البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تمثُّلات صورة النبي محمّد صلى الله عليه و آله وسلم في كتاب "عظماء رجال الشرق" للامرتين مقاربة في تصوّرات التّنوير الغربي للغيريّة

الباحث :  د. مكّي سعد الله
اسم المجلة :  دراسات اسشتراقية
العدد :  32
السنة :  خريف 2022م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 12 / 2022
عدد زيارات البحث :  1209
تحميل  ( 617.036 KB )
الملخّص
انفتح خطاب عصر التنوير كمنجز فلسفي ومعرفي على جدليّات متنوّعة أفرزتها طبيعة المناظرات وثنائيّات معرفيّة وليدة تناقضات العصر وبيئته، تستهدف التأصيل لفكر نقدي تجديدي والتأسيس لعقلانيّة بمختلف تمظهراتها الدينيّة والسياسيّة والثقافيّة.

فقد لامست الأفكار النقديّة وتقاطعت مع مفاهيم الصور النمطيّة والأفكار الجاهزة والأحكام الانفعاليّة والأيديولوجيّة حول «الآخر» والمختلف والمغاير، بالنقد الموضوعي والمراجعات العقلانيّة الموضوعيّة. فجاءت أفكار الفيلسوف والكاتب والرحّالة الفرنسي الفونس دي لامرتين (Alphonse de Lamartine) بإعادة تركيب وبناء صورة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كعظيم من عظماء الإنسانيّة بشموليّة رسالته وقيمها الفاضلة النبيلة وبروح التسامح واحترام ثقافة الغيريّة والتباين والحقّ في الاختلاف العقائدي، بتخليصها من تمثُّلات وتصوّرات الانحياز والعدوانيّة والتطرّف، التي هيمنت على المنظومة المعرفيّة الغربيّة عبر العصور.

لم يكن لامرتين مقلّدًا لمنظومة الاستشراق وخطابها، ولا تابعًا لأيديولوجيّات المركزيّة الغربيّة وتحيّزاتها في كتابة سيرة الرسول الأعظم وتفسير أقواله وتأويل مواقفه وسلوكيّاته. فقد شكَّل صورة للعظمة والرقيّ الإنساني بناء على مواقف واقعيّة تتجسّد في صور وشهادات ورؤى ومشهديّة استشرافي واعية تستهدف التأسيس لمجتمع إنساني تسوده العدالة والرحمة والسعادة في الدارين.
كلمات مفتاحية: محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، لامرتين، العظمة، الإنسانيّة، العدالة.
مدخل: فلسفة المقارنة وجماليّات العظمة
كتب الباحث الفرنسي في العلوم المقارنة مارسيل ديتيان (Marcel Detienne) كتابًا وسمه بـ ((مقارنة اللامقارن)) ((Comparerl’incomparable)) ويهدف من خلاله إلى تبيان منهجيّة المقارنة بمعالجة المتشابه والمتجانس في النوع والقيمة، وبناء على الأطروحات والمقاربات المقترحة في الدراسة، فإنّه من الناحية المنهجيّة والموضوعيّة والعقلانيّة لا يمكن إدراج صورة النبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) مع شخصيّات بشريّة عاديّة اجتهدت في تسجيل بصماتها وترك آثارها في تاريخ الإنسانيّة، فإذا كان القسم الأوّل من سيرة محمّد تاريخاً توثيقيًا لمرحلة طبيعيّة لرجل عربي عاش في الصحراء وامتهن مهنها السائدة، فإنّ القسم الثاني من حياته ارتبطت بالنبوّة، وهي مرحلة تتجاوز التفسير السببي والتحليل السطحي للأحداث والمواقف والرؤى والتصوّرات؛ ذلك أنّ القرآن أفصح عن صورة محمّد واعتبرها مقدّسة تتجاوز المعايير والأهواء البشريّة ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ[2]﴾.

احتلّت سيرة النبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) اهتمام الباحثين الغربيّين باختلاف توجّهاتهم وتيّاراتهم ومواقفهم، وتنوّعت الكتابات بين الجحود والإنكار إلى الإقرار المشروط، ولعبت المرويّات الكبرى والأساطير والإيديولوجيّات أدوارًا مركزيّة في اختيار المناهج وانتقاء المراجع التاريخيّة.

والغالب على الأبحاث الغربيّة العودة إلى الببليوغرافيّات القديمة للنهل من منابعها والأخذ بمعطياتها، وهي دراسات غلبت عليها روح عصرها وبيئتها الفكريّة، والتي غالبًا ما كانت فيها الهيمنة والسيطرة للفكر المتطرّف الموجّه انتماءً لهويّة معرفيّة أو عقائديّة بعينها.
وقد استدرك بعض الكتّاب أخطاءهم ومواقفهم بالتعديل وإعادة البناء إنصافًا للأمانة العلميّة، ومنهم فولتير (Voltaire)، واتّجه آخرون إلى الاعتدال وتوخّي الدقّة العلميّة، فجاءت كتاباتهم تعبيرًا صادقًا عن خلقهم العلمي وإكرامًا لنبي الإسلام وعظمته، ويتقدّمهم لامرتين (Lamartine) في كتابه «عظماء رجال الشرق» (Les Grands Hommes de L’Orient).
إنّ شخصيّة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) تجاوزت في مناهج البحث والتحليل العلامة السيميائيّة والأيقونة المعلوماتيّة والقيادة التاريخيّة والزعامة السياسيّة والنموذج البشري الطبيعي والصورة النمطيّة للإنسان الخاضع للأهواء والنزوات. فالاصطفاء الإلهي والانتقاء المقدّس ينأى عن المعايير البشريّة التي تتحكّم فيها المؤثّرات الداخليّة والخارجيّة، فتجنح للعاطفة والمنفعة.
فمنهج القيادة وفلسفتها وجماليّاتها تمكّنت من روحه وجسّدتها سلوكيّاته، التي تستجيب لمقاصد وتوجيهات تهدف إلى تحقيق إنسانيّة الإنسان في كيانه ووجوده. فقد تجلّت سمات العظمة وخصائصها في تنشئته الاجتماعيّة وتفرّده وتميّزه، فقد أثبتت قطوف سيرته قبل البعثة ودلّت على كماله سيكولوجيًّا وفكريًّا وعقائديًّا، وكشفت عن مؤهّلاته في القيادة من خلال اتّزان نفسه وهدوئها وطهارة قلبه ووجدانه، بالإضافة إلى الاستقامة والاعتدال، فكان نموذجًا للأب والزوج والصديق والقريب.

إنّ عظمته(صلى الله عليه وآله وسلم) تمظهرت بعد الدعوة في أداء الرسالة والصبر عليها، وتكوين الدولة وتأطيرها بقيم التّشريع الإلهي الداعي للعدل والتّسامح والإخاء وتكوين الإنسان والثورة على الشرك والتطرّف وغيرها من القيم الراقية والسامية.

تلقّي الغرب ومركزيّته للقرآن والإسلام/ سلطة المرايا والوسائط الوهميّة
لعب المتخيّل الغربي دورًا مركزيًّا وجوهريًّا في تحديد وبناء العلاقة بين الغرب والقرآن؛ ذلك أنّ الاحتكاك المباشر لم يتجاوز رحلات التجارة والحروب، وهي المواقف والمشاهد التي تبتعد ابتعادًا كليًّا عن فهم وإدراك واستعراض مضامين القرآن الكريم وتشريعاته ومبادئه، وهذا يعود إلى سببين أساسيين، أوّلهما الأهداف والغايات من التّقاطع والاحتكاك وأسبابهما، والثاني يرجع إلى طبيعة البنية البشريّة ومستوياتها ودرجاتها الثقافيّة وإمكاناتها العلميّة والأكاديميّة، والتي لا تؤهّلها في الغالب إلى قراءة النصوص القرآنيّة ومقاربتها مقاربات علميّة لإيصالها إلى متلقّ متعطّش لمعرفة كنهها وجوهرها.

ونتج عن هذا الانقطاع والمقاطعة والتواصل المعرفي العميق والصحيح وجود أشكال متعدّدة ومتنوّعة من الإسلام، ونماذج مشكَّلة ومركّبة لشخصيّة رسوله العظيم، مع نصوص مؤدلجة ومنتحلة ومدلّسة من قرآنه الكريم بسبب المرجعيّات الغربيّة المختلفة في الانتماءات الهويّاتيّة والإيديولوجيّات المعرفيّة والدوافع السياسيّة والسوسيو-ثقافيّة التي تقف وراء تشكيل الصور والتمثُّلات والمقاربات. فقد ساهمت المرويّات الكبرى أو السرديّات الكبرى (les grands narratives) في تزييف الحقائق باعتبارها محصّلة التصوّرات والمفاهيم والأنماط المعرفيّة الموجهة والمتحيّزة، بما روّجته وأشاعته من مغالطات وليدة المتخيّل الأدبي (imaginaire littéraire) وأساطير مدفونة في مدوّنات الكهنة والرهبان والمتخيّل الخرافي، بالإضافة إلى الترجمات الاعتباطيّة والعشوائيّة، التي تحولّت في منظومة المركزيّة الغربيّة إلى أداة للتّشويه والتّحريف بدوافع كولونياليّة وتبشيريّة[3].

والتحيّز المعرفي إعاقة فكريّة تصيب العقل المؤدلج، الذي تهيمن عليه العاطفة والإيديولوجيا والتعصّب، فتمنعه عن الحقيقة وتحجب رؤيته عن إدراك الصواب وتمييز المغالطات، فيصبح آلة تجترّ الأوهام والسراب، يقول الأستاذ إيناس لويس غوندال (Ignace-Louis Gondal) (1854-1920) مدرّس التاريخ بالمعهد الكنسي سانت سوبليس (séminaire Saint-Sulpice) وهو صاحب كتاب محمّد ومؤلّفه (يقصد القرآن) (Mahomet et sonœuvre) (1897) «أصبح محمّد في الرابعة والعشرين من المشاهير، يعرف جيّدًا بلده، مع إدراكه لعظمة الحضارة المسيحيّة... ومنها راودته فكرة الثورة الاجتماعيّة والدينيّة، فهو يحلم بمستقبل زاهر لبلده»[4].
فمكوّنات المركزيّة الأوروبيّة تجعل العقل يشكّل الوقائع والأحداث والمواقف وفق منظوره الضيّق والمحدود بأسيجة الإيديولوجيا لا يتّسع لاستيعاب «الغيريّة» و«ثقافة الاختلاف» فيتمّ تلوين المغايرة بمعايير العنصريّة والدونيّة والاستصغار والتّشويه، فيتحوّل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مجرم وقاطع للطريق، سافكًا للدماء من أجل المال والسلطة «عاش النبيّ طوال هذا الوقت حياة القائد العربي، وهي حياة المغامرات والأخطار والنهب والدم... وألهم أنصاره فنون اختيار المواقع وتحضير الهجوم وتنظيم الدفاع، كما علّمهم التّعصب وازدراء الموت»[5].

إنّ الوسائط بين الإسلام والغرب لم تكن موضوعيّة ولا علميّة، ذلك أنّ ممارسات هذه النظريّات تكرّس اختزالًا وتشويهًا لثقافة «الآخر» ومعتقداته، فخضعت عمليّات تقديم القرآن والإسلام لرهانات الكنيسة ومشاريع رجال الدين وهيمنة المركزيّة الغربيّة وسلطتها في تمثّل «الغيريّة». فمناخ التلقّي كان مشحونًا بالتّعصب والهيمنة السياسيّة والأطماع الماديّة والمكاسب التجاريّة والمصالح الإستراتيجيّة.

