البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

أصالة الشعر الجاهليّ بين نولدكه وآلڤرت ولايل ومارگلياث قراءة نقديّة مقارنة في الأصول

الباحث :  د. هلال محمّد جهاد
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  30
السنة :  ربيع 2022م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 25 / 2022
عدد زيارات البحث :  5012
تحميل  ( 638.805 KB )
المُلخَّص:
يناقش البحث المواقف الرياديّة لأربعة من كبار ممثّلي العصر الكلاسيكيّ للاستشراق، من مشكلة ما تزال تشغل المتخصّصين في الشعر العربيّ القديم، وهي مدى أصالة هذا الشعر، وذلك من خلال الرجوع إلى المصادر الأصليّة لهؤلاء المستشرقين من دراسات نشروها خلال ما يقرب من ستّين سنة بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وكانت نوعًا من الحوار المعرفيّ الذي يهدف إلى إثارة الأسئلة ومحاولة البحث عن إجابات لها. وقد استند البحث إلى منظور نقديّ مقارن، حاول أوّلًا أن يحدّد القيمة العلميّة لجهود هؤلاء المستشرقين، وقارن بينها من حيث المبادئ والطروحات والأهداف. وقد توصّل البحث إلى نتيجة أساسيّة، هي: أنّ هؤلاء المستشرقين الأربعة اتّفقوا على أهمّيّة الأسئلة المطروحة حول المشكلة، لكنّهم اختلفوا في زوايا النظر إليها والحلول التي وضعوها لها، وأخيرًا، في أهدافهم من دراستها.

الكلمات المفتاحيّة: الأصالة، الشعر العربيّ القديم، قراءة مقارنة، المستشرقون.

المقدّمة
في هامش الصفحة الأولى من مقالة ديڤد سامويل مارگلياث الشهيرة عربيًّا (The Origins of Arabic Poetry/ أصول الشعر العربيّ، 1925م)، ثمّة ملاحظة تنطوي على نوع من اللوم يوجّهه مارگلياث إلى چارلز جيكوب لايل شيخ المستشرقين الإنگليز على ثقته المفرطة في الرواة، وإلى ڤيلهلم آلڤرت المستشرق الألمانيّ على تردّده في اتخاذ موقف حاسم من أصالة الشعر الجاهليّ[2]. هذه الملاحظة لم ينتبه الدفاعيّون العرب -ممّن ترجم مقالة مارگلياث أو تولّى الردّ عليها- إلى أهمّيّتها الحاسمة، فهي ليست ملاحظة عابرة، بل تعني أنّ مارگلياث كتب مقالته ردًّا على مواقف الاثنين من أصالة الشعر الجاهليّ.

يترتّب على هذا، أنّ الفهم الدقيق لمقالة مارگلياث يتطلّب وضعها في سياقها المعرفيّ، واستحضار مواقف لايل وآلڤرت من أجل إلقاء الضوء على جهود هؤلاء المستشرقين الثلاثة، إضافة إلى موقف شيخ المستشرقين الألمان تيودور نولدكه، الذي امتدّ تأثير دراساته ومواقفه إلى هؤلاء الثلاثة من قضيّة أصالة الشعر الجاهليّ التي ما زالت تشغل دارسي الأدب العربيّ القديم حتّى اليوم، وتحليل مواقفهم بوصفها حوارًا معرفيًّا هدفه تنمية المعرفة التاريخيّة بالشعر العربيّ من منظور نقديّ مقارن.

المناقشة

1. تيودور نولدكه (ت: 1930م) وڤيلهلم آلڤرت (وليم بن الورد البروسي، ت: 1909م)
فرضت مشكلة أصالة الشعر الجاهلي نفسها بقوّة على دارسي الأدب العربيّ القديم من المستشرقين منذ وقت مبكر يعود إلى أوائل القرن التاسع عشر. ولعلّ المستشرق الفرنسيّ سلفستر دي ساسي (ت: 1838م) كان أوّل من اهتمّ بهذه المشكلة؛ إذ نشر في عام 1826م كتابًا موسّعًا، بعنوان عربيّ: (كتاب الأنيس المفيد للطالب المستفيد وجامع الشذور من المنظوم ومنثور)، ضمن سلسلة (Chrestomathie arabe)، تتضمّن دراسات وتحقيقات وترجمات لنصوص عربيّة متنوّعة، منها مثلًا: لامية العرب للشنفرى، فضلًا عن قصيدتين للنابغة والأعشى ميمون بن قيس، وكان من ضمن ملاحظاته على هذه القصائد: التنبيه على الإشكالات التي تثيرها مصادرها الشفاهيّة الأصليّة، مثل: الأصالة واختلاف الروايات[3].

لكنّ المستشرق الألمانيّ تيودور نولدكه (ت: 1930م) وبتأثير مباشر من دي ساسي، سينتقل بالبحث في هذه المشكلة خطوة حاسمة ستثير اهتمام بعض المستشرقين الألمان والإنگليز بعده؛ ذلك أنّه كان أوّل مستشرق أوروبيّ يطرح هذه المشكلة بشكل علميّ تاريخيّ ومن منظور نقديّ، في كتابه (مساهمات في معرفة أشعار العرب القدماء، هانوڤر 1864م) وهو عبارة عن دراسات منفصلة حول الأدب العربيّ القديم[4]، قدّم لها بفصل مهمّ، عنوانه: «عن تاريخ الشعر العربيّ القديم ونقده».
في هذا الفصل، يطرح نولدكه قضيّة مهمّة لا تخصّ الشعر المزيّف الذي أشار إليه ابن سلام الجمحيّ (ت: 231هـ) في مقدّمة كتابه: طبقات فحول الشعراء، ونبّه عليه، وبيّن أسباب المشكلة، ووضع الحلّ لها فحسب[5]، بل مشكلة أخرى تتعلّق بتغيّر الشعر الأصيل عن صورته الأصليّة. فمن وجهة نظر نولدكه: «لا شكّ في أنّ بقايا الشعر العربيّ القديم، كما هي عندنا الآن، تختلف بشدّة عن هيأتها الأصلية. فأدبُ أيّ شعب لا يمكن أن يبقى على هيأته الأصليّة زمنًا طويلًا من دون مساعدة الكتابة... ولأنّ القصائد ظلّت حيّة في أفواه الناس، فقد كانت عرضة لما يصيب أيّ أدب شعبيّ (شفاهيّ)؛ إذ إنّ ذاكرة العرب مهما كانت من القوّة، كما هو الحال لدى كلّ الشعوب الموهوبة التي لا تعرف الكتابة إلا نادرًا، فلن تتمكّن من الحيلولة دون حدوث تغييرات تدريجيّة شديدة في محفوظاتها»[6].

يبيّن نولدكه هنا، أنّ السبب الرئيس للتغيير الذي أصاب الشعر العربيّ القديم يرجع إلى كونه نتاج ثقافة شفاهيّة تأليفًا وحفظًا، ثمّ يفصل البحث في العوامل التي أدّت إلى هذا التغيير ضرورة، وهي كما نستنتجها من ثنايا بحثه:

1- الثروة الهائلة التي تملكها اللغة العربيّة من المفردات وظاهرة الترادف، أدّت إلى حلول الكلمات محلّ بعضها، الأمر الذي ترتّب عليه اختلاف الروايات.
2- ضعف بناء القصيدة العربيّة، أدّى إلى سقوط أبيات من القصائد أو اختلاف الترتيب، أو إلى تداخل القصائد المتشابهة في الوزن والقافية والموضوع.
3- ذوق جمّاعي الشعر الذين قاموا بحفظ ما كانوا يرونه مهمًّا وأساسيًّا من أيّة قصيدة، وترك المقدّمات أو الأبيات غير المهمّة من وجهة نظرهم، وهذا أدّى إلى ضياع الصور الأصليّة لكثير من القصائد، ولم يبق منها إلا قطع في بعض الأحيان.
4- حرص الرواة واللغويّين على توحيد لغة الشعر وتخليصه من آثار اللهجات القبَليّة وتدوينه باللغة الموحّدة (الفصحى) إلّا في حالات غاية في الندرة.

5- التغيير لأسباب دينيّة، حيث قام الرواة -وهم وجمهورهم مسلمون- بحذف كلّ ما له علاقة بالديانة الوثنيّة من أسماء الآلهة والعبادات والطقوس والمعتقدات، تحرّجا من ذكر الشرك. ومن مظاهر هذا التغيير: أن يعمد الرواة إلى تغيير أسماء الآلهة الوثنيّة إلى لفظ الجلالة (الله) أو الرحمن أو غير ذلك من الأسماء الإسلاميّة.

أمّا فيما يتعلّق بالوجه الآخر للمشكلة، والذي يتمثّل بتزييف الشعر، فقد بيّن تيودور نولدكه أنّ بعض الشعراء المتأخّرين:

نحلوا قصائدهم شعراء جاهليّين لينالوا القبول والحظوة، وانتُحلت قصائد كاملة أو أبيات مفردة إمّا لغرض وعظيّ أو تعليميّ أو تمجيدًا لقبيلة معيّنة أو الحطّ من شأنها، ثمّ أضيفت إلى قصائد أصيلة. ولم تكن المصلحة الشخصيّة الدافع الوحيد وراء هذا الفعل؛ فقد أراد بعض الرواة إضفاء طابع من التشويق على أخبارهم التاريخيّة بقطع شعريّة يزيّنونها بها، ونحلوها الأشخاص الذين يذكرونهم في هذه الأخبار، كما أنّ بعض رواة الشعر لم يستطيعوا مقاومة إغراء أن يقحموا بعض أشعارهم التي قاموا بنظمها في قصائد أصيلة، معتقدين بأنّ أبياتهم جديرة بأن تحمل اسم شاعر قديم[7].

وإزاء هذه المشكلة بوجهيها، حاول تيودور نولدكه أن يضع حلًّا علميًّا، ودعا الباحثين إلى تطبيقه على نطاق واسع، وهذا الحلّ يقوم على ما يلي:

1- اتخاذ الموقف العلميّ المتثبت المبنيّ على البحث والمناقشة، من الأخبار والقصص والأساطير التي بنيت على سوء فهم الشُّرّاح والرواة لبعض الأبيات، وأدّت في بعض الأحيان إلى إضافة الأبيات وتطويل بعض القصائد أو تزييف بعضها الآخر دعمًا للقصة أو الخبر أو الأسطورة.
2- الدراسة المفصّلة لأساليب الشعراء، حتّى يتمّ التوصّل إلى ملامح أسلوبيّة عامّة لكلّ شاعر ممّا يكفل تأكيد الصحيح له، واستبعاد المنحول أو المضاف إلى شعره.
3- المقابلة بين الروايات المختلفة للقصيدة الواحدة إذا توفّرت، وملاحظة الاختلافات والاتفاقات بينها، حتّى يمكن الوصول إلى أقرب صورة ممكنة من صورتها الأصليّة.
4- توظيف المعرفة التاريخيّة والسياسيّة والدينيّة في الحكم على مضامين القصائد، من حيث الأصالة والتزييف، والاستهداء بأحكام الموثوق بهم من النقّاد والرواة والعلماء العرب القدامى بهذا الشأن.

