البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

دور الدراسات الاستشراقيّة في خدمة الدراسات الآثاريّة والحضاريّة

الباحث :  د. ربيع أحمد سيد أحمد ، د. لبنى صالح سليمان
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  34
السنة :  ربيع 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  May / 21 / 2023
عدد زيارات البحث :  604
تحميل  ( 487.634 KB )
الملخّص
تتناول هذه الورقة البحثيّة دور وأهميّة الدراسات الاستشراقيّة في خدمة الدراسات الآثاريّة والحضاريّة، حيث تُلقي الضوء على علم الاستشراق، والذي اختصّ بدراسة الشرق، ويأتي تعريف الاستشراق دالًّا على مدى اهتمام ذلك العلم بالشرق عامّة، والشرق الإسلامي بصفة خاصّة. وقد كثرت وتعدّدت التعريفات والمفاهيم الاصطلاحيّة، ولكنّها لم تختلف في مضمونها. فيُعرَّف الاستشراق على أنّه اهتمام الغرب بأحوال الشرق على جميع الأصعدة، ويشمل جميع المجالات المعرفيّة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والدينيّة، بالإضافة إلى الاهتمام بدراسة المجتمعات الشرقيّة مِن ناحية العادات والتقاليد والسلوكيّات والقيم السائدة في هذه المجتمعات، وثقافتهم وطرق معيشتهم. وكلمة مستشرق بالمعنى العام تطلق على كلّ عالم غربي يشتغل بدراسة الشرق كلّه، في لغاته وآدابه وحضارته وأديانه. فالاستشراق هو اشتغال غير الشرقيين بدراسة لغات الشرق وحضاراته وأديانه، وأثر ذلك في تطوّر البناء الحضاري للعالم بأسره. وقد عرَّف إدوارد سعيد الاستشراق أيضًا بأنّه أسلوب في التفكير مبني على تميّز متعلّق بوجود المعرفة بين الشرق والغرب. كما عرَّفه أيضًا بأنَّه أسلوب غربي للسيطرة على الشرق وإعادة بنائه مِن جديد.

الكلمات المفتاحيّة: استشراق، آثار، حضارة، كتالوجات، تصاوير، مستشرقون، رحالة.

المقدّمة
لقد اختصّ علم الاستشراق بدراسة الشرق دراسة وافية شاملة في إطار الاهتمام الغربي بكلّ ما هو شرقي. ويأتي تعريف الاستشراق دالًّا على مدى اهتمام ذلك العلم بالشرق عامّة، والشرق الإسلامي بصفة خاصّة.
أمّا تعريف الاستشراق، فقد تناوله الكتّاب العرب والأجانب على حدٍّ سواء، وقد كثرت وتعدّدت التعريفات والمفاهيم الاصطلاحيّة، ولكنّها لم تختلف في مضمونها العام، فجميعها يصبّ في بوتقة واحدة ويجمعه إطار عام واحد. فيُعرَّف الاستشراق على أنّه اهتمام الغرب بأحوال الشرق على جميع الأصعدة، ويشمل جميع المجالات المعرفيّة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والدينيّة، بالإضافة إلى الاهتمام بدراسة المجتمعات الشرقيّة مِن ناحية العادات والتقاليد والسلوكيّات والقيم السائدة في هذه المجتمعات، وثقافتهم وطرق معيشتهم[2]. ويُعرَّف الاستشراق أيضًا بأنّه علم الشرق أو علم العالم الشرقي. وكلمة مستشرق بالمعنى العام تطلق على كلّ عالم غربي يشتغل بدراسة الشرق كلّه، في لغاته وآدابه وحضارته وأديانه[3]، ويشمل هذا المصطلح طوائف متعدّدة تعمل في ميادين الدراسات الشرقيّة المختلفة، فهم يدرسون العلوم والفنون والآداب والديانات والتاريخ، وكلّ ما يخصّ شعوب الشرق، مثل الهند وفارس والصين واليابان، والعالم العربي[4]. في حين يُعرِّف يحيى مراد الاستشراق بأنّه اشتغال غير الشرقيّين بدراسة لغات الشرق وحضاراته وأديانه، وأثر ذلك في تطوّر البناء الحضاري للعالم بأسره[5]. وقد عرَّف إدوارد سعيد الاستشراق أيضًا بأنّه أسلوب في التفكير مبني على تميّز متعلّق بوجود المعرفة بين الشرق والغرب. كما عرّفه أيضًا بأنّه أسلوب غربي للسيطرة على الشرق وإعادة بنائه مِن جديد[6].

إذًا، فالاستشراق هو علم العالم الشرقي وطلب علوم الشرق ومعرفة لغاته وآدابه وفنونه ودياناته وحضاراته، وكلّ ما يتعلّق به سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، تمهيدًا للتأثير عليه ثمّ احتلاله[7].
وينصبّ الاستشراق على الاهتمام بكلّ ما هو شرقي. ولهذا العلم دور مهمّ لا يمكن أنْ نغفل عنه في خدمة الدراسات الآثاريّة والحضاريّة، فقد قام المستشرقون بعمل العديد مِن الدراسات التي تشمل المؤلّفات والموسوعات والكتب المصوّرة وغير المصوّرة، والألبومات التي تحوي بين جنباتها ملامح مهمّة لحضارة وآثار الشرق، أفادت الباحثين الشرقيين بدرجة كبيرة في الوقوف على ملامح تلك الحضارة العظيمة، ومعرفة ما تلاشى منها، ولكنّه ظلّ شامخًا بين دفّات تلك المؤلّفات.

إيجابيّة أو سلبيّة الدراسات الاستشراقيّة
إنّ للدراسات الاستشراقية -رغم رفض الكثير لها- دورًا مهمًّا وبارزًا في خدمة الشرق في بعض الجوانب المعرفيّة، وإنْ كانت لهذه الدراسات جوانب سلبيّة كثيرة، فقد تمّ إنجازها مِن أجل خدمة المصالح الاستعماريّة للدول الغربيّة في الشرق. إلّا أنّ هذا لا يلغي الدور والأثر الإيجابي لتلك الدراسات، والذي خدم الشرق في مجالات كثيرة، وإنْ كنت أرى أنَّ تلك الخدمات وذاك الدور الإيجابي مِن قبل المستشرقين للشرق لم يكن عن قصد، بمعنى أنّ المستشرقين أثناء قيامهم بتلك الدراسات، لم يكن قصدهم خدمة الشرق وإفادته بشكل أو بآخر، ولم يعنهم أمر الشرق مطلقًا، ولكنْ -ودون قصد- تشاء الأقدار أنْ تحمل تلك الدراسات بين ثناياها فائدة ما للشرقيّين، والتي بدأ الباحثون تلمّس جوانبها في العصر الحديث. وسألقي الضوء على دراسات المستشرقين التي خدمت وأفادت الدراسات الآثاريّة والحضاريّة.

