البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

أثر الرياضيات اليونانية في الرياضيات العربية... حقائق وأباطيل

الباحث :  مصطفى يعقوب عبد النبي
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  23
السنة :  صيف 2020م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 20 / 2020
عدد زيارات البحث :  2944
تحميل  ( 477.432 KB )
عندما نطالع كتاب تاريخ العلم، نجد أنّ هناك فصلًا من فصوله لم يكتمل بعد. فصفحاته بلغت من القلّة بما لا يتناسب وحجم بقيّة فصول الكتاب؛ وهذا الفصل هو الفصل الخاص بالحضارة العربية الإسلامية. وحتّى من يطّلع على هذا الفصل أيضًا يجد أنّه فصل يغلب عليه التعميم، وتجنّب الدخول في الدقائق والتفاصيل، على الرغم من أنّ زمن هذا الفصل يبلغ ما يقرب من ثمانية قرون، وهو عمر ليس بالقليل في عمر الحضارات حفل بمئات العلماء العرب في شتّى فنون العلم. غير أنّ بعض المؤرّخين مــن الغرب قـــد حلا له في معرض إهمال دور العرب العلمي أن يقسّم العصور العلميّـة إلى عصرين رئيسيين: الأول:  العصــر الإغريقــي ويمتدّ من سنة 600ق.م. وأمّا العصر الثانـي فهو عصر النهضة الأوروبيّة الحديثـة  التي تبدأ من سنــة 1450م[2]. وفي السياق نفسه يقول بوستان (Postan) أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة كمبردج: «يتّفق النّاس عامّة على أنّ العصور الوسطى -يقصد حقبة الحضارة العربيّة الإسلاميّة- حفظت علم القدماء لاستخدامه في الأزمنة التالية. كان ذلك عظيمًا، ولكن الأمر لا يتجاوز هذا الحد. إنّ الذي تسلّمته العصور الوسطى لم تزد عليه إلّا قليلًا. والواقع أنّ مشاركة أهل العصور الوسطى -يقصد المسلمين- في تطوّر العلم بلغت من الضآلة حدًّا جعل مؤرّخي العلم يميلون إلى اعتبار العصور الوسطى فترة توقّف»[3].

 ومن المؤرّخين الذين يتصدّون لتاريخ علمٍ بعينهٍ غالبًا ما يتجاهلون أيّ إسهام للعلماء العرب في موضوع العلم الذين يؤرّخون له. وعلى سبيل المثال، يقول مترجم «قصة الفيزياء» وهو كتاب يبحث في تاريخ الفيزياء: «رأينا من المفيد إضافة عدد من الحواشي تشير إلى فضل العرب المسلمين على علم الفيزياء والفلك؛ إذ خلا الكتاب من إسهامهم كأمثاله من الكتب الغربية»[4]، وحتى إذا كان هناك قدر من ذكر العرب في مسيرة العلم في الحضارة الإنسانيّة فهو ذكر مشروط -إذا صحّ التعبير- أعني أنّ ذكر العرب كان بسبب أساسي، وهو أنّ العرب قد حافظوا على التّراث اليوناني إبّان حركة الترجمة الواسعة النّطاق التي جرت في العصر العباسي وبخاصّة في عصر الخليفة المأمون. ومن هنا جرت الإشادة بدور العرب في التاريخ، دون أن يذكر أيّ قدر من علم عربيّ مستقلّ.

يقول مارتن بلسنر (M.Plessner): «وبرغم معرفة المسلمين بالمنجزات العلميّـة للثقافات الأخرى، فإنّ علوم الإغريق كانت هي التي قدّر لها أن تؤّثر تأثيرًا حاسمًا على العلم الإسلامي»[5]. وقد ردّد هذا المعنى رنيـه تاتون (R. Taton) المشرف على موسوعـة «تاريخ العلوم العـام» بقولـه: «إنّ النّظرة القائلـة بأنّ العلم العربي ناتج عن خليط أو تلقيح وتخصيب للمعارف العلميّـة عند كلّ الأمم لا يثبت أمام الفحص. إنّ هيكليّـة الفكر العلمي العربي هي يونانيّة تمامًا»[6].

ولعلّ ما جاء في كتاب (History of mathematics) ومؤلّفه (C.Boyer) هو المثل الصارخ على نقص الفصل الخاص بالعلم العربي، فقد خصّص المؤلّف فصلًا واحدًا في 20 صفحة عن الرياضيات عند العرب، بينما خصّص أربعة فصول عن أفلاطون، وأرسطو، وإقليدس، وأرشميدس، وأبو لونيوس. وتقع هذه الفصول الأربعة في 76 صفحة[7]. فهل من المعقول أنّ حضارة زاهية بكلّ المعايير وسع ملكها الأندلس غربًا حتى تخوم الصين شرقًا، وبلغت من الزمان ثمانية قرون وحفلت بعشرات إن لم يكن المئات من علماء الرياضيات، أن يكون لها هذا القدر القليل من الصفحات أمام خمسة من علماء الرياضيات اليونانيين!!!، وأغلب الظّنّ أنّ هذا القدر القليل إنّما جاء خصمًا من رصيد العلم العربي لحساب العلم اليوناني.

وخلاصة القول في هذا المجال، إنّه قد جرى التهويل من شأن الحضارة اليونانيّة بصورة مبالغ فيها، وأطلق عليها كثير من المؤرّخين «المعجزة اليونانية»، وأنّها الحضارة الأم لكلّ الحضارات قديمها وحديثها، وأنّها معلّمة البلاد والعباد حتى إن: «الفلاسفة اليونان كانوا يرون أنّ مكتشفات الحضارة كلّها ترجع إلى الذكاء الإنساني وحده دون أن يفسحوا المجال للتجربة أو للظروف التي تحفّز على الكشف والاختراع. وكانوا يرون أنّ آلهتهم خصّتهم من دون البشر بالتّفوّق في ميدان الفهم والعلم والاختراع والابتكار، وكلّ من عداهم همج لا حضارة لهم، ولم يعترفوا بالتحضّر إلا للمصريين الذين سبقوهم في ميدان التحضّر بمراحل، وكان اعتراف الإغريق للمصريين مشوبًا بالكراهية والحسد والحقد»[8].

ومن خلال تلك الأفكار جرى تضخيم دور الثّقافـة الإغريقيـة وتأثيرهـا في الثقافـة العربيّة، بحيث يخيّل للمرء من خلال استعراض آراء المستشرقين، أنّ العلم العربي في زعمهـم، ما هو إلا علم يونانيّ قد كُتب باللّسان العربي، مستندين في هذا الزعم إلى حركـة الترجمـة الواسعـة النطاق، التي جرت في العصر العباسي. وقد فضحت المستشرقة الألمانيّة زجدريد هونكه (Z.Honke) تلك الإشادة الكاذبة بدور العرب بقولها: إنّ الوقت قد حان للتحدّث عن شعب -تقصد العرب- قد أثّر بقوّة على مجرى الأحداث العالميّة، ويدين له الغرب، كما تدين له الإنسانيّة كافّة بالشيء الكثير، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ من يتصفّح مئة كتاب تاريخي، لا يجد اسمًا لذلك الشعب في ثمانية وتسعين منها. وأن يكون هذا الشعب رائدًا لغيره من الشعوب في أنحاء الدنيا في غضون سبعمئة وخمسين عامًا حاملًا مشعل الثقافة ردحًا جاوز عصر الإغريق بضعفيه أكثر من أيّ شعب آخر... فهذا أمر من يعلم به؟ ومن يتحدّث عنه؟

في سياق الحديث عن الإغريق، اعترف الأوروبيون بدور العرب في التاريخ حين قالوا: إنّ العرب قد «نقلوا» كنوز القدامى -تقصد التراث اليوناني- إلى بلاد العرب.
إنّ هذه العبارة الوحيدة التي يحاول فيها الكثيرون كذبًا وادّعاءً تقريظ ما أسدوه لأوروبا، تحدّد في الواقع دور ساعي البريد فقط فتقلّل من قدرهم حين تطمس الكثير من الحقائق وراء حجب النسيان»[9].

وفي السياق نفسه، المؤدّي إلى الحقيقة التي أزاحت السّتار عن الهالة الكاذبة التي دأب المستشرقون ومؤرّخو العلم على ترديدها كأنّها من المسلّمات التي لا تقبل المراجعة أو الجدل، يقول جون ماكليش (J. Mclish) في كتابه «العدد»: «إنّ الفهم الموضوعي للتّراث اليوناني لدى دراسته في سياق الحضارات القديمة الأخرى لم يتيسّر لنا إلّا في القرنين الأخيرين، بدءًا من اكتشاف حجر رشيد في مصر سنة 1799 وحلّ رموزه بعد ذلك، إذ تمكنّا من قراءة النّقوش القديمة من غير اليونانيّة واللاتينيّة، وأحطنا بالمعالم الفكريّة لبعض الثقافات التي استخرج علماء الآثار كميات كبيرة من بقاياها من تحت الأرض.