لكن تيودور نولدكه يختم تحليلاته، بالقول: «ومهما يكن التشويه الذي أصاب نصوص القصائد القديمة، والاضطراب الذي تعرّضت له روايتها، إلّا أنّ روحًا قويّة تهبّ من ثناياها، بحيث يمكن للمرء أن يدرك أنّ قوّة شعر الصحراء العربيّ وجماله لم يضيعا»[8]. ومفاد هذه النتيجة: أنّ تيودور نولدكه وهو يدرس الشعر العربيّ القديم من منظور التاريخ الحديث، يقرّ بما يفرضه المنطق العلميّ والحقائق التاريخيّة التي تحيط بالشعر العربيّ القديم، مستنتجًا أنّ هذا الشعر قد تعرّض للتغيير والتحريف والاضطراب بشكل نسبيّ، مبيّنًا الأسباب والعوامل التي أدّت إلى ذلك.

من الصعب الاعتراض على طروحات تيودور نولدكه وموقفه من أصالة الشعر الجاهليّ حتّى الصحيح منه؛ ذلك أنّ هذه القضيّة ظلّت الشغل الشاغل للمتخصّصين بالشعر الجاهليّ مدّة طويلة استغرقت أكثر من مئة سنة بين القرنين التاسع عشر والعشرين، والأسئلة التي أثارها تيودور نولدكه ما زالت لم تصل إلى إجاباتها النهائيّة الحاسمة. فلو سلّمنا بما ذهب إليه الجاحظ مثلًا من أنّ عمر الشعر يرجع إلى مئتي سنة قبل الإسلام في أقصى حدّ[9]، فنحن بإزاء ما لا يقلّ عن اثني عشر جيلًا من الشعراء والرواة وعامّة الناس الذين تنقّل بينهم شعر شفاهيّ التأليف والحفظ، وأثّرت فيه أحيانًا عوامل سياسيّة ودينيّة واجتماعيّة، إضافة إلى عوامل الوهم والخلط والنسيان، ممّا يعتري الذاكرة البشريّة. وعندما وصل إلى عصر التدوين، كان هناك عوامل أخرى أثّرت على هذه المرويّات بشكل أو بآخر، ولعلّ أهمّها: عامل التنافس بين مدرستين نشأتا في بيئة سياسيّة واجتماعيّة، ولكلّ منهما اهتماماتها وأهدافها التي لا تقتصر على الجانب المعرفيّ الثقافيّ في التعامل مع هذه المرويّات. لكنّ هذا الشعر وفقًا لما ختم به تيودور نولدكه دراسته، يظلّ رغم كلّ هذه الأسئلة عن مدى ما تعرّض له من تغييرات، يحتفظ بخصائص مميّزة تكشف عن أصالته، وبالتالي، فإنّ الثقة به مبرّرة ومقبولة إلى حدّ كبير لمعرفة طبيعة الشعر العربيّ القديم وقيمته الفنّيّة والإنسانيّة.

في هذا السياق، يأتي المستشرق ڤيلهلم آلڤرت (الذي كان يسمّي نفسه على طريقة العرب وليم بن الورد البروسي) ليطرح موقفه من هذه المشكلة مجدّدًا. كان آلڤرت يشارك نولدكة شغفه بالشعر العربيّ القديم، فكانت أولى دراساته التي نشرها عن الشعر العربيّ دراسة من ثلاثة فصول، عنوانها: (عن شعر العرب وصنعته، كوته، 1856م) تناول فيه اهتمام العرب بالشعر، وأغراض الشعر العربيّ، وتقييم العرب للشعر وأحكامهم عليه. وقد كتب آلڤرت هذا الكتاب بأسلوب واضح الحماس والشغف بالشعر العربيّ وقيمته عند العرب. لكنّه طرح سؤالًا رياديًّا عن مسألة ستشغل بعض الدارسين الألمان لاحقًا، وهي المتعلّقة بالشعر العربيّ كنوع أدبيّ، وقد بيّن في دراسته هذه أنّ تقسيم الشعر إلى أنواعه المعروفة غربيًّا، وهي: الغنائيّ والملحميّ والمسرحيّ، تبدو غريبة بالنسبة للشعر العربيّ، أي أنّ له خصوصيّة تجب مراعاتها عند دراسته، ولا تصحّ مقارنته بأشعار الأمم الأخرى حتّى الهنديّة والفارسيّة. وقد حاول تفسير عدم معرفة العرب بالشعر الملحميّ والمسرحيّ، وتوصّل إلى أنّ السبب في ذلك: طغيان الروح الفرديّة عندهم وذاتيّتهم التي جعلتهم يعبّرون عن اهتمامات ذاتيّة من خلال الغنائيّة التي تركّز على الزمن الحاضر، فمنعهم ذلك من التمثّل الموضوعيّ للأشخاص والأحداث والتاريخ الذي يشكّل الأساس للشعر الملحميّ والمسرحيّ[10]. إلّا أنّه يعود ليستنتج أنّ الشعر العربيّ امتاز بالغنى والتنوّع في تطوّره من حيث الموضوعات والأشكال الفنيّة، وعكس عقليّة العرب وطريقتهم المتفرّدة في التفكير ونظرتهم إلى الحياة. وختم آلڤرت دراسته بالقول: إنّ هدفه منها كان التأكيد على أنّ دراسة هذا الشعر المتفرّد في شكله ومضامينه ستكون مفيدة لنا (الألمان) في أكثر من وجه[11].

من أهمّ منجزات آلڤرت: تحقيقه لأشعار ستّة شعراء جاهليّين برواية الأعلم الشنتمري (ت: 476هـ) عن الأصمعيّ (ت: 216هـ)، الذي سمّاه: العقد الثمين في دواوين الشعراء الستّة الجاهليّين (لندن، 1870م). ويبدو أنّ مشكلة أصالة الشعر الجاهليّ كانت تشغله أثناء عمله في تحقيق هذه الدواوين، لذلك نجده يخصّص فصلًا موسّعًا لاختلاف روايات الأشعار عن طريق المقابلة بين المخطوطات التي اعتمد عليها في التحقيق[12]، فضلًا عن تخصيصه ثلاثة فصول للمقارنة بين القصائد من حيث عدد الأبيات وترتيبها بين النسخ المخطوطة[13]، وبيان بالقصائد التي حكم عليها الأعلم بأنّها منحولة بناء على رأي الأصمعيّ[14]. ويعكس هذا الجهد في التحقيق وعيًا عميقًا بالمشكلتين الأساسيّتين اللتين تحيطان بالشعر الجاهليّ؛ النحل والتغيّر عن الصورة الأصليّة بالمنظور الذي طرحه نولدكه سابقًا.

ويبدو أنّ آلڤرت ظلّ مشغولًا بهذه المشكلة، وشعر أنّه لم يوفّها حقّها من البحث والدراسة، فنشر بعد ذلك بسنتين، دراسة موسّعة بعنوان: ملاحظات حول أصالة القصائد العربيّة القديمة، (گرايڤسڤالد، 1872م). هذه الدراسة المهمّة التي تعدّ إكمالًا لجهد تيودور نولدكه وتجاوزًا له بخطوة واسعة نحو إثارة المزيد من الأسئلة، تنقسم إلى ثلاثة فصول، أوّلها، عنوانه: (عن أصالة القصائد العربيّة القديمة بشكل عامّ)، وهو فصل لا يقلّ أهمّيّة وخطورة عن بحث مارگلياث وسبقة بأكثر من خمسين سنة، لكنّه لم يحظَ باهتمام الدفاعيّين العرب الذين عنوا بمناقشة «شبهات» التشكيك بأصالة الشعر العربيّ والردّ عليها، ولهذا سنحاول هنا تحليل دراسته هذه بشيء من التفصيل، كي نفهم طبيعة اللوم الذي وجّهه إليه مارگلياث.

يتساءل آلڤرت في بداية هذا الفصل عمّا إذا كان لدينا سبب للشكّ في أصالة القصائد العربيّة القديمة وإلى أيّ مدى يكون هذا الشكّ[15]؟ وهذا التساؤل يؤسّس المسوّغ العلميّ والموضوعيّ للبحث في قضيّة شائكة لا يبدو أنّ لها حلًّا إلى اليوم. ومن وجهة نظر آلڤرت، تتوقّف الإجابة على مستوى معرفة المرء بتاريخ الأدب العربيّ، وخبرته العمليّة بنصوصه ومصادره، ومستوى ذكائه وقدرته على التركيب. ينتقل بعد ذلك إلى رصد ما في مصادر الشعر العربيّ مثل حماسة أبي تمّام (ت: 231هـ) أو كتاب الأغاني للأصفهانيّ (ت:356هـ)، أو كتاب شرح شواهد المغني للسيوطيّ (ت: 911هـ)، من قصائد كثيرة تنسب أحيانًا إلى أكثر من شاعر، والشكّ فيها يفرض نفسه بالنظر إلى انتقالها عبر أفواه الرواة لمدّة تزيد على مئة وخمسين سنة، وكانت لذلك عرضة لأخطاء عفويّة أو تزييفات مقصودة. ولذلك عندما يحاول الإجابة عن سؤاله الاستهلاليّ، فإنّه يطرح سؤالين آخرين، هما: لماذا جمعت القصائد القديمة؟ وكيف؟
يبيّن آلڤرت أنّ الحاجة إلى تفسير النصوص الدينيّة الإسلاميّة، ثمّ الحاجة إلى الشواهد اللغويّة والنحويّة هي التي دفعت العلماء العرب إلى جمع الشعر القديم وتدوينه، وهذه مسألة طبيعيّة تأتي في السياق العامّ لبناء المعرفة الدينيّة واللغويّة والهويّة الثقافيّة للعرب والمسلمين في القرون الأولى للإسلام، لكنّ كيفيّة ذلك هي التي ستثير الجدل دائمًا؛ لأنّ الموضوع سينفتح على الرواة ودورهم الخطير ليس في نقل الشعر والأخبار التي تتصل به والحفاظ على إرث عصر بأكمله كان سيضيع لولاهم فحسب، بل في تدخلهم في إعادة صياغة المرويّات وتحويرها وحتّى تزييفها. فقد كان على العلماء اللجوء إلى الرواة في عصر بعيد عن زمن تأليف الأشعار وفي بيئة حضريّة بعيدة عن بيئتها البدويّة، مع تناقص أعداد هؤلاء الرواة بالموت والقتل في حروب الفتوح (وهو هنا يشير إلى ملاحظة ابن سلّام في مقدّمته). ومن وجهة نظر آلڤرت، لم يكن هؤلاء الرواة الذين كانوا قد تمرّسوا بطرق تأليف الشعر القديم وأساليبه ولغته، بريئين من الأهواء والغرور والتباهي والوهم والخلط بحيث إنّهم غيّروا في محفوظاتهم بدرجة تزيد أو تنقص تبعًا للظروف المحيطة بكلّ حالة. هذه الأحكام التي يصدرها آلڤرت على الرواة تصدر عن منظور نقديّ كما يقول، وبالتالي فهو يرى أنّ هذه المشكلة ترجع إلى العصر الجاهليّ نفسه، مفترضًا أنّ رواة الشعراء الذين صاروا شعراء بدورهم، تلاعبوا على نحو ما بما كانوا يحفظونه لأساتذتهم؛ وذلك اعتدادًا بموهبتهم، ويضرب مثلًا على ذلك: امرأ القيس، الذي كان راوية لأبي دؤاد الإيادي، وهو شاعر مغمور اشتهر بوصف الخيل، وكأنّ آلڤرت يلمّح هنا إلى إمكانيّة استيلاء امرئ القيس على بعض أوصافه للخيل، إن لم يكن الرواة مسؤولين عن الخلط بين شعر الاثنين[16]. وكذلك فعل رواة القبائل الذين مارسوا دورًا فعّالًا في التغيير والحذف والاستبدال وحتّى التزييف لتمرّسهم بأساليب الشعراء.