أوّلًا- دور الدراسات الاستشراقيّة في خدمة الدراسات الآثاريّة
اهتمّ الغربيّون منذ القرن الثامن عشر وحتّى منتصف القرن العشرين بزيارة الشرق والرحيل إليه واستكشافه، وذلك في إطار مشاريعهم السياسيّة والاستعماريّة بل والاقتصاديّة، إذ كانوا يقيمون بمصر فترات طويلة قد تصل لسنوات، لكلّ منهم هدف خفيّ وآخر معلن؛ كالاستجمام والاستشفاء والدراسة واكتشاف الشرق والسياحة ومشاهدة الآثار المصريّة القديمة والإسلاميّة، التي زاد الاهتمام بها بعد ظهور كتاب أو موسوعة وصف مصر لعلماء الحملة الفرنسيّة، وقليل منهم مَنْ لم يكن لديه دوافع أو أهداف سوى الدراسة والفنّ ككثير مِن المصوّرين. وقد اعتنى علماء أوروبا وأمريكا بالآثار في مصر، خاصّة الفرعونيّة، وجاؤوا إلى مصر لإجراء دراساتهم وأبحاثهم وتنقيباتهم عن الآثار -خاصّة في القرن التاسع عشر الميلادي- فكان بداية مولد علم المصريّات الذي اعتنى به العلماء، أمثال البريطاني سير جاردنر وليكنسون، والفرنسي إيميل بريس دافين، وغيرهم الكثير مِن علماء الغرب المعنيّين بالآثار، والذين وجّهوا جلّ اهتمامهم في أثناء تواجدهم في مصر إلى الآثار ودراستها.

وتوجد العديد مِن الدراسات الاستشراقيّة التي اهتمّت بالدراسات الآثاريّة، فقد كانت مصر، التي تضمّ عمائر حضارات متنوّعة ومختلفة وآثارًا كثيرة ومتنوّعة مِن آثار فرعونيّة ويونانيّة ورومانيّة وقبطيّة وإسلاميّة؛ محلّ اهتمام العلماء والباحثين الغربيّين، سواء مَنْ جاؤوا إليها وقاموا بدراسة آثارها ومجتمعها، أو مَنْ كتبوا عنها وقاموا بعمل العديد مِن الدراسات عن آثارها مِن موقعهم في الغرب، معتمدين على روايات الرحّالة والمستشرقين الذين ذهبوا إليها، فقدّم لنا هؤلاء المستشرقون العديد مِن الدراسات التي تُعنى بالآثار المصريّة القديمة والإسلاميّة على السواء، سواء في هيئة مؤلّفات أو رسوم وتخطيطات واسكتشات أو تصاوير.

1. المؤلّفات أو الكتب التي تتناول الآثار
أ. موسوعة وصف مصر: إنَّ المؤلّفات أو الكتب الاستشراقيّة التي عنيت بشأن الآثار في مصر، وتناول مؤلّفوها الآثار المصريّة، كثيرة للغاية. نكتفي بذكر أهمّ هذه المؤلفات والدراسات التي تمّت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري التاسع عشر والعشرين الميلادي (الفترة موضوع دراسة البحث)، ومِن أشهر هذه المؤلفات، والتي تُعد باكورة الدراسات الاستشراقيّة في القرن التاسع عشر الميلادي التي خدمت بشكل كبير حقل دراسة الآثار، «موسوعة وصف مصر» والتي قام بتأليفها مجموعة مِن علماء فرنسا الذين تكوّنت منهم اللجنة العلميّة التي صاحبت الحملة الفرنسيّة على مصر عام 1798م، والذي كان النواة الأولى للدراسات الاستشراقيّة في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، والتي اعتمد عليها الكتّاب والباحثون المستشرقون فيما بعد في دراساتهم لمصر وآثارها، فأصبحت هذه الموسوعة منذ إتمامها المرجع الأوّل للأوروبيّين في معرفة أيّ شيء عن مصر، والشرق بصفة عامّة. كذلك كانت هذه الموسوعة النافذة الأولى التي أطلّ منها الأوروبيّون على مصر، والتي لفتت أنظار كلّ أوروبا لأهميّة مصر تاريخيًّا وحضاريًّا وإستراتيجيًّا، فكانت هذه الدراسة بالنسبة لمصر سلاحًا ذا حدّين، فمِن جهة خدمت وأفادت الباحثين فيما بعد في معرفة الكثير عن أحوال مصر على جميع المستويات في تلك الحقبة، ومِن جهة أخرى أضرّت بمصر؛ إذ لفتت أنظار الغرب إلى أهميّة موقع مصر، ممّا جعل دول الغرب تتسابق للمجيء إليها واحتلالها، خاصّة فرنسا وإنجلترا، فقد أخذ الأوروبّيون معلومات قليلة وشذرات متفرّقة عن الشرق مِن كتابات الرحّالة الذين زاروا مصر والشرق في القرون السابقة على الحملة الفرنسيّة، وكذلك مِن كتابات وخطابات مِن أصحاب الحملات الصليبيّة على الشرق، والتي كانت كتابات مغلوطة نقلت صورة مشوَّهة عن الشرق إلى الغرب. وكان الشغف يراود الغربيّين في اكتشاف الشرق ومعرفته، فجاءتهم موسوعة وصف مصر، التي لم تترك جانبًا مِن جوانب الحياة في مصر إلّا وتناولته.

وقد تلى هذه الموسوعة العديد مِن المؤلّفات عن مصر والشرق، وقد استغرق العمل في كتابة هذه الموسوعة ما يقرب مِن ثلاثة عشر عامًا، في الفترة مِن 1809 إلى 1822م؛ إذ قام علماء اللجنة العلميّة القائمين على تأليف هذه الموسوعة بتدوين ودراسة وتحليل وترتيب كلّ ما جمعوه عن مصر في أثناء وجود الحملة بها، مِن دراسات للتاريخ الطبيعي لمصر، والذي يضمّ دراسات عن النبات والحيوانات والطيور والحشرات والصخور والجيولوجيا وغيرها، ودراسة العصور القديمة وحضارتها وآثارها، ثمّ دراسة مفصّلة لمصر الحديثة والعصور الحديثة، فلم تغفل الموسوعة جانبًا مِن جوانب الحياة في مصر إلّا وضمّته بين دفّتيها. كما ضمّت تلك الموسوعة لوحات مصوّرة لكلّ ما تناولته في مصر، وأطلسًا جغرافيًّا يضمّ خرائط مفصّلة لمدن وأقاليم مصر. وقد ظهر المجلّد الأوّل لهذه الموسوعة عام 1809م، والذي دوّن على غلافه أنّه طبع بأمر مِن الإمبراطور نابليون الأكبر، ثمّ تلت هذه المجلّد بقيّة المجلّدات في طبعتها الأولى التي ضمّت تسعة مجلّدات. أمّا الطبعة الثانية، فقد ضمّت ستّة وعشرين مجلّدًا بالإضافة إلى أحد عشر مجلّدًا يضمّ لوحات وأطلسًا جغرافيًّا. ومحتويات مجلّدات الطبعة الأولى التسع هي محتويات مجلّدات الطبعة الثانية الستّة وعشرين نفسها[8].

