البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نظرة المستشرقين اليهود لقضيّة الجزية في مصر الإسلامية "جواتياين إنموذجاً".

الباحث :  محمود أحمد هديّة
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  24
السنة :  شتاء 2021م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  February / 9 / 2021
عدد زيارات البحث :  946
تحميل  ( 586.281 KB )
جاءت أكثريّة الدّراسات الاستشراقيّة حول تاريخ العرب والمسلمين في كثيرٍ من الأوقات بفرضيّاتٍ خاطئةٍ وأفكارٍ سعت لتكريس العواطف العدائيّة ضدّ المسلمين، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر فإنّها لجأت لإقرار مفهوم التأثير اليَهُودي والمسيحي من منطلقٍ عرقيٍّ في تاريخ المسلمين وثقافتهم مباشرة، بحيث يكون تراث المسلمين وتاريخهم عالةً على اليَهُوديّة والمسيحيّة، غير أَنَّ بعض الدّراسات الاستشراقيّة كان لها مساهماتٌ في إيضاح العديد من الجوانب المتعلّقة بالتّاريخ والحضارة الإسلاميّة، كما ساهمت في تناول جوانبَ مهمّة من تاريخ المسلمين. هذا في الوقت الذي مثّل فيه التّاريخ الاجتماعي لليَهُود في المجتمعات الإسلاميّة محورًا مهمًّا لمعرفة تلك القيم المنبثقة مما أمَرنا به الشّرع الحنيف تجاه غير المسلمين، فقد نصّ القرآن الكريم بوضوحٍ على طريقة معاملة المسلمين لغير المسلمين بقوله جل وعلا (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنَّ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنَّ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [2].

لذا فتحديد جوهر العلاقة بغير المسلمين في العالم الإسلامي، لا ينفكّ عن رصد واقع المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط، فالقيمة الحضاريّة والثقافيّة له تتمثّل فيما حقّقه من مبادئَ إنسانيّةٍ زاهيةٍ، تجاوزت حدودها لتعمّ بإنسانيّتها الآخرين، ولو خالفوه في الدين والجنس واللغة، وما نتج عنه من تفاعلاتٍ اجتماعيّةٍ متلاحقةٍ ارتبطت بتلك المجتمعات والأقاليم التي رضخت للسّيادة الإسلاميّة، وهو ما ساعد في إنجاح غير المسلمين من المسيحيين والْيَهُود ـ محور الدّراسة ـ وفي ذلك تقول المستشرقة الألمانيّة زيغريد هونكه: "العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتيّة والْيَهُود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصّب الديني وأفظعها؛ سُمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أَنَّ يمسوهم بأدنى أذى، أو ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟"[3].

فأضحى المجتمع الإسلامي بوتقةً اجتماعيّةً ومجتمعيّةً امتزجت فيها الحضارات منذ دخول كثير من أهل المناطق المفتوحة في الإسلام، فضلا عن ذاك الاختلاط والاحتكاك بين المسلمين وغيرهم، فأصبح المجتمع الإسلامي وعاءً انصهرت فيه تلك الثقافات والديانات وخاصّة الْيَهُود، فأصبحوا في المجتمع الإسلامي جزءًا لا يتجزّأ من نسيجه الاجتماعي فتبوّؤوا مكانةً مميّزةً تكوّنت من خلال حالة التّعايش والتّسامح التي وجدت فانصهروا فيه وأدّوا أعمالًا وشاركوا في العديد من النّشاطات، وهو ما يؤكّد عليه ويل ديورانت في كتابه قصّة حضارة؛ حيث يذكر: «وكان الْيَهُود في بلاد الشّرق الأدنى قد رحّبوا بالعرب الذين حرّروهم من ظلم حكّامهم السابقين ... وأصبحوا يتمتّعون بكامل الحريّة في حياتهم وممارسة شعائر دينهم»[4]، وعلى العكس فغيرهم من أهل الذّمّة وخاصّة المسيحيين –النصارى- انغلقوا على أنفسهم وانكبّوا لتأدية طقوسهم الدينيّة فلم يحتلّوا تلك المكانة التي اكتسبها اليَهُود إبّان تلك الفترة.
وعلى الرغم من ذلك؛ نجد بعض المستشرقين بالإضافة للباحثين اليَهُود المهتمّين بدراسة التّاريخ الإسلامي؛ استطردوا في كتابة العديد من الدّراسات التي تناولت ذلك الوضع الذي اكتسبه الْيَهُود في الحضارة الإسلاميّة وخاصّة في مصر في بعض الفترات، واعتبروه سيّئًا ودونيًّا -من وجهة نظرهم- وهو ما صوّروه لأنفسهم؛ فصوّبوا أقلامهم تجاه الإسلام فأفردوا صفحاتٍ وصفحاتٍ لها بتناول بعض الحالات التي عانت من وضعٍ اقتصاديٍّ أو اجتماعيٍّ معيّنٍ، ومقارنة بغيرهم من الأقلّيات التي عاشت في رحاب العديد من الدّول والإمبراطوريات والممالك والتي نالت من التقليل والتهميش ما جعلها في وضعٍ دونيٍّ عن غيرها من طبقات المجتمع مقارنةً بتلك الفترة الطويلة التي امتدّت لقرونٍ، فعاش اليَهُود في كنف الحضارة الإسلاميّة دون النّظر لذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتميّز الذي تمتّعوا به دون غيرهم خلال تلك الفترة، وهو ما افتقدوه في أوروبا المسيحيّة آنذاك فكان الطّرد والتهجير من نصيبهم، فاستغلّ المستشرقون تلك الحالات في الهجوم على المجتمع الإسلامي.

موقف جواتياين من الجزية:
لا أحد يُنكر مساهمة جواتياين المهمّة في مجال الدّراسات الإسلاميّة المستخلصة من ثنايا الجنيزة، والتي ساهمت في إيضاح العديد من الجوانب الحضاريّة التي غفلت عنها المصادر العربيّة، حيث ساعدت الظّروف العلميّة جواتياين بأَن يكون على اتّصالٍ وثيقٍ بعالم العلم الإسلامي والمسلمين، ممّا مكّنه من معرفة أبرز قضايا التّاريخ الإسلامي وكيفيّة اكتشاف شواهدَ وأدلّة حول المجتمع الإسلامي مدفونة في سجلّات الجنيزة[5]، فجواتياين -شيلومو دوف جواتياين- المولود في عام 1900م في قرية بورغكوندستات جنوب ألمانيا، والمتوفّى في برينستون بنيو جيرسي عن عمر 85 عامًا، حصل على تعليمٍ يَهُوديٍّ بجامعة فرانكفورت ودرس اللّغة العربيّة والإسلام إضافةً إلى تعليمه التلمودي والذي ساعده على فهم المجتمع اليَهُودي ودراسته في العصور الوسطى، حصل على درجة الدكتوراه عام 1923م عن موضوع الصلاة في القرآن، حقّق جواتياين طموحه الصهيوني بالهجرة إلى فلسطين، وعاش في إحدى القرى الخاصّة بالشّباب مثل العديد من المهاجرين الآخرين الذين حصلوا على تعليمٍ جامعيٍّ أوروبيٍّ، التحق بالعمل في التعليم الثانوي بمدرسة ريالي في مدينة حيفا، بعدها انضمّ لهيئة التدريس في الجامعة العبريّة، وأثناء عمله بالجامعة العبرية بدأ جواتياين القيام بعملٍ ميدانيٍّ تعلّق باليَهُود اليمنيين والذين بدأوا بالهجرة الجماعيّة إلى إسرائيل بعد إنشاء الكيان الإسرائيلي، عن طريق المزج بين الدّراسات العربيّة واليَهُوديّة والتي ساعدته في فهم طبيعة اليَهُود اليمنيين الأكثر يَهُوديّةً والأكثر عربيّةً من بين جميع اليَهُود، مما كان له تأثيرٌ بالغٌ على دراسته اللّاحقة لحياة الجاليات العربيّة اليَهُودية في العصور الوسطى، وفي عام 1948م أتيحت له الفرصة لفحص أجزاء مخطوطة من الجنيزة التي كانت تنتمي لمجموعة ديفيد كاوفمان في أواخر القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الوقت انغمس جواتياين لبقيّة حياته بدراسة تلك الرسائل والسجلّات التي تكشف عن طبيعة الحياة اليوميّة في العصور الوسطى في العالم الإسلامي المتوسطي[6]، وذلك عبر العديد من الكتب والمقالات المستخلصة من الجنيزة، والتي تبنى فيها العديد من النظريات المتّصلة بالمجتمع اليَهُودي في العالم الإسلامي والتي تطرّقت لاضطهاد اليَهُود ونبذهم وانغلاقهم على أنفسهم، مما دعاهم لبناء مجتمعٍ يَهُوديٍّ متماسكٍ دون الحاجة إلى غيرهم.

وبالعودة للجنيزة والتي تُعدّ أهمّ المصادر الخاصّة بتاريخ اليَهُود على الإطلاق في العصر الإسلامي، فهي تقدّم أدلّة ووثائق حيّة تُغطّي فترةً زمنيّةً تُقدّر بحوالي عشرة قرون تبدأ من القرن العاشر الميلادي، في رقعةٍ تشمل المنطقة العربيّة بوجهٍ عامٍ، وتعكس لنا الحياة بكافّة تفصيلها للمجتمع الْيَهُودي[7]،كما تعدّ الجنيزة مصدرًا مهمًّا للغاية لدراسة التّاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمصر والعالم الإسلامي في العصور الوسطى كونها تحفظ المعلومات عن التّجارة والأسعار والقيم النّقديّة والعملة، كما أنّها تسدّ الفجوات التي خلّفتها السّجلّات والكتب الإسلاميّة، فضلًا عن تقديمها معلوماتٍ عن الطّبقات الدنيا من المجتمع[8]، على الرّغم من أَنَّ وثائق الجنيزة بمجموعاتها المختلفة تمّ سرقتها من مصر في نهاية القرن التاسع عشر، الأمر الذي  أدّى لاحتكار دراستها وترجمتها من قبل علماء أجانب، خاصّة وأنّ معظم المستشرقين الذين عملوا على الجنيزة كانوا يَهُودًا والقلّة منهم من غير اليَهُود، الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام تجاه أجزاءٍ كثيرةٍ منها.

 أمَّا عن قضيّة الجزية والتي كانت وما زالت محلّ نقدٍ من قبل المستشرقين، وهي سمة العديد من الدّراسات الاستشراقيّة بالاقتصار على نظرات بعض المستشرقين للتّاريخ بنظرةٍ انتقائيّةٍ وتعمّد البعض إلى تضخيم مواقفَ تاريخيّةٍ تُسيء للإسلام والمسلمين وكذلك استغلال بعض القضايا المجتمعيّة كقضيّة الجزية في تثبيت ادّعاءاتٍ وافتراءاتٍ، وبخاصّة اليَهُود وعلى رأس هؤلاء جواتياين، حيث تركّز تناوله لقضيّة الجزية في نقطتين بنى عليهما رأيه في مقالته التي طرح فيها تلك النّظريّة[9]:

النّقطة الأولى: إصرار السّلطات الإسلاميّة في مصر على جمع الجزية دون أيّ اعتباراتٍ اجتماعيّةٍ وإنسانيّةٍ، ما هو إلّا تمييز عنصريّ –من وجهة نظره- المقصود به هو التأكيد على وضعيّة أدنى لهؤلاء الْيَهُود دون المسلمين، وأنّ تلك الضريبة لا تحمل في مضمونها شقًّا ماديًّا أو اقتصاديًّا خاصّة وأنّ مقدارها لا يتجاوز الدّينار الواحد والأربعة دنانير وهو ما يتكيّف مع القدرة الماليّة لتلك الفئة في ذلك الوقت باعتبارها من أغنى الطبقات ليس فقط في مصر ولكن في عالم العصور الوسطى[10].