بغضّ النظر عن ذلك، يرجع آلڤرت إلى القول: إنّ المصدر الأهمّ للأشعار هم الرواة الحقيقيّون (يقصد المحترفين) ويركّز هنا على حمّاد الراوية وخلف الأحمر، فهما وإن كانا لم يجمعا الشعر لغرض آخر سوى الجمع، إلا أنّ الأخبار التي تثبت تلاعبهما وتزييفهما وإقحامهما ما يريدان في محفوظاتهما، كثيرة، ويستشهد هنا بحادثة استدعاء الخليفة المهديّ للمفضّل الضبي وحمّاد الراوية، وسؤالهما عن أبيات لزهير وانكشاف أمر حمّاد بإضافته ثلاثة أبيات من عنده إلى القصيدة[17]. ويعقب على هذا الخبر، بالقول: «بين يدي هذا الرجل، فقد الشعر كلّ أصالة وموثوقيّة»[18]. وهذا حكم لا يخلو من مبالغة، لكنّ آلڤرت لا يخصّصه بشخص حمّاد فقط، بل يقول عن خلف الأحمر: إنّه أخطر من حمّاد بكثير؛ لأنّه كان يتمتّع بموهبة مميّزة في تأليف الشعر ولديه ديوان شعر[19]، وبالتالي، تمكّن من خداع علماء البصرة والكوفة بما ألّفه من أشعار ونسبه للجاهليّين، ثمّ يشمل بحكمه هذا حتّى الرواة العلماء، مثل: أبي عمرو بن العلاء، والمفضّل، والأصمعي؛ مبرّرًا ذلك: بخبر ورد عن أبي عمرو بن العلاء الذي أباح لنفسه إدخال بيت من تأليفه في قصيدة للأعشى، ويلمح إلى أنّ الأصمعي لم يكن فوق الشبهات. ثمّ يضيف إليهم اللغويّين الذين أسهموا على الأقلّ في إجراء تعديلات ضروريّة بدوافع دينيّة، ويستدلّ على ذلك: بأنّ الخمسة عشر ألف بيت جاهليّ التي وصلت إلينا خلت من أيّ إشارة إلى المعتقدات الوثنيّة إلا نادرًا جدًّا[20].

هنا، لنتوقّف لحظة، ونتساءل إن كان لحكم قاطع عامّ كهذا أي سند أو مسوّغ حقيقيّ. الواقع أنّه كان على آلڤرت قبل أن يصدر حكمه هذا، أن يحتكم إلى منظوره النقديّ التاريخيّ؛ ليدرس هذه الأخبار بعناية، ويخضع مضامينها للنقد الموضوعيّ، لكي يكون ما يبنيه عليها من أحكام مقنعًا.

ينتقل آلڤرت من هذه الظروف الخارجيّة المحيطة بالشعر وروايته، إلى داخله، أي إلى القصائد أنفسها، ليسجّل ملاحظات تخصّ تطوّر الشعر القديم، والاختلاف بين الرجز والقصيد والبناء الداخليّ للقصيدة، الذي لاحظ عليه التفكّك والاضطراب والنقص والتقديم والتأخير في تسلسل الأبيات واختلاف الروايات للقصيدة الواحدة واختلاف حجمها أو عدد أبياتها من مصدر إلى آخر، وغير ذلك من المظاهر التي تؤشّر مدى تلاعب الرواة -كلّ الرواة- بهذه القصائد وتصرّفهم بها مدفوعين بأغراض معيّنة فرضتها الظروف الثقافيّة المعقّدة التي عاشوا فيها وأسهموا في تكوينها وبنائها.

من كلّ هذا، يخلص آلڤرت إلى النتيجة الآتية:
بعد هذه الاعتبارات العامّة، أعتقد أنّنا لا يمكننا تجنّب الاعتراف بأنّ أصالة القصائد القديمة مؤسفة للغاية بشكل عامّ. وقد وجدنا سبب ذلك من جانب في الأغراض التي كانت مرتبطة بروايتها وتلقّيها، وفي طبيعة نظامها نفسه من جانب آخر. وحتّى أولئك الذين يثقون تمامًا بمرجعيّة علماء اللغة القدامى ولا يشكّكون في سعة اطّلاعهم أو أمانتهم في هذا المجال أيضًا، لن يتمكّنوا من إنكار إمكانيّة أن تكون القصائد التي رووها غير موثوقة فيما يتعلّق بمؤلّفها ومداها وترتيبها الداخليّ، وأبياتها كلّ على حدة[21].

نستنتج من هذا، أنّ الموقف النهائيّ لآلڤرت من دراسته، هو: أنّه لا يثق في الرواة بكلّ أنواعهم (رواة الشعراء، ورواة القبائل، والرواة المحترفين، والرواة العلماء، وعلماء اللغة والنحو) ولا بمرويّاتهم نفسها من حيث طبيعتها ونظامها الداخليّ المفكّك الذي يستشفّ منه عبث الرواة بها قصدًا أو دون قصد، وهو بذلك يخالف نولدكه الذي أقرّ بوجود أشعار مزيّفة، وتغييرات عن الصورة الأصليّة للموروث الشعريّ الأصيل، لكنّه يقبل به؛ لأنّه ما يزال يحتفظ بملامح تؤكّد أصالته. وعدم ثقة آلڤرت بكلّ هؤلاء الرواة والعلماء والمفسّرين هي التي سيلومه عليها مارگلياث بعد أكثر من نصف قرن؛ لأنّه رأى أنّ النتيجة الطبيعيّة التي كان على آلڤرت  استنتاجها من كلّ ذلك أنّ مروياتهم الشعريّة مزيّفة في مجملها.

السؤال الآن: ما الحلّ العمليّ لكلّ هذه الإشكالات التي تحيط بالشعر العربيّ القديم من وجهة نظر آلڤرت؟
يؤكّد آلڤرت أنّ الموقف من الشعر العربيّ القديم يجب أن يتّفق مع الموقف من التاريخ الذي لا نستطيع الاطمئنان إليه أو الإقرار بصحّة ما يرويه ابن إسحاق أو الطبريّ أو ابن الأثير أو غيرهم، دون رؤية نقديّة تتفحّص هذه الأخبار بعناية، داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يجب فعله مع الشعر مهما كانت درجة الثقة بالطريقة التي وصل بها إلينا. لكن هنا، سيكون ثمّة عائق كبير: هل نملك الوسائل الكافية للقيام بهذه المهمّة النقديّة الشاملة؟ وإلى أيّ مدى نحن أفضل من الرواة العلماء القدامى بهذا الشأن؟

يقرّ آلڤرت بأنّ العلماء القدامى (ذوي الأصول العربيّة منهم على الأقلّ) أفضل وضعًا منّا فيما يتعلّق بسعة معرفتهم اللغويّة وحسّهم اللغويّ الذي يستطيع أن يدرك الفروق الدقيقة في التعابير الشعريّة وأساليب الشعراء، واختلافها من بيئة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر، وبالتالي تظلّ وسائلنا قاصرة للغاية عن فهم كلّ هذه الفروق الدقيقة وتوضيحها. لكنّنا أقدر من هؤلاء العلماء على الحكم على ترابط القصيدة في مجموعها والعلاقات بين أجزائها المختلفة؛ ذلك أنّهم اهتموا بالجزئيّات؛ بالأبيات المفردة أو بكلمات بعينها إن كان قد أحسن اختيارها أم لا. «بينما نحن الذين تعوّدنا على المعالجة النقديّة للمادّة الشعريّة، نميل إلى الشكّ منذ البداية؛ إذ نجد فيها تناقضات وأشياء مستحيلة وثغرات وإضافات متضاربة، لم يلاحظها هؤلاء العلماء السذّج»[22].

اتّهام آلڤرت للعلماء الرواة واللغويّين القدامى بالسذاجة هنا، افتئات عليهم من جهتين، الأولى: أنّه يتجاهل جهودهم في نقد الشعر بمعناه الخاصّ المتمثّل بالمنهجيّة العلميّة التي دعا إليها ابن سلام في طبقاته، لتخليص الشعر الأصيل من الشعر المزيّف، أو بالجهود النقديّة لفهم الشعر وتحليله واستنباط المبادئ التي تقوم عليها صنعته. صحيح أنّ هذه الجهود متأخّرة قليلًا عن عصر الجمع والتدوين، إلّا أنّها بنيت على جهود هؤلاء العلماء وأثمرت نتائج لا يمكن تجاهلها في تجاوز النقد الجزئيّ للأبيات والمفردات والمعاني الشعريّة، إلى فهم بناء القصيدة العربيّة من منظور نقديّ شامل يهتمّ بالكلّيّات والمبادئ النظريّة ويمارسها تطبيقيًّا، وهذا ما نجده بشكل عامّ في منتجات النقد الأدبيّ العربيّ، بدءًا من القرن الثالث الهجريّ. الجهة الثانية: أنّ آلڤرت يتّهم الرواة العلماء واللغويّين القدامى بالعجز عن التوصل إلى منهج نقديّ لم تتضح مبادئه وتطبيقاته إلا في القرن التاسع عشر، وهذه مفارقة تاريخيّة لا تتجاهل الفارق الزمنيّ والتطوّر المعرفيّ الإنسانيّ فحسب، بل تتجاهل هدف العلماء العرب القدامى الأساس، وهو بناء هويّتهم الثقافيّة (العربيّة الإسلاميّة)، من خلال جمع الموروث الشعريّ واللغويّ وتدوينه وتوظيفه في مجالات معرفيّة محدّدة، بعد نقده بالوسائل المتاحة لهم أو التي توصّلوا إليها بخبرتهم في ذلك العصر.