وعن الدور الذي قامت به تلك الموسوعة في خدمة دراسة الآثار، فقد ضمّت -كما سبق ذكره- عددًا كبيرًا مِن التصاوير لآثار مصر القديمة والإسلاميّة، ودراسات مفصّلة لتلك الآثار وأوضاعها في تلك الفترة، مع وصف دقيق لكلّ أثر، مصحوبًا بالتصاوير التي نفّذها رسّامي ومصوّري الحملة الفرنسيّة، وذلك قبل اختراع التصوير الدايجيري بما يقرب مِن 40 عامًا. وتُعدّ هذه الموسوعة، بما تضمّه مِن دراسات لآثار مصر بمختلف حقبها التاريخيّة، مرجعًا رئيسًا لا غنى عنه لدارسي الآثار في مصر، يوضّح لهم وضع آثار مصر في تلك الفترة وما كانت عليه وقتذاك. كذلك يمكن لدارسي العمارة التعويل عليها وعلى ما تضمّه مِن تصاوير للعمائر وحالتها في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي.

وكانت ترجمة ونقل هذه الموسوعة إلى العربيّة بمثابة عنصر علميّ مهمّ لدارسي الحضارة والتاريخ المصري. ومِن الأجزاء المهمّة التي ترجمت مِن هذه الموسوعة، الجزء الذي كتبه العالم جومار، الذي تناول فيه وصف عمائر القاهرة وقلعة الجبل، والذي يُعدّ جزءًا مهمًّا يمكن لدارسي العمارة الإسلاميّة في مصر الاعتماد عليه.

ب. مؤلّفات استشراقيّة أخرى: وبالإضافة إلى موسوعة وصف مصر التي بدأنا بها الحديث، وجدت العديد مِن الدراسات والمؤلّفات في القرنين التاسع عشر والعشرين، التي قام بها العديد مِن الرحّالة والمستشرقين مِن جنسيّات مختلفة وخدمت مجال دراسة الآثار. ولمّا كانت الحملة الفرنسيّة سببًا رئيسًا في ازدياد الاهتمام بالشرق، الذي تجلّى في قوّة الاتجاه الاستشراقي ورغبة معظم دول أوروبا في معرفة الشرق عامّة ومصر بصفة خاصّة[9]، فقد جاء إلى مصر العديد مِن الإنجليز الذين قدّموا مؤلّفات خدمت مجال الآثار بصفة عامّة والعمارة بصفة خاصّة. ومِن هذه المؤلفات كتاب «مصر والنوبة» (Egypt and Nubia) الذي قدّم فيه المصوّر المستشرق الإنجليزي دافيد روبرتس دراسة مصحوبة بالتصاوير لآثار مصر والنوبة المصريّة القديمة والإسلاميّة، يمكن لدارسي العمارة الرجوع إليها والتعويل عليها في دراسة العمارة في تلك الفترة (النصف الأوّل مِن القرن التاسع عشر). وقد صدر هذا المؤلّف لدافيد روبرتس في لندن عام 1846م، والذي يضمّ لوحات ملوّنة للآثار مِن تنفيذ دافيد روبرتس[10].
وقد اشتدّ جذب الآثار المصريّة للرحّالة طيلة القرن التاسع عشر الميلادي، خاصّة في النصف الأوّل منه، الذي توافد فيه الإنجليز بصفة خاصّة بكثرة على مصر، وقاموا بدراسات لآثارها[11].

ت. مؤلّفات المستشرقين في العمارة الإسلاميّة: ومِن مؤلّفات المستشرقين التي خدمت مجال العمارة الإسلاميّة في مصر، مؤلّفات المستشرق كريزويل التي تناولت العمارة الإسلاميّة في مصر، وضمّت مجموعة مِن التخطيطات والمساقط لهذه العمائر -وإنْ احتوت هذه الدراسات على بعض الأخطاء- إلّا أنّها أفادت دارسي العمارة الإسلاميّة في جوانب كثيرة[12]. هذا بالإضافة إلى مؤلّفات المستشرق ماكس هيرتس فيلد، التي ضمّت دراسات وتخطيطات مهمّة للعمائر في مصر، والتي عوّل عليها كثير مِن باحثي ودارسي العمارة في مصر.

ولا يمكن إغفال دور كثير مِن مؤلّفات المستشرقين، التي خدمت وأفادت دارسي الفنون الإسلاميّة، ومِن أهمّها كتاب «الفنّ الإسلامي والعمارة»[13]، المترجم إلى العربيّة للمستشرق ريتشارد إتنجهاوزن، والذي يقدّم في مؤلّفه هذا نظرة شاملة عن الفنّ الإسلامي والعمارة منذ القرن السابع وحتّى القرن الثالث عشر الميلادي في الفترة المبكّرة للحضارة الإسلاميّة. ومِن المؤلّفات الاستشراقية التي خدمت بشكل كبير دارسي الفنون الإسلاميّة، كتاب «الفنون الإسلاميّة» (Handbook of Muhammadan art)، للمستشرق م. س. ديماند، الذي كان يشغل وظيفة أمين مجموعات الشرق الأدنى بمتحف المتروبوليتان في نيويورك، وقد صدرت الطبعة الأولى عام 1930م، والطبعة الثانية صدرت عام 1947م، ونقله إلى العربيّة الأستاذ أحمد محمّد عيسى. ولا غنى لدارسي الفنون الإسلاميّة عن هذا المرجع الذي يشمل تاريخ الفنون الإسلاميّة كلّها، باستثناء العمارة، التي تُعدّ فنًّا قائمًا بذاته[14]. ومِن مؤلّفات المستشرقين التي تناولت جانب الفنون الإسلاميّة، كتاب المستشرق دافيد تالبوت رايس، الذي جاء بعنوان «الفنون الإسلاميّة عبر العصور»، ونقله إلى العربيّة الأستاذ فخري خليل. وكذلك كتاب المستشرق أرنست كونل باللغة الألمانيّة، والذي جاء بعنوان «الفنون الإسلاميّة» (Kleinkunts Islamishe)، الذي صدر عام 1925م، وترجم إلى العربيّة فيما بعد. وهذه المؤلّفات السابق ذكرها، وغيرها الكثير مِن مؤلّفات المستشرقين، قدّمت خدمات جليلة للدراسات الآثاريّة، والتي يمكن لدارسي العمارة والفنون الرجوع إليها والتعويل عليها في دراساتهم.

2. الكتالوجات والاسكتشات والتخطيطات
لم تقتصر دراسات المستشرقين في القرنَيْن التاسع عشر والعشرين الميلاديين على الدراسات المكتوبة أو المؤلّفات فحسب، بل ضمّت العديد مِن الدراسات الأخرى التي تضمّ اسكتشات وتخطيطات ونماذج ورسومًا أوّلية للآثار أفادت بشكل كبير دارسي الآثار والمعنيّين بالدراسات الآثاريّة في العصر الحديث. ومِن المستشرقين الذين خدموا الآثار الإسلاميّة، المستشرق الفرنسي باسكال كوست، الذي كان مهندسًا معماريًّا بارعًا، استدعاه محمّد علي باشا لإنشاء مصنع للبارود والمفرقعات في مصر، فقام بعدّة أعمال خدمت مجال الآثار. فقد قام -بناءً على رغبة محمّد علي باشا- بتسجيل الآثار الإسلاميّة[15]،كما قام بترميم العديد مِن الآثار الإسلاميّة ،وبعمل تخطيطات ورسومات لتلك الآثار قبل قيامه بترميمها.كذلك قام بعمل العديد مِن الكتالوجات التي تحوي عددًا ضخمًا مِن اللوحات المصوّرة المطبوعة بطريقة الحفر، كذلك ضمّت كتالوجاته العديد مِن الرسوم الملوّنة التي مِن تنفيذه[16]، وتوجد هذه الكتالوجات والتصاوير ضمن مؤلّفه الكبير «العمارة الإسلاميّة أو آثار القاهرة» (1837-1839م)»[17]. وقد كان لهذه الرسوم والتخطيطات والتصاوير، التي جاءت في فترة مبكّرة مِن القرن التاسع عشر، دور كبير في خدمة دارسي الآثار والمعنيّين بدراسة العمارة الإسلاميّة؛ لما تضمّه هذه الدراسات مِن أشكال للآثار والعمائر وقتذاك، ومعرفة كثير مِن العناصر التي لم تعد موجودة الآن.

