البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

دراسة القرآن عند أنجيليكا نويفيرت

الباحث :  أ.د. عامر عبد زيد الوائلي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  18
السنة :  السنة الخامسة - ربيع 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 10 / 2019
عدد زيارات البحث :  2807
تحميل  ( 1.401 MB )
نحاول في هذا المبحث التطرق إلى المشروع الألماني المعاصر وهو له أسماء متنوعةٌ منها: «موسوعة القرآن» أو «CorpusCorani» وهو اسمٌ لاتينيٌّ معناه «الجسم القرآني». وقد عُقدت ندوةٌ احتضنها مبنى «معهد الموسوعة الإسلاميّة» ناقشت جوانبَ مختلفةً من مشروع «كوربوس كورانيك» البحثي، وکذلك مزايا وخصائص المخطوطات القرآنیّة القدیمة، والقراءات القرآنیّة، والشواهد التاریخیّة المرتبطة بنزول القرآن وتأریخه[1].
وخلال مشاركته في هذه الندوة قال الألماني ومدیر المشروع أن التأریخ بوساطة الکربون الـ14 یعد أسلوباً مبنیًّا علی المعاییر العلمیّة والتجريبيّة، كما أكد على أن هذا الأسلوب من شأنه أن یُسفر عن نتائجَ ثمینةٍ حول المخطوطات القرآنیّة، كما أن من شأنه أن یزیل العدید من الغموض حول تاريخها. وأضاف (ميشيل مارکس) أنّه قد تم خلال مشروع «کوربوسکورانيك» البحثي، تأریخ أکثر من 40 نسخةً خطیّةً بوساطة الکربون الـ14 معظمها نسخٌ قرآنیّةٌ، مبيّناً أن لهذا المشروع أسلوباً رياديّاً وجديداً في مجال البحوث القرآنیّة في الغرب.
ومن جهةٍ أخرى قال الباحث الإیراني «السید علي آقاییف»: إن المشروع یرکز علی أربعة مجالاتٍ هي: (دراسة المخطوطات القرآنیّة، والمقارنة بین قراءات القرآن، والتعرف إلى الظروف التاریخیّة والدینیّة والثقافیّة والاجتماعیّة والسیاسیّة) في عصر نزول القرآن، وكذلك الدراسة التاریخیّة والأدبیّة للنص القرآني[2].
لكن الأمر يبدو أكبرَ من هذا التوصيف، فهذا المشروع، الذي ترعاه» أكاديميّة برلين -براندنبورغ للعلوم الإنسانيّة»، تم إطلاقه في عام 2007م، وتُشرف على المشروع الباحثة الألمانيّة الشهيرة «أنجيليكا نويفيرت» (Angelika Neuwirth[3])، وتستمر فعاليّات هذا المشروع بتعاون اثني عشر باحثاً ومحقِّقاً، ويُعمل على أن يكتمل المشروع في غضون ثمانية عشر عاماً. ومن المعلومات أيضا أن هذا المشروع يعمل فيه عددٌ من الباحثين في مجال العلوم الإسلاميّة، لكن ما هو معلَنٌ من أهداف المشروع البحثي أنّه يهدف إلى اكتشاف النصوص القرآنيّة التاريخيّة القديمة وجمعها لربط تلك النصوص بالسياق التاريخي والثقافي الذي نزلت فيه. وهو ما تجلّى في ماكتبه أو ما هو مصرَّحٌ به من أحاديث الباحثين المشرفين على المشروع، خاصّةً مديرة المشروع البروفيسور أنجيلكا نيوفيرث المتخصصة في الدراسات العربيّة والدراسات القرآنيّة بجامعة برلين الحرة، والباحث ميشيل ماركس المتخصص في الدراسات العربيّة بجامعة برلين الحرة ومدير فريق البحث بالمشروع.
ويبدو أن هذا المشروع ليس له طابعٌ فرديٌّ بل هو مشروعُ مؤسّساتٍ كبيرةٍ ولها أهدافٌ استراتيجيّةٌ، ولعلّ هذا ما يمكن أن نفهمه من تصريحات مديرة المشروع، إذْ أكّدت أنجيلكا نيوفيرث على أن هذا المشروع بدأ الإعداد له منذ سنواتٍ طويلةٍ، ولكن بدأ تنفيذه بالفعل في عام 2007م بتمويل 2 مليون يورو من أكاديميّة برلين-براندنبورج للعلوم والإنسانيّات في ألمانيا، والتي أنشئت عام 1700م وتُعَدُّ من أشهر الأكاديميّات العلميّة في ألمانيا وأوروبا، إذ تضم مجموعةً من أكبر الباحثين وتموَّل بوساطة الحكومة الفيدراليّة في ولايتَيْ برلين وبراندنبرج. هذا المشروع رُصد له الملايين من عملة اليورو الأوروبيّة وهي تُعَدُّ من العملات الصعبة القويّة، ويُشرف عليه فريقان، يقوم الأول بخلق بنك للمعلومات (Data-Bank)، يُصب في قناته كل ما يتعلّق بالقرآن كدراسةٍ تشريحيّةٍ، أي المعلومات والمعلومات فقط، من تفاسير القرآن ونسخٍ قديمةٍ وجديدةٍ، وعلوم القرآن وأسباب النزول ومحكمه من التأويل، وناسخه من منسوخه، وقراءاته العشر والمكي من المدني، في تحرٍّ دقيقٍ على الطريقة الألمانيّة المعهودة.. وفي بعض التوصيفات البحثيّة تبين أنّه، يهدف إلى الوفاء بمطلبين ملحَّين في البحث القرآني:
أولهما: توثيق النص القرآني من خلال مخطوطاته، ومن خلال نقله مشافهةً (القراءات)، فعلى خلاف النسخ المتداولة للقرآن في يومنا هذا والتي تستند على طبعة الملك فؤاد القاهريّة في (1923-1924م)، فإن المشروع المزمع القيام به يرمي إلى استقراءٍ شاملٍ لشهادات المخطوطات الأولى، وكذلك للقراءات القرآنيّة التي تم حفظها والتي وثقها التراث الإسلامي. وبما أن نظام كتابة المخطوطات القرآنيّة القديمة يتيح -بسبب خلوّه من النقط والإعجام- تعدّداً في الدلالة، فقد تم اختيار الفصل بين نتائج البحث في المخطوطات، ونتائج البحث الخاصة بالقراءات القرآنيّة. وعلى وفق ذلك فإن التوثيق النصي سوف يتّخذ شكل العرض المزدوج والمتوازي للطريقتين معاً.
وثانيهما: تقديمُ تفسيرٍ مستفيضٍ يضع القرآن في سياقات ظهوره التاريخي. وبالآتي يكون التفسير المروم، فإنه أوّلاً سيدرس القرآن من منظورٍ تاريخيٍّ (دياكرونيٍّ) تعاقبيٍّ، أي؛ باعتباره نصّاً نشأ بالتدريج عبر عقدين من الزمان، باحثاً عن التطورات الشكليّة والمضمونيّة والمفهوميّة، وكذلك ما طرأ على النصوص القرآنيّة الأولى من إعادة تأويلٍ أو تغييرٍ في الدلالة عبر إحالاتٍ أو إضافاتٍ لاحقةٍ.
أما ثانياً فإن هذا التفسير يعتمد على مقاربةٍ تنظر للسورة باعتبارها وحدةً، وأن السور المكيّة على الأقل-في اتفاقها الثابت مع الأنماط البنائيّة المعهودة وأشكال الخطاب المناسبة- هي وحداتٌ أدبيّةٌ.
ثالثاً: يعتمد التفسير كذلك على استقراءٍ واسعٍ للنصوص الموازيّة يهوديّةً كانت أم مسيحيّةً. ولكن هذا التفسير يتجاوز فيلولوجيا القرآن التقليديّة -التي قامت على مبدأ الكشف عن الأصول المباشرة، منطلقةً من رؤيةٍ معرفيّةٍ تؤمن بخضوع القرآن لتأثيرات النصوص الدينيّة السابقة عليه- ويرى: أن القرآن لم ينطبع سلباً بالأشكال والمضامين السابقة عليه، بل انتقى منها أشياء، فعدّلها أو أعاد عرضها في ضوء الأفكار والأسئلة التي تتصل بالجماعة القرآنيّة، بل إنه لربما أقام معها جدلاً نقديّاً[4].
فهذا المشروع مرتبطٌ بالميراث الاستشراقي الألماني من خلال الرؤية، إلا أنّه يختلف عنها من حيث المنهج كونه يعتمد على أحدث النتاجات للعلوم الإنسانيّة والتأويل والتحليل؛ إلا أنه من ناحيةٍ ثانيةٍ مشروعٌ يقوم على الأحكام والمخرجات الاستشراقيّة في تعاملها مع النص القرآنيّة كونه نصّاً بشريّاَ أو كونه نصّاً مرتبطاً بمرجعيّاتٍ توراتيّةٍ أو مسيحيّةٍ، وهذا ما سوف نقف عنده في سياق بحثنا، إلّا أنّه يختلف عن الرؤية الاستشراقيّة في جملة مسائلَ وهي جزءٌ من التحوّلات التي أصابت الاستشراق بفعل النقود التي تعرض لها هذا الخطاب بفعل ارتباطه بالرؤية الاستعماريّة وخطابه الاستعلائي. هذه النقود دفعت الكثير من الدراسات الاستشراقيّة إلى تصنيف نفسها خارج الخطاب الاستشراقي، فهي تُقدِّم نفسها كبحوثٍ معاصرةٍ في العلوم الإنسانيّة وهي تختلف عن الاستشراق في نقاطٍ متنوعةٍ منها المنهج[5].
سوف نحاول دراسة هذا الموضوع في مقاربتنا البحثيّة هذه من خلال تأصيل المشروع الاستشراقي الألماني وعلاقته بالقرآن، ثم نبرز القراءات المعاصرة التي سبقت المشروع ثم التطرّق إلى أفكار مديرة المشروع «أنجيليكا نويفيرت»، لأنّ أفكارها تصبّ في جوهر المشروع.

المبحث الأول
الاستشراق الألماني والقرآن:
نجد هذه العتبة ضروريّةً من أجل التطرق إلى بحثنا فتاريخ الأفكار الألمانيّة قدّم توصيفاتٍ عميقةً عن القرآن، وهذه التوصيفات التي تُعرف بالاستشراق الألماني تمثل مستوى من البحث في التراث الاسلامي وخصوصاً القرآن .
وقد تنوعت الآراء في هذا الجهد العلمي فقد نظرت له النظريّة النقديّة لما بعد الكولونياليّة متمثلةً بإدوارد سعيد إذ (اشتهر إدوارد سعيد بادعائه بأنه لم يكن لألمانيا «اهتمامٌ قوميٌّ طويلٌ ومستديم بالشرق»، وبهذا فليس لها استشراقٌ من النوع ذي الدوافع السياسيّة. وقد ألغى بهذا القول ألمانيا والدراسات العلميّة الألمانيّة من استكشافه لرابطة السلطة والمعرفة التي منحت الشرعيّة والديمومة لمشروع الامبراطوريّة الاستعماريّة الأوروبيّة... يبدو أن تعريف سعيد للاستشراق لا يترك مجالاً لاستكشاف الحالة الألمانيّة، ما أدى إلى بقائها غير مستكشفةٍ فضلاً عن عدم نيلها حظها من التنظير حتى وقتٍ قريبٍ)[6]. هذا الكلام فيه واقعيّةٌ إذ لا وجود لاستشراقٍ كليٍّ جامعٍ لاختلافات المستشرقين في خانةٍ واحدةٍ، وفي هذه الحال، لا يصح القول بصوابيّة الاستشراق أو خطئه بشكلٍ مطلقٍ، خصوصاً إذا ما أتفق على أنه قضيّةٌ إشكاليّةٌ بين المستشرقين أنفسهم، إذْ إنّ الحكم بالإعدام على رجالٍ كانوا علماء في عصورهم، وقد اشتغلوا بحسب مناهج البحث السائدة آنذاك، لا يخدم الحقيقة العلميّة[7].
وقد كان رضوان السيد، قد وقف موقفاً مختلفاً منجهود الألمان في هذا الحقل ربما أهمّها تلك التي يُعلّق فيها على ترجمة كتاب «تاريخ القرآن» للمستشرق الألماني نولدكه[8]، وعدم جدواها لاندثار المنهجيّة الفيلولوجيّة في دراسة التاريخ. فضلاً عن الإشارة إلى أهميّة الاستشراق الألماني من حيث حفظ المخطوطات العربيّة.[9] وهي رؤيةٌ تنسجم مع الأطروحات المعاصرة الغربيّة التي تؤكد زوال الخطاب الاستشراقي وأنّ الدراسات المعاصرة هي دراساتٌ علميّةٌ بعيدةٌ عن فقه اللغة والمنهج الفيلولوجي الذي لم يعد يستطيع أن يتوافق مع تطوّر المناهج العلميّة وخصوصاً فيما يتعلّق بـ(مجال التأويل واللسانيات) وهي رؤيةٌ لا يمكن تقبُّلها بسهولةٍ لما لهذه الدراسات من أثرٍ في المناهج المعاصرة التي لم تُغادر الرؤية السابقة بحسب ما سيظهر لنا.
على الرغم من تأكيد السيد على حالة العجز والنقص في الدراسات العربيّة ونقد إدوارد سعيد والاتّجاهات العربيّة التي انتقدت الاستشراق، فهذه الدراسات بالمحصلة بقوله: «لم يشهد حقل الدراسات العربيّة الإسلاميّة مشاركاتٍ عربيّةًو إسلاميّةً جديدةً وكثيفةً في العقد الحالي واللاحق»[10].
لكن على الرغم من هذا القول، إلّا أننا نجد أنّ أثر الاستشراق حاضرٌ بقوّةٍ في أكثرَ من مكانٍ في الخطاب السياسي وتوظيفه الأحداث الأخيرة في توصيف الذات كدولةٍ ديمقراطيّةٍ والآخر كدولةٍ إرهابيّةٍ، «إنّ ميكانزمات الاستشراق التقليدي ما زالت كامنةً في العقل الباطني لأدعياء السلام بين أفرقاء ليست متحاربةً، لأنّ الحرب بنظرهم تشترط تكافؤاً أخلاقيّاً، أو على الأقل اعترافاً ولو مضمراً بصدام المصالح بين طرفٍ وآخرَ، لا أن تغدو محوريّة الغرب معياراً لإنسانيّة الباقين، وكل من يتطاول على مصالحه في الخارج أو أمنه في الداخل، هو عدوٌّ إرهابيٌّ للبشريّة جمعاء»[11]. هذه الرؤية لم تأت من فراغٍ بل هي انعكاسٌ لما يمتلكه الاستشراق من تأثيرٍ في العقل الغربي، أدى بصُنّاع السياسة الغربيّة إلى الاعتماد على ما في جعبته لإعداد خططٍ عملانيّةٍ منسجمةٍ مع تصوّرات الاستشراق التي كان لها دورٌ في تشكُّل الخلفيّة الأيديولوجيّة لسياسة الغرب الراهنة، فضلاً عن التوظيف الإعلامي الغربي للصور القابعة أصلاً في مخيلة الغرب عن العرب والإسلام، عبر تنميط أيديولوجيا اليوم باستشراق الأمس.