من هذا المنطلق، نرى آلڤرت في الفصل الثاني، وموضوعه: (عن أصالة الشعراء الستّة)، وفي الفصل الثالث، وعنوانه: (عن فهم الشعر العربيّ)، ويخصّصه لدراسة أكثر من أربعين قصيدة للنابغة الذبيانيّ وعلقمة الفحل، يضع هذا الامتياز الذي منحه لنفسه موضع التطبيق العمليّ، فيتناول أشعار الشعراء الذين حقّق دواوينهم، وهم: النابغة الذبيانيّ، وعنترة، وطرفة، وزهير، وعلقمة بن عبدة، وامرؤ القيس، بالنقد والتحليل والمقابلة بين الروايات في المصادر المخطوطة. وقراءة هذا الفصل تكشف عن أنّ آلڤرت قام بتغييراته الخاصّة على هذه النصوص المرويّة لهؤلاء الشعراء؛ ذلك أنّه مثلًا يعيد ترتيب أبيات القصائد على نحو يجعلها أكثر انسجامًا، ويشكّك في أنّ بعض الأبيات مقحم هنا وهناك، وينبّه من خلال منظور نقديّ تحليليّ للنصوص على الإقحامات والاضطراب، وبالتالي يتوصّل إلى ما يعتقد أنّها الصور الأكثر قربًا للقصائد الأصليّة.
والواقع أنّ ما أنجزه آلڤرت في هذا الشأن له أهمّيّته الكبيرة؛ بوصفه قراءة نقديّة تطبيقيّة للنصوص الشعريّة القديمة، تحاول أن تتغلّب على ما فيها من اضطراب أو خلل، أو تحدّ منهما على الأقلّ، وهو دعوة للمتخصّصين لممارسة هذه القراءة النقديّة وبشكل دائم، على كلّ نصوص الشعر الجاهليّ، في محاولة لتجاوز أيّ شكّ في أصالتها أو في اختلاف رواياتها وتسلسل أبياتها مع اختلاف مصادرها المخطوطة والمطبوعة. لكن ينبغي التنبيه هنا، إلى أنّ تطبيق آلڤرت لهذا المنهج النقديّ لا يخلو من تأويل ذاتيّ، أي أنّه سيظلّ قراءة فرديّة لهذه النصوص. صحيح أنّه يستند إلى مبادئ منهجيّة وخبرة عمليّة بالنصوص ولغتها وتاريخها، إلا أنّ هناك جانبًا ذاتيًّا يفرض نفسه باستمرار، وسيؤدّي هذا إلى تعدّد قراءات النصّ الواحد بتعدّد قرّائه ونقّاده بشكل لا يمكن السيطرة عليه. وسيكون ناتج هذا العمل في النهاية مشابهًا على نحو ما، لما قام به الرواة القدامى من تعديلات جوهريّة أو طفيفة على مرويّاتهم، وهذا سيؤدّي إلى تناقض في الموقف العامّ من هذه المرويّات؛ إذ لا يمكن أن ننعى على الرواة القدامى ما فعلوه، ثمّ نقوم نحن بالفعل نفسه، حتّى لو زعمنا استنادنا إلى مناهج ورؤى أكثر تقدّمًا. وهذا يعني في النهاية أنّنا سنعود إلى الحل الذي قدّمه ابن سلام للمشكلة كلّها، وهو الاحتكام إلى «أهل العلم بالشعر» والأخذ بأحكامهم التي تخصّ أصالة النصوص من عدمها، ونكتفي بها لجعلها أساسًا لكلّ ما سنبنيه عليها من فهم وتأويل منهجيّين.

لم يهتمّ العرب بآلڤرت اهتمامهم بمارگلياث؛ وربّما يعود ذلك إلى أنّه كتب دراساته عن الشعر العربيّ باللغة الألمانيّة التي لم تكن معروفة في العالم العربيّ، وإلى قِدمه النسبيّ زمنيًّا. فقد كتب دراساته أواسط القرن التاسع عشر، وتوفّي سنة 1909م، أي أنّه عاش في عصر لم يكن العرب قد اهتمّوا بعد بالمناهج الحديثة في دراسة الأدب العربيّ وتحقيق نصوصه، بينما حظي مارگلياث بالاهتمام؛ لمعاصرته بدايات الجهود العربيّة في التأريخ للشعر العربيّ القديم ودراسته في ضوء المنهج التاريخيّ الذي بدأ يفرض نفسه بقوّة في الأوساط الأكاديميّة المصريّة في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين وصولًا إلى ثمانيناته، ولمعرفة العرب به وبجهوده بشكل مباشر حتّى اختاروه عضوًا في المجمع العلميّ العربيّ في دمشق؛ ولأنّ الثقافة الإنگليزية والفرنسيّة كانتا الأكثر تأثيرًا وانتشارًا في بلدان البلدان العربيّة؛ بفعل السيطرة الاستعماريّة لبريطانيا وفرنسا على أغلب البلاد العربيّة، حتّى أنّ الكتب والدوريّات الإنگليزيّة المتخصّصة بالأدب العربيّ كانت تصل إلى بعض البلاد العربيّة، مثل: مصر، بعد وقت قصير من صدورها. يضاف إلى ذلك: العامل الأبرز في هذا الاهتمام، وهو تأثّر طه حسين (ت: 1973م) المباشر بمقالة مارگلياث في كتابه (في الشعر الجاهليّ، 1926م) الذي أثار ردود فعل واسعة لفتت الانتباه إلى المستشرق الذي استقى منه طه حسين أفكاره في إنكار صحّة الشعر العربيّ القديم.

- يختلف آلڤرت عن مارگلياث في نقطة أساسيّة، هي: أنّه كتب دراسات عديدة حول الشعر العربيّ القديم مشفوعة بتعامل مباشر مع نصوصه من خلال تحقيقه عددًا من الدواوين الشعريّة الجاهليّة، بينما لا نجد لمارگلياث اهتمامًا موسّعًا بالنصوص الشعريّة القديمة؛ إذ كان أبرز جهوده: تحقيق كتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (معجم الأدباء) لياقوت الحمويّ (ت: 626هـ) وكتاب الأنساب للسمعانيّ (ت: 562هـ)، فيما تركّزت دراساته على الإسلام وتاريخه المبكر. ويترتّب على هذا، أنّ موقف آلڤرت نتج عن معرفة تخصّصيّة موسّعة بتاريخ الشعر العربيّ، إضافة إلى معرفة عمليّة بمصادره المخطوطة ومعاينتها والمقابلة بينها ودراستها بعناية، وإدراك ما تعانيه من مشكلات واضحة نتجت عن اختلاف الروايات وتكرار النسخ. وهذا ما جعله يتجاوز تحقيق النصوص إلى تحريرها، وإجراء التعديلات التي يرتئيها عليها؛ مستندًا إلى منظور نقديّ يهدف إلى الوصول إلى أكمل صورة ممكنة من التماسك الداخليّ للنصوص الشعريّة.

2. چارلز جاكوب لايل (ت: 1920م) وديڤد صموئيل مارگلياث (ت: 1940م)
يشارك المستشرق البريطانيّ چارلز جاكوب لايل المستشرقين تيودور نولدكه وآلڤرت الشغف الفريد بالشعر العربيّ القديم؛ إذ إنّه يبدو أكثر من مجرّد دارس له ينتمي إلى ثقافة مختلفة تفصله عن موضوعه وتجعله ينظر إليه من الخارج. وهو معروف باهتماماته المتعدّدة، فقد تعلّم اللغات العبريّة والفارسيّة والهندوستانيّة، لكنّه خصّص الحيّز الأكبر من اهتمامه لإتقان اللغة العربيّة ودراسة الشعر العربيّ القديم. وقد أثمر هذا الاهتمام عن نشره ترجمات لأكثر من مئة قصيدة من القصائد العربيّة القديمة إلى الإنگليزيّة (ج1، 1885م، ج2، 1894م)، ونشر شرح الخطيب التبريزي (ت: 502هـ) للقصائد العشر (1894م)، وحقّق ديواني عبيد بن الأبرص وعامر بن الطفيل مع ترجمة لقصائدهما (1913م)، ثمّ حقق ديوان عمرو بن قميئة وترجم قصائده مع تعليقات (1919م)، هذا فضلًا عن كتابة عدّة مقالات مهمّة حول الشعر العربيّ القديم نشرها في مجلّة الجمعيّة الملكيّة الآسيويّة. لكنّ أهمّ منجزات لايل التحقيقيّة كان عمله في تحقيق شرح ديوان المفضليّات لأبي محمّد القاسم بن محمد الأنباريّ (ت: 304هـ)، الذي استغرق مدّة ستّة عشر عامًا بين سنتي (1904- 1920م)[23]، فنشر ترجمة لقصائد الديوان إلى الإنگليزية مع ملاحظات توضيحيّة، ومقدّمة علميّة دفاعيّة عن أصالة الشعر العربيّ القديم (1918) وعمل ما بين سنتي (1910-1920م) على نشر النصّ العربيّ للشرح، لكنّه توفّي قبل أن يراه مطبوعًا، فقد صدر في بيروت بالتعاون بين مطبعة الآباء اليسوعيّين ومطبعة أوكسفورد، بعد وفاته بأشهر قليلة.
معروف أنّ لايل كان مطّلعًا على الجهود الألمانيّة في دراسة الشعر العربيّ القديم، وكان على اتصال مباشر بالمستشرقين الألمان، وكان تيودور نولدكه أبرزهم؛ إذ قام بمراجعة الطبعة التجريبيّة للنصّ العربيّ لشرح ديوان المفضليّات[24]، إضافة إلى العون الذي قدّمه له عدد من المستشرقين والمتخصّصين بالأدب العربيّ من ألمانيا والنمسا وهولندا وبريطانيا والولايات المتّحدة ولبنان، في تزويده بنسخ الشرح المخطوطة ومراجعة النصّ العربيّ وتدقيقه[25]. وبالتالي، كان مطلعًا على ما أثاره هذا الأخير وزميله آلڤرت من أسئلة حول مشكلات الشعر العربيّ القديم والحلول التي قدّماها، فحاول بدوره أن يناقشها من أجل الوصول إلى موقف علميّ منها، لا سيّما أنّه بحكم خبرته الطويلة بالنصوص الشعريّة القديمة تحقيقًا وترجمة، قد امتلك المؤهّلات المنهجيّة والمعرفيّة للحكم عليها.