وبناءً على هذه المعطيات والمؤشّرات فلم تنظر المنظومات الفكريّة الغربيّة إلى الإسلام وقرآنه نظرة موضوعيّة للاستكشاف والمعرفة بتوظيف المناهج العلميّة، بقدر ما قاربته بخلفيّات متحيّزة ومرجعيّات متطرّفة متشبّعة بمفاهيم المركزيّة وسلطتها المشحونة بالعنصريّة والإقصاء والتّشويه والمغالطة «كان الإسلام عبر التاريخ كيانًا غامضًا بالنسبة للغرب خاصّة، ولغير المسلمين عامّة، لقد وضع رجال الأعمال الإسلام ضمن مشاريعهم السياسيّة والاقتصاديّة، أمّا رجال الدين فقد اقتربوا منه بدوافع روحيّة أو لمصلحتهم الفكريّة والثقافيّة وفي إطار عملهم التبشيري. كلّ هذه الجماعات نظرت إلى الإسلام من خلال وجهات نظرهم الخاصّة للدفاع عن أنفسهم ضدّ سلطة إسلاميّة عدوانيّة»[6].
وتكمن مخاطر التّزييف والتّشويه والتّدليس في انتقال المعلومة والفكرة والتصوّر والموقف من طور المشافهة والرؤية الشخصيّة الذاتيّة ضمن تداول محدود إلى المتون التاريخيّة والموسوعات والمعاجم والكتب المدرسيّة، ذلك أنّ هذه الوثائق يتداولها الأكاديميّون والباحثون ويوظّفون معلوماتها كاقتباسات وشواهد، ويوثّقونها في أبحاثهم وأطاريحهم، ومنها تأخذ المشروعيّة والمصداقيّة، فتتناقلها الأجيال التعليميّة والمصنّفات الجامعيّة، فتصعب المراجعات وإقامة التصويبات بسبب اتّساع رقعة التّداول والتّرويج والشيوع، فقد جاء في معجم المعاجم الفرنسي أنّ محمّدًا هو «مؤسّس الإسلام والإمبراطوريّة العربيّة، حيث توسّعت دعوته ليحتلّ الجزيرة العربيّة وسوريا ومصر وفارس وإفريقيا ،ولكن تمّ توقيف توسّعاته بفرنسا من طرف شارل مارتيل (Charles Martel) في موقعة بواتييه (Poitiers)»[7].

إنّ معجم المركزيّة الأوروبيّة في تمظهراتها المختلفة وتجليّاتها الواسعة لا يعدو أن يكون حزمة من المصطلحات المستهلكة والسطحيّة التي تتّهم المغاير والمختلف فكرًا وعقيدة وكينونة بالدونيّة والوحشيّة والبربريّة وضعف الأداء الذكائي مقارنة بمختلف الأجناس والأعراق، وهذا ما يسبّب التخلّف الحضاري ويبرّر الاستعمار باعتباره فتحًا حضاريًّا.

كما يكرّس هذا المتخيّل الوهمي مفاهيم التخلّف والبعد عن القيم الإنسانيّة من تسامح وحبّ وتعاون، مع هيمنة الأسطورة والفكر الخرافي البدائي على العقل، متجاهلين أنّ قيام الغرب ونشأته كانت أسطوريّة بتمركز لاعقلاني حول الذات والفكر اليوناني الكلاسيكي.
فقد صنع المتخيّل قرآنًا وإسلامًا خاصًّا ومتميّزًا بالاعتماد على تأويل الوسائط وتحريف الترجمات وتعميم النماذج السلبيّة والفرديّة من التاريخ، حيث تتمّ عمليّات الانتقاء من التاريخ للمشاهد والمواقف وتوظيفها كصور عامّة وشاملة تمثّل الإسلام والمسلمين «كان التقليديّون من أوائل ممثّلي النخبة الفرنسيّة في اتّخاذ موقف من الإسلام، فهذه الديانة بالنسبة لهم من أبغض وأشنع الملل...فقد أراد محمّدًا أن يكون كاردينالًا، مناهضًا للمسيح، مدفوعًا من الشيطان والشرّ لاختلاق دين جديد تعبد فيه النجوم والشمس والقمر. كما يمكن لأتباع هذا الدين الوهمي أن ينتهكوا دون ذنب إيمانهم ومعاهداتهم مع الكفّار، لقد تحرّروا جميعًا من العقاب الأبدي؛ لأنّ جهنّم ليست لهم»[8].

يذهب الكاتب والراهب الفرنسي جاك بوسيه (Jacques-Bénigne Bossuet) (1627-1704) في كتابه (خطاب في التاريخ الإنساني) (Discours sur l’Histoire universelle) (1681) وهو من المصنّفات العمدة ذات التداول الأكاديمي الواسع إلى أنّ محمّدًا نموذج للمخادع مدّعي النبوّة والرسالة، استطاع بسحره وتسخيره للجنّ والشيطان من مراوغة شعوب وأمم، مستغلًا جهلها وطيبتها وفطرتها في الإيمان الغيبي. كما أنّه حصّن نفسه باتهام كتب اليهود والمسيحيّة بالتّحريف والتّزوير حتّى لا يطّلع عليها مريدوه[9].

عجزت المركزيّة الغربيّة بنخبها وتنويرها في مقارعة سلطة الحقيقة والمصداقيّة الإسلاميّة بالحجّة والبرهان وتقديم القرائن الدامغة لدحض مشروعيّتها الروحيّة، المتميّزة بنصاعة مبادئها ووضوح شريعتها ومقاصدها وإنسانيّة غاياتها وأهدافها، فاتّجهت إلى صناعة صور نمطيّة متخيّلة ضمّنتها أنساقًا ثقافيّة متوهّمة، سرابيّة البنية، ضبابيّة المقصد، ضعيفة الإحكام، خرافيّة المبنى والمعنى، جاعلة من المُتخيَّل انبثاقًا لتصوّراتها وتمثّلاتها، المؤسّس عن تكوينها النفسي والفكري والأنثربولوجي الذي يكرّس الفكر البرّي المتوحّش بتعبير كلود ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss) (1908-2009) الموغل في العنصريّة والإيمان بالتفاوت بين الأجناس على أساس العرق واللون والدين.

وقد وقفت هذه الرؤى والمعتقدات المركزيّة حاجزًا أمام التواصل الحضاري وإقامة المثاقفة الندّية، وبناء ركائز حوار الحضارات والأديان، وعرقلة كلّ مبادرات ودعوات التنويريين المعتدلين من أمثال فولتيرvoltaire) ) ((1778-1694 ومونتسكيو (Montesquieu) (1689-1755) وفيكتور هوجو (Victor Hugo) (1802-1885).

مصنّفات «حياة محمّد» (La Vie de Mahomet)
إنّ المستعرض والمتصفّح لبيبليوغرافيّات السيرة الذاتيّة والغيريّة بالمكتبات الغربيّة يعثر على كمّ وعدد معتبر من المصنّفات والمؤلّفات التي تتعلّق بحياة الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وتحمل جميعها وسم «حياة محمّد» (La Vie de Mahomet).

وليست الغاية من هذا التقديم البحث في مكانة السيرة النبويّة في الفكر الاستشراقي، ولا تحليلًا وتفكيكًا لمناهج دراستها لغرض تصويب الشبهات والأغلاط بمختلف تجليّاتها وظهورها ودرجاتها، والتي شملت الهمز واللمز والطعن والزعم والإنكار والتناقض وغيرها من مظاهر الإقصاء والتكذيب وإشاعة الريب والشكّ.

إشكاليّة التسمية بين (Mahomet) و(Mohammad)
أوّل ما يثير الدهشة في التّعامل مع كتب سيرة الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) هو اسمه، حيث توظّف المنظومة الفكريّة الغربيّة مصطلح (Mahomet) لتعيينه وتحديد هويّته، بدلًا من الترجمة أو التعريب ليصبح (Mohammad).

وقد أرجع تريستان فيغليانو (Tristan Vigliano) (أستاذ الأدب الفرنسي في القرن السادس عشر) في كتابه (الإسلام ثقافتي) (L’islam e(s)t ma culture) أنّه يمكن استخدام المصطلحين (Mahomet) و(Mohammed) دون إشكال معرفي؛ لأنّه تقليد فرنسي قديم تمّ توظيفه في المعاجم والموساعات إلى غاية القرن السادس عشر رغم احتجاج ومعارضة الفكر الإسلامي؛ لأنّ مصطلح «محمّد» «كان اسم محمّد (Mahomet) يدلّ على جملة من الصفات والمفاهيم التحقيريّة، ففي القرن الثاني عشر كانت تحمل دلالات النقص والفاحشة. ويحمل تاريخ اللغة الفرنسيّة مقاربات ومصطلحات عدائيّة للإسلام منذ قرون، وهي سائدة ومازالت تسود، ممّا جعلنا ورثة لهذا المتخيّل اللغوي العدواني»[10].
وقد أجرت جريدة «العالم»الفرنسيّة تحقيقًا حول استخدام لفظة (Mahomet) بدلًا من (Mohammed) و(Muhammad) فحسب الأستاذ ميلود غرافي (أستاذ اللغة العربيّة بجامعة ليون الثالثة) «إنّ تشويه وتحريف اسم محمّد يعود إلى العصور الوسطى، وبشكل أدقّ إلى الترجمات اللاتينيّة الأولى للقرآن، حيث كان ينسخ اسم نبيّ الإسلام (Mahumet) وهذا الشكل موثّق منذ الترجمة الأولى للقرآن إلى اللاتينيّة، أي ترجمة رئيس دير كلوني بيير المبجّل، عام 1142، والتي تُدعى«ليكس ماهوميت» (Lex Mahumet pseudoprophete) بمعنى «قانون النبيّ الكذّاب محمد»[11].

ولم يحاول علماء اللسانيّات ومؤلّفو المعاجم تصويب أخطاء معاجمهم، التي تخضع بصفة دوريّة إلى المراجعات والإضافات والاشتقاقات لتوليد المعاني حفاظًا على نسقيّة اللغة في مواكبة التطوّرات وملاءمة المتغيّرات، ولكنّها أبقت على الإساءات المقصودة والمتعمّدة «يرد اسم (Mahomet) في الفرنسيّة القديمة مرادفًا لعبادة الأصنام، أمّا المحمّديّة (Mahomerie) فتعني المسجد ومعبد الآلهة المزيّفة والمعبد الوثني ثمّ عبادة الأوثان بصفة عامّة»[12].

دفع الحقد العقائدي والتعصّب الفكري إلى صناعة معجم لغوي خاصّ بالنبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) جمعت فيه كلّ مصطلحات الدونيّة ومفاهيم الاحتقار، مع مصادرة كلّ الآراء المغايرة والدراسات القائمة على المراجعة والتصويب والمعارضة والحجر على تقديم البدائل بالتّشويه والمنع والمقاطعة والحجز، لتسود وتشيع رؤيتهم الأحاديّة وتصورّاتهم الجائرة، فأصبح «محمّد في منظومتهم صنمًا أو وسامًا أو صورة»[13].
إنّ المعطيات والمعلومات والأفكار التي قدّمتها المركزيّة العقائديّة حول سيرة الرسول الأعظم تشكّل أطروحات وهميّة لا تقوم على برهان عقلي أو توثيق تاريخي، فهي عبارة عن أوهام لتسويغ عداوات ومواقف لا تقوم على سند علمي أو منهجيّة موضوعيّة، ويتجلّى العجز المعرفي في ضعفهم في الردّ على المنصفين والمعتدلين من أبناء جنسهم، الذين انتصروا للنبيّ الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لا نكاد نعثر على تكذيب أو معارضة أو تفنيد لمواقف غوته وفولتير وفيكتور هوجو..

تقوم الإرساليّة المتعصّبة على رسالة من مرسل ومتلق، فاعل ومنتج لخطاب استفزازي، يستقبله متلق غربي متشبّع بثقافة التطرّف والعنصريّة، فيقع في قلبه وعقله موقع اليقين، فيؤمن به على أنّه تهديد للهويّة والعقيدة، فيتحوّل تحت سلطته إلى مناضل يحمل لواء الدفاع عن العقيدة أمام المخاطر المتخيّلة من المركزيّة العقائديّة والفكريّة «يجهل الأوروبيّون في العصر الوسيط العالم العربي، فهم يردّدون هذا الاسم (محمّد) بتحفظات بيانيّة. فالكتابات اللاتينيّة تسمّيه (Mahomet) أو (Machomet) و(Mahomet) هي الترجمة التي استقرّت وانتهت إليها الترجمات في القرن الثاني عشر، وقد رأى المسلمون في ذلك استفزازًا متعمّدًا؛ لأن عبارة (Ma–humid) لفظة قريبة صوتيًّا من معنى (غير محمود) وهي مناقضة ومعاكسة للفظ «محمّد» الذي يعني (محمود)، وقد ظلّ وبقي الأوروبيّون مرتبطين ومتعلّقين بمفهوم القرون الوسطى على الرغم من رفض المسلمين»[14].
أنتج البناء التراكمي للأفكار المتكرّرة في مصنّفات ومؤلّفات المركزيّة الغربيّة حول سيرة المصطفى إلى تشكيل صور نمطيّة مبنيّة على أحكام عاطفيّة عقائديّة أو توجّهات فكريّة متحيّزة ومنحرفة.