هذا من ناحيةٍ، لكن لو استعرضنا العلاقة العموديّة، أي لو بحثنا عن جدليّة العلاقة بين المعرفة والسلطة والتي أشار إليها إدوارد سعيدنجد أن علاقة الدولة الألمانيّة بالاستشراق متذبذبةٌ؛ ما قبل الوحدة الألمانيّة والقيصريّة كان الاهتمام شبهَ معدومٍ، ومن ثَمَّ من خلال العلاقة الاستراتيجيّة بين الدولة القيصريّة والدولة العثمانيّة عشيّة الحرب العالميّة الأولى، ازدهر الاستشراق في الأكاديميّة الألمانيّة. وفي أثناء حكم الدولة النازيّة، عاد مبحث الاستشراق للظل. لكن من الضرورة الحديث عن الاستشراق الألماني وعلاقته بالإسلام وخصوصاً القرآن وطبيعة المنهج المتّبع الذي لا تكفي معه إشارة رضوان السيد (اندثار المنهجيّة الفيلولوجيّة) فهذا الحكم متسرعٌ، لأنّ هذا المنهج ظهرت في ظله جملةٌ من التأويلات التي ستبقى حاضرةً في الاستشراق المعاصر أو الجديد على الرغم من إبدال المنهج بفقه اللغة إلى علم الدلالة إلى اللسانيات؛ إلا أننا نجد أن الاحكام المتولّدة عن المنهج الفيلولوجي مازالت حاضرةً في مشروع بحثنا في هذا المبحث. ولعلّ هذا يتطلب منّا تبيان المنهج الفيلولوجي وتحليل آثاره في الدراسات القرآنيّة الألمانيّة.

أوّلا، المنهج الفيلولوجي الاستشراقي:
إنّ البحث في طبيعة هذه المنهج وتعريفاته تُعد قضيّةً ضروريّةً من أجل فهم الاستشراق، لكون المنهج هو الطريق. فعن تاريخ المنهج هناك من يرى أن «القرن الثامن عشر قد شهد ظهور الفيلولوجيا(philology) التي ترجمت خطأً عندنا إلى (فقه اللغة). وأهم ما تُعنى به (الفيلولوجيا) هو تحقيق النصوص وفك رموز النقوش وإعدادها للنشر العلمي. لذلك لم تتعدَّ هذه الدراسة حدود العمل التمهيدي اللازم لدراسة اللغة. لكن الأمر لم يخلُ من خلطٍ في المصطلحات, إذ استعمل مصطلح (الفيلولوجيا) مرادفاً لعلم اللغة أو اللسانيات»[12].
فهذا النص يتطرق إلى جملة من النقاط عن تاريخ المنهج فيربطها بحقبةٍ محدّدةٍ، وعن دخوله إلى الثقافة العربيّة إذ يؤكد على حدوث خطأٍ في الترجمة فيجعل الفيلولوجيا تقابل بالخطأ علم فقه اللغة[13].ثم يعرِّج على تعريف هذا العلم وكأنه يريد تمييزه عن سواه فيؤكد على وظيفة هذا العلم بكونه متخصصاً في تحقيق النصوص وفك رموز النقوش وإعدادها للنظر، وهذه الوظيفة أيضاً يذكرها مصدر تاريخ وعقائد الكتاب المقدس فيرى أنّ «علم الفيلولوجيا علمٌ يهتم بثلاث نقاطٍ رئيسةٍ هي: إعداد النصوص وطبعها، ونقد النصوص، والبحث عن المصادر النصوص»[14]، ونجد تحليل هذه الوظائف فالبحث عن المصادر ونقدها خاصٌّ مع هذا الكم الهائل من النصوص المدسوسة إذ يمكننا عند قراءة النص معرفة مخاطبنا الحقيقي، أمّا إعداد النصوص فهدفه هو أن يجعل في متناول القارئ نصّاً مطابقاً للنص الأصلي[15]. وهناك تعريفاتٌ متنوّعةٌ ترى أنّه:
1- بمثابة العلم المختص بدراسة النصوص القديمة، ويشتمل على دراسة النصوص اللغويّة دراسةً تاريخيّةً مقارنةً، لفهمها والاستعانة بها في دراسة الفروع الأخرى التي يبحث فيها علم اللغة (وفي القرن التاسع عشر الميلادي لم يميز بين هذا المصطلح ومصطلح علم اللغة وذلك لارتباط البحث اللغوي بالنصوص القديمة أيضاً).
2- يقسم هذا المنهج على قسمين: الأول قسمٌ اختص بفك الرموز القديمة والاهتمام بالآثار، فيما يكون القسم الثاني قد اهتم بتحقيق النصوص والمخطوطات بغية نشرها، لكن الفيلولوجيا تهتم أيضاً بمعرفة الأدب ودراسة النصوص الإبداعيّة والمخطوطات دراسةً تحليليّةً نقديّةً.
3- وعلى أساس تلك التعريفات والتقسيمات تحدّد غاية العلم أو منهجه في كونه: دراسة النصوص، إعادة تشكيل أو تجديد اللغة المنقرضة أو الميتة، ولا سيّما بعد اكتشاف اللغة السنسكريتيّة، إذ اعتمدت الفيلولوجيا على القدم والمقارنة من أجل هذا التجديد.
إن هذا العلم أو المنهج يطرح «مشكلةً على مستوى التعريف، فاختلاف تعاريفه من اختلاف معرفته من حيث اختصاصاتهم العلميّة واختلاف نظرتهم إلى هذا العلم، فالمهتم بتاريخ الحضارة سيعطيه تعريفاً قريباً من تخصصه، وكذلك اللغوي واللساني وغيرهم وهذه التعاريف تبدو مختلفةً وغيرَ متجانسةٍ حتى التناقض أحيانا فالجمع بينها ممكنٌ إذا ما نظرنا إليها في إطارٍ تكامليٍّ، إذ يعد بعضها خطوةً أوليّةً موصلة للآخر.
فإذا كان الهدف من الفيلولوجيا هو بناء التاريخ الحضاري للأمم، فلن يتحقق إلا باستثمار النصوص المكتوبة والوثائق القديمة باعتمادها وطبعها ونقد صحتها والبحث عن مصادرها. وهي عملياتٌ لن تتأتى ما لم نستوعب عقليّة الشعوب التي حررتها ونتبع تطورها الثقافي في مظاهرها اللغويّة، ونعيش معها بروح كُتّابها الأصليين»[16].
أمّا الدراسات الجديدة في هذا المجال، فهي تحاول أن تميز نفسها عن المنهج الفيلولوجي وتعتقد بقصوره وقد تم تجاوزه منهجيّاً ومعرفيّاً؛ ولكنْ، علم اللغة وعلم الفيلولوجيا مترابطان، إذْ لا يستغني علم اللغة عن الفيلولوجيا، لأنها مصادرُ علم اللغة (النصوص اللغويّة)، كما لا يستطيع علم الفيلولوجيا الاستغناء عن منجزات علم اللغة، لأن هذا العلم هو الذي يقوم بدراسة النصوص وتحليلها، إذاً فالعلاقة بين العلمين علاقةٌ وثيقةٌ. وأصبحت هذه الدراسات الشارحة والناقدة للنصوص القديمة تعرف باسم الفيلولوجيا. ونلاحظ أنّ مؤشراتٍ عدّةً تدخل هنا لارتباط اللغات القديمة بأسلوب المقارنة بين اللغات[17].
لقد كان هذا الظل الجديد بالمقارنة هو الطريق الخلفي الذي تسللت منه الفيلولوجيا إلى الدراسات الحديثة وإلى دراسات اللغات الحديثة فيما بعد. ثم توسّع اللغويون في مدلول الفيلولوجيا من دون أن يجردوه من ارتباطه باللغات والدراسات القديمة، فأطلقوا هذا المصطلح على نوعين من أنواع النشاط والتحقيق العلمي هما: الأول، فك رموز الكتابات القديمة التي يعثر عليها الباحثون في حقل الآثار. والثاني، أطلق اللفظ كذلك على تحقيق الوثائق والمخطوطات القديمة بغية نشرها والانتفاع بها في النشاط العلمي، وفي الدراسات التاريخيّة والأثريّة. أما عبارة فقه اللغة فهي مصطلحٌ عربيٌّ خاصٌّ. وقد شهد استعماله بعض الغموض أيضاً في دلالته، ونلحظ من معانيه:
أ- بدأ هذا الفرع في التراث العربي تحت اسم «اللغة»، فكان العلماء يفرقون بين ما يسمونه العربيّة وما يسمونه اللغة.
ب- والدراسات العربيّة الحديثة تطلقه على دراسة اللهجات العربيّة على نحو ما نرى في كتاب «اللهجات العربيّة» لإبراهيم أنيس الذي أكّد في دراسته قائلاً: «قد ظلت اللغة الأدبيّة موحدةً في البيئات العربيّة الجديدة زمناً طويلاً لم يُصِبْها إلا القليل من التغيير حين استقلت هذه البيئات بعضها عن بعض، ولكنها كانت دائماً مفهومةً وفي متناول المثقفين من الناس الذين كانوا ولا يزالون القلة في تلك البيئات، كما ظلت الآثار الأدبيّة القديمة نموذجاً يُحتذى ويعتزّ بها، وتُقدِم على دراستها والعناية بها القلة من الناس في جميع عصورنا التاريخيّة»[18]، ومؤخراً أصبح استعمال علم اللغة بدلاً من فقه اللغة على الدراسات اللغويّة الحديثة، بوصفها مرادفاً لما يُعرف بالألسنيات[19].
وقد ارتبط هذا المنهج بشكلٍ واضحٍ بالدراسات الاستشراقيّة وبمركزيتها الغربيّة في نظرتها إلى التراث الشرقي ومنه التراث العربي الإسلامي إذ نجد هذا يظهر بوضوحٍ في تحديد (أرنست رينان) مهمّة فقه اللغة في (أن يستشرف رؤية الواقع والطبيعة برؤيةٍ واضحةٍ)، وبذلك يتسنى للمستشرق كما يقول إدوارد سعيد أن يجعل اللغة العربيّة «هي التي تنطق الشرق العربي، لا العكس»[20]؛ لكن الواقع أن الفيلولوجيا مكّنت الاستشراق اصطناع الشرق لا رؤيته كما هو«، إنّه شرقٌ نتج تبعاً لمنطقٍ مفصلٍ، ‏غير محكومٍ ببساطة الواقع التجريبي، بل بمجموعةٍ من الرغبات والمقموعات والإسقاطات».[21] وهذا المنهج ارتبط بالاستشراق وهو«التخصّص الذي يتخذ من الفيلولوجيا والتاريخ أساسَيْن للعمل الأكاديمي في تصوير الحياة والثقافة في حضارة المشرق القديم، واستطرادًا حتى مشارف العصور الحديثة[22]». وهو قد اتّسم بأنّه يقدّم صياغةً استشراقيّةً تنطلق من تصوُّرٍ ‏مركزيٍّ متفوقٍ للعقليّة الأوروبيّة[23]. باعتماد مركزيّة التراث الغربي وإرجاع كلِّ منتجٍ شرقيٍّ إلى غربيٍّ وهو منهجٌ غربيٌّ استشراقيٌّ وقد أثّر حتى في الباحثين العرب الذين اعتمدوه في النظر إلى تراثهم[24]، وهو يختلف عن علوم القرآن التي هي عبارةٌ «عن مجموعةٍ من المسائل يُبحث فيها عن أحوال القرآن الكريم من حيث نزوله وأدائه، وكتابته وجمعه وترتيبه من المصاحف وتفسير لفظه وبيان خصائصه وأغراضه»[25].

ثانياً، الاستشراق الألماني والقرآن
في البحث عن المنهج الاستشراقي الألماني يؤكّد مؤرخو تاريخ الأفكار على أن «الاستشراق الألماني استقلّ كمبحثٍ أكاديميٍّ عن الفيلولوجيا واللاهوت (مع أنّه ظل يستخدم الفيلولوجيا كأداةٍ تحليليّةٍ، لكن هذا الاستقلال أخذ طابعًا وظيفيًّا فقط، أي استقل كحقلٍ دراسيٍّ، وليس هو بالضرورة معرفيًّا).وقد تميَّز الاستشراق الألماني بجمع المخطوطات ونشرها وفهرستها، مع اهتمامٍ خاصٍّ بالجانب الفيلولوجي والصوفي والأدبي، وعنايته بوضع معاجم في اللغة العربيّة، ودراسته لجوانب الفكر العربي الإسلامي في القديم خاصّةً .إلا أنّ الألمان تميزوا بالانشغال بالنص القرآني ما ميّز جهود الألمان عن باقي جهود المستشرقين الآخرين[26]، في هذه الحقبة استطاع الاستشراق الألماني الخروج من أسطورة أن الدين الإسلامي ليس إلا تحويرًا على الدين المسيحي واليهودي، لكنه دخل في دوامة أنّ الحضارة الإسلاميّة (لا الدين) مدينة للتراث الهيلليني، وأن الإبداع العلمي الإسلامي هو صناعةٌ إغريقيّةٌ استوردها المسلمون من دونِ إضافةٍ.
كما أشرنا سابقاً إلى هذا الحكم الذي ترك تأثيره حتى في الباحثين العرب. لكن من ناحية العلاقة بين الاستشراق والسلطة الداعمة نجد أنه كان مختلفاً عما هو عليه الحال في الاستشراق الأميركي فقد رصد المؤرخون: أن في الحقبة ما بعد الحرب العالميّة الثانية وحتى الثمانينيات من القرن العشرين، أنه انسحب تمامًا من التاريخ، وفقد اهتمامه بالحاضر (العلاقات الإسلاميّة الألمانيّة المعاصرة كمثالٍ). وفقدان الاهتمام هذا ينسحب على أهم المدارس الاستشراقيّة في أوروبا (ألمانيا، إنكلترا، فرنسا، إسبانيا). بينما انصرف الأميركيّون إلى ذلك في تلك الحقبة، تزامنًا مع طموحاتهم بأن يكونوا الدولة العظمى في مدّة الحرب الباردة. طبعًا، هذا التراجع بالاهتمام رافق ظهور أصواتٍ ناقدةٍ لعلاقة السلطة بالمعرفة والأكاديميّات (خصوصًا التجربة القوميّة وعلاقتها مع المؤسسة الأكاديميّة). وهنا يشير رضوان السيد إلى مرحلة استتباب «الدراسات الإسلاميّة» كمبحثٍ مستقلٍّ في ألمانيا، وإصدار مجلّاتٍ متخصّصةٍ عن الإسلام والمسلمين، والشرق بشكلٍ عامٍّ. ولهم جهودٌ يمكن إجمالها في الآتي:
نشر النصوص القديمة، لقد ظهرت النصوص العربيّة القديمة محقّقةً منذ القرن الثامن عشر الميلادي. والأمر الثاني الذي قدم فيه المستشرقون الألمان هو فهرسة المخطوطات العربيّة الموجودة في مكتباتٍ ألمانيّةٍ، أو مكتبات العالم أو التنويه بها. أما الأمر الثالث الذي عُنِي به الاستشراق الألماني فهو الاهتمام بالمعاجم العربيّة. والأمر الرابع من مزايا الاستشراق الألماني هو المنهج العلمي الدقيق الذي يعد عند بعضهم مثالا نادرا يحتذى بهِ[27].