النّقطة الثانية: إنَّ السّلطة في مصر لم تراعِ أهل الذّمّة من الْيَهُود –في بعض الأحيان- وقدّمت الاستثناءات للفقراء في أضيق الحدود، وأنّها لم تأخذ بعين الاعتبار الوضع المادي للأسرة الْيَهُوديّة في مصر ولم تأخذ بعين الاهتمام حالة الفقر والحرمان التي عانى منها الْيَهُود، فأصحبت الفترة التي تجمع فيها الجزية تشكّل حالةً من الرّعب والخوف والبؤس في نفوس الْيَهُود، على الرّغم من أَنَّ أحكام الشّريعة الإسلاميّة تستثني المعوزين والمعاقين والقاصرين عن دفعها وتمّ إهمالها من قبل السّلطة الأيوبيّة ذات المذهب الشافعي[11].
وكان هذا التأسيس لرأي جواتياين حول تلك القضيّة منبثقًا من استشهاده ببعض الحوادث للافتراء على الدّولة بأنّها لم تراعِ الحاجة والفقر عند بعض الفقراء من الْيَهُود، اعتمادًا على بعض الوثائق التي أشارت لعدم إسقاطها في حالات الفقر الشديد عن الْيَهُود على الرّغم من وجود موجباتٍ لإسقاطها وخاصّة حالات افتقار الرّجل أو عجزه أو موته أو إسلامه، كما في الرّسالة التي تعود لعام 622هـ/1225م لأحد الْيَهُود كان يعمل في نسخ الكتب ويقيم في مدينة قليوب[12] بالدلتا، يذكر فيها الوضع المادّي المتردّي لها بقوله «هذا المكان لا يوفّر لي مبلغ الجزية أو الملابس، ولكنّه يكفيني فقط للأكل لأنها لا تزيد عن خمسة دراهم أسبوعيًا، وأحتاج إلى ثلاثة أرباع الدّرهم يوميًا على الأقل، لذا فإنّ دخلي ليس كافيًا حتى لغسل ردائي»[13].

على الرّغم من تأكيد جواتياين نفسه على مقدار الحريّة والحماية المكفولة لليَهُود في العالم الإسلامي بقوله «بأنَّ القدر الهائل من حريّة الحركة الذي تمتَّع به الْيَهُود، والذي صوّرته جِنِيزة القاهرة، كان من المستحيل أَن يتحقّق ما لم يكن لهم وضعٌ قانونيٌّ، وما لم يسمح بذلك مناخ السياسة العامة»[14]. مما يؤكّد على أَنَّ الإعاقات التي فُرضت على الْيَهُود لم تكن إلا إعاقات نظريّة وهو ما تؤكّده الجِنِيزة ضمنيًا، ولم تدخل حيّز التنفيذ والممارسة بدليل الامتيازات التي حصلوا عليها من واقع علاقاتهم الفعليّة بالسّلطة الإسلاميّة، كما تؤكّد المصادر التاريخيّة على أَنَّ مستوى التّعايش والتّسامح بلغ منتهاه في عصر الخلفاء الفاطميين مرورًا بالدّولة الأيوبيّة ممّا دعا البعض لأن ينقم على وضع أهل الذّمّة في مصر وما تمتّعوا به من نفوذ وسلطة، وهو ما تشير إليه واقعةٌ حدثت زمن الخليفة العزيز بالله (365 –386هـ/975-996م)، من اعتراض امرأة لطريقه لتقدّم شكواها بقولها «يا أمير المؤمنين بالذي أعزّ النصارى بابن نسطورس، وأعزّ الْيَهُود بمنشأ بن إبراهيم، وأذلّ المسلمين بك، ألا نظرت في أمري وكشفت ظلامتي»[15].

هذا الأمر دفعني لتوضيح موقف السّلطة في مصر من قضيّة الجزية، والرّدّ على ادّعاءات جواتياين تجاه تلك القضيّة، والتي هي ذات بعدٍ اجتماعيٍّ واقتصاديٍّ في الأساس بالنّسبة للسّلطة، وذلك من واقع المصادر التي اعتمد عليها وهي الجنيزة؛ حيث سعى جواتياين لإقرار أنّ الجزية لم تأخذ بعين الاعتبار الوضع المادي للأسرة الْيَهُودية في مصر، ولم تراعِ حالة الفقر والحرمان التي عانى منها الْيَهُود، فأصبحت الفترة التي تجمع فيها الجزية تشكّل حالةً من الرّعب والخوف والبؤس في نفوس الْيَهُود، على الرّغم من أَنَّ أحكام الشريعة الإسلاميّة تستثني المعوزين والمعاقين والقاصرين عن دفعها وتمّ إهمالها من قبل السّلطة الأيوبيّة ذات المذهب الشافعي[16].

لماذا الجزية؟
يتبادر لأذهان أولئك المشكّكون في قيم الإسلام وعدله أَنَّ الهدف والغرض من الجزية هو جمع الأموال بغرض التّمتّع بها أو إذلال غير المسلمين كما يتصوّر البعض، غير أَنَّ مقاصد الإسلام وأهدافه أبرزت غرض الإسلام من ذلك، وهو إظهار دين الحقّ على الباطل وإحياء سنّة العدل أمام الظلم، فالإسلام يستهدف إقامة دولة إسلاميّة عالميّة واحدة قائمة على أساس التوحيد الخالص عن كلّ شوبٍ وانحراف، ومن الطبيعي لمثل هذه الدّولة التي تستهدف الوصول إلى مثل هذا الغرض محاربة كلّ العوامل التي يراها مزاحمةً لغرضه هذا واستئصال كلّ منافذها، والغرض ليس إمّا أَن يصير الجميع مسلمًا أو أَن يدفع الجزية، بل كفل الإسلام حريّة الاختيار التامّ والرغبة الكاملة في قبول الإسلام أو رفضه، سواء بالتّمتّع بحقوق المسلمين ومزاياهم، لهم ما لَهم وعليهم ما عليهم، أو برفض قبول الإسلام والبقاء على دينهم والعيش في ظلّ الدّولة الإسلاميّة الحاكمة وفي كنفها، ولكن تُؤخذ وتُحصّل ضريبةٌ ماليّةٌ محدّدةٌ في مقابل ضمان الدّولة حفظ النّفس والمال والعرض من الاعتداء والضياع.

الجزية لُغة: هي لفظ فارسي معرب، وأصله في الفارسية: «كَــزِيَـتْ» أو «كَــزِيَـدْ»[17]، وفي العربيّة تطلق على معنيين: خراج الأرض، وما يؤخذ من الذمي، وجمعها: جِزىً[18].

الجزية اصطلاحًا: مشتقّة من الجزاء، إما جزاءً على كفرهم لأخذها منهم صغارًا، وإما جزاءً على الأمان لهم فتؤخذ منهم رفقًا[19]، وفي هذا الإطار يعرّفها ابن منظور: «وهي عبارة عن المال الّذي يعقد الكتابيّ عليه الذّمّة، وهي فعلة من الجزاء كأنّها جزت عن قتله»[20]، كما يقدّم الماوردي تعريفًا بأنّها «موضوعة على الرؤوس واسمها مشتقّ من الجزاء، إمّا جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغارًا، وإمّا جزاءً على إماننا لهم لأخذها منهم رفقًا»[21]، ويضيف ابن قدامة تعريفًا آخر بقوله: «هي الوظيفة المأخوذة من الكافر لإقامته بدار الإسلام في كلّ عام»[22]، ويعدّ توصيف الماوردي وابن قدامة للجزية من أبرز تلك التوصيفات؛ لأنّها تعكس الهدف الحقيقي من فرض الجزية وهو الحماية والأمن، خاصّة وأنّ قتال أهل الكتاب لم يكن غايةً تبرّره الجزية، فليس كلّ أهل الكتاب يجب مقاتلتهم، بل إنّما مقاتلة من يقاتل ويشهر السّلاح ويعرّض كيان الدّولة للخطر، وهذا هو صريح الآية الكريمة (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[23]، فالأمر بالقتال في آية الجزية ليس إلا لمن قاتل، فقتال من لم يقاتلنا عدوان لا يحبّه الله تبارك وتعالى، ويؤيّد هذا قوله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَبروهم)[24]، فلا شكّ في أنّ الذين يعيشون في الدّولة مع المسلمين مع أهل الكتاب ويشاركونهم في الإخلاص والولاء لها، ليسوا ممن يجوز قتالهم فلا تفرض عليهم الجزية التي هي ثمرة القتال بعد النّصر[25]، كما أنّ الجزية ليست عقوبةً على الكفر بدليل أنّها أسقطت عن النّساء والشيوخ والأطفال على الرّغم من اشتراكهم في صفة الكفر، بل لو كان كذلك لزاد مقدارها على الرّهبان ورجال الدين، بدلاً من أن يُعفوا منها.

والجزية ليست من محدثات الإسلام، بل هي قديمة من أوّل عهد التّمدّن الأوّل، فكانت تعين الحكّام والملوك على تيسير أمور الدّولة، حيث فرضها اليونانيون على سكّان سواحل آسيا الصغرى مقابل حمايتهم من هجمات الفينيقيين والفرس في القرن الخامس قبل الميلاد، وطبّقها الرومان باعتبارها ضريبةً على الرؤوس على البلدان والأمم التي أخضعوها وكانت أكثر مما فرضه المسلمون بعدئذ، كما طبّقها البيزنطيون على جميع السّكّان دون شفقةٍ أو رحمةٍ من قبلهم، الأمر نفسه بالنسبة للفرس فقد مثّلت موردًا اقتصاديًا بالنسبة لهم حتى مجيء كسرى أنو شروان واهتمّ بالأمور الماليّة للدولة الفارسية[26].

ويمكن إجمال الأغراض التي من أجلها فرضت الجزية على أهل الكتاب؛ إمّا جزاءً على كفرهم، وإمّا جزاء الأمان الذي يكفله المسلمون لأهل الذّمّة، أو هو المساهمة في التكاليف والأعباء الماليّة للدولة على اعتبار أنّ أهل الذّمّة من رعايا الدّولة الإسلاميّة ويتمتّعون بما توفّره الدّولة لرعاياها من خدمات.

