البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مسقط، فضاءات التعدّد الثقافي والتعايش الإثني

الباحث :  د. مكي سعد الله
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  29
السنة :  شتاء 2022م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 8 / 2022
عدد زيارات البحث :  413
تحميل  ( 548.859 KB )
المُلخَّص:

تهدف هذه الدراسة إلى تبيان صورة مدينة «مسقط»(Mascate) كعاصمة حضاريّة بتنوِّعها الثقافي والعرقي، من خلال عملين أدبيِّين وتاريخيِّين، الأوّل رحلة الكاتب والإداري الفرنسي دونيس دي ريفوير (Denis De Rivoyre) الموسومة ﺑ (مسقط،Mascate) والثاني رحلة الدبلوماسي الفرنسي أندريه جوانّين (André Jouannin) المعنونة ﺑ (شهران في مسقط deux mois à Mascate). وتكشف المقاربة عن تجليّات صور «مسقط» الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة في إطار علم الصورة Imagologie»»، وهو حقل من حقول الأدب المقارن يهدف إلى إظهار تمثيلات (Représentation) الآخر وتمظهراته في إطار المثاقفة، التي تسعى الصورولوجيا إلى كشفها ضمن آليّات احتكاك الأنا والآخر بعد فتوحات العولمة الثقافيّة وثورة عالم الاتّصالات والرقمنة، التي قلَّصت واختزلت المسافات وغيّرت فلسفة الزمان والمكان.

مدخل: «بين يدي الدراسة»
في مشهد جمالي وثقافي وحضاري تعانق مدينة «مسقط» الثقافة الفرنسيّة بفضاءاتها المتعدّدة، وتفكّك المنظومة المركزيّة الغربيّة التي تُؤمن وتعتقد بأنَّ أوروبا هي المركز و»الآخر» هو الهامش.

فرضت «مسقط» نفسها على الأنساق الثقافيّة الفرنسيّة وخطاباتها المتنوِّعة كأنموذج حضاري وملتقى للديانات والثقافات والأعراق، فتزاوجت الخصوصيّات في فضاء التعدّد والتنوّع واحترام «الأنا» «للآخر».

إنَّ هذا الفكر الكوني الذي سبق التأسيس الإبستيمولوجي لمصطلح «العولمة»، جعل عرقيّات مختلفة مشبعة بهويّات مختلفة تتعايش ضمن منظومة متكاملة غاب فيها الصراع وساد الحوار والتعايش بشكل جعل الرحّالة، الذين زاروا المنطقة، يتعجّبون ويسجّلون دهشتهم من مظاهر التكامل والوئام والتعايش السلمي في هذه الحاضرة الكوسموبوليتيّة حتّى قال أحدهم: «إنّها ليست الشرق، كما أنَّها ليست آسيا»[2] وعبَّر آخرون عن إعجابهم بجمع السلطنة بين الأصالة والحداثة والجرأة في الجمع بين المتناقضات، التي تتجنّب دول كثيرة المجازفة فيها «استطاعت السلطنة أن تلائم بين الوفاء للقيم وإرادة التكيُّف مع العالم[3]...».

هذه الشهادات وغيرها هي التي دفعتنا إلى البحث في المنظومة الفكريّة الفرنسيّة لاستقراء صورة «السلطنة» وتمظهراتها المختلفة، علمًا أنّه ليس من معهود الثقافة الفرنسيّة ولا من تقاليدها، توزيع الأوسمة والمجاملات والشهادات اعتباطًا وبعشوائيّة، فالأنتلجنسيا العالميّة والنخب الإنسانيّة تشهد للفرنسيين بالأكاديميّة والروح العلميّة والموضوعيّة.

الصورولوجيا؛ المفهوم والدلالة (المحمول الثقافي)
ارتبطت دراسات الصورة (Image Studies)، أو «علم الصورة» (Imagologie)، أو «الصورولوجيا» كما يتردّد في اصطلاح المقارنين، أو الصوراتيّة في التداولات التطبيقيّة المقارنيّة، منذ نشأتها بالدرس الأدبي المقارن في المدرسة الفرنسيّة، وخاصّة عند روّادها المؤسِّسين والمنظِّرين الأوائل، ومنهم جان ماري كاريه (Jean Marie Carré) (1958-1887) وتلميذه ماريوس فرانسوا غويار (Marius-François Guyard) (1921-2011)، وتهدف رسالتها إلى إنشاء فعل ثقافي عالمي من خلال تفكيك الصور النمطيّة التي تأسَّست عن «الآخر»، وكانت نتيجة منطقيّة وطبيعيّة للصراعات والحروب والنزاعات، ولكنَّ تقاسم دراسات الصورة وتقاطعها مع حقول معرفيّة أخرى، كالعلوم الإنسانيّة، جعلها محلَّ انتقاد من المقارنين أوّلًا، ثمّ من المؤرّخين والأنثروبولوجيين وغيرهم من الذين تساءلوا حول هويّتها ووظيفتها. 

وتعود الريادة في هذا الضرب من الدراسات إلى المدرسة المقارنيّة الفرنسيّة، بسلسلة من البحوث الأكاديميّة والثقافيّة التي أسَّست لتحديد وتوضيح مبادئ وتقنيّات دراسات الصورولوجيا، من حيث التأكيد والتركيز على الفعل الثقافي، وتبيان آثار التلقّي ودوره في بناء الصورة الذهنيّة، فتتحوَّل الصورة إلى انزياح ذي مغزى ورسالة، تجمع بين منظومتين ثقافيّتين مختلفتين[4].

وعلى الرغم من أنَّ الصورة هي إعادة تقديم وتركيب وبناء لواقع ثقافي واجتماعي ونفسي، يخضع ويتأثّر بالأبعاد الثقافيّة والأيديولوجيّة والخياليّة وبمختلف المرجعيات، ممّا يفقدها بعض المصداقية والموثوقيّة، إلّا أنّها تبقى آليّة فعّالة في كشف الصور الثقافيّة والنمطيّة، التي أصَّلتها المنظومات الفكريّة عن بعضها من خلال عمليّات التواصل والمثاقفة.

وتستند هندسة الصورة ورسم معالمها إلى عوامل موضوعيّة وأخرى ذاتيّة، وإذا كان الخطاب التأسيسي يحرص على الالتزام بالمبادئ العقلانيّة في الوصف والسّرد والملاحظة والتحليل والتعليل، فإنَّ الانحراف المعرفيّ والتدليس التاريخيّ كان الوسم والسمة الغالبة على الدراسات المتعلّقة بالإسلام والمسلمين؛ فقد سيطر على أغلب البحوث معجم لفظيّ بمحمولات دلاليّة مشحونة بمشاعر الدونيّة والعدوانيّة وكلِّ النعوت والصفات السلبيّة، لم يستطع أن يتحرّر من هيمنة الفكر الاستعماري المتحيِّز، خطابًا وفعلًا وممارسةً.

