البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تاريخ العلوم العربيّة بجامعة برشلونة من جورج سارتون إلى خوان برنيت

الباحث :  عبد الكريم بولعيون
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  30
السنة :  ربيع 2022م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 25 / 2022
عدد زيارات البحث :  1262
تحميل  ( 587.336 KB )
الملخّص

تحاول هذه المقالة أن تساهم في تعريف القارئ العربيّ بمدرسة متميّزة وعريقة في الغرب، وهي مدرسة احتضنتها جامعة برشلونة الإسبانيّة، اهتمّت بشكل أساس بتاريخ العلوم العربيّة، نوضّح فيها مسار نشأتها على يد أحد الرواد الكبار في تاريخ العلوم، البلجيكيّ جورج سارتون، هذا الذي ترك بصمة عظيمة، وخلّف تلامذة كبارًا اهتمّوا بتاريخ الأفكار العلميّة للعلماء المسلمين، ويعتبر خوان برنيت، محور هذه الدراسة، أحدهم ومن المستشرقين الكبار المدافعين عن هذا التاريخ العلميّ بجدارة.

الكلمات المفتاحيّة: تاريخ العلوم العربيّة - الشرق - الغرب - النهضة الأوروبيّة - الاستشراق.

تقديم
إنّ دعوة «ديكارت» في القرن السابع عشر ميلاديّ إلى الاهتمام بالعلم الطبيعيّ؛ بغرض «التحكّم» و «السيادة» على الطبيعة، كانت تحمل في طيّاتها خطورة  كبيرة، هو ذاته كان يجهلها حينها. وتكمن تلك الخطورة في ما ظهر بعد حين من انكسارات واختلالات، أسقطت الطبيعة والإنسان -على حدّ سواء- في أسوء المنزلقات، فصعب على الإنسانيّة إيجاد طريق واضح من أجل الخروج من ورطتها والتخلّص من معضلتها. ولعلّ إشارة «هيدجر» الشهيرة إلى أنّ العلم لا يفكّر في نفسه، قولة مشروعة ومحقّة إلى حدّ بعيد، وهي التي تلخّص لنا مكمن الدّاء.

إنّ العلم «جاهل» بطبيعته، «مغرور» بإنجازاته، ينظر دائمًا نظرة تقدّميّة إلى الأمام و«يخجل» من الالتفات إلى الوراء. ولكي يخرج من هذه الورطة التي أوقع فيها نفسه، ونجم عنها كوارث جمّة عانت منها الإنسانيّة كثيرًا؛ جرّاء ما اقتُرف باسمه وفي سبيله، سيحتاج إلى من سيفكّر فيه وينكبّ على الاهتمام بتاريخه وفلسفته.

من هذا المنطلق، بدأت الدعوات تلوح في الأفق، منذ أواخر القرن التاسع عشر، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فكانت الدعوة إلى العناية بدراسة التاريخ عمومًا وبتاريخ العلوم خصوصًا؛ للوقوف على هذه المعانات والمشكلات ووضع حدّ لها، فظهرت -مثلًا- دعوة «وليم كنجدون كليفورد» W.K. Clifford) 1845-1879) إلى توضيح خطورة الاقتصار على تدريس العلوم الحديثة واعتبارها الثقافة الشاملة مع الجهل بماضي العلم. فرأى من جهته، أنّ مباحث تاريخ العلم من شأنها أن تردم الهوّة التي تعمّقت بين الدراسات العلميّة الحديثة والدراسات الإنسانيّة، كما تعبّر عنها الفنون الحرّة والآداب[2]. إنّ الربط بين العلوم البحتة والعلوم الإنسانيّة من شأنه أن يمدّنا بأدوات التحليل والتفكير بطريقة تغلب عليها مسحة إنسانيّة تخدم صالح المشترك الإنسانيّ، وتدافع عن حقوق الشخص والأمم وكرامتها دون تمييز أو إقصاء؛ ذلك أنّ البحث عن نشأة الأفكار العلميّة والتقنيّة والأدبيّة التي توصّل إليها العلماء تاريخيًّا من مختلف الأقطار عبر مختلف الأزمنة، فضلًا عن معرفة شخصيّات هؤلاء العظماء أنفسهم ومسيراتهم العلميّة الحافلة، سيلعب دورًا في تقريب الرؤى والتصوّرات التي ستخدم الإنسانيّة جمعاء، كما ستجمع بني البشر من مختلف أصقاع هذه البسيطة على كلمة سواء، أو على حدّ قول جورج سارتون: محاولة ملاقاة الشرق بالغرب.

في هذا الإطار، ستأخذ بعض المدارس والجامعات في الغرب على عاتقها تحمّل مسؤوليّتها التاريخيّة والأخلاقيّة، لتساهم بكلّ شجاعة في هذا التقارب الثقافيّ والعلميّ بين ضفّتين متباعدتين (الشرق والغرب)، في وقت تزداد فيه يومًا بعد يوم الهوّة بينهما اتساعًا لأسباب مختلفة، ليس هناك أيّ داع لذكرها هنا.

وفي هذا السياق، ستساهم المدرسة الكتالونيّة -جامعة برشلونة- من جانبها بشكل كبير في هذا التواصل الحضاريّ والإنسانيّ المتميّز، بإقدامها على تأسيس كرسيّ خاصّ لدراسة تاريخ العلوم العربيّة، الذي سيعتليه رجالات كبار أبانوا عن تفان وجهد عظيمين من خلال أعمال كثيرة  ومتنوّعة ومتقنة؛ لإبراز ذلك الدور الكبير والمهمّ الذي ساهم به العلماء المسلمون خلال حقبة القرون الوسطى، في شتّى الميادين العلميّة والفلسفيّة والأدبيّة. فكانوا كالشمس تسطع بنورها على الغرب، على حدّ عنوان كتاب المستشرقة الألمانية المترجم « زكريدهونكه»، فأسهموا بذلك في قيام النهضة الأوروبيّة الحديثة.
إنّ دراستنا هذه، ستتمحور حول أحد روّاد المدرسة الكتالونيّة، البروفسور خوان برنيت، الذي نعتبره مدافعًا بقوّة عن اتجاه موضوعيّ ونزيه في تناوله لتاريخ العلوم العربيّة، معارضًا لكلّ الأشكال التي تحاول أن تدوس على حقائق تاريخيّة أو تحوّرها، لتنكر كلّ فضل وإسهام قدّمه العلماء من العرب والمسلمين.

من أجل ذلك، سنحاول في هذه الدراسة أن نعرض أوّلًا التسلسل الزمنيّ لتأسيس مدرسة تاريخ العلوم العربيّة بجامعة برشلونة، والتي، كما سنرى، ليس سوى امتدادًا لمدرسة جورج سارتون رائد تاريخ العلوم المعاصرة، ثمّ نبيّن موقف محور هذه الدراسة، المستشرق برنيت، من حقيقة مساهمة العلماء المسلمين العلميّة في العصر الوسيط، وذلك من خلال عرض ثلاث محطّات أساسيّة مرّ منها تاريخ العلم العربيّ، وهي مرحلة استيعاب الفكر والعلم اليونانيّين عن طريق ترجمة الإنتاج اليونانيّ في مختلف مجالات المعرفة إلى العربيّة، ثمّ مرحلة العمل على تجاوز المُنتَج العلميّ القديم عبر المساهمات العظيمة التي قدّمها العلماء المسلمون والتحرّر من سلطة اليونانيّين، وأخيرًا، التأثير العظيم في نشأة النهضة الأوروبيّة الحديثة.

أوّلًا: كرونولوجيا تأسيس مدرسة تاريخ العلوم العربيّة بجامعة برشلونة
لا يصحّ لنا الكلام عن تأسيس المدرسة الكتالونيّة -جامعة برشلونة- في تاريخ العلوم، من دون إظهار مدى تأثير أحد رجالات تاريخ العلم العظام في نضج هذه المدرسة ومحيطها العامّ، إن لم نقل الأب الروحيّ لتاريخ العلوم في القرن العشرين، إنّه المؤرّخ البلجيكيّ الأصل[3] جورج سارتون 1884-1956م، العالم الرياضيّ المولود في مدينة «جانت» (Gante) ذات الجذور «الفلامنديّة»، الذي فيها حصل على الإجازة، ثمّ على الدكتوراه، في شعبة الرياضيّات عام 1911م، في الوقت الذي أنجز مجموعة من البحوث في الكيمياء.