كذلك مِن أعمال المستشرقين التي خدمت مجال الآثار المصريّة القديمة والإسلاميّة، ما خلّفه المستشرق الفرنسي إيميل بريس دافين الذي كرّس جلّ وقته الذي أقامه في مصر لدراسة آثار مصر وعمل رسوم أوّلية وتخطيطات لها، ثمّ لوحات مصوّرة عديدة، فتعدّ كُتبه أشهر كُتب مصوّرة عن الآثار الفرعونيّة والإسلاميّة في مصر في القرن التاسع عشر. فقد كتب بريس دافين عددًا مِن المؤلّفات التي تضمّ كتالوجات مصورة وتخطيطات لآثار مصر القديمة والإسلاميّة[18]، منها كتابه «الآثار المصريّة وتاريخ الفنّ المصري»، وكتابه الضخم «الفنّ العربي مِن واقع آثار مصر مِن القرن السابع إلى نهاية القرن الثامن عشر»[19]. ويمكن لدارسي الآثار الرجوع إليها والتعويل عليها في دراسة الآثار وتتبّع أوضاع تلك الآثار وما كانت عليه منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. هذا فضلًا عن تصاوير المستشرق الإنجليزي دافيد روبرتس وما خلّفه مِن كتالوجات مصوّرة وتخطيطات أوّلية لآثار مصر القديمة والإسلاميّة، فتعدّ تصاويره لمساجد القاهرة وثائق مصوّرة غاية في الأهميّة للمعنيّين بدراسة العمارة الدينيّة بمدينة القاهرة؛ إذ إنَّ دافيد روبرتس أوّل فنان مستشرق أتيح له دخول المساجد ورسمها مِن الداخل، وتسجيل تفاصيلها المعماريّة لنا بكل دقّة وقت رسمها، وذلك في الوقت الذي كان المستشرقون والأجانب ممنوعين مِن دخول المساجد[20].

3. التصاوير المرسومة والفوتوغرافيّة عن الآثار
لقد تهافت المصوّرون المستشرقون على الشرق، حاملين فراشيهم التي سجّلت لنا كلّ تفاصيل المجتمعات الشرقيّة وما يتعلّق بها. وقد أدرك هؤلاء المستشرقون أنّ الثقافة والحياة الشرقيّة كنز لا ينفد[21]، وأنّ الشرق موضع إلهام لهم في كثير مِن الموضوعات التي لطالما بحثوا عنها في بلادهم التي تفتقر إليها. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، زاد توافد المصوّرين المستشرقين على الشرق بصفة عامّة، ومصر بصفة خاصّة، بوصفها قبلة الشرق وأعظم بلدانه. وقد أخذ هؤلاء المصوّرون في التعبير عن الشرق بالرسم والتصوير الفوتوغرافي، إذ اهتمّوا بتقديم مشاهد حقيقيّة ونقل واقعي لكلّ ما تقع عليه أعينهم، خاصّة الآثار التي انبهروا بها في معظم أعمالهم التي جاءت واقعيّة للغاية[22].
ويُعدّ التصوير مِن أهمّ الوثائق والشواهد التاريخيّة التي حفظت لنا التاريخ في هيئة مصوّرة، وذلك قبل اختراع وسائل التصوير الحديثة. وبغضّ النظر عن صفة المستشرقين التي جاؤوا عليها للشرق، فإنّ تصاويرهم تعدّ مِن أدقّ وأعظم التصاوير التي لعبت دورًا كبيرًا في حفظ التفاصيل التاريخيّة والحضاريّة في هيئة مرآة. وتُعدّ هذه التصاوير مرجعًا مصوّرًا لكثير مِن التفاصيل الخاصّة بالآثار بصفة عامّة، حيث حملت هذه التصاوير تفاصيل دقيقة لرسوم العمائر بشتّى أنواعها، ورُسمت هذه العمائر بواقعيّة شديدة، فسجّلت لنا فراشي الفنّانين الواجهات المعماريّة للمباني بتفاصيلها كافّة، ليس في مصر فقط، ولكنْ في بلدان الشرق كلّه[23]. وكذلك رسم المآذن التي جذبت أنظارهم، ورسم الزخارف التي كانت تزيّن تلك العمائر.

ومِن أشهر المصوّرين الذين تعدّ لوحاتهم سجلًا مصوّرًا للعمارة العربيّة الإسلاميّة وكذلك العمارة المصريّة القديمة، المصوّر باسكال كوست، كما في لوحته. ضمن التصاوير موضوع الدراسة التي تصوّر لنا بواقعيّة باب الفتوح بالقاهرة، لوحة (84) ودافيد روبرتس، ولوحته التي تمثّل سوق النحّاسين في القاهرة ضمن الأعمال الفنيّة موضوع الدراسة لوحة (51)، والتي يتّضح بها عدد مِن المنشآت الآثاريّة المهمّة وما كانت عليه وقت تنفيذ التصويرة، وبروسبير ماريلا وإيميل بريس دافين وتوماس ألوم وإدوارد لير وجان ليون جيروم وغيرهم الكثير[24]. ويمكن لدارسي العمارة والدراسات المعماريّة الاستفادة مِن تلك التصاوير التي تحمل تفاصيل دقيقة لهذه العمائر، حيث قد تلاشى وتلف كثير مِن تلك التفاصيل في الوقت الحالي. كذلك يمكن مِن خلال تلك التصاوير معرفة حالة الأثر في فترة رسم التصويرة؛ إذ إنَّ هذه العمائر قد طرأ على هيئتها كثير مِن التغيير الناتج عن التجديدات والترميمات التي توالت عليها، فيمكن الرجوع إلى تلك اللوحات المصوّرة للوقوف على شكل المنشآت الآثاريّة ومعرفة ما طرأ عليها مِن تغيير وما كانت عليه منذ قرنين مِن الزمان مع بداية انتشار الرسم الاستشراقي، والذي بدأ يزداد منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وبلغ ذروته في منتصف ذلك القرن. والجدير بالذكر أنَّ لجنة حفظ الآثار العربيّة كانت ترجع للوحات المستشرقين في كثير مِن الأحيان عند قيامها بترميم أو إصلاح وتجديد المنشآت الآثاريّة؛ لِما تحمله هذه اللوحات مِن تفاصيل دقيقة فُقدت مِن العمائر بمرور الزمن.

