البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الدراسات الاستشراقيّة في اللغة العربيّة واللهجات المغرب نموذجاً

الباحث :  اسليماني رضوان
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  29
السنة :  شتاء 2022م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 8 / 2022
عدد زيارات البحث :  2994
تحميل  ( 517.604 KB )
ملخّص
لقد اهتمّ المستشرقون مبكّرًا بدراسة اللغة العربيّة ولهجاتها؛ لأسباب ودوافع عديدة ومختلفة، ترتبط بخلفيّات البلدان والمدارس التي ينتمون إليها، فقد قدِم المستشرقون إلى العالم العربي للبحث في أحواله وثقافته منذ القرن التاسع عشر، وكانت في معظمها أعمالًا متواضعة تقوم على جمع المادّة ودراستها بطريقة تقليديّة، لكنها لم تلبث حتّى تطوّرت واشتدّ عمودها، بفضل تقدّم الدراسات اللغويّة المعاصرة في الغرب واستفادتها من الاختراعات الحديثة -كما يذكر الباحث في هذه الدراسة- فقد اهتمّ العديد من المستشرقين بالجانب اللغوي في دراستهم لمجتمعات العالم الشرقي، باعتبار أنَّ اللغة هي الجسر الذي يربط المستشرق بالمجتمع، ولا سبيل للتعرّف على تراث وثقافة العالم العربي دون التمكّن من لغته ولهجاته، بحيث لم يكتفِ علماء الاستشراق في أوروبا بدراسة اللغة العربيّة، وادّخار كتبها، لكنّهم انصرفوا منذ عهد اختراع الطباعة إلى الشيء الكثير من تواريخ بلاد العرب وجغرافيّتها وتراجم رجالها وأصول شعوبها، وكانت الاتجاهات الأساسيّة لاهتمام المستشرقين باللغة العربيّة تتميّز بعدّة خصائص يمكن إجمالها في التركيز على النصوص التراثيّة بقصد فهمها واستخلاص القواعد منها، والاعتماد على الكتب العربيّة النحويّة والصرفيّة والمعجميّة، لذا كانت بداية جهودهم في القرن الماضي، تنصبّ على تحقيق كتب التراث بشكل عام...،وكان شغفهم هذا يرجع لسببين أساسيين، الأوّل حين انتشر الإسلام خارج الجزيرة العربيّة، فاحتاج أبناء الشعوب غير العربيّة (الموالي) إلى إتقان اللغة العربيّة، كونها لغة الدين والدولة والحضارة، حتّى برعوا فيها، والثاني من خلال دراستها من قبل الغربيّين واهتمامهم بتعلّمها لأسباب شتّى، منها ما هو ديني، سياسي، وعلمي، في إطار الحركات الاستشراقيّة.

المحرِّر
--------------------------------
المقدّمة
تحتلّ اللهجات العربيّة في سياق الدراسات اللغويّة القديمة والحديثة حيّزًا كبيرًا من الاهتمام، بحيث أنّها تتعدّد في مجال لغوي واحد، لذلك يصعب وضع حدود لهجيّة بينها، وذلك لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنَّ اللهجات لا تعرف الحدود مطلقًا، بمبرّر أنّ لكلّ لهجة مجموعة من الصفات المشتركة التي تميّزها عن جاراتها، فقد بدأت دراسة اللهجات العربيّة في العصر الحديث على أيدي المستشرقين، الذين قدِموا إلى العالم العربي للبحث في أحواله وثقافته منذ القرن التاسع عشر، واشتدّ عمودها وتطوّرت بفضل تقدّم الدراسات اللغويّة المعاصرة في الغرب واستفادتها من الاختراعات الحديثة، كاستخدام الأجهزة المختلفة والمختبرات في ميدان البحث اللغوي. وانسيابًا مع هذا السياق اهتم ّكثير من الباحثين العرب المحدثين بدراسة اللهجات العربيّة في أنحاء العالم العربي، كما أسهمت الجامعات العربيّة بدورها في هذا الاهتمام لدى اللغويين العرب المحدثين بتأليف الكتب في اللهجات العربيّة، قديمًا وحديثًا، ولعلّ المجامع اللغويّة العربيّة في كلّ من القاهرة ودمشق وبغداد تشجّع الأبحاث والدراسات في هذا المجال، حتّى أنّ مجمع اللغة العربيّة في القاهرة خصّص إحدى لجانه لدراسة اللهجات العربيّة، فقد انطلق هؤلاء العلماء في اهتمامهم بدراسة اللهجات العربيّة الحديثة من خلال اعتقادهم بأنّ ذلك يؤدّي إلى فهم طبيعة اللغة ومراحل نشوئها وتطوّرها، وبيان تاريخها، الأمر الذي يسهم في دراسة اللهجات العربيّة القديمة. فقد احتفظت اللهجات الحديثة ببعض الصفات التي ثبت وجودها قديمًا، والتي يمكن إرجاعها بسهولة إلى لهجات عربيّة قديمة.

ولم يكتفِ علماء الاستشراق في أوروبا بدراسة اللغة العربيّة، وادّخار كتبها، بل توجّهوا إلى الطباعة، وهكذا تيسّر للأوروبيّين أن ينشروا أهمّ تلك الكتب في مختلف العلوم العقليّة والنقليّة، ومن جملتها أوّل طبعة من القرآن الكريم باللغة العربيّة، نشرها بابا غانيني في مدينة البندقيّة، ثم نشر أندريا أريفاين من مانتو أوّل طبعة للقرآن باللغة الإيطاليّة، ليلي ذلك طبع هذا الأخير بسائر لغات أوروبا. وكان تركيزهم في البداية منصبًّا على النصوص التراثيّة بقصد فهمها واستخلاص القواعد منها، والاعتماد على الكتب العربيّة النحويّة والصرفيّة والمعجميّة، لذا كانت بداية جهودهم تنصبّ على تحقيق كتب التراث بشكل عام. وما يهمّنا من خلال علاقة المستشرقين بالتراث العربي، وعنايتهم باللهجات العربيّة، هو تسليط الضوء على الاستشراق اللغوي في شقّه اللهجي؛ أي الدراسات التي اهتمّت باللهجات العربيّة من خلال الأعمال والدراسات والمناهج المعتمدة في ذلك، إضافة إلى الصعوبات التي يجدها الباحث في تتبّع هذه الإسهامات، وأهميّة دراستها والهدف منها.

لقد شُغف غير العرب بدراسة اللغة العربيّة، ويعود ذلك إلى سببين أساسيين، أوّلهما انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربيّة[2]، والثاني من خلال دراستها من قبل الغربيّين لأهداف وغايات، منها ما هو ديني، سياسي، وعلمي، في إطار الحركات الاستشراقيّة، فكانت أهميّة البحث في اللهجات واللغة من زاوية نظر المستشرقين، من خلال الاهتمام بمعرفة الرأي الآخر في المنجز اللغوي العربي، ومحاكمته والتفكير بجديده وربما تبنّيه، والسعي إلى تجديد الدرس اللغوي العربي على أساس أحكام الغربيّين، الذين اختصّوا في أبحاثهم بالعربيّة وإقامة الصلة بين التراث اللغوي العربي والدراسات اللغويّة للمستشرقين، ممّا يعدّ نموذجًا للحوار بين الشرق والغرب حول مائدة العربيّة. ولقد كان من اللازم على المستشرقين في مضمار تعرّفهم على الثقافات الشرقيّة وعاداتهم وخلفيّاتهم الدينيّة والفكريّة المرور عبر اللغة بكلّ تنويعاتها بغاية الإلمام بكلّ الخصوصيّات العربيّة. بهذا المقتضى سنحاول من خلال هذه الأوراق التطرّق إلى الدراسات الاستشراقيّة ومدى علاقتها باللغة العربيّة من جهة، واللهجات العربيّة من جهة ثانية.

أوّلًا: الدراسات الاستشراقيّة في اللغة العربيّة
لا يمكننا إنكار أنَّ الدراسات الاستشراقيّة، ومهما كانت غايتها من دراسة المجتمعات الشرقيّة، وقوفها عند المحطّة الأولى التي من خلالها يمكن لهذه الدراسات أن تصل إلى مقاصدها -ولا يمكننا في هذا الصدد الإنكار بدور اللهجات أيضًا في تطوير الدرس اللغوي؛ أي إنّ الدراسات الاستشراقيّة توجّهت بالدراسة إلى مجتمع من المجتمعات الشرقيّة، فكان لزامًا عليها أن تتعلّم اللغة الخاصّة بها. وهذا ما دفع مجموعة من المستشرقين باختلاف جنسيّاتهم إلى تعلّم وإتقان لغة البلد الخاضع للدراسة، على اعتبار أنّ اللغة هي الجسر الوحيد الذي يؤهّل المستشرق إلى معرفة وفهم خلفيّات وخبايا هذا البلد، فبدون اللغة لا يمكن للمستشرق اقتحام هذا البلد ولا الخوض في دراسته.

وفي هذا السياق شهدت دراسة اللغات الشرقيّة، ومنها العربيّة، تطوّرًا في أوروبا في القرن الثامن عشر، ففي القرن التاسع عشر انطلق البحث اللغوي، إذ كانت مدرسة اللغات الشرقيّة الحيّة التي أسّست في باريس سنة (1795م) وجهة للمتخصّصين في اللغة العربيّة، وأدّى استقلال الدراسات العربيّة إلى بثّ روح جديدة فيها، فقد ألّف سلفستر دو ساسي سنة (1810م) كتابه «النحو العربي»، واتجه تلامذته بعزيمة ونشاط إلى المخطوطات العربيّة وحقّقوا عددًا كبيرًا منها، كما انصرف البعض منهم إلى إعداد المعاجم، الأمر الذي نجده من خلال رينهارت بيتر دوزي (1830ـ1883م) في معجمه «تكملة المعاجم العربيّة» الموزّع على عشرة أجزاء، بالإضافة إلى مجموع مؤلّفاته الأخرى التي تخصّ اللغة العربيّة بالبحث مثل «بعض الأسماء العربيّة» الذي نشر في الجريدة الآسيويّة سنة (1847م)، وكتاب «المعجم المفصّل بأسماء الملابس عند العرب».

إنَّ اللغة العربيّة الفصحى، لغة الشعر القديم ولغة القرآن والحديث، نمت وتطوّرت بتطوّر أهلها العرب،  وقد كان هذا نتيجة الفتوحات الإسلاميّة، فلم تبق العربيّة لغة العرب وحدهم، وإّنما أصبحت لغة البلدان المفتوحة، وقد كان لمخالطة الشعوب المفتوحة، التي بدأت تتكلّم اللغة العربيّة وتلحن في كلامها، أثر في العرب أنفسهم، فقد أهملوا إعراب الكلام واستعملوا الكلمات بمعان محرّفة عن معانيها، واستعاروا من الشعوب المفتوحة، من أهل الشام من الفرس من الأقباط والبربر والإسبان والأتراك، كثيرًا من الألفاظ والعبارات؛ فقد اكتشفت الدراسات اللغويّة عند العرب مستعينة بتفهّم القرآن الكريم، ومندفعة للحفاظ على اللغة العربيّة، وفق ما تقتضي الضرورة الحضاريّة التي تمثّلها الحياة الجديدة في ظلّ الفتوحات الإسلاميّة، فلم ينقض القرن الثاني الهجري حتّى تكشّف عن الدرس اللغوي الذي يثير وجود مزيد من الاهتمام.

تتمثّل العلاقة التي تجمع الدراسات الاستشراقيّة باللغة العربيّة من خلال اهتمام بعض المستشرقين بالدرس اللغوي العربي على مستوى ميدان اللغة العربيّة من خلال مجموعة من المواضيع، سنقتصر على أربعة منها: الدراسات الصوتيّة عند العرب، المعجم العربي، النحو العربي، والأدب العربي. فكيف ناقشت هذه الدراسات الاستشراقيّة هذه المواضيع؟ وما موقف المستشرقين من اللغة العربيّة، وأثر هؤلاء من خلال دراستهم على البحث اللغوي في اللغة العربيّة.