 لاحقًا، بدأ سارتون اهتمامه الأكاديميّ وتفرّغه لدراسة التاريخ عمومًا، ولتاريخ العلوم على وجه التخصيص. إنّ الدافع وراء هذه العناية هو إيمانه الوثيق بأهمّيّة تاريخ العلم كضرورة علميّة وتربويّة وثقافيّة في آن واحد، وهو القادر على رأب الصدع بين العلوم الطبيعيّة والنزعة الإنسانيّة، فتلك هي أشأم معركة عرفها التاريخ البشريّ حديثًا، ليؤكّد أنّ الطريق إلى تأسيس الجهد العلميّ على قوام صحيح هو تلقيحه بشيء من الروح التاريخيّة، فكيف يجهل العالِم أصول أفكاره وكيفيّة تخلّقها وجُهد السابقين العظام الذين يقف على أكتافهم؟!
لهذه المهمّة، أسّس مجلّة سمّاها «إيزيس» (Isis) عام 1913م متخصّصة في تاريخ العلوم، كخطوة أولى لإضفاء الطابع المؤسّساتيّ على أعماله. وفي وقت لاحق، غادر بلجيكا بسبب تداعيات الحرب العالميّة الأولى والاحتلال الألمانيّ لبلاده، ثمّ بعد ذلك رحل إلى بريطانيا، إلى أن وصل عام 1915م إلى الولايات المتّحدة، حيث عمل أستاذًا للتاريخ في جامعة هارفارد تحت رعاية «مؤسسّة كارنيجي للسلام الدولي». وفي عام 1924م أصبح رسميًّا مواطنًا أمريكيًّا، وهو العام نفسه الذي تمّ فيه إنشاء مؤسّسة «جمعيّة تاريخ العلوم» التي تمّ استثمارها بشكل خاصّ لدعم نشر مجلّة «إزيس» (Isis). منذ عام 1927م إلى حدود عام 1948م، توّجت مجهوداته بنشر عمل ضخم، تحت عنوان: «مقدّمة في تاريخ العلوم»،  خصصّ الجزء الأوّل منه لِـ «هومر حتّى عمر الخيام»، والثاني لـ «الحاخام بن عزرا حتّى روجر بيكون»، والثالث لِـ «العلم والتعلّم في القرن الرابع عشر». وفي عام 1936م أسّس مجلّة أخرى تدعى «أوزوريس»، التي تضمّنت محتواها مقالات أطول حجمًا من نظيراتها في «إيزيس». «إيزيس» و «أوزوريس» هما عنوانان من أصل شرقيّ، وهذا يعني أنّ سارتون كان محبًّا وملمًّا بالتاريخ والثقافة الشرقيّة عمومًا، وبالثقافتين العربيّة والإسلاميّة في العصر الوسيط على وجه الخصوص، وبالذات في جانبيهما العلميّ.

إنّ تأسيس تخصّص تاريخ العلوم في إسبانيا القرن العشرين يظلّ رهينًا للمجهود الحثيث الذي قام به سارتون عبر «تبنّيه» مجموعة من المتخصّصين في هذا المجال على رأسهم «خوليان ريبيرا» Juliلn Ribera)  1858-1934)، وكذلك آسين بلاسيوس Miguel Asيn) Palacio 1871- 1944)، الذي تعرّف سارتون على إحدى دراسات هذا الأخير بطريقة غير مباشرة  في (isis) عبر إحالة من فرنسيسكو جابرييل(Francesco Gabriel) [4]، ويتعلّق الأمر ببحث قام به «آسين» عن تأثير المصادر الإسلاميّة على ملحمة الكوميديا الإلهيّة لـ «دانتي» الإيطاليّ.

إنّ الذي ربط سارتون بروّاد المدرسة الكتالونيّة، هي عوامل مشتركة تجمع بينه وبين بعض المستشرقين، كاهتمامهم المشترك بالتخصّصات العلميّة، وبعض الانشغالات المتعلّقة بنشر الدراسات المعنيّة بالحياة الثقافيّة في العصر الوسيط؛ ويبقى أهمّ رابط هو إجماعُهم المبدئيّ حول تقييمهم لقضيّة الاستشراق. فمنذ أواخر العشرينيّات من القرن العشرين وبداية الثلاثينيّات منه، أصبح هو أهمّ محور التقاء سارتون بهؤلاء المستشرقين الإسبان[5]؛ ذلك أنّ ما كان يجمعهم هو الإحساس المشترك بالجرم الذي اقترفته بعض الدراسات التاريخيّة التي تناولت فترة العصر الوسيط، حيث كانت في أغلبها تتجاهل مساهمة العلماء المسلمين الكبيرة في مختلف العلوم والفنون. في مقابل هذا التصوّر، نجد سارتون وبعض أصدقائه الإسبان مدافعين عن إسهامات هؤلاء، معتبرين إيّاها جدّ متقدّمة وتستحقّ كلّ العناية[6]. من هنا، يأتي تأثير سارتون على مجموعة من مؤرّخي العلوم الإسبان، إمّا عبر المراسلات أو عبر الاتصال المباشر؛ لتعميم أفكار معلّمهم داخل التراب الإسبانيّ[7].

وقد بدأ التراسل بين سارتون و«آسينبلاثيوس» من جهة، ثمّ بعد ذلك مع «ريبيرا»، ليتلقّى منهما مقالات وكتبًا ألّفت بأسبانيا. ويعود الفضل في تيسير عمليّة التواصل هذه إلى المستشرق الأمريكيّ دونكان بلاك ماكدونال (Duncan Black MacDonald 1863-1943 [8]). ثم بعد ذلك، انتقلت عنايته الخاصّة بالإسبان المهتمّين بالعلوم العربيّة؛ تشجيعًا منه على ربط صلات متينة بهؤلاء، وإضفاءً لنوع من العالميّة على مشروعه، لذلك عيّن في «اللجنة الدوليّة للعلوم الكتالونيّ خوليان ريبيرا»، على الرغم من أنّه لم يكن يهتمّ كثيرًا بالمجال العلميّ وبالمعارف العلميّة المنقولة من الشرق إلى الغرب، بقدر ما كان اهتمامه منصبًا بالمجال التعليميّ المعرفيّ الإسلاميّ عمومًا[9]، وبالفنّ الموسيقيّ على وجه الخصوص المنتقل من المشرق العربيّ إلى إسبانيا خلال العصر الوسيط، ومن ثمّ إلى الغرب الأوروبيّ الحديث[10]. لكن، هذا لا يعني أنّ الاشتغال على الموسيقى ومجالاتها، يمنع من تخلّل  أفكار علميّة من داخل هذا الفنّ، ممّا سيستدعي من دون شكّ نوعًا من التكامل والتنسيق والتعاون بين مؤرّخي الفنون ومؤرّخي العلوم.

إنّ من سيكون له شأن عظيم مع البروفسور سارتون بما سيحظاه من كامل الرعاية هو تلميذ «خوليان ريبيرا» الكتالونيّ الأصل، المدعوّ جوزي ماريا ميّاس فاليكروزا (Josep Maria Millàs Vallicrosa 1897 -1970). فبالإضافة إلى مساهمة «ميّاس» مع «آسين بلاسيوس» وآخرين في تأسيس «مدرسة الدراسات العربيّة» بمدريد، وتأسيس مجلّة «الأندلس» بتشجيع من سارتون نفسه،سينفرد «ميّاس» باهتماماته العلميّة المشتركة مع «سارتون»، حيث ستبدأ عنايته بالبحث في الفيزياء والرياضيّات بمنطقة كتالونيا في العصر الوسيط، منشغلًا بأهمّ التأثيرات التي خلّفتها العلوم العربيّة على كتالونيا إبّان القرن العاشر ميلاديّ، وقد تُوّج هذا العمل بجائزة نالها سنة 1924م من مؤسّسة «باتشوت»[11].
يظهر مدى تأثّر «ميّاس» بالبروفسور سارتون عند كتابته لمقال له، منشور سنة 1957م، بعد سنة من وفاة  هذا الأخير في (Isis)، المجلّة التي أسّسها «سارتون» نفسه، يعرض فيه علاقته الشخصيّة والعلميّة بأستاذه البلجيكيّ، بدءًا من سنة 1931م عندما اطّلع لأوّل مرّة على الجزء الأوّل من كتاب سارتون (مقدّمة في تاريخ العلوم)، ومدى إعجابه بهذا المؤلَّف الكبير، ممّا دفع «ميّاس» إلى مراسلته من أجل نشر مقالٍ له في (Isis)، والذي يتحدّث فيه عن البدايات الأولى لاتّصال العلوم والتقنيّات الفلكيّة بين الشرق والغرب، ومنذ ذلك الحين توالت بينهما المراسلات التي أظهر فيها «سارتون» لباقته ولطافته وإنسانيّته، كما أورد ذلك «ميّاس». كما يروي في المقالة نفسها  مسار رحلة سارتون إلى الشرق سنة 1931 و 1932م، لاغتراف اللغة العربية وتعلّم ثقافتها، فمن بيروت إلى القاهرة، ثمّ إلى فاس والرباط، كان سارتون شديد الحرص على ملاقاة العلماء والفقهاء اللذين يقدّمون له دروسًا في اللغة والثقافة العربيّة، ليمرّ بعد ذلك ببرشلونة من أجل ملاقاة أصدقائه الإسبان. فلم تكن رحلته هذه على نمط السياحة المعاصرة التي يعهدها أهل الغرب، بقدر ما كانت رحلة علميّة وثقافيّة بامتياز. إنّ أهمّ ما يميّز كتابات سارتون ونضجها حسب «ميّاس»، ليس براعته وإتقانه في عرض الببليوغرافيا والبيانات من جانبها التقنيّ فقط، وإنّما الدقّة التي يُوليها فيحسن تقديم مختلف المراحل الزمنيّة لأبرز الشخصيّات من الكتّاب في الغرب  كما في الشرق، وقد تناول ذلك كلّه بعمق ونضج تامّين في عرض مختلف التفاصيل، من دون أن يخلو ذلك من بصمة تنمّ عن عبق ونكهة إنسانيّة تميّز شخصيّة سارتون[12].