كذلك كان لتصاوير المستشرقين ولوحاتهم الفنيّة دور في حفظ تفاصيل التحف الفنيّة الآثاريّة، فقد حفلت لوحاتهم بأشكال متنوّعة مِن التحف التطبيقيّة ؛كالخزف والفخار والمعادن والتحف الخشبيّة والزجاجيّة وقطع النسيج والسجاد بأشكاله المتنوّعة وتفاصيله الزخرفيّة الثريّة. كذلك أمدّتنا اللوحات بطرق صناعة وزخرفة هذه التحف، والتي بالرجوع إليها تفيد في إعادة التحفة إلى شكلها الأوّلي عند ترميمها، ويتّضح ذلك بجلاء في عدد مِن التصاوير ضمن الأعمال الفنيّة موضوع الدراسة لوحات (36، 117، 118، 119، 121، 237، 238).
ولم يقتصر الأمر على اللوحات المرسومة فقط، بل كان للتصوير الدايجيري «الفوتوغرافي» الذي اخترع عام 1839م، دور مهمّ أيضًا؛ إذ قام كثير مِن المستشرقين باستخدام آلة الكاميرا في التقاط صور للآثار. وهذه الصور وثائق مؤكّدة لا يمكن الطعن فيها لبيان حالة الآثار وتفاصيلها، فتوجد العديد مِن الصور التي أخذت للعمائر في النصف الثاني مِن القرن التاسع عشر وما بعده، بعد اختراع آلة الكاميرا، والتي تمثّل مرجعًا مهمًا لدارسي العمارة للوقوف على شكل العمائر وتفاصيلها وقتذاك،.كذلك توجد صور فوتوغرافيّة للسقّائين في ذلك الوقت وهم يحملون قربهم الفخاريّة، وكذلك للحوانيت وما يباع بداخلها مِن أشكال متنوّعة مِن التحف الفنيّة، ممّا يجعل مِن اليسير على دارسي الفنون معرفة شكل التحف وأكثرها انتشارًا واستعمالًا في تلك الفترة.

وبذلك فقد حفظت لنا تصاوير المستشرقين التراث الأثري، ورصدت وسجّلت لنا تفاصيله بكلّ دقّة. ويمكن الرجوع لهذه اللوحات والتعويل عليها في الدراسات الآثاريّة، ومعرفة العناصر التي كانت موجودة واندثرت.

ثانيًا- دور الدراسات الاستشراقيّة في خدمة الدراسات الحضاريّة
كان للحضارة الإسلاميّة وحياة شعوب الشرق الإسلامي النصيب الأكبر والأهمّ مِن دراسات المستشرقين. فقد كان الشرق بالنسبة لهم كيانًا خفيًّا أرادوا كشفه ومعرفة مكنون نظمه الحياتيّة؛ إذ شغل الشرق حيّزًا كبيرًا مِن تفكيرهم واهتمامهم، حتّى بلغ الرحيل للشرق ودراسة مجتمعاته عن قرب أوجه مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، بعد رحيل الحملة الفرنسيّة عن مصر، التي فتحت أعين الغرب على أهميّة الشرق الإسلامي بصفة عامّة، ومصر بصفة خاصّة. ولم يكن اهتمام المستشرقين بدراسة شعوب الشرق وحضارته مِن قبيل إشباع الرغبة والفضول في كشف الشرق والشغف في الرحيل إليه، وإنّما كان لأهداف كبرى خفيّة؛ كمعرفته ودراسته دراسة وافية مِن جميع النواحي حتّى يضعوا أيديهم على نقاط ضعف شعوبه، وكذلك معرفة مواطن قوّتهم؛ وذلك تمهيدًا لاستعماره والسيطرة عليه. فجاءت معظم الدراسات التي تناولت شعوب الشرق غاية في الدقّة، فلم تترك شيئًا في الشرق إلّا وتناولته؛ وذلك لخدمة المصالح الغربيّة. ولكنْ –ومِن دون قصد- خدمت تلك الدراسات الحضاريّة الاستشراقيّة لشعوب الشرق الدراسات الحضاريّة التي تمّت في عصرنا هذا.

ولمّا كانت مصر مِن أعظم بلدانه، فقد حظيت باهتمام جلّ المستشرقين والرحّالة، وحتّى السائحين، فلم تطأ أقدام أيّ منهم أرض مصر إلّا وكتب عنها، سواء مؤلّفات مستقلّة أو خطابات كانوا يرسلونها لذويهم في الغرب، يتناولون فيها وصف مصر ونظام شعبها وحضارتها وجميع أوجه الحياة فيها.

وقد قدّمت الدراسات الاستشراقيّة، خاصّة ما تمّ في القرنَيْن التاسع عشر والعشرين الميلاديين، خدمات جليلة لدارسي الحضارة والتاريخ الاجتماعي والمعنيّين بالدراسات الحضاريّة، خاصّة دراسة الشعوب وعاداتها ونظمها الاقتصاديّة والسياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة. وكان للحياة الاجتماعيّة لشعوب الشرق نصيب وافر مِن مؤلّفات المستشرقين، تلك المؤلّفات التي قامت بتوثيق كلّ جوانب الحياة الاجتماعيةّ -وإنْ اشتملت هذه الدراسات على بعض الأخطاء التي يجب على الباحث المطّلع أنْ يعيها جيّدًا في أثناء الرجوع لتلك المؤلّفات- فقد كان لاختلاف الدين والثقافة واللغة بين المستشرقين وشعوب الشرق دور في وقوع أولئك المستشرقين في كثير مِن الأخطاء.
وقد شمل إنتاج المستشرقين الذي خدم الدراسات الحضاريّة، المؤلّفات أو الكتب والتصاوير التي نفّذها الفنّانون المستشرقون الذين أتوا إلى الشرق، وكذلك الصور الفوتوغرافيّة أو التصوير الدايجيري الذي استخدمه كثير مِن المستشرقين في توثيق المشاهد اليوميّة الشرقيّة بوساطة آلة الكاميرا التي اخترعت عام 1839م.

1. المؤلّفات أو الكتب التي تناولت الجوانب الحضاريّة
سنورد أهمّها وأكثرها تأثيرًا في دراسات الباحثين المحدثين:
بالإضافة إلى «موسوعة وصف مصر» التي سبق الحديث عنها، والتي لم يُغفل مؤلّفوها أيًّا مِن جوانب الحياة في مصر، وخدمت الدراسات الحضاريّة بشكل كبير مثلما خدمت الدراسات الآثاريّة؛ يأتي كتاب المستشرق الإنجليزي إدوارد وليام لين «عادات المصريّين المحدثين وتقاليدهم»