لذا فأبرز المسائل المرتبطة بالتّاريخ الاجتماعي مسألة الجزية وتطبيقها، خاصّة كونها لم تفرض في الإسلام لتكون عوضًا ماليًا في المقام الأوّل عن دمٍ أو عقيدٍة – كما ذكر البعض- وإنما هي لحماية المغلوبين في أموالهم وعقائدهم وأعراضهم وكرامتهم وتمكينهم من التمتّع بحقوق الرّعاية مع المسلمين سواء بسواء، والأصل في فرضها نصّ القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة الشّريفة وإجماع علماء المسلمين استنادًا على قوله تعالى (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[27].

وأداء الذّمّي للجزية معناه صدقه في ولائه للدّولة الإسلاميّة الخاضع لها، وهذا هو المقصود من أخذها منهم صغارًا أو صاغرون، وقد جاء في معنى صاغرين تأويلات أحدها أذلّاء مستكينين، وأخرى تعني أن يجري عليهم أحكام الإسلام فيجب على ولي الأمر أن يضع الجزية على رقاب من دخل في الذّمّة من أهل الكتاب يقرّوا بها في دار الإسلام[28]، وما يفهم من سياق التفسير أنّه ليس المقصود إذلال أهل الذّمّة بل إخضاعهم لحكم الإسلام وهذا ما ذكره الشافعي في معنى (وَهُمْ صَاغِرُونَ)أن يجري عليهم حكم الإسلام فيخضعون له»[29]. وفي سياقٍ آخر، الصاغرون هم من وجبت عليهم الجزية من المقاتلين ومن في حكمهم، فتأخذ عن قهر لهم وغلبة للمسلمين عليهم، إذ ليس من شأن المقاتل أن يدفع جزية عن عزة وغلبة[30].

والإسلام حينما فتح البلدان لم يُجبر أهل الأديان الأخرى – أهل الكتاب وغيرهم– على الإسلام، استنادًا وتنفيذًا لقول الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[31]، وإنما تركهم على دينهم وارتبطوا بالدّولة الإسلاميّة بمعاهدات وعهود تضمن كفالة حياتهم وأعراضهم وحريتهم الدينيّة، بل إنَّ الإسلام كفل لهم العدالة والأمان والاطمئنان في بلاد الإسلام حتى أخذوا تسمية أهل الذّمّة أي أهل العهد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا من ظلم معاهدًا وانتقصه وكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة»[32]، وأضاف الإمام البيهقي في سننه: «... وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعه إلى صدره، ألا ومن قتل معاهدًا له ذمة الله وذمة رسوله حرم الله عليه ريح الجنة وأن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا»[33].

أي أَنَّ احترام التكريم الإسلامي للإنسان القائم على مراعاة تعدّديات المجتمع، وتنوّعه الفكري والثّقافي والدّيني والسياسي، هو الذي يؤدّي إلى نضوج خيار التمازج والتداخل والتواصل والحوار المتبادل بين جموع المجتمع والأمّة. وعلى هذا؛ فالجزية مساهمة اجتماعيّة تكافليّة، وليست غرامة وعقوبة ماليّة، ومما يدلّ على ذلك ما رواه الإمام أبو يوسف بسنده أَنَّ عمر بن الخطاب مرّ بباب قوم وعليه سائل يسأل - شيخ كبير ضرير البصر- فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال يَهُوديّ قال فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ- أي فرض- له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضربائه- أي أمثاله- فو الله ما أنصفناه أَنَّ نأكل شبيبته ثم نخذله عند الهرم (الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.

الجزية عند فقهاء الإسلام:

استنادًا على القرآن الكريم والموضّحة آياته الكريمة استمرار تاريخ الْيَهُود الطويل في تكذيب الرسل ومعاندتهم، وفي معصية أوامر الله تعالى والاستهزاء بآياته، بالإضافة إلى عداوتهم الظاهرة والكامنة كما ورد في كتاب الله عز وجل في قول الله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[34]، خاصّة وأنَّ الْيَهُود حاولوا مرات عِدَّة قتل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بل إنَّ منهم من يعتقد أَنَّ موته كان على أيديهم[35].

فعلى الرّغم من بشاعة الصّورة التي ارتبطت باليَهُود، ومعرفتنا بأخلاقهم وطبائعهم، إلاَّ أَنَّ التّعامل معهم جاء في كثير من الأحيان بالعدلِ والإنصاف الذي أمرَ به ربّ العزّة جلّ وعلا وإيمانًا بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ أَنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[36]، وما نصّ به القرآن الكريم وضوحًا على طريقة معاملة المسلمين لغيرهم (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنَّ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنَّ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[37].

وما أوصى به نبيّنا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: «ألا من ظـلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة»[38]، وقوله: «من آذى ذِمِّياً فأنا خصمه، ومن كنتُ خصمه خصمته يوم القيامة»[39].

وعلى إثر ما تناوله الفقهاء حول الجزية وتعريفهم لها بناءً على تكييف طبيعة الجزية لديهم، نجد أَنَّ الإمام النووي عرّفها بأنّها: «مشتقّة من الجزاء، كأنّها جزاء إسكاننا إياه-أي: الذمي- في دارنا وعصمتنا دمه، وماله، وعياله»[40]، ومن جانب آخر عرّفها ابن عابدين بقوله: «الجزية جزت عن القتل، أو لأنها وجبت عقوبة على الكفر، وسميت جزية، وهي والجزاء واحد، فهي الجزاء؛ لأنها جزت عن القتل»[41]، وأمّا الشافعية فهي عندهم المال المأخوذ بالتراضي لإسكاننا إياهم في ديارنا، أو لحقن دمائهم وذرياتهم وأموالهم، أو لكفنا عن قتالهم[42].

وما دعا إليه ابن حزم الأندلسي في التّعامل مع غير المسلمين من أهل الذّمّة حيث يذكر «إنَّ من كان في الذِّمَّةِ وجاء أهل الحربِ إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أَن نخرج لقـتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صونا لمن هو في ذِّمَّةِ الله تعالى، وذِّمَّةِ رسوله صلَّى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة»[43]. وقول القرافي المالكي: «فمن اعتدى عليهم، ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام»[44].

وعلى الرّغم مما سبق عرضه من تعريفاتٍ وتوضيحاتٍ لمفهوم الجزية في اللّغة وفي الاصطلاح وعند جمهور الفقهاء والعلماء؛ نجد العديد من المستشرقين اتّخذوا من مسألة الجزية بأّنها نوعٌ من التمييز العرقي والدّيني؛ المقصود منه هو التّقليل والاحتقار –على حدّ قولهم- وزعمهم بأنّها تنطوي على تعصّبٍ لا يتّفق مع ما ترضاه الحضارة الحديثة من تسامحٍ، فكلّها دعاوي مغرضة ضدّ الإسلام يرمي بها المستشرقون في موضوع الجزية تخالف الحقيقة التاريخيّة والحقيقة الاجتماعيّة، فلقد ضمن الإسلام إعالة البائسين والمحتاجين من أهل الذّمّة، وفرضُ الجزية لا يحمل معنى الامتهان والإذلال، ومعنى «صاغرون» في آية الجزية هو الخضوع، والمراد به الخضوع لسلطان الدولة، أي معنى الالتزام في دفع الجزية من قبل أهل الذمة بالولاء للدولة، كما تلتزم الدولة في مقابل ذلك بحمايتهم ورعايتهم واحترام عقائدهم.

معايير تطبيق الجزية:

حاول جواتياين من خلال مقالته سالفة الذّكر أن يؤكّد على أنّ السّلطة في مصر لم تراعِ حالة الفقراء وغير القادرين من فقراء اليَهُود على الرّغم من ضعف مقدارها عليهم، ولتوضيح كيف أنّ السّلطة في مصر الإسلاميّة طبّقت المعايير الخاصّة بجمع الجزية لا بدّ من الإشارة إلى نظرة السّلطة إلى الجزية.

كما أشرنا أنّ الجزية هي مساهمة من أهل الذّمّة في نفقات الدّولة وخاصّة المتعلّقة بالضّمان الاجتماعي، ويصير لأهل الكتاب ذمّة الدّولة الإسلاميّة ويضحوا من رعايا الدّولة، فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فالمسلمون يساهمون في الأعباء الماليّة للدّولة كلّ حسب طاقته عن طريق الزكاة والصدقات وغيرها من الواجبات التي يمكن أَن تفرض عليهم أو يسعون إلى تطبيقها، وأهل الذّمّة ومنهم الْيَهُود لا بدّ لهم وأَن يساهموا بتحمّل نصيبهم في الأعباء الماليّة للدّولة، لذا جاء فرض الجزية عليهم واجبًا، وعليه فالجزية ضريبةٌ مفروضةٌ في أموال الذّمّيين، مقابل الزّكاة المفروضة على أموال المسلمين باعتبار لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ولأنّ أهل الذّمّة لا يخاطبون بالزّكاة لصفتها التعبّديّة وعدم إسلامهم، وإنّما يخاطبون بالجزية[45].

كما اعتبرت الجزية من القضايا المهمّة المتّصلة بالْيَهُود في البلدان الإسلاميّة وبخاصّة مصر، ففرضت على جميع الطوائف والطبقات من الموظفين الحكوميين والمزارعين الْيَهُود باعتباراتٍ وأسس وقواعد تُجمع عليها، خاصّة القادمين الجُدد على المدن المصريّة بالإضافة للمقيمين، ويذكر ابن مماتى من أهل القرن السادس الهجري، والذي يرجع أصله إلى أسرة (ممّاتي) المسيحيّة تبوّأت منزلةً رفيعةً في عهد الدّولة الفاطميّة، والذي يعتبر شاهدًا على العصر الأيوبي في مصر، فقد تولّى نظارة الدواوين وقُلّد الوزارة، أَنَّ الجزية واجبةٌ على أهل الذّمّة الأحرار البالغين دون النّساء والصبيان والرّهبان والعبيد المجانين، وأمّا الشيخ الفاني وغيره ففيها قولان، والفقراء الذين لا كسب لهم ففيهم أيضًا قولان، الأوّل تجب عليهم، والثاني لا تجب عليهم[46]، وقد صنّف ابن مماتى مقدار الجزية على ثلاثة أنواع، وهي: «العليا ومبلغها أربعة دنانير وسدس، ووسطى ومبلغها ديناران وقيراطان، وسفلى ومبلغها دينار واحد وثلث وربع وحبتين»[47]، وكانت عمليّة تقدير الجزية تتمّ بناءً على رغبة السّلطان لعدم وجود نصّ شرعيٍّ بذلك، على أَن لا تقلّ عن دينارٍ واحدٍ، مع بقاء الحدّ الأعلى مفتوحًا[48]، في حين يعدّ وضعها على الطبقات من أفضل الأسس وأكثرها عدلًا، ففي بداية العصر الأيوبي اختلفت قيمة الجزية باختلاف الوضع الاجتماعي للأفراد الذين وجبت عليهم، وفي ذلك يقول المخزومي: «الجزية في مصر ثلاث طبقات، من الغني أربع دنانير وسدس، ومن المتوسط ديناران وقيراطان، ومن الفقير دينار واحد وثلث وربع وحبتان»[49]، هذا فيما يتعلّق بأهل الذّمّة بصفةٍ عامّةٍ من يَهُود ونصارى.