لكن بالمقابل فقد اتّسمت نظرتهم إلى القرآن في بشريّة القرآن، مُتَّكَأً على نزول القرآن وتاريخه، وعلى «التناصّ» وتصيُّد التشابهات الظاهريّة بين مضامينَ قرآنيّةٍ وثقافة العرب وثقافة اليهود والنصارى في سبيل التأكيد على «البشريّة «أي ما يدخلنا في أنسنة الخطاب القرآني بحسب قول رضوان السيد، فهم يرون أن النص ليس مقدّساً بالحرف، وهذه نظرةٌ سائدةٌ لديهم. والبحث العمودي عن اهتمامات الألمان بالقرآن يجعلنا نقف عند:
1. يوليوس فلهاوزنJ. Wellhausen: وُلد فلهاوزن في عام 1844م في وستفاليا بألمانيا، وابتدأ حياته العلميّة بدراسة اللاهوت المسيحي ثم توجّه بعد ذلك لدراسة التوراة، ودرس اللغات الشرقيّة في جوتنجين[28]، وبرع فلهاوزن بشكلٍ كبيرٍ في علم نقد النصوص الكتابيّة وخصوصاً نقد العهد القديم، حتى عدّه الكثير من الباحثين بمثابة الأب الروحي أو المؤسس الحقيقي لذلك العلم[29]، إذ مع ظهور فلهاوزن ومدرسته بدأ التوجه إلى منحًى جديدٍ في الدراسة التوراتيّة يربط بين النقد المصدري والنقد الأدبي، فقد حاول بمهارةٍ الربط بين التحليل الأدبي للمصادر وتطور التاريخ الديني لبني إسرائيل. بدأ فلهاوزن في تحديد مصادره بالحديث عن أعمالٍ أدبيّةٍ في إشارةٍ منه إلى المصادر التي تشكّلت منها أسفار التوراة الحاليّة[30]. وبعد أن قطع فلهاوزن شوطاً كبيراً في دراسة التوراة، وجّه جهوده لدراسة عصر صدر التاريخ الإسلامي ومصادره المبكرة، وبحسب إشارة «رضوان السيد» فإنّه كان ينشد التعرف على أحد اللغات الساميّة الحيّة، وأيضاً التعرف على الاسلام الذي كان يُعدُّ بطابعه الاحتجاجي الأقربَ إلى البروتستانتيّة[31]، فكان من أهم المستشرقين الذين تعرّضوا بالبحث والدراسة لتلك الحقبة المهمّة، إذ قام بتأليف عددٍ كبيرٍ من الأبحاث والدراسات التي تناولت تلك الحقبة[32]، وتوفى يوليوس فلهاوزن في عام 1918م عن عمر يناهز الأربعة والسبعين عاماً .
ويبدو أنه في قراءته للتوراة ونقده لها كان يُشكِّل اتّجاهاً في نقد النص المقدس، إذ تمكّن من البرهنة على أن أيَّ مصدرٍ من المصادر التي تألفت منها التوراة يحمل السمات الأدبيّة الخاصة بكاتبه والعصر الذي عاش فيه وتأثّر بأحداثه... ويوضح كيف استطاع اليهود وتحت قيادة عزرا إعادة ترتيب مجتمعهم المقدس[33]. وبعد أن انتقل من دراسة العهد القديم إلى دراسة الإسلام، بعد تأكده من التربة التي نشأ عليها الإسلام وبإدراك التناقضات بين الديانة الساذجة التقليديّة أي الوثنيّة، وبين عناصر الدين الجديد[34].
1- يوهان جاكوب رايسكه(1716-1774م) يعد أبرز مستشرقٍ ألمانيٍّ أسس الدراسات العربيّة في ألمانيا، وهو أول مستشرقٍ ألمانيٍّ وقف حياته على دراسة العربيّة والحضارة الإسلاميّة، ورأى أن اللغة العربيّة يمكن أن تُدرس لذاتها[35].
2- تيودور نولدكه(1836-1931م) ظهرت عدد من الترجمات لمعاني القرآن إلى الألمانيّة تصل إلى حوالي اثنتين وأربعين ترجمةً. لعل آخرها هي ترجمة رودي باريت 1966م، وقد عدّت أحسن ترجمة للقرآن الكريم ولكن يبقى»تيودور نولدكه» يمتلك قدم السبق في ذلك، وذلك لأنّ حصيلة جهوده، في مجال دراسة النص القرآني، أصبحت عمدةً ومنطلقاً للدراسات القرآنيّة في أوروبا[36]. وقد طبق على القرآن المنهج التاريخي فأعاد ترتيب القرآن زمنيًّا على غير نهج المصحف الشريف، فأصبح الترتيب الذي انتهجه نولدكه يشغل أذهان المستشرقين جميعاً، ويعلقون عليه أخطر النتائج في عالم الدراسات القرآنيّة[37]. ولعل هذه القراءة مرتبطةٌ بالمشروع الذي نحن في صدد تحليله على الرغم من أنّه يبدو مختلفاً إلّا أنّه ما زال يردّد المنهجيّة نفسها التي رسخت في قراءة القرآن، فهي تحاول أن تبدأ أوّلاً من البحث في توثيق النص القرآني: (ملابسات نزوله، جمعه وتدوينه، قراءاته). إنّ النص القرآني الذي بين أيدينا اليوم هو في مجموعة مما خلّفه النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، على أن في التفصيل تأمُّلاً ومراجعةً وتشكيكاً عند بعضهم. فقد دوّن استناداً على ما خلّفه كتَّاب النبي من مدوناتٍ، وعلى ما احتفظت به الذاكرة الجماعيّة للجماعة الإسلاميّة الأولى، لكنّ الصحابة اختلفوا وهكذا .ومن ناحيةٍ ثانيةٍ تطبيق المنهج التاريخي الذي يرجع الفكر الحديث إلى فكر سابقه واعتبار الحديث بالضرورة قد أخذ من القديم من هنا البحث عن مصادر للنص القرآني في مواريث البيئة العربيّة واليهوديّة والنصرانيّة والأمم التي اختلط العرب بها. وهو ما نجده مستمرّاً في القراءة التي نحن في صدد الخوض بها أيْ قراءة «موسوعة القرآن» والذي يختلف في غائيّته عما وجدناه عند «تيودور نولدكه». إذ الغاية تكمن فى أنسنة النص وربطة بالجانب البشري. وهو ما لخصّه الدكتور التهامي في كون تلك الدراسات الاستشراقيّة تحاول التأكيد «على بشريّة الـمصدر القرآني، والتشكيك في الوثوق بصحّة النص القرآني من حيث الضبط مع ما تلاه النبي، مستندين هنا على: جمع القرآن ونسخه - اختلاف القُرَّاء والقراءات[38]. وهو أمرٌ لا ينكره الغربيون فهو جزءٌ من تراثهم الحداثي في نظرتهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وهي رؤيةٌ تبقى وليدةً بُعْدٍ إيديولوجيٍّ وآخرَ إبستمولوجيٍّ يقوم على مناهج الشك الفلسفيّة[39].
القراءات الألمانيّة التي سبقت مشروع موسوعة القرآن:
في الحقبة السابقة لهذا المشروع ما عرف بوصفه القراءة النقديّة للقرآن التي تعد المرجعيّة التي تولدت عنها موسوعة القرآن اليوم، فهذه القراءة الموصوفة بكونها نقديّةً جاءت كردة فعلٍ على القراءة المصريّة التي ظهرت في عام 1924م وهي طبعةٌ للقرآن في القاهرة بحسب قراءة حفص؛ لأنّ برغشترسر[40] وجفري[41] كليهما كانا نشطين في وقتها أي أثناء عمليّة إنتاج نص القاهرة.
في الوقت الذي كان برغشترسر وجيفري منشغليْن بدراسة أدب القراءات، ويصوران في أفلام المخطوطات القرآنيّة الباكرة مخططين لنشر طبعةٍ نقديّةٍ للقرآن، وقد عرض برغشترس خلاصة لها في محاضرة له «sixth DeutscherOrientalistentage» (فيينا 1930م) خطتهما بالتفصيل:
يفترض المحاضر أن يقوم بالتعاون مع آرثر جيفري بإنجاز لائحةٍ بملاحظاتٍ نقديّةٍ للنسخة المصريّة (للقرآن).
سيفترض أنّ هذه النسخة بحروفٍ أجنبيّةٍ كل القراءات المختلفة الواردة في الآداب (خاصة في الكتابات عن القراءات وفي التفاسير القرآنيّة) ومخطوطات القرآن بالخط الكوفي، مع إهمال الاختلافات الصوتيّة البسيطة وستنقسم بحسب اختلافاتها في الحروف الساكنة عن النص العثماني والتشكيلات المحتملة لهذا النص، وتباينات هذه التشكيلات. من أجل نقدها ستوضع على حدة هذه التباينات عن النص القياسي الذي يستحق ملاحظةً خاصّةً أو المفضّلة منها. وستكمل المادة المجموعة بفهرسٍ وبنظرةٍ عامّةٍ موضوعيّةٍ وقواعديّةٍ[42].
يبدو أنّه في محاضرته هذه كان يخطط إلى جمع كل القراءات الواردة في التراث الإسلامي حول القراءات القرآنيّة ووضعها على نسخة يكتبها بخطٍّ أجنبيٍّ. وقد سعى إلى تقديم هذا المشروع المسمى بـ(القراءة النقديّة) إلى مجموعة من الخبراء في مجال الاستشراق منهم: (فيشر بومشترل وريتروكهلي) وقد صدّرت مجموعةٌ الباحثين بياناً مشتركاً هو الآتي:
«يوم الاستشراق الألماني السادس لعام 1930م بفيينا يرحب بالخطّة المقترحة من قبل السيد برغشترسر الهادفة إلى ملاحظاتٍ نقديّةٍ للقرآن، ويعد يوم الاستشراق الألماني على نحوٍ خاصٍّ أنّه من الضروري في سبيل هذه الغايّة إنجاز مجموعةٍ مصوّرةٍ للمخطوطات القرآنيّة القديمة»[43].
لكن مشروع الطبعة النقديّة كان مقدَّراً له أن يُلغى، بسبب سلسلة من الحوادث المشؤومة غير العاديّة التي تكاد لا تُصدَّق[44]، وتمّثّلت في موت برغشترسر، وقد خلفه تلميذه أوتو بريتزل في الكليّة في ميونخ وفي المشروع. وفي غضون سنواتٍ تمكّن بريتزل من أن يدفع المشروع إلى طورٍ قريبٍ من الاكتمال، كما يتّضح من تعليق جيفري «لسنواتٍ طويلةٍ استمر الكاتب المحاضر يجمع موادَّ لنصٍّ نقديٍّ للقرآن، وفي سنة 1926م اتّفق مع الأستاذ برغشترسر أن يتعاون في المهمة الكبرى، وهي مهمة جمع أرشيف موادَّ منها يمكن أن يُكتب ذاتَ يومٍ تاريخ تطوّر النصّ القرآني. من المأمول أن يكون بالإمكان نشر نصّ للقرآن -كخطوةٍ في تلك الخطة- مع نظامٍ نقديٍّ للحواشي يعطي مجموعة الكاتب من التباينات النصيّة التي جمعت من التفاسير، والمعاجم، وكتب القراءات، ومصادرَ مماثلةٍ في هذا الأثناء، بدأ الدكتور بريتزل، خلف برغشترسر في ميونخ، ينظم الأرشيف من أجل الـ «مجلس لدراسة القرآن» الذي أنشئ بوساطة الأكاديميّة الباباريّة بمبادرةٍ من برغشترسر، وقد حشّد الآن مجموعةً ضخمةً من المصور لمخطوطاتٍ كوفيّةٍ وأعمالِ قراءاتٍ باكرةٍ غيرِ منشورةٍ. لكن حين اقترب المشروع من الكمال ظهرت غيوم الحرب في أفق أوروبا وما إن نشبت الحرب العالميّة الثانية حتى دُعي بريتزل إلى الخدمة العسكريّة وعُلِّق المشروع، إلا أن بريتزل ذهب ولم يعد ففي 28 تشرين الثاني 1941م مات بريتزل في حادث تحطُّم طائرةٍ».
ويصف جيفري النهاية التي وصل إليها أرشيف القرآن في أثناء محاضرته في القدس 1946م: «قتل بريتزل خارج سيباستيول في أثناء الحرب الأخيرة، وكل الأرشيف الذي من ميونخ أتلف بالقصف والنار، حتى أصبح من الضروري البدء من الصفر في تلك المهمّة العملاقة»[45]. وبعد موت جيفري 1959م مات المشروع. لكن يبدو أنّه كان مخدوعاً من قبل سبيالير الذي أخبره بأن المشروع تلف إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك، لأنّ الارشيف نجا من آثار الحرب، وإنّ سبينالير تولّى أمره وعهد به إلى تلميذه غونتير لولينغ الأستاذ في برلين الآن[46]، لكن يبدو أنّ مشروع موسوعة القرآن هو إحياءٌ لهذا المشروع.

المبحث الثاني
الدراسات القرآنيّة عند أنجليكا نويفيرت
تكثف هذا التأصيل بشكلٍ يتجاوز المنهج الاستشراقي إلى توظيف بُعْدٍ لسانيٍّ بنيويٍّ ينظر إلى النصّ القرآني بوصفه نصّاً وليداً للحوار المعرفي الذي دار في المنطقة، لهذا تكثف مقولتها «القرآن نصُّ يشترك فيه الأوروبي غير المسلم والمسلم»، فهو أمران لهذا الحوار:
الأول، داخل الجماعة الاسلاميّة أي من خلال الحوار بين النبي P والمؤمنين، فهذا الحوار أنتج النص الذي هو وليد الإشكاليّات والرهانات التي كانت تشغلهم في ذلك الوقت والتي اتّسمت بالمشافهة عبر الحوار والكلام الذي كان يدور والذي تحول إلى نصٍّ محفوظٍ ثمدُوِّن فيما بعد.