السّرد في سياق الصورولوجيا، هو تشكيل جديد لعالم متماسك متخيّل، تنسج في إطاره وضمنه صور الذات والآخر وفق ما يناسب هويّتها ومنافعها ومرجعيّاتها، وهذا ما يفقدها الموضوعيّة، ويجعلها ترتدي ثوب التحيَّزات وأقنعة الخداع ونزوعات البنيات الأيديولوجيّة. وتصاحب عمليّة الأدلجة والتنميط والتحريف التاريخي ثورة موازية تهدف إلى تقويض سلطة «الأنا» ومنعه من الدفاع عن نفسه، وتفنيد الرؤى المعرفيّة والمغالطات الأيديولوجيّة حول تاريخه وشخصيّته الوطنيّة والعقائديّة، وتستعمل المركزيّة مختلف الوسائل في ترسيخ رؤيتها وتصوّراتها «ويبلور (سعيد إدوارد) وجهًا خطيرًا للسرديّات يتمثَّل في تشكُّل سرديّات رسميَّة لتاريخ معيَّن، ثمّ سعيها الدائب إلى منع سرديّات مُغايرة من الظهور، كما يبلور الصراع ضدّ هذه السرديّات والسعي إلى تقويضها»[5].

وإذا كان الخطاب المركزي الغربي يتأسَّس وفق رؤية تعتمد على تنضيد صورة «الآخر» وتنميطه طبقًا لمرجعيّاتها ومرويّاتها الكبرى (les  grandes narratives)[6] هذه السرديّات ترسم الصور والتمثُّلات استجابة لأحكام وأفكار مسبقة، تتميَّز بالجاهزية والانتقائيّة، ولم يبق لها سوى عمليّات البحث عن السلوكات الفرديّة والمواقف المعزولة والمشاهد الشاذّة لإسقاط المعايير عليها واستنتاج الأحكام؛ لتبرير وتسويغ خطابات الهيمنة والدونيّة.

وقد تنحرف الصورة فتأخذ شكلًا أيديولوجيًّا متحيّزًا يسعى لإثبات دونيّة «المختلف» وبناء هويّة نمطيّة متخيَّلة لا تتّصل بالواقع، ولا تطابق الموضوعيّة والعقلانيّة، بل تستجيب لرؤية وأفكار مسبقة مهيأة لأداء وظيفة كولونياليّة وعنصريّة، تؤمن بالتفاوت العرقي بين الشعوب.

وتختلف دراسة الصورة الأدبيّة المشكَّلة ذهنيًّا من خلال عمليّات الاحتكاك الثقافي والعسكري والتمثّلات الأيديولوجيّة عن بناء وصناعة الصور النمطيّة، التي ترتكز على التواتر التاريخي المرتجل والشعور الانطباعي الآني والظرفي، كما الشأن في بعض الصور المنتشرة في كتب «الممالك والمسالك» وبعض مؤلّفات الجاحظ.

وتتجاوز الصورولوجيا الصور المفردة والاستثنائيّة؛ لأنّها لا تعكس الصورة الواقعيّة، بل تمثّل جزئيّة غير تمثيليّة، كما أنّها لا تُعير قيمة للنماذج البشريّة، باعتبارها صورًا إنسانيّة موجودة في كلّ المجتمعات، ومنها نموذج البخيل والشجاع والمعتوه، والدعارة واللصوصيّة وانتشار القمامة في الأسواق، وحيل بعض الحرفيين وصور المتشرّدين وغيرها، فهي صور معهودة ومتداولة في المجتمعات البشريّة بأسرها، دون أن تكون مرآة للهويّة أو نموذجًا عاكسًا للصورة الثقافيّة بمصداقيّة.

مدوّنة البحث
يسعى هذا البحث إلى استجلاء صورة مدينة «مسقط»، كعاصمة حضاريّة تفاعلت وتعايشت فيها ثقافات وعرقيّات مختلفة، في الكتابات الفرنسيّة عمومًا، وتخصيصًا في عملين أدبيّين وتاريخيّين في الوقت نفسه؛ الأول للكاتب والرحّالة الإداري دونيس دي ريفوير([7]Denis de Rivoyre)   والموسوم بـ «مسقط» والذي قدّمه الكاتب تشارل سيمون(Charles Simond)  الخبير في شؤون آسيا والبحر الأحمر، أمّا العمل الثاني فهو يوميّات الملحق بالقنصليّة الفرنسيّة «بمسقط» والموسوم بـ « شهران في مسقط» لأندريه جوانّين (André Jouannin).

وتدخل هذه الدراسة ضمن مباحث علم الصورة أو الصورولوجيا، وهو حقل من حقول الأدب المقارن، ارتبط بالمدرسة المقارنيّة الفرنسيّة ودراستها لتفاعلات «الأنا والآخر» وقضايا المثاقفة والعولمة الثقافيّة.

توصيف المدوّنة
«مسقط» لدونيس دي ريفوير (Mascate, (Denis de Revoyre.
يقع الكتاب في خمس وثلاثين صفحة (35) من الحجم الكبير، وهو عبارة عن رحلة قادت الكاتب إلى مدينة «مسقط»، في إطار التبادل الثقافي والاقتصادي للقنصليّة الفرنسيّة في «مسقط».

وقد مهَّد للكتاب بمقدّمة بقلم شارل سيمون (Charles Simond) في أربع صفحات، وضّح من خلالها سبب تسمية «عمان» وكيفيّة نطق المصطلح، ثمّ يشير إلى بعض الملاحظات المتعلّقة بتاريخ «عمان» وسلطانها الملقب ﺑ «الإمام»[8] وحنكته في تسيير البلاد، وتمكّنه من بناء أسطول بحري قوي.

في حين قدّم دي ريفوير (de Revoyre) في كتابه جملة من الصور، بلغ عددها ثلاث عشرة صورة (13) توحي القراءة السيميائيّة الأولى للصور بتطابقها مع الخطاب المكتوب، فكأنَّ الكاتب يزاوج بين خطابين، الأول مرئي والثاني مقروء، فالصور تمثّل الفضاء المعرفي الكوسموبولوتي (الكوني) «لمسقط» بتنوّعها الثقافي والعرقي، فالصور  (13,12,10,8,5,3) لنماذج بشريّة تعيش وتتعايش في مناخ ثقافة الاختلاف التي ينتعش بها الفضاء المسقطي، (رجل عربي من مسقط، رجل زنجي، عربي من اليمن، عربي من مسقط، نموذج هندي، نموذج صومالي)، أمّا بقيّة الصور فهي انعكاس للمكانة السياسيّة والاقتصاديّة لـ«مسقط» حيث تمثل النماذج صورًا للسفارات والقنصليّات المعتمدة في»مسقط» (9،7) فقنصليّتا فرنسا وإنجلترا، أمّا بقيّة الصور فهي عبارة عن مشاهد عامّة، قصر السلطان، مشهد لمدينة «مطرح».

شهران في بلاد عمان
عبارة عن رحلة بحثيّة قام بها أندريه جوانّين (André Jouannin)[9] وقد نشر خطابه الرحلي في المجلّة الأسبوعيّة الفرنسيّة (Revue Hebdomadaire)[10] ورسم من خلالها انطباعاته الموضوعيّة حول مدينة «مسقط» وفضاءاتها الثقافيّة والتجاريّة.