وثائق الجِنِيزة والجزية:

تؤكّد وثائق الجِنِيزة على المقدار المستحقّ على الْيَهُود باختلاف طبقاتهم وحالتهم المادّيّة والاجتماعيّة، وتُشير العديد من خطابات ووثائق الجنيزة إلى المتحصّل من اليَهُود، ففي وثيقةٍ هي في الأصل طلب التماس إلى الخليفة الفاطمي في الفسطاط مؤرّخة في 4595هـ/1101م بشأن عدم قدرة أحد اليَهُود عن دفعها في ظلّ تعنّت الجباة والمتحصّلين ضدّه ما اضطرّه لرفع هذا الالتماس بغية التخفيف عنه على الرّغم من كونها لا تتعدّى الدينارين في العام؛ حيث تذكر

وتشير وثيقة أخرى وهي عبارة عن حساب أرسله التاجر الْيَهُودي نيهاري بن نسيم إلى تاجرٍ يَهُوديٍّ آخر وهو أبو سهل الصراف والمتخصّص في تجارة العملات الفضيّة والذهبيّة القديمة والغريبة كما تاجر في مجموعةٍ كبيرةٍ ومتنوّعةٍ من السِّلع كالصّوف والقصدير من مصر والأندلس، تشير إلى أَنَّ قيمة الجزية التي دفعها نيهاري من حساب أبو سهل كانت بحوالي (دينار واحد) على الرّغم من أَنَّه من أغنى التجار الْيَهُود وأثراهم، وفي المقابل يذكر في الحساب ذاته أنّه تمّ دفع قيمة الجزية لأحد الفقراء الْيَهُود وقيمتها هي الأخرى (دينار واحد)، وهذا يفسّر أَنَّ قيمة الجزية كانت موحّدة والغرض منها المساواة وإقامة العدل بين الْيَهُود، ومن جانبٍ آخر تُظهر تكفّل بعض الأثرياء والأغنياء من التجار الْيَهُود بدفعها عن فقرائهم، وفي حسابٍ آخر لأحد التّجار الْيَهُود عام 458هـ/1066م، يشير فيه إلى الجزية المفروضة على شخصٍ فقيرٍ دفعت عنه وكانت بمثابة عملٍ خيريٍّ من جانبه «بالنسبة للجزية للفقراء واحد دينار»[50].

اليَهُودي غير المقتدر:

في حالات الفقر والعوز عند البعض نجد بعضهم يسعى لإيجاد من يدفع عنه مقدار الجزية كما ورد في إحدى الرسائل ما نصّه: «وإذا كان بإمكاني العثور على شخص يدفع لي الجزية فإنّني سأعتني بك بدون أي شيء، لأن المفلس يفعل ما يشاء لأن ليس بيده شيء»[51]، ومثل هذا الأمر بالنسبة لهم تصدّقًا تجاه أبناء جلدتهم كما تشير الوثيقة «ويقوم بالجزية الواجبة عليه ومبلغها في السّنة دينار واحد وثلث وربع ودرهم وفي أكثر أوقاته يتعذّر عليه تغليقها إلى أن يتصدّق له من اليَهُود أهل طايفته ما يعينوه به على تغليقها»[52].

وفي بعض الأحيان تولّت السّلطة الدينيّة الْيَهُودية متمثّلة في الناجيد دفع الجزية عن فقراء الْيَهُود وذلك بعد مراسلتهم، كما يظهر في إحدى الرسائل التي طلب فيها فقير يَهُوديّ من الناجيد دفع الجزية ولكن طلبه لم يجد صدًى عنده حيث يذكر: «لقد وعدني الناجيد قبل عام بأنّه سيهتمّ بأمر الجزية، لكن السنة مرت ولم أتلق أي شيء منه، أنا الآن في حيرة وأفكر أين أذهب وأين أهرب»[53]، وفي رسالةٍ أخرى يطلب أحدهم التدخّل السريع من قبل الناجيد بتكفّله بدفع الجزية بقوله: «الفائدة المستمدة من حضرتكم هي التدخل بالنسبة لي، لأنه أكون قد دفعت هذا العام ما يقرب من دينارين، وإذا كان تعامل الآخرين بالطريقة نفسها من قبل جامعي الضرائب ومدير الجالية –الطائفة- لا يمكن توجيه اللوم لك»[54].

وتوضّح رسالة مؤرّخة في 528هـ/ 6 يونيو 1134م، قيمة المدفوعات عن الجزية وهي لحساب أبو زكري كوهين ممثل تجار القاهرة وتاجر الهِنْد البارز والمعروف، والذي يشير فيها لتعاملاته مع المصرفي الْيَهُودي خير بن نسيم في عام 1134م، حيث أبرم الاثنان شراكةً لمدّة عامٍ واحدٍ متعلّقة بأنشطة مصرفيّة ومن خلالها أتيح لأبو زكري وحده منح قروض، ويشير هذا الحساب أنّه تمّ دفع الأموال إلى جامعي الجزية، وسجّلوا في مسودّتين في أحد الخطابات أَنَّ قيمة الجزية المقرّرة كانت كالتالي (6 دنانير ، 10 قراريط، 2 هبة، 4 دنانير) [55]، وهي كلّها مؤشّرات تعطينا دلائل على القيمة النّقديّة للجزية الواجبة على الْيَهُود في مصر موحدة، وفي أغلب الأحيان كانت لا تشكّل عائقًا ماديًا لليَهُود.

وكان لجمع الجزية أوقاتٌ ومواعيدُ محدّدة، بأَن تُجمع كلّ سنة مرّة واحدة وذلك بعد انقضائها، اعتمادًا على السنة الخراجيّة باعتبارها هي مقياس الدّفع، حيث أشارت بعض الوثائق كتلك المؤرّخة في 488هـ/1095م في الأشمونيين بأَنَّ الجزية جمعت في سنة الخراج «ما يجب عليه من الجزية بالأشمونين كان سلّم من العين دينارين، النّصف من ذلك دينار لسنة ثمان وثمنين وأربع ماية الخراجيّة وكتب معزّ بن منصور بخطّه في يوم»[56]، لذا أوجدت مواقيت ومواعيد جمع الجزية بالنسبة لفقراء الْيَهُود حالة من الخوف والقلق لكثير من فقرائهم -في بعض الأحيان- وبخاصّة شهر آيار/مايو وهو الشهر المخصّص لجمع الجزية، حيث اعدّوا له العدّة وحسبوا له وهو ما يظهر من خلال رسالة كتبها إبراهيم من الإسكندرية إلى شقيقه علا أبو عمران بن موسى والذي يقطن على الأرجح في الفسطاط في رسالةٍ غير مؤرّخةٍ يذكر فيها عدم مقدرته عن دفع الجزية بقوله «وإذا رأيته مفلسًا فإنّه لن يأتي في الأوّل من شهر آيار، وما زلت مقيم في منزلك»[57].

لذا فلا غرو أن تمثّل الجزية بالنّسبة للسّلطة موردًا يُضاف لخزينة الدّولة، فتسّلمت خزانة الدّولة المبلغ الإجمالي لإيرادات العامّة ومنها الجزية والتي تناقصت عامًا بعد آخر لاعتناق أهل الذّمّة الإسلام، لذا اختلفت النّسب والتقديرات بحسب الحالة التي عليها أهل الذّمّة ومنهم الْيَهُود، فساهم زعماء الطوائف المذهبيّة المحليّة الْيَهُودية في عمليّة التقييم الواجبة للجزية بناءً على طلب السّلطة المستمرّ لدفع الضرائب[58]، من خلال وجود مؤسّسة اجتماعيّة تسعى لتحسين أحوال الْيَهُود الاجتماعيّة، واعتبرت هذه المؤسّسة الاجتماعيّة بمثابة أحد الأعمال الجديرة بالاهتمام والتي أشير إليها بمجموعة كبيرة من طلبات المساعدة لليَهُود في دفع الجزية[59]، وتوثّق العديد من وثائق الجِنِيزة أنشطة رؤساء وقادة الْيَهُود في مصر، والذين برز دورهم بشكلٍ كبيرٍ في استعادة المعابد الْيَهُوديّة، والإفراج عن السّجناء الذين انتهكوا القانون، والتخفيف من أعباء الضّرائب، والشفاعة نيابة عن أشخاص مختلفين أصبحوا متشابكين في القانون[60]، وفي رسالةٍ موجّهةٍ إلى موسى بن ميمون في عام 488هـ/1095م، يتّهمه شخص بإهماله لواجباته باعتباره صاحب نفوذٍ في تكفّله بدفع الجزية عنه وعن أبنائه خاصّة، وأَنَّه لم يدفع أبدًا أي ضرائب أو جزية لابنيه فأحدهم يبلغ من العمر سبعة عشر والآخر ثلاثة عشر عامًا[61].

 وفي هذا الإطار يرى جواتياين أَنَّ السّلطة اتّبعت منهجًا صارمًا في جمع الجزية وتحصيلها من الْيَهُود المقيمين في مصر، دون مراعاة الحالة الاجتماعيّة والظّروف الماديّة لليَهُود، استنادًا إلى المذهب الشافعي وهو الأكثر صرامةً –من وجهة نظرهم- والذي لا يُقدّم أيّ استثناءٍ للفقراء من أهل الذّمّة، في حين يرجع البعض الآخر هذا الأمر إلى نظام الإدارة الذي ورثه الأيوبيون عن الفاطميين والتي استبعدت أي إعفاء للمعوزين من الْيَهُود -كما ذكر البعض-[62]، وحقيقة الأمر أَنَّ النّظام الإداري الفاطمي كان أكثر دقّةً من غيره، الأمر الذي خوَّل للإدارة الأيوبيّة الاعتماد عليه وتطبيقه خاصّة وأَنَّ السّلطة الفاطميّة فرضت نوعًا من أنواع التّسامح في جمعها للجزية بترك المتبقّي منها دون المطالبة بها، كما حدث في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عام (515هـ/1121م)، حين كتبت سجلّات تضمّنت ترك البواقي التي على المتقبّلين والضامنين في هذا العام، وأرسلت إلى جميع أنحاء البلاد لقراءتها على الناس[63].

