البريطاني. ألَّف العديد من الكتب، ردَّ فيها على بعض المُغرضين من المستشرقين، ودعا فيها إلى تجديد الفكر الإسلامي، وله آراء تفرد بها. وتُثير بعض أفكاره الحرة واجتهاداتهِ الجريئة الجدل إلى اليوم بين مؤيِّد ومُكفِّر. بصفةٍ عامة قد اتسمت نظرته للدين بالسماحة واليُسر وعمق النظر. تأثر بهِ مُفكِّرون مسلمون كبار من أمثال: المُصلح الإسلامي أمير علي (1849-1928م)؛ والفيلسوف الشاعر محمد إقبال (1877-1938م)؛؛ والمُجدد فضل الرحمن (1919-1988م). عندما لاحظ السيد أحمد خان تدنِّي وضع المسلمين الماديي والمعنوي ونظر إلى انعدام كفاءتهم المعرفية وغياب أهليتهم الحضارية للحصول على حقوقهم منن المستعمر البريطاني، تأكد أنَّ الخطيئة مرتكَبة من الضحية لا من الجاني، وأنَّه لا يمكن ردُّ حقٍّ أول من يهدره هم أهله، فألزم نفسه بالابتعاد عن التحريض السياسي وتهييج الناس والرمي بهم عرضةً للبطش الإنجليزي وللمزيد من تردي أحوالهم. ابتعد عن كل ذلك ليُكرِّس عمله للتربية ولتعليم وتهذيب النفوس بالأخلاق العالية وتنوير العقول بالعلوم والمعارف. هذهِ هي "اللعنة السياسية" التي تحدث عنها الإمام محمد عبده، وهذا هو المبدأ الإصلاحي الذي بلوره في ما بعد المُفكِّر المُصلح الجزائري مالك بن نبي (1905-1973م)،، وما بات يُعرف بقابلية الاستعمار. لمزيدٍ من التفاصيل، يُنظر: أمين، أحمد، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1949م)، ص ص121-138.
(87) هو: أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين بن معظَّم بن منصور، المعروف بـ"مسند الهند أبي مُحمَّد الشاه ولي الله الدهلوي، (1703-1762م). مجدد وعالم دين هندي. قام الشيخ ولي الله الدهلوي بعمل تجديدي وإصلاحي ضخم جداً، ولا يمكن تخيل ضخامة ذلك العمل التجديدي ما لم نطلع على أحوال المسلمين في الهند في تلك الفترة، وما لم نتصور تلك الظروف التي آلت إليها الحالة السياسية والإجتماعية والدينيَّة والفكرية للمسلمين في الهند في الفترةِ التي بدأ فيها الشيخ عمله التجديدي. إلى جانب العمل النقدي قام الشيخ بعملٍ فكري تجديدي بَنَّاءٍ كبير قدم من خلاله الإسلام في صورةِ نظام أخلاقي وحضاري متكامل، وذلك من خلال اثنين من كتبهِ العظيمة؛ هما "حجة الله البالغة"، و "البدور البازغة"، فإنَّه أقام فلسفةً إجتماعية متكاملة على النظام الأخلاقي في كتاب "حجة الله البالغة"، فتحدث بالتفصيل عن آداب المعاش، وتدبير المنزل، وفنِّ المعاملات، وسياسة المدينة، والعدل، والضرائب على المحاصيل، ونظام الدولة، وتنظيم الجيوش، وأشار ضمن ذلك إلى ما يوجب الفساد في الحضارة، وتناول بعد ذلك نظام الشريعة، والعبادات، والأحكام والقوانين، ووضَّح حِكَمها بالتفصيل، وفي نهايةِ الكتاب ألقى نظرةً على تاريخ الأمم بعد مجيء الإسلام، وتحدث عن الصراع المستمر بين الإسلام والجاهلية، والخير والشر بصورةٍ لم يُسبق إليها. حاول الشيخ تقديم خطة متكاملة للإصلاح، لإزالة الواقع الفاسد، وإقامة البديل الصحيح له، فقدم من خلال عمليةِ النقد معالم الواقع الفاسد، ومن خلال العمل الفكري قدم معالم النظام السليم الذي يجب أن يحل محلَّه. ومن أهمِّ ما قام بهِ الشيخ محاربة الجمود والتقليد في جميع المجالات الفكرية، وخاصةً في مجال الفقه؛ فقد قدم ضوابط الاجتهاد مفصلةً من خلال كتابيه: "عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد"، و "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف بين الفقهاء والمُحدِّثين"، ومن خلال كتبهِ في شرح كتب الحديث وغيرها. يُنظر: السيالكوتي، محمد بشير، الإمام المجدد المُحدِّث الشاه ولي الله الدهلوي.. حياته ودعوته، (بيروت، دار ابن حزم، 1420هـ/1999م).