إحدى النتائج لهذا العمل أنّه تبيّن أنّ اليونان لم تكن المصدر الرئيسي للعلوم، وهؤلاء الذين نسبوا إلى اليونان هذا الشّرف كانوا مخطئين لا في مصدر العلوم فحسب، وإنّما أيضًا في طبيعتها. لقد أشاعوا جوًّا كان ينظر إلى علم الحساب على أنّه نظامٌ مجرّد ليس له تطبيقات عمليّة، ويصف العلماء علم الحساب بأنّه «علم العلوم» وبأنّه أداة رئيسة في دراسة طبيعة المجتمع، بيد أنّ اليونانيين رأوا فيه شكلًا من الحكمة المجرّدة ليس لها أيّ علاقة بالنشاطات العمليّة»[10].

الرياضيات بين اليونان والعرب:
إنّ أيسر وصف للرياضيات أنّها أمُّ العلوم التجريبيّة، فلا علوم بلا رياضيات، ولعلّنا أحوج ما نكون لنعلم الأصول الأولى للرياضيات الإغريقية التي هي اختراع يونانيّ في زعم كثير من مؤرّخي العلم. والحقيقة أنّ الرياضيات الإغريقيّة بشقّيها الرئيسيين؛ الحساب والهندسة تنتسب في أصولها الأولى إلى الحضارة المصريّة القديمة، بشهادة غير واحد من المؤرّخين. يقول ول ديورانت (W.Durant) في مؤلّفه الموسوعي الشهير «قصة الحضارة»: «وحسبنا أن نقول إنّا نجد العلوم الرياضيّة -في مصر- متقدّمة أعظم تقدّم منذ بداية تاريخ مصر المدوّن، وشاهد ذلك تصميم الأهرام وتشييدها يتطلّب دقّة في القياس لا يستطاع الوصول إليها بغير معرفة واسعة في العلوم الرياضيّة. وكان المسّاحون والكتبة لا ينقطعون عن قياس الأراضي التي محا الفيضان معالم حدودها وما من شكّ في أنّ القياس كان منشأ الهندسة، والأقدمون كلّهم تقريبًا مجمعين على أنّ هذا العلم من وضع المصريين. ولم تقتصر الهندسة المصريّة على قياس مساحات المربّعات والدوائر والمكعّبات، بل كانت تقيس أيضًا أحجام الاسطوانات والكرات، وقد وصلت إلى تقدير النسبة التقريبية  بــ   16، 3  وما أعظم فخرنا إذ استطعنا في أربعة آلاف عام أن نتقدّم في حساب هذه النسبة التقريبية من  16 ،3 إلى   2416 ،3.[11].

كما أنّ معظم أساطين اليونان في الرياضيات قد رحلوا إلى مصر، فمصر البطلميّة كما قال سارتون Sarton: «كانت المركز الرئيسي للعلم اليوناني»[12]. وإنّ طاليس (ولد 640ق.م) الذي يوصف بأنّه أبو الرياضيات الإغريقية زار مصر واهتمّ اهتمامًا خاصًّا بالتّراث الكبير الذي تجمّع على مرّ العصور لدى الكهنة المصريين، وحاول تفسير الحقائق الهندسيّة التي وصل إليها المصريّون بالبداهة، فأدّى ذلك به إلى السير في الخطوات الأولى التي أدّت إلى ما يُعرف الآن بالهندسة الاستنتاجية Deductive geometry[13].

إذًا، فالرياضيات لم تكن اختراعًا يونانيًّا أو علمًا مقطوع الصّلة بما قبله، بل كانت له أصول وجذور سواء في الحضارة المصريّة القديمة أو في حضارة بلاد ما بين النهرين.
نخلص من هذا لنقول إنّ كتب الرياضيات كانت ضمن طائفةٍ كبيرةٍ من المؤلّفات اليونانيّة التي تمّت ترجمتها إلى العربيّة ضمن حركة الترجمة الواسعة النّطاق التي تمّت في العصر العباسي على نحو معروف ومشهور، ومن المعروف أنّ الترجمة هي من الأطوار اللازمة في حياة الأمم الناهضة، فليس العرب بدعًا في هذا الأمر فكما أخذ اليونان معارفهم العلميّة في الرياضيات وغيرها من العلوم التي برع فيها المصريون القدماء، سار العرب على النهج الطبيعي نفسه، الذي سارت عليه أمم قبلهم وأمم بعدهم، فنقلوا إلى العربية كلّ ما وصل إلى أيديهم من مؤلّفات التّراث اليوناني والهندي والفارسي. وعلى الرغم من أنّ المستشرقين قد أفاضوا  بحقّ أحيانا، وبغير حقّ في معظم الأحيان، في أنّ ترجمة العرب لتراث اليونان بصفةٍ خاصّةٍ كان لها الفضل الأكبر في تلك النهضة العلميّة العربيّة، ناسين في ذلك -جهلا أحيانًا وقصدًا في معظم الأحيان- أنّ النّقلة لهذا التّراث إلى العربيّة، وقد كانوا من غير بني العرب، كانت ترجمتهم مشوّهة حافلة بالأخطاء[14]، وأنّ العلماء العرب قد أجهدوا أنفسهم في تصحيح تلك الأخطاء، وقضوا في ذلك قرنين ونصف من الزمان [15].

ويأتي كتاب «الأصول» لإقليدس كأشهر مؤلّف رياضيّ يونانيّ تُرجم إلى العربية، وقد بلغت العناية به حدًّا كبيرًا إلى درجة أنّه قد أعيدت ترجمته تارة أو تمّ إصلاح ترجمته تارة أخرى، كما تعدّدت شروحه. ويذكر ابن النديم في الفهرست أنّ «الأصول» تمّ تأليفه بالإسكندرية[16]. وهو كما يقول سارتون: «الأصول أقدم وأوسع كتاب توصّلنا فيه إلى الهندسة، وهو ينقسم إلى ثلاثة عشر كتابًا، يمكن وصف محتوياتها باختصار فيما يلي:

الكتب من 1 إلى 6 هندسة مستوية، ويتناول المثلّثات والمتوازيات ومتوازيات الأضلاع وهندسة الدائرة... إلخ.
الكتب من 7 إلى 10، وبها الحساب ونظريّة الأعداد والمضاعف المشترك الأصغر والأعداد التي تكون المتوالية الهندسيّة...إلخ.
الكتب من 8 إلى 13 وتشمل الهندسة الفراغيّة[17].
والكتاب في حدّ ذاته كتابٌ مدرسيّ بامتياز، على الرغم من محاولة سارتون نفي ذلك، وهو نفي لمن يدقّق النّظر فيه يتيقّن من أنّه -أي الأصول- كتاب مدرسي[18]؛ إذ إنّ معظم محتوى الكتاب لا زال يدرس حتى الآن في المراحل التعليميّة المختلفة، وهذا ليس بالأمر القليل.

وعلى الرغم أنّ عددًا ليس بالقليل من العلماء العرب قد ساروا على هذا النهج من العلوم الرياضيّة في التأليف ذكرهم ابن النديم مثل: بنو موسى، وابن سعيد الجوهري، وثابت بن قرة، وغيرهم[19].

أمّا الهندسة فأشهر من تناولها في مؤلّفاته كان الرياضي الأبرز في تاريخ العلم وهو أرشميدس (ولد حوالي 287ق.م) والذي أمضى بعض الوقت في مصر، فقد كانت الإسكندرية إذ ذاك مركز العالم العلمي[20]. ومن أشهر كتبه كتاب «الكرة  والأسطوانة»، وكتاب «المخروط وشبه الكرة»، وكتاب «تربيع القطع المكافئ»... إلخ، وغيرها من الكتب التي تعالج الهندسة المستوية والهندسة الفراغيّة[21].

أثر القرآن الكريم والخوارزمي في تطوّر الرياضيات:
غير أنّ الوجهة الأساسيّة من الإفادة من الرياضيات -سواء في الحساب أو في الهندسة- في أمور الحياة سارت في طريق آخر. ومن الغريب أنّ المستشرقين كانوا هم من لفتوا الانتباه إلى هذا الطريق المغاير. يقول جوان فيرنيه (J.Vernet) في الفصل الذي كتبه عن الرياضيات في كتاب «تراث الإسلام»: «إذا تحرّينا الدّقّة نجد أنّ التّطوّر العلمي للرياضيات عند المسلمين يبدأ مع القرآن الكريم، وذلك فيما ورد في القرآن من الأحكام المعقّدة في تقسيم الميراث»[22].
ولعلّ خير دليل على ما نقول ما كتبه محمد بن موسى الخوارزمي في مقدّمة كتابه الشهير «الجبر والمقابلة» حيث يقول: «على أن ألّفت من كتاب الجبر والمقابلة كتابًا مختصرًا لم يلزم النّاس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجاراتهم، وفي جميع ما يتعاملون به من مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه...إلخ»[23].

وما يلفت الانتباه في هذا الكتاب أنّ الخوارزمي بعد أن خلُص من الجزء النظري المتمثّل في أسس الحساب وقواعده وما يتعلّق به من المعادلات الجبرية، أفرد بابًا خاصًّا للقسم التطبيقي، أسماه «كتاب الوصايا» ضمن الكثير من  مسائل المواريث وكيفيّة حلّها[24].