الثاني، في توصيفها وتحليلها تؤكد على أن القرآن ليس فقط نصّاً إسلاميّاً، بل هو جزءٌ لا يتجزأ في رأيها من الثقافة القديمة المتأخرة والنقاش الذي كان محتدماً بين تياراتها المختلفة. فالنص القرآني على وفق هذه الرؤية هو نتاجٌ لثقافة العصور المتأخرة. إنّه جزء من الوصيّة التي تركتها تلك الثقافة لأوروبا. وبلغة نويفيرت، إن من شأن هذه القراءة الجديدة أن «تفتح مجالاً جديداً أمام القارئ الغربي في علاقته بلاهوته وتاريخه الفكري وتجعله ينظر إلى القرآن كجزءٍ لا يتجزأ من تاريخ نصوصه الدينيّة. وفي هذا السياق ينتمي القرآن إلى التقليدين الإسلامي والغربي».
في الأمرين هي في جمعها بين تاريخيته داخل الجماعة الاسلاميّة الدائرة الأولى أما الدائرة الأكبر لهذا الحوار فهي الدائرة التي تشتمل على الأديان التوحيديّة التي سبقت ظهور الاسلام وكانت موجودةً في المنطقة وشكّلت النصوص الحافة بالقرآن. وفي الأمرين نجد أنها «تفهم القرآن بوصفه سيرورةً تواصليّةً، وبلغةٍ أخرى كجوابٍ عن أسئلة عصره. وهي تطمح إلى ردم الهوة القائمة بين البحث القرآني في الغرب ونظيره في الثقافة الإسلاميّة. وهو أمرٌ يتحقّق في رأيها عبر ممارسته لنوعٍ من النقد الذاتي داخل مبحث القرآن في الثقافة الغربيّة»[47].
وهي هنا تحاول إسقاط تصور العهدين القديم والجديد على القرآن الكريم على الرغم من الاختلاف بينهما، إلا أنها تَرُدُّ على هذا النقد بالقول: «إن القرآن بحسب السور المكيّة لا يريد تقديم جديدٍ، بل يمنح ما سبق تبليغه لغةً جديدةً»[48].
في حين أن معنى القرآن له دلالةٌ أخرى فهو في «الأصل في لفظة القرآن هو الجمع وكل شيٍ جمعته فقد قرأته، وسمي قرآناً، لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد، والآيات بعضها إلى بعض»[49]. والقرآن هو الكلام القائم بذات الله تعالى، وما نقل إلينا بين دفتي المصحف، نقلاً متواتراً[50].
يوصف منهجها بـ»النص الملتوي» أي إنها تنظر إلى النص بوصفه خطاباً شفويّاً يتم التواصل بين الجماعة عن طريق التلاوة أي الكلام لا الكتابة ولم يتحول إلى الكتابة، إلّا متأخراً، وبالآتي نجد صاحبة هذا المنهج هي أنجليكا نيوفرث، وهي باحثةٌ ألمانيّةٌ تخصّصت بالقراءات الراديكاليّة المعاصِرة للقرآن بمنهجٍ يزعم المزَاوجة بين البنيويّة والإبستمولوجيا، فعلت ذلك في دراستها الواسعة للسُّوَر المكيّة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كما أدّى هذا التوجُّه دوراً بارزاً في دراساتها المستمرة حتى اليوم، وبخاصةٍ مقالاتها المبسوطة في (موسوعة القرآن) التي أُنجزت في النصف الثاني من التسعينيات[51].
وهذا القول تردد في شروحات كثيرٍ من الباحثين العرب الذين من الممكن أن يتبنوا هذا القول متخذين من لفظ القرآن بوصفه يشير إلى كونه قراءةً، وأصل هذا القول يعود إلى هذه الباحثة التي تريد من تحليلها هذا القول أن القراءة هي قراءةٌ وتوظيفٌ إلى معانٍ دينيّةٍ وردت من قبلُ في التقاليد السابقة من التراث المسيحي اليهودي وهو معنًى كان حاضراً في الدراسات الاستشراقيّة، إلا أنّ الجديد هو أنها تريد التأكيد على أن التناصّات ليست سلبيّةً بل هي قراءةٌ تقويميّةٌ جدليّةٌ لما سبق من النصوص بما يتفق مع حاجات ورهانات الاسلام والتجربة التاريخيّة له، وبحسب استدراكها وتأويلها «لكنّ القصص الإنجيليّة لا يتم قصها لأجل ذاتها، ولكن لهدفٍ تأويليٍّ جديدٍ، وهو ما يفسِّر البناء الشذري لهذه القصص في القرآن»[52]، إلا أنّ هذه القراءة القرآنيّة للنصوص القديمة على الرغم من أصالتها وجِدّتها إلّا أنّها غائبةٌ في التقويم الغربي وتعلّل سبب هذا: «إنها تعيد غياب إنجاز مقارنةٍ نسقيّةٍ بين الكتب القديمة والقرآن على المستويين الأدبي والثيولوجي إلى غياب الاستعداد للنظر إلى القرآن نظرةً موضوعيّةً ومنحه القيمة التاريخيّة التي منحت للعهدين. وبلغةٍ أخرى إلى استمرار الأحكام المسبقة التي ما زالت تنظر إليه كتحريف لتلك الكتب». فهذه الرؤيّة تتميز بوصفها تعتد بأصالة القرآن وكونه يحقق إضافةً في الجدل اللاهوتي لا منعزلاً عنه بل يدخل في النسق نفسه.
وكأنّها تريد من قراءتها ردم هذه الفجوة في الدراسات الغربيّة حول الإسلام لهذا جاءت دراساتها على تنوعها تحاول دراسة القرآن دراسةً نسقيّةً على المستويين الأدبي والثيولوجي. لكن تبقى غايتها لا شكل النص القرآني، ولكن سيرورة تشكله، أو تلك السابقة على تشكّله، وبلغةٍ أخرى التبليغ الشفوي للقرآن لا النصّ المدوّن. لأنّها ترى أن التدوين جعل القرآن يتحول إلى نصٍّ مونولوغيٍّ وهذا تجنٍّ على الحضارة الإسلاميّة التي عرفت بانفتاحها على المعارف الإنسانيّة، هذا الانفتاح الذي ظهرت ثماره بما قدمت من حضارةٍ إنسانيّةٍ في مجالاتٍ متنوعةٍ. وهذا يعكس ديناميكيّة الإسلام لا جموده، وإن النص بقى موضوعاً قابلاً للبحث والتلقي والفهم المعمّق، إلا أن الباحثة تنطلق من رؤيةٍ لها مقاصدُ مختلفةٌ ترتبط بنسقٍ من القراءات الغربيّة حول النص، جعلتها لا ترى حضور النص في حياة المسلمين، لأنه بقى نصّاً مَعِيشاً حيّاً ومستمرّاً.
وهي تزعم أنّ القرآن نصٌّ شعائريٌّ مَتلوٌّ منذ البدايّة، ولذلك فهو يجمع بين التدوين الذي يفترض الانضباط، والشفويّة التي تُحيلُهُ إلى تقليد حيٍّ أو نصٍّ متلوٍّ، وصارت طريقتها الطموحة وذات المنزع الأدبي اتجاهاً واسعاً في أوساط الدارسين للقرآن، بل سادت راديكاليتان تفكيكيتان منذ الثمانينيات وحتى اليوم: الراديكاليّة التي تعمدُ إلى تفكيك النصّ من الداخل، والراديكاليّة الأخرى التي تبحث عن أصولٍ عبريّةٍ أو سريانيّةٍ مركبةٍ للنصّ في استعادةٍ لفيلولوجيات القرن التاسع عشر الميلادي، والتي كاد نولدكه نفسه يتجاوزها في أواخر حياته[53]. وعن التفاعل ما بين الأدب (عبر) التوراتي وبين القرآن مثار التساؤل من جديدٍ وقد تناولت أنجليكا نويفيرت هذا التطوّر البحثي في ثلاث كتب جديدة[54].
فهذه الرؤيّة وان كانت تنتقد القراءات الاستشراقيّة ومنها أطروحة كريستوف لوكسنبورغ في كتابه «القراءة الآراميّة للقرآن»[55] إلا أنها هي الأخرى ترفض التعامل مع النص بوصفه نصّاً مقدّساً مفارقاً وتجد هذا يتعارض مع المعطى العلمي، إلا أن هذا التصور «ما زال يكرر الأطروحة الإلحاديّة التي كانت مهيمنةً في القرن التاسع عشر الأوروبي وروحه الوضعيّة، وبلغة أخرى إنه ينتمي إلى أدبيّات الإلحاد، وليس في الأمر ما يضير ولا ما ينقص من قيمته، شرط أن نقرأه ككتابٍ تأخر به الزمن .إنها رؤيةٌ تتناقض في تأكيدها على ترنسندنتاليّة (تعالي) النص القرآني مع النص نفسه الذي ما برح يؤكد على الأصل الواحد للأديان التوحيديّة الثلاثة ويدعو اليهود والنصارى، كأهل كتاب، إلى الاعتراف بالجينالوجيا المشتركة للأديان التي جاء القرآن مؤكداً عليها. إنها ترى في فعل التدوين نوعاً من نسيان بعد اللقاء والتواصل، فالتدوين في تأكيده لترنسندنتاليّة القرآن يحوِّله من نصٍّ حواريٍّ - تاريخيٍّ، من نص متعدّد الأصوات إلى مونولوغٍ إلهيٍّ[56].
تؤكد في محاضرة لها بالقول: «سوف ننتقل إلى المصطلحات اللاهوتية لترجمة الكتب المقدسة التي نحاول وضع سياقٍ تاريخيٍّ لها نجد هناك تحفظاتٍ إسلاميّةٍ ضد ترجمة القرآن بأساليب اليهوديّة والمسيحيّة المعاصرة سوف يثبت الخطاب القرآني ارتباطًا وثيقًا بالمناقشات التي تجري في التقليد. وفي نهاية المطاف، ستقتصر تقاليد الميل العتيقة المتأخرة على عينةٍ قصيرةٍ من القرآن الكريم كنصٍّ أدبيٍّ والتي تتحدث عن المطالبة القرآنية بإضفاء الاتساق على نفسها بذات الأسلوب الفريد من نوعه، يحافظ على إصداراته السابقة»[57]، في حين هناك دراساتٌ لكثيرٍ من الدراسات الإسلاميّة الحديثة والمعاصرة قد تناولت القرآن بالدرس من خلال القرآن نفسه من أجل معرفة مقاصده بالرجوع إلى القرآن نفسه واستنطاقه[58].
تقوم الدراسات الغربيّة عامّةً ومن ضمنها الدراسات الألمانيّة على جملة من السمات هي بالأحرى جزءٌ من مشروع الحداثة الغربيّة وهيمنة الخطاب المادي على الفلسفة والفكر الغربيين، وقد تمظهر هذا في نقد الخطاب الديني وظهور منهجيّاتٍ غربيّةٍ في دراسة التوراة والإنجيل والحفريات في تاريخيّة كلٍّ منهما، من ضمن صراع بين الكنيسة والدولة، يضاف إلى هذا أن الاستشراق كان له غاياتٌ سياسيّةٌ واقتصاديّةٌ في علاقته بالشرق عامةً والإسلام خاصة. وفي دراسة الإسلام لا بد أن يأتي القرآن في المقدمة، لهذا نجد أغلب الدراسات الغربيّة قد تناولت القرآن بالدراسة وقد ركّزت على: «تعريف القرآن، شكل القرآن، السور القرآنيّة ومضمونه عناصر السور والكلمات، ومحتويات القرآن، الموضوعات وسياق نزولها، الإنسان في القرآن مثل الحريّة، القتال، أصول القرآن جمع القرآن، ترتيب السور والآيات، القراءات، التفسير ومناهجه، الترجمات»[59]. لكن هذه الرؤيّة في تناول القرآن هي تختلف إلى حدٍّ كبيرٍ عما هو موجودٌ في القراءات الإسلاميّة التراثيّة، فإن القراءة الغربيّة لها منطلقاتٌ ومناهجُ هي وليدةُ خطابٍ سياسيٍّ وثقافيٍّ غربيٍّ، كما قلنا له أحكامٌ مسبقةٌ ضد أيِّ اهتمامٍ بالجوانب الميتافيزيقيّة، وهي وليدةٌ للنزعة الماديّة في أوروبا، وللعداء المستفحل في المجتمع العلمي الأوروبي مع الكنيسة والذي تمدّد صوب الإسلام[60].
وقد قَدمت توصيفاتٍ للقرآن من خلال حوارٍ لها تحدثت فيه عن سمات الخطاب القرآني وقد حصرتها في الآتي:
1- لا يوجد في القرآن فهمٌ خاصٌّ لمفهوم الشعب المختار كما لدى اليهود. الصوت القرآني يرفض اختياراً كهذا، فبدلاً من بعضٍ مختارٍ يأتي جميع البشر. كما يتم رفض مفهوم اختيار الله للمسيحيين، الذي حلَّ عند هؤلاء محل مفهوم اختيار الله لليهود. لا أحدَ مُختار بل هناك فقط أناسٌ يحتذون بالمُثُل العليا، لا يمكنهم الاستناد على أيٍّ من امتيازات الاختيار (هذا يعني، لا يتم الاستناد كما لدى اليهود إلى إبراهيم أو كما لدى المسيحيين إلى المسيح). هذه الاستنادات لا تنفع أمام الله أبدًا، بل كلُّ إنسانٍ مسؤولٌ وحده عن أعماله وسوف يحاسبه الله عليها[61]، أي أن القرآن يعارض مفهوم شعب الله المختار أو بمعنى أصح ينتقد فكرة احتكار تاريخ النجاة والخلاص من قبل اليهود والمسيحيين .
2- ثم إنها ترى أنَّ بإمكان كلِّ إنسانٍ إقامة علاقةٍ فرديّةٍ بالله من دون أنْ يكون هناك جهةٌ وسيطةٌ، «نعم، يمكن قول هذا، مع أنَّ القرآن بحدِّ ذاته ومن وجهة نظرٍ معينةٍ هو جهةٌ وسيطة أيضًا -أي باعتباره وسيطًا يستطيع المرء من خلاله بلوغ هذه الحالة بسهولةٍ، فمن خلال أداء المؤمن لطقوس الفروض، وخصوصًا من خلال الصلاة، ومن خلال تلاوة القرآن، يملك المرء مدخلًا غير متاحٍ للآخرين. بيد أنَّ هذا المدخل شعائريٌّ-لفظيٌّ، ولا يقوم على امتيازٍ يرجع إلى شخصٍ أو إلى سلفٍ أو إلى شخصيّةِ مُخَلِّصٍ»[62]، وهي هنا تظهر الرؤية البروتستانيّة التي ترى أن النص يمكن أن يكون هو الصلة بين الله والبشر من دون وساطةٍ.