إشكاليّة البحث ومؤشراته الإيضاحيّة
تطرح الدراسة إشكاليّة متعلّقة بنظرة وجدليّة «الأنا» و «الآخر» في الفضاء الحضاري، باعتبار أنّ احتكاك الشعوب وتفاعلها مع بعضها فطرة إنسانيّة وحقيقة كونيّة، فالثقافات والهويّات تتلامس وتتفاعل وتتصارع وتتحاور، وهكذا، في حتميّة طبيعيّة أملتها قوّة (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[11].

وإذا كانت الصورة الأدبيّة تخضع للمعايير الذاتيّة والمخيال الإبداعي الذي يتحكّم في تشكيلها ورسم أطرها، فإنّ الصورة الرحليّة أو الاستكشافيّة تنتمي إلى عوالم الموضوعيّة وفضاءات المرجعيّات الثقافيّة البعيدة عن النمطيّة؛ لأنّها غالبًا ما تكون مرجعًا ومصدرًا معرفيًّا يستقي منه الباحثون معلوماتهم.

فكيف رأت المنظومة الفكريّة والثقافيّة «مسقط» وما هي معايير صياغة الصورة وآليّاتها؟ وما هي أهمّ تمظهرات هذه الصورة (التمثُّل - ثقافة تخيُّل الآخر/ المُختلف)؟.

بالإضافة إلى الإشكالات السابقة، فالبحث يطرح جملة من المؤشّرات الإيضاحيّة، نجملها فيما يلي:
1. تتّفق الخطابات الفرنسيّة جميعها حول لقب الملك العثماني، فلفظ «الإمام» هو النعت والصفة التي يُنادى بها، ولم يثبت عند الفرنسيين أن نادوا ملكًا أو رئيسًا عربيًّا بهذا اللقب، وهذا الإقرار دليل على القداسة والوجاهة وحسن التدبير. وفي سيميائيّة المقدّس ندرك أنّ القداسة لا حدود لها، ولا ترتبط بالفضاء الزماني والمكاني، ولكنّها تتجاوزه.
2. الظاهرة الثانية هي «مسقط» المدينة، العاصمة للسلطنة، عاصمة الخصوصيّات الثقافيّة، عاصمة التعايش وهكذا، وإذا كانت جماليّات المكان تفرض على القارئ مقاربة تحليليّة بنيويّة، فإنّنا نقول إنّ هذه المدينة تجسّد عولمة الثقافة وثقافة العولمة قبل ظهور «المصطلح».
3. سوف نبتعد في مقاربتنا عن الإطناب في القضايا السياسيّة وعلاقات السلطنة بفرنسا، فتاريخ عمان وحضارتها وقوّة أسطولها البحري وحنكة سلطانها، جعلت القوى العظمى تتسارع لإقامة العلاقات السياسيّة والمبادلات التجاريّة[12].
4. واللّافت للانتباه أنّ الكونت غوبينو[13] (le conte Gobineau) والذي تعتبره الأوساط الأكاديميّة في العالم مؤسّس العنصريّة، ومرجعًا من مرجعيّاتها، بتمييزه بين الأعراق وإيمانه بتفاوتها ونقاوة بعضها، موظّفًا في ذلك نظريّة الكيوف الأرسطيّة، نجده يشيد بـ»الإمام» وتواضعه في الإقامة «فمكان إقامته يشبه البيت وليس القصر[14]» أمّا لباسه فقد «كان سيّد سعيد أو الملك متواضعًا في لباسه[15]» أمّا صفاته الأخرى في عددها في غاية الدقة مبديًا إعجابه الواضح «كانت عيناه سوداوين، لحية بيضاء، هادئ، بابتسامة روحيّة رقيقة، وفي شخصيّته توازن بين مختلف العواطف والمشاعر»[16].

ويواصل إشادته «سيد سعيد لا يوحي فقط برجل عظيم، ولكن بقدرات خارقة[17]».
ونختم هذه الملاحظة التي لم نقدّمها ضمن الصورة العامّة لمدينة مسقط وقائدها؛ باعتبارها لمفكّر ومنظّر قسّم الأجناس البشريّة وفق معياريّة اللون، ثمّ بنى مبادئ التفاضل مستندًا إليه، ثمّ يشيد بشخصية «الإمام» وحنكته السياسيّة والاقتصاديّة بقوله «كانت علاقات الإمام متنوّعة مع كلكوتا وبومباي والهند الهولنديّة، والفرس والصين وجزر موريس ومستعمرة لاريونيون (la réunion)[18] وكانت اقتصاديّاته في سنة 1856 في غاية الرفاهية والازدهار»[19].

مسقط
يشهد العالم اليوم انفجارًا تقنيًّا في نقل المعرفة، فقد تمَّ تجاوز الوسائل التقليديّة وثقافة المقروء إلى ثقافة المرئي، فأصبحت الصورة بديلًا عن النصّ، وأضحى المتلقّي يستقبل المنتج الثقافي بتقنيّات عالية الجودة والإخراج، متحديّةً فضاء الزمان والمكان. ولكنْ رغم حضور الصورة في المشهد الثقافي، تبقى الكلمة شاهدًا على خلود الفكرة وبلاغتها، فالصورة اللفظيّة مرآة للحقيقة، تتناقلها الأجيال وتتوارثها، وتستدلّ بها كشواهد، ولنا في خلود القرآن الكريم خير دليل.
والمكان ليس مدركًا بصريًّا ساكنًا، بل هو جملة من المحمولات والشحنات الثقافيّة والتاريخيّة والجماليّة، ولذلك كان فضاء «مسقط» مشبع بثنائيّات متعدّدة (أنا وآخر) (أصيل ووافد) (هوية واختلاف) (ثابت ومتغيّر) (أصالة وحداثة) ولكن ضمن منظومة فكريّة وثقافيّة وعقائديّة، كرَّست فكرة التعايش في ظلّ التعدّد والتنوّع والمشترك الإنساني.

وحتّى في تضاريسها وشكل بنائها جعلت الرحّالة يعبّرون عن دهشتهم في وصفها، وغالبًا ما تأتي أوصافهم عجيبة، مثيرة، تتطلّب التأمل والدراسة «هذه المدينة المبنيّة وسط هضبة خصبة، محيطة بصخور تحصينيّة...منظرها من المرفأ يمثّل مشهدًا عجيبًا، داكنًا، ومهمًّا في الوقت نفسه»[20].

وجماليّات المكان تتجلّى وتتمظهر بتموقع الإنسان في هذا الفضاء الذي يحمله إلى عوالم يتشابك فيها الخيال والواقع، الغرائبي مع الحقيقي، وهو ما حدث لأندريه جوانّين الذي اعتقد في مسقط بأنّه يعيش لحظات من سحر الشرق المعبّر عنه في مرويّات ألف ليلة وليلة «كم هو عجيب هذا المكان، رغم حضارتنا الغربيّة، فهناك أماكن لذيذة ولطيفة، لا يمكن توقّع وجودها إلّا في الأحلام، فقد ذكّرتني بطفولتي في شتاء فرنسا البعيدة وأنا أقرأ عجائب شهرزاد[21]».