يبدو أنّ مهمّة سارتون، كما يشير إلى ذلك «ميّاس»، هي تقريب الشرق من الغرب من خلال رصد العلاقات الثقافيّة والعلميّة. ويستدلّ على ذلك من خلال كتاباته بذكر أنّ ما كان يحزّ في نفس سارتون هو الاعتقاد أنّ أهمّ الإنجازات التي تحقّقت في العلوم كانت في فترة القرن التاسع عشر والقرن العشرين ميلاديّ، غير أنّ الحقيقة هي أنّ ما أُنجز مؤخّرًا لم يكن سوى نتيجة تراكمات لمجهودات سابقة، ويقصد بذلك مساهمات علماء العرب والمسلمين. كما أنّ ما نسمّيه المعجزة اليونانيّة، لم تكن سوى مولود من زوجين، تعتبر مصر الفرعونيّة أباها والعراق البابليّة أمّها الشرعيّين. كما يُذكّرنا «ميّاس» بأهمّيّة اللغة العربيّة عند سارتون، حيث كانت لغة علوم شقّت طريقها إلى العالميّة، أمّا علماؤها فقد أثّروا بشكل مباشر على نهضة أوروبا الحديثة، ومن أبرز هؤلاء، يذكر على سبيل المثال لا الحصر: ابن سينا في الطبّ، والفرغاني في الفلك، وابن رشد في الفلسفة. ليخلص «ميّاس» أنّ الرسالة  التي نذر لها نفسه أستاذه سارتون هي ملاقاة الشرق بالغرب في قالب إنسانيّ محض[13].
هكذا ستُولّي جامعة برشلونة اهتمامًا خاصًّا بتأسيس قسم للدراسات العربيّة، لتعنى بقسم تاريخ العلوم العربيّة، حيث سيأخذ مشعل هذه المسؤوليّة سلسلة من العلماء، كأساتذة لتاريخ العلوم العربيّة في هذه الجامعة (Unversitat de Barcelona)، من أمثال «ميّاس فاليكروزا» (Millàs Vallicrosa)، و«خوان برنيت» (JUAN VERNET) و«خوليو سامسو»[14] و«ميكيلفركادا» (Miquel Forcada) و«إيميليا كالفو» (Emilia Calvo)، و«روزي بوج» (ROSER PUIG)، وآخرون...

لم يكن الأستاذ «ميّاس» سوى تلك الحلقة التي ستربط سارتون بخوان برنيت -محور هذه  الدراسة- من الناحية العلميّة والفكريّة.

ثانيًا: خوان برنيت يحذو حذو جورج سارتون
قد لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا خوان برنيت أحد أهمّ مؤرّخي العلوم الذين دافعوا بقوّة عن علوّ شأن علماء العرب والمسلمين، وساهموا في تشييد معالم الحضارة الإنسانيّة الكبرى، مثل ما دافع  قبله الفيلسوف «كوندرسيه»، على اعتبار العلم العربيّ استمرارًا لتقدّم «الأنوار» في فترة هيمنت فيها الخرافات والظلمات، أو كما أكّد على ذلك «مونتوكلا» على أنّ دراسة تاريخ العلوم العربيّة  ضرورة لا لرسم معالم اللوحة التاريخيّة الإجماليّة لتطوّر العلوم، بل لتثبيت وقائع تاريخ كلّ من الفروع العلميّة[15]. هكذا نعتبر برنيت سليل مدرسة المؤرّخ جورج سارتون، منتميًا إلى تيّار تختلف نظرته وتصوّراته على ما ذهبت إليه مجموعة أخرى كبيرة من المستشرقين الزاعمين بأنّ العقل العربيّ والإسلاميّ ليس سوى مجرّد وعاء للتراث اليونانيّ، حافظ عليه دهرًا، ثمّ سلّمه بأمانة إلى الغرب أصحابه، باخسين كلّ إسهام برع فيه العلماء المسلمون في مختلف حقول المعارف العلميّة والفلسفيّة، ومنكرين الدور الفعّال الذي مارسوه في تقدّم الفكر العلميّ والفلسفيّ الغربيّ الحديث، وبالتالي في الفكر الإنسانيّ العالميّ عمومًا.
من هذا المنطلق بالذات، نعتبر البروفسور برنيت أحد روّاد هذه المدرسة التي أخذت على عاتقها الذود عن حضارة قدّمت ما في استطاعتها لتساهم بدورها في تقدّم العلوم وتطوّرها. إنّ اطّلاع برنيت منذ نعومة أظافره على مختلف المجالات العلميّة، كالطبّ والرياضيّات والفلك والفيزياء... وقراءاته المتأنّية لتاريخ الأفكار العلميّة، وبحثه الحثيث في التراث الذي خلّفته أيادي علماء العرب والمسلمين، سيؤكّد لديه باليقين مدى مساهمتهم الجادّة في بناء صرح الحضارة الإنسانيّة العالميّة.

إنّ هذا المشروع الضخم المتمثّل في البحث في التراث العلميّ الإسلاميّ الّذي اضطلع به برنيت، محاولًا استخراج مكامن الإبداع فيه، ومدى تفوّقه في حقبة العصر الوسيط، برهن على أنّ في العلم العربيّ تحقّق ما كان يعرف كمونًا في العلم الإغريقيّ، «فما نجده عند العلماء اليونانيّين اتجاهًا جنينيًّا لتخطّي حدود منطقة ما ولكسر طور ثقافة معيّنة وتقاليدها ولاكتساء أبعاد عالم بأسره، نراه و قد أصبح واقعًا مكتملًا في علم تطوّر حول منطقة البحر المتوسّط لا كرقعة جغرافيّة وحسب، إنّما كبؤرة تواصل وتبادل لكلّ الحضارات في مركز العالم القديم وعلى أطرافه»[16].

هكذا، سنحاول من جهتنا، أن نبرهن من خلال منظور برنيت نفسه، على أهمّ مميّزات العلم العربيّ والإسلاميّ، ومساهمة علمائه الكبار في تطوير الثقافة العلميّة، وصولًا إلى تحقيق العالميّة؛ نظرًا لتأثيرهم الإيجابيّ على النهضة الفكريّة والعلميّة التي عرفتها أوروبا حديثًا. إنّ هذه النظرة  الإيجابيّة إلى العلم العربيّ قد عبّر عنها برنيتفي السطور الأولى من تقديم كتابه الرائد: «فضل الأندلس على ثقافة الغرب»، عندما أكّد على أنّ اللغة العربيّة شكّلت وسيلة لانتقال المعارف من العصر القديم إلى العالم الإسلاميّ، وهذه المعارف التي انتقلت إلى العالم الإسلاميّ، ستتمّ إعادة صوغها على نحو حاسم بإسهامات جديدة،  كالتي نجدها في الجبر وحساب المثلّثات على سبيل المثال، وسيتمّ نقلها إلى العالم المسيحيّ، وذلك بفضل الترجمات التي تمّت بالعربيّة إلى اللاتينيّة والرومنثيّة (اللهجة المحلّيّة). وكانت من ثمّ مبعث الانطلاقة العلميّة الهائلة لعصر النهضة، وإنّ إحصاءً بسيطًا للنصوص العلميّة التي نشرت آنذاك يقيم الدليل على الفضل الكبير الذي يدين به الغرب للأندلس[17].
يمكن القول، من وجهة نظرنا: بأنّ برنيتكان يطمح إلى تبيان فضل علماء المسلمين، وأهل الأندلس بالخصوص على ثقافة الغرب الأوروبيّ، على منوال المدرسة الاستشراقيّة الإسبانيّة التي عنيت باهتمام كبير بالتراث العربيّ الأندلسيّ لأسباب هوياتيّة تاريخيّة محضة، فكان على برنيت إبراز ثلاث مراحل أساسيّة في تاريخ العلوم العربيّة، وهي:

أوّلًا: عمليّة استيعاب الفكر والعلم اليونانيّ عن طريق ترجمة الإنتاجات اليونانيّة إلى العربيّة.
ثانيًا: العمل على تجاوز المُنتَج العلميّ القديم عبر المساهمات العظيمة التي قدّمها علماء المسلمين والتحرّر من سلطة اليونانيّين.
ثالثًا: التأثير العظيم في نشأة النهضة الأوروبيّة الحديثة. فيما يلي سنحاول أن نتحدّث باقتضاب عن كلّ مرحلة على حدّة:

1. مرحلة استيعاب الفكر والعلم اليونانيّ
لقد عرفت الحضارة العربيّة والإسلاميّة تميّزًا كبيرًا في العصر الوسيط؛ لما شهدته من نهضة علميّة هائلة أهّلتها لتأخذ دورها الريادي في التاريخ البشريّ، كما شهدت قبلها الحضارة اليونانيّة بقرون عدّة توهّجًا علميًّا وفلسفيًّا. إنّ ظاهرة انتقال مركز القوّة العلميّة من مكان لآخر عبر الزمن، ظاهرة طبيعيّة ليس فيها أيّ خروج عن منطق التاريخ، فبعد الاطّلاع على ما خلفه القدماء في سائر ميادين المعرفة من إنتاجات عبر الترجمة، يأتي العمل على تنقيحها وإضافة معارف جديدة ومبتكرة لتخدم من دون شكّ الحضارة المستقبلة لمعارفها.