أمّا عن الأثر الذي أحدثه هذا الكتاب في الغرب وتاريخ الرياضيات على حد سواء، فيقول المحقّقان وهما من الأساتذة الروّاد في الرياضيات في العصر الحديث، ونعني بهما كلّا من الدكتور علي مصطفى مشرفة والدكتور محمد مرسي أحمد: «أمّا عن أثر الخوارزمي وشهرته عند الإفرنج فيكفي للتدليل عليهما أنّ اسمه قد صار كلمة دخلت معاجم أغلب لغات العالم. ففي اللّغة الإنجليزيّة مثلًا تستخدم كلمة الجورزم التي هي ولا شكّ تحريفًا لاسم الخوارزمي، للدلالة على الطريقة الوضعيّة في حلّ المسائل. كما أنّ علم الجبر في جميع لغات العالم مشتقّ من الكلمة العربية الجبر، وهي التي استخدمها الخوارزمي اسمًا على كتابه. وقد تعلّم الغربيون علم الحساب عن كتاب الخوارزمي مترجمًا إلى اللاتينية، وعن كتب أخرى بنيت على كتاب الخوارزمي هذا.
وممّا تقدّم يتّضح ما للخوارزمي من الأثر البالغ في تقدّم كلّ من علمي الحساب والجبر في الشرق والغرب، بحيث يصحّ القول بأنّ الخوارزمي وضع علم الجبر وعلّمه وعلّم الحساب للنّاس أجمعين»[25].

ولقد أراد الخوارزمي بهذا الكتاب التيسير على المسلمين فيما قد يشْكل عليهم من أمر المواريث، غير أنّ تاريخ العلم قد أراد لهذا الكتاب شيئًا آخر، وهو أن يكون علامة فارقة في تاريخ العلم بوجه عام وفي تاريخ الرياضيات بوجه خاص من خلال أفكار رائدة غير مسبوقة قُدِّر لها أن تكون من الأركان الأساسيّة في الرياضيات الحديثة.

أبو الوفا البوزجاني (998م):

وعلى النّهج نفسه في الغرض من التأليف، يقول أبو الوفا البوزجاني (998م) في مقدّمة كتابه «ما يحتاج إليه الكتّاب والعمّال من علم الحساب»: «وقد خدمته بتأليف كتاب يشتمل على جميع ما يحتاجه الكامل والمبتدئ، والتابع والمتبوع من الحساب، وصناعة الكتابة وأعمال الخراج، وسائر المعاملات التي تجري في الدواوين من النسبة والضربة والقسمة والمقاسمات والتصريف، وغير ذلك مما يتعامل به النّاس ويحتاجون إليه في معايشهم»[26].

في الهندسة التطبيقيّة:
هذا من أمر الحساب، وليس أمر الهندسة ببعيد سواء عند اليونان أو عند العرب، فقد أتى اليونان بالأعاجيب في الهندسة وتلاعبوا كيفما شاءت لهم عبقريّتهم بالمستقيمات المتوازية والمتقاطعة والمثلّثات بأنواعها الحادّة والمنفرجة والقائمة، وكذلك أبدعوا أيّما إبداعٍ في الدوائر والمماسات فضلًا عن براعتهم المشهود لها في الهندسة الفراغيّة، كلّ هذا ممّا هو معروف ومشهور ومسجّل في تاريخ العلم من براعتهم في البراهين النظريّة والاستنتاجات المنطقيّة، ولكن أين الجانب التطبيقي الذي يكرّس الهندسة في خدمة الإنسان والمجتمع، لا شيء على الإطلاق، في حين أنّ العرب بعد أن ساروا في البداية على نهج إقليدس وفيثاغورث وأرشميدس،  بل وألّفوا مؤلّفات شتّى في هذا المجال النظري للهندسة، اتّجهوا الوجهة السليمة، وهو الجانب التطبيقي من النظريات الهندسيّة، وقد أوضحت ذلك مخطوطة من ضمن ألوف المخطوطات القابعة في زوايا النسيان، وهذه المخطوطة هي كتاب «ما يحتاج إليه الصانع في علم الهندسة»، وهو من تأليف أبو الوفا البوزجاني -الذي مرّ ذكره- وهذا الكتاب غير مسبوق أو ملحوق في بابه وموضوعه؛ إذ يتطرّق إلى ما يمكن أن نسمّيه في لغتنا المعاصرة «الواجبات الوظيفيّة لمن يزاول مهنة الهندسة». وقد خلصت الدراسة التي أجريت على الكتاب إلى تناول مؤلّفه الموضوعات التالية:

1 ـ أهميّة الدربة بهدف الإحاطة بتطبيقات العلم.
2 ـ أهميّة معرفة الأساس النظري لحرفة ما للتميز بممارستها.
3 ـ الحساسيّة المرهفة والأبديّة بين المهندس والصانع والتي ما زلنا نتلمّس آثارها في العصر الحاضر.
4 ـ أهميّة معرفة تطبيق العلم على الصناعة والترابط الحيوي بين طرفي العلاقة.
5 ـ ضرورة التزاوج بين الصناعة والهندسة، أي بين العلم التطبيقي والعلم النظري للترقّي بنوعيّة المنتج[27].

ولعلّنا لا نجاوز الصواب إن قلنا إنّ ما جاء في هذا الكتاب الذي كُتِب منذ ألف سنة أو تزيد يصلح لأن يكون دستورًا دائمًا لمن يزاول مهنة من المهن. نقول هذا؛ لأنّ  بعض مؤرّخي العلم كدأبهم دائمًا في التقليل من شأن العرب في مجال العلم، زعموا أنّ العرب لم يكن لهم في الهندسة نصيب يذكر، وعلى سبيل المثال يقول ويلز(Wills): «ولم يضف العرب إلى ما ابتكره إقليدس إلا القليل، ولكن الجبر يكاد يكون من خلقهم»[28].

ويشايعه في الرأي كراوذر (Krawther) الذي يقول: «ولم يحدث أيّ تقدّم في الهندسة  في الإسلام، وقد يكون هذا أهمّ تعليل لعدم تقدّم الطبيعة»[29]. 
ومن العجيب أنّ كراوذر يناقض نفسه عندما يفطن إلى دور اللّغة العربيّة في تقدّم العلوم العربيّة -ومن بينها الهندسة- بوصفها أداة طيعة للغة العلم، وليس كما أشيع عنها أنّها لغة لا تصلح إلا للشعر؛ حيث يقول: «إنّ اللّغة العربيّة ذات البنية والخصائص المتميّزة، كانت من العوامل المشجّعة لنقد المسلمين لعلوم السابقين، فاللّغة العربيّة هي لغة التفكير التحليلي. وقد أدّى هذا النّقد إلى تأسيس كثير من المفاهيم والتصوّرات الخاصّة باللّغة الفلسفيّة الدقيقة، والتي ساعدت بدورها على الوصف الدقيق للظواهر، فضلًا عن مساعدتها في ظهور المنطق الرياضي الحديث عند ليبنتز (Leibnitz) وخلفائه بعده. ويمكننا القول بأنّ النّقد التحليلي الذي قام به نصير الدين الطوسي لهندسة إقليدس كان هو نقطة البداية الحقيقيّة لأوّل محاولة لبناء هندسة لا إقليديّة عام 1733م على يد ساكشيري (G.Saccheris) (1667 ـ 1773م)[30].
وعلى الرغم من هذا كلّه، فقد كان للعرب شأن آخر مع الهندسة خلافًا لشأنها مع اليونان، فقد تمخّضت عبقريّة العلماء العرب من تحويل الهندسة من خطوط ومثلّثات ودوائر وغيرها من الأشكال الهندسيّة تفيد المناهج الدراسيّة وتعلّم الطلّاب الاستنتاجات المنطقيّة، إلى علم مفيد للغاية في أربعة أمور:

الأمر الأوّل: إنّ مفردات الهندسة من خطوط ودوائر ومثلثات تمّ استخدامها لأوّل مرّة في تاريخ العلم في حلّ مشكلات في علوم كالفلك والبصريات. فقد تمكّن البيروني(440 هـ) من التوصّل لإيجاد مقدار محيط الأرض، فيما عرف بـ «قاعدة البيرونـي»، وهي تلك التسمية التي اشتهرت في أدبيات تاريخ العلم لقياس محيط الأرض كما بيّنها تفصيلًا المستشرق الإيطالي كرلو نيلينو (C.Nallino) في كتابه «علم الفلك.. تاريخه عند العرب»[31].  وممّا يستحق الذكر أنّ البيروني انتهى إلى إيجاد نصف قطر الأرض بفرق لا يزيد عن 15 كيلومتر[32].
كما احتفظ تاريخ العلم باسم ابن الهيثم من خلال ما عرف في أدبياته  بـ «مسألة ابن الهيثم»، وهي مسألة هندسيّة حوى حلّها على معادلة من الدرجة الرابعة، والتي تمكّن ابن الهيثم من حلّها بواسطة خطّ تقاطع دائرة وقطاع زائد[33]. وممّا يؤكّد استخدام العرب للهندسة فيما يُفيد العلم وليس مجرّد رياضة ذهنيّة، هو الكتاب الذي وضعه ابن الهيثم عن الضوء، ودراسة الضوء كما هو معروف لا تستغني بحال من الأحوال عن مفردات الهندسة من خطوط ودوائر ومثلّثات، يقول ج. برنال (J.Bernal): «كان كتاب الضوء لابن الهيثم (1038م) هو أوّل دراسة علميّة جادّة في هذا الموضوع، وقد بني عليه كلّ علم البصريات في العصور الوسطى، فكان أفضل المراجع حتى القرن السابع عشر، وحتى لو لم يكن المسلمون قد فعلوا شيئًا آخر، فإنّهم بتأسيسهم لعلم البصريات، قد أسهموا في العلوم إسهامًا بالغ الأهميّة»[34].