ما يميّز مدينة مسقط هو أحياؤها العتيقة؛ لما تحمله من رموز ودلالات للأصالة والهويّة والفطرة، حيث تتقارب الدكاكين في حارات ضيّقة تتجاور، ولكلّ منها خصوصيّة تميّزها عن الأخرى[22]، وهذا هو النمط العمراني المميّز الذي تتعانق فيه المدنيّة والحضارة مع الفطرة والنبع الصافي.

أمّا الميناء، فكان عجيبًا بشكله العمراني، إذ تشير موسوعة التاجر الفرنسي إلى أنّ «ميناء «مسقط» هو الأحسن والأجمل في منطقة الساحل العربي، وهو يشبه في شكله نعل الحصان «fer de cheval»[23].

أمّا من الناحية الاستراتيجيّة والتجاريّة، فمسقط تعتبر منطقة عبور تجاريّة وعسكريّة لا يمكن الاستغناء عنها، فهي «منطقة ذات أهميّة كبرى، فهي مفتاح الخليج الفارسي ومركز تجارته[24]» وهذا ما جعل المدينة تنفتح على العوالم الاقتصاديّة الغربيّة قبل مناطق أخرى ذات نفوذ قويّ، ففي حين كانت تبادلات أوروبا تجاريًّا محدودة، استطاعت «مسقط» فتح فضاء للبضائع الفرنسيّة؛ فقد أشارت مجلّة التجارة والصناعة الفرنسيّة في العدد السادس من سنة 1907 إلى أنّ «أحد الفرنسيّين فتح بازارًا كبيرًا بمسقط، ونال نجاحًا كبيرًا، وأصبحت البضائع الفرنسيّة متوفّرة في كلّ عمان، وبفضل هذه المبادرة سبقت البضائع الفرنسيّة السلع الألمانيّة[25]».

فالمكان بوصفه منتجًا لمكوّنات الهوية الثقافيّة، لا تتحدّد قيمته من المساحة الجغرافيّة، بل يتجاوز الدلالة المعجميّة للمكان، ويحمل دلالات أقوى وأشمل وأنفع، ولذلك قال «شارل سيمون» في تقديمه لرحلة «مسقط» «مسقط تدعى بابليون الشرق، المقاربة مغلوطة إذا احتكمنا إلى المساحة والسكان فقط، ولكن هي عاصمة بابليون بتعدّد تشكيلة سكّانها... وإلى التطوّر الحضاري السريع»[26].

وصفوة القول، إنّنا لا يمكن إحصاء صور مدينة «مسقط» من حيث جمالها العمراني وطبيعتها الساحرة وتعدّد ثقافاتها وتجانس هويّاتها، فهي عاصمة حضاريّة بكلّ ما تحمله الكلمة من دلالات.

«الإمام» بين الأسطورة والعبقريّة
صورة نادرة تلك التي رسمها الخطاب المعرفي الفرنسي لشخصية «إمام» مسقط؛ فهي صورة واضحة نقيّة غير مشفّرة، بعيدة عن الغموض والتعقيد والتأويل، إذ جمعت ثنائيّة الماديّة والروحيّة. وحتّى لا يتوهّم القارئ بأنّ الصورة وتمظهراتها تخضع للمجاملة والنفاق الإبداعي أو المداهنة اللاأخلاقيّة، فإنّنا تتبّعنا بدقّة متناهية صورة «الإمام» في خطابات فرنسيّة متعدّدة ومتنوّعة من حيث الاتجاهات الفكريّة والإيديولوجيّة، عسانا نعثر على تناقضات أو اضطرابات في إثبات الصفات والنعوت والمواقف، وكلّما تعدّدت المصادر زاد اعتقادنا يقينًا بموضوعيّة الوصف والتحليل. فالمواقف والأخلاق والالتزام والإيمان بالاستثمار في التنمية البشريّة، هي العوامل التي دفعت الكتَّاب الفرنسيين إلى الإجماع حول عبقريّة «الإمام».

والصورة المعبَّر عنها هي رسم بالكلمات لشخصيّة نعتناها بالعبقريّة قياسًا إلى الخطاب الفكري والمعرفي الفرنسي، الذي يتحرّك في دائرة المنظومة الفكريّة والعقائديّة للمركزيّة الغربية، فنادرًا ما نجد إقرارًا غربيًا لسلطان عربي بأنّه  «جميل، أربعيني، بلحية سوداء، وعمامة زرقاء محفوفة بالحرير الأحمر الفاتح... وقميص أبيض، وحزام به خنجر ذهبي»[27].

تتكرّر مظاهر استحسان صورة «الإمام» إذ فرض أخلاقه على الغربيّين، فلم يتفانوا في المدح والاعتراف بأخلاقه وتواضعه وعلمه وحسن تدبيره «إمام مسقط طيب، ذكي، تقاطيع وجهه الأسمر رقيقة ومنظّمة، تتقاطع نظرته مع ابتسامته، لباسه في غير أبّهة أو فخفخة، لا زخرفة استثنائيّة على بذلته... إنّ الإمام هو اللقب الذي تصفه به أوروبا، فهو من سلالة النبيّ ولفظ «السيّد» الذي يسبق اسمه شاهد على ذلك»[28].
لعلّ المتتبّع لسيرة «الإمام» يتفطّن إلى مقاربات فكريّة ومعرفيّة نابعة من التنوير الفرنسي، فالصفات الماديّة والمعنويّة للإمام لم تكن حصريّة بالرحّالة والزائرين، فهي تتجاوزه إلى رجال السياسة وكبار زعماء العالم، يقول الباحث الفرنسي غافاريل (Gaffarel) في سياق شهادته حول علاقات نابليون بونابرت بالزعماء والملوك العرب «اثنان منهما كانا معروفين عند الأوروبيّين، شريف مكّة وإمام مسقط، وكان نابليون يشعرهما بكلّ مشاريعه ويسعى بواسطة ألطافه أن ينال رضاهما[29]».

فكيف وصل الإمام إلى هذه المنزلة؟ الدرجات الرفيعة في حياة الزعماء تخلّدها الأعمال والمنجزات، والإيمان بالقيم السماويّة التي نادى بها الإسلام، أليس تواضع «الإمام» تجسيدًا لأحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في التواضع والحثّ عليه؛  لأنّه صفة دالّة على طهارة النفس وقدراتها واكتمالها:

تواضع تكن كالنجم لاح ناظرا                    على صفحات الماء وهو رفيع

ولا تك كالدخان يعلو بنفسه                     على طبقات الجو وهو وضيع

وقال آخر:

ملأى السنابل تنحني بتواضع                   والفارغات رؤوسهن شوامخ

الصفات العالية أصبحت ممارسة واقعيّة حياتيّة تعيشها الرعيّة، وتدرك آثارها وتجليّاتها ««إمام» مسقط محبوب من الجميع، ورغم سلطانه المطلق إلّا أنّه لا أحد يشتكي من التسلّط أو الظلم، وقد زادت قيمته بإدارته الحكيمة وتطويره لموارد بلده»[30].

إنجازات «الإمام» في ميدان البحريّة شاهد آخر على إنجازاته، ومعلم من معالم قوّته، وحسن تسييره لموارد بلاده، ممّا دفع دولًا غربيّة إلى الحرص والسعي الحثيث لإقامة علاقات تجاريّة وعسكريّة مع السلطنة «يملك «الإمام» بحريّة قويّة تتكوّن من مجموعة من السفن الحربيّة والتجاريّة، وهي من أجود وأحسن البواخر التي يمكن العثور عليها في بحار الهند[31]».