فقد كتب الرهبان والقساوسة تاريخ سيرة الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وفق نظرتهم ومعتقداتهم ورسالتهم، ولأغراض خاصّة تهدف إلى تشويه صورته وخلق فوبيا منفّرة، ولذلك لم تتجاوز موضوعاتهم نطاق النبوّة ومصداقيّتها وتشريعاته وغزواته، فجاءت المقاربات في أنساق سرديّة تقريريّة بعيدة عن التحليل العميق والمنطق الحكيم، فجاءت الأفكار مكرّرة، مملّة وساذجة، بالإضافة إلى السطحيّة في العرض والتقديم «يعود أوّل ظهور لهذا الاسم «محمّد» (Mahomet) إلى اللغة اللاتينيّة القديمة المتداولة في العصور الوسطى، وبالضبط إلى الراهب راؤول غلابر (Raoul Glaber) (أوائل القرن الحادي عشر) الذي يصف («سارازين») (Sarracènes) (المنتسبين للإسلام) ويذكر نبيّهم الذي يسمّونه محمّد Mahomed[15]».

تتكرّر هذه الأفكار دون نقد موضوعي أو تصويب يستند إلى المنهج العلمي القائم على الحجاج العقلاني للدحض والتفنيد والإقناع في جميع المعاجم والموسوعات ومتون التاريخ القديم.
وعلى الرغم من تطوّر المناهج النقديّة وظهور فكر المقارنات، إلّا أنّ الدراسات الثيولوجيّة في الغرب بقيت رهينة الموروث العقائدي للمركزيّة الأوروبيّة وسلطة المعتقد الكنسي والفكر الكولونيالي، الذي يرفض المراجعات، ويكتفي بإعادة نشر مؤلّفات العصور الأولى للتواصل والاحتكاك بين الإسلام والمسيحيّة وبين الشرق والغرب.

«حياة محمّد» (La vie de Mahomet)
لا يتّسع في مقام البحث حجمًا استعراض جميع المؤلّفات التي حملت عتبتها المركزيّة عنوان «حياة محمّد» (La Vie de Mahomet) وإنّما سوف يتمركز العرض حول أهمّ المصنّفات القديمة التي أسّست لمرجعيّة فكريّة في الثقافة الغربيّة، فكانت لبنة أساسيّة في التأسيس والتأصيل لنمطيّة صورة الإسلام ونبيّه العظيم «تتمّ محاربة «الملّة أو البدعة المحمّديّة» بقوّة وقسوة إلى حدّ كبير، ونذهب إلى أبعد من ذلك بحيث نتّهم «محمّد» وننعته بأنّه عدوّ للمسيح، بعثه الشيطان لمعاقبة المسيحيّة النائمة أو الفاسدة. ومع مطلع عصر النهضة، ظهر تفسير آخر يشير إلى أنّ الدين الإسلامي يشكّل خداعًا سياسيًّا هائلًا يهدف إلى تأسيس ثيوقراطيّة، فمحمّد ليس مثل موسى أو حتّى المسيح، إنّه مجرّد دجّال طموح ومتعصّب»[16]، فتحوَّلت أفكارها ورؤاها وتصوّراتها بحكم التداول والإعادة والتّكرار والاقتباس والتّوثيق إلى مراجع يحتكم إليها الأكاديميّون والباحثون، ويستمدّون معلوماتهم وأفكارهم منها.

وبصرف النظر عن مصداقيّة هذه المرجعيّات وقيمتها العلميّة وكيفيّة بنائها وأسّس اعتمادها ومعايير مشروعيّتها، إلّا أنّها أصبحت مصدرًا ومنبعًا للفكر الأوروبي في نظرته إلى ثقافة الاختلاف و«الغيريّة»، وهما الفضاء الأكثر تجليًّا للدين الإسلامي وثقافة الشرق، ذلك أنّ جميع المراجع تؤكّد على أنّ الصورة تمّ هندستها وفق نظرة كنسيّة لاهوتيّة «نظرت الكنيسة إلى الإسلام على أنّه خطر جسيم ليس فقط لامتلاكه قدرة وقوّة غير عادية على التوسّع والانتشار، ولكنّه قبل كلّ شيء قد تسبّب في موت الكنائس المحليّة، التي وجب أن تكون لهم مكانة رئيسيّة في تصوّرها وإدراكها»[17].     
وتعتقد الكثير من الدراسات والأبحاث أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا التي يعيشها المسلمون في الغرب، هي نتيجة لتراكمات عقائد الكراهيّة والعدوانيّة التي انتشرت في الفكر الأوروبي خلال مراحل الصراع الصليبي وبدايات اكتشاف القرآن والإسلام، حيث يسرد المؤرّخ البريطاني نورمان دانييل (Norman Daniel) في كتابة (الغرب والإسلام، صناعة الصورة) (Islamand the West: The Making of an Image) (1958) أنّ أوروبا كلّها وبمتخلف تموقعها الجغرافي «تشترك ردود الأفعال المسيحيّة تجاه الإسلام قديمًا مع ردود الأفعال الحاليّة، فالتقليد لم يتغيّر ولم يغادر موطنه، فهو يحمل طبيعيًّا متغيّرات، ولكن للغرب الأوروبي دائمًا نظرته الخاصّة للإسلام التي تشكَّلت بين حوالي 1100 و1300 والتي لم تتعدَّل إلّا ببطء شديد»[18].

ويرى أنّ الصورة تكوّنت بناءً على كتابات تعود إلى العهود الرومانسيّة والعصور الوسطى وحتّى لفترة التنوير الأوروبي، الذي افتقد إلى التفكير العقلاني المؤسّس على المرجعيّة النقيّة معرفيًّا، والصافية توثيقًا، والراقية طرحًا ومنهجًا، لتصدر أحكامًا وقيمًا موضوعيًّة، وتكون منهلًا للبحث الأكاديمي الموضوعي «تدين المواقف الحديثة تجاه الإسلام بالكثير للرومانسيين والعصور الوسطى والتنوير«[19].
ينتقي البحث مجموعة من السير التي تناولت سيرة المصطفى، فترجمت لحياته، عارضة أخبار القرآن والمواقف والغزوات، وادّعت أنّها تستقي معلوماتها من مصادر عربيّة أصيلة إقرارًا للحقيقة وإقناعًا للمتلّقي الغربي، الذي يستقبل المعلومة والفكرة دون تحقيق أو نقد وتدقيق؛ لأسباب منها الموضوعيّة، وهي ما تعلّق بإتقان اللغة العربيّة وصعوبة الوصول إلى المصدر العربي، ومنها ما هو ذاتي ويرتبط بالعقيدة المسيحيّة والإيديولوجيا المركزيّة.

ومن أهمّ السير الغربيّة التي حملت عنوان «سيرة محمّد» (La Vie de Mahomet) ما يلي:
1- كشف المؤرّخ والمستشرق وعالم الدين الإنجليزي هامفري بريدو (Humphrey Prideaux) (1648-1724) في كتابه عن سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والموسوم بـ «الحقيقة الطبيعيّة للخديعة المنتشرة في حياة محمّد» والمعروفة بـ»حياة محمّد» (1697) يحمل الكتاب أكاذيب وأقاويل وسرد أحداث متخيّلة، بحيث يمكن التحقّق من مصداقيّتها تاريخيًّا، بالإضافة إلى التأويل والقراءة المتحيّزة والسطحيّة للأحداث والمواقف، فالكتاب يشكل بيانًا صريحًا لعدوانيّة عنصريّة لا تستقيم عقلًا ولا تاريخًا، فيتجلّى الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) طوال الوقت على أنّه رجل ماكر ومتلاعب قام عن قصد بالتظاهر بالرؤى والكتاب المقدّس من أجل تعزيز مكانته «في بداية المخادعة مال محمّد نحو اليهود والنصرانيّين، وقد قدّم مذهبه الجديد وفق نموذج الديانة اليهوديّة، هؤلاء اليهود الذين انقلب عليهم بعد وصوله إلى المدينة»[20] وتستمر الافتراءات حول مصداقيّة الرسالة لتصل إلى قمة الاتهام بالانتحال فهي عبارة «عن اقتباسات من العهدين القديم والجديد، فجميع القصص والنصوص مأخوذة من الكتب المقدّسة المسيحيّة لتمنح لخداعه بعدًا إغرائيًّا تأثيريًّا»[21].

ولمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) حسب الكاتب رغبات ونزوات تطوّرت مع حالته النفسيّة للسلطة إلى أهداف وغايات، وهو لا يدّخر جهدًا ولا وسيلة لتحقيق طموحاته وجشعه «الهدف الأوّل من خديعته هي تحقيق طموحه وجشعه، وكلّما تقدّم به العمر زاد جشعه وحبّه للسلطة»[22].

يواصل الكاتب رصف الاتّهامات وهندستها لتتماشى مع قناعاته العقائديّة، موظفًا ومستخدمًا كلّ الألفاظ والمصطلحات التي من شأنها التّشكيك في الرسالة المحمّديّة، وقد توزّعت المغالطات على محورين:
أ- خصّص القسم الأوّل من افتراءاته للقرآن الكريم فهو في نظره نسيج من السرد القديم للأساطير والخرافات، بالإضافة إلى اقتباسات من الكتب السماويّة القديمة.
ب- حشد أوصاف الجشع والقتل وحبّ السلطة والغواية للرسول الكريم، لصناعة نموذج يوافق ويناسب الصورة التي رسمها المؤلّف لعنوان كتابه “المخادع الأكبر”.

2- حياة محمّد (La Vie de Mahomet)
صنّف هذه السيرة الكاتب الأمريكي إيفرينغ واشينطن (1783-1859) تحت وسم (Washington Irving, Mahomet and his successors: Muhammad, Prophet, d. 632, Islam, Islamic Empire - History) (واشنطن ايرفينغ، محمّد وخلفاؤه، النبيّ محمّد، ت 632، الإسلام، تاريخ الإمبراطوريّة الإسلاميّة) المترجم إلى اللغة الفرنسيّة سنة 1865، تحت عنوان “حياة محمّد” (La Vie de Mahomet) ويشتمل الكتاب على فصول متعدّدة تتناول (ملاحظات أوّلية حول شبه الجزيرة العربيّة والعرب) (طفولة محمّد) (عادات متعلّقة بمكّة والكعبة) (رحلة محمّد الأولى نحو سوريا) (اهتمامات محمّد التجاريّة وزواجه من خديجة) وغيرها من المباحث المتعلّقة بالوحي.

وانطلاقًا من المقدّمة تبدأ سلسلة الإشارات المشبوهة حول حياة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فجاءت مقتضبة مشكّكة في مصداقيّة الرسالة «يروي الكاتب عن محمّد ما نعرف أنّه صحيح، وما ابتدعته واختلقته الأساطير الشرقيّة حوله، ممّا يمكّننا من بناء حكمنا على الرجل وأن نفهم هذا الرسول وأتباعه»[23].

يسعى الكاتب إلى إثبات نسخ القرآن وتأثّره بقصص ومبادئ المسيحيّة، التي سادت شبه الجزيرة العربيّة، وتعلّمها محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) من رهبانها وطوائفها عند احتكاكه بهم وتواصله مع دلالاتها وتشريعاتها الروحيّة، حتّى انعكس هذا التأثير في قرآنه الذي يشعّ بأفكار وعقائد المسيحيّة «إنّ النظام المعروض في القرآن، يستند أساسًا إلى العقائد المسيحيّة الواردة في العهد الجديد، وقد تمّ تقديمها وتعليمها إليه من الطوائف المسيحيّة في شبه الجزيرة العربيّة»[24].