الأمر الثاني: تحوّلت الهندسة من نظريّات صمّاء إلى علم مفيد في البناء، بحيث أصبحت هندسة العمارة الإسلاميّة هي القاسم المشترك في المراجع التي تتحدّث عن الحقبة العربيّة أيّا كان اتّجاه المؤلّف سواء أكان من المتعصّبين للحضارة اليونانيّة والتي لا يرى حضارة سواها، أم كان من المنصفين الذين يتمتّعون بقدر من الحيدة والموضوعيّة.
وللدلالة على أنّ الهندسة قد تحوّلت على أيدي العرب من مجرّد نظريّات هندسيّة مجرّدة إلى تطبيقات عمليّة مفيدة في شتّى المجالات، فإنّ العلّامة المحقّق أحمد تيمور باشا يشرح لنا كيف تحوّلت الهندسة من مجرد خطوط ودوائر ومثلّثات على الورق يدرسها طلّاب المدارس الإعداديّة والثانويّة، إلى علم مفيد للبشريّة حيث يقول: «إنّ ما يزعمه من أعمت الشعوبيّة بصائرهم من قصور العرب في غير الشرعيات واللسانيات من العلوم، واستدلالهم على قصورهم في الهندسة باستعانة الوليد بن عبد الملك في أبنيته بصنّاع الرّوم. لهو زعم لا نصيب له من الصحّة؛ لأنّ العرب في صدر دولتهم كانوا قومًا متبدّين، شغلهم الفتح عن الالتفات  إلى وسائل التحضّر، فما يروى عن استعانتهم بمعاصريهم في بعض الفنّيّات، لم يكن إلا عن تلك الحالة الملازمة بالضرورة لكلّ قوم حديثي الانتقال من البداوة. ولكنّهم لمّا ألقوا عصا التسيار واطمأنّت بهم الدار نشطوا للفتح الثاني؛ وهو الفتح العلمي، فأتوا في الفتحين على قصر المدّة بما لم يسبق له في الأمم السالفة. وكان من ذلك أنّهم ملكوا ناصية العلم كما ملكوا ناصية العالم، وأحدثوا لهم مدنيّة خاصّة صبغوها بصبغتهم في كلّ مظهر من مظاهرها، فكان للهندسة من هذا الأثر تجليها في فرع البناء بذلك الطراز العربي البديع، وكآيات الصناعة المدهشة الباقية إلى اليوم في قصر الحمراء بغرناطة، وهو الذي شهد به الإفرنج أنفسهم، ونقوشه مبتدع على غير مثال سابق. كما حفظت لنا التواريخ طائفة صالحة من أعمالهم كشقّ الأنهار وبناء القناطر وإجراء الماء إلى المدن من المسافات الشاسعة. بل إنّ أهل بلنسية بالأندلس ما زال معولهم إلى اليوم في أنهارهم على ما وضعه العرب من النّظام المحكم لتوزيع الماء حتى قال بعض منصفيهم: «لولا ما أقام لنا العرب من القناطر والجسور لمتنا وماتت أراضينا ظمأً»[35]. وعن تأثير العمارة الإسلامية في العمارة الغربية يقول ديورانت: «ولمّا جاء الصليبيون إلى بلاد المسلمين وجدوا مباني حربيّة ممتازة في مدن الإسلام في الشرق، وعرفوا هناك فوائد الأسوار ذات المزاغل، وأخذوا عن أعدائهم كثيرا من الأفكار التي أقاموا على أساسها حصونهم وقلاعهم المعدومة النظير، وكان قصرا أشبيلية وقصر الحمراء في قرطبة حصنين وقصرين معًا»[36].

فن الآرابيسك:
الأمر الثالث: وهو من أعجب الأمور وأكثرها غرابة، وهو أنّه كيف لبدويّ لا يدري من أنواع الفنون سوى فن واحد لا يتعدّاه، وهو الشّعر، أن يبدع بعد مرور قرن أو قرنين بعد ظهور الإسلام، فنًّا من أجمل الفنون التي غزت العالم، وعرف باسم عربي دالًا على عبقريّة العرب في استخدام مفردات الهندسة من خطوط مستقيمة أو منحنية، ودوائر ومربعات ومثلثات وغيره من مفردات الهندسة؛ لتبدع فنّ الزخرفة العربيّة المعروف في أدبيات العالم باسم «الأرابيسك» (Arabesque)، الذي أشاد به جمهرة المستشرقين ومؤرّخوا الحضارات، واعتبروه هدية العرب للعالم كلّه، فمثلا يقول بريجز (M.S.Briggs) في الفصل الخاص الذي كتبه عن العمارة الإسلاميّة والذي جاء ضمن فصول كتاب «تراث الإسلام»: «واسم أرابيسك الذي يطلق على الموضوعات الزخرفية التقليدية التي كانت ترسم بارزة بروزًا بسيطًا في انجلترا منذ عصر الملكة اليزابث، نقول إنّ هذا الاسم يدلّ على أنّنا مدينون بهذه الزخارف للعرب في القرون الوسطى»[37]. وفي موضع آخر يقول: «ولا شكّ أيضًا في أنّ الغرب مدين للمسلمين باستعمال الزخارف الهندسيّة. والواقع أنّ المسلمين كانوا مصدر كثير ممّا وصل إلى الغرب من علم الهندسة، أو كانوا على الأقل القنطرة التي وصل إلى الغرب عن طريقها كثير من هذا العلم»[38].

ويقول ديورانت: «وأكبر الظنّ أنّنا مدينون بما بلغه من الزخرفة من عظمة وفخامة إلى تحريم صور الإنسان والحيوان في الفنّ، فكأنّ الفنانين المسلمين أرادوا أن يعوّضوا هذا التحريم، فاخترعوا هذا الفيض الغامر من الأشكال غير البشريّة، فبحث الفنّان في أوّل الأمر عن منفذ لموهبته في الأشكال الهندسية؛ الخط والزاوية والمربع والمكعب والكثير الأضلاع والمخروط والقطع الناقص والدائرة والكرة، وكرّر هذه الأشكال كلّها وركب منها مئات التراكيب وأنشأ منها الزخرف العربي الذائع الصيت»[39].

التقنية الإسلامية:
الأمر الرابع: ولأنّ تاريخ العلم لا يعدم من بين باحثيه باحثًا منصفًا، متجرّدًا من الهوى والتعصّب، فقد قدّر لهؤلاء المستشرقين ومن شايعهم من المؤرّخين الذين أنكروا أيّ دور للحضارة العربيّة الإسلاميّة في مجال التقنية، أن يكون إنكارهم بلا أساس يستندون عليه، سوى أساس التعصّب العرقي والمذهبي. ولعلّ الفضل يرجع في ردّ الصورة العربيّة -في مجال استخدام الهندسة في التقنية- لوجهها الصحيح إلى الدكتور «دونالدهيل (D. Hiell)» المستشرق الإنجليزي الذي ألّف كتابًا مهمًّا في تاريخ التقنية الخاص بالحضارة العربية الإسلامية فقط بعنوان «العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية»، وهو أوّل من نبّه إلى ما أسماه «التقنية الإسلاميّة» بعد أن نشر الترجمة الإنجليزية الكاملة -مزودة بشروح وتعليقات- لكتاب ابن الرزاز الجزري «الجامع بين العلم والعمل»، وعن هذا الكتاب يقول الدكتور دونالدهيل: «ومن الأعمال بالغة الأهميّة في الهندسة، على مدى العصور الثقافيّة قبل عصر النهضة الأوروبيّة، يبرز كتاب الآلات لابن الرزاز الجزري الذي أنجزه في سنة 1206 م، والذي لا نعلم شيئًا عن حياته عدا ما أخبرنا به في مقدّمة هذا الكتاب. ويلخص الكتاب معظم المعارف المتراكمة عن الهندسة الميكانيكيّة حتى ذلك الوقت، مع تطويرات وإبداعات للجزري نفسه. وتكمن أهميّة هذا الكتاب فيما تضمّنه من وصف لآلات ومكوّنات وأفكار. وبالقدر نفسه من الأهميّة تبدو حقيقة أنّ الجزري صنّف كتابه مع إصرار على تمكين الصنّاع من بعده من إعادة تركيب آلاته حيث قدّم وصفًا دقيقًا لكلّ من الخمسين آلة يتضمّن صناعتها وتركيبها، والأجزاء المكوّنة لها، وزوّدنا بثروة من المعلومات المتعلّقة بطرق المهندسين الميكانيكيين ومناهجهم في العالم الإسلامي. وقد وزّعت محتويات الكتاب على ستّة موضوعات، هي: الساعات ـ الأوعية البارعة -أوعية استطراق السوائل وأدوات قياس الفصد- النافورات وآلات موسيقيّة ذاتيّة التحكّم -آلات رفع المياه- آلات متنوّعة...إلخ»[40].