القوّة البحريّة «للإمام» كانت ذات صيت عالمي، جعلت الرحّالة إيرياس
(Eyries)[32] يُقرُّ في رحلته إلى آسيا وأفريقيا بأنّ «القرن الثامن عشر كان الفترة المشرقة «للإمام»، فهو يمتلك قوّة بحريّة هامّة ومعتبرة،كانت تخيف ملك فارس[33]».
ويفتخر السكان إلى غاية اليوم بهذه القوّة البحريّة التي أرعبت الأعداء، وجعلت القوى الاستعماريّة تتحالف وتتكالب وتتواطأ ضدّ السلطنة في محاولة للتقليل من نفوذها الإقليمي والدولي.

وبعيدًا عن القوّة العسكريّة والبحريّة نرصد في هذه الرحلات تجسيدًا للصفات والأخلاق العربيّة الأصيلة، وعلى رأسها الكرم، فكرم الضيافة وحسن الاستقبال والرعاية جعلت زوّار «مسقط» في دهشة وفي عجز عن تفسير مظاهر الكرم «أتلقّى كلّ صباح من السلطان الورود والفواكه والحلوى الشهيرة التي يَستلذّ بها كثيرًا أفراد الطاقم المرافق لي[34]».

فإهداء الورود للوفد الفرنسي دلالة عميقة على ثقافة الإمام واطّلاعه على حضارة «الآخر» فالمتداول في الأدبيّات الفرنسيّة عشقهم وولوعهم الكبير بالأزهار والورود، وهي ترمز عندهم إلى المحبّة والصفاء والنقاء.

كرم الإمام سلوك يومي وعقيدة راسخة لا تتعلّق بالضيف الزائر أو الوافد العابر، فهي خلق دائم ومستمرّ « قدّم لي جندي في المساء هديّة من السلطان، فواكه ولحم خروف وعلبة من الحلويات المحليّة تسمّى «حلوى» من «مسقط» وهي ذات شهرة عالميّة[35]».
ثمّ يواصل الكاتب حديثه عن هذا السخاء اللامتناهي، فهو يصف الهدايا والإكرام مقرونًا بابتسامة «الإمام» وتواضعه وعشق الناس له حتّى إنّ دي ريفوير يقول «يستطيع السلطان أن يبتعد بحصانه دون حراسة، فحبّ الشعب... يجعله لا يخشى شيئًا[36]».

ولا نكاد نحصي المشاهد والشواهد الدالّة على صفات «الإمام»، فقد اقترن ذكره في هذه الكتابات بالذكاء وحسن تدبير شؤون البلاد، وبالكرم والذوق الرفيع في اختيار الهدايا، فهو يجمع بين الأصالة والحداثة، فالأصالة مجسّدة في الخنجر العالي العالمي الذائع الصيت والشهرة، وبين الورود ودلالاتها المختلفة في الثقافة الفرنسيّة.

التسامح الديني والتنوّع العرقي
يذهب أغلب الكتّاب الذين زاروا السلطنة أو كتبوا عنها إلى أنّ مكانها مزيج وفسيفساء، متنوّعة الألوان والألسنة، في تجانس عجيب لم تشهده الحضارات والثقافات الإنسانيّة المختلفة. يقول الباحث الفرنسي لوكور غراندميزون (le Cour grand maison) «إنّ حضور سكّان مكان قادمين من الخارج وتكيّفهم بسرعة في المدن الساحليّة يوحي بفكرة التفتّح والتسامح مع الأجانب[37]».

التسامح وثقافة التعايش افتقدتها أمم عريقة[38] بينما تجتمع أجناس مختلفة الأطياف في مسقط وفي لوحات راقية للتسامح بين «الأنا» و «الآخر» مع احترام للخصوصيّات الثقافيّة والهويّات العقائديّة والاجتماعيّة «هنا الزنجي ... بجواره الغربي الحضري بلباسه الأبيض ونظرته الذكيّة، بعيدًا عنه بدوي الصحراء في برنسه المصنوع من وبر الإبل... ثمّ المفاوض الهندي، عاري الصدر، أسمر الجسد، الأذنان مملوءتان بالمجوهرات[39]».

هذه الأعراق متناغمة ومتجانسة في سيمفونيّة ثقافة الاختلاف دون إقصاء أو صدام، فالتنوّع الثقافي والعرقي يشكّل أحد جذور التنمية والاستقرار الاجتماعي، وقد سبقت فيه»السلطنة» منظّمة اليونسكو التي لم تعلن عن أهمّية التنوع الثقافي إلّا في سنة 2005 في مؤتمرها الثالث والثلاثين.

هذا التنوّع العرقي بكلّ محمولاته الثقافيّة والأيديولوجيّة والعقائديّة، لم يكن ليتعايش ويتآلف لولا وجود قيمة إنسانيّة عالية هي الشخصيّة العمانيّة، بثقافتها المتسامحة والراقية «أذهب إلى صديقي (G) أين أجد دائمًا عربيًّا حيث أحبّ أن أحاوره حول هذا البلد العجيب، وأتعرّف على حياة سكّانه وأفكارهم، وأُبهر دائمًا بالذكاء الخارق لهذا الجنس البشري، ودون ملل أستمع لحكاياتهم وأشعارهم[40]».

ويتقاسم العديد من الكتاب الفرنسيين أفكارًا موحّدة حول طيبة الرجل العماني وتسامحه وحسن تقبّله «للآخر» «أخلاقهم لطيفة، كثيرًا منهم دون معرفتي يعرضون عليّ المساعدة، وهم في ذلك ملتزمون بتعاليم دينهم المحمّدي[41]» وغالبًا ما يكون مغادرة «عمان» مثارًا لعواطف ومشاعر متنوّعة «وقد غادرت مسقط حزينًا على عطفهم (السكّان) وخاصّة أميرهم (تواضعه وكرمه)»[42].

  وقد ازدهرت التجارة وتنوّعت بتنوّع الأعراق بفضل مناخ الحرية والتسامح السائد في جميع مناطق السلطنة، وأسواقها خاصّة (مطرح ومسقط)، وإذا كان العالم اليوم أصبح قرية صغيرة بفضل التواصل وثقافة العولمة، فإنّ «مسقط» كانت عاصمة ثقافيّة عالميّة قبل ظهور التنظير للتنوّع الثقافي والعرقي، والدعوة إلى سيادة ثقافة الاختلاف واحترام «الآخر» والمثاقفة الإيجابيّة المبنيّة على أسس النديّة واحترام الخصوصيّات دون إقصاء أو تلاشي «الأنا» في «الآخر»؛ فقد شهد العالم على الفضاء المتنوّع للثقافات والديانات في السلطنة، حتّى إنّ الموقع السياحي الفرنسي الشهير (رحلات مثاليّة) أشار في أحد نشريّاته إلى أنّ السلطنة وسكّانها يتعايشون مع مختلف المذاهب والديانات دون حرج أو تطرّف ومغالاة، فأغلبيّة الناس تدين بالإسلام، بالإضافة إلى أقليّات هنديّة وبوذيّة ومسيحيّة ويهوديّة، تمارس شعائرها دون إقصاء أو مضايقة[43].