([88]) Karen Armstrong, Holy War: The Crusades and Their Impact on Today’s World, New York: Anchor Books, 2nd edition, 2001.
(89) الطبعة العربية للكتاب: ترجمة: سامي الكعكي، (بيروت، دار الكتاب العربي، 2005م).
(90) الدوغماتية Dogma: هي التعصب لفكرةٍ معينة من قبل مجموعةٍ دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأيِّ دليل ينقضها لمناقشتهِ، أو كما هي لدى الإغريق الجمود الفكري. وهي التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي، أو موضوع غير مفتوح للنقاش أو للشك. يعود أصل الكلمة إلى المصطلح اليوناني: (ðóγμα). والذي يعني: "الرأي" أو "المعتقد الأوحد". توجد الدوغماتيات في مختلفِ الفِرَق والأديان (على جميع المستويات)، مثل المسيحية واليهودية والإسلام، بحسب آراء بعض علمائها، والتي تُلزم أتباعها باعتناق أركان أو مبادئ بشكلٍ دوغماتي. الدوغماتيات في الأديان يمكن أن يتم توضيحها وتبيينها أكثر ولكن ليس مناقضتها. كما يُعتبر رفض الدوغماتية "هرطقةً" في بعض الأديان. يُنظر الموقع الإلكتروني: https://en.wikipedia.org/wiki/Dogma
(91) يُنظر: السيد، رضوان، "كارين أرمسترونغ والحرب المقدسة في اليهودية والمسيحية والإسلام"، جريدة الحياة، بيروت، 25/8/2003م.
([92]) Kreutzer, Stefan M., Dshihad für den deutschen Kaiser: Max von Oppenheim und die Neuordnung des Orients (1914-1918), ARES Verlag, Berlin: 2012.
(93) لمزيدٍ من التفاصيل حول هذا "السِفر"، يُنظر: الحصناوي، أحمد، "وثيقة إعلان النفير العام في العراق عام 1914 (سفر برلك)"، مجلَّة دراسات تاريخية، بيت الحكمة، بغداد، العدد (40)، لسنة 2015م، ص ص121-130.
(94) هو: محب الدين بن أبي الفتح بن عبد القادر بن صالح بن عبد الرحيم بن مُحمَّد الخطيب (1886-1969م)، أصل أسرته من بغداد من ذرية الشيخ عبد القادر الجيلاني. نشر في مجلَّة المؤيد كثيراً من أعمالل المُبشِّرين البروتستانت نقلاً عن مجلَّتهم «مجلَّة العالم الإسلامي» الفرنسية، وفضح ما كان يُراد بالمسلمينن من حشر على أيديهم وعقولهم الملوثة، فكان من نِتاج ذلك «الغارة على العالم الإسلامي» الذي كان له دوي في العالم الإسلامي. إنَّ الشيخ من أوائل العلماء الذين تنبهوا لأخطار الصهيونية، وحذروا منها، وكشفوا الغطاء عن حقائقها وأسرارها، ومحاولة اليهود في الوصول إلى فلسطين عام 1844م ومطالبتهم لمُحمَّد علي باشا بفلسطين، وما كان بينهم وبين السلطان عبد الحميد سنة 1902م، ومقالاته في الفتحح شاهد صدق على ذلك. لمزيدٍ من التفاصيل، يُنظر الموقع الإلكتروني:
 https://en.wikipedia.org/wiki/Muhibb-ud-Deen_Al-Khatib
([95]) Watt, W. M., Muhammad at Medina, London: Oxford at the Clarendon press, 1966, p.35.
(96) الضافطة: والضَّفَّاطُ: الذي يجلب المِيرَةَ والمَتاعَ إلى المدن، والمُكاري الذي يكري الأحمال، وكانوا يومئذٍ قوماً من الأنباط يحملون إلى المدينة الدَّقيق والزيت وغيرهما. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين مُحمَّد بن مكرم بن علي الرويفعي (ت711هـ/1711م)، لسان العرب، (القاهرة، دار الحديث، 2003م)، ج5، ص ص513-514.
(97) ابن سعد، مُحمَّد بن سعد بن منيع الزهري (ت230هـ/845م)، الطبقات الكبرى، تحقيق: علي محمد عمر، ط1، (القاهرة، مكتبة الخانجي، 2001م)، ج2، ص ص58-59.
(98) النعيم، الاستشراق في السيرة النبوية، ص ص282-283.
([99]) Watt, Muhammad at Medina, p54.
([100]) Ibid., p.54.