ويتواصل التجنّي على القرآن بتبنّي تراكمات الموروث المسيحي الكهنوتي المبني على التحريف من خلال نقل وتكرار الشبهات والمغالطات دون استقراء للتاريخ لفهم جذور التأثير والتأثّر ومعرفة الإمكانات الفكريّة والعقائديّة التي يجب استحضارها وتوفّرها لفهم وإدراك مضامين الرسالات السماويّة القديمة.

لقد اقتضت المعتقدات المذهبيّة للكاتب على الإصرار في إثبات تهمة الأصول المسيحيّة للقرآن، فتحوّلت الكتابة في السيرة النبويّة عند كتّاب الغرب إلى مشاريع عقائديّة/ أيديولوجيّة غرضها التّشكيك في قداسة القرآن، وإلصاق شبهات الاقتباس من الديانات القديمة «عاد محمّد إلى مكّة، وخياله مملوء بالحكايات والتقاليد الوحشيّة التي جمعها من الصحراء، وكان عقله متأثّرًا بشدّة بالمذاهب التي شرحت له في الدير النسطوري. ويبدو أنّه يحتفظ دائمًا باحترام غريب لسوريا منذ ذلك الحين، ربّما بسبب التعليمات التي تلقّاها هناك»[25].
وسيرة إيفرينغ تحمل بعض الإنباء والإخبار الموضوعيّة، فليست كلّها تشكيكًا وسردًا للمثالب والنقائص، فقد ذكر في مواقف عديدة مشاهد منصفة وعادلة، من ذلك ما تعلّق بمسألة انتحال صفة النبوّة، وخديعة اصطناع الوحي ودجل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) فقد وضَّح الكاتب أنّ الكثير من القضايا المذكورة في هذا الباب منسوبة له من رواة ومؤرّخين ومتعصّبين ومناهضين أرادوا تشويه صورته ورسالته «والسؤال المطروح الآن: هل محمّد هو الدجّال الوقح الذي قيل؟ هل كانت كلّ رؤاه وآياته الكثيرة أكاذيب مقصودة؟ وأنّ نظامه كلّه نسيج من الخداع؟ فعند النظر في هذا التّساؤل، لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أنّه ليس مسؤولًا عن كثير من المبالغات والأقاويل التي قيلت باسمه، فالعديد من الرؤى والإيحاءات المنسوبة إليه ملفّقة»[26].

ويشير إلى أنّ السنّة وحياة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) تعرّضتا أثناء فترات التّدوين والرواية الشفهيّة إلى التّحريف، بالزيادة والنقصان، ممّا فسح المجال للخرافات والأساطير بالتموقع والظهور في العديد من المواضع والأحداث «إنّ الوثائق المكتوبة حول حياة محمّد، مشبّعة بالتّحريفات والتّغييرات، وسيرته مشوّهة بالخرافات والأساطير، وهذا يعيق الوصول إلى معرفة حقيقة شخصيّته وسلوكيّاته»[27].

 وربّما تتجلّى عظمة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في خلاصة السيرة، فهو رغم الانتصارات ونجاح الفتوحات وكثرة أموال الجزية والخراج، فقد التزم بالأخلاق السامية من تواضع ومحبّة للآخرين «لم توقظ فيه الانتصارات العسكريّة كبرياء ولا غرورًا، كما كان سيحدث لو كانت رسالته بدوافع شخصيّة. لقد احتفظ بالبساطة في زمن سلطته القويّة، وكان بعيد التأثّر بالفخامة الملكيّة، وكان يمقت المبالغة في المدح، تجلّت رسالته في تعميم الإيمان والعقيدة... وكانت ثروات الجزية وغنائم الحرب تذهب لتجهيز انتصارات جيش العقيدة وفقراء المسلمين»[28].

3- هنري دولابورت «حياة محمّد، من القرآن والمؤرّخين العرب»
)Vie de Mahomet, d’après le Coran et les historiens arabes, par P-Henry Delaporte,(
منجز هذه السيرة باسيفيك هنري دولابورت (Pacifique-HenriDelaporte) (1816-1877) الدبلوماسي الفرنسي المولود بطرابلس، وابن المستشرق جاك دونيس دولابورت (Jacques-Denis Delaporte) (1777-1861) وتجسّد هذه السيرة أيضًا مركزيّة ذهنيّة نمطيّة في طرحها ومنهج معالجتها لأحداث سيرة المصطفى وأبرز محطّاتها في تبليغ الدعوة، فقد أهملت الجوانب الروحيّة والعقائديّة التي جاءت بها الرسالة المحمّديّة من حيث مبدأ جوهري يتمثّل في إخراج البشريّة من التعدّدية الوثنيّة والشرك المركب إلى الوحدانيّة والتوحيد.
فكثير من الصور جاءت مشوشة وملتبسة وغير واضحة، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى اعتماد الكاتب على مرجعيّات متناقضة، موزّعة بين الإنكار والجحود والإقرار والاعتراف المشروط بتحفّظات تدلّ على التخبّط المعرفي والتاريخي والعقائدي.

فأغلب السير التي استند عليها المؤلّف كمراجع تعتبر محمّدًا دجّالًا، ودينه عبارة عن جملة من الاقتباسات السماويّة القديمة، التي وظّفها بذكاء ودقّة خدمة لأغراضه السلطويّة التوسعيّة ورغباته العدوانيّة «لم يخترع مؤرّخو حياة “محمّد”الأحداث، لكنّهم يروون أخبارًا استعاروها من المؤرّخين العرب ومن الوثائق المعتمدة ومن هذه المصادر رسمنا أنفسنا»[29].

والمقصود بمؤرّخي سيرة الرسول الأعظم المستشرق الفرنسي جون غارنيه (Jean Gagnier,) (1670-1740) صاحب كتاب «سيرة محمّد» (1732) والمستشرق الإنجليزي همفري بريدو (Humphrey Prideaux) (1648-1724) صاحب سيرة «حياة محمّد» الذي اتهمه في عنوانها بالدجل والخديعة The True Nature of Imposture fully display’d in the Life of Mahomet ou Lifeof Mahomet سنة 1697 وهنري دي بولانفيلييه (Henri de Boulainvilliers) (1658-1722) صاحب كتاب (سيرة محمّد، مع تأمّلات في الدين المحمّدي، وعادات المسلمين) (La Vie de Mahomed; avec des réflexions sur la religion mahometane, & les coutumes des musulmans) (1730) والذي جاء في مقدّمته «إنّ محمّد هو مؤسّس الإمبراطوريّة الأوسع والأكثر رعبًا من الإمبراطوريتين المقدونيّة والرومانيّة، وهو أوّل ملك للعرب بفضل ابتداعه لدين جديد»[30] وجورج سال (George Sale) (1697-1736) الذي قدّم ترجمة للقرآن الكريم سنة 1734، مبتدئًا بتنبيه للقرّاء من خطورة هذا الكتاب الذي يحمل أفكار العنف والقتل والتثوير، وأنّ «هناك أدلّة مقنعة بأنّ المحمّديّة لم تكن سوى اختراع بشري، وأنّها تدين بتقدّمها وتأسيسها بالكامل للسيف، وهي صورة أصليّة للمسيحيّة، وبقوّة السيف استطاعت السيطرة على العالم»[31].
شكّلت هذه النماذج أرضيّة للكاتب لبناء كتابه وتنضيد فصوله وأبوابه، فجاءت معلوماته معهودة ومتداولة من عمليّات التكرار، من ذلك نسبة القرآن الكريم للرسول الكريم.

بعض أفكار السيرة امتداد لموروث غربي كثير التداول والحضور في الكتابات التحليليّة والتوثيقيّة لحياة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) منها نزعه صفة الألوهيّة عن القرآن والاعتقاد بأنّه تأليف بشري «لم يكن مؤلّف القرآن أقلّ جدارة بالثناء من ناحية الصفات الاجتماعيّة»[32].

فالتناقض سمة من سمات الخطاب مزدوج المرجعيّة، لم يتمكّن الباحث من التحرّر من مخلّفات المركزيّة، فهو يؤمن ببشريّة القرآن وتعاليمه، وفي نفس الوقت يعدّد مزايا محمّد الأخلاقيّة التي تتجاوز أطر الصفات والمزايا الطبيعيّة بتسامي قيمها وعلوّها «سكنت المشاعر النبيلة والسخيّة قلبه، فقد شوهد وهو يبكي على موت صديق في لحظة ضعف لنبيّ مرسل من الله»[33].

فالجمع بين «مؤلّف القرآن» و«نبي مرسل من الله» معادلة توحي بالتخبّط المعرفي والتشويش المنهجي، ممّا دفع بالكاتب إلى التناقض في مواطن عديدة من سيرته.

على الرغم من انتقاد الكاتب لمناهج التأليف في السيرة عند العرب والغرب، فقد مال العرب إلى المبالغة وتكثيف المادّة السرديّة، والتي غالبًا ما تتّسم بالدعم من الخرافات والأساطير والاستناد إلى الأساليب المدحيّة، في حين مالت المصنّفات الغربيّة إلى ترويج المغالطات وتكذيب الوحي، إلّا أنّ الكاتب نفسه قد يسقط في إعادة بعض الشبهات «تقدّم حياة محمّد العديد من الميّزات التي تمّ استعارتها بوضوح من الكتب المقدّسة للمسيحيّين، والتي أوردها علماء الدين المسلمون لتعويض ندرة الأخبار الأوّلية وعقم الأساطير في الكشف عن العجائبي والأحداث الخارقة والسطحيّة»[34].

بمقارنة هذه السيرة مع نسخ ونماذج مماثلة في التاريخ لسيرة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه يمكن استصدار حكم أوليّ بأنّها تمتاز بنسبة مرتفعة من المصداقيّة من حيث الطرح والمقاربة وسرد الأحداث وتأويلها، كما أنّها مالت إلى تجنّب وتجاوز كلّ ما يطعن في نبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ويشيع عنه أوصاف الكذب وحبّ السلطة والدم مع تخليد صفاته وأخلاقه من صدق وسخاء وسماحة.

4- فولتير؛ من «محمّد» المعتصّب إلى النبيّ الأمين
اشتهر فولتير (Voltaire) (1694- 1778) منظّر الحرّية والإصلاح الاجتماعي للثورة الفرنسيّة بالدفاع عن حريّة المعتقد والإيمان، وقد ارتكزت أعماله على انتقاد دوغمائيّة الكنيسة الكاثوليكيّة رافضًا جمودها الفكري وتعصّبها المذهبي. وقد درس كمفكّر تنويري مسائل العقيدة للأديان السماويّة، منتقدًا مفاهيمها للكون والوجود، والألوهيّة والتّشريع وغيرها من القضايا الفلسفيّة الوجوديّة، ممّا سبّب له عداوات وصراعات متعدّدة ومتنوّعة، خاصّة مع رجال الدين.

فقد اعتبر الكتاب المقدّس مرجعًا قانونيًّا وأخلاقيًّا، أمّا اليهوديّة فقد شكّك في وجود موسى -عليه السلام- واعتبر وجوده أسطورة.

وقد اتّخذ موقفًا حادًّا وعدائيًّا من الإسلام معتبرًا القرآن الكريم اختراعًا محمّديًا، بعد اطّلاعه على ترجمته الإنجليزيّة التي أنجزها جورج سال.

التعصّب أو النبيّ محمّد (Le fanatisme ou Mahomet leprophète)

ألّف فولتير هذه المسرحيّة سنة 1739، وتمّ تقديمها لأوّل مرّة على ركح مدينة ليل (Lille) سنة 1741 وباريس (Paris) 1742 قبل منعها من البرلمان الفرنسي.

أفكار المسرحيّة معهودة ومتداولة في المنظومة الفكريّة الفرنسيّة خاصّة، والغربيّة عامّة، فهي لا تعدو أن تكون تكرارًا لأفكار نكران النبويّة وقداستها، مع التأكيد على اقتران الإسلام ورسالته بالعنف والقتل وحبّ التوسّع والسبي والسرقة وغيرها.

تتوزّع مشاهد المسرحيّة على خمسة مشاهد، ويتقاسم البطولة والحوار ستّة ممثلين، بمصاحبة فرقتين (مكّيّة وإسلاميّة) في حين لم تتجاوز مضامين الحوارات مواضيع الدجل والعنف والتقوّل والكذب والخداع.