صور متنوّعة
مشاهد ولوحات أخرى متنوّعة عثرنا عليها في أثناء قراءتنا لهذه الرحلات ولهذه التقارير العلميّة الصادرة عن أعلى الهيئات العلميّة والأكاديميّة الفرنسيّة.

بعض الصور طريفة، وأخرى غريبة، وثالثة أثارت الإعجاب والتعجّب، منها تلك الصور التي ذكرها جوانّين (Jouannin) لأحد الفرنسيين وقد استقرّ «بمسقط» وتعلّم اللغة العربيّة وتحوّل من تاجر إلى دارس للمخطوطات «لم يغادر «مسقط» منذ خمس سنوات، فهو يعيش وسط أصدقائه العرب، تجمعه بهم صداقة كبيرة، حيث تعرّب وأصبح متميّزًا بدراسة المخطوطات[44]».

فثقافة قبول «الآخر» المختلف أصيلة وعريقة في المنظومة الفكريّة والسلوكيّة للمجتمع العُماني، فهي أصيلة في المجتمع بدليل تكرارها عند جميع أفراد المجتمع «رئيس البريد صديقي، وأذهب للجلوس عنده فوق الزرابي (المفروشات التقليديّة) وأحتسي معه القهوة، وكلّ عمّاله وموظّفيه يصافحونني بكلّ ودّيّة وكرامة[45]».

أمّا الصورة الثانية، فهي للمرأة العمانيّة، إذ لم يرد وصفها إلّا نادرًا، وفي خطاب يجسّد طهارتها وحياءها واعتزازها بلباسها «أمّا نساؤهم فلم أتحدّث إليهن وهنّ يرتدين لباسًا يغطيهن، فلا تستطيع أن تحكم عليهنّ بالقبح أو الجمال[46]» أمّا دي ريفوير (De Rivoyre)، فهو يستغرب فقط ممّا تضعه المرأة على أنفها من قناع «لم أعثر عليه ولم أشاهده في كلّ الدول التي زرتها من المغرب إلى القسطنطينيّة، ومن مصر إلى الهند، وتتفنّن النسوة في تزيينه وترصيعه بالذهب وغيره[47]...».
من الصور النادرة والطريفة التي شدَّت انتباه الرحّالة الفرنسيين القدماء إلى»مسقط»، الحمير العماني؛ فقد أشاد به الكثير متعجّبين من قوّته وبنيته «لقد أحضرنا أحمرة  من «مسقط» وهي من جنس نادر وجميل جدًّا، وكبير الحجم، والذي يجب توريده إلى فرنسا ومضاعفة عدده بالتهجين والتخصيب»[48] ولم تكن هذه الشهادة الوحيدة، بل نرصد صورًا أخرى تفسّر وجود هذا الحيوان في مسقط «أمّا الحمير فهي تُفضَّل هنا عن الأحصنة لصعوبة التضاريس، وهي من النوع الجميل...وقد رأيت الكثير منها، وهم رائعون، وقد أرسل إمام «مسقط» بعضهم إلى الجنرال ماغالون لامورتيير Magallon La Mortiére»[49].

يضاف إلى الصور السابقة مشاهد أخرى تستوقف القارئ، منها كثرة الفواكه والأسماك وجمال الإبل «أمّا الإبل فأرقاها نوعًا عند العرب إبل «مسقط» على الخليج الفارسي، وقد رأيت أسعارها تصل إلى 400 فالاريس falaris- أي ما يعادل 2000 فرنك[50]».
وفي الخلاصة، إنَّ «عمان» بكلّ محمولاتها الثقافيّة وموروثها التاريخي جسّدت العولمة المعاصرة بكلّ أبعادها الاقتصاديّة بفتح أسواقها أمام المنتوجات الفرنسيّة والإنجليزيّة وغيرها، فكانت حركة انتقال البضائع تسير وفق معايير ومقاييس دوليّة معاصرة.

ومن الناحية الثقافيّة والإنسانيّة، فقد تعايشت فوق تربة «السلطنة» إثنيات متعدّدة ومتنوّعة، تؤمن كلّ واحدة بهويّتها المتميّزة، ولم تشعر مطلقًا بالإقصاء أو التهميش، بل احتوتها ثقافة قبول «الآخر» ومبادئ التسامح والتعايش وكرم الضيافة.

وصدق المقريزي حين أورد أحاديث للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في فضل عمان وأهلها:
روى ابن عمر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّي لأعلم أرضًا من أرض العرب يقال لها عمان على شاطئ البحر الأحمر، الحجّة منها أفضل أو خير من حجّتين من غيرها».
وترديده أيضًا للحديث المنسوب للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «من تعذَّر عليه الرزق فعليه بعمان وأمّا حرّها فممّا يضرب به المثل». ( المقريزي، 56).

خاتمة
لعبت الصورولوجيا كآليّة للتشكيل الثقافي والكشف عن أنساقها المضمرة؛ لإثبات العلاقة التواصليّة بين الأنا والآخر ضمن الصراع والحوار الحضاري بين الثقافات والإثنيات.
إنّ الصورولوجيا ليست منهجًا انطباعيًّا وموقفًا عشوائيًّا آنيًّا تتحكّم فيه الأهواء والمشاعر والمصالح البراغماتيّة المحدودة في الهدف والغاية، بل هي عين ناظرة واعية، تلج عوالم المثاقفة وفضاءات ثقافة الاختلاف للإقرار بوجود الآخر/المختلف في هويّته ومنجزه الحضاري ومساهماته في البناء الحضاري الإنساني، باعتبار الاختلاف نسق فكري وثقافي فطري يعترف بالبناء الحضاري المشترك؛ لأنّ الحضارات جميعها خلاصة للتراكمات الفكريّة والمعرفيّة للإنسانيّة جمعاء، ممّا ينفي فكرة النقاء الحضاري والإنجاز الفردي.

لقد أفادت العين الناظرة لكلّ من دونيس دي ريفوير (Denis de Rivoyre) وأندريه جوانّين (André Jouannin)  عن صور ومشاهد ومواقف ورؤى لإمام «مسقط»، توحي بالشموخ والوعي السامي والراقي لفكر التسامح والتأصيل لثقافة الكرم المتوارث من مرجعيّات ثقافيّة ودينيّة، وتدعو لاحترام الغيريّة واستقبال المغايرة.
فعلى الرغم من إذكاء المركزيّة الغربيّة للعنصريّة، وتكريس ثقافة الإقصاء والتهميش والدونيّة واستصغار منجز الاختلاف، إلّا أنّ الرحّالة أوضحوا صورة «مسقط» بواقعيّة بعيدًا عن التصنّع، مدحًا وذمًّا، استحسانًا واستهجانًا، فجاءت صورة العامّة براديغما للعامّة في أيّ فضاء بشريّ بتناقضاتها وصراعاتها وتنوّع أشكالها وهيئاتها وثنائيّاتها الموزّعة بين الخير والشر، والثقة والخيانة والنظافة والقذارة..وهكذا.