(the Manners and customs of the modern Egyptian) الذي صدر في جزأين عام 1836م في لندن[25]، في مقدّمة الكتب الاستشراقيّة التي تناولت حياة الشعب المصري بشكل دقيق للغاية. وقد جاء إدوارد لين إلى مصر عام 1825م، يملؤه الشغف في معرفة مصر ودراسة الشعب المصري والوقوف على نظم الحضارة الإسلاميّة، فما كان منه إلّا أنْ اندمج وسط الشعب المصري، وارتدى الزيّ المصري التقليدي، وكان لاختلاطه بالمصريّين وارتياده منازلهم دور مهمّ في معرفة تفاصيل حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم كافّة، فتجوّل في الأسواق، وطاف في الشوارع، ودخل المساجد، فتمكّن بذلك مِن التغلغل إلى أعماق الحياة الاجتماعيّة والدينيّة للمصريّين[26]، فألمّ بالنواحي الحضاريّة كافّة، واطّلع عن قرب على الحضارة الإسلاميّة، فلم يترك جانبًا مِن جوانب حياة المصريّين، إلّا وتناوله عن معايشة وتجربة، فاشتمل كتابه هذا على وصف لأدقّ التفاصيل اليوميّة لحياة المصريّين في القرن التاسع عشر الميلادي؛ إذ وصفها وصفًا مفصّلًا، مسهبًا في ذكر ما يقوم به المصريّون مِن أعمال يوميّة. كذلك شمل الكتاب وصفًا لملابس المصريّين في تلك الفترة، مع إيضاح لأنواع قطع الملابس التي تخصّ كلّ طبقة مِن طبقات المجتمع، مصحوبًا برسومات لتلك القطع مِن تنفيذ إدوارد لين. كذلك لم يغفل لين الإشارة إلى تعاملات المصريّين اليوميّة داخل الأسواق، وأنواع التجارة والبضائع الرائجة وقتذاك. كما وصف النظام الأسريّ في مصر، ودور المرأة في الأسرة، وأشكال البيوت، وأنواع الأطعمة، وأشكال الشوارع والحوانيت، ووسائل المواصلات المستخدمة في ذلك الوقت، والاحتفالات والمناسبات لدى المصريّين وأنواعها، ونظام الزواج والأفراح وكيفيّة حدوثها، والجماعات الهامشيّة والمتسوّلين والعبيد والخدم، فلم يترك شيئًا في المجتمع المصري إلّا وسجّله بكلّ دقّة ووصفه بإسهاب، فأصبح كتابه مرجعًا للباحثين والمهتمّين بدراسة المجتمع المصري والنواحي الحضاريّة له.

ويُعدّ كتاب لين هذا أكثر كتب المستشرقين التي تناولت المجتمع المصري والحضارة الإسلاميّة بإنصاف كبير. فلم يكن مجيء لين لمصر بدافع أو هدف سياسي لخدمة الأهداف والمصالح الاستعماريّة أو لتشويه الحضارة الإسلاميّة، بل أراد أنْ يُعرِّف العالم بحضارة وشعب مصر التي تنقّل بين مدنها الكبرى والصغرى، كما طاف بقراها وريفها. فيُعدّ كتابه هذا مِن أهمّ وأكثر المؤلّفات الاستشراقيّة التي أفادت الدراسات الحضاريّة، فلم يتناول أيّ باحث حياة الشعب المصري الاجتماعيّة والحضاريّة، إلّا ورجع لهذا الكتاب الذي تميّز بالدقّة والوضوح، فيُعدّ أفضل ما كُتب في وصف حياة وحضارة شعب.
وقد حذا كثير مِن المستشرقين حذو إدوارد وليم لين، لكنّهم لم يبلغوا ما بلغه مِن دقّة الوصف وشموليّة المضمون. ومِن تلك المؤلّفات الاستشراقيّة الأخرى التي أفادت مجال الدراسات الحضاريّة، كتاب الطبيب المستشرق الفرنسي أنطوان بارتملي الشهير بـ»كلوت بك»، الذي سنحت له الفرصة للمجيء لمصر عام 1825م، عندما استقدمه محمّد علي باشا فيما استقدم مِن الفرنسيّين لبناء دولته الحديثة، فتولّى وظيفة «جرّاح باشي»، ثمّ صار فيما بعد جرّاح محمّد علي باشا الأوّل، وقد مضى كلوت بك فترة طويلة في مصر، ألّف خلالها كتابه «لمحة عامّة إلى مصر»، الذي نشره في باريس عام 1840م[27]، والذي نُقل إلى العربيّة فيما بعد.

وقد حاول كلوت بك في هذا الكتاب السير على نهج أبناء جنسه مِن الفرنسيّين الذين ألّفوا موسوعة وصف مصر، فقام بعمل استعراض موجز في هذا الكتاب لتاريخ مصر منذ العصر الفرعوني، جاعلًا تركيزه الأكبر على النظم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والقانونيّة.كذلك تناول طبيعة مصر الجغرافيّة والجيولوجيّة، وذكر ما فيها مِن أنواع الطيور والحيوانات، وأنواع الأشجار والمحاصيل في فترة تواجده بمصر. كما ألقى الضوء بإيجاز على أزياء المصريّين ونظم حياتهم الاجتماعيّة مِن احتفالات وزواج وحياة أسريّة، والمرأة ودورها، وما كان لها مِن مكانة في طبقات المجتمع المختلفة، بالإضافة إلى ذكره للأمراض التي كانت منتشرة وقتذاك، والأوبئة التي كانت تضرب مصر في القرن التاسع عشر الميلادي. كذلك تناول كلوت بك في كتابه فترة حكم محمّد علي باشا التي عاصرها في مصر، وكان شاهدًا على ما تمّ فيها مِن أحداث، وما سعى إليه محمّد علي في ذلك الوقت مِن عمل نهضة شاملة في شتّى المجالات.
وتكمن أهميّة هذا الكتاب في أنَّ مؤلّفه قد عاصر معظم فترة حكم محمّد علي باشا، ووضع يده على ما طرأ على المجتمع في ذلك الوقت مِن تغيرات اجتماعيّة، فأمدّ الدراسات الحضاريّة الحديثة بمعلومات قيّمة عن مصر في القرن التاسع عشر الميلادي، فخدم بذلك الدراسات الحضاريّة التي تركّز على فترة حكم محمّد علي باشا.

والجدير بالذكر أنَّ المستشرق كلوت بك لم يكن مِن المستشرقين المجحفين في كتاباته عن الشرق وعن المجتمع المصري الذي يخالفه في الدين والثقافة ونظم الحياة كافةً، إلّا أنّه حاول أنْ يبرز المجتمع المصري بكلّ تفاصيله دون نقد شديد أو إجحاف لهذا البلد وعادات أهله التي هي بالطبع غريبة عليه، ولكنّه كان يقارن بين عادات المصريّين وعادات أهل بلده الفرنسيّين؛ ليبيّن اختلاف الشرق عن الغرب في كلّ شيء.
وهناك دراسات استشراقيّة تناولت القاهرة بشكل خاصّ وتركيز أكبر دون غيرها مِن المدن المصريّة، بصفتها عاصمة الدولة ومقرّ الحكم والإدارة. ومِن هذه المؤلّفات، كتاب المستشرق الفرنسي واشنطن دي فوداني «القاهرة وضواحيها»، وقد تعرّض هذا الكتاب بالوصف والتحليل والنقد لعادات ومعتقدات المصريّين في العصور الوسطى وحتّى العصر الحديث، خاصّة أهل القاهرة[28]، وقد نُقل هذا الكتاب إلى العربيّة.
ومِن المؤلّفات الأخرى التي ركّزت على القاهرة وصدرت في القرن العشرين، كتاب المستشرق الفرنسي أندريه ريمون، وقد نقل إلى العربيّة. ويلقي فيه ريمون الضوء على تاريخ القاهرة الاجتماعي بصفة عامّة، متناولًا عواصم مصر منذ الفتح الإسلامي حتّى العصر الحديث، مركّزًا على القاهرة منذ إنشائها في العصر الفاطمي حتّى القرن العشرين.
ومِن المؤلّفات الاستشراقيّة التي خدمت الدراسات الحضاريّة كتاب المستشرقة جينيفر سكيرس «الثقافة الحضريّة في مدن الشرق..استكشاف المحيط الداخلي للمنزل». يتناول هذا الكتاب بتركيز حياة الطبقة العليا والوسطى في مدن الشرق مِن ضمنها القاهرة، فيلقي الضوء على المأكل والمسكن والملبس في تلك الطبقات التي تحتلّ شريحة عريضة في مجتمعات الشرق، إذ تضمّ الحكّام وكبار رجال الدولة والميسورين والتجار والمشايخ والعلماء والموظّفين.