3- أما عن إمكانيّة الإحاطة لغير المسلم بالقرآن، ترى أن «هذه نقطة انطلاقٍ غيرُ مواتيةٍ أبدًا إنْ لم يكُن مطّلعًا على الكتب المقدّسة الأخرى. للأسف لم تعُد عمومًا لدى القارئ المعرفة التي كان يملكها من استمعوا إلى النبي. فهؤلاء كانوا مثقفين، وكانت لديهم درايَةٌ بمعارف الإنجيل ومعارف زمنهم الفلسفيّة التي لا نملكها اليوم، أما المسلم الذي يريد أن يطلع على القرآن فترى هذا يتحقق من خلال»[63]، ما يقرأه ببساطةٍ من تفاسير القرآن، فهي تشمل خبرات المجتمع المسلم بالقرآن، وهي مفيدةٌ على أيِّ حالٍ- حتّى وإنْ كانت نابعة من زمن ليس زمننا وكان ما يقرأه المرء فيها يدعو للحيرة أحيانًا». فهي تنظر إلى الأمر من زاويةٍ تاريخيّةٍ فلكلِّ زمانٍ معارفهُ وتحاول إسقاط هذا على الإسلام.
4- أما في النظرة إلى الآخر بين الاسلام والغرب فترى «أنهم يفعلون ذلك في الواقع، أكان ذلك في الشرق، إذ الوعي التقليدي الإسلامي بذاته ينطلق من أنَّ الإسلام يختلف منذ بداياته بشكلٍ جوهريٍّ عن الثقافة المحيطة، وأنَّه جاء بشيءٍ جديدٍ تمامًا إلى العالم، بينما قبله كان عصر الجاهليّة – حقبة لا تحظى بتقديرٍ كبيرٍ ولا ينبغي للمرء بالضرورة أن يحيط بها علمًا .وفي الغرب يُعتقد أنَّ الإسلام هو الآخر المختلف تمامًا، أي أنه أمرٌ لا ينتمي إلى الثقافة الأوروبيّة. إنها تحديداتٌ قديمةٌ جدّاً للغيريّة لا تصمد أمام الحقائق التاريخيّة، إلا أنها قد تحددت على هذا النحو، بسبب تبدُّل النفوذ أو تغيُّر موازين القوى في مراحل سابقة». أي أنها ترى لكلٍّ منهما تمركُزاً حول نفسه ونفياً للآخر، بمعنى أن القراءات الاسلاميّة تتمركز حول الاسلام وتنفي الجاهليّة والغرب معاً، والأمر نفسه في الثقافة المسيحيّة فهي تنفي الاسلام، في حين تؤكد الباحثة على أنّ هناك صلاتٍ عميقةً بين الإسلام والجاهليّة وبين الإسلام والمسيحيّة، وهي تعتمد على جانب التناصِّ بين الثقافات الأخرى والنص سواءاً أكانت جاهليّةً أم غربيّةً مسيحيّةً.
5- وفي محل إجابتها عن سؤال يناقش الرأي القائل بأنَّ الإسلام في حاجةٍ مُلِحَّةٍ للتنوير أو أنَّ العقل والعلم حتى يومنا هذا يقعان في موقعٍ مضادٍّ للإيمان يأتي جوابها: «الادعاء بأنَّ الإسلام يفتقر إلى التنوير ما هو إلا صيغةٌ نمطيّةٌ قديمةٌ جدّاً. إنَّ الفخر بالتنوير(في الغرب)، مع أنه اليوم قد خبا بعض الشيء، يدفع بشكلٍ متكرِّرٍ إلى نَسْب تقدم كبير للثقافة الغربيّة وأقل للإسلام. على الرغم من عدم وجود حركة عَلمَنة شاملة في التاريخ الإسلامي، إلا أنَّ وجود الجانبين الروحي والدنيوي في الإسلام بعضهما إلى جانب بعضٍ هو سبب ذلك. كما أنَّ اختلال موازين القوى السائد اليوم بين الشرق والغرب لم يكن دائمًا بهذه الجسامة على الإطلاق، إذ كانت حضارة العلوم الإسلاميّة لمدّةٍ طويلةٍ جدّاً متفوِّقةً على نظيرتها الغربيّة أو عمومًا على نظيراتها غير الإسلاميّة، ولم يكن هذا بسبب تقدّمها على غيرها على صعيد الوسائط فقط. صُنِع الورق في العالم الإسلامي منذ القرن الثامن الهجري على سبيل المثال. وهذا بدوره وفَّر إمكانيّة نشر كمٍّ هائلٍ من النصوص، الأمر الذي لم يكُن في ذلك الوقت قائمًا في الغرب قَطّ. وبالتأكيد كان عدد النصوص العربيّة يفوق عدد المخطوطات التي كانت متداولة في الغرب بأكثرَ من مائةِ مرّةً، إذ كان الغرب حتى القرن الخامس عشر الميلادي يعتمد في الكتابة على الورق الذي كان باهظ الثمن ويصعب الحصول عليه.»
6- عن سؤال ما هي صورة المرأة والإنسان في القرآن؟ يأتي جوابها أنّ «القرآن بطبيعة الحال ليس مرجعًا للسلوك الاجتماعي. تنطلق اليوم أوساطٌ واسعةٌ من إمكانيّة العثور على كل معايير الإسلام في القرآن. بيد أنَّ هذا لم يكُن هدف القرآن. لقد توجّه القرآن باعتباره إبلاغاً إلى الذين كانوا يعتمدون على معايير أخرى، وكانوا على استعداد لوضع هذه المعايير موضع الشك والتساؤل. يُقدّم القرآن أطروحاتٍ حول معاييرَ مختلفةٍ...»
يبدو أنها تُفصّل بين القرآن والتأويلات الإسلامية اللاحقة فهي ترى أنّ «الكتابات التشريعيّة في الفترات اللاحقة لا تعكس ما هو موجود في القرآن. يتّضح هذا على وجه الخصوص في صورة المرأة، التي تختلف تمامًا في الكتابات التشريعيّة الإسلاميّة عما هي في القرآن -بحسب تأويلها طبعا وتؤكد على ذلك- إذ شكَّل القرآن هنا بالذات تقدُّمًا ثوريّاً، إذ ساوى المرأة أمام الله بالرجل، الأمر الذي لم يكُن له نظيرٌ في ذلك الوقت. فمحاسبة كلا الجنسين يوم القيامة مثلاً ستكون بالطريقة نفسها. ربما يبدو هذا الأمر من منظور يومنا الراهن عاديّاً، ولكن الأمر لم يكُن كذلك آنذاك .كانت المساواة بين المرأة والرجل في ذلك الوقت غيرَ واردةٍ بتاتاً بعدُ- وكانت لا تزال هناك نقاشاتٌ حتى عمّا إذا كانت المرأة تملك روحًا أصلاً. جرى الحكم على المرأة بشكلٍ متضاربٍ جدّاً وكانت منزلتها الحقوقيّة في كثير من المجتمعات سيئةً للغاية قبل الإسلام. كما وضع القرآن المرأة في أمورٍ دنيويّةٍ مهمّةٍ على المستوى نفسه مع الرجل، إذ تملك حقوقًا وتستطيع حتى أن ترِث، أي أنها ليست بأيِّ حالٍ من الأحوال فاقدة الاستقلاليّة ولا الوصايّة على نفسها». فهي تُقارب القرآن مقاربةً تاريخيّةً، فهو من جهةٍ متقدّمٌ على الديانات السابقة ومن جهةٍ ثانيةٍ يختلف عن التأويلات الإسلاميّة اللاحقة[64].

ملاحظات:
أوّلاً- المقاربة التاريخيّة في قراءة النص المقدس عند نويفيرت:
نجد أن مقاربة نويفيرت في دراسة التراث الإسلامي وخصوصاً القرآن تنطلق من قواعدَ حداثةٍ وخصوصاً المتن التاريخي الذي تمثله التاريخيّة التي لها قواعدها في النظر إلى التاريخ وخصوصاً الديني، فهذه المدرسة تتجاوز التاريخ بوصفه علماً يبحث في الوقائع والحوادث الماضية إلى رؤية فلسفيّة وإحالةٍ في التفسير، إلى تقديم تفسيرٍ مرتهنٍ إلى خطابها الأيديولوجي، لأنّها تبقى مذهباً فكريّاً له مسبقاته الإيديولوجيّة في التحليل والتشخيص والنقد؛ فهي تقدم تفسيراً وليداً في فضاء الحداثة يرى أن تفسير الأحداث المرتبطة بإنسان مرتهنٍ إلى الشروط التأريخيّة، وبالآتي يتم استبعاد ماهو خارج هذه الشروط كالغيب مثلاً، لأنها ترى أن التاريخ يكفي نفسه بنفسه وبالآتي فهو مستغنٍ عن أيِّ مبدأٍ آخر خارج هذه القاعدة، لأن التاريخانيّة ليست مجرّد منهجٍ بل هي مذهبٌ يرى أنّ كلّ حقيقةٍ مرتهنةٌ إلى الشروط التاريخيّة؛ وهذا التفسير يعتمد على فهم السياق التاريخي للواقعة، وعدم اقتطاع الحدث من المنظومة التي ينتمي إليها إلى منظومةٍ أخرى وإدراج الوقائع والأحداث في رؤيةٍ شاملةٍ تفسّر ولا تفرض. انطلاقاً من هذه القاعدة يتم إنكار الغيب، لأنّه خارج السياق التاريخي للواقعة. من ضمن هذه الرؤية كان يقع فهم نويفيرت لبعض المفاهيم الإسلاميّة وعلى منهجها التاريخي النقدي وخصوصاً على فهمها «للظاهرة الدينيّة» وخصوصاً القرآن الكريم، فهذا المنهج ظهر في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين وانتشرا في مجال التأويل الديني، فهو يهدف إلى ربط النصوص الدينيّة بسياقها التاريخي وهو يُعد من أهم المناهج المعتمدة حتى يومنا هذا في التأويل الديني المسيحي. وهي منهجيّةٌ تاريخيّةٌ لأنها ترى أنّ لكلٍ نصٍّ كيفما كان تاريخاً. «فلا وجود لحقيقةٍ دينيّةٍ (خالصةٍ)، خارجَ التاريخ، وإنما يجري التعبير عن التجربة الدينيّة ويجري نقلها إلى الآخرين ضمن سياقٍ تاريخيٍّ مخصوصٍ»[65]، وهي نقديّة لأنّها تقول بوجود معاييرَ عامّةٍ للبحث العلمي في تاريخ تكوّن النصوص، وهي تمثِّل قطيعةً مع طريقة التعامل مع النص الديني في القرون الوسطى. وبالآتي فإنّ القطيعة في الفكر ظهرت نتائجها في الاستشراق الكلاسيكي وهو يفسر القرآن في إطار التوالد من البيئة الثقافيّة آنذاك فإنما ينطلق من نزوعه المادي ونفيه للبعد الإلهي لخصوص القرآن. ومع التحولات الفكريّة جاءت التاريخانيّة الجديدة، فهي تشترك مع القديمة في جانبٍ مهمٍّ ألا وهو أن الأدب يُعَدُّ جزءًا من السياق التاريخي العام للمجتمع.
إلا أن الاختلاف يكمن في موقف الأخيرة بأن الخطاب ما هو إلا وسيلةٌ لقوّةٍ تتبناه جماعةٌ تتمتع بأهدافٍ ومصالحَ مشتركةٍ وتمثِّل نسيجاً اجتماعيًّا وثقافيًّا متميزاً داخل المجتمع الإنساني في لحظةٍ تاريخيّةٍ محدّدةٍ. وهذه القوة الاجتماعيّة هي التي منحت الخطاب قوته وتماسكه. ولعل هذا ما سوف نجده عند النظر إلى مقاربة نويفيرت للمجتمع الإسلامي في زمن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، لأن التاريخانيّة الجديدة كما تجلّت في فهم ميشيل فوكو وتوصيفه للخطاب بوصفه المرجعيّة المعرفيّة الرئيسة التي تقوم بتنظيمالممارسات الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وترتيبها لمجتمعٍ معينٍ داخل حقبةٍ تاريخيّةٍ محدّدةٍ. لكنه أكّد على أن الأمر ليس مرتبطاً بوجود حقيقةٍ موضوعيّةٍ بل الأمر يرتبط بالخطاب نفسه وما يتمتع به داخل الفضاء الاجتماعي والثقافي[66]. وبالآتي تغدو كلُّ حقبةٍ في تاريخ الثقافة الإنسانيّة منتجةً لمنظومتها القيميّة والمعياريّة والمفاهيميّة الخاصة، التي تحدِّد جميع الممارسات والفعاليات داخل ذلك المجتمع. ويتم على أساس ذلك الخطاب تقويم ما هو مقبولٌ اجتماعيًّا وما هو غيرُ مقبولٍ داخل تلك الحقبة الاجتماعيّة التاريخيّة[67]؛ لكن هذا التأويل يبقى داخل الأرضيّة نفسها التي نسجتها حقبة الحداثة وما بعدها باعتمادها على الرؤية العدميّة، فهي تهدف إلى الإمساك بأصله وتتعامل مع النصوص المقدسة شأن تعاملها مع أيِّ نصٍّ آخرَ. وبلغةٍ أخرى إنها تنزع القداسة عن النصوص الدينيّة كما فعلت مع المسيحيّة واليهوديّة[68].