(101) مؤتة: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام، وقيل مؤتة من مشارف الشام وبها كانت تُطبع السيوف وإليها تُنسب المشرفية من السيوف. بها قبر جعفر بن أبي طالب 7. وعن شهداء واقعة مؤتة قال حسان بن ثابت:
فــلا يُبــعِدَنَّ الله قَتلـَى تتـــابعــو
بــمُؤتَةَ منهــم ذو الـجنــاحَين جـعـفـرُ
وزيــدٌ وعـبـد الله هـم خـيـرُ عُصــبَ
تــواصـوا وأســـبابُ الـمنـيَّة تـنـظــرُ
يُنظر: ياقوت الحموي، أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هـ/ 1225م)، معجم البلدان، (طهران، مكتبة الأسدي، 1965م)، ج4، ص ص677-678.
(102) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص ص119-121.
(103) النعيم، الاستشراق في السيرة النبوية، ص ص284-285.
([104]) Watt, Muhammad at Medina, p54.
([105]) Ibid., p.55.
(106) النعيم، الاستشراق في السيرة النبوية، ص ص286-287.
(107) ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص121.
(108) يُنظر: ابن هشام، أبو مُحمَّد عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري (ت213هـ/833م)، السيرة النبوية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، (القاهرة، المكتبة التجارية، د.ت.)، ج3، ص ص435-438؛ الطبري، أبو جعفر مُحمَّد بن جرير بن يزيد بن كثير (ت310هـ/923م)، تاريخ الرُسُل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، (القاهرة، دار المعارف، د.ت.)، ج3، ص ص36-42؛ ابن سيد الناس، مُحمَّد بن عبدالله بن يحيى (ت734هـ/1334م)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسِيَر، (بيروت، مؤسَّسة عز الدين للطباعة والنشر، 1986م)، ج2، ص167.
(109) العنوان الأصلي للمقالة: Jihad: idea and history. وقد نُشرت هذهِ المقالة على الموقع الإلكتروني:
https://www.opendemocracy.net/faith-europe_islam/jihad_4579.jsp#top
(110) للإطلاع على آراء المستشرقة باتريشيا كرون حول موضوع الجهاد الإسلامي، والمنهج الذي اتبعته في معالجة مفردات هذا الموضوع بمزيدٍ من التفصيل والاتساع، يُنظر مقالتها المعنونة بـ: "لا إكراه في الدين" No pressure, then: religious freedom in Islam. والتي نُشرت في تشرين ثان / نوفمبر 2009 على الموقع الإلكتروني:
 https://www.opendemocracy.net/patricia-crone/no-compulsion-in-religion
(111) فاغليري، لورا فيشيا، دفاع عن الإسلام، ترجمة: منير البعلبكي، ط2، (بيروت، دار العلم للملايين، 1963م)، ص28.
(112) المرجع نفسه، ص30.
([113]) Muir, Sir William, The Caliphate: Its Rise, Decline and Fall.. From Original Sources, 2nd Edition, London: The Religious Tract Society, 1892, Pp.43-49.
(114) يُنظر: ستودارد، لوثروب، حاضر العالم الإسلامي، ترجمة وتحقيق: شكيب أرسلان، ط3، (بيروت، دار الفكر، 1391هـ/1971م)، ج1، ص ص24-42.
(115) الدقس، كامل سلامة، آيات الجهاد في القرآن الكريم.. دراسة موضوعية وتاريخية وبيانية، (الكويت، دار البيان، 1392هـ/1972م)، ص ص98-99.
([116]) Muir, Sir William, The Life of Mohammad.. From Original Sources, Boston: Adamant Media Corporation, 2001, p.282.
(117) إيرفنغ، واشنطن، مُحمَّد وخلفاؤه، ترجمة: هاني يحيى نصري، (الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1999م)، ص210.
(118) المرجع نفسه، ص209.
([119]) Wells, H.G., The Outline of History, London: Garden City Books, 1949, p.600.
(120) جب، هاملتون، دراسات في حضارة الإسلام، تحرير: شتانفورد شو ووليم بولك، ترجمة: إحسان عباس وآخرون، ط3، (بيروت، دار العلم للملايين، 1979م)، ص50 وما بعدها.
(121) الدقس، آيات الجهاد في القرآن الكريم، ص101.
(122) سورة البقرة، آية: (217).
(123) العقاد، عباس محمود، ما يُقال عن الإسلام، (القاهرة، مؤسَّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2013م)، ص102.
(124) لوبون، غوستاف، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، (القاهرة، مؤسَّسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2013م)، ص134.
([125]) Michaud, Joseph François, History of the Crusades, Translated by: W. Robson, London: George Routledge and Co., 1852, vol.1, p.71.
(126) ساسي الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي، ج1، ص166.
(127) النعيم، الاستشراق في السيرة النبوية، ص ص34-35.
(128) أرنولد، سير توماس، الدعوة إلى الإسلام، ترجمة: حسن إبراهيم حسن، ط3، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1970م)، ص462.
(129) أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير (ت275هـ/888م)، سُنن أبي داود، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، (بيروت، دار الفكر، د.ت.)، ج3، ص37.
(130) المصدر نفسه، ج3، ص38.