1. الدراسات الاستشراقيّة في الصوت العربي
يمثّل القرآن الكريم من خلال تلاوته وقراءته وتفسيره وشرح غريب مفرداته، أهمّ باعث على التبكير بالدراسات اللغويّة، وقد أشار مؤرّخو علم اللغة إلى ظاهرة ارتباط نضج الدراسات اللغويّة، ولاسيّما الصوتيّة، بوجود كتاب ديني مقدّس، لم يغب هذا الأمر على المستشرقين الألمان في حديثهم عن الدراسات الصوتيّة عند العرب، فقد كان حدوث علم الأصوات عند العرب مقرونًا بدون شكّ بعلم التجويد. وبالتالي تعدّ دراسة الأصوات وقضاياها من أولى خطوات الدرس اللغوي، وليس بالغريب أن نقول إنّ المحفّز لهذه الدراسات كان اللحن الذي جعل أبا الأسود الدؤلي يبتكر تنقيطًا.

نشأ علم الأصوات (الدراسات الصوتيّة) كجزء من النحو العربي واتخذت دراسته مقدّمة لغيره، فقد جاء عند الخليل في كتابه، موظّفًا نظريّته الصوتيّة في فكرة رياضيّة لإحصاء المفردات العربيّة وإمكاناتها في الاستعمال. أمّا سيبويه فقد مهّدت دراسته الصوتيّة لموضوع الإدغام، فكثيرة هي دراسات المستشرقين للهجات العربيّة، بل إنّ أشهر الدراسات عن اللهجات العربيّة كتبها المستشرقون، ومن ثمّ تبعهم الباحثون العرب مقلّدين تارة ومبدعين تارة أخرى، ونستطيع أن نقول إنّ دراسة اللهجات دراسة علميّة ميدانيّة استقصائيّة قد بدأت قبل أكثر من مائة عام على يد المستشرقين، كذلك الحال مع الدراسات الصوتيّة، فهم من نبّهوا إلى أهميّتها في التراث العربي.
نجد في هذا السياق دراستين استشراقيّتين فرنسيّتين، لكلّ من هنري فليش بعنوان «التفكير الصوتي عند العرب في ضوء سرّ صناعة الإعراب لابن جنّي»، والباحثة أودينيت بيتي بعنوان «البحث في فونولوجيا اللغة العربيّة»، ودراسة أخرى للمستشرقين الألماني آرثور شاده بعنوان «علم الأصوات عند سيبويه وعندنـا»، ودراسة المستشرق البريطــــــــاني ت.م. جونستن بعنوان «تغيير الجيم إلى الياء في لهجات شبه الجزيرة العربيّة»[3].

تنطلق هذه الدراسات في رؤيتها لأصالة البحث الصوتي العربي من خلال موقف الباحثة الفرنسيّة أوديت بيتي، التي تقول إنّ دراسة الأصوات عند الإغريق والرومان ليس من الممكن اعتبارها إنجازًا ذا أهميّة أوليّة في تاريخ الفونولوجيا، فقد وضع الإغريق تصنيفهم ووصفهم للمفردات السمعيّة الانطباعيّة بدلًا من وضعها بمفردات مخارج الحروف، أمّا الرومان فإنّ أغلبيّتهم الألسنيّة تمتاز بالتطوير المجرّد الذي أدخلوه في النحو الوصفي للغة اللاتينيّة، وفي السياق نفسه يؤكّد آرثور شاده أنّه لم يتبق في هذا المضمار من الشعوب القديمة، التي لها جهد في هذا الموضوع، إلا الشعب الهندي والعربي، إذ يقول «لم يكن هناك في الشعوب القديمة إلّا شعبان قد بحثا عن كيفيّة الأصوات وإنتاجها بحثًا فاق بحث اليونان دقّة وعمقًا، وهما الهند والعرب، ولأنّ الهنود سبقوا العرب في وصف الأصوات بألف سنة أو أكثر...، لكنّ مذهب العرب في دراسة الأصوات يخالف مذهب الهند في نقاط مهمّة، فنرجع إلى أنّ العرب استحدثوا هذا الفنّ من المدارك العربيّة بأنفسهم، ولم يقتبسوه من أيّ شعب معيّن، وإذا سأل سائل ما هو الباعث الذي حثّ العرب على دراسة الأصوات العربيّة وعلى إنشاء قواعد لتطبيقها؟ فإنّ العجم الذين أسلموا في القرنين الأولين من قرون الإسلام كان يهمّهم لغاية ما أن يحسنوا قراءة المصحف الشريف، وينطقوا أصواته نطقًا عربيًّا خالصًا، ولم يروا إلى ذلك إلّا سبيلًا واحدًا بعد تعميق المطالعة لأصوات اللغة العربيّة وإحكام إنتاجها، فيظهر أنّ حدوث علم الأصوات عند العرب مقرون بنشوء علم التجويد، كما أنّ الصرف والنحو نشآ مصاحبين للقرآن والشعر»[4]. بمعنى أنّ المستشرق آرثور شاده موقن أنّ العرب من خلال دراستهم الصوتيّة للعربيّة لم يقتبسوا من الهند أو من أي شعب آخر، لذلك فهو الأمر الذي دعا مجموعة كبيرة من المستشرقين إلى الاشتغال على اللغة العربيّة من خلال مجموع العلوم التي تشملها. وتكمن العلاقة التي تجمع الدراسات الاستشراقيّة التي أنجزها المستشرقون المختلفون باختلاف جنسيّاتهم والدراسات الصوتيّة في اهتمامهم غاية الاهتمام بها، ومحاولة التأصيل لها، ممّا نتج عنه إبراز مكانة هذه الدراسات الصوتيّة عند الباحثين، سواء العرب منهم أو الأجانب المستشرقين، الأمر الذي دفعهم إلى الانكباب على هذه الدراسات بنهم شديد وجسارة عاتية لتصفّح تاريخ الدراسات العربيّة في كلّ الميادين والحقول، ممّا أكسب هذه العلاقة طابع العلميّة والتماسك.

2.  الدراسات الاستشراقيّة في المعجم العربي
يحظى المعجم العربي لدى المستشرقين، وخصوصًا الألمان، بالإعجاب والتقدير، ويعود السبب في ذلك إلى ما يقدّمه هذا المعجم من مساعدة في معرفة أصول بعض الكلمات ذات الأصل السامي، وبالتالي سيظلّ المعجم العربي دائمًا الوسيلة المساعدة في إلقاء الضوء على التعابير الغامضة في اللغات الساميّة الأخرى، وهذا السبب ينطلق من رؤية العربيّة على أنّها أقدم اللغات الساميّة، وأكثرها محافظة على الخصائص الساميّة الأولى، إضافة إلى ما يكتنزه المعجم العربي من ثراء لغوي، ووفرة معجميّة، بالرغم من بساطة الحياة العربيّة[5].

إنّ المعجم العربي كان يهدف إلى تسجيل كلّ المادّة اللغويّة بطريقة منظّمة، وهو لذلك يختلف عن كلّ المعاجم الأخرى التي كان هدفها شرح الكلمات النادرة والصعبة. والعرب من روّاد صناعة المعجم، بل يذهب بعض المستشرقين إلى أبعد من هذا على اعتبار أنّ الحافز الأوّل لنشأة المعجم كانت جهودهم الأولى لفهم النصّ المقدّس، ولاسيّما المنهج الذي ابتكره ابن العباس (ترجمان القرآن)، وهو الاحتجاج بالشعر في تفسير مفردات القرآن وتوضيحها وشرحها. وممّا لفت أنظار المستشرقين الألمان اختلاف مدارس المعجم العربي، أي تنوّع مناهج التأليف المعجمي، وقد ابتدأ هذا التأليف بالرسائل اللغويّة الصغيرة في القرن الثاني الهجري، وهي مرتّبة ترتيبًا موضوعيًّا، وقد سمّيت هذه الرسائل اللغويّة معاجم الموضوعات التي اشتملت على كتب الغريب، واللغات والحيوان وخلق الإنسان...، ويرجع المستشرق الألماني فؤاد سزكين أنّ غنى اللغة العربيّة الظاهر في الألفاظ المترادفة... قد أفضى إلى ترتيب الألفاظ بحسب دلالتها، ويصف هذا الأخير (سزكين) سببين أساسيّين، هما تنظيم ألفاظ اللغة حسب الموضوعات، حرصًا عليها وحفظًا لها لما يتلّقونه من رواة اللغة، وكذلك تحديد معيار الفصاحة باستعمال كلمات توردها هذه المعاجم في فترة كان اللحن وعدم الدقّة يكاد ينتشران في استعمال اللفظة المناسبة[6].

وعلى مستوى المعجم العربي فقد قدّم المستشرقون نقدًا، وكان أغلبه نقدًا منهجيًّا، تمثّلت هذه الانتقادات في طريقة معاجم الموضوعات، وترتيب الكلمات والمعياريّة. فالأوّل (طريقة معاجم الموضوعات) «لون من التأليف المعجمي عند العرب، من شأنه أن يضمّ ألفاظ اللغة، بمعنى أنّ العمل المعجمي يجمع الألفاظ المتصلة بالخيل أو النبات أو أوصاف النساء... وينظمها تحت عنوان يجمعها»[7]، بحيث أنّ جامعي اللغة الأوائل لم يجدوا منهجًا مناسبًا لطبيعة ما جمعوه غير المنهج الموضوعي، أمّا ما يخصّ نقد ترتيب الكلمات، فقد كان هذا الترتيب في المعجم العربي محورًا مهمًّا من المحاور التي انتقدها المحدثون، وقد ذهب فيشر إلى أنّ نقص المعجميّة العربيّة بمدارسها المختلفة هو خلوّها من الترتيب الدقيق والواضح للكلمات ومعانيها، ويرى أنّه لتفادي هذا النقص يجب مراعاة ضرورة وضع قاعدة ثابتة للترتيب[8]. إنّ عدم الانتظام في ترتيب أصول الكلمة، أدّى إلى الخلط والتكرار وسوء الشرح وعدم التفريق بين المعاني المجازيّة والحقيقيّة أو الماديّة والعقليّة. ويقول فيشر في السياق نفسه إنّ هذا الترتيب يستحقّ الإعجاب من الناحية النظريّة، إلّا أنّه من الناحية العلميّة يعتبر مخفقًا، بحيث أنّ النقص المهمّ في المعاجم التي صنّفها العرب يرجع إلى أن مصنّفيها ما كانوا يجمعون كلّ المفردات العربيّة، بل كانوا يجمعون الفصيحة منها فقط. إنّ المعجم العربي بهذا الخصوص غير مثالي؛ لأنّه حجب شواهد المصادر التاريخيّة والفقهيّة وغيرها من الدخول إليه.

ثانيًا: الدراسات الاستشراقيّة في النحو العربي
أدّت الفتوحات العربيّة إلى تشابك حضاري وتلاقح اجتماعي، ما أثّر في العربيّة الفصحى تأثيرًا بليغًا زاد معه الخطأ في أصواتها وصوغ كلماتها ودلالتها وتركيبها ...، بالتالي قلّ سلطان السليقة، وأصبح التضلّع بالعربيّة تعلّمًا وليس طبعًا، غايته إتقان لغة الدين والدولة، وفي هذا يقول يوهان فيك إنّ المسلمين الجدد اتخذوا لغة العرب لسانًا لهم هو الدافع الأوّل للملاحظات النحويّة، وكان للمستشرقين في هذا السياق رأي من النحو العربي، يكمن الرأي الأول من خلال أسباب الخلاف النحوي الذي يُعزى إلى اختلاف منهج القياس، يقول يوهان فيك إنّ مذاهب علماء البصرة كانت متعدّدة في القياس النحوي، الذي يختلف كلّ الاختلاف عن مذاهب الكوفيين، فالبصريّون اشترطوا في الشواهد المستمدّة منها القياس أن تكون جارية على ألسنة العرب الفصحاء... بحيث يستنتج منها القاعدة المطّردة[9]. أمّا الكوفيّون فكانوا يسمعون الشاهد الشاذ ويقيسون عليه ويجعلونه أصلًا. هذا اللون من الانتقادات التي وجّهت للنحو العربي من قبل المستشرقين دعاهم، قبل توجيه هذه الانتقادات اللاذعة للنحو العربي كموضوع من مواضيع اللغة العربيّة، إلى تدارسهم الثقافة النحويّة والطرق التي اعتمدتها كلّ من مدرسة البصرة والكوفة، والخلاف الذي وسم علاقتهما والمنهج المعتمد في القياس.