فعن الرأي الأوّل القائل بأَنَّ السّلطة الأيوبيّة اتّبعت المذهب الشافعي فيما يتعلّق بجمع الجزية، فلا بدّ من التنويه أنّ الشافعيّة ذهبوا إلى أخذ الجزية من الفقير غير العامل، فإن استطاع أَن يؤدّي الجزية عند تمام الحول أخذت منه، وإن كان معسرًا تبقى في ذمّته حتى ييسر وهكذا في كلّ عام، واستدلّوا عليه بعموم الأدلّة الموجبة للجزية وهي آية التوبة والأحاديث التي وردت في مشروعيّة الجزية؛ لأنّها لم تفرق بين غني وفقير وبين فقير معتمل أو غيره، فهي عامة للجميع، وبما أَنَّ دمه محقون فلا تسقط عنه الجزية كالقادر على الأداء وهو عندهم كالغني[64]، أي أَنَّ الجزية تفرض على الفقير غير المعتمل – غير العامل-، كما تفرض على الفقير المعتمل –العامل-، إلاّ أَنَّ غير المعتمل تكون دينًا في ذمّته حتّى ييسر له، فإذا أيسر طُولب بما عليه من جزية‏،‏ استدلّوا بعموم قوله تعالى حتَّى يُعْطُوا الجِزيةَ عَنْ يَدٍ وهم صَاغِرُون‏‏[65]، وعموم حديث معاذ رضي الله عنه الذي رواه في مسنده بإسنادٍ جيّدٍ عن معاذ رضي الله عنه أَنَّ رسول الله لما بعثه إلى اليمن  «أمره أَن يأخذ من كلّ حالم ديناراً»‏ فالنبي، أمر أَن يأخذ من كلّ حالم، أي بالغ، دينارًا ولم يفصل بين الغني والفقير وهي تلك الفترة التي كانت تبنى فيها الدولة وتوضع أسسها في الوقت الذي سعى فيه الْيَهُود في الجزيرة العربية لهدمها والقضاء عليها بالمؤامرات والحروب والفتن، فكان عدم التهاون معهم أمر واجب للحفاظ على الدولة.‏

وإذا وجبت الجزية على الفقير غير المعتمل – غير العامل- ففيه قولان عند الشافعيّة: أحدهما تجب عليه الجزية وبه قال أبو حنيفة؛ لأنّ الخليفة عمر جعل أهل الجزية طبقات وجعل أدناهم الفقير المعتمل، فدلّ على أنّه لا جزية على غير المعتمل، ولأنه حقّ يجب بالحول، فلم يجب على الفقير كالزكاة. فعلى هذا إن طلب من الإمام أَن يعقد له الذّمّة عقدت له الذّمّة على شرط جريان أحكام الإسلام عليه، فإذا أيسر أستؤنف له الحول، فإذا تم طولب بالجزية[66].

والقول الثاني: تجب عليه الجزية، وفيه قولان: تعقد له الذّمّة بالجزية في ذمّته، وينظر بها إلى أَن ييسر له لقوله تعالى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ‏[67]، والثاني لا تقرّ عليه إلا بدفع الجزية فإن قدر على تحصيلها وإلا رددناه إلى دار الحرب، لأنّه يمكنه أَنَّ يمنع وجوبها عليه بالإسلام[68].

ويشير الشيرزي[69] الشافعي المذهب وصاحب كتاب (نهاية الرتبة في طلب الحسبة) أنه «يأخذ منهم الجزية على قدر طبقاتهم علي الفقير المعيل دينارًا، وعلى المتوسّط دينارين، والغني أربعة دنانير عند رأس الحول»[70]، وهو ما جاء به ابن مماتى عند حديثه عن الجزية بأَنَّ الديوان في مصر كان يحاسب ورثة المتوفّى، أو من يسلم أثناء العام، عن الفترة التي مضت من السّنة قبل إسلامه أو وفاته، بقوله «ويطالبون إذا أيسروا، وإن كان منهم من يجن يومًا ويفيق يومًا، فالمنصوص أَن تؤخذ منه الجزية، ومن مات منهم أو أسلم أثناء الحول، تؤخذ منه لما مضى بقسطه»[71].

لهذا يرى جواتياين وغيره من المستشرقين أَنَّ اتّباع الأيوبيون لهذا المذهب كان أكثر فائدةً لهم من الناحية الاقتصاديّة كونه وفّر الدّخول والإيرادات المفقودة في الوقت الذي كانت فيه الدولة في حاجةٍ ماسّةٍ لتلك الأموال، ما يستلزم الأمر إنشاء آليّةٍ لتحديد من هم الأحقّ بالإعفاء من غيرهم وهو ما يتطلّب تقييم كلّ حالة إعفاء على حدى وإن كانت مكلفة[72]، وهو ما يؤكّد على الرأي الثاني القائل بأنّ السّلطة الأيوبيّة حافظت على النّظام المالي الفاطمي، وهو ما تجسّد في عمليّة جباية الجزية والتي تولّاها في الفسطاط والقاهرة ناظر يعاونه مساعدان يعرف كلّ منهما باسم الحاشر، أحدهما لليَهُود والآخر للنصارى، أمّا جباية الجزية خارج الفسطاط والقاهرة فكان المقتطع يجبيها من المستحقّة عليهم في إقطاعه، وإذا كانت الناحية تابعة لأحد الدواوين السّلطانيّة، فإنّها تعود إلى ذلك الديوان وتجبى بمعرفة الديوان السلطاني الخاص بها[73]، ومن أمثلة تلك الدواوين الديوان الشهابي والذي تولى جمع الجزية وغيرها من الضرائب والمتحصّلات من المناطق التابعة له، وهو ما أشارت إليه إحدى الوثائق، والتي أبرزت آليّة عمل الديوان من خلال مجموعة من العمّال يتولّون إعداد تقارير تحصر الموجودين، وطرق أدائهم لدفع الجزية المقرّرة عليهم،كما نصّت الوثيقة «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، مماليك ديواني الإشراف والعمل بالأعمال الجيزيّة وما جمع إليهما، ثبّت اللّه مجدهما وزاد من سعدهما وأهلك شامتهما وحسدتهما، يقبّلون يديهما وينهوا؛ أنّ النّاحية المتعرّفة بقليوب الجارية في الدّيوان الشّهابيّ السّعيد غلبها جملة كبيرة وصَار تقبّل عن الجزية المقرّرة على الذّمّة ومن جملتهم أقوام متعرّفين في الأعمال الجيزيّة أحدهم رجل يعرف بسليم بن مرقوره البغّاليّ المقيم بذروا وهو يقسم بجزيته قد تخوّف قلبهم من جدالهما بحكم أخذ سليم المقدّم ذكره على الجزية والمقصد هو تعريفهما بالأمر»[74].

وترصد الجنيزة هذا الأمر في خطاب مؤرخ عام 534هـ/1140م من صقليّة إلى القاهرة يذكر فيه كاتب الرّسالة أنّه ظلّ بعيدًا عن مصر لمدّة أربع سنوات على الأقل كان خائفًا من أَن يكون مسجّلاً كمقيمٍ حتى الآن، وعند وصوله يتوجّب عليه دفع الجزية عن سنوات غيابه، على الرّغم من أنّه دفعها في موطنه في الغرب الإسلامي حيث يذكر في مجمل حديثه: «علاوة على ذلك، مضى الآن ثلاث سنوات منذ أَن رأيت خطابًا أو إجابة منك فأنا مستاء جدًا، وهو ما يجعلني متردّدًا في المجيء، أخي العزيز بالله لا تحجب رسائلك عني لأني أنتظرها وقلبي يشتكي كثيرا منذ أَن توقّفت رسائلك، أنا باق هنا في صقلية، واكتب لي عن الجزية إذا كنت تنوي التحرّك، فإنّ أفضل شيء هو القدوم إلى صقلية (باليرمو)، لتبيع التوابل في الشّرق بشكلٍ جيّد وبالتالي ستجد سهولة في البيع وسيساعد بعضنا البعض في تعزيز مكانة العائلة وسنكون سعداء سويا»[75].

هذا النّظام المالي والإداري الخاصّ بالجزية في العصر الأيويي المتوارث عن الدّولة الفاطميّة، يتأكّد نجاحه من خلال حجم المتحصّلات والمجموع من الجزية حسب تقديرات بعض المؤرّخين المسلمين وعلى رأسهم ابن مماتى، والذي يذكر أَنَّ الجزية قلّت إلى نصف ما كانت عليه قبل ذلك، ووافقه المقريزي حيث يؤكّد أَنَّ ما تمّ جمعه من أموال الجزية في هذا العام يساوي ثلاثين ألف دينار[76]، وقد بلغ المتحصّل من مال الجزية لسنة ٥٨٧هـ/ ١١٩١ م ما قدره ١٣٠٠٠٠ دينارًا[77]، وفي عام ٥٩٢هـ/ ١١٩٦م، اضطربت جباية الجزية؛ بسبب الأزمة الاقتصاديّة «وفيها وقفت وجوه المال، وانقطعت جباية الديوان بمصر، وأحيل على الجهات بإضعاف ما فيها، وبقيت وجوه قصرت الأيدي عن استخراجها»[78]، فاضطرّ السّلطان العزيز (588هـ/1193م -594هـ/1198م) إلى الاقتراض من الأمراء، لدفع مرتّبات شهر لحاشيته، وأحال الأمراء على جوالي سنة ٥٩٣ه/١١٩٧م، يجمعونها ممن يدفعها إلى الديوان السّلطاني، وذلك بالإضافة إلى ما اعتادوا جمعه من الجوالي في إقطاعاتهم، وفي زمن السّلطان نجم الدين أيوب (637هـ/1240م- 646هـ/1249م) بلغ متحصّل الجوالي من إقليم الفيوم وحده مبلغ ٢.٢٨٤ دينارًا[79].

ويقدّم النابسلي معلوماتٍ غايةً في الأهميّة متعلّقة بجمع وجباية الجزية والخاصّة بإقليم الفيوم والذي ضمّ قرابة (1142) شخصًا من غير المسلمين، وعند إعداد البيانات والوثائق المتعلّقة بجمع الجزية وغيرها من الضرائب تغيب منهم 292 فردًا، كان منهم 153 فردًا في مصر السّفلى، 139 في مصر العليا، وكان من بين هؤلاء المتغيّبين 41 صيّادًا من صيّادي الصّحراء، وكان جملة المتحصّل من الفيوم 2284 دينارًا[80]، ويذكر ذلك تفصيلاً «وجملة ارتفاع الجوالي بما فيه من المحسوب عن طرادين الوحش وهو عند أحد وأربعين نفرًا عشرون دينارًا ونصف ألفان وثلثمائة وأربعون خمسون دينارًا تفصيله ما تضمنه عمل الذمة عن ألف ومائة واثنين وأربعين نفرًا ألفان ومائتان وأربعة وثمانون دينارًا تفصيله المقيمون بالأعمال عن ثمانمائة وتسعة وأربعين نفرًا ألف وستمائة وثمانية وتسعون دينارًا، الناؤن عن الأعمال عن مائتين وثلاثة وتسعين نفرًا خمسمائة وستة وثمانون دينارًا تفصيله الوجه البحري عن مائة وأربعة وخمسين نفرًا ثلثمائة وثمانية دنانير، الوجه القلي عن مائة وتسعة وثلاثين مائتان وثمانية وسبعون دينارًا تتمة الجملة عن عجز العدة سبعون دينارًا»[81].