بينما شكّلت صورة «الإمام» والنخبة نموذجًا للوعي بالآخر والهويّة، كشفت عن تساؤلات جدليّة الأنا والآخر ضمن الانفتاح الواعي بوجود الغيريّة في فضاء الخصوصيّة الثقافيّة؛ للتأسيس لفكر واقعي ومنطقي يكرّس فكرة التعايش بين تجليّات مرآة الآخر بغيريّته واختلافاته وهويّاته وبين هويّة الأنا وثقافتها.

وإذا كان فلاسفة التنوير قد قاربوا الغيريّة برؤى فلسفيّة مجرّدة؛ لأنّها مبحث من مباحث الوجود، ورهان من رهانات بناء الإنسان الكوسموبوليتي، فقد اعتبر إيمانويل ليفيناس (Emmanuel Levinas) (1906- 1995) الوجه مرآة حقيقيّة لدعوة الآخر للتواصل، وعدَّها هوسرل 1859-1938) (Edmund Husserl) جزءًا من مفهوم التذاوت، وجعلها بول ريكور (Paul Ricœur) (1913-2005) مطابقة للذات (الذات عينها كآخر) (Soi-mêmecomme un autre) فإنّ الصورة عند دونيس دي ريفوير (Denis de Rivoyre) وأندريه جوانّين (André Jouannin) تجاوزت المتخيّل الأدبي والسرد الفانتاستيكي والتمثُّلات العجائبيّة إلى تجسيد الحقائق انطلاقًا من المعايشة والاحتكاك الدائم؛ فجاءت الصور امتدادًا طبيعيًّا لمرجعيّات الإسلام الصحيح، لذلك اجتمعت في شخص «الإمام» تشكيلة من الصفات والمحاسن، شكَّلت في منبعها وأصولها مبادئ الإسلام العقائديّة من حب وخير وجمال ووفاء وصدق. 

لائحة المصادر والمراجع
المراجع باللغة العربيّة
إدوارد سعيد، الثقافة والإمبرياليّة، ترجمة: كمال أبو ديب، ط4، دار الآداب، 2014، بيروت.
القزويني زكريّا بن محمّد بن محمود، (دون تاريخ) آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت.

المراجع باللغة الفرنسيّة
Cossigny, C. Charpentier, Ne 477, voyage à CONTON, capitale de la province de ce nom, à la CHINE,chez André, imprimerie – librairie, PARIS.
Didier, Charles, 1832, Aspect de Mascate, Revue Universelle, bibliothèque de l’homme du monde et de l’homme politique au 19eme siècle, première année, tome III, Bruxelles Louis Hauman et C, éditeurs. 
Encyclopédie du commerçant, Mascate, Dictionnaire du commerce et des marchandises, 1841, tome II, Guillaumin et Cie, Editeurs, Paris.
Eyriès et Jacobs Alfred,1855,Voyage en Asie et en Afrique, Furne, librairie, éditeur, Paris.      
Gaffarel, Paul, 1908, La politique Coloniale de la France de 1789 à 1830, Félix Alcan, éditeur, Paris.
Gobineau, le Comte,1922, Trois ans en Asie de 1855-1858,tome I, Bernard Grasset, éditeur, Paris.                         
Jouannin, André,1904,deux mois à Mascate, la revue hebdomadaire,  No 38, treizième année,librairie Plon.                 
LavergneMarc,Dumortier Brigitte,2002, L’OMAN contemporain, état, territoire,identité, Editions, KARTHALA,Paris.
Le Cour Grandmaison, Bruno, 2000,Le sultanat d’Oman, Editions KARTHALA, Paris.  
Le Journal des chambres de commerce et d’industrie, Mascate, 1907, 26eme Année, Ne  6, Direction, Rédaction, Administration, Paris.
Milbert, M.j,1812, voyage pittoresque à l’ile de France, au cap de bonne espérance et à l’ile de Ténériffe, tome deuxième,A.NEPVEU, libraire.
Rivoyre,Denis de, Mascate,1898,Paris, Bibliothèque nationale de France.
Tamisier,Maurice,voyage en Arabie,séjour dans le  Hedjaz,1840,Louis Desessart, Editeur, PARIS.