ثالثًا: الدراسات الاستشراقيّة في الأدب العربي
تعدّ المدرسة الفرنسيّة من أهمّ وأقدم مدارس الاستشراق في العالم، فقد استفادت من القرب الجغرافي والظروف التاريخيّة التي فرضت الاهتمام بالمنطقة العربيّة، هذا ولا يخفى علينا أنّ اتصال المستشرقين الفرنسيّين بأدبنا العربي كان استجابة لتطوّر الذوق الأدبي في بلادهم أواخر القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر، فقد ضاق الفرنسيّون ذرعًا بالآداب اليونانيّة والرومانيّة (اللاتينيّة) وملّتها نفوسهم بعد أن استوعبوها، فطفقوا يبحثون عن عوالم جديدة لم يسمعوا بها من قبل في الآداب المشرقيّة، فنجاح (ألف ليلة وليلة) ورواجها في فرنسا خاصّة، والغرب الأوروبي عامّة، بعد أن ترجمها إلى الفرنسيّة أنطوان غالان، فتح الباب على مصراعيه للبحث في أدب الأمم الشرقيّة، وفي طليعتها الأمّة العربيّة التي استفاد الغرب منها من خلال العلوم العقليّة والتجريبيّة والتأمليّة[10].

صحيح أنَّ اللغة تتكاثر وتتوالد بالاكتساب والخبرة والمعايشة، لكنَّ الإنسان أيضًا يُذيب فيها كلّ مكنوناته وأفكاره، بل تصبح بعد ذلك هي وجوده ولا وجود له بغيرها، بل هي محور تفكيره، لذا اهتمّ الباحثون بتأويلها والبحث عن جماليّتها وعن النزعة الروحيّة الموجودة فيها، وخاصّة تلك اللغات الحافلة بتاريخها، فقد اعتنى المستشرقون باللغة العربيّة الفصحى عناية بالغة، وهذه العناية موغلة في القدم، فقد نهل الغرب من معين اللغة العربيّة وتزوّد من تراثها، فكان إتقانها شرطًا أساسيًّا لدراسة الحضارة العربيّة وإتقان العلم والمعرفة. لقد كانت للمستشرقين في هذا السياق إنجازات كثيرة ومتنوّعة في اللغة العربيّة، نراها في بعض المجالات أكثر دقّة ونوعيّة ممّا أنجزه العرب أنفسهم، وأمست هذه الأعمال مراجع ومصادر أصليّة للّغة العربيّة، بحيث أنّهم بحثوا في أصواتها ولهجاتها ونحوها وصرفها وأصولها ومعاجمها وأطوارها وغزارتها ومادّتها وفلسفتها وعلاقاتها باللغات الأخرى وخاصّة اللغات الساميّة.

وتتجلّى أسباب اهتمام المستشرقين بالدراسات في الأدب العربي من خلال ثلاثة أسباب كأقلّ تقدير:
فالأوّل؛ على اعتبار أنّ الدرس اللغوي عند العرب يأتي في موقع متوسّط بين النظام اليوناني في الغرب والنظام الهندي في الشرق، فكان من الطبيعي أن يوجّه المستشرقون أنظارهم إليه ليدرسوا نشأته وتطوّره، ولا شكّ أنّ كثيرًا منهم كانت تستهويه المقارنة بين المدارس اللغويّة المتنوّعة، فراح يبحث في العلاقة بين هذه المدارس، كاليونانيّة والسريانيّة والعربيّة، وعلاقة كلّ منها بالأخرى. والسبب الثاني كون أنّ الدراسات اللغويّة عند العرب لها قيمة كبيرة، فهي حلقة مهمّة من حلقات العلوم الإسلاميّة، فأهميّتها تتجاوز دورها الكبير في تاريخ الدرس اللغوي بشكل عام إلى مكانتها في دراسة الفكر الإنساني على الإطلاق. ويأتي السبب الثالث في سياق النحو العربي وفي صورته التي وصلتنا عن النحاة القدماء، فلقد كانت عُدّة المستشرق في تعلّم نحو اللغة، مجموعة من الكتب التي أخذت عن العرب طريقتهم، وخضعت في الوقت نفسه لمناهج الغرب في دراسة اللغة، ولعلّ من أبرز طرائقهم في تناول العربيّة دراستها في ضوء مناهجهم في دراسة لغاتهم، فهم يستخدمون لهذا الغرض الأساليب الإحصائيّة في الوقوف على أظهر مفردات اللغة وأشهر تراكيبها النحويّة، مع مقارنة ظواهرها بظواهر غيرها من اللغات واللغات الساميّة على وجه الخصوص، من حيث الأصوات، وبُنى الأفعال والأسماء، وأصولها اللفظيّة والتركيبيّة.

وممّا لا شكّ فيه أنّ كثيرًا من الجوانب المتعلّقة بالدراسات الاستشراقيّة قد عادت على اللغة العربيّة بكثير من النفع. وعلينا أن نذكر في هذا المقام أنّ الدرس اللغوي قد تطوّر تطوّرًا كبيرًا وملحوظًا في مناهجه وأساليب بحثه، وقد بات من المفروض أن تستفيد العربيّة من هذا كلّه، وهذا لا يعني بحال من الأحوال رفض القديم لقدمه، كما لا يعني أن يؤخذ بالحديث لحداثته، فالحقيقة اللغويّة هي الهدف، والكشف عنها هو الغاية، وما يوصل إليها هو الوسيلة[11].

رابعًا: دوافع المستشرقين في تعلّم اللغة العربيّة
هناك الكثير من الدوافع لإقبال المستشرقين على تعلّم اللغة العربيّة، نكتفي بذكر الدوافع الحضاريّة، والدوافع الاقتصاديّة، والدوافع العلميّة والثقافيّة.

1.الدوافع الحضاريّة: لقد أخذ الصراع الحضاري مداه وأبعاده وأشكاله على اتّساع الرقعة التي امتدّ إليها رواق الإسلام، أشرقت عليها شمسه، منذ بدايته إلى اليوم، صراع بين الحضارة الإسلاميّة والحضارات البائدة التي كانت ذات يوم تخيّم على هذه الرقعة كاليهوديّة والرومانيّة والنصرانيّة، فمع الزمن أصبحت لدراسة الحضارة الإسلاميّة من خلال علومها ولغاتها... مراكز ومعاهد تجمع في المكتبات أمّهات الكتب والمخطوطات، فنظرًا لأهميّة الحضارة العربيّة وتاريخها الحافل بالأحداث، ما كان للمستشرقين إلّا أن يكون هذا الأمر دافعًا من دوافعهم للخوض في غمار الاهتمام بالعربيّة وآدابها ولهجاتها[12].

2. الدوافع الاقتصاديّة: تتجلّى الدوافع الاقتصاديّة، على اعتبار أنّ لها أثرًا في تنشيط الاستشراق، في رغبة الغربيّين في التعامل مع الشرق لترويج بضائعهم وشراء مواردهم الطبيعيّة الخام بأبخس الأثمان، وينبغي ألّا يفوتنا النظر إلى دور الشركات التجاريّة في دعم المشاريع الاستشراقيّة، وقد رافق دورها هذا الاستشراق في عصوره المختلفة، فقد أسّست شركة الهند الشرقيّة البريطانيّة (Haileybury) ليدرس موظّفوها لغات البلاد التي يتعاملون معها، وقد درست فيها العربيّة من بين هذه اللغات، وما يزال الكثير من البحوث الاستشراقيّة التي تنطلق من هذا الدافع، تسير حثيثًا لإنجاز مشاريع لغويّة محدّدة، كحصر ألفاظ السياسة والصحافة والتجارة؛ بغرض تقريب الاستفادة منها وتيسير تعلّمها على المختصّين[13].

3. الدوافع العلميّة والثقافيّة: تتمثّل الدوافع العلميّة والثقافيّة في عنصرين أساسيّين، الأوّل؛ في علاقتها بأوجه النشاط في الحضارة الإسلاميّة، فقد بلغت هذه الحركة مبلغًا عظيمًا في الوقت الذي كانت فيه أوروبا خاملة الذكر والنشاط، فقد كانت المآثر التي قامت بها الشعوب، التي تتكلّم اللغة العربيّة بين القرن التاسع والثاني عشر، عظيمة، وقد ظلّ المسلمون أساتذة العالم حتّى القرنين الثالث عشر والرابع عشر، لكن لا يخفى أنّ هذا الدافع قد توقّف، ودالت الأمور، فما عاد شباب الغرب يندفع نحو الشرق لينهل العلم، بل أخذ الشباب المسلم يندفع نحو الغرب ليدرس في معاهده وجامعاته. والعنصر الثاني فيما يخصّ بأوجه النشاط الفني والأدبي في الحضارة الإسلاميّة، فقد أدرك الغربيّون ما في الشرق من سحر الجمال وعذوبة الفنّ، ممّا دفعهم إلى الإقبال على الأدب؛ شعره ونثره، فراحوا يوشّون تعبيراتهم الأدبيّة بألوان التعبير الشرقي العطر، ويشربون ما تجود به قرائحهم الأدبيّة بما يقعون عليه من أزاهير الأدب الشرقي، الذي طيّبت ريحه شمس المشرق، وأقبلوا كذلك على ترجمة عيون الأدب الإسلامي، وتفنّنوا في صوغه بلغاتهم للعامّة تارة وللأطفال تارة أخرى، وقد صاغوه على شكل مسلسلات تلفازيّة أو إذاعيّة أو مسرحيّة[14].

كلّ هذه الدوافع لعبت دورًا مهمًّا من خلال كونها عرفت بالدراسات اللغويّة العربيّة وبالروح العربيّة، واقتحمتها بالدراسة من خلال كونهم تعلّموا اللغة العربيّة، وسارعوا إلى تعليمها وتلقيها، الأمر الذي أدّى بهم إلى البحث في جميع جوانب البلدان الشرقيّة اللغويّة، الدينيّة، الثقافيّة، ...، وحتّى التجاريّة.

خامسًا: الدراسات الاستشراقيّة وعلاقتها باللهجات
تعدّ اللهجات حالها حال العربيّة الفصحى، باعتبارها وليدة حركة هذه الأخيرة، فهي لسان المتحدّثين في المجتمعات شمال أفريقيا بعد اللغة العربيّة، ويُعزى تكوّنها ونشوؤها إلى عاملين أساسيّين، هما الانعزال بين بيئات الشعب الواحد، وكذا الصراع اللغوي نتيجة الغزو والهجرات[15]. معنى هذا أنّ اللهجة نتيجة مجموعة من العوامل. في هذا الصدد لم تسلم اللهجات هي الأخرى، في إطار دراسة المجتمعات الشرقيّة، من الدراسات الاستشراقيّة؛ فقد عملت مجموعة  كبيرة من الدارسين على دراستها في إطار التعرّف على الثقافة الشرقيّة.

لقد قدّم المستشرقون أعمالًا كثيرة في مجال الدراسات العربيّة بصفة خاصّة، وقد تنوّعت هذه الأخيرة (الدراسات) إذ قدّمت لمن يريد من الأوروبيّين تعلّم العربيّة وإتقانها، فشملت تأليف الكتب في مجال القواعد والمعاجم وفهارس المخطوطات وشروح النصوص، ونشر كتب التراث العربي، والعناية بالمخطوطات العربيّة، ووضع فهارس خاصّة لها في المكتبات، وتحقيق المخطوطات النادرة ونشرها، من خلال هذه الأمور لا يهمّنا علاقة هؤلاء المستشرقين بالتراث العربي، غير عنايتهم باللهجات العربيّة، وسنحاول دراسة الاستشراق اللغوي في شقّه اللهجي، أي الدراسات التي اهتمّت باللهجات العربيّة من خلال أعمالهم ودراساتهم ومناهجهم المعتمدة في ذلك[16]. فقد عمل اختلاط الأمم العربيّة في البلاد العربيّة من خلال اهتمام المستشرقين بالبحث في اللهجات العربيّة، إذ تمّ تدريس لهجاتها وأصولها وتطوّراتها في جامعاتهم وكليّاتهم، عن طريق إنشاء مدارس اختصّت بدراسة اللهجات التي كان لها أصول قديمة في التراث اللغوي العربي.