وكذلك مِن المؤلّفات أيضًا التي خدمت الدراسات الحضاريّة، كتاب المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون «حضارة العرب». وهذا الكتاب لا يقتصر على مصر فقط، بل يتناول العرب في العراق وشبه الجزيرة العربيّة وسوريا وبلاد فارس والهند وشمال أفريقيا وإسبانيا، إذ تطرّق إلى نظم العرب وطبائعهم ومصادر معارفهم وغيرها مِن الأمور المتعلّقة بحضارة العرب، ويُعدّ هذا الكتاب مرجعًا يتناول حضارة العرب مِن وجهة نظر الغرب. والحقيقة أنّ المطّلع على هذا الكتاب يجد كثيرًا مِن الاتّزان وعدم الإجحاف في حديث لوبون عن العرب وحضارتهم، بل إنّه مقرّ بما لحضارة العرب مِن فضل على أوروبا ودور في تمدينها، وقد نشر هذا الكتاب عام 1884م، ثمّ تُرجم إلى العربيّة فيما بعد[29].

كذلك وجدت مؤلّفات أخرى لبعض المستشرقين الذين اتّسمت آراؤهم وكتاباتهم بالإجحاف بدرجات متفاوتة مِن مستشرق لآخر، وتظهر بين سطورهم لهجة الاستعلاء والعداء والكراهية للإسلام، محاولين تشويه الحضارة الإسلاميّة، متهكّمين على عادات وتقاليد المسلمين عامّة، والمصريّين بصفة خاصّة. ورغم آرائهم هذه، إلّا أنَّ مؤلّفاتهم حملت بين ثناياها فائدة لدارسي الحضارة وحياة الشعوب الإسلاميّة. فعلى الباحثين المحدثين الرجوع لتلك المؤلّفات ونقدها وتصحيح ما بها مِن مغالطات وأخطاء، والإفادة مِن الجوانب الصحيحة بها، وألّا يسير الباحثون معصوبي الأعين خلف هذه الكتابات، بل يجب أنْ يمتلكوا رؤية نقديّة لمعرفة الغثّ مِن السمين. ومِن هذه الدراسات، والتي تناولت المجتمع المصري على وجه الخصوص، كتاب المستشرق الإنجليزي ستانلي لين بول «الحياة الاجتماعيّة في مصر..وصف للبلد وأهلها»، الذي تناول فيه الحياة الاجتماعيّة في مصر بتفاصيلها كافّة في النصف الثاني مِن القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك بطريقة نقديّة لحياة المصريّين وعاداتهم وتقاليدهم وحضارتهم أحيانًا، وتهكّمية على بعض العادات والتقاليد والنظم أحيانًا أخرى. ولكنْ لهذا الكتاب بعض الجوانب المهمّة التي يجب النظر إليها وأخذها في الاعتبار؛ إذ يطلعنا لين بول فيها على بعض النظم الاجتماعيّة والعادات السائدة مع وصف لحياة الفلّاحين وأوضاعهم ونظام الزراعة وحياة أهل الريف، وكذلك حياة أهل المدن ومساكنهم ومأكلهم وملبسهم .كلّ ذلك مصحوبًا بتصاوير توضيحيّة منفّذة على الخشب والأستيل بطريقة الحفر. وكباقي المستشرقين، لم يفت ستانلي لين بول أنْ يلقي الضوء على بعض الآثار؛كالمساجد الشهيرة، إذ يصفها وصفًا دقيقًا. وقد أعجب لين بول بالأزهر الشريف ونظامه مع نقده لنظام التعليم في مصر، الذي اقتصر على التركيز على العلوم الدينيّة والشرعيّة وما يتّصل بالدين الإسلامي[30]. ولستانلي لين بول مؤلّفات كثيرة يتناول فيها الحضارة الإسلاميّة وحياة شعب مصر ؛ ككتاب سيرة القاهرة، وكتاب (Cairo sketches of its historymonuments and social life).

ومِن هؤلاء المستشرقين أيضًا، المستشرقة الإنجليزيّة صوفيا لين بول التي كانت تنظر إلى المجتمع المصري نظرة استعلاء بصفتها سيّدة إنجليزيّة؛ إذ يتّضح ذلك في كتاباتها. وقد جاءت إلى مصر، وكتبت عدّة رسائل مِن القاهرة تصف فيها مشاهداتها عن المجتمع المصري، وقد خرجت هذه الرسائل لنا في هيئة كتاب بعنوان «المرأة المصريّة في عهد محمّد علي.. رسائل صوفيا لين بول مِن القاهرة». وتكمن أهميّة هذا الكتاب بالنسبة للدراسات الحضاريّة، رغم آراء صوفيا لين بول المجحفة وأسلوبها المغلف بنظرة عداء للإسلام والمسلمين وحضارتهم، في اشتماله على وصف مفصّل لحياة النساء داخل القصور والحرملك في الطبقتين العليا والوسطى؛ إذ كانت صوفيا لين بول تقوم بزيارة سيّدات الحريم، وحريم محمّد علي باشا، فنقلت كلّ تفاصيل حياتهم داخل القصور والبيوت. كما وصفت الحرملك والقصور وما فيها مِن زخارف ومفروشات، والتعاملات والحياة اليوميّة داخلها، وأزياء تلك الطبقة وغيرها مِن الأمور المتعلّقة بحياة النساء داخل تلك القصور المغلقة عليهن، والتي كان مِن المستحيل دخول الأجانب مِن الرجال إليها. فجاءت رسائل صوفيا لين بول لتكون النافذة التي يطلّوا منها على حياة النساء داخل الحرملك والقصور[31]. ويمكن للمتخصّصين في الدراسات الحضاريّة الرجوع لكتاب صوفيل لين بول؛ للإفادة منه فيما يخصّ حياة النساء داخل القصور والحرملك بصفة خاصّة.

2. التصاوير المرسومة والفوتوغرافيّة التي تناولت الجوانب الحضاريّة
تُعدّ لوحات المستشرقين سجلًّا مصوّرًا للمجتمعات الشرقيّة بصفة عامّة، ومصر بصفة خاصّة، وللحياة الشرقيّة الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة وغيرها. فتحمل تلك اللوحات تفاصيل حياة الشعوب الشرقيّة، والتي كانت مِن الأهداف الرئيسة لدى المستشرقين؛ إذ ركّزوا على معرفة نظم حياة أهل الشرق وعاداتهم وتقاليدهم ونقلها لحكوماتهم وشعوبهم في الغرب.