بصمة الرياضيات العربية على العلم الغربي:
 إنّ المؤرّخ الصّادق وخاصّة مؤرّخ العلوم يجب أن يتّصف بأكبر قدر من الحيدة والموضوعيّة، ولا يجب أن يشدّه الهوى إلى وجهة تبعده عن الحقيقة، فيفقد مصداقيّته وتصبح كتابته محلّ شكّ ومراجعة وتدقيق. ومن هؤلاء المؤرّخين الذين بلغ بهم التعصّب للحضارة الإغريقيّة حدًّا بعيدًا إلى الدرجة التي يرى فيها أنّ بدايات العلم الحديث في عصر النهضة الأوروبية، إنّما هي امتداد للعلم الإغريقي، وأنّ العلم قد انقطع فترة تزيد على الألف سنة. يقول بنيامين فارنتن (B. Farrangton) في كتابه «العلم الإغريقي»: «عندما بدأ العلم الحديث في إظهار دلائل الحياة الزاخرة في القرن السادس عشر أحسّ كثير من الروّاد، وكانوا في إحساسهم من الصادقين، أنّهم إنّما يستأنفون التّراث الإغريقي القديم الذي انقطع لفترة تزيد على الألف عام. كان عملهم الجديد في نظرهم، امتدادًا للعلم القديم. وكانت الكتب الإغريقيّة القديمة التي يسّرها لهم اختراع الطباعة وظهور نظام الدراسة الحديث، هي خير ما يمكنهم الحصول عليه؛ إذ كانت في الواقع آخر ما كتب في فروع المعرفة المتباينة»[41].
كما دأبت جمهرة من المستشرقين وشايعهم في ذلك لفيف من مؤرّخي العلم، الذين يرون في العلم اليوناني كلّ شيء، والعلم العربي لا شيء تقريبًا، وذلك اتّساقًا مع ما استقرّ في أدبيات تاريخ العلم. غير أنّ البعض سرعان ما يكتشف خطأ رأيه حين يقرأ مؤلّفات التّراث العلمي العربي، فيقع فريسة بين نقيضين: اعتقاده الراسخ في علم اليونان، وبين ما وجده في مؤلّفات العلماء العرب من آراء غير مسبوقة، وإبداع مبتكر، ومن هؤلاء المستشرق الفرنسي كارا دي فو (Carra de vax) الذي بدأ حديثه في أحد فصول كتاب «تراث الإسلام» بالطعن الصريح في العرب بقوله: «لا ينبغي أن نتوقّع أن نجد لدى العرب تلك العبقريّة الخارقـة، وتلك الموهبـة المتمثّلـة في المخيّلـة العلميّـة، وذلك الحماس، وذلك الابتكار في الفكر، مما نعرفه عن الإغريق. فالعرب قبل كلّ شيء إنّمـا كانوا تلاميذًا للإغريق، وما علومهم إلّا استمرار لعلوم اليونان التي حافظوا عليها ورعوهـا، وفي بعض الحالات طوّروهـا وحسّنوهـا. غير أنّه سرعان ما ينقض هذا الرأي في النهاية بقوله: «إنّهم -أي العرب- بالتفكير الواقعي كان لعلومهم هدف ماديّ، فالحساب يخدم التّجارة ويعاون في تقسيم الأموال، أمّا الفلك فهو مطلب المسافرين وقاطعي الصحاري والمهالك، أو يستخدم لأغراض الدين لمعرفة أوقات الصلاة، وقبلة مكّة، والدقيقة الأولى من قمر رمضان.

كان العرب عمليين دائمًا فلم يحصل لهم أن سرحوا في بيداء الخيال، إنّهم أكثر واقعيّة من الإغريق الذين اهتمّوا بالأعداد الكبيرة جدًّا كما نرى في مسألة أريناريوس[42]، ويشرح المترجم هذه المسألة بقوله: «هي رسالة صغيرة له يظهر فيها طريقة الوصول إلى حساب عدد الذرّات الرمليّة التي تحتويها كرة في حجم الأرض وهو رقم يتألّف من (واحد) يليه ثمانون ألف صفر»[43]. ولعلّ ما قاله المترجم يوضّح الفرق بين الحساب من أجل الحساب الذي برع فيه اليونانيون، وبين الحساب من أجل تسهيل أمور الحياة للفرد والمجتمع الذي برع فيه العرب، وهو فرق قد سكت عنه تاريخ العلم كيلا يكون للعرب الدين الثقيل على الغرب في الرياضيات، وأنّ الحساب اليوناني لم يكن بهذه الهالة التي أحيطت به.

وتناقض آخر لهذا النّمط من المؤرّخين الذين يقعون بين العنصرية والتعصّب لتراث الإغريق في الرياضيات، وبين ما يجده واقعًا في وثائق التّراث العلمي العربي من تقدّم وتطوّر يفوق رياضيات الإغريق بأشواط كثيرة. جاء في حاشية للدكتور فؤاد سيزكين في كتابه الموسوعي الضخم «تاريخ التراث العربي» نقلًا عن مؤرّخ العلوم هانكل (Hankel): «لم تضف الشعوب الإسلاميّة إلى ما نقلته إلا القليل، ففي مواضع متفرّقة واصلوا البحث في مجال صغير كان الطريق إليه قد بيّن لهم من قبل -يشير إلى ترجمة العرب للتراث اليوناني- على أنّهم لم يهتدوا إلى الطرق بأنفسهم في أيّ موضع من المواضع، حتى يتسنّى لهم أن يكتشفوا مجالًا جديدًا لم يعرف من قبل، فهم لم يضيفوا فكرةً واحدةً إلى الكنز الذي نقلوه»[44]. ويعقّب سيزكين على هذا بقوله: «إنّ المطّلع على ما ورد في المقدّمة، وما جاء في داخل الدراسة يخرج بانطباع مفاده أنّ هانكل ألّف مقدّمة كتابه قبل أن يكتب كلامه بعد ذلك، وأنّه لم يستطع بعد أن يعيد النّظر في مقدّمته فما يقول بصدد المعادلات التكعيبية: «إذا كنّا لا نملك بعد هذا أن نعزو أيضًا إلى العرب الفضل في أنّهم أوّلًا  استوعبوا فكرة عمل مسائل هندسية بواسطة القطوع فإنّهم يستحقّون بلا شكّ فضل كونهم مضوا على الطريق المفتوح بخطى قويّة ثابتة[45]».
وعلى النقيض تمامًا من هذا القول نجد مؤرّخًا آخر بعد عن التعصّب واتّصف بالحيدة والموضوعيّة، وهما ركنان أصيلان للمؤرّخ الصادق، يقول جون ماكليش (J. Mclish): «حدثت الإنجازات العربيّة الرئيسيّة في العلوم والرياضيات أثناء العصور الذهبيّة للتفوّق الإسلامي. وقد حفظ برنامجهم الضخم لترجمة الأعمال العلميّة إلى العربيّة من اللّغات البابليّة والمصريّة واليونانيّة والهنديّة والصينيّة، فأصبح متاحًا للعلماء الغربيين. وكان هذا أساس الثورة العلميّة الغربيّة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

كذلك فإنّ العرب قد أبدعوا فروعًا جديدًة في الرياضيات، نذكر منها الجبر وحساب المثلثات، كما أنّهم وضعوا أسس الهندسة التحليليّة. ووضع العرب قبل نابيير بستمئة سنة الأفكار الرئيسيّة التي تستند إليها اللوغاريتمات. أمّا في أوروبا المسيحيّة فلقد كان تشويه سمعة المساهمة العربية في الرياضيات تقليدًا طوال ما يقرب من أربعة قرون من الزمن. إنّ تألّق الرياضيات اليونانيّة كان حكرًا على عدد صغير من المفكّرين الذين طوّروا الهندسة وجعلوا منها فرعًا منطقيًّا استنتاجيًّا، إنّما أخفقوا تمامًا في الوصول إلى ترميز عددي مناسب.
لذلك فإنّ المقارنة الحقّة للرياضيات العربيّة لا تكون باليونان القدماء، بل بأوروبا خلال القرون الممتدّة من القرن السابع إلى القرن الخامس عشر. والأوروبيون الذين تميّزوا في الرياضيات كانوا طلّابًا في معاهد العلم العربيّة؛ البابا سيلفستر الثاني وليوناردو بيزا  وفيبوناكي وآخرين»[46]. وقريب من هذا، قول جاك ريسلر(J.Ressler) في كتابه «الحضارة العربية»: «كان البيروني الذي أنشأ بحقّ حساب المثلّثات الحديث، قد أحلّ محلّ التحليلات المربّعة الزوايا لبطليموس؛ التحليلات المثلّثة الزوايا وأدخل خطوط التماس، وأسّس النسب الحسابيّة المثلّثة الهامّة في الشكل التي نستخدمها  اليوم، لذا يمكن أن نثق في مؤرّخي العلوم الذين يثبتون أنّ «العرب هم الذين كانوا أساتذة الرياضيات في عصر حضارتنا، لا اليونانيين»[47].