لقد كان للمستشرقين دور كبير في إحياء الدراسة اللهجيّة، والاهتمام باللهجات العربيّة دراسة وتحقيقًا وتصنيفًا وفهرسة، ويمكن في هذا السياق أن نشير إلى بعض الأعمال التي اهتمّت بدراسة العامّية (اللهجة) من قبيل: «أصول اللغة العربيّة العاميّة والفصحى» قدّمه باللاتينيّة دي سفاري سنة 1784م للحكومة الفرنسيّة، «كنز المصاحبة والأدب للأنيس والطالب في لغة مصر والمغرب» تأليف يوحنّا يوسف مرسل، طبع في باريس سنة 1869م، و «نصوص عربيّة في لغة العرائش العاميّة» لمخيمليانو سنطون الأندلسي، جمع فيه لغة العرائش في المغرب سنة 1910م، نشر الأخبار بحرفها المغربي ورسم لفظها بالحرف الفرنسي. وممّا لا جدال فيه أنّ حضور عدد مهمّ من أمثال هذه الدراسات والأعمال أخرج اللهجات بالدراسة من جحرها إلى الوجود للبحث والتمحيص.

يتناول علم اللهجات انقسام لغة ما إلى عدّة لهجات مرتبطة بها، والأسباب التي تؤدّي إلى ذلك، والصلة بين اللغة الأم وما تفرّع عنها من لهجات، وخصائص هذه اللهجات في مستويات التحليل اللغويّة من أصوات وبنية وتركيب ودلالة، وما يحصل لهذه اللهجات في صراعها وتفاعلها من قوّة أو ضعف وانزواء أو انتشار...، وقد تتحوّل إحدى اللهجات إلى لغة، ليدرس علم اللهجات أسباب ذلك وآثار كــــلّ لهجة في صاحباتها ومدى تأثّرها بها[17].

يهدف هذا العلم إلى دراسة اللهجات المحليّة التي يتكلّمها الناطقون بها دراسة علميّة موثّقة كما هي في وضعها المنطوق، وغالبًا ما تجرى هذه الدراسات على شكل أبحاث ميدانيّة، يقوم الباحثون بإعداد عدد كبير من التسجيلات الصوتيّة للناطقين بهذه اللهجة أو تلك، فيدرسونها واصفين نظامها الصوتي وما فيها من أصوات وحركات، ثمّ الانتقال إلى دراسة نظامها الصرفي والنحوي.

إنّ من الواجب على أيّة دراسة للغة طبيعيّة معيّنة اعتماد متن لساني يعكس الاستعمالات اللغويّة التي تتمظهر في اللفظ المنطوق من خلال الناطقين بها جميعها، لاسيّما منها الاستعمالات العفويّة، وبالتالي فالصعوبات التي تواجهنا فــــي اللهجيّات العربيّة تتمثّل في النصوص التي وصلتنا عن اللغة العربيّة بمختلف نوعيّاتها[18]. فعلى اللهجات العربيّة، إن كانت تتوخّى بلوغ مقاربة شموليّة لطرق استعمال هذه اللغة، أن تنجز مراجعة نقديّة للفكر اللغوي الكلاسيكي، وأن تعمل على استكمال المتن اللساني من خلال الاعتماد على معطيات جديدة غير التي انطلق منها. وممّا لا شكّ فيه أنّ القيام بدراسة تاريخيّة للدارجة المغربيّة على سبيل المثال، مهمّة تبدو صعبة، سواء من خلال الاعتماد على علم القواعد التاريخي[19] أو علم اللغة التاريخي[20] أو علم الأصوات التاريخي[21]، وخاصّة إذا ما كانت الدراسة تهدف الاعتماد على حقب زمنيّة بعيدة، فالمصادر المتاحة للمنطقة المغاربيّة كثيرة، إلّا أنّ المشكلة تكمن في عدم الاهتمام بها ودراستها، مثلما قام به الباحثون في المنطقة الشرقيّة للعالم العربي.
وبالعودة إلى المغرب، نجد بعض آثار العربيّة المغربيّة مثبتة في مصادر مكتوبة قديمة، منها ما ألّفه المغاربة، ومنها ما حضر في أعمال المستشرقين. فلقد شهد المغرب كباقي دول شمال أفريقيا اهتمامًا بالغًا بالعاميّة المغربيّة عند المستشرقين، ويظهر ذلك في البحوث والدراسات المنجزة في جميع المجالات التاريخيّة والأنثروبولوجيّة والإثنوغرافيّة والسوسيولوجيّة واللسانيّة من طرف أعلام الاستشراق على اختلاف مدارسهم ومناهجهم، ولعلّ الحضور الفرنسي بارز في هذا السياق، خاصّة بعد التدريس الأكاديمي الذي زاولوه بالجزائر، إلّا أنّ اللافت عند رصد مسار التطوّر التاريخي، هو البداية المبكّرة للاهتمام العلمي بهذا المجال، وفي هذا السياق أنجزت مجموعة من الدراسات المعجميّة التي تناولت الألفاظ العاميّة المغربيّة والمتمركزة أساسًا في المنطقة الشماليّة من المغرب.

يرجّح كانتيو أنّ الدراسة العلميّة للعربيّة المغربيّة قد بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، وبالتحديد مع أعمال الباحثين Socin و Fisher و Kampff، فضلًا عن دراسات قام بها مجموعة من الفرنسيّين والإسبانيّين، وبالرغم من أنّ هذه الأعمال قد تواصلت على امتداد النصف الأول من القرن العشرين، فهي لم تكن دراسات لغويّة كاملة وعميقة، إذ لم تشتمل على نصوص وافرة، ولا على معجم لغوي تام؛ لأنّها كانت مسخرّة لتعليم القوات العسكريّة والمدنيّين الذين استقرّوا في المغرب في أثناء الاحتلال. ويرى في هذا الصدد محمّد بنشريفة أنّ ما يلفت النظر ويدعو إلى الانتباه، هو إقبال الباحثين الأجانب على دراسة العاميّات العربيّة واهتمامهم بتدوين ألفاظها ونصوصها[22].

 سنحاول ذكر أبرز المستشرقين الذين اهتمّوا بدراسة العربيّة المغربيّة، من قبيل؛ دومباي، كولان، وتالكوت ويليامز،....
ــ دومبايFranz VonDobmbay (1758-1810م): ترجمان نمساوي، كان يتقن اللهجة العربيّة في المغرب، له كتاب بعنوان «نحو اللغة المغربيّة العربيّة مع استعمالات اللغة العاميّة» ظهر سنة 1800م، اقتصر فيه على لهجة أهل طنجة (المغرب). ويعدّ كتابه هذا أوّل بحث مفرد في اللهجة المغربيّة، وأوّل إسهام علمي في البحث في اللهجات العربيّة.

ـــ كولان Georges Seraphin Colin (1893-1977م): مستشرق فرنسي أمضى دراساته الأولى في مدرسة رابليه(Rabelais) ، انتقل إلى باريس حيث دخل مدرسة اللغات الشرقيّة الحيّة، وحصل منها على دبلوم في العربيّة الفصحى واللهجات العربيّة في المشرق، سنة 1913م. خلّف كـــــــولان مجموعة من الأبحاث والكتب التي نذكر منها «تعليقات تتعلّق باللهجة العربيّة في شمالي منطقة تازة»، و»تحفة الأحباب، معجم في المادّة الطبيّة المراكشيّة» بالاشتراك مع الطبيب رينو (Renaud) سنة 1934م، و»الحياة المراكشيّة» وهو مجموع من النصوص الأثنوغرافيّة باللهجة العاميّة المغربيّة، سنة 1953م. وواضح أنّ اهتمام كولان الأساسي هو دراسة اللهجات العربيّة العاميّة في (مراكش) المغرب، وكان يستعين في ذلك ببعض المغاربة، وفي الوقت نفسه كان يتقن الأمازيغيّة بلهجاتها المتفرّقة.

ــ تالكوت ويليامز (Talcott Williams): حلّ بالمغرب سنة 1889م من أجل غرض علمي، فالتمس القنصل العام من المخزن غاية هذا الغرض تسهيل مهمّة هذا العالم من أجل تجوّل الدكتور تالكوت ببعض المدن مثل وزّان والقصر الكبير وفاس ومكناس والرباط وسلا... وقد نشـر سنة 1898م دراسـة عن اللهجات المغربيّة بعنوان (The SpokenArabic of NorthMorocco)[23].

وقد قام ويليامز برحلتين إلى المغرب، بعدما اكتسب العربيّة السوريّة في فترة الصبا، وحاول تقديم دراسة للهجة العربيّة المغربيّة والمنطقة المجاورة، وكان أوّل من لاحظ في العربيّة المحكيّة في شمال المغرب اختلاف النطق عن عربيّة سوريا، مع الاتجاه إلى تقصير الكلمات، ولقد قسّم ويليامز اللهجات العربيّة الموجودة في المغرب إلى ثلاث: عربيّة المدن، عربيّة القرى، وعربيّة المناطق الجبليّة، بحيث أنّه قد أحاط هذه المناطق بالعناية اللازمة، إن لم نقل القصوى، على اعتبار أنّ دراسته قد تعتبر مشروعًا للتعريف بالمستويات اللغويّة السائدة بها.

سادسًا: الاستشراق اللغوي
أيقنت أوروبا منذ القرن الثالث عشر تحوّلًا في الاهتمام بالعربيّة، خاصّة بعد مؤتمر فيينا 1312م، بعدما تأكّد العديد من الأوروبيّين أنّ الطريقة الوحيدة للتعامل مع المسلمين والمشارقة، هو التعرّف عن كثب على أفكارهم ولغاتهم، بعدما حسم أنّ القضاء عليهم عسكريًّا هو الحلّ. ظلّ هذا الاتجاه يتطوّر ويتخمّر إلى أن عقد مجمع فيينا، الذي أوصى أن تدرّس العربيّة في المراكز العلميّة الأوروبيّة بشكل رسمي للاهتمام بها، فما كان على هذه المراكز (باريس، أكسفورد، بولونيا، أفينون، سلامنكا) إلّا أن تدرّسها وتلقّنها[24]. ومن الواضح أنّ الاتجاهات الأساسيّة لاهتمام المستشرقين بالعربيّة قد تميّزت بعدّة خصائص فيما يخصّ العربيّة الفصحى ومن خلالها فيما يخصّ اللهجات هي الأخرى -على اعتبار أنّ اللهجة امتداد للغة المعيار- من أبرز هذه الخصائص نذكر منها، التركيز على النصوص التراثيّة بقصد فهمها واستنباط القواعد منها، بالإضافة إلى الاعتماد على الكتب العربيّة النحويّة والصرفيّة والمعجميّة[25].

في السياق نفسه، تجدر الإشارة إلى إسهامات المستشرقين في دراسة اللهجات العربيّة، ووسائل المستشرقين، وكذلك أسباب دراسة أعمال المستشرقين اللغويّة.

إسهامات المستشرقين في دراسة اللهجات العربيّة
لقد كان للمستشرقين دور كبير في إحياء الدراسة اللهجيّة والاهتمام باللهجات العربيّة دراسة وتحقيقًا وفهرسة، وسنحاول أن نتطرّق إلى المزج بين الفصحى والدارجة في الاستعمال الفني بالأندلس عند يوهان فيك من خلال قوله «ذلك أنّ محاولة نظم «الزجل» أي الموشّحة الشعبيّة الأسلوب، إنّما أمكن التجاسر عليها بعد أن تقدّمت الموشّحات الفصيحة باقتباس عبارات وجمل مبتذلة من لغة الشعب، وهيّأت بذلك الصيغ والقوالب في لغة العامّة للاندماج في أوزان الموشّحة»[26]، فقد حاول يوهان فيك -من خلال كتابه «العربيّة دراسة في اللغة واللهجات والأساليب» كمحاولة لدراسة استشراقيّة للبقعة المشرقيّة على المستوى اللغوي دراسة تاريخيّة-  التطرّق إلى دراسة التغيّرات التي طرأت على شعر الزجل في ظلّ المزج بين الفصحى واللهجة (لغة الشعب) في الاستعمال الفنّي بالأندلس.