وهو أيضا ما رصده الرحالة الذين زاروا مصر إبّان الحكم الفاطمي، بذكره بعض متحصّلات الضرائب من المدن المصريّة وخاصّة تنيس ودمياط، فيروي المقدسي الذي زار مصر نحو عام 375هـ/985م استغرابه من حجم الضرائب على تلك المدينتين بقوله «وأما الضرائب فثقيلة بخاصة تنيس ودمياط وعلي ساحل النيل وأما ثياب الشطوية فلا يمكن القبطي أَنَّ ينسج شيئا منها إلا بعد ما يختم عليها بختم السلطان ولا أَنَّ تباع ألا على يد سماسرة قد عُقد عليهم وصاحب السلطان يثبت ما يباع في جريدته ثم تحمل إِلَى من يطويها ثم إِلَى من يشدها بالقش ثم إِلَى من يشدها في السفط وإِلَى من يحزمها وكل واحد منهم له رسم يأخذه ثم علي باب الفرضة يؤخذ أَيْضًا سيء وكل واحد يكتب علي السفط علامته ... رأيت بساحل تنيس ضرائبيًا جالساً قيل شيكارة (بالة) هذا الموضع في كل يوم ألف دينار ومثله عدة علي ساحل البحر بالصعيد وساحل الإسكندرية»[82]، والأمر نفسه أكّده ناصر خسرو بقوله: «وسمعت من الثقات أنه يصل منها لخزانة سلطان مصر، يوميا ألف دينار مغربي ويصل ذلك المقدار مرة واحدة، يحصله شخص واحد، يسلمه أهل المدينة إليه في وقت معين وهو سلم للخزانة فلا يتأخر منه شيء»[83].

وبالعودة لموقف جواتيان الذي تبنّاه، فبدراسة بعض وثائق الجنيزة والتي جاءت لتدحضه وتقدّم لنا كيف أنّ السّلطة في مصر تفهّمت الأوضاع الاجتماعيّة لليَهُود وخاصّة الفقراء من غير القادرين على دفع الجزية، ففي عريضةٍ مرفوعةٍ إلى الملك العادل الأيوبي (1200م -615هـ/1218م) سلطان الدولة الأيوبيّة بشأن عدم قدرة أحد فقراء اليَهُود عن دفع الجزية المقرّرة عليه، وهي ديناران، وجاء نص الوثيقة كالتالي: «العادليّ المظفّريّ سلطان جيوش المسلمين وأدام قدرته وأعلا أبدا كلمته المملوك يقبّل الأرض أمامه وينهي إلى رأفته وإحسانه أنّه رجل فقير قليل داني لا جواز وقته إلّا بالصّعب الشّديد وكان المملوك ما يتمعّش به بين ظهور المسلمين ذهب في نوائب الزّمان وحوادثه في الجزية في السّنة ديناران وقد عجزت قدرته لعدمه وفاقته وله من أعيان المسلمين

ومن خلال دراسة العديد من خطابات الجِنِيزة نستطيع التأكيد على أَنَّ السّلطة راعت الْيَهُود بكافّة طبقاتهم، وتطبّق العدالة والمساواة عند دفع الجزية، وهو ما يتّضح من خلال القيمة النّقديّة الواجبة الدّفع، ففي وثيقةٍ تضمّنت قائمةً بأسماء بعض الْيَهُود من خلال سجلّ دافعي الجزية للجالية الْيَهُودية المقيمة في الفسطاط؛ حيث يذكر تفصيلاً المبالغ التي دفعوها -وليس ما يجب دفعه- من الجزية، فنجد أَنَّ معظمها لا يتجاوز الدينارين والآخر ما بين الثمن دينار والدينارين، على الرّغم من وجود العديد من أصحاب المهن المرموقة بينهم كالصرّاف، والطبيب وتجّار النبيذ وتاجر الزيت، وغيرهم أي أنّهم ليسوا من فقراء الْيَهُود، ولكن معظمهم من أصحاب المكانة الاجتماعيّة والاقتصاديّة المرموقة طبقًا لأسمائهم الدّالة عليهم، كما جاء في السّجل كالتالي[84]:

الاسم
المبلغ المتحصل
الشيخ أبو الخير البمارني

دينار
الشيخ أبو السدير فرح

دينار
الشيخ أبو سعد بن السكري

دينار
ابن عمه

دينار ونصف
الشيخ أبو منصور بن حييم

دينارين
الشيخ أبو العلا بن البهاري

نصف دينار
الشيخ أبو العلاء بن شايع

نصف دينار
الشيخ أبو منصور بن الدستوري

دينار
الكاتب المقيم في بيت لامتا

نصف دينار
ابن تيرميدحي

ربع دينار
الشيخ أبو حسان السبع

نصف دينار
ابن أبيه

ربع دينار
أبو سعد بن قبيصي

ربع دينار
ابن رئيفة

ربع دينار
وليد إسحاق ابن فرح

ربع دينار
صهر نسيم

ثمن دينار
ابن عمران الطبيب

ربع دينار
ابن سهل تاجر النبيذ

ثمن دينار
ابن موفرج الابزاري

ثمن دينار
ابن بشير

نصف دينار
الشيخ أبو الحسن صدقة

نصف دينار
الشيخ أبو زكري سوجمار

نصف دينار
أبو الفرج نسيم

نصف دينار
أبو زكريا بن منسى

ربع دينار
أبو نصر ابن المعشر العام ـ وشريكه

نصف دينار
موسى ابن المجاني

ثمن دينار
نسيم المغربي

ثمن دينار
أبو الخير (الصراف)

قيراطان
أبو عمران، مع الشرطة

ثمن دينار
ابن رحمة

ربع دينار
أبو عمران بن الصغير

ربع دينار
أبو عمران

ربع دينار
أبو نصر بن مختار

ربع دينار
أبو الخير المرتد

ربع دينار
سيدي الشيخ أبو منصور

ربع دينار
أبو سعيد بن القطيف

ربع دينار
أبو عمران ابن الخياط

ربع دينار
أبو الحي

ثمن دينار
أبو الحسين بن العبيد وصهره هبة

وصهر أبى الفرج
ثلاث أرباع دينار
صداقة الصفين

ربع دينار
صدقة الزجاج

ربع دينار
أبو الحسين الذهبي

ربع دينار
الطيبان

ربع دينار
أبو الحسن سادة بن سيمون

ربع دينار
الشيخ أبو إسحاق بن العسال

ربع دينار
فرج بن ناحوم

ربع دينار
أزهر بن أزهر

ربع دينار
الشيخ أبو إسحاق بن حجيج

ربع دينار
الشيخ أبو إسحاق الفاضل

ربع دينار
الشيخ أبو يوسف ابن آل

ربع دينار
خلف تاجر الزيت

ثمن دينار
أبو سرور سدر المغربي

ربع دينار
أبو موسى هارون (الصراف)
ربع دينار

بالإضافة إلى إشاراتٍ أخرى حملت دلائلَ على مراعاة السّلطة للحالة الماديّة للأسر الْيَهُودية، والتي اعتبرت أَنَّ الجزية -على حدّ قول المستشرقين- هي البند رقم واحد في ميزانيّة الأسرة الْيَهُودية ذات الدخل المتواضع[85]، كما في رسالة المؤرّخة عام ٥٧٨ه/ ١١٨٢م، تُشير أَنَّ طبيبًا يَهُوديًا دفع أربع دنانير وسدس كجزية[86]، ولكن في أواخر العصر الأيوبي صارت الجوالي موحّدة بدينارين على جميع أهل الذّمّة، وهو ما يورده النابلسي في حديثه: «والجوالي عن ثلاثمائة وثلاثة وأربعين نفرًا في الفيوم ستمائة وستة وثمانون دينارا، تفصيله: المقيمون بها عن مائتين وتسعة وستين نفرًا خمسمائة وثمانية وثلاثون دينارًا، والناؤن عنها بالوجه البحري والقبلي عن أربعة وسبعين نفرًا مائة وثمانية وأربعون دينارا»[87].

وعليه يتّضح أَنَّ محصّلي الجزية امتلكوا قوائم بأسماء من تجب عليهم الجزية ومقدارها ومواقيت تحصيلها، وكذلك حالة الْيَهُودي نفسه وموقفه من الإقامة أو السفر؛ حيث تُشير الجِنِيزة أَنَّ القادمين من الْيَهُود إلى مصر كان لا بدّ من تسجيلهم في قوائم الوافدين (الأجانب) حسب مكان إقامتهم ولذلك لتحصيل الضّرائب والجزية المفروضة عليهم، واختلفت المناطق حسب موقعها، فتميّزت بعض المناطق التّجاريّة منها بصرامة محصّلي الضّرائب والجزية، على عكس المدن والقرى الريفيّة، والتي كان التّعامل فيها أقلّ حدّة مع مراعاةٍ لحالة الفقر أو العوز وكذلك الشيخوخة والمرض التي عليها، ومن ثم توجّب الإعفاء عن دفعها، ومن هذا المنطلق سعت الأسرة الْيَهُودية إلى توفير فرص عمل تساعد أبنائها على كسب رزقهم ودفع مقدار الجزية –القليل نسبيًا-، ففي رسالة مؤرخة عام 641هـ/1244م، توضّح تعهّد ربّ الأسرة بتأمين إقامة كاملة للابن الأكبر ليتمكّن من إتقان حرفة الصياغة ليستطيع دفع الجزية المقرّرة عليه لمدّة عامين[88].

وتظهر إحدى الرسائل آليّة تحصيل الضّرائب من أولئك الوافدين، باستدعائهم لمقرّ السّلطة أو المحكمة الْيَهُودية ويطلب منهم تسديد الجزية، وقد تختلف المعاملة حسب الشخصيّة، كما توضّح رسالة أرسالها تاجر تونسي يقيم في الإسكندرية ويخبرنا في هذا الصدد: «أودّ أَن أقول لكم ما حدث لي فيما يتعلّق بالجزية منذ رحيلك من هنا، وهناك الكثيرون في هذه المدينة من لديهم نفس الأمر ولكن لا يعاملون بالطريقة التي أعامل بها، كل يوم يتمّ استدعائي إلى المحكمة، ويطلب مني أَن أدفع الجزية بالكامل، وأنهم يريدون تسجيلي كمقيم، في حين أَنَّ والدي كما كنت تعرف لم يكن سوى وافد جديد»[89].

تلك الحالات دعت مباشري الجوالي -جامعي الجزية- إلى إلزام رئيس الْيَهُود –الناجيد- بكتابة تقارير عن حالة الْيَهُود وأوضاعهم، مع إيضاح من استجدّ في المناطق من الطوارئ والنوابت، كما يشير كلّ منهم في نهاية الرقاع من تحوّل إلى الإسلام ومن توفي، ومن خرج من بلده إلى بلدٍ آخر، وإلى أي جهة ذهب إن أمكن ذلك[90]، ولهذا تمّ إنشاء بعض المكاتب الخاصّة بالْيَهُود ممن عاشوا في جميع أنحاء مصر وخاصّة من الفلسطينيين والسوريين بالقاهرة لحصر المستجدين لدفع الجزية[91]، فتوجد إشارة إلى أنّ معلّمًا فلسطينيًّا كان يُدرّس في قريةٍ من قرى مصر، وكان عليه أَن يذهب إلى القاهرة في كلّ عام ليدفع ما عليه من ضريبة –جزية- في مكتب الفلسطينيين السوريين هناك[92].