إنّ أبرز أفكار المسرحيّة تضمّنتها المقدّمة، فالمقدّمة حملت إهداء الكاتب لجلالة ملك بروسيا[35]، وفيها المسرحي وتوجّهاته ومعتقداته ومواقفه من محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته، وقد بدأها بعبارة استفزازيّة «إذا كانت أعين الحجاج تتّجه نحو هذه المدينة (الكعبة) فإنّ عيوني تشرئب نحو فنائكم»[36] ويؤكّد أنّه حريص على تخليص البشريّة وإرشادها لمخاطر محمّد، فإنّ دافعه لكتابة هذه التراجيديا هو «حبّ النوع الإنساني والفرع من التعصّب»[37] ثمّ يعتذر من الجمهور لأنّه يعرض عليهم مشاهد التعصّب، ومؤامرات «محمّد» تحت أقنعة الدين وشعارات الخير والسلم، لذلك فلم يكتف بعرض سيرته منفصلة عن أخلاقه وتشريعاته الدمويّة «لم أدَّع أنّني أعرض فقط الفعل الحقيقي على المسرح، ولكنّ الأخلاق الحقيقيّة لجعل الناس يفكّرون في الظروف التي يمكن أن يجدوا أنفسهم فيها، وأخيرًا لتصوّر أبشع الخداع الذي اخترعه، وفظاعة تعصّبه. وما محمّد هنا سوى طارطوف[38] بأسلحة في يده»[39].
منعطف حاسم وتصويب مسار فكري جذري حدث لمسيرة فولتير الفكريّة، فقد انطلق من الإنكار والقدح والقذف للأديان عامّة، بتجريدها من القداسة والأبعاد السماويّة وتسفيه عقائدها وشرائعها والاستخفاف برسلها وتكذيبهم واتهامهم بالدجل وممارسة الخديعة، ليتحوّل إلى معترف ومادح ومنصف.

وقد نال محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) نصيبًا وافرًا من التحقير والسخرية في مسرحية «التعصّب أو النبي محمّد» لينتقل في مراجعة معرفيّة إلى الإقرار ببدائل وتصويبات، جعلت من فلسفته نموذجًا للموضوعيّة والاعتدال لفيلسوف تنويري اهتدى بفضل أبحاثه واستطلاعاته التاريخيّة إلى تصحيح انحرافاته الفكريّة، التي تبنّاها لأسباب موضوعيّة وذاتيّة.

وكانت شهادته حول موثوقيّة السيرة النبويّة وشموليّتها أوّل تزكية قدّمها فولتير، وكانت محور مركزيًّا لتحولّاته الفكريّة «لا يوجد أحد من المشرّعين أو الفاتحين كتبت سيرته بنسبة عالية من المصداقيّة والتفصيل من معاصريه كحياة محمّد»[40]. ويُعيد مكانة العرب وموقعها بين الأمم والحضارات والثقافات إلى محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) فهو الذي ضحّى من أجل إنجاح دعوة التوحيد، وترسيخ القيم الإنسانيّة النبيلة والراقية «إنّ عبقريّة الشعب العربي ترجع إلى محمّد بمفرده، فهو الذي بدأها منذ ثلاثة قرون، وهي مسيرة تشبه عبقريّة الرومان القدماء»[41].

وقد كانت مواقفه ومراجعاته سببًا في إعادة قراءة أفكاره وتأويل اعترافاته، خاصّة مواقفه من الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى درجة أن اعتبره البعض «أوّل يساري مسلم»[42].
وتساءل آخرون مكتشفين جهلهم به بعد كتاباته المتعلّقة بالإسلام، وهو الفيلسوف التنويري الذي له تأثيره في النخب الثقافيّة والسياسيّة. ففي فصل (هل هو عنصري أم إنساني) يجيب مؤلّفًا كتاب (من أنتم السيد فولتير) (Qui êtes-vousMonsieur Voltaire)[43] بأنّه يسعى ككل مثقّف تنويري الوصول إلى الحقيقة وإدراكها من خلال التناقضات والأطروحات الجدليّة للوصول إلى اليقين.

  أنتجت عقلانيّة «فولتير» منهجًا علميًّا موضوعيًّا يجسّد رحلة البحث عن الحقيقة، فقد كانت آراؤه ومواقفه وتصوّراته حول الأديان عامّة ورسول الإسلام خاصّة أرضيّة لتحرير العقل من الهوى والانتماءات الأيديولوجيّة.

والبحث عن الحقيقة في التاريخ والعلوم الإنسانيّة عمليّة شاقة تتطلّب الدقّة والإرادة والشجاعة لاتّخاذ القرارات وتعديل المواقف، خاصّة إذا تعلّق الأمر بديانة مغايرة وبشخصيّة تنويريّة ذات نفوذ أكاديمي وتشريعي «خيّم الجهل منذ زمن بأنّ نساء إماء (مفرد آمة) عند المسلمين طوال حياتهن، ولا يدخلن الجنّة بعد وفاتهن. وقد كرّسنا هذين الخطأين على المسلمين، والحقيقة أنّ زوجات المسلمين لسن إماء»[44].

ولعلّ خلاصة أفكاره حول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين، هي ما أثبته تقريرًا مباشرًا في معجمه الفلسفي في صيغة تحدّيات للرهبان والقساوسة عن تشريعات الإسلام وإيمان المسلمين بها. فهو يرى أنّها تضحيات إيمانيّة لا يمكن أن تتحقّق أو تُنجز إلّا ضمن عقيدة وفطرة سليمة »أقول لكم مرّة أخرى، أيّها الجهلاء الحمقى، الذين جعلهم الجهلاء يعتقدون أنّ الدين المحمّدي شهواني وحسّي، ليس كذلك؛ لقد تمّ خداعكم في هذه النقطة كما هو الحال في العديد من النقاط الأخرى، أيّها الكنسيّون والرهبان والكهنة ماذا لو منعوكم من الطعام والشراب من الرابعة صباحًا إلى العاشرة ليلًا في شهر جويليه (تموز) وهو شهر الصيام؟ ماذا لو منعوك من ألعاب الحظ تحت وطأة عقوبة اللعنة؟. وماذا لو منعوك من شرب الخمر لنفس العقوبة؟. ماذا لو طلب منك أداء فريضة الحج في صحراء ملتهبة؟ وماذا لو طلب منك دفع اثنين ونصف من دخلك للفقراء؟ وماذا لو كنت مستمتعًا بثمانية عشر امرأة وطلب منك الانفصال عنهن، وإبقاء أربعة فقط عن حسن نيّة؟ فهل تجرؤ على تسمية هذا الدين بأنّه حسّي؟«[45].

محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في مؤلّفات لامرتين؛ من الدعوة إلى العظمة
أ- محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في رحلة الشرق للامرتين
تميّزت قرون التنوير الغربي بالرحلة نحو المشرق، فتعدّدت الرحلات وتنوّعت لاكتشاف فضاءاته السحريّة والعجائبيّة والروحيّة، بينما تباين النوايا والأهداف والغايات، فحملت أبعادًا دينيّة وثقافيّة وأدبيّة.

فقد تشكّل «الشرق» في المخيال الغربي وفق منظومة مركزيّة تحمل وتؤمن برؤيتها الذاتيّة حول المثاقفة والغيريّة. فجدليّة الأنا والآخر تأسّست وتأصّلت من صراع المركز والهامش، فالمركز تؤثثه أوروبا بقوّتها وثقافتها وقيمها، في حين بقي الهامش رهين صورته النمطيّة القديمة التي تهندسها وتهيكلها سلبيّات التخلّف والبربريّة والوحشيّة.
وضمن رحلات الشرق (Les Voyages en Orient) انفردت وتميّزت رحلة ألفونس دو لامرتين (Alphonse de Lamartine) (1790-1869) الموسومة بـ(رحلة إلى الشرق) (Voyage en Orient) (1835) فكانت فتحًا جديدًا في تقنيّات الكتابة الرحليّة، فهي ليست سردًا توثيقيًّا لكرونولوجيا الأحداث، ووصفًا سطحيًّا لجماليّات المكان، فقد أبحر الكاتب في تاريخ المجتمعات الشرقيّة مفكّكًا ثقافتها وعقائدها.
فاستعراض مضمون الرحلة بجزأيها، نعثر على شهادات عادلة ومنصفة للإسلام ورسوله الكريم، من مفكّر وشاعر ومؤرّخ، شكّل بحضوره الإبداعي نموذجًا للمثقّف الواعي والسياسي المناضل (شارك لامرتين في إعلان الجمهوريّة الثانية). فقد اعتبر جازمًا، متحدّيًا المركزياّت ومنظوماتها الفكريّة والعقائديّة بأنّ الرسول «لم يدَّعِ محمّد الألوهيّة، فهو رجل متشبّع بروح الله فقط، كما أنّه لم يدعُ إلّا لوحدانيّة الله ومحبّة الناس»[46].

كان هذا الإقرار قطيعة مع الموروث الغربي وتصوّراته للإسلام، ممّا دفعه إلى تمحيص مبادئ القرآن لتصويب رؤى وتمثُّلات عششت في المخيال والوعي الجمعي الأوروبي «يجب أن ننصف ديانة محمّد، إنّها عبادة فلسفيّة تفرض واجبين كبيرين على الإنسان؛ الصلاة والصدقة. هاتان الفكرتان العظيمتان هما في الحقيقة أسمى القيم في كلّ دين، وينادي الإسلام أيضًا بالتسامح، وهي قيمة تفرّد بها بين الأديان»[47].

ويفنّد لامرتين ادّعاءات كتّاب العصر الوسيط في رميهم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بتهم التوسّع وحبّ السلطة، وهي المغالطات والشبهات التي تكرّرت في كلّ الكتابات المفسّرة للفتوحات الإسلاميّة، وهي عبارة عن صفات جاهزة وأفكار سطحيّة ومرتجلة، فرسالة الإسلام لا تتجاوز عبادات خالصة لله كمتفرّد بالوحدانيّة والعبادة دون سواه «كان محمّدًا يدعو القبائل البربريّة التي تشرك بالله في شكل عبادات بسيطة إلى عيد سنوي ووضوء وخمس صلوات موزّعة على اليوم، كما ترتكز عقيدته على أنّ الله هو الخالق والمُكافئ»[48].

تكشف شهادة لامرتين ومواقفه حول الإسلام عن ذات واعية، باحثة، فقد قارن بين مضامين القرآن والأساطير القديمة والمعجزات المتداولة في الديانات الأخرى بمختلف مللها ونحلها، ليخلص إلى أنّ الإسلام بريء ومنزّه عن الكثير من السردياّت والمرويّات المنسوبة إليه «اختلطت برسالة محمّد ذكر بعض الأحداث والمعجزات، ولكنّها أساطير إسلاميّة ليست من جوهر الدين، ولا يقرّها إلّا الأتراك (المسلمين) المستنيرين. ولكلّ الأديان أساطيرها وتقاليدها الفلسفيّة الغامضة، وتنأى الديانة المحمّديّة الصافية عن هذه المغالطات الفظّة»[49].

ب- محمّد في كتاب «عظماء رجال الشرق»
المدوّنة
كانت عتبة العنوان «رجال الشرق العظماء» (Les grands hommes de l’Orient) صدمة معرفيّة للمركزيّة الثقافيّة، التي تعتقد بأنّ الكمال المعرفي والعبقريّة والعظمة صفات للرجل الأبيض؛ لإيمانها بالتفاوت الذكائي بين الأعراق والأجناس، فصفات التفوّق والتميّز والتفرّد سمات محتكرة لمجتمعها وحضارتها، أمّا «الآخر/ المختلف» فهو رمز للشعوذة والروحانيّات الخرافيّة والوحشيّة والشهوانيّة.

وجاء الكتاب كرسالة ذات محمولات دلاليّة متعدّدة، منها محاربة الإقصاء والصور النمطيّة والأفكار المسبقة التي تشكّلت وصنعت صورة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهي إعلان وبيان يؤكّد التكامل الإنساني في ميدان الحضارة والثقافة، مفنّدًا فكرة النقاء، باعتبارها من الأوهام التي تسكن عقول التعصّب وفكر العنصريّة.