عرف العصر العبّاسيّ (بداية القرن الثامن ميلاديّ) عناية كبيرة بالعلوم الأجنبيّة ونقلها إلى العربيّة، فلم يمض وقت طويل حتّى كانت الترجمة إلى العربيّة قد شملت القسم الأكبر من مؤلّفات أرسطو وشرّاح المدرسة الإسكندريّة ومعظم كتب جالينوس في الطبّ وبعض محاورات أفلاطون، ولم تقتصر هذه الترجمات على الكتب اليونانيّة، بل تعدّتها إلى ما سواها من مناهل المعرفة آنذاك، كالهنديّة والفارسيّة[18]. هكذا انفتحت اللغة العربيّة على معارف شتّى عبر الترجمة من الفارسيّة والسرياليّة ثمّ اليونانيّة، برعاية بعض المتنوّرين والطموحين من أجل إبراز كفاءتهم العلميّة ونيل الحظوة عند الحكّام وتثبيت سلطتهم السياسيّة والرمزيّة[19]. كانت الترجمة تحت الطلب، سواء من لدن العلماء أنفسهم أو الراعين للفكر من خلفاء ووزراء ومستشارين[20]. فقد التزم علماء شتّى، غالبًا ما ينتمون إلى أسرة واحدة، بترجمة ما كان في متناولهم من الكتب العلميّة الأساسيّة كالسنسكريتيّة والفهلويّة والسُّريانيّة واليونانيّة، وكذلك اللاتينيّة بدرجة أقلّ، وقد ترجمت كتب سنسكريتيّة هنديّة في علم الفلك بين 770م و 780م، ثمّ كتب طبّيّة في النصف الأوّل من القرن التاسع ميلاديّ[21].
أصبحت بيت الحكمة التي أنشأها المأمون مدرسة للترجمة، هذه التي يقول عنها برنيت أنّها مركزًا مهمًّا جمع أبرز الوجوه من رجالات العلم في ذلك الوقت، كانوا يجدون في متناول أيديهم مكتبة ممتازة عامرة بالكتب ووسائل مادّيّة للسير قدمًا في أعمالهم، كما أنّهم كانوا يتقاضون مرتّبات يصعب علينا تقديرها. وكما يخبرنا «حنين بن إسحاق»، أنّ المأمون كان يكافئ مترجمي المصنّفات على حسب وزنها، فإذا بلغ وزن الكتاب رطلًا كافأ المترجمَ برطل من الذهب، حتّى أضحى المترجمون يبالغون في الكتابة بأحرف كبيرة ويتركون في جوانب الورقة هوامش واسعة، ويفرّجون  كثيرًا بين الأسطر. كما أنّ «بني موسى» الذين رعاهم المأمون فقد كانوا ينفقون كلّ شهر خمسمئة دينار في مكتب الترجمة الخاصّ بهم، حيث كان يعمل «حنين بن إسحاق» و«ثابت بن قرّة» و«حُبيش بن الحسن» وآخرون سواهم[22]. وقد نقلت هذه المدرسة التي كان «حنين بن إسحاق» محورها كلّ أعمال «جالينوس» في الطبّ تقريبًا، كما ترجم أحد تلامذته «اصطفن بن بسيل» كتاب المادّة الطبّيّة لـ «ديسقوريدس»[23].

ويرجع برنيت أهمّيّة الدور الكبير الذي لعبته الترجمات العربيّة إلى كونها المصدر الوحيد لبقاء أعمال  علميّة وفلسفيّة يونانيّة على قيد الحياة؛ ذلك أنّ كثيرًا من الأعمال الكلاسيكيّة التي فقدت أصولها لم تحفظ إلّا في هذه الترجمات العربيّة. فكان لا بدّ من التنويه بالكتب العلميّة التي لم يكتب لها البقاء إلّا بفضل هذه السنّة المشرقيّة المتّبعة. فعلى سبيل المثال، شرح بابو (pappo) للجزء العاشر لكتاب الأصول، وكتاب الحركة لهيرون الإسكندريّ، والأجزاء 5-7 من كتاب المخروطات لأبولونيوس، وأعمال مختلفة لجالينوس، لم تكن ستعرف لولا أنّها ترجمت إلى العربيّة؛ ذلك أنّ الأعمال الأصليّة فقدت بالتمام[24]. كما يشيد برنيت أيضًا بالجهد المصروف في إتقان عمليّة الترجمة إلى العربيّة واعتمادهم على النصوص الأصليّة التي تختلف عن تلك التي وصلت إلى أوروبا بالترجمة اللّاتينية، ويعطي مثالًا على ذلك، بمقارنته بين ترجمة «ثابت بن قرّة» لكتاب (De mensura circuli) وبين الترجمة اللاتينيّة لـ «جراردو الكريمون»، وكيف كانت الأولى تقترب إلى الصواب من الثانية[25].

لم تكن الترجمة العربيّة إذًا، عملًا عشوائيًّا، بل كان المترجم ينتقي المؤلّفات الأصيلة والفعّالة والمثمرة بإتقان وفعاليّة؛ لاستثمارها في مسائل فكريّة وعلميّة وطبيّة وتقنيّة محدّدة، كانت تخضع للمراجعة والنقد باستمرار، حتّى تصير إلى صورة أقرب إلى الصواب. كانت الترجمة نشاطًا علميًّا تمحيصيًّا، يتغيّى التدقيق في الأفكار والتمييز بين الآراء[26]. يقول في ذلك (Georr KH): «وقد درسنا مخطوطة الكتب المنطقيّة لأرسطو الموجودة في المكتبة الوطنيّة بباريس، وتبيّن لنا أنّ الترجمات المختلفة في غاية الدقّة والوضوح»[27].

إنّ هذه الدّقة والوضوح في الترجمة العربيّة، ستلعب دورًا مهمًّا في توفير المادّة العلميّة اللازمة لتأليف المؤلّفات وكتابة المصنّفات في شتّى ميادين المعرفة ذات العلاقة بعلوم الأوائل. هكذا استثمرت هذه الترجمات من قبل زمرة من المؤلّفين، يرجع الفضل إليهم في إدخال العلوم إلى محيط الإسلام من أصل كلاسيكيّ، يذكر منهم برنيت، على سبيل المثال: «عليّ ابن رَبَن الطّبري» 861م، الذي كتب في الطبّ كتابًا سمّاه: «فردوس الحكمة»، يتضمّن معلومات مستمدّة من كراكا وسوسروتا...، وقد استفاد منه تلميذه الرازي، وهو واحد من أكبر الأطبّاء على توالي العصور، والذي كان يستقبل تلامذة يقدّمون إليه من مختلف أصقاع العالم. والأمر ذاته في علم الفلك، فقد استخدم الخوارزميّ هذه الترجمات لوضع جداول فلكيّة. كما ستعرف كتابات الجاحظ انتشارًا كبيرًا، والذي يمثّل أعظم ناثر عربيّ في كلّ العصور. كما ستُبرز أعمال الفيلسوف الكنديّ، والتي ستتعرّض للمصادرة قبل أن ينجح في استرجاعها. كما سيؤلّف ابن قُتيْبة سلسلة من الأعمال ذات طابع موسوعيّ، منها: كتاب «الأنواء» في الفلك[28].

هكذا، نصل إلى ما خلص إليه برنيتمن، كون اللغة العربيّة شكّلت وسيلة لانتقال المعارف من العصر القديم إلى العالم الإسلاميّ، فأصبحت لغة العلم والثقافة بدون منازع. إنّ ترجمة المعارف والعلوم القديمة بهذه اللغة، في مختلف الميادين وبتلك الصرامة العلميّة، يسّرت عمليّة تصنيف رصيد مهمّ من علوم الأوائل وتأليفها وتلخيصها، في الفلسفة والطبّ والفلك والرياضيّات والكيمياء، فأحدثت ثورة فكريّة في المجتمع الإسلاميّ بداية حكم الدولة العبّاسيّة، بعدما كان الاهتمام قبل ذلك ينحصر على العلوم الدينيّة، كعلوم القرآن وعلوم الحديث والفقه وعلوم النحو واللغة.

إنّ هذه المرحلة الأولى التي تكمن أهمّيّتها في استيعاب تامّ لعلوم الأوائل العقليّة، مرحلة مهمّة لترويض هذا العقل العربيّ والإسلاميّ، وتهيئته للانتقال إلى محطّة موالية، مرحلة مراجعة هذا المُنتَج العلميّ القديم والتحرّر من سلطته.

2. التحرّر من المُنتَج العلميّ القديم وانتقاده
يبدو أنّ برنيت، كما هو الشأن عند بقيّة المستشرقين الإسبان، يولي اهتمامًا بالغًا، كما قلنا سالفًا، للساحة الثقافيّة الأندلسيّة[29]؛ على اعتبار أنّ العلماء الأندلسيّين العرب هم إسبان بالهويّة، وكأنّ مجمل الإنجازات التي أبدع فيها هؤلاء يعود الفضل فيه إلى الأصل الإسبانيّ الغربيّ، ليحاول بذلك البحث في مجمل التطوّرات التي عرفها تاريخ العلوم العربيّة بالأندلس، وتتبع مراحل انتقال المعارف العلميّة والفلسفيّة هناك، وإظهار إسهامات علمائها وتأثيراتهم ذات الأهمّيّة في الغرب اللاتينيّ.