ومن خلال العرض السابق لطرق جمع الجزية من الْيَهُود، يتّضح لنا أنّه كان لازمًا على التّجّار والمسافرين الْيَهُود والمغادرين ولو لفترةٍ قصيرةٍ حمل البراءة، وهي عبارة عن وثيقة تثبت دفعه للجزية وباقي الضرائب المفروضة، أو تبرئة تثبت أنّه قد أعفى نفسه عن السنة الحالية من دفع الجزية، كما ورد في الوثيقة المؤرخة في 488هـ/1095م وهي عبارة عن إيصال دفع الجزية لأحد اليَهُود في مدينة الاشمونيين تشير إلى دفع سليمان الشيخ الجزية المفروضة عليه والمقدّرة بـدينارين ونصف الدينار عن السنة الحالية وجاء فيها: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم صحّ لصاحب سليمن الشّيخ أبو الخير الأشمونيّ عن ما يجب عليه من الجزية بالأشمونين كان سلّم من العين دينارين النّصف من ذلك دينار لسنة ثمان وثمنين وأربع ماية الخراجيّة وكتب معزّ بن منصور بخطّه في يوم»[93].

لهذا فرضت السّلطة على أهل الذّمّة حمل تلك البراءات أثناء سفرهم داخل مصر وخارجها حيث كان من الشائع عدم السماح لقوارب النيلية بالخروج أو العودة وعلى متنها من لا يحمل تلك البراءة، كما في الرسالة التي كتبها عالم يَهُودي من عسقلان بفلسطين لآخر من دمشق سافر إلى مصر، يؤكّد فيها الأخير أنّه كان بحوزته شهادة صادرة عن محصّلي الجزية تثبت أنّه سدّد ما عليه من أموال، ومع ذلك يطلب أن ترسل إليه وثيقة أخرى تمكّنه من عدم دفع أيّ مبالغ إضافيّة أخرى غير المقرّرة للسّلطة[94]، وهناك العديد من الوثائق المتعلّقة بالبراءات في العهد الفاطمي والأيوبي التي تؤكّد على أهميتها، كالوثيقة المؤرّخة في الفترة ما بين (17 نوفمبر 1023 - 16 ديسمبر 1023م) في إحدى قرى الجيزة والتي تنصّ على:

وكذلك الوثيقة المؤرخة 428هـ/ 8 يوليو 1036م في إحدى القرى المصريّة والمؤكّدة على دفع الجزية «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه وحده، أدّى أبو إدريس بن مينا عن الجزية بالمدينة لسنة ستّ وعشرين وأربعمائة لقاسم بن محمّد من العين العزيزيّ سدس ثمن، وكتب مرقورة بن شنودة الجهبذ يوم الخميس، الحادي عشر من شهر رمضان سنة سبع وعشرين وأربعمئة الخراجيّة»[95].

 الأمر نفسه متعلّق بالتّجّار المتجوّلين داخل المدن والقرى المصريّة، فعند سفر أحدهم لا بدّ له من خطاب توصيةٍ لشخصيّةٍ مؤثّرةٍ تطلب منه الحماية من جامعي الضّرائب المتجاوزين[96]، فمنهم من أرسل خطابات ليستفسر بشأن القائم على تحصيل الإيرادات الضرائب المفروضة عليهم لتخفيفها[97]، وهذا الأمر يعطينا دليلاً آخر على أَنَّ السّلطة لم تتعنّت في جمع الضرائب، ولكن في ظلّ وجود بعض الفاسدين من جامعي الجزية قد أعطوا إيحاءً بذلك، فمنهم المرتشون والفاسدون.

هذا الأمر دعا الْيَهُود القادمين إلى مصر للاستعلام بشأن الجزية كما جاء في الرسالة المرسلة من أبى سعيد بن أبى الحسن الأبزاري في بلرم لأخيه الأكبر أبى البركات في الفسطاط عام 534هـ/1140م بقوله «اكتب لي عن الجزية»[98]، وعند فقد البراءة أو أنّها غير موجودٍة وجب تقديم مبلغٍ من المال يدفع كضمانٍ إلى محصّل الجزية أو الضرائب لحين تقديم البراءة ليستردّ ذلك المبلغ، وهو ما يذكره تاجر يَهُودي قادم من تونس إلى مصر مخاطبًا أبي الفرح نسيم الرِقِّي «سيدي، لقد تركت ردائي القطن والذي اعتدت أَن أرتديه فوق رداء القزحيّة الخاص بي، حيث يوجد في جيبه شهادة الضريبة (الجزية) البراءة مع كيس ورقيّة فيها بعض الدّراهم ورسالة موجّهة إليّ من قبل سلامة وكيل سيدنا الناجيد، من فضلك أرسل لي الشهادة الضريبيّة بمجرّد أَن تقرأ هذه الرسالة، لأني سلمت كفالة عنها إلى حين وصولها»[99].

وقد اتّبع بعض الْيَهُود العديد من الحيل التي تمكّنهم من التّهرّب من دفع الجزية، وخاصّة أولئك التّجّار العائدين من رحلاتهم، فتذكر إحدى الرسائل أَنَّ أحدهم عاد من رحلة القسطنطينية إلى الإسكندريّة بعد غياب عامين ونصف، فطلب من جامع الضّرائب في الإسكندرية أَن يسجّل كوافدٍ جديدٍ؛ ليتهرّب من دفع المستحقّ عليه من ضرائب وجزية سابقة قبل سفره، عن مدّة أربع سنوات لذا ادّعى بأنّه مريض، لأنّ الكثير منهم ادّعى المرض كي يُعفى من دفع هذه الضرائب، فلجأ إلى الحيلة الوحيدة أمامه بأن يسجّل نفسه كمتغيّب «حيث قال بعضهم خلاصك الوحيد هو تسجل على أنّك غائب»[100]، ولكن كان على جامعي الضرائب أَن يتأكّدوا من أنّه وافد جديد حتى لا تحدث مشاكل لهؤلاء الوافدين مع السّلطة[101].

في حين لجأ بعضهم للهرب خوفًا من حالات العقاب التي يلقاها المتهرّب من الدّفع والمتمثّلة في العقوبة بالضّرب أو بالسّجن كما أشارت بعض الخطابات[102]، ففي رسالة يذكر صاحبها معاناته وعدم قدرته على دفع الجزية فقرّر الاختباء والهروب حتى يأمن العقوبة على الرّغم من ضعف مبلغ الجزية: «وضعي الحالي يتّسم بالمرض والضّعف والعوز والخوف المفرط... أخشى أنّهم سيجدون مكان اختبائي، إذا وقعت في أيديهم، فسوف أعاقب أو أذهب إلى السّجن والموت هناك، الآن أنا آخذ ملجئي مع الله ومعك - حفظك الله من كل البؤس»[103].

وتسجّل خطابات الجنيزة حالة هروب يَهُودي من الإسكندريّة لعدم قدرته على دفع الجزية عن ابنه الصغير، على الرّغم من مناشدته الناجيد إبراهيم بن ميمون ليساعده في ذلك مشيرًا أنّه لم ينجح في الحصول على أيّ عمل رغم استعداده لذلك مقابل درهم واحد يوميًا ليأمن العقوبة[104].ومن خلال ما سبق نستطيع القول بأنّ الْيَهُود في مصر سواء المصريين أو الوافدين إليها كانوا في أغلب الأحيان قادرين على دفع الجزية؛ لأنّ غالبيتهم تجّار أو صناع أو حرفيون أو أطباء أو سادة قومهم، ولم تتجاوز قيمة الجزية بأيّ حال من الأحوال عن أربعة دنانير تحصل سنويًا ولم تقل عن (ثمن) دينار جمعت من فقرائهم وأغنيائهم على حدٍّ سواء، وذلك من خلال دراسة خطاباتهم وتحليلها، والتي تكشف لنا هذا الأمر، ولا ننكر أَنَّ البعض منهم تعثّر عن دفعها في بعض الأوقات، ولكن كان البديل هو قيام السّلطة الْيَهُودية الدّينيّة بدفعها أو أحد من أثريائهم، أو أنّها تؤجّل للسّنة القادمة وهو ما أقرّته السّلطة في مصر آنذاك، وعلى الرّغم من ذلك تهرّب العديد منهم عن دفع الجزية بقصدٍ أو بغير قصدٍ في الوقت الذي مثّلت فيها الجزية موردًا ماليًّا اعتمدت عليه الدّولة، شأنه شأن الزّكاة والصّدقات من المسلمين في محاربة أعدائها أو بناء مؤسّساتها، لذا توجّب على الْيَهُود المقيمين بها المشاركة في ذلك الأمر باعتبارهم مواطنين مصريين.

وإنّ ادّعاءات جواتياين فيما يتعلّق بقضيّة الجزية ما هي إلّا محاولة لتأكيد الصّورة الذّهنيّة لليَهُود بأنّهم مغلوبون على أمرهم ويعانون الاضطهاد والطّرد حتى الآن.