يقع الكتاب في زهاء أربعمئة صفحة، متوزّعة على ثلاث شخصيّات، اعتبرهم لامرتين هم عظماء الشرق، دون تعليل أو توضيح يفسّر ويبرّر ويعلّل الاختيارات، وهم نبيّ الله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) والقائد المغولي تيمورلنك (Tamerlan) (1336م-1405م) الفاتح التركي المغولي الذي أسّس الإمبراطوريّة التيموريّة في أفغانستان الحديثة وإيران وآسيا الوسطى وما حولها، وأصبح أوّل حاكم من السلالة التيموريّة والسلطان التركي جَم وبالتركيّة (Cem Sultan)‏ (864 -900هـ/ 1459- 1495م) وهو أمير عثماني ابن السلطان محمّد الفاتح المعروف عند الفرنجة باسم «زيزيم» (Zizim).
وقد صنّف الكاتب شخصيّاته مبتعدًا عن تقديم القرائن والمبرّرات الحجاجيّة لإقناع المتلقّي بالعظمة، فالعلاقة الجامعة بين الشخصيّات الثلاث تكاد تنعدم من حيث الرسالة والوظيفة والتكوين والبنية العقائديّة.

يعتبر هذا الكتاب من الناحية المنهجيّة تكملة لمشروعه حول صناّع الحضارة في العالم من أدباء وقادة ومؤرّخين ومفكّرين وفلاسفة، والذين صنّفهم لامرتين بأنّهم مؤسّسو صرح الحضارات الإنسانيّة. نشر لامرتين كتابه الموسوم بـ «الحضاري؛ تاريخ الإنسانيّة من خلال عظماء الرجال» (Le Civilisateur, Histoire de l’humanité par les grands hommes) وقد قسّمه إلى ثلاثة أقسام صدرت في ثلاثة أجزاء متتالية، حيث صدر الجزء الأوّل سنة 1852، وخصّصه للفاتحين والمقاتلين وزعماء التاريخ، ومنهم جان دارك وكريستوف كولمبس وهوميروس وغيرهم، وتناول الجزء الثاني (1853) الفلاسفة والأدباء، ومنهم سقراط وكرومويل، واستعرض في الجزء الثالث (1854) حياة ومواقف بعض الشعراء، ومنهم ميلتون، وشهد هذا الجزء وجود الشاعر الجاهلي عنترة.

وقد ذكر أنّ كتاب محمّد من ضمن الكتب العالميّة التي أسّست للحضارة «تتلخّص الحضارة كما روتها الإنسانيّة في تظاهرة واحدة هي: الكتاب، وما الكون إلّا مجموعة من الأناجيل. كان لزرادشت، وموسى، وكونفوشيوس، ومحمّد كتب احتوت حضارات وأخلاق وتشريعات وفلسفات وعقائد ولاهوت، وكلّها يسعى لاحتواء العالم، وسوف يخضع العالم للكتاب الأكثر قداسة وإنسانيّة»[50].

يتميّز لامرتين في تدوينه لسيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) المقتضبة، والتي انتقى بعض الجزئيّات منها للتأكيد على عظمته وتميّزه وتفرّده، على أسلوب فلسفي تحليلي، تجاوز فيه التوثيق والسرد التقريري المباشر، بالإضافة إلى ابتعاده عن استحضار المواقف الجدليّة والمشاهد المختلف حولها قولًا وحدثًا في مصنّفات مؤرّخي السيرة النبويّة العربيّة.

فجاءت السيرة في شكل مقالات مبوّبة باستقلاليّة موضوعاتيّة، ضمّنها الكاتب ما استوقفه من صفات ومزايا ومواقف استنبط منها عظمة محّمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

رجل الدولة؛ الجامع الموحّد
لعلّ معالم العظمة الأولى التي أثارت الكاتب فافتتح بها حديثه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) تنطلق من توحيده لشتات شعوب وقبائل متناثرة ومتقاتلة في شبه جزيرة العرب، لا يجمعها دين ولا عقيدة، ولا يحكمها تشريع بعينه. فدياناتهم وعباداتهم عبارة عن طقوس متنوّعة، لا تستند إلى عقيدة سماويّة، فهي معتقدات متوارثة تجمع بين التراث الشعبي الفولكلوري وبين أساطير وخرافات قديمة مجسّدة في هيئة أصنام تُعبد وتُقدّم لها القرابين «لم يكن العرب قطّ شعبًا، فهم مجموعة من السكّان والقبائل والأسر وحشود أخرى كثيرة، بعضهم مدنيّون وأغلبهم من الرحّل... القبائل الرئيسيّة كثيرة العدد، وهي ثريّة بالأراضي وقطعان المواشي، وهم مشهورون بالحرب»[51].

وسط هذا الفضاء الوثني ومناخ الشرك المركّب، جاء التحدّي الأوّل لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في جمع العرب وسكّان الجزيرة حول دين واحد، فكان هذا الرهان رسالته الجوهريّة ومركزها المحوري، الذي يتمثّل في إخراج الناس من التعدّديّة الوثنيّة إلى التوحيد.

ترتبط فلسفة إقامة الدولة بالقيادة الراشدة والحكامة التشريعيّة التي تراعي المقاصد، وتحرص على حماية العقل والمال والنسل والنفس، فاتزان شخصيّة القائد وتوازن مختلف جوانبها السيكولوجيّة والسوسيو-ثقافيّة سبيل لاكتساب ثقة الرعيّة، ممّا يسهّل مسؤوليّات التسيير والتوجيه والإرشاد والتخطيط.

ولقد كانت شخصيّة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) مؤهّلة للقيادة بصفاء السريرة ونقاء الروح وتجاوز العداوات والإساءات، بالتسامح بعيدًا عن الحقد والانتقام، حتّى ارتبطت رسالته بهذه القيمة «لقد عفا محمّد عفوًا عامًّا، متجاهلًا كلّ التّهم والشتائم الشخصيّة التي تعرّض لها»[52].

حارب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) خطاب الكراهية بالحجّة والبيّنة، فانتصر بالقيم الفاضلة من تسامح منبثق من قوّة المنتصر، فلم يلجأ إلى الانتقام والمعاملة بالمثل في ردّ العداوة بإراقة الدماء، بل جعل من أخلاق الإحسان والتسامح والعفو سبلًا في السيطرة على العقول والقلوب «لقد ضرب محمّد مثالًا على الشهامة الخارقة تجاه أولئك الذين آذوه في الصميم»[53].

شخصيّة المبعوث المربّي دفعت به إلى تعميم صفة التّسامح على أصحابه ليكونوا صدى ونموذجًا لتعليمه وتشريعه، فمنعهم ممّا منع منه نفسه، فنهى أحد قادته عن التهديد بالقتل؛ لأنّ رسالته هي دعوة للتّسامح والإخاء والسلم، واضطر إلى إقالته «أراد محمّد أن ينتصر دون إراقة الدماء، لذلك أقال أحد قادة جيشه حين نادى «اليوم يوم المذبحة»[54].

لم يسع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى صناعة مجد شخصي أو تحقيق سلطة سياسيّة تمكّنه من الرئاسة والقيادة، لأهداف وغايات سلطويّة دنيويّة، فرسالته تجلّت في تمكين دين الله من النفوس وتحريرها من المادّة إلى الروح السامية، وهذا الهدف لا يتحقّق بالإرغام والإكراه، وهذا دفع بالرسالة إلى توظيف وسائل الإقناع والتدرّج في التشريع والدعوة لتسهيل عمليّات الانتقال من الوثنيّة والشرك إلى التوحيد «أراد أن يؤسّس دينًا وليس سلالة ملكيّة، فالأديان إمبراطوريّات النفوس الأزليّة، وهي لا تقام بالسلاح ولكن بالأفكار. فأفكار محمّد التي ينادي بها يجب أن تتوافق مع تقاليد مواطنيه، متناسبة مع طقوسهم المحليّة، فكلّ دين جديد يتأسّس على أنقاض عبادة قديمة. نقبل الهيكل ونغيّر الإله»[55].

وتجلّت أخلاق القائد المنتصر عند دخول مكّة أثناء الفتح التاريخي، فكان انتصار القيم أكثر إشراقًا من التفوّق العسكري، فتمّت المحافظة على العهود واحترام عقائد الأقليّات وتقديس البيئة ومظاهرها، فكانت معاملة سكّانها بالرفق والتسامح والمودّة، وتجاوزت المعاملة حدود منطق المنتصر من خلال مراعاة الحالة النفسيّة للمنهزمين، فاعتبرهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) منتصرين، مبتعدًا عن كلّ ما يخدش الكرامة الإنسانيّة، ومكرهًا من الانتقام، ومنفّرًا من مظاهر الإهانة والاحتقار «أبرم هدنة مع القرشيّين لمدّة عشر سنوات، شبيهة بهدنة هنري الرابع عندما دخل باريس، ولكنّه تعامل مع المهزومين، كأنّهم منتصرين، والمنتصرين كأنهم مهزومين، وفي ظلّ انتصاره السلمي دخل مكّة أمام قوّاته المهيبة، التي تمرّ قرب المعبد (الكعبة) وأمام مواطنيه المنبهرين، ولم يغيّر رأيه حتّى تحت همسات (تحريضات) جيشه»[56].

النبي؛ الزوج الوفيّ
لم يتعرّض لامرتين لزوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كما هو معهود ومتداول في المنظومة الفكريّة الغربيّة، بشقّيها الاستشراقي والتنويري. فقد دأبت الأدبيّات الثقافيّة الغربيّة على التأليف والتصنيف في موضوع حياة الرسول العائليّة بإثارة الشبهات حول عدد زوجاته، وتعليل ذلك بتأويل فرويدي يؤصل للشهوانيّة وحبّ الجنس والنزوات الغرائزيّة وما إليها من المقاربات التي تذهب لتحقيق غايات محدّدة متمثّلة في إساءات باطلة للمصطفى.

تعتبر شهادة لامرتين حول وفاء الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) لزوجته خديجة (رضي الله عنها) ميثاقًا وبيانًا يوثّق حقيقة الأسرة وبنيتها وقداستها في الإسلام باعتبارها نواة بناء المجتمع. فالذات الراقية البعيدة عن الشهوانيّة هي الذات التي تقرّ بالجميل وتعترف بالتضحية والمساندة مع بدايات الدعوة وتكالب المشركين.

فعلى الرغم من تعدّد زوجاته، إلّا أنّه بقي وفيًّا لخديجة، فهو لا يدّخر جهدًا في ذكرها أو زيارة قبرها وترديد مآثرها وتعداد فضائلها «بعد انتهائه من أعمال السيادة الدنيويّة والإلهيّة، اتجه نحو قبر زوجته الفاضلة الأولى خديجة، بقي جاثمًا على قبرها لفترة طويلة، غارقًا في تأمّل، ولم يجرؤ أحد على سؤاله أو مقاطعته، ولم يتمكّن أحد من إدراك مشاعره الباطنيّة ولا قياس أحزانه، فقد وضع انتصاراته وأفراحه على قبر أوّل من آمن به في زمن الشكّ»[57].

لم يخف لامرتين إقراره بحبّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لخديجة1، ويؤكّد أن موضوع هذه العاطفة مسألة وقضيّة مشتركة في جميع السير التي تناولت حياته، فهي التي آزرته وساعدته وآمنت به وتعاونت معه وكانت سنده، فكان زوجًا فاضلًا، راقيًا في معاملاته، وكما أن كان خيرًا لامته، حريصًا على تخليصها من الشرك والنار، فقد كان زوجًا وفيًّا لها في حياتها، حزينًا كئيبًا على فراقها «ولكن سرعان ما كلّفه موت رفيقة إيمانه وسعادته ومحنته، المزيد من الدموع المرّة.ماتت زوجته الوحيدة، الغالية خديجة على إيمانها وحبّها للنبيّ. لقد استولى الحزن والإحباط على الرسول مرّة ثانية»[58].