أمّا فيما يخصّ الدراسات الاستشراقيّة والثقافة الشعبيّة المغربيّة، فقد ساهمت المدارس الاستشراقيّة والدراسات الاستشراقيّة هي الأخرى في كتابة أحداث مهمّة من تاريخ الشعوب التي لم يدوّنها التـــاريخ الرسمي، دون نسيان اهتمامها بالتراث الشعبي وتدوينه، كما كان للدراسات الاستشراقيّة بالغ التأثير على الاهتمام بالثقافة الشعبيّة، بحيث احتلّت موقعًا مهمًّا بين الأبحاث والدراسات؛ فقد انصبّت هذه الدراسات على إعادة قراءة الموروث الثقافي الشعبي المتعدّد والمختلف والمتنوّع من أجل وسمه بالبعد الحضاري والإبداعي والإنساني. وفي هذا السياق جاءت دراسة المستشرق الكونت هنري دو كاستري (Comte Henry de Castries) في مجال الثقافة الشعبيّة، إذ انكبّ على تحليل ودراسة رباعيّات عبد الرحمان المجذوب من خلال جمعها عن طريق منهجيّة البحث الميداني، وترتيبها ومحاولة شرحها وتفسيرها وترجمتها، وأوضح هنري دو كاستري من خلال دراسته أنّه رغب من خلال عمله التعرّف على الروح العربيّة والأبعاد السيكولوجيّة للشخصيّة العربيّة وأبعادها النفسيّة، وأوضح أنّه، ولأوّل مرّة عند مجيئه للجزائر، قرأ العديد من الكتب العربيّة بنيّة الإلمام بالمستويات العامّة لشعوب شمال إفريقيا[27].

وسائل المستشرقين
 اختلفت وتعدّدت الوسائل والطرق التي اعتمدها المستشرقون في تقريب وتدريس اللهجات العربيّة لغير الناطقين بها، فهناك من قدّم أعماله متوسّلًا بقواعد العربيّة الفصحى، وهناك من توسّل لغته الأصليّة وتقديم أمثلة بالعربيّة اللهجيّة قيد الدراسة أو استعمل العربيّة اللهجيّة وحدها، كما نجد أنّ هناك من ركّز على لغته الأصليّة إضافة إلى كتابة العبارات والجمل العربيّة بحروف لاتينيّة. فقد استعمل (J.H. Delporte) اللغة الفرنسيّة في دراسة حول العربيّة الجزائريّة، متوسّلًا بأمثلة من اللهجة المدروسة[28].

في حين، وظّف (J. Desparment) العربيّة الجزائريّة من خلال نصوص تعليميّة، درس بها اللهجة الجزائريّة، مثلما نجد في نصّ (من الصغر حتّى للكبر):

«ولد الرضاعة يسمّى صابي، بعد ما يكبر يرجع ف الخمس سنين يقولوا له طفيل -وليد ج وليدات، بعد ما يرجع ف العشر سنين يقولو له ولد- طفل، وقت الي يرجع ف الخمسطاشن سنة وشاربه يبدا يخضار يقولوا له شاب - عازب، لما يرجع ف العشرين سنة يقولوا له رَجَلْ، باقي رجل حتى يشيب يقولوا له شيباني، حتى يهرم يقولوا فلان شيخ كبير ما بقات له إلا المُوتْ.
وأما المراة كي تكون طغيرة تكون طفيلة - بنيتة، وبعد العشر سنين ترجع عاتق، ومنين تزوج تسمى عروسة، ولما تكبر شوية يقولوا لها مراة، وبعد ما تفوت الربعين سنة ترجع عجوزة»[29].

كما لم تخل طرق تقريب وتدريس اللهجات العربيّة من تقنيّة الحوار، التي تقرّب المادة المدروسة وتساعد المتعلّم على تذكّر الألفاظ والمفردات:

مارك: السلام عليكم
الحاج: وعليكم السلام
مارك: واش كاينة شي دار ل الكرا؟
الحاج: واش بغيتي محل كبير ولا صغير؟
مارك: بغيت دار متوسطة، يكون فيها صالون وبيت النعاس والدوش والكوزينة وكتدخل ليها الشمس ويكون فيها السطح ديالي بوحدي.
الحاج: كاينة وحدة ولكن التمن ديالها 20.000 ريال.
مارك: لا بزاف عليا، علحقاش أنا غير بوحدي ومغاديش نقدر نخلص هد التمن[30].

بهذا المقتضى، يمكننا القول إنّ المستشرقين من خلال دراستهم للهجات العربيّة في إطار تقريب وتدريس هذه الأخيرة لغير الناطقين بها، توسّلوا كلّ الطرق والوسائل المتاحة لغاية ضبطها وتعلّمها وتدريسها وتلقينها.

أسباب دراسة أعمال المستشرقين اللغويّة
تتمثّل الأسباب من خلال اعتبار أغلب الدراسات التي تناولت أعمال المستشرقين ركّزت على القرآن الكريم والسنّة النبويّة والعربيّة الفصحى، وكذا الحاجة الملحّة إلى معرفة نظريّات المستشرقين في دراستهم للهجات العربيّة بالتطبيق على أعمالهم لتبيّن تلك النظريّات، وضخامة تلك الأعمال وقيمتها المعرفيّة والعلميّة يوجب علينا عدم إغفالها، لما لها من منزلة في الحقل اللغوي العربي، ولما لها من أثر على دراسة اللهجات لدى العرب؛ فقد سبق المستشرقون العرب في العصور الحديثة لدراسة اللهجات من خلال الاهتمام بالمعاجم وتحقيقها ودراستها، والاهتمام أيضًا باللهجات ومقارنتها والوقوف عند خصائصها، فهذا السبق يمنح هذه الدراسات أهميّة كبيرة.

أمّا عن أهميّة دراسة الاستشراق اللهجي العربي فتتمثّل من خلال الاهتمام بمعرفة الرأي الآخر في اللهجات العربيّة، والسعي إلى الاستفادة من إيجابيّات دراسات المستشرقين وتبيّنها، فغربة المستشرقين عن المنطقة العربيّة  واللهجات العربيّة تجعلهم أبصر بمواضع النقد وأشدّ جرأة على ارتياد آفاق جديدة في دراستها، وتنوّع مدارس المستشرقين ومناهجهم من شأنه أن يغني الحقل اللغوي العربي، ممّا يدفعنا إلى إقامة الصلة بين التراث اللغوي والدراسات اللغوية للمستشرقين[31].

سابعًا: الاستشراق اللغوي بالمغرب
لقد حظي المغرب بنصيب مهمّ في الدراسات الاستشراقيّة، ليس فقط لأنّه يزخر بتراث حضاري هائل، ومركزه الجغرافي ووضعه بين الأمم الأخرى الذي جعل منه بلدًا أفريقيًّا وبلدًا عربيًّا مسلمًا؛ بل لأنّه أيضًا بلد له حضور قويّ في القارّة الأوروبيّة، وبالتالي كان محلّ اهتمام الذين يهتمّون بالعالم العربي والإسلامي. كلّ هذه الأمور أدّت به لأن يكون محطّة مهمّة في البحوث الاستشراقيّة؛ فقد استوطن الكثير من الأجانب بالمغرب ابتداء من القرن الماضي (19م)، وتجوّلوا في ربوعه القاصية منها والدانية، وحرّروا في ذلك المقالات والمذكّرات والتقارير التي نشرت بشتّى اللغات، تختلف قيمتها باختلاف قدر صاحبها[32]. وفي إطار هذه الإرهاصات الأولى للاستشراق في المغرب يجدر بنا الإشارة إلى أنّ هذه الإرهاصات تتمثّل في الإسلام واللغة والتاريخ والمجتمع[33]:

1. الإسلام: كثير من المستشرقين يعتبرون أنّ للإسلام طابعًا خاصًّا في المغرب، كما يعتبر زملاؤهم، الذين تخصّصوا في الدراسات الإسلاميّة بالمشرق الإسلامي، أنّ الإسلام في كلّ بلد من هذه البلدان يختلف عن الإسلام في البلدان الأخرى؛ لأنّ كلّ قطر إسلامي يمنح الإسلام بعضًا من معتقداته القديمة وتقاليده الاجتماعيّة، ففي المغرب اهتمّ بعض المستشرقين بالإسلام كدين وعقيدة ومعاملة.
2.اللغة: اهتمّ المستشرقون بالجانب اللغوي في المغرب، ولعلّ الذي أثارهم هو اختلاف العربيّة عن الأمازيغيّة، واختلاف اللهجات الأمازيغيّة في الشمال عنها في الجنوب وفي الوسط، وبعض المستشرقين الآخرين اهتمّوا باللغة العربيّة، نحوها ومتنها وآدابها، مثل «هوداس» الذي ترجم مختارات من الأدب المغربي تحت عنوان «طرق مغربيّة»، لكنّ الكثيرين توجّهوا إلى العلاقة بين العربيّة والأمازيغيّة أو إلى اللهجات الأمازيغيّة فكتبوا عنها، وهناك من اهتمّ من المستشرقين بالأساطير والعرف والتقاليد.
3.التاريخ: لقد اهتمّ المستشرقون بتاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فقد وجد المخلصون منهم للعلم مادّة خصبة، وخاصّة حينما يتعلّق الأمر بالتاريخ المتحرّك عقديًّا أو دينيًّا كتاريخ الموحّدين.
4.المجتمع: عني المستشرقون بدراسة المجتمع المغربي من خلال تقاليده وحياته واحتفالاته الدينيّة والتقليديّة وأسواقه وصناعاته، وحتّى تقاليد نساء فاس على أسطح المنازل في ربيع المدينة وصيفها. وفي هذا الصدد نجد الكثير من الأبحاث والدراسات الاجتماعيّة التي تجاوزت الوصف والملاحظة الذاتيّة إلى الدراسات السوسيولوجيّة التي تتّصل بالأوضاع الاجتماعيّة، وارتباطها بالإنتاج الاقتصادي وبحياة المجتمع في البادية والحاضرة على حدّ سواء، بحيث يظهر المجتمع المغربي للجميع في تنوّعه، فهناك خصوصيّة ما تهيمن على مختلف المناطق الجغرافيّة والفئات الاجتماعيّة في مختلف أصناف العمر والجنس، خصوصيّة لها نفس الحجم الذي نجده، على الأقل، في مختلف العصور التاريخيّة، الأمر الذي من خلاله يتولّد لدينا انطباع بوجود تراكب ومزيج في الثقافات والمجتمعات[34].

قلنا سابقًا إنّ للهجات أيضًا داخل الدراسات الاستشراقيّة نصيبًا وحصّة، بحيث أنّه قد قدّم المستشرقون أعمالًا وإنجازات كبيرة على المستوى اللهجيّ من خلال بالغ العناية بهذه اللهجات، بل الأكثر من هذا، فلقد كان للمستشرقين اليد الطولى في إحياء الدراسة اللهجيّة والاهتمام بها من خلال العديد من الأعمال، نجد على سبيل الذكر لا الحصر «أصول اللغة العربيّة العاميّة والفصحى» دي سفاري 1784م، «نصوص عربيّة في لغة العرائش العاميّة» مخيمليانو سنطون 1910م، فقد أيقنت أوروبا منذ القرن الثالث عشر، وخاصّة بعد مؤتمر فيينا 1312م، أنّه لكي تتعرّف على ثقافة الشرق لابدّ لها من أن تدرس وتعنى باللغة العربيّة الفصحى وامتداداتها اللهجيّة بالضرورة.

وفي السياق نفسه، استفاد اللغويّون والباحثون المشارقة عامّة من دراسات هؤلاء المستشرقين من خلال الاهتمام بمعرفة الرأي الآخر في اللهجات العربيّة، وكذا السعي إلى الإفادة من إيجابيّات دراسات المستشرقين وتبيّنها وتتبّع المدارس ومناهج الاشتغال، الأمر الذي من شأنه أن يغني الحقل اللغوي العربي. كلّ هذا دعا المستشرقين إلى الاهتمام بالمغرب كميدان لدراساتهم من خلال إسلامه ولغته وتاريخه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كذا طبيعة هذا المجتمع المزيج من خلال تقاليده واحتفالاته الدينيّة وأعرافه وخلفيّاته الفكريّة.