يذكر برنيت أنّ المسلمين الأوائل الذين دخلوا الأندلس لم يكونوا رجال علم وثقافة، ويستشهد على ذلك بـ «ابن قوطية» كون بعض الشخصيّات البارزة التي دلفت شبه الجزيرة العربيّة ذات مستوى ثقافيّ متدنّ جدًّا[30]، ممّا حتّم الاستمرار في الأخذ بالمعارف اللاتينيّة الأصل في بداية الحكم الإسلاميّ في الأندلس، حيث كان اتباع التقليد الفلكيّ والتنجيميّ ذي المرجعيّة اللاتينيّة القوطيّة يعتمد على كتاب (Libro de los cruzes)، أمّا في الجانب المتعلّق بالعلوم الطبّيّة، فكان كتاب (Aphorisme) يحتلّ الصدارة، أمّا في ميدان الزراعة، فكان لكتاب (De re restica) المكانة التي يستحقّها.

ومع بداية تشريق الثقافة الأندلسيّة، خصوصًا مع عبد الرحمان الثاني (821م-852م)، أحد القرّاء النهمين للكتب الفلسفيّة والطبّيّة، حيث أضحى معه الجامع الكبير لقرطبة مركزًا لنشر الثقافة، فأدخلت علوم الطبّ والفلك والرياضيّات المتداولة في المشرق آنذاك، والتي غالبًا ما كان أصلها يونانيًّا، لتبرز أسماء سيكون لها وزن كبير في العلم العربيّ الأندلسي، أمثال: عبّاس بن فرناس، الذي توفّي عام 887م، والذي قام بمحاولات للطيران في قصر الرصافة في قرطبة، وهو نفسه من أدخل تقنيّة جديدة لقطع البلّور الصخريّ، وبنى قبّة فلكيّة في إحدى غرف منزله، وصنع كرة فلكيّة محلقة أهداها لعبد الرحمان الثاني،كما صنع ساعة مائيّة ذات حركة آلية[31]. وبرز اسم آخر، وهو ابن جلجل، في علم النبات، صاحب مؤلّف حول الأعشاب الطبّيّة، ومؤلّف آخر حول الأدوية التي لم يأت الطبيب اليونانيّ «ديوسقوريدس» (Dioscoride) على ذكرها في كتابه «المادّة الطبّيّة»، فكان لهذا العمل نتائج مهمّة في انطلاقة علمي العقاقير والنبات الأندلسيّين[32]. كما برز اسم «مسلمة المجريطيّ» الذي احتلّ مكانة كبيرة في علم الفلك وأبدع فيه، فأدخل تعديلات على جداول الخوارزميّ الممزوج بالتقليد الهنديّ الفارسيّ والتقليد اليونانيّ، وهذا يعني إدخال تعديلات على جداول حسابات كتاب «المجسطيّ» لبطلموس اليونانيّ، وبالمثل فعل عندما نقّح كتاب «تسطيح الكرة» لبطليموس نفسه[33]، فأصبح  مسلمة المجريطيّ بذلك من نقّاد أمير علم الفلك اليونانيّ ومرجعها المعتمد، بطلموس. وهناك أعمال أخرى منتقدة للمجسطيّ، ككتاب جابر بن أفلح، تحت عنوان: «إصلاح المجسطيّ»، وقد يكون هذا العمل أساسيًّا في تطوّر علم الفلك الأرثودوكسيّ، وفيه يبرز جابر انتقادات حول بعض مظاهر المجسطيّ، كعدم تقديم بطليموس لبرهان حول تنصيف الانحراف الكوكبيّ عن المركز. ومن جهة ثانية، يصف جابر في عمله هذا آلتين للرصد بإمكانهما أن تشكّلا استباقًا للآلة الفلكيّة التي سمّيت في الغرب (Torquetum)[34]. كما يعتبر عمل ابن معاذ الجياني المعنون بـ «مقالة في شرح النسبة»، عملًا خارج الرياضيّات اليونانيّة الأقليديّة[35].

إن كان القرن الحادي عشر حسب برنيتقرن سطوع شمس علماء الفلك بالأندلس، فإنّ القرن الثاني عشر يعتبره عصر الأطبّاء والفلاسفة بامتياز، وقد برع «ابن رشد» في المجالين معًا. وقد بلغ من تأثير أعماله حدّ أن اعتقد العالم الغربيّ في القرن الخامس عشر أنّ نور المعرفة لم يكن يصدر من المشرق، بل من الأندلس، إنّه الأندلسيّ الأكثر تأثيرًا في الفكر الإنسانيّ عبر التاريخ وهو قيّد حياته في العالم الإسلاميّ كما في العالم المسيحيّ[36]. هكذا يكون ابن رشد، حسب برنيت، مؤمن حاول أن يوفّق بين العقل والإيمان، كما يعتبره من الفلاسفة المتشرّبين للفلسفة الأرسطيّة، لكن على خلاف ما زعمه بعض الفقهاء، امتلك الرجل قدرًا كافيًا من الذكاء والجرأة، يمكّنه من ألا يتّبع -اتباعًا أعمى ودون مسوّغات- كائنًا من كان، حتّى أرسطو نفسه. وهذا يعني أنّ برنيت كان معارضًا لموقف ابن سبعين من اعتبار ابن رشد  ليس إلّا مجرّد مقلّد لأرسطو، ويزعم ابن سبعين أن لو كان أرسطو قد أكّد أنّ المرء يمكن أن يكون في الوقت ذاته واقفًا وجالسًا، لأيّده ابن رشد أيضًا[37]. وإذا تركنا جانبًا أعماله الفلسفيّة وأقبلنا على مصنّفاته العلميّة، نجد برنيت يشير إلى أهمّيّة ما استكشفه من الثغرات والأخطاء التي ارتكبها «أرسطو»، لدرجة يُظنّ معها أنّ آراء ابن رشد هي التي ربّما أوحت لـ «كوبيرنيكو» بضرورة أن يفسّر حركة مجموعة نظامنا الشمسيّ على نحو مخالف لما ذهب إليه أرسطو وبطلموس، وأنّ تلميذًا لابن رشد وهو «البطروجي»، هو الذي اقترح نظرية جديدة بهذا الصدد[38]. ويذكر برنيت أنّ ابن رشد قد لمح، عند شرح نظريّته حول سقوط الأجسام، إلى حركة الأجسام السماويّة في الفضاء الفارغ، حيث تتحرّك هذه الأجرام بسرعة محدودة، وهذا يدلّ على أنّ فيلسوفنا يتصوّر عالمًا (واحدًا) للحركة يمكن تطبيقه على العالم تحت القمريّ كما على العالم فوق القمريّ، خلافًا للنظريّة الأرسطوطاليّة التي تتصوّر عالمين للحركة[39].

إنّ كلّ هذه الاستشهادات التي أوردها برنيت، تظهر مدى مقدرة العلماء المسلمين على تجاوز عقدة اليونانيّ، والتحرّر من سلطته بمجهوداتهم الذاتيّة والقيّمة. هكذا سيعرف العلم العربيّ امتدادًا كبيرًا، يتجاوز حدوده الجغرافيّة إلى تحقيق نجم العالميّة والكونيّة لما سيعرفه من تأثير في النهضة الفكريّة والعلميّة التي عرفتها أوروبا الحديثة.

3. تأثير العلم العربيّ في نشأة النهضة الأوروبيّة الحديثة
بدأت ترتسم مظاهر الانحطاط مع سقوط الدولة الموحّديّة، أمّا العلماء المسلمون، الذين أضحوا في أرض احتلّها المسيحيّون، فقد عبروا الحدود ليستقرّوا إمّا في غرناطة أو في أفريقيا الشماليّة أو في المشرق[40]. إنّ ذهاب العلماء المسلمين من الأندلس، لا يعني رحيل العلم الإسلاميّ من تلك الأراضي، فقد كان بالإمكان في  النصف الثاني من القرن الخامس عشر أن يتعلّم الطالب في «مدرسة» بسرقسطة الطبّ، قارئًا باللغة العربيّة «الأرجوزة في الطبّ» و« كتاب القانون» لابن سينا[41].

يرجع برنيت بداية الدراسات الاستشراقيّة إلى القرن الثالث عشر ميلاديّ، حيث أنشئت مراكز تهتمّ بالإسلام عمومًا. هكذا ظهرت ميولات استشراقيّة عند الإمبراطور فريديريكو الثاني (1194-1250م)، كما أنّ ذهاب السفراء الأوروبيّين الجدد إلى آسيا سيلعب دورًا مهمًّا في التعرّف على ثقافة المشرق[42]، لذلك ستعرف اللغة العربيّة اهتمامًا كبيرًا من قبل الأوروبيّين، لتتاح لهم إمكانيّة ترجمة التراث الثمين الذي تحمله في طيّاتها. يصرّح برنيت في حديثه عن أهمّيّة الترجمة من العربيّة إلى اللاتينيّة، ما مفاده: أنّ مثلما أبدى العرب تقديرًا للتراث الذي كانوا قد تلقّوه من العصور القديمة، فكذلك أظهر المترجمون اللاتينيّون في القرون الوسطى تفضيلًا ما للتراث الذي تلقّوه بدورهم من العالم العربيّ[43]. وفي هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى قضيّة السرقة الأدبيّة والخيانة العلميّة، التي كانت تعرفها بعض الترجمات، حيث إنّ بعض المترجمين الأوروبيّين ينسبون بعض كتب علماء المسلمين إلى أهاليهم وأساقفتهم، وهي في الأصل من تواليف المسلمين. وللحدّ من هذه الظاهرة، نقرأ بعض الدعوات لحظر بيع الكتب العلميّة العربيّة للمسيحيّين واليهود، وقد كان من بين هؤلاء «ابن عبدون» في القرن الحادي عشر، في مصنّفه عن الحِسبة. غير أنّ برنيت ينفي أن تكون لهذه الدعوة حمولة عنصريّة، مبررًا ذلك، أنّه فعلًا كانت أسماء عديدة لمؤلّفين عرب لم  تقترن بأعمالهم في الترجمات التي تنجز في الثغر الإسبانيّ، مثل ما قام به قسطنطين الإفريقيّ وتلامذتُه في سالرنو مثلًا[44].