عالج لايل هذه المشكلة في مقدّمات ترجماته وتحقيقاته للنصوص الشعريّة التي ذكرناها آنفًا بشكل موجز[26]، لكنّه فصّل البحث فيها في المقدّمة الطويلة لترجمته لقصائد ديوان المفضليّات. والواقع أنّ هذه المقدّمة التي كتبها لايل لم تخصّص لعمله في تحقيق القصائد -فقد تحدّث عن ذلك في المقدّمة الإنگليزية  للنصّ العربيّ، وعن مخطوطات الشرح التي اعتمد عليها في التحقيق-[27] بل تناول فيها قضيّة واحدة بالتفصيل، هي: قضيّة الشكّ في أصالة الشعر العربيّ، وكان دافعها المباشر زميله المستشرق البريطانيّ ديفيد سامويل مارگلياث.

في الصفحات الأولى من هذه المقدّمة، يتناول لايل ديوان المفضليّات بشكل عامّ؛ تاريخه وروايته والعلماء الذين اتصلت رواية الديوان عنهم (المفضّل الضبي ت: 168هـ)، راوية أهل الكوفة الذي جمع قصائد الديوان، وابن الأعرابي، (ت: 230هـ) تلميذ المفضّل وربيبه، وأبو عكرمة الضبي، (ت: 250هـ)، العالم الراوية البغداديّ قريب المفضل وتلميذ ابن الأعرابيّ، حتّى وصل إلى شارحه أبي محمّد الأنباريّ، (ت: 304هـ). وهو بهذا يريد أن يثبت اتصال رواية الديوان من جامعه إلى شارحه، الأمر الذي يعني أنّه يريد توكيد أصالة الديوان على الأقلّ من ناحية سنده المكوّن من مجموعة من العلماء الثقات. ثمّ يتناول شخصيّة المفضّل الضبي، ويستشهد بالحادثة التي رويت في الأغاني عن مثوله أمام الخليفة المهديّ مع حمّاد الراوية، التي سبق لآلڤرت أن تناولها واستند إليها في إصدار حكمه المبالغ به الذي ذكرناه آنفًا، من أنّ الشعر القديم فقد كلّ أصالة ومصداقيّة على يد حمّاد، ثمّ يناقش لايل هذا الخبر، بقوله: «ينبغي ملاحظة أنّ المهديّ كان قد صار خليفة بالفعل؛ لأنّ رواة الخبر أطلقوا عليه هذا اللقب؛ ولأنّه بنى قصر عيساباذ على اسم وليّ عهده، لكن من المشكوك فيه أنّ حمّادا قد عاش حتّى سنة 158ه، السنة التي تولّى فيها المهديّ الخلافة: فقد حدّد ابن خلكان وصاحب الفهرست[28] سنة 155 و 156ه على التوالي تاريخًا لوفاته»[29].

كأنّ لايل هنا يردّ على آلڤرت الذي استشهد بهذا الخبر. وبالفعل، لم يكن آلڤرت موفّقًا باستشهاده بالخبر الذي أورده الأصفهانيّ عن الخليفة المهديّ وحمّاد الراوية والمفضّل الضبي بقصر عيساباذ، ثبت من خلاله أنّ المفضّل كان أمينًا في روايته قصيدة لزهير كما هي، بينما أقرّ حمّاد بأنّه أدخل فيها مقدّمة من ثلاثة أبيات من تأليفه. لكنّه لم ينتبه إلى أنّ هذا اللقاء لم يتمّ وأنّ الخبر ملفّق؛ لأنّ المهديّ لم يصبح خليفة حتّى سنة 158هـ، وبإمكاننا إسناد حجّة لايل هذه بأنّ المهديّ لم يبن قصر عيساباذ حتّى سنة 164هـ، ولم يسكنه حتّى سنة 166هـ[30]، أي بعد وفاة حمّاد بعشر سنين. إلى ذلك، فإنّ آلڤرت لم ينتبه إلى مفاد الجانب الثاني من الخبر، وهو أمانة المفضّل الضبي شيخ رواة الكوفة العلماء وصاحب أشهر ديوان قصائد مختارة؛ المفضليّات، التي قال عنها شوقي ضيف: «لو لم يصلنا من الشعر الجاهليّ سوى هذه المجموعة الموثّقة لأمكن وصف تقاليده وصفًا دقيقًا»[31].
يتطرّق لايل بعد ذلك إلى خلف الأحمر، مبيّنًا أنّه كان مثل حمّاد، ذا مكانة رفيعة بين علماء البصرة، بصفته عالمًا بالشعر القديم ومرجعًا للإرث العربيّ، لكنّ المنافسة بين مركزي العلم (الكوفة والبصرة)، أدّت إلى تلفيق الأخبار على كلا الجانبين وطعن كلّ منهما في مصداقيّة الآخر، وقد اتُّهم خلف بأنّه زار الكوفة وروى لعلمائها قصائد من تأليفه على أنّها قصائد أصيلة للقدامى. ويعقب لايل على هذه الأخبار، قائلًا: «سيكون خطأً عظيمًا اعتبار هذين الرجلين عيّنتين نموذجيّتين لرواة القبائل المحترفين، فقد كان الاثنان فارسيّين بينما كان رواة القبائل عربًا اختارهم الشعراء ليكونوا القناة التي ستخلّد تآليفهم في ذاكرة القبيلة وذاكرة أمّة العرب معًا، وعن طريقهم جمع مدوّنو القرنين الثاني والثالث حصيلتهم من الشعر»[32].
هنا يستحضر لايل تصريح أحد العلماء [يقصد مارگلياث] عن أنّ كلّ ما يسمّى بالشعر القديم مزيّف على أساس قصص عن حمّاد وخلف، ويرى أنّ هذا التصريح مخالف لكلّ حيثيّات الواقع التاريخيّ والأدبيّ، فلو صحّ ذلك، فإنّ هذين الراويين لم يكونا سوى مقلِّدين لأسلوب في تأليف الشعر كان قد تأسّس قبل الإسلام بمدّة طويلة، ومارسه العديد من الشعراء المخضرمين والإسلاميّين والأمويّين ودوّنوه كتابةً (هنا يستشهد بالشاعر جرير حين أمر راويته أن يكتب عنه ما سيقوله عندما أراد هجاء بني نمير)، ولم تنقطع سلسلة الرواية، فالطبقة الأخيرة من الشعراء كانوا يعيشون ويؤلّفون في الوقت الذي كان فيه العلماء يعملون على جمع الشعر القديم وتدوينه، ولا يمكن إثارة شبهة التزوير بشأنهم. وأمّا شعر الجاهليّة، فربّما قلّده حمّاد وخلف، لكنّ حقيقة التقليد تستلزم وجود أصل يحاكى.

استنادًا إلى هذه المناقشة، يرى لايل أنّ ما يجب أن نستنتجه من القصص التي تروى عن حمّاد وخلف، ليس رفض الأشعار القديمة، والحكم عليها بأنّها مزيّفة، بل وجوب تدقيقها بعناية عن طريق كلّ الأدلّة المعاصرة لها وما يتعلّق بمحتواها وأسلوبها وخصائصها المميّزة، لرؤية ما إذا كانت أيّة حالة بعينها تشي بالتلاعب أو الاضطراب أو التزييف. وإلّا فإنّ الأخذ بأحكام العلماء القدامى على هذه الأشعار هو ما ينسجم مع الحسّ السليم، ويضرب مثلاً على ذلك بالمفضليّات، فالافتراض البدهيّ بشأن هذه القصائد المئة وست وعشرين، أنّها أصيلة، تستند إلى مرجعية جامعها الثقة الخبير «ناقد الشعر» الذي عاصر المزيِّفين مثل حمّاد واستنكر فعلهم وشهّر بهم. وهنا، ينتقل لايل لإثبات أصالة قصائد ديوان المفضليّات عن طريق تفحّص مضامينها وأخبار شعرائها والظروف المحيطة بها.

يشير لايل في مقدّمته أيضًا، إلى مارگلياث و«توكيده المذهل»[33] أنّ الشعر العربيّ القديم مختلق على غرار القرآن بشكل موسّع؛ أي أنّه أُلّف بعد الإسلام محاكاة لأسلوب القرآن، ونُسب للعصر الجاهليّ، وكان الرواة هم من قام بهذه العمليّة الواسعة. يأتي هذا قبل أن ينشر مارگلياث مقالته المشهورة عربيًّا، «أصول الشعر العربيّ»، 1925م، التي اتُّهم طه حسين بالسطو على أفكارها الرئيسة في كتابه «في الشعر الجاهليّ»، 1926م[34]؛ ذلك أنّ مارگلياث كان قد أكّد فكرته هذه في عدّة دراسات له بين عامي (1905-1916م). فمثلًا، نحن نجده يؤكّد في إحدى دراساته التاريخيّة عن الإسلام سنة 1905م، الفكرة نفسها، أي أنّ معظم الشعر العربيّ القديم مصنوع على غرار القرآن[35]. بمعنى أنّه كان تقليدًا لأسلوب القرآن تطوّر شيئًا فشيئًا ليصبح هذا الشعر الذي نعرفه بأوزانه ونظام تقفيته، وهي الفكرة العامّة لمقالته التي سيكتبها سنة 1925م. وفي مقال له عن السموأل، بعد ذلك بسنة، أشار إلى أنّ من الشائع لدى المسلمين تأليف خطب أو أشعار وعزوها للأبطال القدامى، وهذا ما حدث مع السموأل الذي يحظى بمكانة رفيعة لديهم[36]. وهذه الإشارة تؤكّد فكرته مرّة أخرى، وهو هنا، ينطلق منها ويعمّمها بشكل عكسيّ لإثبات حكمه على حالة فرديّة تخصّ شاعرًا جاهليًّا واحدًا.