 وفيما يخصّ المتن اللغوي اللهجي، فلا يسعنا في هذا المقام إلّا أن نشير إلى أنّ المتن اللهجيّ يعرف نوعين من الحفظ والصيانة في النقل، النوع الأوّل يمكننا اعتباره التدوين، أي العملية التي يقوم بها الباحث من أجل الحفاظ على متن معيّن لغوي، شعري، أدبي، يتمّ من خلالها تدوين هذا المتن في كتب أو مخطوطات، وتهدف هذه العمليّة إلى الحفاظ على هذا المتن إن كان أصيلًا، وحمايته من اللحن والاختلاط بالمتن المبتذل والطارئ. والنوع الثاني يدعى المشافهة، أي أخذ المتن اللغوي عن أفواه الناطقين به بشكل مباشر، وقد تستغرق هذه العمليّة أمدًا طويلًا من الزمن.

ولا خلاف في أنّ بعض الدراسات الاستشراقيّة اعتمدت، في دراستها للمتن اللغوي اللهجي، الطريقة الأولى، بمعنى أّنها نقلت المتن التي ستسلّط عليه ضوء الدراسة من الكتب العربيّة والمخطوطات المدوّنة لهذا المتن، وبعض الدراسات الاستشراقيّة الأخرى اعتمدت عمليّة المشافهة في جمع هذه المادة وترتيبها في الدراسات المخصّصة لها.

في هذا السياق نشر الرحالة والمستشرق الفرنسي هنري دو كاستري (Comte Henry de Castries) سنة 1869 كتابًا حول المأثورات الشعبيّة لعبد الرحمان المجذوب بعنوان (Les moralistespopulaires de l’islam) حاول الكاتب من خلاله التعرّف على الروح العربيّة، وذلك من خلال استنباطها من الرباعيّات التي رصد المجذوب من خلالها الأوضاع العامّة للحياة التي يحياها العربي في تقلّباتها وألوانها الاجتماعيّة والدينيّة والتربويّة، فقد عمد هنري دو كاستري إلى التنقّل إلى الجنوب الجزائري بحثًا عن رواة آخذًا عنهم ما يحفظونه من رباعيّات، دون الاعتماد على الكتب والمصنّفات التي اهتمّت بنفس الموضوع[35].

في هذا السياق جاءت دراسة المستشرق الفرنسي هنري دو كاستري في مجال الثقافة الشعبيّة، حيث انكبّ على تحليل ودراسة آليّات اشتغال المستشرقين على التراث الشعبي للأمم التي كانت تحت السيطرة الاستعماريّة الفرنسيّة، ولقد أظهر دو كاستري اهتمام كبيرًا بالموروث الثقافي الشعبي المغاربي بصفة عامّة، والمغربي على وجه الخصوص[36].
إن بسيكولوجيا الفكر العربي الموثّقة في لحظتها، وفي الهواء الطلق، أو تحت الخيام، هي التي اشتغل على ضبطها على امتداد السنوات التي قضاها بجنوب الجزائر وفي أثناء رحلته إلى تونس والمغرب، فحيثما حلّ اجتهد في تسجيل ما اعتبره حدثًا مهمًّا، وجمع كلّ ما يسمع من أغاني الأمهات التي تهدهد بكاء الأطفال، وكذا أنشودات الطفلات وهن يلعبن، وأغاني الفلاحين والرعاة، وكذلك الحكم والأمثال والألغاز والمحاجيّات.

فقد شهد المغرب كباقي بلدان شمال أفريقيا اهتمامًا كبيرًا بالعاميّة المغربيّة عند المستشرقين باختلاف أصولهم ودولهم، والتمظهر من ذلك يكمن في البحوث والدراسات المنجزة في جميع المجالات التاريخيّة منها والأنثروبولوجيّة والسوسيولوجيّة واللغويّة من قبل أعلام الاستشراق على اختلاف مدارسهم ومناهجهم، فالحضور الفرنسي بارز على هذا المستوى، وهذا الحضور يتمثّل من خلال الإسهامات التي أسهم بها هؤلاء المستشرقين في تطوير الدرس اللغوي كمًّا وكيفًا. ولعلّ المغرب بشكل خاص والبلدان المغاربيّة بشكل عام كانت حاضرة وبقوّة في هذه الإسهامات، والتي طبعًا منحت الباحثين أفق البحث والتنقيب وتطوير المدارك، إلى جانب إغناء المكتبات والرصيد المعرفي، الأمر الذي أدى بالضرورة إلى نهج طرق وسبل المستشرقين الذين أعطوا الكثير من الحماس للباحثين العرب، والذين توسّلوا آليّات عمل هؤلاء المستشرقين ونهجوا منهجهم وسلكوا مسالكهم، واعتمدوا مقارباتهم في البحث والدراسة.

كما اهتمّ المستشرقون باللغة العربيّة الفصحى اهتمام الحاجة إليها، إذ كان من الضروري إتقانها للتمكّن من الاضطلاع على المخطوطات وكتب الدول العربيّة، كيف لا يحدث هذا دون التمكّن والإحاطة باللغة العربيّة التي هي كينونة الأمم، ومدوّنات كتبها ومؤرّخ حضاراتها؛ فبعد دخول الاحتلال/ الاستعمار إلى الدول العربيّة، لاحظ المستشرقون أنّ هناك لغة أخرى تجاري في أهميّتها اللغة العربيّة الفصحى، إنّها اللغة العاميّة أو الدارجة (اللهجة) التي تجري مجرى الاستعمال العفوي للأفراد والمجتمع، والتي يستعملها أفراد هذا المجتمع في حياتهم ومعيشتهم اليوميّة، وبهذا الصدد فقد ركّزوا اهتمامهم وجهدهم لحصر اللهجات ومعرفة الأصول اللغويّة والعرقيّة للسكان، ومدى تأثير اللهجة على ما يجاورها من لهجات أخرى.

بذلك اهتمّ المستشرقون، إضافة إلى تعلّم اللغة العربيّة الفصحى، بتعلّم اللغة العربيّة العاميّة/ اللهجيّة للتوغّل أكثر فأكثر في أعماق المجتمعات، ولتسهيل التواصل مع الأفراد والمجتمع وإحكام السيطرة عليه في سياق معين، فقد كانت العربيّة سواء الفصحى أو الدارجة/ اللهجيّة بالنسبة للمستشرقين، والمستشرقين الفرنسيّين بشكل خاصّ، لغة وظيفيّة وأداة لمعرفة الأفكار وتاريخ الشعوب العربيّة، كما أنّها كانت أيضًا وسيلة الاتصال بأهالي الشعوب العربيّة، وعليه فقد رأى هؤلاء المستشرقين مدى أهمّية تعليم اللغة العربيّة من خلال إعداد مناهج لتيسير تعليمها، فقد ظهرت بذلك عدّة دراسات ومعاجم وقواميس ومدارس[37]، فمن بين هذه القواميس نذكر: «قاموس لغوي فرنسي-عربي، وضعه المترجم (بن جامين فانسانت)»، وقد تولّت الوزارة الحربيّة طبعه، وهو قاموس موجّه للمترجمين المدنيّين والعسكريين، كما قام المستشرق «(أبراهام دانينوس) بتأليف قاموس لغوي فرنسي-عربي»، وقام أيضًا المستشرق «(جان جوزيف مارسيل) بنشر قاموس في باريس سنة 1837م، بعنوان - مفردات عربيّة وفرنسيّة»[38].

وفي هذا السياق كانت الاتجاهات لاهتمام المستشرقين بالعربيّة من خلال التركيز على النصوص التراثيّة بقصد فهمها واستخلاص القواعد منها[39]، فقد قدّم المستشرقون إنجازات كبيرة في مجال الدراسات الشرقيّة بشكل عام، والدراسات العربيّة بشكل خاصّ، وتنوّعت هذه الدراسات بحيث قدّمت لمن يريد من الأوروبيّين تعلّم العربّية وإتقانها، وشملت تأليف الكتب من قبيل كتب القواعد والمعاجم، وفهارس المخطوطات، وشروح النصوص، وتحقيق المخطوطات النادرة والحرص على نشرها. وبالإضافة إلى علاقة المستشرقين بالتراث العربي، نجد عنايتهم باللهجات العربيّة، أي علاقة الاستشراق اللغوي بالشقّ اللهجي، بمعنى الدراسات التي اهتمّت باللهجات العربيّة من خلال الأعمال والدراسات والمناهج المعتمدة في ذلك.

فلقد ساهم اختلاط الأمم الغربيّة في البلدان العربيّة، في اهتمام المستشرقين بالبحث والدراسة في اللهجات العربيّة، من حيث تدريس هذه اللهجات وأصولها وتقلّبها وتطوّرها، بعد بحث مضني وطويل في جامعاتهم ومؤسّساتهم التدريسيّة، كلّ هذا من خلال إنشاء مدارس اختصّت بدراسة اللغات الشرقيّة، وخاصّة منها العربيّة، فعكف الكثير من اللغويّين على دراسة هذه اللهجات وأصولها وتقلّباتها والتطوّر الذي لحقها، وكذا رسمهم لمجموعة كبيرة من الأطالس اللغويّة لكلّ ظاهرة من الظواهر اللهجيّة، والأمر نفسه ينطبق على باقي اللهجات الأخرى[40].

في هذا السياق ينبّهنا إبراهيم الكعاك إلى مسألة أساسيّة، تتجلّى في أنّ دراسة اللهجات العربيّة إشكال كبير بما كان، يتمظهر في كون النصوص التي وصلتنا والموارد اللغويّة متوارثة، يختلط فيها الفصيح بالعامي والبين بين، لذلك فهو ينصح الباحث بالاستناد إلى معالجة وعدم الاعتماد على الفكر الكلاسيكي اللغوي فقط. فمن الصعوبات والحقيقة التي يواجهها أيّ دارس للهجات العربيّة القديمة خارج الجزيرة العربيّة -وإلى حدّ ما داخلها- هي قلّة المادّة اللغويّة عنده في كون اللهجات العربيّة القديمة لم يسجَّل كثير من سماتها وخصائصها، بل سجّل القليل، وهو ما دخل في نطاق اللغة الفصحى. 

في الصدد نفسه، نجد الأستاذة نفّوسة زكريا التي تؤكّد أنّ المستشرقين أدخلوا تدريس العاميّة في مدارسهم وجامعاتهم، واهتمّوا بالتأليف، وأخذوا يؤلّفون بأنفسهم في كلّ لهجة من اللهجات العربيّة، ولكنّ مؤلفاتهم هذه في اللهجة المصريّة وُضّحت فيها أهدافهم الحقيقيّة من دراسة اللهجات العربيّة والمحليّة، وهذه المؤلفات على اختلاف مواضيعها قد اتحدت في هدف واحد، وهو السعي لإقصاء العربيّة الفصحى عن الميدان الأدبي وإحلال العاميّة محلّها[41].

يتّضح في هذا السياق أنّ موقف المستشرقين تجاه اللهجات العربيّة يتمثّل في دراستهم للغة العربيّة الفصحى والاهتمام بلهجاتها من خلال التأليف وتدريسها خارج موقعها وبلدها الأصل. فقد شملت دراسة المستشرقين وعكوفهم على دراسة اللغة العربيّة الفصحى وتنوّعاتها اللهجيّة، العودة إلى اللهجات العربيّة القديمة قبل محاولتهم دراسة اللهجات العربيّة الحديثة، فيوهان فيك من خلال كتابه «العربيّة دراسة في اللهجات والأساليب» يتناول مجموعة كبيرة من المواضيع التي تخصّ العربية ولهجاتها، من قبيل -العربيّة ولهجات البدو في القرن الرابع- وهذا الأمر وارد في مجموعة من الدراسات الاستشراقيّة، لكن في سياق آخر يتّضح أنّ مجموعة من المستشرقين كان الهدف من دعواتهم إلى اللهجة والاهتمام بها إحلالها مكان ومحلّ اللغة الفصحى، بمبرّر أنّ اللهجة لغة النطق والمقامات غير الرسمية ولغة الفهم السلس والبسيط.