ولإيمانه صلى الله عليه وسلم بقيمة الأسرة باعتبارها نواة بناة المجتمع والأمّة، فقد كان منسجمًا مع زوجه، بينهما مودّة ورحمة، مبتعدًا عن شبهات الطمع في ثرائها ومالها كما ادّعت بعض الدراسات الاستشراقيّة أو العلمانيّة، فقد وضّح لامرتين تعامل الرسول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) مع مالها الخاصّ «عاش محمّد وخديجة متّحدين في القلب، ولكنّهما منفصلان دائمًا في الممتلكات وفقًا لأعراف الزواج في الصحراء، في وفاء مثالي، وظلّ محمّد يحظى من زوجته التي تكبره سنًّا باحترام الابن وحنان الزوج»[59].

 ولإحداث التوازن الاجتماعي والأسري حثَّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) على تطبيق قوانين المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وهو الموقف الذي ثبَّته لامرتين في كتابه للمقارنة بين موقف الإسلام وقوانين الغرب، التي كرست التفاوت الجنسي، ممّا أحدث شرخًا اجتماعيًّا وتفاوتًا طبقيًّا بعد اعتبار المرأة أقلّ درجة في هرم البناء الاجتماعي «كانت أوّل فضائله بين الجنسين، في الحقوق والواجبات، فاللامساواة في الواجبات تؤدّي إلى تدهور نصف النوع البشري، وحرمان النساء من حقوقهن الشرعيّة يؤدّي إلى طغيان الأثرياء في الزواج...لذلك وجبت المساواة والتّسامح في التعدّديّة الزوجيّة»[60].

عالميّة الدعوة وإنسانيّة التّشريع
لم تكن رسالة الإسلام مجسّدة في دعوة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) تشريعًا محلّيًا مرتبطًا ببيئة ثقافيّة وأنثربولوجيّة محدّدة، فهي رسالة عالميّة تتعدّى حدود مركزيّة الجزيرة وعرقها العربي، فقد كرّست بعض الأبحاث محليّة الرسالة، وأثارت حولها شبهات إقليميّة، وخصّصت العرب بها بحكم نزول القرآن بأرضهم وبلغتهم.

فالعالميّة حملتها التعاليم والمقاصد من حيث الفاعليّة ومراعاة الفطرة وشموليّتها للقضايا الدنيويّة والأخرويّة. فقبل إرسال محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) لسفرائه إلى الدول المجاورة حاملين رسائل الدعوة والتبشير بدين جديد يوحّد الإنسانيّة حول الوحدانيّة ونبل القيم ورقيها، كانت قيادة جعفر بن عبد المطلب -رضي الله عنه- لأوّل هجرة ولجوء سياسي.

وتجلّت العالميّة في اختيار الممثّل من حيث القول والفعل، ليكون نموذجًا وصورة للمؤمن بالدين الجديد، وهي الحادثة التي أثارت إعجاب لامرتين، فسردها وعرضها مستقرئًا مضمونها لاستنباط قواعد وأصول الدعوة المحمّديّة «كنَّا غارقين في الظلمات حتّى بعث الله إلينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، دعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم...»[61].
كان هذا التقرير المفصّل والجامع لرسالة الإسلام تأسيسًا لمبدأ احترام الأديان والتأصيل لثقافة التعايش السلمي بين العقائد، بما عرضه الخطيب من مبادئ وفضائل سامية، انطلاقًا من وحدانيّة الله، إلى احترام المرأة والابتعاد عن كل ما يسيئ للكرامة الإنسانيّة من ظلم ونهب للمال وشهادة للزور.

وكانت تلاوة جعفر لبعض آيات القرآن حول نبيّ الله عيسىg دلالة على عالميّة الدعوة باحترام جميع الأديان السماويّة، دون تمييز بين الأنبياء وربط هذه القيمة الإيمانيّة بأركان العقيدة الإسلاميّة.

فالأرضيّة المشتركة لجميع الديانات السماويّة والمتمثّلة في عبادة الله هي التي دفعت النجاشيّ، وهو من أهل الكتاب إلى حماية لاجئي الإسلام وحمايتهم من قهر أعدائهم.

إنّ حكمة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) واعتداله وثباته على رسالته مؤمنًا بصحّتها وحقيقتها، وعدم تناقضه وصبره على إيذاء وتحرّش قومه، أنتجت إيمانًا واعترافًا وإقرارًا من أعدائه، فدعوه إلى الحوار والهدنة بعد أن آمن الكثير منهم، فكانت مناظراته عقلانيّة وحجاجيّة معتمدة على البيّنة، وهذا ما منح لدعوته المشروعيّة «إنّ اعتدال محمّد وحكمته في إجاباته أدّت إلى إقناع قومه والإقرار بعلمه»[62].

التعايش الاجتماعي واحترام التعدّديّة الدينيّة
قام الإسلام كدين سماوي على التسامح واحترام العقائد السماويّة وعدم إكراه الناس على الإيمان، مشرعًا التعدّديّة الدينيّة والتعايش بين الطوائف بمختلف أطيافهم. ومبدأ التسامح في الإسلام قيمة إنسانيّة، فهي فطرة وإحساس واع بالآخر وباختلافه وخصوصيّاته الثقافيّة التي تشكّل هويّته.

وإذا كان التسامح في الثقافة الغربيّة نتيجة صراعات العلم والدين من جهة، وبين الدين والسياسة من جهة أخرى، فإنّ الإسلام أقرَّ هذا المبدأ، ووضع له تشريعًا يحميه ويؤطّره بهيكلة تضمن استمراريّته وتطبيقه بالجزاء والعقاب، محذّرًا من الإكراه، ومشدّدًا من مخاطر الغلوّ والتطرّف.

لقد أُعجب لاماتين كثيرًا بموقف محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هجرته إلى المدينة، وتلبية القبائل العربيّة لنداء الإيمان، فجاءت معلنة الولاء والمبايعة «قدَّمت أهمّ القبائل العربيّة ولاءها لمحمّد، وبايعته كقائد روحي وسيّد على المدينة، وأنجز معاهدة مع الآخرين ضامنًا لهم الحريّة المطلقة في المعتقد، فبعضهم كان مسيحيًّا والآخر يهوديًّا والأغلبية وثنيّة»[63].

وتلعب القوانين المكتوبة دور التحصين والتمكين من التطبيق العملي لبنود المعاهدات التي تشمل مبدأ التسامح، ولذلك وضع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) مواثيق وقوانين مدوّنة تراعي الفروق والاختلافات بين مختلف الطوائف حماية للخصوصيّة ولثقافة المواطنة.

وبهذا يكون الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد نظر للمواطنة وقواعدها التي لم تعرفها وتعهدها المنظومات التشريعيّة والقانونيّة الغربيّة إلّا مع فكر الأنوار «إنّ القوانين التي شرّعها فور استلامه المدينة والمتعلّقة بالشرطة والعدالة والمساواة والسلم، تشكّل كلّها منظومة قانونيّة حياديّة، تضمن سياسة التسامح والإنصاف»[64].

ويرى لامرتين أنّ هناك تكاملًا بين الديانتين الإسلاميّة والمسيحيّة خاصّة فيما تعلّق بالبدايات والصعوبات التي أعاقت انتشار الدعوتين، فقد حشد المخالفون وسائل متنوّعة لمنع الاستجابة والاعتناق، وكان الإنكار والتكذيب والمقاطعة والعدوان أهمّ أسلحة المناوئين، بالإضافة إلى تعرّض الأنبياء والرسل إلى الاضطهاد والتشريد والتغريب «هناك تشابه كبير بين بدايات بعثة محمّد وإيمانه بعقيدة القرآن، وبين تطبيقات المسيحيّة للإنجيل، لقد احتمى كثير من أتباع محمّد في مكّة بالمسيحيّة خوفًا من الاضطهاد، كما أنّ ملك الحبشة استقبلهم باعتباره المسلمين أنصاف مسيحيّين»[65].

اتّصفت كتابة لامرتين حول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بالموضوعيّة والدقّة العلميّة من خلال تطبيقاته للمناهج السياقيّة التي تتعامل مع النصوص بوصفها أثارًا مفتوحة على التأويل والقراءات المتعدّدة، متجاوزة الصور النمطيّة والأفكار الجاهزة المؤسّسة على أبعاد إيديولوجيّة، فأدّى ذلك إلى إنتاج وإفراز مادّة معرفيّة محرّفة ومزيّفة، مشحونة بالمغالطات وتكرار الشبهات، التي تراكمت في الأبحاث الموجّهة والمقيّدة بمركزيّات بعينها. وقد أحدثت هذه النتائج صدى سلبيًّا في معتقدات المسلمين وتنوعًا في ردود الأفعال، بدأت من التشكيك في المنهج والنيّة، وانتهت إلى فعل المؤامرة على المقدّسات.

لقد كانت كتاباته منصفة وعادلة في معظمها، وهو المعروف بالاعتدال حتّى في علمانيّته، فلم تكن مواقفه وشهاداته مناوئة للأديان ومعادية لها، فجاءت علمانيّته عقلانيّة تهدف إلى حماية الدين من سيطرة الدولة[66]، وهذا البعد العقلاني انعكس في تاريخه لسيرة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بتقديمه كعظيم من عظماء الشرق والعالم، غيرّت قيمه وتشريعاته الكون.

استنتاجات
كشفت ببليوغرافيّات السيرة النبويّة الغربيّة عن غياب المناهج العلميّة في البحث، سواء من حيث توظيف المنهجيّة أو التوثيق والاستقراء، فجاءت الأبحاث والدراسات متشابهة، مكرّرة، عبارة عن رصف وحشد للمغالطات والشبهات المتراكمة في مدوّنات القرون الوسطى.

 غلبت الصور النمطيّة والأفكار الجاهزة والأحكام المزيّفة على صورة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تتجاوز محاور التّشكيك في نبوءته وزواجه وغزواته.

 لم ينج حتّى بعض المؤلّفات المعاصرة من تكرار الأخطاء ذاتها، سواء عن جهل وعجز في البحث والتمحيص أو بسبب توجّهات إيديولوجيّة معروفة. ومن هذه السير، سيرة الرسول لمكسيم رودنسون (Maxime Rodinson) الذي حاول أن ينظر للرسول نظرة نفسيّة مركّزًا على مشاعر الإحباط والطموح والقهر[67].

 أنتجت المراجعات العلميّة تغييرات جذريّة في بعض المواقف وتعديلها، كشأن الكاتب الفرنسي فولتير (Voltaire) الذي انتقل من ضفة العدوانيّة إلى آفاق الإنصاف والعدالة.