ثمّ عاد في مادّة موسوعيّة عن الرسول محمّد، للإشارة إلى فكرته هذه بشكل مختلف قليلًا، فنجده يقارن بين أسلوب السور المكّيّة الأولى من القرآن والشعر العربيّ، بما مفاده: أنّ شكل الآيات في تلك الأوقات يقارب الشعر، أي سلسلة من الجمل تعيد إنتاج كمّيّة المقاطع ونوعيّتها نفسها، وتتحدّد نهاية كلّ وحدة بقافية، على أنّنا نجد أنّ تقفية الآيات ذات طابع أكثر مرونة، بينما الشائع في الشعر المحافظة على قافية موحّدة. ويرى مارگلياث أنّ علاقة هذا الأسلوب القرآنيّ بالشعر والنثر المقفّى في العربيّة الكلاسيكيّة لغز لا يمكن حلّه الآن. فالعامل الذي يقوم على تكرار مقاطع، عامل أدبيّ بوضوح، ووجود الشعراء تؤكّده سورة موجّهة ضدّهم (سورة الشعراء)، وكذلك النصّ الذي يقول فيه الله إنّه لم يعلّم محمّدًا الشعر (سورة يس، 69). لكن لو كان الشعر الذي وجد قبل القرآن مماثلاً للشعر الكلاسيكيّ الذي نعرفه، لما كان أهل مكة بالجهل والسذاجة التي نسبها القرآن إليهم. على أنّ الشعر المنسوب إلى العصر الأمويّ -أي النصف الثاني من القرن الإسلاميّ الأوّل- موثوق به بوضوح إلى حدّ بعيد، ومؤلّفوه يمثّلون استمرارًا للتقاليد الوثنيّة[37]. ومفاد ما يقوله هنا، هو نفسه بالضبط ما قاله سابقًا إنّ الشعر ألِّف محاكاة للقرآن، وسيكرّره في مقالته سنة 1925م حين استدلّ على تزييف الشعر الجاهليّ من خلال القرآن، لكنّ الفرق أنّه هنا رأى أنّ العلاقة بين القرآن والشعر «لغز» لا يمكن حلّه، بينما قرّر في مقالته الأخيرة أن يقدّم الحلّ لهذا اللغز بشكل نهائيّ.

ويبدو أنّ مارگلياث كتب مقالته هذه بدافع قويّ حفّزه على إعادة تنظيم أفكاره القديمة في هيأة بحث متكامل يؤكّد فكرته بشأن تزييف الشعر الجاهليّ تقليدًا للقرآن؛ من خلال أدلّة جمعها ورتّبها ليثير التساؤل حول هذا الشعر جذريًّا. ولم يكن هذا الدافع سوى لايل الذي خصّص جزءًا كبيرًا من مقدّمته لترجمته لقصائد ديوان المفضليّات (1918م)[38] لدحض فكرة مارگلياث المتطرّفة التي أشار إليها في دراساته بين سنتي (1905-1916م). وفيما يلي تحليل لأهمّ الأفكار التي وردت في مقدّمة لايل[39]:

كما أوضحت من قبل، يناقش لايل مسألة الثقة في الرواة ويصل إلى ضرورة اتخاذ الموقف الموضوعيّ الذي أشرنا إليه أعلاه، لا سيّما أن بعض الأخبار التي تروى عن حمّاد أو خلف إمّا أنّها واضحة التلفيق أو أنّها نتاج المنافسة بين علماء الكوفة والبصرة. لكنّه لا يكتفي بذلك، بل يعرض في مقدّمته مجموعة من الأدلّة التي تثبت أصالة أغلب هذا الشعر؛ وهي:

1. وجود ثغرات أو اضطراب في القصائد القديمة، وهذا متوقّع من قصائد شفاهيّة نقلها الرواة عبر مدّة طويلة من الزمن، أي أنّه على عكس آلڤرت الذي استدلّ بهذا الاضطراب على تلاعب الرواة بالأشعار، يراه دليلاً على أصالتها.

2. إحكام النظام العروضيّ للشعر القديم الذي لا بدّ أنّه كان نتاج عمليّة تطوير مستمرّة، اشترك فيها عدد لا يحصى من الشعراء، واستغرقت وقتًا طويلاً، حتّى نتج عنها هذا النظام العروضيّ المتنوّع (خمسة عشر وزنًا مختلفًا) ذو القواعد المنتظمة، التي يسير عليها كلّ ما وصل إلينا من أشعار جاهليّة، ما عدا استثناءات نادرة للغاية.

3. التزام الشعراء بتقاليد فنّيّة وموضوعيّة معيّنة يسيرون عليها في بناء قصائدهم، وهذه التقاليد ليست وليدة مدّة قصيرة، ولا هي نتاج جهد فرديّ، بل هي نتاج جهد جماعيّ استغرق مدّة طويلة أيضًا، بحيث صار للقصيدة العربيّة تقاليدها في البناء والتصوير الفنّيّ وتنوّع الأغراض الشعريّة.

4. المقارنة بين الشعر العربيّ والأدب العبريّ (في العهد القديم)؛ حلًّا لمشكلة التأريخ لبداية الشعر العربيّ المجهولة بشكل تامّ تقريبًا. فقد لجأ لايل إلى سفر أيوب (ومؤلّفه شخصيّة عربيّة كما يرى)؛ ليبيّن أنّه يشترك مع الشعر العربيّ في ذكر حيوانات بعينها من حيوانات الصحراء (مثل: المها، والغزال، والثور الوحشيّ، والماعز الجبليّ، والنعام) التي يكثر ورودها في المشاهد التشبيهيّة التي يؤلّفها الشعراء الجاهليّون عند وصف الناقة. ويستدلّ لايل من هذا الاشتراك على نشأة مشتركة في بيئة مشتركة، وبالتالي على أصالة هذا الشعر.

5. يرى لايل أنّ أفضل دليل على أصالة الشعر العربيّ القديم ما ذكره الرحّالة الأورپيّون من البريطانيّين والألمان وغيرهم في القرن التاسع عشر عن البدو في الجزيرة العربيّة وأشعارهم وقيمهم وأخلاقيّاتهم ومظاهر حياتهم وجغرافيّة بلادهم التي نجدها ماثلة كما ذكرت في تلك الأشعار القديمة.

بهذا الردّ، وهذه الأدلّة الداخليّة والخارجيّة، يحاول لايل أن يثبت لمارگلياث خطأ «توكيده المذهل»، وهي أدلّة حاسمة من وجهة نظره، تمتاز بالموضوعيّة وتستند إلى خبرة عمليّة واسعة بالشعر العربيّ القديم تحقيقًا ودراسة وترجمة. لكن يبدو أنّ الأخير لم يقتنع بهذه الأدلّة؛ لأنّه عاد بعد سبع سنين ليكتب مقالته المشهورة التي تؤكّد عن طريق أدلّة هي الأخرى، تزييف هذا الشعر، لكن لايل لم يرد عليه؛ لأنّه كان قد مات قبل ذلك.

منظور نقديّ مقارن
إعادة قراءة مواقف المستشرقين الأربعة من منظور مقارن، ستضعنا أمام النتائج الآتية:

أنّ تيودور نولدكه يميل إلى الثقة في الرواة بشكل عامّ، وإن كان قد شخّص عيوب ما رووه المتمثّلة في تغيّر ضروريّ أصاب مرويّاتهم من الأشعار عن صورتها الأصليّة. وهو يصدر هذا الحكم على أساس منطقيّ-تاريخيّ، مستحضرًا قاعدة عامّة، هي: أنّ أيّ أدب شفاهيّ التأليف والحفظ كالشعر العربيّ القديم لا بدّ أن يصيبه التغيير كثيرًا أو قليلًا. وأسباب هذا التغير التي ذكرها معقولة تمامًا، لكنّ المشكلة في كلّ ذلك، أنّنا لا يمكن أن نتقبّل هذا الحكم على منطقيّته وعقلانيّته بشكل نهائيّ ما دامت الأصول غير معروفة، بمعنى أنّنا لا نملك الصور الأصليّة للقصائد كي نقارنها بما أوصله الرواة إلى عصر التدوين منها، وبالتالي، فإنّ حسم هذا الموضوع سيبقى بعيد المنال.

يقترب چارلز جاكوب لايل من موقف تيودور نولدكه كثيرًا؛ ذلك أنّه يميل أكثر منه إلى الثقة في الرواة، ويتّخذ موقفًا نقديًّا من الأخبار التي رويت عن الوضّاعين منهم، لا سيّما حمّاد الراوية وخلف الأحمر، ليتوصّل إلى نتيجة، مفادها: أنّ بعض هذه الأخبار ملفّق، وبعضها ليس مقبولاً ولا منطقيًّا، وأنّ بعضها الآخر نتاج التنافس بين مدرستين تحاول كلّ منهما أن تفرض منهجها على واقع عصر التدوين والجهد المعرفيّ العربيّ الآخذ في النموّ سريعًا في حينه. وبناء على ذلك، يثق لايل بالمرويّات نفسها أكثر من نولدكه، ويعزّز ثقته هذه بأدلّة تاريخيّة وأدبيّة وفنّيّة تدعم أصالة هذا الشعر بشكل عامّ، بينما توصّل تيودور نولدكه إلى نتيجة مختلفة قليلًا تمثّلت في أنّ أصالة الشعر العربيّ القديم باقية على نحو ما رغم ما أصابه من تغييرات على أيدي الرواة. ويتمثّل موقف لايل الموضوعيّ في أنّ رواة مثل حمّاد الراوية وخلف الأحمر، مهما كثرت الاتهامات لهما بشأن تزييف الشعر القديم، ليسا سوى اثنين فحسب، من عدد غير محدّد من رواة القبائل، فضلًا عن الرواة العلماء في الكوفة والبصرة وبغداد الذي نقدوا ما يحمله الرواة (أي حكموا عليه بالأصالة أو التزييف)، ووثّقوه ودوّنوه وشرحوه. وبالتالي، فهو يضع ثقته في هؤلاء الرواة وفيما رووه من أشعار (أو في أغلبها على الأقلّ).

في المقابل، يقف ڤيلهلم آلڤرت وديڤد سامويل مارگلياث موقفًا واحدًا من مشكلة الرواة والرواية أكثر ممّا يختلفان فيه، فآلڤرت لا يثق في رواة الشعر العربيّ كثيرًا، ورأى أنّهم قاموا بإجراء تغييرات كلّيّة أو جزئيّة على ما يحفظونه، وأنّ هذه العمليّة رافقت تأليف الأشعار نفسها، بمعنى أنّها لا تقتصر على عصور إسلاميّة لاحقة، بل ترجع إلى العصر الذي سبق الإسلام، ويتّفق مارگلياث معه في هذه النقطة تمامًا، وإن كان يركّز على فئتين من الرواة (المحترفين ممثّلين بحمّاد وخلف، والعلماء مثل أبي عمرو بن العلاء والأصمعيّ وغيرهما).