ثامنًا: حضور اللهجات العربيّة في الدراسات الاستشراقيّة
بدأت دراسة اللهجات في العصر الحديث على أيدي المستشرقين، وذلك ضمن النشاط الكبير الذي قام به هؤلاء للبحث في أحوال أمم الشرق تراثهم وحضارتهم...، فقد أخذ الكثير من المستشرقين منذ القرن التاسع عشر على عاتقهم تسجيل ودراسة نماذج اللهجات العربيّة الحديثة في مناطق مختلفة من العالم العربي، فقد حظيت أقطار الشمال الإفريقي وسوريا وفلسطين والعراق بالجهد الأكبر من هذه الدراسات، وذلك لسهولة وصول الباحثين إليها وتكاثرهم بها، وجاءت هذه الدراسات اللهجيّة في أنماط مختلفة، فكان منها كتب المعاجم، ومنها الدراسات الوصفيّة، ومنها كتب تعليم اللغة للأجانب وكتب النصوص.

أمّا الجزيرة العربية فَقَلَّمَا تصادف لهجاتها عناية كبيرة من الدارسين حتّى عصر النهضة، فقد كانت تقف أمامهم في الماضي عقبات كثيرة، وقد انصبّ اهتمام المستشرقين أوّل الأمر على أطراف الجزيرة العربيّة، بحيث وجدنا أبحاثًا تتناول لهجات اليمن وحضرموت والخليج العربي[42].

إنّ دراسة اللهجات في سياق المستوى الذي نستعمله في حياتنا اليوميّة، أي خارج نطاق التعامل الرسمي، والذي يستعمل فيه لهجاتنا المحليّة التي تعلّمناها في البيت أو الشارع، ففي هذا المستوى تجري جميع عمليّات التفاهم والتعامل الشفهيين، وهو الذي يطلق عليه البعض اسم «اللغة المنطوقة أو المحكيّة»، فالمستشرقون الألمان على سبيل الذكر يتّضح أنّهم يرون أنّ اللغة العربيّة على مستويين مختلفين:

ـ اللغة الفصحى أو كما يسمّونها العربيّة القديمة.
ـ اللهجات المحليّة أو كما يشاؤون تسميتها بالعربيّة الحديثة.

فاللهجات المحليّة (نمط العربيّة الجديدة) قد نشأت بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، وإيجاد نظام الخلافة، ودخول شعوب هذه البلدان في الإسلام، ونتيجة للاحتكاك الذي حصل بين العربيّة وبين لغات الشعوب التي كانت تقطن هذه المناطق كالآراميّة واليونانيّة والقبطيّة والبربريّة والرومانيّة، فقد توقّفت اللغة العربيّة الفصحى (نمط العربيّة القديمة) على أن تكون لغة محكيّة، وعندها فقط نشأت اللهجات العربيّة، ويتمثّل هذه الفرضيّة كلّ من تيودور نولدكه ويوهان فيك[43].

لقد كانت الاتجاهات الأساسيّة لاهتمام المستشرقين بالعربيّة عامّة، والعربيّة اللهجيّة خاصّة، من خلال التركيز على النصوص التراثيّة بقصد فهمها واستخلاص القواعد منها، فهم يطلقون على النصوص الحديثة اسم (العربيّة المعاصرة). ولقد كان للمستشرق دور مهمّ في إحياء الدراسة اللهجة والاهتمام باللهجات العربيّة المحليّة[44].

يبدو أنّ حضور اللهجات العربيّة في الدراسات الاستشراقيّة لم يعرف فتورًا أو اضمحلالًا، بمبرّر أنّ هذه الدراسات الاستشراقيّة تمتدّ من القديم إلى الحديث، من خلال كونها عنيت بدراسة اللهجات العربيّة عن طريق الكتب والمعاجم المُصاغة في هذا الصدد، ومن خلال كونها اهتمّت ولاسيّما بالأسباب والدوافع التي حملت اللغة العربيّة بالانتقال من اللغة العربيّة الفصحى، كنمط العربيّة القديمة، إلى اللهجات العربيّة كنمط العربيّة الجديدة، فكما لا تخلو الدراسات الاستشراقيّة من الحديث عن اللغة العربيّة في شقّها الفصيح، لا تخلو كذلك من الحديث عن العربيّة في شقّها اللهجي.

لقد اهتُمّ بالمغرب على مستوى دراسة لهجاتها وتنويعاتها اللغويّة، الأمر الذي مكّن كلّ من المستعمر الفرنسي والإسباني من السيطرة عليه، وإحكام قبضتهما عليه في سياق زمني معيّن، وكلّ هذا كان نتيجة الدراسات والبحوث الاستشراقيّة الفرنسيّة والإسبانيّة على حدّ سواء، التي قدّمت لكلّ من فرنسا التي احتلّت الجزء الكبير من أرض المغرب (وسط البلاد) إمكانيّة الإحاطة بالخلفيّات الدينيّة والثقافيّة والعرقيّة، التي كانت في نهاية المطاف الذريعة والوسيلة المناسبة والأنسب لاحتلاله بشكل سلس ودون اللجوء إلى السلاح والقوّة كوسيلة لها، والأمر نفسه ينطبق على إسبانيا التي هي الأخرى أحكمت قبضتها على شمال المغرب وبعض الشيء من جنوبه.

هذا الاحتلال أو الاستعمار قبل أن يكون حركة من داخل المغرب، وقبل أن يكون أمرًا أو فكرة من قِبَلِ فرنسا وإسبانيا، كان دراسة وبحثًا متعبًا؛ ففرنسا قبل محاولتها استعمار المغرب، وقبل استعمارها له تحت ذريعة الحماية، أرسلت مجموعة من الباحثين (المستشرقين الفرنسيّين)، الذين درسوا المغرب وثقافة المغاربة وطريقة تفكيرهم والذهنيّة التي يحملونها.

نجد بهذا الصدد المستشرق الفرنسي الكونت هنري دو كاستري الذي قام بدراسة ذهنيّة المغاربة من خلال الاهتمام باللهجة المغربيّة التي تتمظهر في أشعار الشيخ سيدي عبد الرحمان المجذوب في كتابه (Les Moralistes Populaires De L’islam)، الذي قام على مستواه بجمع وإحصاء رباعيّات[45] سيدي عبد الرحمان المجذوب وترجمتها للغة الفرنسيّة من أجل مقارنتها بعادات وحمولة الفرنسيين للمغاربة والجزائريّين كذلك، بحيث أنّه أورد ما يقارب (156) رباعيّة من رباعيّات الشيخ عبد الرحمان المجذوب، التي تتّخذ لنفسها مواضيع وثيمات متعدّدة، والتي تعكس بشكل جليّ الثقافة المغربيّة وتلخّصها وتختزلها في شكل إبداعي نظّم بالعاميّة، الأمر الذي حتّم لا محالة على الكونت هنري دو كاستري تعلّم وإتقان اللهجة المغربيّة والجزائريّة بعد تعلّمه للغة العربيّة؛ من أجل فهم هذا الشكل الإبداعي وما يعكسه، لكي يسعفه هذا الإتقان في فهمها -الرباعيّات- وقدرته على ترجمتها إلى الفرنسيّة[46].

والأمر نفسه بالنسبة للمستشرق الإسباني خوصي ماريا لورشندي، الذي ألّف عمله النحوي (Rudiments of the Arabicvulgar of Morocco)، والذي نشر بمدريد سنة 1872م، والمعنون «أساسيّات العربيّة المغربيّة المبتذلة»، الذي يشرح قواعد اللغة العاميّة المغربيّة، أو كمــا يسمّيها فرانسيسكو سيرفيرا (قواعد اللسان المغربي العامthe commonmorishtongue )، نجد بالإضافة إلى ذلك العديد من التمارين والتراكيب على امتداد طول الدراسة، محاولًا تطبيق ازدواجيّة العمل بالنظري والتطبيق، الشيء الذي من شأنه أن يساهم في تيسير فهم العاميّة المغربيّة[47].

بهذا المقتضى يتّضح أنّ العاميّة أو اللهجة المغربيّة تحضر في دراسات وأعمال المستشرقين بكلّ أنواعهم، وذلك من خلال أهميّة المواضيع التي يتناولونها في دراساتهم تلك، والتي تطلعهم على المعلومات والمعطيات الوفيرة التي ربّما لن يستطيعوا تحصيلها بطرق أخرى، فهم يستهدفون المجالات البسيطة التي تُضْمر وتخفي الحقيقة، حقيقة البلد المستهدف من الدراسة والبحث بشكل سطحي، وبلد نفس المستعمر بشكل مضلّل، أي إنّهم درسوا ثقافة البلدان التي ستستعمر من طرفهم فيما بعد، ولم يظهروا نواياهم الحقيقيّة والصريحة، بل أخفوا كلّ هذا لصالح سلاسة عملهم ودراساتهم.

الخاتمة
لقد لعبت الدراسات الاستشراقيّة بشكل عام دورًا مهمًّا في العناية بالعلوم العربيّة دراسة وتحقيقًا، فالاستشراق دراسة لعلوم الشرق من قبل غير الشرقيين، هؤلاء الدارسين هم المستشرقون الذين درسوا علوم الشرق ولغات الشرق وحقّقوا الكتب والمخطوطات الشرقيّة وفهرستها، وأعادوا طباعة بعض هذه الكتب، وصنّفوا كتبًا قيّمة استفاد منها الشرقيّون هم نفسهم، فقد حاول بعض هؤلاء المستشرقين تشويه سمعة وشأن الإسلام وثقافته وحضارته من خلال بعض الآراء التي يبدونها في هذا الصدد.
فمن خلال الصراع الوجودي المستمرّ بين الغرب والعرب، ولدت في أوروبا فلسفة الاستشراق التي تسعى جاهدة إلى معرفة حضارة الشرق، ولكلّ فرد يمثّل تلك الحضارة موقف وجودي، من هنا حاول أصحاب الاستشراق التعرّف على الشرق والتغلغل في آفاقه الفكريّة بدراسة آدابه وثقافته، ولهم في هذا السياق مناهج وأهداف تبدو واضحة من خلال مؤلّفاتهم وترجماتهم وتحقيقاتهم، فقد أثّروا بطريقة أو أخرى في الدراسات العربيّة الحديثة عامّة، والدراسات القديمة من دراسات نحويّة وصرفيّة ومعجميّة.
السياق نفسه يتّضح أنّ اهتمامات المستشرقين قد انصبّت في البداية على اللغة العربيّة من خلال مجموعة من العلوم العربيّة من قبيل الدراسات الصوتيّة، بحيث اهتمّ هؤلاء بالقرآن الكريم من خلال تلاوته وقراءته وتفسيره وشرح غريب مفرداته، بالإضافة إلى الاهتمام بكلّ من أصالة البحث الصوتي العربي، وكيفيّة إنتاج هذه الأصوات، وأهمّ العمليّات المتحكّمة في ذلك، كما الاشتغال على المعجم العربي من خلال نقدهم له، وهذا النقد في أغلب الأحيان كان نقدًا منهجيًّا تمثّل في طريقة وضع المعاجم وترتيب المادة اللغويّة وتنظيمها، الأمر الذي دعا البعض منهم إلى محاولة إنتاج معجم يراعي فيه ما أغفلته المعاجم العربيّة، فهذا أوجيست فيشر في معجمه «المعجم اللغوي التاريخي»، يرى أنّه ولتفادي هذا النقص وجب مراعاة ضرورة وضع قاعدة ثابتة لعمليّة الترتيب. وكذلك اهتمامهم بالنحو العربي بحيث أنّهم يعيبون الخلاف النحوي القائم بين البصريّين والكوفيّين، ويعزونه إلى اختلاف منهج القياس. كما شملت دراسات هؤلاء المستشرقين الأدب العربي، إذ إنّ المدرسة الاستشراقيّة الفرنسيّة من أهمّ وأقدم المدارس التي اهتمّت بالدرس الأدبي العربي، لما لهم من ذوق أدبي ولذّة معرفيّة في هذا الصدد.