يبدو أنّ برنيت يؤمن بالنظرة «التطوّريّة» في انتقال المعارف العلميّة، فهي تتقدّم بشكل تراكميّ وتطوّريّ، أي أنّ كلّ فكرة تنبني على التي قبلها، تصحّحها ثمّ تجدّدها عكس ما سيذهب إليه «توماس كون»[45]، في أنّ الدخول إلى أيّ مرحلة علميّة جديدة يكون نتيجة «ثورة» وقعت على النمط العلميّ السائد في التفكير لعجزه على حلّ مسائل طرحت عليه، وبالتالي تتغيّر البراديغمات (الأنماط السائدة في التفكير) عبر ثورات علميّة. قلتُ: إنّ برنيت على خلاف «توماس كون»، ومن داخل نفس المدرسة التي ينتمي إليها سارتون، يؤمن بأنّ مع قضيّة تطوّر العلوم نكون أمام سلسلة طويلة تسير وفق خطّ مستقيم لا يعترضه أيّ حاجز. فهو يؤكّد من أنّ انتقال المعارف العلميّة من الشرق إلى الغرب كانت عبر سلسلة متّصلة من الأساتذة والتلاميذ والأصدقاء، معطيًا لذلك أمثلة في الرياضيّات والفلك[46]. لذلك لا يمكن حسب هذه الرؤية أن تقع نهضة في أيّة حضارة دون أن تعتمد على الرصيد العلميّ الذي خلّفته حضارة سابقة حملت لواء العلم والمعرفة. ولبرنيت مجموعة من الدلائل، سنحاول أن نوجزها في ما يلي:

في مجال الرياضيّات
 - يؤكّد على تأثير الترجمة الثانية لكتاب «الأصول» للطوسيّ، حيث استفاد منه منها «ج. واليس» (1693م) و«ساكيري» و«لامبير» و«ليجاندرو»، هذه التي أفضت إلى الهندسات الأقليديّة لـ «لوباتشفسكي» و«بولياي» و«ريمان»[47].
- يشير برنيت إلى ترجمة جيراردو الكريمونيّ للعمل الأساسيّ لبني موسى «كتاب معرفة مساحة الأشكال»، والذي كان له التأثير الحاسم في العالم الغربيّ، فقد استخدمها فيبوناتشي في كتاب «التطبيق الهندسيّ»، واستلهمها كلّ من جوردانوس وروجيه بيكون وتوماس برادواردين وجميع  الرياضيّين الأوروبيّين تقريبًا حتّى عصر النهضة[48].
- يذكّر بأهمّيّة كتاب «إصلاح المجسطيّ» لجابر بن أفلح؛ لمساهمته في انتشار علم المثلّثات الجديد في أوروبا[49].
- يوضح استعانة الأوروبيّين بأساليب الترميز الرياضيّ العربيّ، فمن كلمة «لا شيء» انتقلت إلى اللاتينيّة، التي أصبحت (xai) فنشأ عنها رمز x، وحرف R من كلمة (radix) للدلالة على «جذر» العربيّة...[50].
- يقول برنيت: إنّ دخول «الجبر» كعلم إلى أوروبا ظلّ مجهولًا إلى حين تمّت ترجمة كتاب الخوارزميّ سنة 1145م «المختصر في حساب الجبر والمقابلة».[51]
- يبرز برنيت خصوصيّة علم الفرائض في الإسلام وكيف ساهم في تطوير الكسور المصريّة، وقد انتقل هذا النظام إلى أوروبا من خلال الترجمات الإسبانيّة وأعمال فيوباتشي[52].
- يعرض برنيت كيف طوّر بنو موسى مشكلة اللامتناهي في الصغر: أسلوب التحليل الاستنفاديّ لأرخميدس، وكيف عمّم ثابت بن قرة هذا النظام، فأصبح منهجًا حديثًا في حساب التكامل سابقًا لأوانه، أتاح للغرب أن يطّلع على أسلوب من أدقّ أساليب الهندسة اليونانيّة[53]. كما أنّ مشكلة اللامتناهي الصغر، لم تبلغ الغرب عن طريق الرياضيّات وحسب، بل عن طريق الفلسفة، فقد ظهرت انتقادات بركلي بعد خمسة عقود؛ وذلك نتيجة لفكرة اللحظة عند الكنديّ في «الماهيّات الخمس»، أو حتّى في فقرة ما عند «أبراهام بار» عند تناوله للّامتجزّئات[54]...
في علم الفلك
- يوضح برنيت كيف أنّ أعمال «الزرقيال» كان لها الأثر في الثورة الفلكيّة في عصر النهضة[55].حيث رسم أنموذجًا شمسيًّا هو نفسه الذي استعمله فيما بعد كوبيرنيكوس[56].
- يشير برنيت إلى كتاب ابن الهيثم في علم الفلك «كتاب في هيئة العالم»، الذي كان موضع ترجمات إلى اللاتينيّة، وكيف مارس تأثيرًا على المؤلّفين في عصر النهضة، ولا سيّما على «بويرباخ»، ومن خلال هذا الأخير على «ريجيومونتانو» و«كوبيرنيكوس» و«راينهولد»[57].
- يذكر برنيت أنّ المصنّفات اللاتينيّة في علم الفلك، التي اشتقّت من أعمال الفرغانيّ والبتانيّ وابن الهيثم، اكتسبت شهرة فائقة في القرن الثالث عشر، فظلّت تستخدم كنصوص حتّى أواخر القرن السادس عشر في الجامعات الأوروبيّة[58].
 - يبرز برنيت مخطوطة التي تحمل رقم 225 في دير القدّيسة ماريا دي ريبول (Monasterio de Santa Maria de Ripoll) المحفوظة حاليًّا في سجلّات التاج اقليم أراكون (Archivo de la corona de Aragon)، والتي قام الأستاذ خوسي ميّاس بدراستها، تعدّ أقدم شهادة معروفة عن التأثير الإسلامي في العالم الغربيّ. كما يشير إلى أعمال «ماشاء الله» و«عبد الرحمان الصوفيّ» في صنع الإسطرلابات التي تمّ تبنّيها في مناطق محاذية للأندلس[59].
  - يوضح برنيت أهمّيّة تصحيحات ابن رشد، التي يعتقد بأنّها هي التي حملت «كوبيرنيكوس» على أن يفسّر حركة مجموع نظامنا الشمسيّ على نحو مخالف لما ذهب اليه أرسطو بطلموس. ويكون البطروجي تلميذ ابن رشد، هو من حاول أن يقترح تصوّرًا جديدًا في هذا الشأن[60]. كما أنّ نظريّته حول سقوط الأجسام انتشرت في أوروبا القرون الوسطى، وقد أثّرت على أفكار «توما الأكويني» و«دنز سكوت»، وغيرهما من الفلاسفة المدرسيّين. وقد وصلت أصداؤها في القرن السادس عشر إلى كتّاب إيطاليّين من أمثال «بِندتي» و«بورّو» سَلَفي «غاليليوس»[61].
- يؤكّد برنيت على اطّلاع «كلومبوس» من خلال «الفرْغاني» على ما حقّقته بيت الحكمة من إنجازات، أهمّهما معرفة قياس درجة من دائرة خطّ الطول...[62].
- يقول برنيت: إنّ من الجداول الفلكيّة التي كتب لها أن تكون ذات تأثير كبير على الغرب، على الأقلّ حتّى القرن السابع عشر، نجد جداول الفلكيّ المشرقيّ البتّانيّ[63].

وحتّى لا نطيل أكثر في سرد تفاصيل أخرى من استشهادات برنيت، كما سبق أن عرضناها في مجالي الرياضيّات وعلم الفلك، والتي تؤكّد على مدى تأثير العلم العربيّ في عصر النهضة الأوروبيّة، سنحاول أن نسرد أمثلة مختصرة لها علاقة ببقيّة المجالات العلميّة الأخرى التي تطرّق إليه كاتبنا.
ففي علم البصرّيات مثلًا، نجد ابن الهيثم ومساهماته الكبيرة في هذا المجال، بفضل «كتاب المناظر لذوي الأبصار والبصائر»، المترجم إلى اللاتينيّة من قبل جيراردو الكريموني، مثبتًا فيه الطبيعة الجسميّة للضوء، وأنّ مصدر ضوء القمر هو الشمس[64].
كما أنّ في مجال الزراعة، يذكّرنا بمؤلّف «ابن العوام» الذي ترجم إلى الإسبانية، ومن ثمّ إلى الفرنسيّة عند منتصف القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، مؤكّدًا أنّ هاتين الترجمتين قد أنجزتا ليس بدافع علميّ بحت، وإنّما لأغراض تطبيقيّة[65].

 أمّا في ميدان الملاحة، فلعلّ واحدة من أكبر الخدمات التي أسداها العرب للثقافة، يقول برنيت: تتجلّى في أنّهم نقلوا إلى الغرب مختلف العناصر التقنيّة في ميادين الهندسة البحريّة (الشِّراع اللاتينيّ ودَفّة القائم الخلفيّ في السفينة)، وعلم الفلك (تحديد الإحداثيّات)، والجغرافيا (الخرائط الملاحيّة)[66].