---------------------------
[1]*- جامعة تبسه، الجزائر.
[2]- Le CourGrandmaison, 2000: 5.
[3]- LavergneetDumontier, 2002: 13.
[4]- من أهمّ الدراسات والأطروحات التي نُوقشت في الجامعات الفرنسيّة في مرحلة التأصيل والتأسيس لدراسات علم الصورة، يُمكن ذكر النماذج الآتية:
أندريه مونشو (André Monchoux) (ألمانيا أمام الآداب الفرنسيّة من 1814 - 1835(L’Allemagnedevant les lettresfrançaises de 1814 à 1835) سنة 1953،ورسالة ماريوس فرانسوا غويار (1921-2011)(Marius-François G uyard) (صورة بريطانيا العظمى في الرواية الفرنسيّة (L’image de la Grande-Bretagne dans le roman français: 1914-1940 سنة 1954، بالإضافة إلى أعمال أخرى منها رسالة ميشيل كادو (Michel Cadot) (صورة روسيا في الحياة الثقافيّة الفرنسيّة بين (1839-1856) (La Russiedans la vie intellectuellefrançaise (1839-1856) وتبقى دراسة مدام دي ستايل (Madame de Staël) (1766- 1817) الموسومة بـ (من ألمانيا) (1813) والذي حمل صورة جديدة ومغايرة عن ألمانيا تتناقض مع تلك الصورة النمطيّة الراسخة في المخيال الفرنسي عن الألمان وثقافتهم ومميّزات شخصيتهم، ممّا دفع بنابليون الأول (Napoléon Ier) (1769-1821) إلى مصادرة الكتاب ومنع صدوره، فصدرت الطبعة السريّة الأولى منه سنة 1813 بلندن، ولم تظهر الطبعة الفرنسيّة إلا سنة 1839 بعد سقوط الإمبراطور.
[5]-  إدوارد، 2014، 17.
[6]- المرويّات الكبرى أو السرديّات الكبرى نصوص متنوّعة تشكّل مضامينها تصوّرات وتمثّلات للإنسان عن ذاته والآخرين وفق تحيُّزات ورؤى انبثقت من خطابات دينيّة وسير شعبيّة وحكايات خرافيّة وملاحم وروايات ورحلات وآداب جغرافيّة وغيرها، بصرف النظر عن الصيغة الأسلوبيّة التي تجلَّت وتجسًّدت فيها من مشافهة وكتابة. ولعلّ أهمّ ما يميِّز المرويّات الكبرى هو وفاؤها وإخلاصها لمرجعيّاتها التأصيليّة، ومن النادر وجود نصّ أو خطاب لها محايد وغير متحيِّز، فارتباطها بالمركزيّة يجعلها ملتزمة ومتقيّدة بمبادئ الهيمنة وسلطة التفوّق العرقي والمعرفي، ومن نماذجها نشيد رولان (La Chanson de Roland) وأعمال جوزيف آرثر دو غوبينو (Joseph Arthur de Gobineau) (1816- 1882) صاحب كتاب (دراسة حول التفاوت بين الأعراق البشريّة) (Essaisurl’inégalité des races humaines) الذي ألَّفه بين سنوات 1853 و 1855 ويعتبره الدارسون دستور النظريّات العنصريّة.
[7]- دونيس دي ريفوير (بارتيليمي لويس) كاتب ورحّالة فرنسي، ولد في فيلّ فرانش سور ساون (ville franche sur Saône) بمحافظة الرون RHONE)) بمنطقة رون ألب (RHONES ALPES) في 14 فيفري 1837. شارك في سنة 1863 بالانتفاضة البولونيّة حيث أصيب بجروح. في سنة 1865 سافر إلى الشرق ورحل إلى الحبشة. عند عودته إلى فرنسا عيّن كملحق بمهمّة عسكريّة فرنسيّة بالقسطنطينيّة. بعد حرب 1870 التي تميّز فيها، عيّن كنائب محافظة بالجزائر، ثمّ تقلّد بعدها مهام ووظائف متعدّدة ومتنوّعة، غادر الوظائف الإداريّة سنة  1880 لمواصلة أبحاثه المتعلّقة بتطوّر التأثير الفرنسي في البحر الأحمر.
من أهمّ مؤلفاته:
1. البحر الأحمر والحبشة (1880).
2. أوبوك، مسقط، بوشير، البصرة (1838).
3. في بلاد السودان (1885).
4. فرنسيه أوبوك (1887).
[8]- الإمام هو اللقب الذي يطلقه الكاتب على سيّد عمان وحاكمها دون ذكر اسمه الحقيقي.
[9]- الكاتب العام للجنة آسيا الفرنسيّة مكلّف بمهمّة لدى قنصليّة فرنسا، وهو باحث قدّم خلاصة رحلاته وأبحاثه أمام الجمعيّة الجغرافيّة الفرنسيّة بمدرج المدرسة الوطنيّة للفنون الصناعيّة.
[10]- مجلّة أدبيّة أسبوعيّة فرنسيّة، أنشئت سنة 1892  بباريس من طرف الكاتب الأديب فرناند لودي (Fernand laudet) (1860-1933) وتوقّفت عن الصدور سنة 1939.
[11]- سورة الحجرات، الآية13.
[12]- لمزيد من المعلومات حول علاقات السلطنة بالمنظومة السياسيّة العالميّة ودورها الاقتصادي والسياسي ينظر في الكتب الآتية:
Andre Auzoux, la FRANCE et MASCATE aux  XVIIIe et XIXe siècles, 1910, PLON-NOURRIT   et CIE, PARIS.
(فرنسا ومسقط في القرنين الثامن والتاسع عشر)
NA KROELI, LOUIS  XIV, la perse et Mascate, 1977; PARIS, société d’histoire de  l’orient.  
(لويس الرابع عشر، الفرس ومسقط).                                                                                                      
Oeuvres de Napoleon Bonaparte, PARIS, Imprimerie  de C.L.F PANCKOUCKE  Editeur, tome  troisiéme, (à l’imam de Mascate p,456) (أعمال نابليون بونابرت).
[13]- جوزيف آرثر غوبينو  (Joseph Arthur Gobineau) (1816-1882) دبلوماسي وكاتب فرنسي من أهمّ أعماله: بحث في عدم تساوي الأعراق البشريّة (1853-1855).
[14]- Gobineau 1922: 103.
[15]- Gobineau 1922: 104.
[16]- Gobineau 1922: 105, 104.
[17]- Gobineau 1922:105.
[18]- لا ريونيون (La Réunion) المعروفة قديمًا باسم جزيرة بوربون ((خle Bourbon هي جزيرة فرنسيّة تقع في المحيط الهندي، شرق مدغشقر، وهي جزيرة غنيّة بالموارد الطبيعيّة والتنوّع الحيواني.
[19]- Gobineau 1922:108.
[20]- Eyrièset Jacobs 1855: 385.
[21]- Jouannin 1904: 309.
[22]- توصّلت الباحثة نعيمة بنقاري  (Naima benkari) في أطروحة قدّمتها بجامعة بيير منديس فرانس (PIERRE MENDES France) بفرنسا سنة 2004 موسومة ﺑ (هندسة المساجد الأباضيّة في المزاب وجربة وعمان؛ قراءة في مبادئ ومفهوم البناء) إلى أنّ المذهب الأباضي مذهب متكامل تجاوز في تعاليمه الأحكام العقائديّة ليؤسّس نظريّات جديدة في «فن العمارة» و»العمران» مستمدّة من الأحكام الفقهيّة.
وقد سبق للباحثة أن قدّمت ضمن منشورات اليونسكو (UNESCO) بحثًا حول تأثير الأباضيّة وحجم التبادل الثقافي على العمران في مناطق عمان ومزاب بالجزائر، وجربة بتونس.
Naima Benkari, l’influence de l’ibadisme et l’impact des échanges culturels sur l’architecture omanaise et mozabite, rapport de voyage d’étude au sultanat d’Oman au bzab(ALGERIE) et à Djerba (TUNISIE) FOND HIROYAMA pour les routes de la soie, UNESCO,PARIS,1997
[23]- Encyclopédie du commerçant: 1841,1479.
[24]- Encyclopédie de commerçant: p,1479.
[25]- journal des chambre de commerce 1907: 114.
[26]- Revoyre, 1898: 4.
[27]- Jouannin 1904: 388.
[28]- De Rivoyre 1898: 14,15.
[29]- Gaffarel 1908: 356.
[30]- Revue universelle de l’homme du monde 1832: 168.
[31]- Encyclopédie du commerçant 1841: 1479.
[32]- هو الجغرافي الفرنسي جان باتيست إيرياسEyriès) Jean-Baptiste) (1767-1846) صاحب موسوعة (مختصر الرحلات الحديثة منذ 1780 إلى يومنا) وتقع في أربعة عشر جزءًا
(Abrégé des voyages modernesdepuis 1780 jusqu’ànosjours).
[33]- Eyries 1855: 38.
[34]- De Rivoyre 1898: 29.
[35]- DE Rivoyre 1898: 15.
[36]- De Rivoyre: 16.
[37]- lecourgrandmaison, 200: 33.
[38]- نجحت سلطنة عمان في تسيير الثقافات والعقائد المختلفة حيث انصهرت كلّها في ثقافة « الاختلاف» احترامًا للخصوصيّات الثقافيّة والدينيّة، وهذا ما عجزت عن إنجازه وتحقيقه دول كبيرة ومتطوّرة كفرنسا وبلجيكا وألمانيا، ممّا أدى إلى تصادم الأقليّات وبروز اليمين المتطرّف.
[39]- De Rivoyre 1898: 12.
[40]- Jouannin, 1904: 299, 300.
[41]- Revue l’universelle de l’homme 1832: 269.
[42]- المرجع السابق، 170.
[43]- www.voyage-idealo-fr
[44]- De Rivoyre 1898: 297, 298.
[45]-  De Rivoyre, 1898: 302.
[46]- Revue  universelle, 1832: 170.
[47]-  Jouannin,1904: 11.
[48]- Cossigny: 57.
[49]- Milbert,1812:249.
[50]- Tamisier, 1840: 173.