من النقود لهذه التاريخيّة قول مرتشيا ألياده: «كان هذا الجوُّ جوّاً صارت فيه الكليشية الرائجة (Fashionable) تحمل اسم التاريخ لا الطبيعة. كما إن اكتشاف أن التاريخ أمرٌ لا مفرَّ منه، وأنّ الإنسان كان دائماً كائناً تاريخيّاً، ليس بحد ذاته تجربةً سلبيّةً أو مجديةً. فهذا الأمر البديهي سرعان ما أتاح المجال أمام سلسلةٍ من الأيديوجيات والفلسفات النسبيّة والتاريخانيّة»[69]. كانت تلك هي المرجعيّة التاريخانيّة النقديّة التي كانت حاضرةً في قراءة القرآن عند نويفيرت فهي «تمارس نوعاً من «هيرمينوطيقا الأصل» إذا صح هذا التعبير، وهي تُغفل على الرغم من تاريخيّتها حركة التاريخ وحركيّة النص، لأن النص المقدس لا يُختزل في أصلٍ ثقافيٍّ وتاريخيٍّ معيّنٍ، بل هو نصٌّ متحولٌ ومتحركٌ باستمرار، وليس له تاريخُ نشوءٍ، لأنه لا يتوقف عن إنتاج المعنى بل عن تجاوز نفسه باستمرارٍ أو عن إنتاج نفسه»[70]. إلا أن التفسير يحاول البقاء من ضمن حدود ممكناته التاريخيّة التي هي وليدة فضاءٍ معرفيٍّ وضعيٍّ ينفي ما هو خارج حدود التجربة والتاريخ وهو مرتبطٌ بموقفٍ إلحاديٍّ. على الرغم من أنّ التاريخيّة الجديدة تؤكد على انفتاح النص من خلال تأكيدها على أن النصّ الأدبي ليس كياناً جماليًّا مستقلّاً عن الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة .والأمر الآخر هو أن «معنى النص» ليس ثابتاً بل يتغير بتغيُّر ظروف التلقي. لكن كيف نفهم النص من دون فهم الفضاء المتداول للنص فالقرآن مرتبطٌ بالفضاء الإسلامي، إلا أن القراءة الاستشراقيّة على الرغم من تأكيدها على القراءات المتنوِّعة للقرآن في الإسلام إلا أنها ترفض التاريخ الإسلامي وتنتقد حقبة التدوين وتكتفي بالمرجعيّات الاستشراقيّة على الرغم من الأخطاء التي سقطت بها تلك المرجعيات كالفيلولوجي التاريخاني ثيودور نودلكه في كتابه «تاريخ القرآن»، ومقالة ألفورد ولش «القرآن» في الموسوعة الإسلاميّة، ومقدمة بال وواط للقرآن، وكتاب آرثر جفري «القرآن ككتابٍ مقدسٍ»، التي عرضنا لها في الصفحات السابقة وكيف تم استثمار القراءة التاريخيّة التي قدمت في دراسة التوراة والإنجيل ومحاولة تطبيقها على القرآن الذي تم تحديده من ضمن أفقٍ تاريخيٍّ وثقافيٍّ محدّدٍ وعزله عن أفقه الاسلامي. على الرغم من كل هذا تحاول التأكيد على الاستنارة بالإسلام عبر تصريح أنجليكا نوينفيرت الذي ذكرت فيه أن «إدِّعاءَ افتقار الإسلام إلى التنوير، كليشيهٌ غربيٌّ قديمٌ»[71].
أي إنّها تحاول تقديم قراءةٍ علمانيّةٍ للإسلام كما جاءت في تأويلاتها ومشروعها «موسوعة القرآن»، وهوالهدف نفسه الذي عبّر عنه هابرماس ضمن كتاب «قوة الدين في المجال العام»، والذي طالب فيه المتدينين بترجمة الإمكانات الدلاليّة القادمة من التقاليد الدينيّة إلى لغةٍ علمانيّةٍ وإلى لغةٍ متاحةٍ للجميع[72].

القراءة القائمة على أنسنة النص
1- التناصّات مع التراث التوراتي والإنجيلي:
التناصّ: مفهومٌ معاصرٌ يخلف مفهوم التأثير الذي كان قائماً على المنهج الاستشراقي القائل أنّ القديم أصلٌ والحديث متأثرٌ به، فالفلسفة الإسلاميّة على وفق هذا المنهج هي أثرٌ يونانيٌّ بحروفٍ عربيّةٍ، وهكذا مع النص القرآني الكريم، قيل أنه متأثرٌ بالتوراة والإنجيل والتناصّ على وفق المنهج المعاصر إذ يُعرَّف مفهومُ التناص (Intertextuality) بأنّه وجودُ تشابهٍ بين نصٍّ وآخرَ أو بين عدّةِ نصوصٍ، وهو مصطلحٌ صاغته جوليا كريستيفا 1941 للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نصٍّ معيّنٍ ونصوصٍ أخرى، وهي لا تعني تأثيرَ نصٍّ في آخرَ أو تتّبع المصادر التي استقى منها نصٌّ تضميناته من نصوصٍ سابقةٍ، بل تعني تفاعلَ أنظمةٍ أسلوبيّةٍ. وتشمل العلاقات التناصيّة إعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة».
لهذا قالت أنجليكا بالمصادر المتعدّدة للقرآن، وهي مقولةٌ استشراقيّةٌ تهدفإلى تفكيك أسس الإسلام، لإظهار «أن التكوين الإسلامي ما كان أكثر قليلًا مثلًا من هرطقةٍ مسيحيّةٍ، أو فرعٍ يهوديٍّ منحرفٍ بإيحاءاتٍ عربيّةٍ، أو أيِّ شيءٍ آخرَ، ولكن على أيِّ حالٍ نظرتهم نظرةٌ بائسةٌ»[73].
وهذه النظرة التي نجدها تقوم على توظيف مفهوم التناصّ بوضوحٍ في مقولات أنجليكا نويفيرت التي لا تعترف بالمصدر الإلهي للقرآن، وتنبني نظريتها التأويليّة للقرآن على بشريّة القرآن وسائر الكتب المقدسة. بالتأكيد إن هذا التأويل غيرُ منزهٍ عن الإحكام المسبقة والمضمون الإيديولوجي، فالتاريخيّة تؤكّد هذا: «بأن مؤلف النص ليس كائناً مستقلّاً موضوعيًّا مفرغاً من الدافعيّة والإيديولوجيا». فهذه الموضوعيّة تبدو خاضعةً إلى غاياتٍ متنوعةٍ وأرضيّةٍ معرفيّةٍ وتصوّراتٍ إيديولوجيّةٍ، جعلت التاريخيّة تعتبر كلَّ النصوص سواءً ولا تعطي صفة التفوّق للنصوص الأدبيّة الإبداعيّة، فكتابات المحامين والصحف اليوميّة والأطبّاء والأدب الشعبي كلها تشكِّل جزءاً من سياقٍ تاريخيٍّ واحدٍ خاضعٍ لسلطة الخطاب الاجتماعي والسياسي والديني نفسه. على وفق هذه الرؤيّة لا تغدو هناك سمةٌ تميز النصّ المقدّس عن غيره من النصوص وهذا يظهر واضحاً في أنسنة النص وجعله يبدو نصّاً بشريّاً محكوماً بسياقٍ ثقافيٍّ لا يمكن أن يُتعالى عليه ما يجعل منه وثيقةً تاريخيّةً مثلما تفعل بعض مدارس تاريخ الأدب، إذْ إن السياق لا يؤثر فقط في طبيعة المضمون، وإنّما يحدّد بشكلٍ حاسمٍ البنية الشكليّة للنص الأدبي، ونمط التشكُّل اللغوي والدلالي، وآليّات القراءة والتأويل.
أصل هذه الرؤية نجدها في ما يدّعي المستشرقون من أن النبي(صلى الله وعليه وآله وسلم) تأثّر بالبيئة والوسط الثقافي الذي كان يعيش فيه، وأنّ هذه البيئة قد تركت بصماتها في القرآن المنسوب للنبي، وزعم بعضهم أن القرآن ما هو إلا اقتباساتٌ من التوراة والإنجيل، ومنهم من زعم تضمُّن القرآن للأساطير الوثنيّة، وتضيف أنجليكا إلى من سبقها من المستشرقين كنودلكه -الذي تُمثّل هي امتدادًا له- قولها أن النص القرآني نصٌّ حواريٌّ تواصليٌّ بين «نبيٍّ قائلٍ كريزمائيٍّ والمتلقي جمهوره المؤمن»، وليس نصًّا أحادي الصوت كما يرى نودلكه أي صوت محمّد فقط، بل حوى أصواتًا متعددة عبَّرت عن الجماعة والتاريخ والثقافات المختلفة في ذلك العصر.
إلا أن الفرق بين تلك الكتب والقرآن نجده لدى المستشرق «موريس بوكاي» الذي انتهى في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) إلا أن التوراة هي عبارةٌ عن أعمالٍ أدبيّةٍ كُتبت على أمد مدّةٍ زمنيّةٍ تقارب تسعة قرونٍ بأيدي كُتَّاب متعدّدين ما أدى لتغير مضامينها، وتشبيهها بفسيفساء تفتقد الانسجام، وأما الأناجيل الأربعة فهي برأيه كتابات أشخاصٍ لم يعاصروا المسيح ولم يشاهدوا أفعاله، وكُتب بعضها بعد زمنٍ طويلٍ من وفاة المسيح، فظهرت في تلك الكتابات تناقضاتٌ بحسب ميول كلِّ كاتبٍ، بخلاف الوحي القرآني الذي نزل على أمد عشرين عامًا وتم تسجيله وكتابته في أثناء حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتم تدقيقه من قبل عثمان رضي الله عنه ما يجعل للقرآن أصالةً بين الكتب السماويّة الأخرى[74].

2- أنسنة النص أو بشريّته
إن الاختلافات بين القرآن والكريم والنصوص المتبقيّة التي أشار إليها موريس بوكاي، لا يعترف بها المستشرقون الذين يقولون ببشريّة النص القرآني، فنفي المصدر الإلهي للقرآن ونسبته للرسولP مقولةٌ استشراقيّةٌ شهيرةٌ، نجدها واضحةً لدى كلٍّ من القس آرثر جيفري وكذا نولدكه شيخ المستشرقين الألمان الذي تصفه المستشرقة أنجليكا وينفيرت بـ«حجر كنيستنا»، والذي يرى أن النص القرآني وضعه وطوَّره محمّد P، وهذا ما قالت به أنجليكا وينفيرت زاعمةً أن القرآن الكريم مثله مثل العهدين (التوراة والإنجيل) «كلامٌ نبويٌّ».

3- التعامل مع النص المقدّس من خلال التحليل الأدبي
هذه الرؤية التي تنتمي إلى النقطة الثانية نفسها أي أنسنه النص وهي مقولةٌ ارتبطت بعصر النهضة وتوسّعت مع الحداثة والمناهج التاريخانيّة التي تعتمد على القراءة الأدبيّة التي تعمد إلى التسوية بين النص القرآني والنص الأدبي.
 هذه الرؤية ليست بجديدةِ عهدٍ بالفكر العربي، فقد قدّمها طه حسين في كتابه «في الشعر الجاهلي» موظِّفًا فيها المنهج التاريخي، وقال بها من بعده الشيخ أمين الخولي وتلميذه محمّد أحمد خلف الله وآخرون.
فالتحليل الأدبي يتناول جوانب التناصات مع الأسطورة بالرجوع إلى «نورثروب فراي» الذي يعلّمنا أنّ البُنى الميثيّة الأسطوريّة تستمر بإعطاء شكل الاستعارات والبلاغة لأنواعٍ متأخرةٍ من البُنى «نجد هذا واضحاً في معالجة ويفيرت باصطلاحها «إزاحة الأسطرة بامتيازٍ» وهي مقولةٌ تحيلنا إلى معنى أنّ الحداثة جاءت بوصفها خطاباً فلسفيّاً محطِّماً «الأصنام» وهو الذي تسرّب إلى التاريخ بغاية أن ينحت تدريجيّاً هذه الظاهرة التي أجمع المفكّرون على تسميتها بـ»إزالة الصبغة السحريّة عن العالم»[75].
فهذا المنهج في التحليل للنص المقدس يستبعد الإعجاز الغيبي للقرآن ويجعله مجرد صدىً للكتب المقدّسة والأساطير الوثنيّة، فما الجديد الذي جاء به القرآن؟ وما قيمة تصحيح القرآن للعقائد الباطلة المبنيّة على رواياتٍ باطلةٍ للإنجيل، وما جاء به من حقائقَ مخالفةٍ للكتب الأخرى.
فهذا الجهد الاستشراقي في النظر إلى القرآن يكشف المسكوت عنه المستشرق بلانشو، بقوله: «في بحثٍ كهذا ليس مهمّاً أن نستخدم قواميس اللغة الساميّة وغير الساميّة فحسب، إنما من المهم أيضًا أن نعترف بالتراث الشعائري والأدبي المشترك والذي بدا لنا أن القرآن يستحضره في الصلوات والترانيم والقصص».

4- محاربة ونفي مفهوم التدوين والتاريخ الاسلامي المدوّن
إنّها ترفض مرحلة ما بعد التدوين وتعدها ثابتةً جامدةً، أي إنها تعتمد على الجانب العمودي في التحليل أي ما هو شفاهيّ يقوم على التلاوة، وتهمل ما هو أفقيٌّ ثابتٌأيْ مكتوبٌ، وهذا كلامٌ غيرُ موضوعيٍّ ويتعارض مع الخطاب العلمي وتعامله مع المدون، لأنّه وثيقةٌ مغلقةٌ وهذا كلامٌ راديكاليٌّ، فكل التاريخ المدوّن هو عبارةٌ عن حوارٍ وقراءةٍ مستمرةٍ للقرآن وتوظيفٍ لمناهجَ متنوّعةٍ في هذا السبيل.
وجهة النظر هذه هي التي دافع عنها واط(Watt) وبيل (Bell)، فقد دعا كلُّ منهما منذ 1970م إلى «ترك تفسيرات المعلقين المسلمين المتأخرين جانباً، باعتبار أنها تعرضت لتأثير التطور التيولوجي بعد موت النبي، والعمل على فهم كل مقطعٍ بالمعنى الذي عرضته بالنسبة إلى مستمعيها الأوائل[76]. لكنّ الحجة في نفي عصر التدوين هي أن القرآن تحوّل بعد وفاة النبيP إلى (نصٍّ مونولوغيٍّ) كما تكتب نويفيرت. وهذا الكلام يُقصي منتجاً حضاريّاً كبيراً له أثره العميق في حياة المسلمين»، ومع ذلك فإن تأكيد نويفيرت وتحليلها للبعد الحواري للنص القرآني يؤكّد بما لا يدعو إلى الشك أننا أمام كتابٍ مفتوحٍ وحركيٍّ وأنّ الحوار هو لغة وبنيةُ القرآن»[77].
في الوقت الذي عزلت النص عن محيطة التداولي بنفيها عصر التدوين، نجدها تربط النص بالتراث الغربي المسيحي اليهودي وهذا ما جاء في إجابتها عن السؤال:ما هي النصيحة التي تقدمينها لشخصٍ لم يطّلع حتى الآن على الدين الإسلامي ويود الانشغال بالقرآن للمرة الأولى؟ إذْ قالت: «هذه نقطة انطلاقٍ غيرُ مواتيةٍ أبدًا إن لم يكن مطّلعًا على الكتب المقدّسة الأخرى، للأسف لم تعد عمومًا لدى القارئ المعرفة التي كان يملكها من استمعوا إلى النبي، فهؤلاء كانوا مثقفين، وكانت لديهم دراية بمعارف الإنجيل ومعارف زمنهم الفلسفيّة التي لا نملكها اليوم».