ولعلّ ما جاء على لسان هذا المؤرّخ يدلّ على أنّ عددًا غير قليل من الباحثين في تاريخ العلم الذين توفّروا على تحقيق أو الاطلاع على مؤلّفات التّراث العلمي العربي في الرياضيات ومن ثمّ دراستها قد أرجعوا الحقّ إلى نصابه بما فيها حالات السطو الصريح من علماء أوروبا لبعض النظريّات العلميّة الرياضيّة التي سبق بها  العلماء العرب، كما أظهروا مبتكرات العلماء العرب سواء في الحساب أو الجبر أو حساب المثلثات أو الهندسة التحليلية وغيرها من علوم الرياضيات التي تظهر الدين الكبير للعرب في مجال الرياضيات في تاريخ العلم. غير أنّنا سوف نسلك مسلكًا مغايرًا لبيان مدى دين العرب المستحقّ في تاريخ العلم، وهو مسلك غير قابل للمراجعة أو التشكيك في صحّته ومصداقيّته بشهادة المستشرقين ومؤرخي العلم من الغربيين أنفسهم، حتى تكون الشهادة من أهلها، وحتى يكون الفضل ما شهد به الغير، وهذا المسلك المعزّز بشهادة الغير، لا يملك المرء حيالها سوى أن يقرّ بتأثير العرب على الرياضيات، فيما يشبه البصمة التي لا تنمحي ولا تزول والتي تتمثّل -بجانب الإبداع العربي والذي مرّ ذكره في أقوال مؤرّخي العلم من الغربيين- في الأمور التالية:

1 ـ الجبر (Algebra)، هذا علم عربي محض؛ ولأنّه عربيّ محض فقد احتفظ باسمه العربي دليلًا ساطعًا على مساهمة العرب في تاريخ العلم الإنساني؛ لأنّ الجبر أصبح قاسمًا مشتركًا في جميع العلوم التجريبيّة.  ويروي لنا أحد مؤرّخي الرياضيات وهو الفرد هوبر (H0pper)  قصّة هذا المصطلح قائلا: «لقد كتب الرياضي العربي الخوارزمي كتابًا في حلّ المعادلات وجعل له عنوان «الجبر والمقابلة». ولقد ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية تحت عنوان «مدرسة الجبر والمقابلة»، وبالتدريج اختصر هذا العنوان الغريب إلى الكلمة الدارجة «الجبر» وبذلك حلّت الكلمة العربية (Algebra) محلّ الكلمة اليونانيّة (Arithmetic)»[48]، وقد يبدو في ظاهر الأمر أنّ كلمة ما حلّت محلّ أخرى، وهو أمر كثير الحدوث، غير أنّ الحقيقة أنّ علمًا جديدًا قد ظهر إلى الوجود في تاريخ العلم على يد عالم عربي. ولسنا في حاجة إلى بيان مدى أهميّة علم الجبر في شتّى مناحي الحياة فضلًا عن كونه واحدًا من أسس العلوم على اختلاف أنماطها وتنوّعها.
2 ـ تسعى الدول عادة إلى تكريم أبنائها من العلماء بإطلاق أسمائهم على بعض الوحدات القياسيّة، مثل الوحدات القياسيّة الكهربية الشائعة مثل الأوم (Ohm) والفولت (Volta) والأمبير (Ampere)، غير أنّ عالمًا عربيًّا، لم يسع إلى تكريمه أحد، بل فرض  اسمه فرضًا على أدبيات تاريخ العلم، وهو الخوارزمي؛ إذ إنّ اللوغاريتمات (Logarithm)، والتي تعتبر من أهمّ الأسس الرياضيّة، وهي مشتقّة من اسم العالم العربي الكبير الخوارزمي، يقول جوان فرنيه: «ولكن الخوارزمي يعتبر أوّل رياضيّ مسلم كبير. ونحن مدينون له بمحاولة وضع تنظيم منهجيّ باللّغة العربية الذي يعني الترقيم (أي الأعداد ومنازلها والصفر) كما ندين له باللّفظ (Alogarithm)، وهو مشتقّ من اسم الخوارزمي كما ورد في الترجمة لمصنّفه المعروف باسم «كتاب الخوارزمي»(48)[49].
 وعن الخوارزمي وكتابه تقول زجريد هونكه: «وكُتب للخوارزمي الخلود بتأليفه كتابين هامين في الرياضيات حمل الأوّل منها «حساب الجبر والمقابلة» ويضمّ مجموعة ممتعة من مشاكل الرياضيات التي يعنينا أمرها في الحياة العمليّة. وحينما ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية في العصور الوسطى حمل معه اسمه العربي لتصبح كلمة «الجبر» (Algebra) كلمة عالميّة تخلّد اسم صاحبها.
ولم يقتصر الخوارزمي على تعليم الغرب كتابة الأعداد والحساب، فقد تخطّى تلك المرحلة المعقّدة من مشاكل الرياضيات، وما زالت القاعدة الحسابية (Algorithms) حتى اليوم تحمل اسمه كعلم من أعلامها. والخوارزمي حين تناول في كتابه موقع الصفر قال: «في عمليات الطرح، إذا لم يكن هناك باق، نضع صفرًا ولا نترك المكان خاليًا حتى لا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات. ويضيف: «إنّ الصفر يجب أن يكون على يمين الرقم؛ لأنّ الصفر على يسار الاثنين مثلًا (02) لا يغيّر من قيمتها ولا يجعل منها عشرين»[50].
3 ـ لعلّ تاريخ الرياضيات لم يعرف ثورة مثلما أحدثه «الصفر» من ثورة كبرى في تاريخ العلم بوجه عام وتاريخ الرياضيات بوجه أخص، فلولاه لما استطعنا أن نحلّ الكثير من المعادلات، ولما تقدّمت فروع الرياضيات تقدّمها المشهود، ولما تقدّمت المدنيّة على النحو الذي نشهده الآن في عصر الحاسوب ( الكمبيوتر ). ولقد عرف العالم كلّه «الصفر» عن طريق العرب، يقول هوير: «لقد جاءت كلمة (Zero) من الكلمة العربية  صفر، وهي ترجمة للكلمة الهنديّة «سنيا» التي تعني «خال»  أو «فارغ» ولقد انتقلت كلمة صفر إلى اللغة الإنجليزية في الكلمة (Cipher)، وكلمة (Zero) نفسها مختصر للكلمة الإيطالية (Zepiro) وهذه أيضًا أصلها الكلمة العربية صفر[51]. ويضيف جوان فرنيه قائلًا: «والمعروف أنّ لفظة سيفر (Cipher)، وتعني الرقم بالإنجليزية، إنّما اشتقّ أصلًا من الصفر العربية، وكانوا يرسمونه على هيئة حلقة في داخلها فراغ، وهو شكل أصبح يدلّ على الصفر لدى الغرب»[52].
 ومن الغريب في الأمر والذي يدعو إلى الريبة أن المؤرّخين الغربيين الذين تناولوا في كتاباتهم تطوّر الأفكار العلميّة، تجاهلوا تمامًا الصفر وأهمّيته في تطوّر العلم. فلم يذكر -مثلًا- جيمس كونانت (J. Conant) في كتابه «مواقف حاسمة في تاريخ العلم» أيّة فكرة لعالم عربي ضمن الأفكار العلميّة التي ساهمت في تطوّر العلم في الحضارة الإنسانيّة، كما لم يذكر أيضًا توماس كون (Th.Khun) في كتابه «بنية الثورات العلمية» خبرًا واحدًا عن الصفر أو عن أيّ عالم عربي على الرغم من أنّه قد أورد عشرات الأسماء من العلماء بداية من عصر الإغريق وحتى العصر الحديث.
إذًا، نحن أمام حالة من التّجاهل التّام والصّمت المريب والإنكار المتعمّد لإبداع عربي تمثّل في مصطلح علميّ عربيّ الحرف واللفظ والمعنى، وهو أكثر المصطلحات العلميّة دورانًا على الألسنة وتداولًا في مؤّلفات العلم وأدبيّاته فضلًا عن انتشاره  في كّل سطر مقروء وكلّ كلمة مسموعة في كلّ لغات العالم بأسره. ولعلّ جاك ريسلر في كتابه «الحضارة العربية» أوضح أهميّة الصفر بالنسبة للعلم بقوله: «ويستطيع المرء أن يقول دون سخرية: إنّ الصفر كان يعدّ من بين أهمّ فتوح الجنس البشري»[53].  
4 ـ يقول رينيه تاتون: «كان نشر وإكمال الحساب العشري المرتكز على مبدأ الموقع -يقصد موقع الأرقام من بعضها البعض مثل موقع الآحاد والعشرات والمئات والتي تحدّد قيمة العدد- هما إحدى نجاحات العلم العربي الكبرى[54]، فالأرقام أو الأعداد العربية، وعلى الرغم من أنّ العرب قد اقتبسوا هذه الأرقام من الهنود، إلا أنّها قد عرفت في أرجاء العالم كلّه -حتى الآن- باسم «الأرقام العربية» (Arabic Numbers)؛ لأنّ أوروبا قد عرفت هذه الأرقام عن طريق العرب بعد تعديلها وتطويرها على أيدي المسلمين كما يقول دونالد هيل[55].. وقد كان الأوروبيون يستخدمون الحروف الرومانيّة المعقّدة والطويلة، فأيّ ثورة علميّة تلك التي أدخلها العرب في الرياضيات، وما أدراك ما الرياضيات التي دخلت في كل علم. وعلى هذا فليس من الغريب على مؤرّخ مثل هوبر أن يناقض نفسه ويعترف بفضل العرب في الرياضيات، ويقول: «شكرًا للعرب الذين جلبوا الحكمة إلى أوروبا التي كانت غارقة في الجهل والتخلّف. أدخل العرب الطريقة الجديدة الثوريّة في كتابة الأعداد، هذه الطريقة التي مهّدت السبيل لما يعرفه العالم الحديث في الهندسة والطيران»[56]. وعن الجهل الذي كانت فيه أوروبا في العصور الوسطى وتردّدها في استخدام الأرقام العربيّة يحدّثنا ريسلر قائلا: «في سنة 976 كان الخوارزمي يفترض استخدام دائرة صغيرة، هذه الدائرة هي التي نشأ منها الصفر(Zero)، بيد أنّه لا اليونانيون على الرغم من ثقافتهم، ولا الرومانيون على الرغم من طريقتهم الفنيّة استطاعوا أن يكشفوا طريقة للعدد، وكان الأقدمون يعدّون على أصابعهم، وعلى ذلك ظلّت ممارسة الحساب صعبة في الغرب حتى بعد اختراع الخوارزمي للصفر بمئتين وخمسين سنة، واليوم لا نصل إلى تعليل البطء الغريب  الذي أحدثه الأوروبيون في استخدام الأعداد العربية»[57].
5 ـ من أهمّ الملامح الأساسيّة في تقدّم الرياضيات، الرموز الرياضيّة التي وجدت طريقها إلى سائر العلوم المتعلّقة بالرياضيات كالفيزياء والفلك، ومن العجيب أنّ هذه الرموز إنّما هي اختراع عربي أصيل. تقول المستشرقــة الألمانيــــة زجريد هونكــه: «إنّ علم الجبر لا يزال حتى هذا  اليوم يحتفظ بطابع عربي يتجلّى في الـ «X» التي نضعها رمزًا للمجهول في معادلة ما. ثم إنّ هذا الحرف «X» الذي يليه حرفا «Y» و«Z» كرموز للمجهول في المعادلات، وحبًّا في اتّباع التدرّج الأبجدي، إنّما دخل أوروبا تحت قناع لا تعرفه إلا القلّة. بل وإنّه ليصعب علينا أن نتبيّن أصله العربي، ولا سيّما أنّ الأبجديّة العربيّة لا تملك بين حروفها مثل هذا الحرف. لقد سمّى العرب كلّ شيء مجهول يقصد البحث عنه في المعادلات بـ «الشيء»، ومختصر الشيء  هو «ش» الذي يعادل صوتيّا حرف الـ «X» في الأسبانية القديمة. إنّنا ما زلنا حتى هذه الأيام نتلقّى، ونحن صغار في المدرسة، دروسًا عن كيفيّة استعمال «الشيء» العربي في الحسابات»[58].
6 ـ من المصطلحات الرياضيّة الشائعة «الكسر» الذي يعني قسمة مقدار على آخر مثل 4/3 ويقابل هذا المصطلح في اللّغة الإنجليزية (وبالتالي في سائر اللغات) كلمة (Fraction) وهذه الكلمة إنّما هي ترجمة عربية لكلمة «الكسر» العربية. يقول جون ماكليش: «قدّم الخوارزمي في كتابه فصلًا كاملًا عن الكسور، وإنّ الصّلة  بين كلمتي «الكسر» بالمعنى الاصطلاحي و«الكسر» بالمعنى اللّغوي في اللّغة العربيّة موجودة بين كلمتي «Fraction» و «Fracture» في اللّغة الإنجليزية. فكلمة «كسر» وتعني الأعداد المكسورة هي كلمة الخوارزمي الذي بيّن كيف يمكن تقسيم الواحد المفرد إلى قطع...إلخ»[59].