قائمة المصادر والمراجع

Assma Maad et William Audureau, Pourquoi parle-t-on de «Mahomet» et pas de «Mohammed» ou «Muhammad»? https://www.lemonde.fr/lesdecodeurs/article/2021/04/13/
 Alban Dignat, Introduction à l’islam,RevueHerodotehttps://www.herodote.net/Introduction_a_l_islam-synthese-128-29.php
Bossuet, Discours sur l’Histoire universelle,Garnier frères,Libraires Editeurs, Paris.
Claude Dupont, Jean-Claude Lesourd,Qui êtes-vous Monsieur Voltaire? Essai Belles Lettres,2014.
DE LAMARTINE, voyage en Orient, II, Tome, Librairie Hachette et Cie, Paris, 1914.
DE LAMARTINE,LE CIVILISATEUR, HISTOIRE DE L’HUIMANITة PAR LES GRANDS HOMMES,Firmin Didot frères, Paris, 1852.
DE LAMARTINE, Les grands hommes de l’Orient: Mahomet, Tamerlan, le sultan Zizim, A. LACROIX, VERBOECKHOVEN ET Cie, ةDITEURS, Paris, 1865.
Faruk Bilici, «L’Islam en France sous l’Ancien Régime et la Révolution: attraction et répulsion», Rives nord-méditerranéennes, Ne 14, 2003.
François Berriot, Remarques sur la découverte de l’Islam par l’Occident, à la fin du Moyen-Age et à la RenaissanceIn: Bulletin de l’Association d’étude sur l’humanisme, la réforme et la renaissance, n°22, 1986.
François-Marie Arouet dit Voltaire, Essai sur les moeurs et l’esprit des nations, Tome 1, chez Lefèvre, libraire, Werdet & Lequien fils, Paris, 1829.
Guy Harpigny, L’Islam aux yeux de la théologie catholique,in, Jacques Berque, Roger Arnaldez (et autres) Aspects de la foi de l’Islam, Presses de l’Université Saint-Louis, Bruxelles.
Georges Sale,the Alcoran of Mohammed, LONDON, MDCCXXXIV.
Jacques Waardenburg, L’Islam, les orientalistes et l’Occident. Recherche de contact et de dialogue, Revue Théologiques, Volume 16, numéro 1, 2008.
I. L. GONDAL, S.S, Mahomet et son œuvre, Librairie Bloud et Barral, Paris,1897.
John Tolan, Voltaire, premier islamo-gauchiste de l’histoire? https://www.lemonde.fr/le-monde-des-religions/article/2020/10/10/voltaire-premier-islamo-gauchiste-de-l-histoire_6055512_6038514.html
Jacqueline Lalouette, Les conceptions lamartiniennes des rapports entre l’ةglise et l’ةtat, in SylvieLe Grand (dir.), La laïcité en questionReligion, ةtat et société en France et en Allemagne du 18e siècle à nos jours, Presses universitaires du Septentrion, 2008.
M. le comte de Boulainvilliers La vie de Mahomed, M.DCC.CCC, LONDRES
Olivier Hanne Qui était Mahomet? In Laurent Testot (Sous la direction) La Grande Histoire de l’islam, ةditions Sciences Humaines, 2018.
Paul Guérin (sous la direction) Dictionnaire des dictionnaires: lettres, sciences, arts, encyclopédie universelle, tome V, librairie des imprimeries Reunies, Reims.
Prideaux, Humphrey, The true nature of imposture fully displayed in the life of Mahomet”, translated by Daniel de Larroque, AAmsterdam: Chez George Gallet, M.DC.XCVIII.
Pacifique Henry DelaporteVie de Mahomet, d’après le Coran et les historiens arabes, ERNESTLEROUX, EDITEUR, PARIS, 1874.
Tristan Vigliano, Pourquoi dites-vous Mahomet? inL’islam e(s)t ma culture Leçons d’histoire littéraire pour les jours de tourmente, Presses universitaires de Lyon, 2017.
VOLTAIRE, LE FANATISME ou MAHOMET LE PROPHبTE, M. DCC LIII.
Voltaire, Correspondance Année 1740, in Œuvres completes, Garnier, Tome 35,1880.
Voltaire, Dictionnaire Philosophique, Collection IDEALE, 2004.
Vincent Geisser, L’islamophobie en Europe: de l’anti- mahométisme chrétien au racisme «moderne» in Ingrid Ramberg (Sous la direction de) L’islamophobie et ses conséquences pour les jeunes, ةditeur, Conseil de l›Europe, 2005.
Washington Irving, Vie de Mahomet, traduit par Henry Georges,Librairie Internationale, Paris, 1865.

--------------------------------
[1][*] باحث وأستاذ جامعي، جامعة تبسه -الجزائر-.
[2] سورة النجم، الآيتان 3-4.
[3] يُنظر: أطروحة الباحث الفرنسي رونو تيرم (Renaud Terme) (1947) الموسومة بـ (إدراك الإسلام من النخب الفرنسيّة بين 1830- 1914) (La perception de l’islam par les élites françaises) (1830-1914) والتي ناقشها بجامعة بوردو الثالثة (Bordeaux 3) سنة 2016، أنّ النخبة الفرنسيّة تلقّت الإسلام وأدركته عن طريق وسائط متعدّدة وغير مباشرة ممّا أنتج تصوّرات ومواقف عدائيّة مصطنعة، ومنها كتابات الكتاب الرحّالة (الفصل الثاني، ص40) والمبشّرين (الفصل الثالث، ص76) وعلماء اللغة واللسانيّات (الفصل الرابع، ص110) ومؤلّفات المرويّات الكبرى التي ولدت خوف وازدراء واحتقار الغرب للإسلام في القرن السابع عشر (ص158).
[4] I. L. GONDAL, S. S, Mahomet et son œuvre, Librairie Bloud et Barral, Paris, 1897, p 8.
[5] I. L. GONDAL, S. S, Mahomet et son œuvre, p 16.
[6] Jacques Waardenburg, L’Islam, les orientalistes et l’Occident. Recherche de contact et de dialogue, RevueThéologiques, Volume 16, numéro 1, 2008, p180.
[7] Paul Guérin (sous la direction) Dictionnaire des dictionnaires: lettres, sciences, arts, encyclopédie universelle, tome V, librairie des imprimeries Reunies, Reims, p 445.
[8] Faruk Bilici, «L’Islam en France sous l’Ancien Régime et la Révolution: attraction et répulsion», Rives nord-méditerranéennes, Ne 14, 2003, p23.
[9] Bossuet, Discours sur l’Histoire universelle, Garnier frères, Libraires Editeurs, Paris, p108.
[10] Tristan Vigliano, Pourquoi dites-vous Mahomet? inL’islam e(s)t ma culture Leçons d’histoire littéraire pour les jours de tourmente, Presses universitaires de Lyon, 2017, p 21.
[11] Assma Maad et William Audureau, Pourquoi parle-t-on de «Mahomet» et pas de «Mohammed» ou «Muhammad»?
 https://www.lemonde.fr/les-decodeurs/article/2021/04/13/
[12] Tristan Vigliano, Pourquoi dites-vous Mahomet? inL’islam e(s)t ma culture, p .23
[13] Tristan Vigliano, Pourquoi dites-vous Mahomet? inL’islam e(s)t ma culture, p24.
[14] Olivier Hanne Qui était Mahomet? In Laurent Testot (Sous la direction) La Grande Histoire de l’islam, ةditions Sciences Humaines, 2018, p20.
[15]Alban Dignat,Introductionàl’islam,RevueHerodotehttps://www.herodote.net/Introduction_a_l_islam-synthese-128-29.php
[16] François Berriot,Remarques sur la découverte de l’Islam par l’Occident, à la fin du Moyen-Age et à la RenaissanceIn: Bulletin de l’Association d’étude sur l’humanisme, la réforme et la renaissance, n°22, 1986, p 11.
[17] Guy Harpigny, L’Islam aux yeux de la théologie catholique,in, Jacques Berque, Roger Arnaldez(et autres) Aspects de la foi de l’Islam, Presses de l’Université Saint-Louis, Bruxelles, p201.
[18] Vincent Geisser, L’islamophobie en Europe: de l’anti- mahométisme chrétien au racisme «moderne» in Ingrid Ramberg (Sous la direction de) L’islamophobie et ses conséquences pour les jeunes, ةditeur, Conseil de l›Europe, 2005, p40.
[19] Ibid, Vincent Geisser, p 40.
[20] Prideaux, Humphrey,The true nature of imposture fully displayed in the life of Mahomet”, translated by Daniel de Larroque, A Amsterdam: Chez George Gallet, M.DC.XCVIII, p156.
[21] Ibid, Prideaux, Humphrey,The true nature of imposture fully displayed in the life of Mahomet”, p164.
[22] Ibid, Prideaux, Humphrey,The true nature of imposture fully displayed in the life of Mahomet”, p149.
[23] Washington Irving, Vie de Mahomet, traduit par Henry Georges, Librairie Internationale, Paris,1865, p (introduction).
[24] Ibid, Washington Irving, Vie de Mahomet, traduit par Henry Georges, pp71- 72.
[25] Washington Irving, Vie de Mahomet, traduit par Henry Georges, Librairie Internationale, Paris, 1865, p44.
[26] Ibid, Washington Irving, Vie de Mahomet, p 344.
[27] Ibid, Washington Irving,Vie de Mahomet, traduit par Henry Georges.
[28] Washington Irving, Vie de Mahomet, traduit par Henry Georges, Librairie Internationale, p352- 353.
[29] Pacifique Henry DelaporteVie de Mahomet, d’après le Coran et les historiens arabes, ERNEST LEROUX, EDITEUR, PARIS, 1874, p2.
[30] M. le comte de Boulainvilliers La vie de Mahomed, M.DCC.CCC, LONDRES, p5.
[31] Georges Sale, the Alcoran of Mohammed, LONDON, MDCCXXXIV, p40.
[32] Pacifique Henry DelaporteVie de Mahomet, d’après le Coran et les historiens arabes, pp30- 31.
[33] Pacifique Henry DelaporteVie de Mahomet, d’après le Coran et les historiens arabes, p31.
[34] Pacifique Henry De la porte Vie de Mahomet, d’après le Coran et les historiens arabes, p6.
[35] جاء في العديد من المراجع أنّ المقصود بملك بروسيا هو بنيدكت الرابع عشر، BenedictXIV (1675-1758) وهو بابا الكنيسة الكاثوليكيّة بين 1740- 1758، بينما تذهب مراسلات فولتير (Correspondance) لسنة 1740 وفي رسالة تحمل رقم 1389، أنّ الإهداء كان لملك بروسيا فريديريك الثاني من 1740- 1772.
ينظر:
Voltaire, Correspondance Année 1740,in Œuvres completes, Garnier, Tome 35, 1880, pp557, 561.
[36] VOLTAIRE, LE FANATISME ou MAHOMET LE PROPHبTE, M. DCC LIII, p4.
[37] Ibid, VOLTAIRE,LE FANATISME ou MAHOMET LE PROPHبTE, p 4.
[38] إشارة إلى مسرحية الكاتب الفرنسي موليير (Molière) (1622-1673) الموسومة ﺒـ (طرطوف أو الدجال) (Le Tartuffe ou l›Imposteur) (1669) وتطرح مسألة النفاق الاجتماعي والتستّر بأقنعة الدين.
[39] VOLTAIRE, LE FANATISME ou MAHOMET LE PROPHبTE, p7.
[40] François-Marie Arouet dit Voltaire, Essai sur les moeurs et l’esprit des nations, Tome 1, chez Lefèvre, libraire, Werdet & Lequien fils, Paris, 1829, p244.
[41] Ibid, François-Marie Arouet dit Voltaire, p 254.
[42] John Tolan,Voltaire, premier islamo-gauchiste de l’histoire?
https://www.lemonde.fr/le-monde-des-religions/article/2020/10/10/voltaire-premier-islamo-gauchiste-de-l-histoire_6055512_6038514.html
[43] Claude Dupont, Jean-Claude Lesourd, Qui êtes-vous Monsieur Voltaire? Essai Belles Lettres, 2014.
[44] Voltaire, Dictionnaire Philosophique, Collection IDEALE, 2004, p1089.
[45] Ibid, Voltaire, Dictionnaire Philosophique, Collection IDEALE, p1537.
[46] DE LAMARTINE, voyage en Orient, II, Tome, Librairie Hachette et Cie, Paris, 1914, p73.
[47] Ibid, pp15- 16.
[48] DE LAMARTINE, voyage en Orient, II, p196.
[49] DE LAMARTINE, voyage en Orient, I, Tome, Librairie Hachette et Cie, Paris, 1913, p472.
[50] M. DE LAMARTINE, LE CIVILISATEUR, HISTOIRE DE L’HUIMANITة PAR LES GRANDS HOMMES, Firmin Didot frères, Paris, 1852, 551.
[51] A. DE LAMARTINE, Les grands hommes de l›Orient: Mahomet, Tamerlan, le sultan Zizim, A. LACROIX, VERBOECKHOVEN ET Cie, ةDITEURS, Paris, 1865, p3.
[52] المدونة، ص145.
[53] المدونة، ص146.
[54] المدونة، ص143.
[55] المدوّنة، ص134.
[56] المدوّنة، ص137.
[57] المدوّنة، ص147.
[58] المدوّنة، ص87.
[59] المدوّنة، ص35.
[60] المدوّنة، ص92.
[61] المدوّنة، ص76-77.
[62] المدوّنة، ص78.
[63] المدوّنة، ص106.
[64] المدوّنة، الصفحة نفسها.
[65] المدوّنة، ص76.
[66] Jacqueline Lalouette, Les conceptions lamartiniennes des rapports entre l’ةglise et l’ةtat, in Sylvie Le Grand (dir.), La laïcité en question Religion, ةtat et société en France et en Allemagne du 18e siècle à nos jours, Presses universitaires du Septentrion, 2008, p65.
[67] Carrère D’encausse Hélène, Rodinson (Maxime) – Mahomet, Revue française de science politique Année, 1963, 13- 2, p500.