لائحة المصادر والمراجع
إبراهيم الكعاك، «العربيّة اللهجية والعاميّة النموذجيّة: ميدانيّات برديّات أقطاب مصر»، تكامل المعرفة والعلوم الإنسانيّة، تكريم ليلى المسعودي، مختبر اللغة والمجتمع (CNRSR-URAC 56) جامعة ابن طفيل، القنيطرة المغرب.
إبراهيم أنيس، «في اللهجات العربيّة»، مكتبة أنجلو المصريّة، ط3، القاهرة، 2003.
أحمد ناصر الظالمي، «من دراسات المستشرقين للصوت العربي»، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع13.
آرثور شاده، «علم الأصوات عند سيبويه وعندنا»، مجلّة مجمع اللغة العربيّة في القاهرة، ع105، 2005.
إسماعيل أحمد عمايرة، «المستشرقون ونظريّاتهم في نشأة الدراسات اللغويّة»، دار حنين، عمان، ط2، 1992.
إسماعيل أحمد عمايرة، «بحوث في الاستشراق واللغة»، ط1 الأردن، دار البشير، 1417هـ-1996م.
أوجيست فيشر، «المعجم اللغوي التاريخي»، القسم الأول، مجمع اللغة العربيّة، القاهرة، ط1، 1967.
بول باسكون، «طبيعة المجتمع المغربي المزيجة»، بيت الحكمة، ع3، أكتوبر1986.
ت.م. جونستون، «دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربيّة»، ت. أحمد محمّد ضبيب، الدار العربية للموسوعات، بيروت، لبنان، ط2، 19843.
تمّام حسّان، «الأصول دراسة ابستيمولوجيّة للفكر اللغوي عند العرب النحو ــ فقه اللغة ــ البلاغة»، عالم الكتب، القاهرة، 2000.
حسين نصّار، «معاجم على الموضوعات»، وزارة الإعلام، الكويت، 1985.
رزيقة يحياوي، «الاستشراق الفرنسي وجهوده في دراسة ونشر التراث الجزائري»، جامعة باتنة، كليّة الآداب واللغات، 2014-2015.
ظافر يوسف، «جهود المستشرقين الألمان في دراسة اللهجات العربيّة المحكيّة وتحدّيات العولمة»، مجمع اللغة العربيّة بدمشق، المجلد83، ج4.
عبد الحسن عباس الجمل الزويني، «البحث اللغوي في دراسة المستشرقين الألمان العربيّة أنموذجًا»، كليّة الآداب جامعة الكوفة، 2010.
عبد العالي احمامو، «الاستشراق اللغوي في القرن التاسع عشر والعربيّة اللهجيّة بالمغرب عند خوصي ماريا لورشندي (1836ـ1896)»، مختبر اللغة والمجتمع، ابن طفيل، 2016-2017.
عبد العالي احمامو، «اللهجات العربيّة في الفكر الاستشراقي، مجلّة دراسات استشراقيّة»، ع15، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة، 2018.
عبد العالي احمامو، التاريخ واللهجة المغربيّة في دراسات المستشرقين، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع12، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة، 2017.
عبد الكريم غلّاب، «العرض التمهيدي لموضوع الندوة السادسة للجنة القيم الروحيّة والفكريّة، المغرب في الدراسات الاستشراقيّة» ، مطبوعات أكاديميّة المملكة المغربيّة، مراكش، أبريل 1993.
فاطمة كدو، «عبد الرحمان المجذوب في الدراسات الاستشراقيّة من خلال كتاب كونت هنري دو كاستري»، مختبر اللغة والمجتمع، جامعة ابن طفيل، 2012.
محمّد فاروق نبهان، «الاستشراق تعريفه مدارسه آثاره»، المنظّمة الإسلاميّة للتربية والعلوم الثقافيّة، الرباط، المغرب، 2012.
مسالتي محمّد عبد البشير، «الأدب العربي وإشكالات التأويل عند المستشرقين»، مجلّة دراسات استشراقيّة، ع. 9.
مصطفى بوشعراء، «الاستيطان والحماية بالمغرب»، تق. عبد الوهاب بنمنصور، ج4.3.2.1، مطبعة الملكيّة، الرباط الجديدة، 1984.
نفّوسة زكريا، «تاريخ الدعوة إلى العاميّة وأثرها في مصر»، دار نشر الثقافة، الإسكندريّة، ط. 1، 1946.
يوهان فيك، «العربيّة دراسات في اللغة واللهجات والأساليب»، ت. عبد الحليم نجار، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2014.

المراجع الأجنبيّة
J. Desparmet, » enseignement de l’Arabe dialectal d’après la méthode directe«, 2eme édition, Alger, 1907.
Henry de castries‚ «les gnomes de sidi abd erـrahman elـmejedoub»‚ paris‚ ernest leroux‚ éditeur‚ 28‚ rue bonaparte‚ 1896.

-----------------------------
[1]- باحث بسلك الدكتوراه، مختبر الديداكتيك واللغات والوسائط والدراماتورجيا، تكوين اللسانيّات العربيّة والإعداد اللغوي، جامعة ابن طفيل، كليّة اللغات والأدب والفنون، القنيطرة، المغرب.
[2]- تمّام حسّان، الأصول دراسة أبستمولوجيّة  للفكر اللغوي عند العرب نحو فقه اللغة البلاغة، عالم الكتب، القاهرة، 2000، ص26-27.
[3]- أحمد ناصر الظالمي، من دراسات المستشرقين للصوت اللغوي العربي، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع13، ص146-147.
[4]- آرثور شاده، علم الأصوات عند سيبويه وعندنا، مجلّة مجمع اللغة العربيّة في القاهرة، ع105، ص298.
[5]- عبد الحسن عباس حسن الجمل الزويني، البحث اللغوي في دراسة المستشرقين الألمان العربيّة نموذجًا، كليّة الآداب، ص52.
[6]- المصدر نفسه، ص51-52.
[7]- حسين نصار، معاجم على الموضوعات، ص5.
[8]- أوجيست فيشر، المعجم اللغوي التاريخي، القسم الأوّل، ص19-20.
[9]- تمّام حسّان، الأصول دراسة أبستمولوجيّة للفكر اللغوي عند العرب النحو ـ فقه اللغة ـ البلاغة، ص66.
[10]- مسالتي محمّد عبد البشير، الأدب العربي وإشكالات التأويل عند المستشرقين، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع9، ص10-105.
[11]- إسماعيل أحمد عمايرة، المستشرقون ونظريّاتهم في نشأة الدراسات اللغويّة، ص13-15.
[12]- إسماعيل أحمد عمايرة، المستشرقون ونظريّاتهم في نشأة الدراسات اللغويّة، ص16ـ21.
[13]- نفسه، ص22-23.
[14]- إسماعيل أحمد عمايرة، المستشرقون ونظريّاتهم في نشأة الدراسات اللغويّة، ص32ـ35.
[15]- إبراهيم أنيس، في اللهجات العربيّة، ص20-21.
[16]- عبد العالي احمامو، اللهجات العربيّة في الفكر الاستشراقي، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع15، ص168-169.
[17]- عبد العالي احمامو، اللهجات العربيّة في الفكر الاستشراقي، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع15، ص173.
[18]- إبراهيم الكعاك، الدارجة المغربيّة من برديّات أقباط مصر، مختبر اللغة والمجتمع، جامعة ابن طفيل، ص132.
[19]- علم القواعد التــاريخي: يقوم بدراسة قواعد اللغة، أيًّا كانت هذه القواعد عبر مراحل تطوّرها التاريخي.
[20]- علم اللــغـة التــــاريخي: يدرس التطوّرات التي تحدث للغة ما عبر فترة من الزمن.
[21]- علم الأصوات التاريخي: يقارن بين أصوات لغة من اللغات في مراحل تطوّرها عبر الزمن.
[22]- عبد العالي احمامو، التاريخ واللهجة المغربيّة في دراسات المستشرقين، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع12، ص55.
[23]- مصطفى بوشعراء، الاستيطان والحماية بالمغرب، ج4، ص1325.
[24]- إسماعيل أحمد عمايرة، بحوث في الاستشراق واللغة، ص378.
[25]- المصدر نفسه، ص302.
[26]- يوهان فيك، العربيّة دراسة في اللغة واللهجات والأساليب، ت: عبد الحليم النجار، ص189.
[27]- فاطمة كدو، عبد الرحمان المجذوب في الدراسات الاستشراقيّة من خلال كتاب كونت هنري دو كاستري، ص162.
[28]- عبد العالي احمامو، الاستشراق اللغوي في القرن التاسع عشر والعربيّة اللهجيّة بالمغرب عند خوصي ماريا لورشندي، ص76.
[29]- J. Desparmet, enseignement de l’Arabe dialectal d’après la méthode directe, 2eme édition, Alger, 1907, p 78.
[30]- عبد العالي احمامو، الاستشراق اللغوي في القرن التاسع عشر والعربيّة اللهجيّة  بالمغرب عند خوصي ماريا  لورشندي، ص77 (في: هيئة السلام الأمريكيّة ـ المغرب، الدارجة المغربيّة، 2011، ص126).
[31]- عبد العالي احمامو، الاستشراق اللغوي في القرن التاسع عشر والعربيّة اللهجيّة بالمغرب عند خوصي ماريا لورشندي، ص76-77-78.
[32]- مصطفى بوشعراء، الاستيطان والحماية بالمغرب، ص1325.
[33]- عبد الكريم غلّاب، العرض التمهيدي لموضوع الندوة السادسة للجنة القيم الروحيّة والفكريّة: المغرب في الدراسات الاستشراقيّة، مطبوعات أكاديميّة المملكة المغربيّة، ص24ـ28.
[34]- بول باسكون، طبيعة المجتمع المغربي المزيجة، بيت الحكمة، ع3، ص53.
[35]- فاطمة كدو، عبد الرحمان المجذوب في الدراسات الاستشراقيّة من خلال كتاب كونت هنري دو كاستري، ص162.
[36]- فاطمة كدو،عبد الرحمان المجذوب في الدراسات الاستشراقيّة من خلال كتاب كونت هنري دو كاستري، ص163-164.
[37]- محمّد فاروق نبهان، الاستشراق تعريفه مدارسه آثاره، ص23.
[38]- رزيقة اليحياوي، الاستشراق الفرنسي وجهوده في دراسة ونشر التراث الجزائري، ص77-78.
[39]- إسماعيل أحمد عمايرة، بحوث في الاستشراق واللغة، ص302.
[40]- عبد العالي احمامو، اللهجات العربيّة في الفكر الاستشراقي، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع15، ص168-169.
[41]- نفّوسة زكريا، تاريخ الدعوة إلى العاميّة وآثارها في مصر، ص9-10.
[42]- جونستون، دراسة في لهجات شرقي الجزيرة، ت. أحمد محمّد الضبيب، ص12.
[43]- ظافر يوسف، جهود المستشرقين الألمان في دراسة اللهجات العربيّة المحكيّة وتحدّيات العولمة، ص848ـ853.
[44]- عبد العالي احمامو، اللهجات العربيّة في الفكر الاستشراقي، مجلّة الدراسات الاستشراقيّة، ع15، ص168-169.
[45]- الرباعيّات: الرباعيّة والتي تسمى «الدوبيت» هي إحدى فنون الشعر ظهرت أولًا في الشعر الفارسي قبل أن تنتقل إلى العربيّة. ولفظة الدوبيت مكوّنة من كلمتين وسمّيت بالرباعيّات لأنّها تتكوّن من أربعة أشطر، أحدها «دو» بمعنى اثنان والأخرى «بيت» بمعنى بيت الشعر. وقد جاء في كشّاف اصطلاحات الفنون: هو بيتان من الشعر متّفقان في الوزن والقافية.
[46]- Henry de castries‚  les gnomes de sidi abd erـrahman elـmejedoub, introdictoin.
[47]- عبد العالي احمامو، الاستشراق اللغوي في القرن التاسع عشر والعربيّة اللهجيّة بالمغرب عند خوصي ماريا لورشندي، ص113.