خاتمة:
تلك كانت الصورة الحقيقيّة لتراث اليونان في الرياضيات، وقد تعمّدنا أن نستشهد -كما هو متّبع في هذه الحالة- بآراء الغير دون آراء الباحثين من بني العرب، حتى نتجنّب مظنّة الميل والهوى، فلقد أفاض المستشرقون ومؤرّخو العلم درسًا وبحثًا في الرياضيات اليونانيّة وعدّوها من مفاخر الإنسانيّة. وقد أجمعت آراؤهم جميعًا على أنّ العرب لهم الفضل كلّ الفضل في ترجمة هذا التراث الإنساني الفذّ والاحتفاظ به، ويكفي بهذا فضلًا وعرفانًا لهم، وإنّهم -إذا كانت لهم مساهمة ما- فهي قليلة للغاية، فقد أوفت الرياضيات اليونانيّة على الاقتراب من درجة الكمال، إن لم يكن قد بلغتها فعلًا.
وإذا كان من قولة حقّ تقال؛ فإنّنا نحن العرب نتحمّل المسؤوليّة الكبرى، في ترسيخ هذه الصورة التي باتت من المسلّمات في تاريخ العلم. فباستثناء كتب معدودة للغاية تمّ تحقيقها ودراستها، نذكر منها على سبيل المثال كتاب «الجبر والمقابلة» للخووارزمي، والذي قام بتحقيقه ودراسته علمان من أعلام الرياضة في العلم العربي، وربّما في العلم أيضًا، وهما الدكتور علي مصطفى مشرفة والآخر الدكتور محمد مرسي أحمد، ومثال آخر كتاب  «استخراج الأوتار في الدائرة» للبيروني تحقيق ودراسة الدكتور أحمد سعيد الدمرداش. غير أنّنا لا ننسي في هذا الشأن ذلك العمل الممتاز والمجهود الرائع الذي قام به الدكتور رشدي راشد في تأريخه للهندسة التحليلية العربية ودراستها في خمسة مجلّدات حوت ألوف الصفحات التي تؤرّخ لفرع واحد من علوم الرياضيات. ولعلّ الأمل يحدونا في الجامعات -وخاصّة كليات العلوم وتحديدًا أقسام الرياضيات فيها- والمؤسّسات العلميّة التي تملأ أقطار الوطن العربي بأسره، أن تشرع في ترجمة كلّ ما كتبه المستشرقون ومؤرخو العلم عن الرياضيات العربية، حتى يمكن تصحيح المفاهيم الخاطئة التي لحقت بالعلم العربي عمومًا والرياضيات بوجه أخص، ليس هذا فحسب بل التأكيد على حدوث عمليات سطو على نتاج العلماء العرب، وانتحال علماء الغرب إبّان عصر النهضة الأوروبيّة وما بعدها بعد أن ترجم التّراث العلمي كاملًا إلى الّلغة اللاتينيّة والإيطاليّة عبر مراكز الاتّصال الحضاري في مدن الجنوب الأوروبي وحواضره، ممّا هو معروف ومشهور في هذا الشأن.
إنّ تحقيق المخطوطات الرياضيّة القابعة في زوايا النسيان في مكتبات العلم وحواضره، شرقه وغربه، ليس بالأمر العسير الآن، فقد يسّرت الفهارس للكثير من المكتبات سبل معرفة أماكن المخطوطات ومن ثمّ السبيل الحصول على نسخ مصوّرة منها، ولا ننسى بالطبع الكتاب الموسوعي في المخطوطات للدكتور فؤاد سيزكين «تاريخ التراث العربي»، وهو خير كتاب لهذا الغرض، ولم يعد يبقى سوى إرادة أولي العزم من الباحثين في أقسام الرياضيات بكليات العلوم في الجامعات العربيّة، وما أكثرها من التعاون وتبادل الخبرات في مجال تحقيق المخطوطات العلميّة، وخاصّة الرياضيّة منها؛ حتى يمكن الكشف عن حقيقة الإبداع العربي، ومدى انتفاع علماء الغرب واعتمادهم عليه، وأهمّ من هذا وذاك الكشف عن السطو من قبل علماء الغرب، وادّعاء السبق والفضل، وهو ما أكّده ودلّل عليه فريق من المستشرقين ومؤرّخي العلم أنفسهم. 
ولعلّ هذا كلّه يصبّ في مجرى واحد، وهو أنّ العالم كلّه -في مجال العلوم- يدين بالكثير للعرب بأكثر مما يدين به لليونان؛ لأّن العلم العربي قد فرض نفسه فرضًا على الرياضيات بدليل تلك المصطلحات العربيّة الأصل باقية على حالها حتى الآن.