- لكنّ الاثنين يختلفان في مسألة جوهريّة، هي أنّ آلڤرت يقترب في النهاية من موقف تيودور نولدكه، أي أنّه أقرّ بأصالة الأشعار العربيّة القديمة بشكل عامّ، لكنّه اتّهم الرواة العلماء بالسذاجة أحيانًا؛ إذ لم يطبّقوا منهجًا نقديًّا تحليليًّا لدراسة هذه الأشعار والحكم عليها، وعليه، فقد أباح لنفسه في كثير من تحقيقاته لهذه الأشعار أن يقابل بين الروايات واختار منها ما يناسب السياق العامّ، فضلًا عن أنّه أباح لنفسه إعادة ترتيب أبيات القصائد، وهذا يعني أنّ تحقيقاته للدواوين الشعريّة كانت ذات طابع تحريريّ أكثر.

- أمّا مارگلياث، فقد بنى على عدم ثقته بالرواة حكمًا ترجيحيًّا متطرّفًا بتزييف هذه الأشعار العربيّة القديمة بعد الإسلام، دعمه بأدلّة إضافيّة خارجيّة وداخليّة، مدفوعًا بنقد لايل لطروحاته وأحكامه التي سبقت كتابته لمقالته المعروفة، وبالتالي أراد أن يثبت أنّ لايل لم يكن مصيبًا في نقده له، وأنّ أحكامه السابقة والحاليّة ذات سند منطقيّ وعقلانيّ وتاريخيّ. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أراد مارگلياث  أن يثبت أنّ آلڤرت ناقض نفسه حين أثبت عدم ثقته بالرواة من خلال تحليل المعطيات التاريخيّة والأدبيّة، لكنّه عاد ليضع ثقته بمرويّاتهم، وهذا التناقض ليس مفهومًا لدى مارگلياث؛ لأنّه كان على آلڤرت أن يحسم موقفه، ويصل إلى النتيجة المنطقيّة الوحيدة التي تمليها مقدّماته؛ أي أن يحكم بعدم أصالة هذه الأشعار، وهي النتيجة التي توصّل إليها هو في مقالته.

رغم أنّ جهود لايل كانت تتركّز على تحقيق عدد من الدواوين وترجمته لمئات القصائد العربيّة إلى اللغة الإنگليزيّة، وهي جهود مثمرة ولها مكانتها الرياديّة والعلميّة، إلا أنّ دراسته للمشكلات المحيطة بالشعر العربيّ القديم كانت محكومة بموقف دفاعيّ يهدف إلى إثبات تهافت الطروحات التي تريد التشكيك في أصالته. والواقع أنّ دفاعيّة لايل كانت موجّهة بالدرجة الأولى إلى موقف مارگلياث  الذي عبّر عنه في عدّة دراسات سابقة. ويبدو أنّ الرجلين كانا في حالة سجال فكريّ منهجيّ يحاول كلّ منهما إثبات صحّة موقفه دون أن يصلا إلى تسوية من أيّ نوع، وهذا السجال كان أقرب إلى الهاجس، حاول لايل حسمه أواخر حياته، بينما واصله مارگلياث وعاد لتوكيد موقفه المتشكّك بأدلّة جديدة بعد وفاة لايل.

ينفرد مارگلياث عن زملائه الثلاثة بأنّ موقفه المشكّك بأصالة الشعر العربيّ القديم لا هدف له سوى التشكيك نفسه؛ ذلك أنّ المنهج العلميّ لدراسة مشكلة ما يقتضي وصف حلّها في النهاية، أو على الأقلّ، طرح اقتراحات معيّنة تشكّل بداية الحلّ، لكنّ مارگلياث لم يطرح حلًّا من أيّ نوع للمشكلة المؤرقة التي أثارها. والأسئلة التي قد يخرج بها المرء بعد قراءة دراسته، هي: ما الذي سنفعله بهذا الموروث الشعريّ إذن؟ أنهمله بكلّيّته بدعوى أنّه مزيّف؟ أم نعيد دراسته تحليليًّا لإثبات عدم أصالته؟ وما الذي سيترتّب على ذلك كلّه؟ كان على مارگلياث وهو يقدّم فرضيّته أن يضع هذه الأسئلة في حسبانه بوصفها النتيجة الطبيعيّة التي تترتّب عليها؛ لأنّ الإجابة على هذه الأسئلة لن تقف عند حدود الشعر العربيّ القديم وحده، بل ستطال كلّ ما بني عليه حين وُظّف في مجالات معرفيّة متنوّعة شكّلت جانبًا أساسيًّا من الهويّة الثقافيّة العربيّة الإسلاميّة في العصور الوسطى.


الخاتمة
بإمكاننا أن نستنتج ثلاث نتائج رئيسة من هذه التحليلات النقديّة المقارنة، هي:

1. أنّ البحث كشف عن أنّ هناك تطورًا في المنظور التاريخيّ الذي تناول من خلاله هؤلاء المستشرقون مسألة أصالة الشعر الجاهليّ، تمثّل في إثارة أسئلة تسعى إلى تقويم هذا الشعر ووضعه في السياق التاريخيّ المناسب له، لكن هذا الهدف لم يتحقّق؛ لأنّ محاولات الإجابة عن هذه الأسئلة انتهت مع مارگلياث إلى نتيجة معاكسة لما هو متوقّع منها. بمعنى أنّ المنظور التاريخيّ وصل إلى طريق يبدو مسدودًا؛ لأنّ الأسئلة صارت ذات طابع إشكاليّ معقّد أكثر من كونها أسئلة منهجيّة يمكن الإجابة عنها علميًّا.

2. النتيجة الأخرى: أنّ الهدف من هذه الدراسات لم يكن واحدًا، فقد كان تيودور نولدكه واعيًا بالمشكلات التي تحيط بالشعر العربيّ القديم، ولذلك اهتمّ بتشخيصها وطرح حلول لها تمثّلت في توظيف المعرفة التاريخيّة للحكم على مضامين الأشعار والمقابلة بين الروايات المختلفة للخروج بنصوص أقرب ما يمكن للصورة الأصليّة، والدراسة التحليليّة لأساليب الشعراء لمعرفة خصائص أسلوب كلّ شاعر، ثمّ استبعاد ما لا يشبه هذا الأسلوب من الأشعار المنسوبة إليه؛ بمعنى أنّ نولدكه  يقدّم حلًّا منهجيًّا قابلًا للتطبيق الفعليّ، وهو ما سيفعله آلڤرت في تحقيقه دواوين الشعراء الجاهليّين، أي أنّه سيطبّق الحلّ الذي طرحه نولدكه من خلال المقابلة بين الروايات وإعادة ترتيب الأبيات، رغم تشكيكه بأمانة الرواة. لكنّ هذا الحلّ تحوّل تطبيقيًّا إلى قراءة ذاتيّة تستند إلى التأويل، الأمر الذي يعني أنّ نتائجه من الناحية العمليّة كانت تتّسم بالنسبيّة والاحتماليّة. أمّا لايل، فقد كان ذا موقف دفاعيّ حاول مواجهة الانحراف الذي مثّله مارگلياث في المنظور التاريخيّ وما نتج عنه من أسئلة إشكاليّة تفتقر إلى السند العلميّ.

3. النتيجة الثالثة: أنّ ثلاثة من هؤلاء المستشرقين كانوا يميلون بشكل متفاوت إلى تأصيل الشعر العربيّ القديم والاعتراف بالجهد النقديّ الكبير الذي أنجزه العلماء العرب في حدود الإمكانات التي كانت متاحة لهم في عصرهم، وكان لايل أكثرهم ثقة بالرواة ومرويّاتهم، وآلڤرت أقلّهم ثقة بهم، بينما وقف نولدكه موقفًا وسطيًّا حذرًا. أمّا مارگلياث، فقد كان ذا موقف متطرّف؛ لأنّه بنى نتائج صادمة على مقدّمات لا تسمح بها منطقيًّا، ولا يصدّقها الواقع التاريخيّ.

لائحة المصادر والمراجع

أ. المصادر العربيّة
ابن خلكان، أبو العبّاس شمس الدين أحمد بن محمّد (1978م)، وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
الأسد، د. ناصر الدين (1956م)، مصادر الشعر الجاهليّ وقيمتها التاريخيّة، دار المعارف، القاهرة.
الأصفهانيّ، أبو الفرج علي بن الحسين (1935م)، كتاب الأغاني، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة.
الأنباري، أبو محمّد القاسم بن محمّد (1920م)، شرح ديوان المفضليّات، تحقيق: كارلوس يعقوب لايل، مطبعة الآباء اليسوعيّين، بيروت.
الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (د. ت.)، كتاب الحيوان، تحقيق: محمّد عبد السلام هارون، مطبعة الحلبيّ، القاهرة، ط2.
الجمحيّ، محمّد بن سلّام (1974م)، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمّد شاكر، دار المدنيّ، جدّة.
ضيف، د. شوقي (1960م)، تاريخ الأدب العربيّ، العصر الجاهليّ، دار المعارف، القاهرة.
الطبريّ، أبو جعفر محمّد بن جرير (1975م)، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط2.

ب. المصادر الأجنبيّة
Ahlwardt, W. (1872), Bemerkungen über die Aechtheit der alten Arabischen Gedichte mit besonderer Beziehung auf die sechs Dichter nebst Beiträgen zum richtigen Verständnisse Ennābiga’s und ‘ Alqama’s, Greifswald, L. Bamberg.
Ahlwardt, W. (1870), The divans of the six ancient Arabic poets Ennābiga, ‘Antara, Tharafa, Zuhair, ‘Alqama and Imruulqais chiefly according to the MSS of Paris, Gotha, and Leyden; and the Collection of their Fragments, London.
Ahlwardt, Wilhelm (1856), Ueber Poesie und Poetik der Araber, Gotha.
De Sacy, Le Baron Silvester. Chrestomathie Arabe, (الأنيس المفيد للطالب المستفيد وجامع الشذور من المنظوم والمنثور) Tome ii, Imprime par Autorisation du Roi, Paris.
Flugel, Gustav (1872), Kitab Al-Fihrist, Leipzig.
Lyall, C. J. (1918), The Mufaddaliyat, vol. II, Translation and Notes, Oxford.
Lyall, Charles (1904), “A Projected Edition of the “Mufaddaliyat”.” Journal of the Royal Asiatic Society of Great Britain and Ireland.
Lyall, Sir Charles (1913), The Dīwāns of ʿAbīd Ibn Al-Abraṣ of Asad and ʿĀmir ibn aṭ-Ṭufail, of ʿĀmir Ibn Ṣaʿṣaʿah, edited with translation and notes, Leyden, Brill.
Margoliouth, D. S. (1906) “A Poem Attributed to Al-Samau’al”.  Journal of the Royal Asiatic Society of Great Britain and Ireland.
Margoliouth, D.S. (1916), Article: Muhammad, in James Hastings, Encyclopedia of Religion and Ethics, New York, Edinburgh, vol.viii.
Margoliouth, D.S. (1905), Mohammed and the Rise of Islam, G. P. Putnam’s Sons, New York and London, The Knickerbocker Press.
Margoliouth, D.S. (1925), The Origins of Arabic Poetry, Journal of Royal Asiatic Society, no. 3, July.
Nöldeke, Theodor (1864), Beiträge zur Kenntniss der Poesie der Alten Araber, Hannover, Carl Rumpler.