أمّا في مجال الطبّ، فإنّ برنيت يذكر بأهمّيّة أعمال ابن رشد، خصوصًا كتابه»الكلّيّات»، معتبرًا إيّاه، كما يقول «رودريكيث مولينو»، عملًا أنموذجيًّا بالنسبة لعصر النهضة[67]. كما قدّر كتاب ابن النفيس «شرح تشريح القانون لابن سينا» الذي عرض فيه أفكارًا سبقت بقرنين أفكار «سرفيت»، حسبما أثبته الطبيب المصريّ محي الدين التطاويّ عام 1924م، ويبدو أنّ اطّلاع سرفيت على نصّ ابن النفيس لا يقبل الدحض عند برنيت[68]، فضلًا على أنّ هناك مؤسّستين أخذهما الغرب اللاتينيّ، عن الطبّ العربي «مؤسّسة البيمارستان» ومؤسّسة «امتحان الأطبّاء» للحصول على ترخيص مزاولة مهنة الطبّ[69].
أمّا ميدان الفلسفة، فيبدو واضحًا أثر كتابات ابن رشد على الغرب اللاتنينيّ، إضافة إلى أسماء أخرى تركت بصمتها عليه، كالكنديّ وابن سبعين وابن سينا والغزاليّ والفارابيّ وآخرون[70]، مشيرًا إلى مدى تأثير الخلاف الفلسفيّ-الدينيّ بين «الغزالي» (تهافت الفلاسفة) و«ابن رشد» (تهافت التهافت) على كبار اللاهوتيّين، مثل الراهب الفرنسسكاني رامون يول، والراهب الدوميناكيرايمون مارتيفي الغرب اللاتينيّ[71].
قبل ختم هذا المحور، لا بدّ أن نشير هنا إلى نقطة في غاية الأهمّيّة، إنّ هذه الإنجازات الباهرة التي أظهرها برنيت، والتي عبّر عنها العلماء الأندلسيّون بالخصوص، فبغض النظر عمّا أشرنا إليه سابقًا من حضور البعد الهوياتيّ الإسبانيّ في هذا العنصر الأندلسيّ، فإنّ برنيت يذهب أبعد من ذلك عند محاولة ربط هذه الإنجازات بالنهضة الأوروبيّة؛ ذلك أنّه لولا العبقريّة العلميّة الإسبانيّة التي تجلّت في أولئك القدامى لَما عرفت أوروبا عامّة هذا التفوّق والازدهار بعد ذلك، إنّ إسبانيا كانت السبب وراء تقدّم الغرب كما كانت من حماة الأمّة الأوروبيّة. وعوض أن يعبّر برنيت عن ذلك صراحة، يقوم باستعارة شهادة المستشرق الإيطاليّ إنريكوسيروللي، الذي يقول:

 «إنّ إسبانيا، التي كانت الأولى بين الأمم المدافعة عن أوروبا المسيحيّة، خلال القرون السبعة من حروب الاسترداد، كانت الأولى أيضًا، التي احتضنت ونقلت إلى الغرب الأوروبيّ كثيرًا ما تلقّته، في العلاقات اليوميّة إبّان السلم والحرب، في حقل الثقافة والفنّ، من العالم المشرقيّ نفسه الذي كانت تجابهه في ساحة المعركة»[72].

خاتمة
عمومًا، تبقى هذه الاستشهادات من لدن خوان برنيت، تؤكّد العلاقات والروابط المميّزة التي تجمع بين العلم العربيّ وامتداداته اللاتينيّة بدءًا من القرن الثاني عشر حتّى القرن السابع عشر. لذلك يذهب البروفسور رشدي راشد إلى التأكيد على أنّ أبحاثًا لاتينيّة متقدّمة، لا يمكن أن تُقدَّر حقّ قدرها إذا لم نرجع إلى أصولها العربيّة، مثل أبحاث «فيوباتشي» و«جوردان دونيمور» في الرياضيّات؛ إذ لا بدّ من الرجوع إلى أعمال الخوارزميّ وأبي كامل؛ وأمّا أعمال «ويتلو» و«ثيودوريك دو فريبرغ» في البصريّات، فلا بدّ من الرجوع إلى ابن الهيثم[73]. لكنّه يستدرك، حتّى لا يفهم كلامه خطأ، أنّه ليس من شأن الإلمام الجيّد بالعلم العربيّ النيل من تجديد «كبلر» في علم الفلك، و«غاليليو» في علم الحركة، وغيرهما في نظريّة الأعداد، بل على العكس من ذلك، فإنّه يساعد على تحديد موقع هذا التجديد بمزيد من الدقّة؛ لاستيعاب أعمق للنشاطات العلميّة التي عرفها ذلك القرن العظيم والقرن الذي سبقه[74]. هكذا يخلص رشدي إلى أنّ الاهتمام بتاريخ العلم العربيّ سيحقّق مهمّتين أساسيّتين: من جهة، فتح الطريق أمام فهم حقيقيّ لتاريخ العلم الكلاسيكيّ بين القرنين التاسع والقرن السابع عشر، ومن جهة ثانية، وهي مهمّة جدًّا كذلك، يتعلّق الأمر بالإسهام في معرفة الثقافة الإسلاميّة نفسها، وذلك بأن يعيد لها بعدًا ما انفكّ من أبعادها، هو بعد الثقافة العلميّة.

وبإمكاننا أن نضيف هدفًا آخر، أشرنا إليه في مقدّمة هذه المقالة، هو أنّ تاريخ العلم العربيّ يمكن أن يذيب ذلك الخلاف الثقافيّ والدينيّ الشائكين بين الشرق والغرب سعيًا نحو تقارب ثنائيّ أفضل بعيد عن منطق الهيمنة والغطرسة.

إنّ ذلك سيتأتّى من ناحيتين على الأقلّ: فمن الناحية الأولى، يتعلّق الأمر بالغرب نفسه، فعند إدراك الغرب أنّ المكانة التي وصل إليها لم يكن مجهودًا خاصًّا به وحده، وكأنّه انطلق لتحقيق ذلك من فراغ، بل ممّا أسداه العربيّ والمسلم من خدمات علميّة جليلة، كانت كفيلة أن ترفع من قيمته وهامته. وفي هذا الصدد، يقول جورج سارتون: «الذين يقفون موقف الاستيحاش والغلظة تلقاء الشرق، ويذهبون مذهب الغلوّ الفاحش بما للحضارة الغربيّة من حسنات، أشبه بألّا يكون العلم قد دخل في صدورهم. إنّ أكثرهم إمّا أن يكونوا على غير معرفة بالعلم، وإمّا على غير فهم له، وبذلك لا يستحقّون ذلك الاستعلاء الذي يفخرون به ويبالغون في الفخر به، والذي سوف تقضى عليه وشيكًا نزواتهم المتضاربة المتعارضة، إذا ما تركوا أنفسهم وأطلقوا لها العنان»[75]. ومن باب الدفاع عن الحقيقة التاريخيّة، يؤكّد سارتون على أنّ بروز العلم بما في ذلك أسلوب التجربة الرياضيّ، بل بروز كلّ صور العلم  قد جاءت من الشرق، وأنّ الأمم الشرقيّة، أي العربيّة والإسلاميّة، هي التي حملت عبء ترتيبها خلال العصور الوسطى، لذلك لا يكون الأسلوب التجريبيّ من مستولدات الغرب وحده، بل من مستولدات الشرق أيضًا، حيث الشرق أمّه والغرب أبوه[76]. ويرى أيضًا، وهو المتضلّع في تاريخ الحضارات القديمة أنّ أساس العلم اليونانيّ كان في جملته شرقيًّا، وأنّه مهما يكن من عمق العبقريّة اليونانيّة، فإنّه من المحقّق الثابت أنّها ما كانت لتشيّد من شيء يبلغ مبلغ الإضافات التي أنجزتها من غير ذلك الأساس[77]. لذلك تبقى الحاجة إلى غير الضرورة تقتضي الاعتراف بما قدّمه وساهم في بناء معالم الحضارة الإنسانيّة لخدمة نفس هذا النوع الإنساني: «إنّي على تمام اليقين أنّ الغرب لا يزال يحتاج إلى الشرق اليوم، بقدر ما يحتاج الشرق للغرب»[78].

ومن جهة ثانية، يتعلّق الأمر بنا نحن أهل الشرق. إنّ تاريخ العلم العربيّ، لا ينبغي أن يتخذ اهتمامنا بهم وقفًا مَرضيًّا، نخفي معاناة واقعنا المعاصر بالهروب إلى ماض حافل بالمجد والإنجازات العلميّة، وإنمّا يلزم الاهتمام به، ليكون تحفيزًا لنا على تحرير نفس العقل الذي تشرّب قبل قرون ثقافة علميّة، عرفت كيف تتسلّق مدارج التفوّق والتقدّم والازدهار، باستيعابها لعلوم الأوائل، وتوفيقها مع الخصوصيّات الاجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة، مع اتسامه بالتسامح المطلوب مع الآخر، فلم يكن ذلك العقل أنانيًّا، بل كان «غيريًّا» فتح كلّ أبوابه من أجل أن يستفيد منه من تجربته وخبرته الغير، المختلف معه من حيث الهويّة والانتماء.