المراجع

1 ـ أعلام المهندسين في الإسلام، أحمد تيمور باشا، لجنة المؤلفات التيمورية، دار الكتاب العربي، القاهرة،  1957.
2 ـ البيروني، د. أحمد سعيد الدمرداش، دار المعارف، القاهرة، 1980.
3 ـ تاريخ التراث العربي، د. فؤاد سيزكين، ترجمة د. عبد الله حجازي وآخرين، جامعة الملك سعود، الرياض، 2002.
4 ـ  تاريخ العلم، جورج سارتون، ترجمة لفيف من الأساتذة، دار المعارف، ط 3، القاهرة، 1978.
5 ـ تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه لعبد الحليم منتصر، ط 2،  دار المعارف،  القاهرة، 1967.
6 ـ تاريخ العلوم العام، رينيه تاتون، ترجمة علي مقلد، المؤسة الجامعية للدراسات والنشر،بيروت، 1988
7 ـ تراث الإسلام،الفرد جيوم وآخرين، ترجمة د. زكي محمد حسن وآخرين، مكتبة الآداب، القاهرة، 1983.
8 ـ تراث الإسلام، شاخت وبوذورث، ترجمة  د. حسين مؤنس وآخرين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1978.
9 ـ  تراث الإسلام، جمهرة من المستشرقين، إشراف  سير توماس أرنولد، ترجمة جرجيس فتح الله، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط 2، بيروت، 1972.
10 ـ  الجبر والقابلة للخوارزمي، تحقيق د. علي مصطفى مشرفة ود. محمد مرسي أحمد، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1968.
11 ـ الحضارة، د. حسين مؤنس، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،1978.
12 ـ الحضارة العربية، جاك ريسلر، ترجمة غنيم عبدون، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، بدون تاريخ.
13ـ رواد الرياضيات، الفرد هوبر، ترجمة رمضان أمين الشريف، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1965.
14ـ شمس العرب تسطع على الغرب  زجريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون و كمال دسوقي، ط6، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981.
15 ـ صلة العلم بالمجتمع، ج.ج. كراوثر، ترجمة حسن خطاب، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، بدون تاريخ.
16 ـ عبقرية العرب في العلم والفلسفة،. عمر فروخ، المكتبة العصرية، ط 4، بيروت، 1981 م.
17 ـ العدد..من الحضارات القديمة حتى عصر الكمبيوتر، جون ماكليش، ترجمة د. خضر الأحمد و د. موفق دعبول، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،1999.
18 ـ العلم الإغريقي، بنيامين فارنتن، ترجمة  أحمد شكري سالم، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1958.
19 ـ العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي، ألدو مييلي،ترجمة د. عبد الحليم النجار، دار القلم، القاهرة، 1962.
20 ـ علم الفلك..تاريخه عند العرب، كرلو نيللينو، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، بدون تاريخ.
21ـ العلم في التاريخ،ج.ج. برنال، ترجمة علي علي ناصف، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981.
22 ـ العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، دونالد هيل، ترجمة د.أحمد فؤاد باشا، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،2004.
23 ـ الفهرست، ابن النديم، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
24 ـ في تراثنـا العربي الإسلامي، د.توفيق الطويل، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1985.
25 ـ قصة الحضارة،  ول ديورانت، ترجمة محمد بدران، ط3،لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1968.
26 ـ قصة العلم، ج.ج. كراوثر، ترجمة د.يمنى طريف الخولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999.
27 ـ قصة الفيزياء، لويد متز وآخرين، ترجمة د. طاهر تريدار وآخرين، دار طلاس، ط2، دمشق، 1999.
28 ـ  معالم تاريخ الإنسانية، هـ.ج. ويلز، ترجمة عبد العزيز جاويد، لهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1994.
29 ـ المقدمات التاريخية للعلم الحديث، توماس جولد شتين، ترجمة د. أحمد حسان عبد الواحد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2004.
30 ـ موجز تاريخ العالم، هـ. ج. ويلز، ترجمة عبد العزيز جاويد، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، بدون تاريخ.

--------------------------------
[1] كبير الباحثين بهيئة المساحة الجيولوجية (سابقًا) - مصر.
[2] ـ منتصر، عبدالحليم: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه، ص15.
[3]لفيف من المؤلفين: موجز تاريخ العلم، ترجمة د.عزت شعلان، ص15.
[4] لويد متز وآخرين: قصة الفيزياء، ترجمة د. طاهر تريدار وآخرين، ص6.
[5] شاخت وبوذورت: تراث الإسلام، ترجمة د. حسين مؤنس ود. إحسان صدقي العمد، ج2، ص314.
[6] رنيه تاتون: تاريخ العلوم العام، ترجمة على مقلد، ج1، ص440.
[7]John Wiley& Sons C.Boyer History of mathematics.
.N.Y.1991
[8] مؤنس، حسين: الحضارة، ص70.
[9]زجريد هونكه: شمس الله تشرق على الغرب، ترجمة: كمال دسوقي وفاروق بيضون، ص12.
[10] جون ماكليش: العدد، ترجمة: د. خضر الأحمد ود. موفق دعبول، ص108.
[11] ول ديورانت: قصّة الحضارة، ترجمة: محمد بدران، مج1، ج2، ص119.
[12] سارتون، جورج: تاريخ العلم، ترجمة: لفيف من الأساتذة، ج4، ص135.
[13] الفريد هوير: رواد الرياضيات، ترجمة: رمضان أمين شريف، ص42.
[14] راجع: يعقوب عبد النبي، مصطفى: "الترجمة في العصر العباسي"، جذور، ج15، مج8، شوال 1424هـ، ص643 ـ 668.
[15] فروخ، عمر: عبقرية العرب في العلم والفلسفة، ص35.
[16] الفهرست لابن النديم، ص371.
[17] تاريخ العلم، مصدر سابق،ج4، ص85.
[18] المصدر السابق، ج4، ص87.
[19] الفهرست، مصدر سابق، ص378.
[20] سارتون، جورج، تاريخ العلم، م.س، ج4، ص138
[21] م.ن، ص139 وما بعدها.
[22] شاخت وبوذورث: تراث الإسلام، ترجمة: إحسان صدقي العمد وآخرين، ج2، ص173.
[23] الخوارزمي: الجبر والقابلة، تحقيق: د. علي مصطفى مشرفة ود. محمد مرسي أحمد، ص 16.
[24] م.ن، ص67.
[25] الخوارزمي: الجبر والقابلة، تحقيق: د. علي مصطفى مشرفة ود. محمد مرسي أحمد، ص13.
[26] موالدي، مصطفى: كتابان نادران في الرياضيات التطبيقية، مجلة معهد المخطوطات العربية، مج 48، الجزآن 1 و2، نوفمبر 2004، ص125.
[27] موالدي، مصطفى: كتابان نادران في الرياضيات التطبيقية، مجلة معهد المخطوطات العربية، مج 48، الجزآن 1 و2، نوفمبر 2004، ص145.
[28] ه. ج. ويلز: معالم تاريخ الإنسانية، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، ج3، ص124.
[29] ج.ج. كراوذر: صلة العلم بالمجتمع، ترجمة: حسن خطاب، ص173.
[30] ج.ج. كراوذر: قصة العلم، ترجمة: د.يمنى طريف الخولي، ص59.
[31] كرلو نيللينو: علم الفلك..تاريخه عند العرب، ص291.
[32] البيروني، د. أحمد سعيد الدمرداش، ص 99.
[33] ألدو مييلي: العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي، ترجمة: د. عبد الحليم النجار، ص209.
[34] ج. برنال: العلم في التاريخ، ترجمة: د.علي علي ناصف، ص306.
[35] باشا، أحمد تيمور: أعلام المهندسين في الإسلام، ص10.
[36] ول ديورانت، قصة الحضارة، م.س، مج 7، ج13، ص240.
[37] مجموعة مؤلفين: تراث الإسلام، ترجمة: د. زكي محمد حسن، ج2، ص154.
[38] م.ن، ص159.
[39] ول ديورانت، قصة الحضارة، م.س، ج13، ص244.
[40] دونالد هيل: العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ترجمة: د. أحمد فؤاد باشا، ص166.
[41] فارنتن، بنيامين: العلم الإغريقي، ترجمة: أحمد شكري سالم، ج2، ص9.
[42] جمهرة من المستشرقين: تراث الإسلام، إشراف: سير توماس أرنولد، ترجمة: جرجيس فتح الله، ص567.
[43]م.ن، ص567.
[44] سيزكين، فؤاد: تاريخ التراث العربي، ترجمة: د. عبد الله حجازي وآخرين، مج 5، ص3
[45] سيزكين، فؤاد: تاريخ التراث العربي، ترجمة: د. عبد الله حجازي وآخرين، مج 5، ص3.
[46] جون ماكليش، العدد، م.س، ص186.
[47] جاك ريسلر: الحضارة العربية، ترجمة: غنيم عبدون، لا ط، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، بدون تاريخ، ص175.
[48] الفريد هوير، رواد الرياضيات، م.س، ص94.
[49] شاخت وبوذورث، تراث الإسلام، م.س، ج2، ص301.
[50] زجريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، م.س، ص75.
[51] الفريد هوير، رواد الرياضيات، م.س، ص33.
[52] شاخت وبوذورث، تراث الإسلام، م.س، ص302.
[53] جاك ريسلر، الحضارة العربية، م.س، ص157.
[54] رينيه تاتون: تاريخ العلوم العام، ترجمة: علي مقلد، ص468.
[55] دونالد هيل: العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ترجمة: د. أحمد فؤاد باشا، ص37.
[56] الفريد هوير، رواد الرياضيات، م.س، ص33.
[57] جاك ريسلر، الحضارة العربية، م.س، ص174
[58] زجريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، م.س، ص160.
[59] جون ماكليش، العدد، م.س، ص173.