----------------------------------
[1]*- مدرّس قسم اللغة العربيّة، كلّيّة التربية، جامعة الحمدانيّة، العراق.
[2]- ينظر:
 Margoliouth, D.S. (1925), The Origins of Arabic Poetry,  Journal of Royal Asiatic Society, no. 3, July, p317.
[3]-  ينظر:
 De Sacy, Le Baron Silvester, (1826) Chrestomathie Arabe, Tome ii, Imprime par Autorisation du Roi, Paris, pp337- 464.
[4]-  تضمّن الكتاب إضافة إلى الفصل المذكور أعلاه، ترجمة لمقدّمة كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة مع ملاحظات عليها (ص1-51)، ثمّ دراسات لشعر اليهود في الجزيرة العربيّة (ص52- 86)، ومالك ومتمم ابني نويرة (ص87-151)، والخنساء (ص152-182)، ودراسة طريفة عن أشعار البدو في خديعة من يثق بهم (ص183-199)، وأخيرًا دراسة نقديّة ذات أهمّيّة خاصّة لريادتها عن لامية العرب للشنفرى وأصالتها وتفسيرها (ص200-222).
[5]- ينظر: الجمحيّ، محمد بن سلّام، (1974م)، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمّد شاكر، دار المدنيّ، جدّة، ج1، ص ص 4، 11، 25، 40، 46، 48-49.
[6]-  ينظر:
 Nِldeke, Theodor (1864), Beitrنge zur Kenntniss der Poesie der Alten Araber, Hannover, Carl Rumpler, s.vi- vii.
[7]-  ينظر:
Nِldeke, Theodor (1864), Beitrنge zur Kenntniss der Poesie der Alten Araber, Hannover, Carl Rumpler, s.x.
[8]-  ينظر:
Nِldeke, Theodor (1864), Beitrنge zur Kenntniss der Poesie der Alten Araber, Hannover, Carl Rumpler, s. xxiii.
[9]-  ينظر: الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (د. ت.)، كتاب الحيوان، تحقيق: محمّد عبد السلام هارون، مطبعة الحلبيّ، القاهرة، ط2، ج1، ص74.
[10]-  ينظر: Alwardt, Wilhelm (1856), Ueber Poesie und Poetik der Araber, Gotha, s. 24-25.
[11]-  ينظر: Alwardt, Wilhelm (1856), Ueber Poesie und Poetik der Araber, Gotha, s. 83.
[12]-  ينظر:
W. Ahlwardt (1870), The Divans of the Six Ancient Arabic Poets Ennābiga, ‘Antara, Tharafa, Zuhair, ‘Alqama and Imruulqais chiefly according to the MSS of Paris, Gotha, and Leyden; and the Collection of theirFragments, London, p. 1- 85.
[13]-  ينظر: نفسه، ص108- 110.
[14]-  ينظر: نفسه، ص111- 114.
[15]-  ينظر:
W. Ahlwardt (1872), Bemerkungen über die Aechtheit der alten Arabischen Gedichte mit besonderer Beziehung auf die sechs Dichter nebst Beitrنgen zum richtigen Verstنndnisse Ennābiga’s und ‘ Alqama’s, Greifswald, L.Bamberg, s. 1.
[16]-  ينظر:
W. Ahlwardt (1872), Bemerkungen über die Aechtheit der alten Arabischen Gedichte mit besonderer Beziehung auf die sechs Dichter nebst Beitrنgen zum richtigen Verstنndnisse Ennābiga’s und ‘ Alqama’s, Greifswald, L.Bamberg, s. 12.
[17]-  ينظر الخبر بتفاصيله في: الأصفهانيّ، أبو الفرج، كتاب الأغاني (1935م)، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، ج6، ص89-91.
[18]-  آلڤرت، نفسه، ص15.
[19]-  كان آلڤرت قد نشر دراسة موسّعة عن شعر خلف الأحمر. ينظر:
W. Ahlwardt (1859), Chalef elahmar’s Qasside, Berichtigter Arabischer Text, Greifswald.
وهذا يعني أنّ حكمه هذا على خلف الأحمر يستند إلى معرفة مفصّلة بسيرته وأخباره وأشعاره.
[20]-  ينظر: آلڤرت، نفسه، ص 15، 17-18.
[21]-  ينظر:  W. Ahlwardt. Bemerkungen über die Aechtheit der alten Arabischen Gedichte, s. 26.
[22]-  ينظر: W. Ahlwardt. Bemerkungen über die Aechtheit der alten Arabischen Gedichte, s. 28.
[23]-  سنة 1904، نشر لايل مقالة تحدّث فيها عن شروعه في تحقيق شرح ديوان المفضليّات لابن الأنباري ووصف مخطوطاته. ينظر:
 Lyall, Charles (1904), “A Projected Edition of the “Mufaddaliyat”,  Journal of the Royal Asiatic Society of Great Britain and Ireland, pp. 315 -20.
[24]-  جدير بالذكر: أنّ لايل أهدى تحقيقه لديواني عبيد بن الأبرص وعامر بن الطفيل، 1913م، إلى نولدكه، ونصّ إهدائه: «مهدى إلى أستاذنا تيودور نولدكه، بامتنان ومودّة». وهذا الإهداء يكشف عن أنّ نولدكه كان يحظى بمكانة خاصّة لدى لايل حتّى جعله أستاذًا له، الأمر الذي يعني اطلاعه على جهوده، ولا سيّما القضيّة التي أثارها في كتابه مساهمات في معرفة أشعار العرب القدماء، 1864م.
[25]-  ينظر: المدخل الذي كتبه لايل باللغة الإنگليزية في: الأنباري، أبو محمّد القاسم بن محمّد (1920م)، شرح ديوان المفضليّات، تحقيق: كارلوس يعقوب لايل، مطبعة الآباء اليسوعيّين، بيروت، ص صvii-viii .
[26]-  ينظر مثلًا: ملاحظاته على قصائد عبيد بن الأبرص في مقدّمة تحقيقه لديوانه في:
Lyall, Sir Charles (1913) The Dīwāns of ʿAbīd Ibn Al-Abraṣ of Asad and ʿĀmir ibn aṭ-Ṭufail, of ʿĀmir Ibn Ṣaʿṣaʿah, edited with translation and notes, Leyden, Brill, pp. 1- 16.
[27]- ينظر: نفسه، صxiv- xxv .
[28]-  ابن خلّكان، أبو العبّاس شمس الدين أحمد بن محمّد (1978م)، وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: د. إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت، ج2، ص209 «وكانت وفاته سنة خمس وخمسين ومائة، ومولده سنة خمس وتسعين للهجرة، وقيل: إنّه توفّي في خلافة المهديّ»، ويذكر ابن النديم في الفهرست «وعاش [حمّاد] إلى سنة ست وخمسين ومائة وفيها مات.» ينظر:
 Flugel, Gustav (1872), Kitab Al-Fihrist, Leipzig, s. 91.
[29]-  Lyall, C. J. (1918),The Mufaddaliyat, vol. II, Translation and Notes, Oxford, p. xviii.
[30]-  ينظر: الطبريّ، أبو جعفر محمّد بن جرير (1975م)، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط2، ج8، ص ص150، 162، عن تاريخ بناء قصر عيساباذ وسكن المهديّ فيه.
[31]-  ضيف، د. شوقي (1960م)، تاريخ الأدب العربيّ، العصر الجاهليّ، دار المعارف، القاهرة، ، ص177.
[32]-  Lyall, C. J. The Mufaddaliyat, vol. II, p. xx..
[33]-  Lyall, C. J. The Mufaddaliyat, vol. II, p. xx.
[34]-  الذين ألّفوا كتبًا للردّ على كتاب طه حسين كثر، لكنّ واحدًا منها فقط هو محمّد الخضر حسين في كتابه (نقض كتاب في الشعر الجاهليّ، 1927م) أوضح العلاقة بين مارگلياث ومقالته في مجلّة الجمعيّة الملكيّة الآسيويّة، تمّوز، 1925م، وبين طه حسين وكتابه (في الشعر الجاهليّ، 1926م)، واقتبس منها نصوصًا ليثبت أخذ طه حسين منها بشكل مباشر.
[35]-  ينظر:
 Margoliouth, D. S. (1905), Mohammed and the Rise of Islam, G. P. Putnam’s Sons, New York and London, The Knickerbocker Press, p. 60.
[36]-  ينظر:
Margoliouth, D. S. (1906), “A Poem Attributed to Al-Samau’al.” Journal of the Royal Asiatic Society of Great Britain and Ireland, pp. 363- 71.
[37]-  ينظر:
 Margoliouth, D. S., Article: Muhammad, in James Hastings, Encyclopedia of Religion and Ethics, New York, Edinburgh, 1916, vol.viii, p. 874.
[38]-  ينظر: Lyall, C. J., The Mufaddaliyat, vol. II, pp. xx- xxvii.
[39]-  هذه ليست المرّة الأولى التي تدرس فيها هذه المقدّمة، فقد كان للدكتور ناصر الدين الأسد فضل الريادة في الاطلاع عليها ونقل بعض أفكارها بتصرّف، ينظر، الأسد، د. ناصر الدين (1956م)، مصادر الشعر الجاهليّ وقيمتها التاريخيّة، دار المعارف، القاهرة، ص367-374. لكنّ الأسد تناول مقدّمة لايل بعد أن عقد فصلًا لمراجعة مقالة مارگلياث (أصول الشعر العربيّ، 1925م)، الأمر الذي يوحي بأنّ لايل يرد على هذه المقالة، وهذا ما لم يحدث؛ لأنّ لايل توفّي سنة 1920م. من جهتي، فقد قمت بترجمة مقدّمة لايل بأكملها إلى اللغة العربيّة، وأنا هنا أعتمد بشكل أساس على هذه الترجمة في مناقشة أفكاره بشكل مباشر.