----------------------------------------
[1]*- باحث ومحاضر في التاريخ والحضارة الإسلاميّة.
[2]- سورة الممتحنة: الآيتان: (8-9).
[3]- هونكه، زيغريد: شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة: فاروق بيضون وكمال دسوقي، ط 10، دار صادر، بيروت، 1423هـ ، ص364.
[4]- ول ديورانت: قصة الحضارة، ترجمة: محمد بدران، ط2، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1964م، ج12، ص132.
[5]- Mark R. Cohen: »Goitein, the Geniza, and Muslim History« in Middle Eastern Lectures, no. 4 ,Tel-Aviv: Tel Aviv University, 2001, p.3.
[6]- Mark R. Cohen: op.cit., p.1- 2.
[7]- مجلة رسالة المشرق، جِنِيزة القاهرة، مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة، مج (1)، ع (1-3)، 1990م، ص28.
[8]- Mark R. Cohen: op.cit., p.10.
[9]-  تبنى جواتيان هذا الموقف في مقالته «دليل على ضريبة الرؤوس –الجزية- من مصادر غير إسلامية – وثائق الجنيزة،
 Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax From Non-Muslim Sources. A Geniza Study, Journal Of The Economic And Social History Of The Orient, Vol. 6, No. 3 Dec., 1963.
[10]- Goitein: op.cit., p.279.
[11]- Goitein: op.cit., p.279.
[12]- قليوب: هي من القرى القديمة والتي وردت في العديد من المصادر الجغرافية كابن مماتى، وهي من أعمال الشرقية وقيل عنها من أعمال القليوبية، وهي مدينة كبيرة كان لها زمام كبيرة من الأراضي وغيرها. رمزي، محمد: القاموس الجغرافي للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945، الهيئة العامة للكتاب، 1994م، ج4، ص57.
[13]- Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax, p.279.
[14]- جواتياين: دارسات في التاريخ الإسلامي والنظم الإسلامية، تحقيق: عطية القوصي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1980م، ص212.
[15]-  النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733هـ): نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1424ه/ـ 2004، ج26، ص50؛ سلام شافعي محمود: أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2002م، ص87-88.
[16]- Goitein: op.cit., p.279.
[17]- حسنين، عبد المنعم محمد: قاموس الفارسية(فارسي/عربي)، ط1، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1982م، ص570؛ إبراهيم الدسوقي شتا: المعجم الفارسي الكبير، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1992م، ج3، ص2433؛ علوب، عبد الوهاب: الواعد (معجم فارسي-عربي)، ط1، القاهرة، مكتبة لبنان، الشركة المصرية العالمية للنشر، 1996م، ص343 .
[18]- الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817هـ): القاموس المحيط، ط6، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1998م، ص1270؛ الفيومي، أحمد بن محمد (ت.770هـ): المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لا ط، بيروت، دار القلم، د.ت.، ج1، مادة: جزى.
[19]- الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت450هـ): الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق: أحمد مبارك البغدادي، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، 1409هـ/1989م، ص142 .
[20]- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن أبي مكرم (ت711هـ/1311م): لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، (د.ت)؛ مادة جزى.
[21]- الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، م.س، ص142 .
[22]- منقذ بن محمود السقار: التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم، رابطة العالم الإسلامي، ط1، مكة المكرمة، 1427هـ/ 2006 م، ص41.
[23]- سورة  البقرة: آية (19).
[24]- سورة  الممتحنة: آية (8).
[25]- مصطفى السباعي: نظام السلم والحرب في الإسلام، ط2، الرياض، دار الوراق، 1998م-1419هـ، ص 57-59.
[26]- حسين العجل، بشار: الخراج والضريبة المعاصرة في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 2017م، ص 21-23.
[27]-  سورة التوبة: آية  29.
[28]-  الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، م.س، ص143 .
[29]- الشافعي، محمد بن إدريس الشافعي ( ت204هـ) : كتاب الأم، تصحيح: محمد زهران النجار، ط2، بيروت، دار المعرفة، 1973م، ج4 ص176.
[30]- منقذ بن محمود السقار، التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم، م.س، ص49.
[31]- سورة البقرة: آية (256).
[32]- أخرجه أبو داوود بإسناد حسن باب في تعشير أهل الذمة.
[33]- سنن البيهقي الكبرى باب النهي عن التشديد في جباية الجزية.
[34]- سورة المائدة، آية (82).
[35]- ابن قيم الجوزي: زاد المعاد في هدي خير العباد، ط2، دار الفكر، 1972م، ج2، ص139-140.
[36]- سورة المائدة: آية(8).
[37]- سورة الممتحنة: آية (8-9).
[38]- أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني: سنن أبي داود، ط1، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ج2، 1371هـ-1952م.
[39]- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر: الجامع الصغير من حديث البشير النذير، ط4، مصر، مطبعة الحلبي البابي، 1373هـ، ج2، ص473.
[40]-  النووي، محيي الدين، يحيى بن شرف،(ت. 676هـ): تهذيب الأسماء واللغات، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، د.ت، ج3، ص51.
[41]- ابن عابدين، محمد أمين بن عمر (ت. 1252هـ): رد المحتار على الدر المختار(حاشية ابن عابدين)، طبعة خاصة، الرياض، دار عالم الكتب، 1423هـ/2003م، ج6، ص316-317؛ علي بن محمد الجمعة: معجم المصطلحات الاقتصادية والإسلامية، مكتبة العبيكان، ط1، الرياض، 2000م، ص 204 وما بعدها.
[42]- تقي الدين الحصني الشافعي: كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، ط3، دار الخير، 1998م، ص606.
[43]- القرافي، شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن: الفروق، ط1، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، 1346هـ، ج3، ص13.
[44]- م.ن، ج3، ص14.
[45]- علي إبراهيم حسن: التاريخ الإسلامي العام، لا ط، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، ص544 ، 545.
[46]- ابن مماتي أسعد بن مهذب بن زكريا بن قدامة بن نينا (ت 606 هـ/ 1209م): كتاب قوانين الدواوين، تحقيق: عزيز سريال، مكتبة مدبولي، 1991م، ص 123؛ فاطمة مصطفى: المرجع السابق، ج2، ص50.
[47]- ابن مماتي: كتاب قوانين الدواوين، م.س، ص318.
[48]- النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، م.س، ج8، ص175.
[49]- ابن مماتي: كتاب قوانين الدواوين، م.س، ص318؛ القلقشندي، أبى العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت821هـ/1422م): صبح الأعشى في صناعة الانشا، دار الكتب المصرية، 1340هـ/ 1922م،ج3، ص530؛ خالد الطواهية: الضرائب في مصر في العصر الأيوبي (567هـ/1171م - 648هـ/ 1250م)، المجلة الأردنية للتاريخ والآثار - الأردن , مج 2, ع (2)، 2008م، ص89.
[50]- Goitein: Letters Of Medieval Jewish Traders, Princenton University December , 1972, p.29.
[51]-Gottheil, Richard J. H.; Worrell, William Hoyt: Fragments from the Cairo Genizah in the Freer Collection, The Macmillan Company London: Macmillan And Company, Ltd, 1927, P. xi, xii, p.23..
[52]- الوثيقة عبارة عن طلب التماس مقدم إلى الخليفة الفاطمي بتاريخ 1100م وهي متاحة على قاعدة بيانات البرديات العربية، من المشروعات المميزة لجامعة ميونخ:
https://www.apd.gwi.unimuenchen.de/apd/show2.jsp?papname=Khan_GenizahCambr_860&line=6
[53]- Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax, p.279.
[54]- Goitein: Op.Cit, p.284- 285
[55]- Goitein: Letters, p.304.
[56]- الوثيقة عبارة عن إيصال دفع ضريبة مؤرخ في 1095م، وهي متاحة على قاعدة بيانات البرديات العربية، من المشروعات المميزة لجامعة ميونخ:
https://www.apd.gwi.unimuenchen.de/apd/show2.jsp?papname=Diem_Steuerquittungen_340&line=4
[57]- Gottheil, Richard: op.cit., p.23.
[58]- Elinoar Bareket: The Head Of The Jews (Ra’is Al-Yahud) In Fatimid Egypt: A Re-Evaluation, Bulletin Of The School Of Oriental And African Studies, University Of London, Vol. 67, No. 2 (2004), P. 185.
[59]- Goitein: Op.Cit., P.76
[60]- Elinoar Bareket: Op.Cit., p. 191.
[61]- Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax, p.282.
[62]- Eli Alshech: Islamic Law, Practice, And Legal Doctrine: Exempting The Poor From The Jizya Under The Ayyubids (1171-1250), Islamic Law And Society, Vol. 10, No. 3, The Interaction Between Islamic Law And Non- Muslims: Lakum Dīnukum Wa-Lī Dīni (2003), P.370.
[63]- فاطمة مصطفى: المرجع السابق، ج2، ص43.
[64]- حسين العجل، بشار، الخراج والضريبة المعاصرة في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة، م.س، ص293.
[65]- سورة التوبة: آية (29).
[66]- الشافعي: البيان في مذهب الإمام الشافعي، اعتنى به: قاسم محمد النوري، دار المنهاج للطباعة والنشر، (د.ت)، مج 12، 269.
[67]- سورة البقرة: آية (280).
[68]- الشافعي: البيان في مذهب الإمام الشافعي، م.س، مج 12، ص270.
[69]- من أبناء القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ووضع كتابه في الحسبة بناء على طلب صلاح الدين لمساعدة الحكومة الأيوبية في مراقبة أرباب الحرف والصنائع لما كان معروفًا ميولهم للدولة الفاطمية والاهتمام بملاحظة أهل الذمة وحركات الباطنية. يسري عبد الغني: معجم المؤرخين المسلمين حتى القرن الثاني عشر الهجري، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 1991م، ص106.
[70]- الشيرزي، عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله الشيزري الشافعي (المتوفى: نحو 590هـ): نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1946م، ص107.
[71]- ابن مماتي: كتاب قوانين الدواوين، م.س، ص318؛ النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، م.س، ج8، ص176؛ المقريزي: المصدر السابق، ج١، ص ٢٢٥؛ فوزي الطواهية: المرجع السابق، ص89.
[72]- Eli Alshech: op.cit., p.370.
[73]- القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الانشا، م.س، ج3، ص531؛ خالد الطواهية: الضرائب في مصر في العصر الأيوبي، م.س، ص90.
[74]-  الوثيقة متاحة على قاعدة بيانات البرديات العربية، من المشروعات المميزة لجامعة ميونخ:
https://www.apd.gwi.unimuenchen.de/apd/show2.jsp?papname=Diem_Vind_III_430&line=10
[75]- Goitein: Letters, p.326.
[76]- ل.ا.سيمينوفا: صلاح الدين والمماليك في مصر، ترجمة: حسن بيومي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1998م، ص136.
[77]- المقريزي: المصدر السابق، ج١، ص ٣٠٨.
[78]- خالد الطواهية: الضرائب في مصر في العصر الأيوبي، م.س، ص90.
[79]- النابلسي، فخر الدين أبي عثمان النابلسي الصفدي الشافعي (ت: 685هـ): تاريخ الفيوم وبلاده المسمى: صنعة الحي القيوم في ترتيب بلاد الفيوم، المطبعة الأهلية مصر، 1316هـ، ص 24.
[80]- سيمينوفا: صلاح الدين والمماليك في مصر، م.س، ص136.
[81]- النابلسي، تاريخ الفيوم وبلاده المسمى: صنعة الحي القيوم في ترتيب بلاد الفيوم، م.س، ص24.
[82]- المقدسي: المصدر السابق، ص213.
[83]- ناصر خسرو علوي: سفر نامة، ترجمه: يحيى الخشاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م، ص94.
[84]- Gottheil. : op.cit., p.67.
[85]- Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax, p.279.
[86]- Goitein: A Mediterranean Society, University Of California Press, vol.1, 1967, p.387.
[87]-  النابلسي: تاريخ الفيوم وبلاده المسمى: صنعة الحي القيوم في ترتيب بلاد الفيوم، م.س، ص 29.
[88]- Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax, p.281.
[89]- Goitein: Op.Cit, p.284- 285.
[90]- فاطمة مصطفى: المرجع السابق، ج2، ص44.
[91]- Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax Op.Cit., p.285
[92]- جواتياين: دارسات في التاريخ الإسلامي والنظم الإسلامية، م.س، ص201.
[93]- الوثيقة عبارة عن إيصال دفع ضريبة مؤرخ في 1095م، وهي متاحة على قاعدة بيانات البرديات العربية، من المشروعات المميزة لجامعة ميونخ:
https://www.apd.gwi.unimuenchen.de/apd/show2.jsp?papname=Diem_Steuerquittungen_340&line=4
[94]- Goitein: Op.Cit., P.283.
[95]- الوثيقة عبارة عن إيصال دفع ضريبة مؤرخ في8 يوليو 1036م، وهي متاحة على قاعدة بيانات البرديات العربية، من المشروعات المميزة لجامعة ميونخ:
https://www.apd.gwi.unimuenchen.de/apd/show2.jsp?papname=Karabacek_Papier_5&line=4
[96]- ibid., P.283.
[97]- Eli Alshech: ibid., p. 367.
[98]- الطيبي: المرجع السابق ، ج2، ص156.
[99]- Goitein: Letters, p. 240; From Mediterranean To India Documenton The Trade To India , (Speculum –Vol – Xxix – 1954), p.243- 244
[100]- Eli Alshech: op.cit., p. 367.
[101]- جواتياين: دارسات في التاريخ الإسلامي والنظم الإسلامية، م.س، ص202.
[102]- Goitein: Evidence On The Muslim Poll Tax, p.279.
[103]-  ibid., P.280.
[104]- Eli Alshech: op.cit., P355.