5- إحياء الأرشيف الضائع (القراءة النقديّة للنص)
إذا تطرقنا إلى القراءة النقديّة للقرآن نجد في موسوعة القرآن وفي تصريحات المشرفة ومؤلفاتها وحواراتها. أنّه على المستوى العملي تتبنى أنجليكا مشروع «الأرشيف الضائع» الذي يحاول اكتشاف النسخ الأخرى للقرآن، بحثًا عن أدلّةٍ تثبت أن القرآن نصٌّ يعود إلى أصلٍ غيرِ إلهيٍّ أو أصلٍ غيرِ مفارقٍ وقابلٍ للتغيير، وذلك لإعطاء القرآن القيمة التاريخيّة التي أعطيت للتوراة.

الخاتمة
- تنوّعت الآراء في هذا الجهد العلمي، فقد نظرت إليه النظريّة النقديّة لما بعد الكونياليّة متمثلةً بإدوارد سعيد بحيث إن تعريف سعيد للاستشراق لا يترك مجالاً لاستكشاف الحالة الألمانيّة، ما أدى إلى بقائها غيرَ مستكشفةٍ فضلاً عن عدم نيلها حظها من التنظير حتى وقتٍ قريب.
- في وقتٍ كان رضوان السيد صاحب موقفٍ مختلفٍ منجهود الألمان في هذا الحقل، وخصوصاً في إشارته إلى جهودهم في حفظ المخطوطات العربيّة، إلا أنّه بالنتيجة كان يرى أنّها لم تعد مؤثرةً بفعل اندثار المنهجيّة الفيلولوجيّة في دراسة التاريخ..
-نجد أن أثر الاستشراق حاضرٌ بقوّةٍ في أكثرَ من مكان في الخطاب السياسي وتوظيفه للأحداث الأخيرة في توصيف الذات كدولةٍ ديمقراطيّةٍ والآخر كدولةٍ ارهابيّةٍ، لأن ميكانزمات الاستشراق التقليديّة ما زالت كامنةٌ في العقل الباطني الغربي.
- هذا من ناحية الكل لو استعرضنا العلاقة العموديّة، أي لو بحثنا عن جدليّة العلاقة بين المعرفة والسلطة نجد أنّ علاقة الدولة الألمانيّة بالاستشراق متذبذبةٌ، ما قبل الوحدة الألمانيّة والقيصريّة كان الاهتمام شبهَ معدومٍ. ومن ثَمَّ من خلال العلاقة الاستراتيجيّة بين الدولة القيصريّة والدولة العثمانيّة عشيّة الحرب العالميّة الأولى، ازدهر الاستشراق في الأكاديميا الألمانيّة. وأثناء حكم الدولة النازيّة، عاد مبحث الاستشراق للظل.
- وأهم ما تُعنى به (الفيلولوجيا) هو تحقيق النصوص وفك رموز النقوش وإعدادها للنشر العلمي. لذلك لم تتعد هذه الدراسة حدود العمل التمهيدي اللازم لدراسة اللغة. لكن الأمر لم يخل من خلطٍ في المصطلحات، إذ اُستُعمل مصطلح (الفيلولوجيا) مرادفاً لعلم اللغة أو اللسانيات.
- هذا العلم أو المنهج يطرح «مشكلةً على مستوى التعريف، فاختلاف تعاريفه ناشئٌ من اختلاف معرفتهلدى الباحثين من حيث اختصاصاتهم العلميّة واختلاف نظرتهم إلى هذا العلم، فالمهتم بتاريخ الحضارة سيعطيه تعريفاً قريباً من تخصصه، وكذلك اللغوي واللساني وغيرهم. وهذه التعاريف تبدو مختلفةً وغيرَ متجانسةٍ حتى التناقض أحياناً، فالجمع بينها ممكنٌ إذا ما نظرنا إليها في إطارٍ تكامليٍّ، إذ يُعَدَّ بعضَها خطوةً أوليّةً موصِلةً للآخر.
-أما الدراسات الجديدة في هذا المجال فتحاول أن تميّز نفسها عن المنهج الفيلولوجي وتعتقد بقصوره وقد تم تجاوزه منهجيّاً ومعرفيّاً، ولكن علم اللغة وعلم الفيلولوجيا مترابطان، إذ لا يستغني علم اللغة عن الفيلولوجيا، لأن مصادر علم اللغة النصوص اللغويّة، كما لا يستطيع علم الفيلولوجيا الاستغناء عن منجزات علم اللغة، لأن هذا العلم هو الذي يقوم بدراسة النصوص وتحليلها، إذاً فالعلاقة بين العلمين علاقة وثيقة.
- الواقع أن الفيولوجيا مكّنت الاستشراق من اصطناع الشرق لا رؤيته كما هو أنه شرقٌ نتج تبعاً لمنطقٍ مفصلٍ، ‏ليس محكوماً ببساطة الواقع التجريبي، بل بمجموعةٍ من الرغبات والمقموعات والإسقاطات.
- في البحث عن المنهج الاستشراقي الألماني، أكّد مؤرخو تاريخ الأفكار على استقلال الاستشراق الألماني كمبحثٍ أكاديميٍّ عن الفيلولوجيا واللاهوت مع أنه ظل يستعمل الفيلولوجيا كأداةٍ تحليليّةٍ، لكن هذا الاستقلال أخذ طابعًا وظيفيًّا فقط. أي استقلَّ كحقلٍ دراسيٍّ، لا بالضرورة معرفيًّا. إلا أن الألمان تميزوا بالانشغال بالنص القرآني ما ميّز جهود المستشرقين الألمان عن باقي جهود المستشرقين الآخرين.
-تقويم الدراسات الغربيّة عامّةً والألمانيّة من ضمنها هوأنها كانت قد اتّسمت بجملةٍ من السمات هي بالأحرى جزءٌ من مشروع الحداثة الغربيّة وهيمنة الخطاب المادي على الفلسفة والفكر الغربيين وقد تمظهر هذا في نقد الخطاب الديني وظهور منهجيّاتٍ غربيّةٍ في دراسة التوراة والإنجيل والحفريات في تاريخيّة كلٍّ منهما.
-لكنّ هذه الرؤية في تناول القرآن مختلفةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ عما هو موجودٌ في القراءات الإسلاميّة التراثيّة، فالقراءة الغربيّة لها منطلقاتٌ ومناهجُ مختلفةٌ تماماً، لأنها وليدةُ خطابٍ سياسيٍّ وثقافيٍّ غربيٍّ، كما قلنا، له أحكامه المسبقة من أيِّ اهتمام اتجاه الجوانب الميتافيزيقيّة، وهي وليدةٌ للنزعة الماديّة في أوروبا، وللعداء المستفحل في المجتمع العلمي الأوروبي مع الكنيسة والذي تمدد صوب الإسلام.
-تكثّف هذا التأصيل بشكلٍ يتجاوز المنهج الاستشراقي إلى توظيف بُعدٍ لسانيٍّ بنيويٍّ ينظر إلى النصّ القرآني بوصفه نصّاً وليداً للحوار المعرفي الذي دار في المنطقة لهذا تكثفت مقولتها. «القرآن نص يشترك فيه الأوروبي غير المسلم والمسلم»، فهنالك مجالان لهذا الحوار: الأول، داخل الجماعة الإسلاميّة أي من خلال الحوار بين النبي P والمؤمنين، فهذا الحوار أنتج النص الذي هو وليد الإشكالات والرهانات التي كانت تشغلهم في ذلك الوقت والتي اتّسمت بالشفويّة عبر الحوار والكلام الذي كان يدور في أرجائه، والذي تحوّل إلى نصٍّ محفوظٍ ثم دُوِّن فيما بعد. والثاني في توصيفها وتحليلها إذ تؤكد على أن القرآن ليس فقط نصّاً إسلاميّاً، بل هو جزءٌ لا يتجزأ في رأيها من الثقافة القديمة المتأخرة والنقاش الذي كان محتدماً بين تياراتها المختلفة. فالنص القرآني على وفق هذه الرؤية هو نتاجٌ لثقافة العصور المتأخرة، كما أدّى هذا التوجُّه دوراً بارزاً في دراساتها المستمرة حتى اليوم، وبخاصةٍ مقالاتها المبسوطة في (موسوعة القرآن) التي أُنجزت في النصف الثاني من التسعينيّات .
-وكانت قراءتها تريد أن تردم هذه الفجوة في الدراسات الغربيّة حول الإسلام لهذا جاءت دراساتها على تنوعها تحاول دراسة القرآن دراسةً نسقيّةً على المستويين الأدبي والثيولوجي. لكن تبقى غايتها ليس شكل النص القرآني، ولكن سيرورة تشكُّله، أو تلك السابقة على تشكله، وبلغةٍ أخرى التبليغ الشفوي للقرآن لا النصّ المدوّن .
-فهذه الرؤية ترفض التعامل مع النص بوصفه نصّاً مقدّساً مفارقاً وتجد هذا يتعارض مع المعطى العلمي، وهذا التصوّر ما زال يكرّر الأطروحة الإلحاديّة التي كانت مهيمنةً في القرن التاسع عشر الأوروبي وروحه الوضعيّة، بموقفه السلبي من التدوين. وهنا يحق لكل مهتمٍّ أن يتساءل: هل ألغى فعل التدوين الحوار الإسلامي مع الثقافات الأخرى؟
-المنهج التاريخي-النقدي، الذي تعتمده نويفيرت في دراستها للقرآن، يعود القرنين الثامن والتاسع عشر وانتشر في مجال التأويل الديني ويهدف إلى ربط النصوص الدينيّة بسياقها التاريخي.

------------------------------------------------------
[1] محمّد الأمين بن محمّد المختار، مشروعٌ ألمانيٌّ للتوثيق القرآني تاريخ النشر: 26 Sep 2008، 09:54 .موقع ملتقى أهل التفسير.
[2]    تاريخ المخطوطات القرآنيّة القديمة بالكربون الـ 14، الندوة أقيمت في طهران في معهد الموسوعة الإسلاميّة، حملت عنوان: «تاريخ المخطوطات القرآنيّة القديمة بالكربون الـ 14» حضره الباحث الألماني «ميشائيل ماركس»، والكربون الـ 14 هو نظيرٌ مشعٌّ للكربون يوجد طبيعيًّا في المواد العضويّة، ويستخدم في تعيين عمر العيّنات القديمة والآثار التي قد يبلغ عمرها10.000عام أو أكثر.:
http://www.nourjadeed.org/PostDetails.aspx?i42322=0819f104-d231-11e5-9405-000d3a2002ac
[3]    أنجيليكا نويفيرت (ولدت عام 1943) وهي أستاذةٌ في الدراسات القرآنية من جامعة فراي في برلين بألمانيا. درست الدراسات الإسلاميّة والدراسات السامية والفلسفة الكلاسيكيّة في جامعات برلين وطهران وغوتنغن والقدس وميونيخ. هي أيضا مديرة مشروع البحث كوربوس كورانيكوم.بين عامي 1994 و 1999، كانت مديرة المعهد الألماني للدراسات الشرقية في بيروت وإسطنبول. تعمل حاليّاً كأستاذةٍ في جامعة فراي في برلين وكأستاذٍ زائرٍ في الجامعة الأردنية في عمان، وتركّز أبحاثها على القرآن وتفسيراته والأدب العربي الحديث في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، وخاصةً الشعر والنثر الفلسطينيّين المتعلقَيْن الصراع العربي الإسرائيلي. في عام 2011، تم تعيينها عضواً فخريّاً في الأكاديميّة الأمريكيّة للفنون والعلوم، وفي عام 2012 تم منحها الدكتوراه الفخريّة من قسم الدراسات الدينيّة بجامعة ييل. في يونيو 2013، منحت مجلة «دويتشه أكاديمي فور سبراشي أوند ديكتونغ» جائزة سيغموند فرويد لأبحاثها حول القرآن .انظر:
Neuwirth, Angelika (2007). «Orientalism in Oriental Studies? Qur’anic Studies as a Case in Point». Journal of Qur’anic Studies. 9 (21): 115–127.
[4]    سامر رشواني، مشروع الموسوعة القرآنيّة الألمانيّة: عرضٌ وتعريفٌ.
[5]    بعض سمات الاستشراق الكلاسيكي (كالميل إلى المادية، الفهم السطحي، أو المجانسة) استمرت بإمداد روايات الشرق المعاصر، لكنّ الكثير قد تغير؛ فاليوم يتكون الأنصار في معظمهم من مفكري المؤسسات البحثية، سياسيين، صحفيين، خبراء هوليوود، مبشرين مسيحيين، والبعض منهم في الأوساط الأكاديمية، وهم مشغولون بإنتاج معرفةٍ، لكن لديهم صورٌ مهيمنةٌ منها: وفي هذا الخيال الحالي للمستشرقين الجدد، الشرقيون المسلمون ليسوا فقط محاصرين في تقاليدَ قديمةٍ، وتاريخٍ متجمدٍ وتصرفٍ أو سلوكٍ غيرِ عقلانيٍّ، بل هم بعيدون عن كونهم غريبين أو حميدين، إنهم خطرون، هم تهديدات على القيم الثقافية، النزاهة (السلامة) الحضارية، والرفاهية المادية للغرب.انظر:آصف بيات، مقالات فى الاستشراق الجديد، https://www.noonpost.org
[6]    جينيفر جينكنز، الاستشراق الألماني: مدخل، ترجمة: غســـان نامق، موقع النور نشر في 2/ 7/ 2010.
[7]    نديم نجدي، أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر عند العرب، دار الفارابي ط1، بيروت، 2005، ص: 78-79 .
[8]    المستشرق الألماني نولدكه: تاريخ القرآن، دار النشر جورج ألمز، ط1، بيروت، 2004م.
[9]    عمر فارس، المستشرقون الألمان: حلقةٌ مفقودةٌ في نقد الاستشراق؟ موقع خبر، الأربعاء 28 كانون الأول 2016م
فهو يؤكد أن الخطاب الاستشراقي تم تجاوزه على صعيد المنهج والرؤية وأنّه لم يَعُدْ يُشكِّل حضوراً في الوعي الغربي عامةً والوعي الألماني، وهو يعتبر أيَّ رؤيةٍ نقديّةٍ هي بمثابة وعيٍ شقيٍّيفصل بين الواقع والوعي، وهي حالة تهيمن على الخطابات العربي الاسلاميّة وقد ورثتها عن الخطاب القومي انظر محاضرته:https://www.youtube.com/watch?v=Nv7iurCsYrs وانظر:رضوان السيد، المستشرقون الألمان، النشوء والتأثير والمصائر، دار المدار الاسلامي، ط2، بيروت، 2016، ص: 14.