إنّ التقارب بين الشرق والغرب يمكن يتأتّى عن طريق دراسة تاريخ العلوم العربيّة، وذلك بمعرفة الغرب الحقيقة التي كان يمثّلها التاريخ العلميّ العربيّ الإسلاميّ تاريخيًّا، لا كما يصوّره بعض المستشرقين في صورة تبخيس وتنقيص،كما يتأتّى أيضًا إذا عرف الشرقُ أنّه جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ العلميّ البشريّ وحلقة من حلقاته، لفكّ عقدة الانكسار الذي يعاني منه منذ قرون، من أجل المساهمة في الفكر الإنسانيّ العلميّ العالميّ. نعتقد أنّ المدرسة الكتالونيّة التي تناولتها هذه الدراسة في شخص البروفسور خوان برنيت أحد روّادها، والتي هي امتداد لمدرسة جورج سارتون قد اضطلعت بهذه المهمّة الإنسانيّة العظيمة.

لائحة المصادر والمراجع

بنّاصر البوعزاتي، الفكر العلميّ والثقافة الإسلاميّة، دار الأمان، الرباط، 2005.
جورج سارتون، تاريخ العلوم والإنسيّة الجديدة، ترجمة وتقديم: إسماعيل مطهّر، مؤسّسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة - نيويورك، 1961.
حنّا الفاخوريّ، خليل الجرّ، تاريخ الفلسفة العربيّة، الجزء الثاني، الفلسفة العربيّة في الشرق والغرب. دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، 1972.
خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005.
خوان برنيت، فضل الأندلس على الغرب، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا.
رشدي راشد، موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، علم الفلك النظريّ والتطبيقيّ. مركز الدراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثانية.
صاحب كتاب الثورة «بنية الثورات العلميّة»، ترجمة: حيدر حاج إسماعيل، مركز الدراسات العربيّة، بيروت، 2007.
كتاب الدكتور عبد الواحد العسري: الإسلام في تصوّرات الاستشراق الإسبانيّ. ومقالة عبد الكريم بولعيون: «أوراق في الاستشراق»، الحوار المتمدّن، العدد 6203.
مقالة فرنسيسكو جابرييل، منشورة في مجلّة «إزيس» تحت رقم: (1921; Isis; 6; 151).
يمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت.



لائحة المصادر بالأجنبيّة
B, Ana. S, Edna. M, Sergio 2001, Filosofيa e historia de la biologيa. Publicaciones y Fomento Editorial.
Josep M. Millàs Vallicrosa; George Sarton y la historia de la ciencia oriental; ISIS; Volume 48; Part 3; Number 153; september 1957.
Rius Piniés; QURTUBA Y LA CIENCIA MEDIEVAL. REMINISCENCIAS DEL PASADO EN EL PRESENTE Mٍnica  AWRAQ n.؛ 7. 2013.
  Thomas F. Glick; traducciَ catalana Mercé Viladrich; George Sarton i la histٍria de la ciència a Espanya. Barcelona, Consejo Superior de Investigaciones Cientيficas, 1990.
 Thomas F. Glick; traducciَ catalana MercéViladrich; George Sarton i la histٍria de la ciència a Espanya. Barcelona, Consejo Superior de Investigaciones Cientيficas, 1990.

----------------------------
[1]*. باحث من المغرب.
[2]- يمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص15.
[3]- يمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص16 و 17 و 18.
B, Ana. S, Edna. M, Sergio 2001, Filosofيa e historia de la biologيa. Publicaciones y Fomento Editorial. P34.
[4]- مقالة فرنسيسكو جابرييل منشورة في مجلّة «إزيس» تحت رقم، (1921; Isis; 6; 151).
[5]- Thomas F. Glick; traducciَ catalana Mercé Viladrich; George Sarton i la histٍria de la ciència a Espanya. Barcelona, Consejo Superior de Investigaciones Cientيficas, 1990. P13
[6]- Thomas F. Glick; traducciَ catalana Mercé Viladrich، p15.
[7]- المرجع نفسه، ص10.
[8]- Thomas F. Glick; traducciَ catalana Mercé Viladrich; George Sarton i la histٍria de la ciència a Espanya. Barcelona, Consejo Superior de Investigaciones Cientيficas, 1990. P12.
[9]- المرجع نفسه، ص13 .
[10]- المرجع نفسه، ص14.
[11]- Thomas F. Glick; traducciَ catalana Mercé Viladrich;، p16 .
[12]- Josep M. Millàs Vallicrosa; George Sarton y la historia de la ciencia oriental; ISIS; Volume 48; Part 3; Number 153; september 1957; p315- 319.
[13]- Josep M. Millàs Vallicrosa; George Sarton y la historia de la ciencia oriental، p315- 319.
[14]- Rius Piniés; QURTUBA Y LA CIENCIA MEDIEVAL. REMINISCENCIAS DEL PASADO EN EL PRESENTE Mٍnica  AWRAQ n.؛ 7. 2013.
[15]- رشدي راشد، موسوعة تاريخ العلوم العربية، الجزء الأوّل، علم الفلك النظريّ والتطبيقيّ. مركز الدراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثانية، ص13.
[16]- رشدي راشد، موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، علم الفلك النظريّ والتطبيقيّ. مركز الدراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثانية، ص15.
[17]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص3.
[18]- حنّا الفاخوري، خليل الجرّ، تاريخ الفلسفة العربيّة، الجزء الثاني، الفلسفة العربيّة في الشرق والغرب. دار الجيل بيروت، الطبعة الثانية، 1972، ص20.
[19]- بنّاصر البوعزاتي، الفكر العلميّ والثقافة الإسلاميّة، دار الأمان الرباط، ص2015 .
[20]- المرجع نفسه، ص133-134.
[21]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص125.
[22]- المرجع نفسه، ص23.
[23]- المرجع نفسه، ص28.
[24]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص130.
[25]- المرجع نفسه، ص128.
[26]- بنّاصر البوعزاتي، الفكر العلميّ والثقافة الإسلاميّة، دار الأمان، الرباط 205، ص133 و 134.
[27]- حنّا الفاخوري، خليل الجرّ، تاريخ  الفلسفة العربيّة، الجزء الثاني، الفلسفة العربيّة في الشرق والغرب. دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، 1972، ص26 .
[28]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص30 .
[29]- للمزيد من التعرّف على خصوصيّة الاستشراق الإسبانيّ، انظر: كتاب الدكتور عبد الواحد العسري: الإسلام في تصوّرات الاستشراق الإسبانيّ. ومقالة عبد الكريم بولعيون: «أوراق في الاستشراق»، الحوار المتمدّن، العدد 6203.
[30]- خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005، ص353.
[31]- المرجع نفسه، ص362.
[32]- المرجع نفسه، ص365.
[33]- خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005، ص369 .
[34]- المرجع نفسه، ص390.
[35]- المرجع نفسه، ص377 .
[36]- خوان برنيت، فضل الأندلس على الغرب، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص76.
[37]- المرجع نفسه، ص78.
[38]- خوان برنيت، فضل الأندلس على الغرب، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص79.
[39]- خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005، ص394-395.
[40]- المرجع نفسه، ص395.
[41]- المرجع نفسه، ص396.
[42]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص84.
[43]- المرجع نفسه، ص131.
[44]- المرجع نفسه، ص172
[45]- صاحب كتاب الثورة «بنية الثورات العلميّة»، ترجمة: حيدر حاج إسماعيل، مركز الدراسات العربيّة، بيروت، 2007.
[46]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص22.
[47]-  خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، ص193.
[48]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص202.
[49]- خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005، ص390.
[50]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص213.
[51]- المرجع نفسه، ص194.
[52]- المرجع نفسه، ص199.
[53]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، ص200.
[54]-   خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص202.
[55]- المرجع نفسه، ص75.
[56]- خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005، ص380.
[57]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص274.
[58]- المرجع نفسه، ص276.
[59]-  خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص169.
[60]- المرجع نفسه، ص79.
[61]- خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005، ص394-395.
[62]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص23.
[63]- المرجع نفسه، ص216.
[64]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا ص370.
[65]- خوان برنيت - خوليو سامسو، تطوّرات العلم العربيّ بالأندلس. موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، إشراف: رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربيّة، مؤسّسة عبد الحميد شومان. الطبعة الثانية، 2005، ص385.
[66]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص333.
[67]- خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، إشبيلية للدراسات للنشر والتوزيع، دمشق، ترجمة: نهاد رضا، ص366.
[68]- المرجع نفسه، ص370.
[69]- المرجع نفسه، ص378.
[70]-  المرجع نفسه، ص183-186 .
[71]- المرجع نفسه، ص79.
[72]-  خوان برنيت، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، ص6.
[73]- رشدي راشد، موسوعة تاريخ العلوم العربيّة، الجزء الأوّل، علم الفلك النظريّ والتطبيقيّ. مركز الدراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثانية، ص17.
[74]- المرجع نفسه، ص17.
[75]- جورج سارتون، تاريخ العلوم والإنسيّة الجديدة، ترجمة وتقديم: إسماعيل مطهّر، مؤسّسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة - نيويورك، 1961، ص190.
[76]-  المرجع نفسه، ص188.
[77]- المرجع نفسه، ص188.
[78]-  المرجع نفسه، ص188.