[10]  رضوان السيد، المستشرقون الألمان، النشوء والتأثير والمصائر، ص: 14، وانظر تقييمه الدراسات العربيّة، ص 9-10 من مقدمة الكتاب.
[11] نديم نجدي، أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر عند العرب، ص: 26.
[12]  أحمد محمّد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفطر، دمشق .
[13]  هذا الخطأ أشار إليه المستشرق الإيطالي (غويدي) أشار إلى الفرق بين فقه اللغة والفيلولوجيا بقوله:(إن كلمة الفيلولوجيا تصعب ترجمتها إلى العربيّة، وهي لا تدل على مصطلح فقه اللغة فبينهما فروقٌ واختلافاتٌ). وعلى الرغم من هذا الفارق، إلا أنّ علم اللغة وعلم الفيلولوجيا مترابطان إذ لا يستغني علم اللغة عن الفيلولوجيا، لأن مصادر علم اللغة النصوص اللغويّة، كما لا يستطيع علم الفيلولوجيا الاستغناء عن منجزات علم اللغة، لأنّ هذا العلم هو الذي يقوم بدراسة النصوص وتحليلها، إذاً فالعلاقة بين العلمين علاقةٌ وثيقةٌ لذلك ما زالت بعض الجامعات الغربيّة تخلط بين علم اللغة والفيلولوجيا المقارنة كما هو الحال في جامعة لندن لذا يجب أن يكون هناك تفريقٌ بين مصطلح الفيلولوجيا وعلم اللغة وفقه اللغة. على الرغم من التميز الذي يرى أن الفيلولوجيا تهتم بدراسةٍ تشتمل-كما أاشرنا سابقاً- على دراسة النقوش وإعداد النصوص للنشر، ودراسة المعطيات الثقافيّة العامة، ونحو ذلك.
[14]  يوسف الكلام، تاريخ وعقائد الكتاب المقدس، دار صفحات للدراسات والنشر، ط1، دمشق ، ص 39-40.
[15]  يوسف الكلام، تاريخ وعقائد الكتاب المقدس، المرجعنفسه، ص 40. وانظر :
p.cllomp ، critique textuelle, op.cit.p.2
[16]  يوسف الكلام، تاريخ وعقائد الكتاب المقدس، ص: 39.
[17]  انظر: كارل بروكلمان، فقه اللغات الساميّة، ترجمة، رمضان عبد التواب، القاهرة، 1977م، هنالك مقارنات بين اللغات الساميّة (ص15، 140).وانظر ايضا في هذا المجال :طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة الجزء الثاني حضارة وادي النيل، الشركة التجاريّة للطباعة والنشر، ط2، بغداد 1956م.
[18]  إبراهيم أنيس، في اللهجات العربيّة، مكتبة الأنجلو المصريّة، بدون طبعة، القاهرة، 2003م، ص 24.
[19]  )انظر: تمام حسان، الأصول، دراسةٌ إيبستمولوجيّةٌ لأصول الفكر اللغوي العربي، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1981م، ص 250.
[20]  يوسف سليمان اليوسف «مقدمةٌ لفقهٍ لغويٍّ جديد»، مجلة المعرفة عدد 23 أبريل 1981م، ص83.
[21]  إدوارد سعيد، الاستشراق ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربيّة، ص 43.
[22]  المستشرقون الألمان، ص153.
[23]  إبراهيم مدكور. «منطق أرسطو والنمو العربي» سلسلة اقرأ عدد 337 سنة 1972م.
[24]  وتبعه في نفس الاتجاه مجموعةٌ من الدارسين العرب، أمثال أنيس فريحة في كتابه ‏»نظرياتٌ في اللغة، ‏الذي يؤكد على الأصل السريانى للنحو العربي، ‏وأحمد ‏أمين «في ضحى الإسلام» الذي يثبت الأصل الهندي.
[25]  صبحي الصالح، مباحث من علوم القرآن، دار العلم للملايين، ط10، بيروت، 1977، ص 10.
[26]  عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، ط3، بيروت، 1993، ص 310.وانظر: عامر عبد زيد الوائلي، موسوعة الاستشراق، ابن النديم للنشر والتوزيع، ط1، بيروت، 2012.
[27]  صلاح الدين المنجد، الاستشراق الألماني تراجمهم وما اسهموا به في الدراسات العربيّة، ج1، دار الكتاب الجديد، ط1، بيروت، 1978م، ص 8-12.
[28]  نجيب العقيقي، المستشرقون، دار المعارف، القاهرة، 1964م، ص724
[29]  ريتشارد إليوت فريدمان، من كتب التوراة، ترجمة، عمرو زكريا، مراجعة، دار البيان للنشر والتوزيع، القاهرة، 2003م، ص24
[30]  شريف حامد، نقد العهد القديم، مكتبة مدبولي، القاهرة ص 216. انظر :
Aulikki Nahkola.Op.Cit.p10
[31]  وانظر :رضوان السيد، المحاضرة بحسب الرابط
:https://www.youtube.com/watch?v=Nv7iurCsYrs
[32]  نجيب العقيقي، المستشرقون، ص: 725 ومؤلفاته: محمّد في مكة، أديان عرب الجاهليّة، تحقيق تاريخ الطبري، حيث قام بالتعريف بشخصيات الرواة وحللها وعدلها وجرحها، دستور المدينة أيام النبي، فتوح إيران، الدولة العربيّة وسقوطها من ظهور الإسلام حتى نهايّة الدولة الأمويّة.والخوارج والشيعة .
[33]  شريف حامد، نقد العهد القديم، ص 225-226.
[34]  صلاح الدين المنجد، الاستشراق الألماني تراجمهم وما أسهموا به في الدراسات العربيّة، ص: 109.
[35]  الدراسات العربيّة والإسلاميّة في أوروبا: ميشال جحا، ط1، بيروت، معهد الإنماء العربي، 1982م، ص: 190.
[36]  راجع: المستشرقون والدراسات القرآنيّة: د. الصغير. الدراسات العربيّة والإسلاميّة في أوروبا: ميشال جحا. القرآن: نزوله، تدوينه وترجمته: بلاشير، ترجمة رضا سعادة، بيروت، دار الكتاب العربي. مباحث في علوم القرآن: صبحي الصالح، دار العلم للملايين. القرآن والمستشرقون: د. التهامي نقرة، مقال ضمن كتاب: مناهج المستشرقين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة - الجزء الأول، تونس: المنظمة العربيّة للتربيّة والثقافة والعلوم، 1995م.
[37]  مباحث في علوم القرآن: صبحي الصالح: 176.
[38]  مناهج المستشرقين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة. ج1، (ص 10، 21، 25، 31.)
[39]  وقد تناولنا العلاقة بين العلم والفلسفة ومنهجها القائم على الشك وعنوان البحث: عَوْدَةُ الدِّينِ إلى الفضاءِ العموميّ في الغرب «مقاربةٌ في العلاقَةِ الجَدليّة بينَ الدِّينِ والعِلم» مقدّم إلى مجلة اللاهوت الجديد.والجانب الإيديولوجي ممكن النظر في مبحث ثانٍ لي بعنوان: «العنف الرمزي والمادي للكنيسة بحق العلماء وأثره في تطور العلمنة الشموليّة». منشورٌ: مجلة الاستغراب .
[40]  كان برغشترس، أستاذاً في جامعة ميونخ، وتلميذ أوغست فيشر، المعروف بمساهمته في عمل نولدكه وشفالي بعنوان:»Geschichtedes Qorans» (تاريخ القرآن) وباسهاماته المتنوعة في اللغويات الساميّة.
[41]  )آرثرجيفري (Arthur Jeffery)، القس الميثودي، كان وقتذاك أستاذاً في الجامعة الأميركيّة في القاهرة، وانتقل لاحقاً إلى جامعة كولومبيا في نيويورك سنة 1938 ونشر فيما بعد الدراسة الأساسيّة حول تأصيل الألفاظ القرآنيّة وله أيضاً كتبٌأخرى، فضلاً عن مقدمةٍلكتاب المصاحف لأبي بكر عبد الله بن سليمان السجستاني .كان آرثر جيفري قسيسًا في الكنيسة الميثوديّة Methodist Church وكان لديه إخلاصٌ بالغٌ تجاه التبشير بالنصرانيّة وكان يحمل همّ التنصير وسائر قضايا النصرانيّة، وكما يصفه جون باردو الكاتب بمجلة العالم الإسلامي كانت أستاذيته نصرانيّة المغزى، وكما قال فريدريك غرانت الكاتب بالمجلة نفسها إن الدين عنده لم يكن مجرد بحثٍ أكاديميٍّ محضٍ. وإن كانا ذكرا هذا الكلام في معرض المدح إلا أنه يلقي الكثير من الضوء على الخلفيّة الفكريّة التي تشكل قناعات جيفري وتوجه وتحرك أبحاثه، ويمكن في ظلّها فهم آرائه وكتاباته عن الإسلام والقرآن .انظر:
The Muslim World, Volume 50 (1960), pp. 230-247.
[42]  جبرئيل سعيد رينولدز، القرآن في محيطه التاريخي، منشورات الجمل، ط1، بيروت، 2012م، ص 23.
[43]  المصدر نفسه، ص 23.
[44]  المصدر نفسه، ص 24
[45]  المصدر السابق، ص 25.وانظر محاضرة جيفري :A.jeffey، the textual his tory of Quran، 103.
[46]  المصدر نفسه والصفحة نفسها .
[47]  إن المتخصصيين الغربيين قد أثبتوا لتاريخ القرآن بوصفه كتاباً، تطوراً. انظر:فرانسوا يروش، استعمالات القرآن بوصفه كتاباً مخطوطاً، ترجمة سعيد البوسكلاوي، مجلة الباب، العدد 6، ص: 6.
[48]  أنجليكا نويفيرت. القرآن جزءٌ من أوروبا؟. ترجمة د. حامد فضل الله .. د. عصام حداد،
http://sudanile.com/index.php?option=com-
[49]  الطبرسي، جمع البيان، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بيروت، 2005 م، ج1، ص14.
[50]  الغزالي، المستصفى، تحقيق محمّد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1413م، ج1، ص65.
[51]  زبيدة سامي، أنثروبولوجيات الإسلام (مناقشةٌ ونقدٌ لأفكار إرنستغيلنر)، دار الساقي، بيروت، 1997م.
[52]  المصدر نفسه والصفحة نفسها.
[53]  السيد، رضوان، جوانب من الدراسات القرآنيّة الحديثة والمعاصرة في الغرب، مجلة التسامح، العدد 17 لسنة ، 2007م.
[54] Der karan Hand Kommentar mit ubersetzung ron Angelika Neuwur .Bd, 1 Poetische prophetue Fuhmekkanische suren , Verlag .2011, p 600
[55]    Lusenberg chrusthof , dle syro-aramaus che Lesart des Koran Eih Beutray Zur Entschlussaung der Korans prache .Berlin , Verlattans schiler, 2004, p35.
[56]  السيد، رضوان، جوانب من الدراسات القرآنيّة الحديثة والمعاصرة في الغربالصفحة نفسها .
[57] The Qur’an - a European Text. Taking Historical, Literary and Theological Entanglements Seriously
[58]  مثلاً: محمّد باقر الصدر، المدرسة القرآنيّة، ص: 209. وغيرها الكثير
[59]  فضل عباس، قضايا قرآنيّةٌ في الموسوعة البريطانيّة، نقدٌ مطاعنُ، وردُّشبهاتٍ، دار الفتح، الأردن.
[60]  ثمة كتاباتٌ عديدةٌ تناقش إثارات الاستشراق، وأحبذ الإحالة على كتابَيْ د. عبد الرحمن بدوي، «دفاعٌ عن القرآن ضد منتقديه» و «دفاعٌ عن محمّد ضد المنتقصين من قدره».
[61]  حوار مع «أنجليكانويفيرت»:
http://www.andepm.ma/vb3/showthread.php?p=99387
[62]  المرجع نفسه والصفحة نفسها .
[63]  المرجع نفسهوالصفحة نفسها
[64]  المرجع نفسه والصفحة نفسها.
[65]  مرتشيا ألياده، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة سعود المولى، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط1، بيروت، 2007م، ص 57.
[66]  أنظر في هذا المجال:مشيل فوكو، تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، ترجمة سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت 2006م.وانظر: اوييردريفوس-بول رابينوف، مشيل فوكو مسيرةٌ فلسفيّةٌ، ترجمة: جورج أبي صالح، مركز الانماء القومي، بيروت.ص: 58 وهو يرى الآن «أن المرض العقلي تكوّن من كلِّ ما قيل في مجموعة كافة الملفوظات التي كانت تسمه وتفصله وتصفه وتفسرهُ وتروي تطوراته وتبين مختلف ترابطاته وتحكم عليه وعند الاقتضاء، تعطيه الكلام بأن تنطق هي باسمه بخطاباتٍ لا بد وأن تُعدَّ خطاباته».
[67]  السيد جعفر العلوي، الاستشراق والعبور إلى التاريخانيّة، م- البصائر، العدد (42) السنة 19 - 1429هـ/ 2008م
[68]  مرتشيا ألياده، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ص: 120-133.
[69]  المصدر نفسه، ص: 130-131.
[70]  رشيد بوطيب، حدود القراءات العلمية للقرآن...الباحثة الألمانية أنجيليكا نويفيرت مثالاً!، موقع القنطرة
[71]  رشيد بوطيب، حدود القراءات العلمية للقرآن...الباحثة الألمانية أنجيليكا نويفيرت مثالاً!، موقع القنطرة .
[72]  يورغنهابرماس وآخرون، قوة الدين في المجال العام، ترجمة فلاح رحيم، دار تنوير للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 2013م.ص: (59- 60)، وأيضاً طلب الجانبُ الآخر من المواطنين بموجب أخلاق المواطنة نفسها عبئاً تكميليّاً ألّايستنكروا المساهمات الدينيّة في الرأي السياسي...
[73]  «حوار كارلوس سيغوفيا»، قصة نوح Q في القرآن دلالة على النبوة، ترجمة:عبدالرحمن أبو المجد، شبكة الألوكة، تاريخ الإضافة 17/ 12/ 2015: ميلادي - 5/3/1437 هجري.
[74]  موريس بوكاي، التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، ترجمة حسن خالد، المكتب الاسلامي، ط3، بيروت، 1990م
[75]  داريوششايغان: ما الثورة الدينيّة، ترجمة: محمّد الرحموني، دار الفكر الجديد النجف الأشرف، ص: 17.
[76]  مهدي عزيز، القرآن مقارباتٌ جديدةٌ، ترجمة، عبد العزيز بومسهولي، مجلة الباب، العدد 6، ص: 46.
[77]  رشيد بوطيب، حدود القراءات العلمية للقرآن...الباحثة الألمانية أنجيليكا نويفيرت مثالاً!، موقع القنطرة.