وقد حرصوا على نقل الحياة الشرقيّة التي رسموها بمنتهى الدقّة، وكذلك في رسم الواقع الاجتماعي الشرقي. وقد حفلت تلك اللوحات برسوم طوائف الشعوب وعادات أهلها وثقافتهم وتقاليدهم[32]، بملاحظة جميع تفاصيل الأزياء الشرقيّة بأشكالها وأنواعها المختلفة سواء للرجال أو النساء[33]، فاتّضحت بها قطع الملابس التي ترتديها كلّ طبقة مِن طبقات المجتمع، وكذلك قطع الملابس التي ميّزت كلّ بلد وكلّ إقليم، فرصدت ملابس الحكّام والأمراء وكبار رجال الدولة والميسورين، وكذلك ملابس طبقة العامّة مِن رجال ونساء وأطفال وصبية، وأيضًا ملابس الجنود ورجال الشرطة، فيمكن مِن خلال تلك التصاوير معرفة وتتبّع تطوّر نظام الملابس والمتغيّرات، التي طرأت عليه نتيجة التأثيرات الأوروبيّة التي اجتاحت الشرق عامّة، ومصر بصفة خاصّة في القرنَيْن التاسع عشر والعشرين الميلادييين. كذلك تحمل تلك التصاوير تفاصيل الزخارف التي تزيّن قطع الملابس، ونوع المنسوجات التي كانت سائدة وقتذاك، ويتّضح كلّ ذلك جليًّا في الأعمال الفنيّة موضوع الدراسة.
مِن ناحية أخرى، سجّلت لنا تلك التصاوير مظاهر الحياة الاجتماعيّة في الشرق مِن عادات وتقاليد المجتمعات، مِن طرق الاحتفالات؛ كالزواج والمآتم وإقامة حفلات الرقص والغناء والموسيقا[34]، وكذلك طرق الاحتفالات بالأعياد والمناسبات الإسلاميّة وغير الإسلاميّة العامّة والخاصّة، وكذلك طرق المعيشة وحياة النساء داخل البيوت والحرملك، وما يقومون به مِن أعمال منزليّة، ونُظم المأكل والمشرب وأنواع الأطعمة السائدة والمشهورة وقت رسم تلك اللوحات. كما لم تغفل تلك التصاوير النظام الأسري ومكانة ربّ الأسرة ودوره الذي اتّضحت أهميّته في هذه التصاوير، وأيضًا دور المرأة وما تقوم به مِن أعمال، واحتشامها وعدم خلطتها بالرجال.

هذا بالإضافة إلى مشاهد الحياة اليوميّة التي كانت أكثر ما يحرص المصوّرون على رسمه، فزخرت التصاوير بمشاهد الحياة اليوميّة مِن حركة التجارة والبيع والشراء في الأسواق وأنواع السلع المتداولة بها، والحوانيت وأنواعها وأصحابها مِن التجار، والباعة الجوّالين والسقّائين وغيرهم مِن أصحاب الحرف والمهن في المجتمع. بالإضافة إلى الأعمال التي يقوم بها الرجال والنساء، سواء في المدن أو في القرى؛كأعمال الحقول والزراعة وتربية الحيوانات والطيور، وبعض الصناعات البسيطة كنسج الخيوط وصناعة الأواني الفخاريّة، وقد ظهر كلّ ذلك في الأعمال الفنيّة موضوع الدراسة.

كما سجّلت التصاوير أيضًا ارتياد الرجال والنساء للحمّامات العامّة وأشكالها، وأيضًا ارتياد الرجال مِن مختلف الطبقات للمقاهي ووسائل التسلية في تلك المقاهي، وأشكال المقاهي في ذلك الوقت.
كما رصدت تلك التصاوير البدو في الصحراء، مِن رجال ونساء، وطرق معيشتهم وعاداتهم وأزيائهم، وما يقومون به مِن أعمال، هذا بالإضافة إلى ما سجّلته التصاوير مِن طقوس دينيّة كأداء الصلوات والأدعية.
وقد أمدّتنا تصاوير المستشرقين أيضًا بأنواع وأشكال وسائل المواصلات التي كانت تستخدم وقتذاك؛ كالجمال والحمير والخيول، والعربات التي تجرها الخيول، والتي كان يستخدمها أعضاء الطبقة العليا. كما سجّلت تلك التصاوير أماكن وطرق التعليم السائدة في تلك الفترة؛ كالكتاتيب والمدارس الملحقة بالمساجد وحلقات التعليم التي كانت تقام في الخلاء أو في أيّ مكان فراغ، خاصّة في الأرياف.

الخاتمة
لم تترك كتابات ورسوم وتصاوير المستشرقين جانبًا مِن جوانب حياة الشعوب الشرقيّة إلّا وتناولته. لذا، فإنَّ هذه التصاوير خدمت الدراسات الحضاريّة والاجتماعيّة بما وفّرته مِن مشاهد لكلّ ما يتعلّق بالمجتمعات، وما يقوم به أفرادها مِن ممارسات حياتيّة.
ينبغي على دارسي الحضارة أو المعنيين بالدراسات الحضاريّة والاجتماعيّة وكلّ ما يتعلّق بالتراث الحضاري، عدم إغفال تلك الكتب والتصاوير التي حفظت لنا معظم جوانب تراثنا الحضاري.
يجب الالتفات إلى أنّ المستشرقين الذين اهتمّوا بالشرق كتابة ورسمًا وتصويرًا، منهم مَن هو كاره للشرق وناقم عليه، ومنهم مَنْ كان موضوعيًّا ومنصفًا، خاصّة بين فئة المصوّرين الذين كان لديهم دافع فنّي سيطر على رسومهم؛ إذ كانت هذه الفكرة مسيطرة على كثير مِن الباحثين، ممّا جعلهم يرفضون إنتاج المستشرقين.
بغضّ النظر عن الأهداف الاستعماريّة للمستشرقين في كلّ المجالات التي عملوا عليها في الفترة الماضية، فإنّ أغلبهم كان يعمل على نقل الواقع كما هو؛ لحاجته إلى فهم شعوب الشرق وحضارتهم، وليس بالضرورة لتقديم خدمات علميّة صافية. وفي كلا الحالتين، تبقى هذه الأعمال مصدرًا مهمًّا للباحثين والدارسين في تلك الفترة.
إنَّ المتتبّع لإنتاج المستشرقين الفني مِن تصاوير وأعمال فنيّة، يجد أنّها تخدم بشكل كبير الدراسات الآثاريّة والحضاريّة والاجتماعيّة.

لائحة المصادر والمراجع
إبراهيم صبحي السيّد غندر، دراسة لأعمال المستشرق كاميل روجر الفنية عن تركيا في القرن التاسع عشر.
إدوارد وليم لين، عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، ترجمة: سهير دسوم.
الحاج ولد إبراهيم، الثورات العربيّة إعادة الاعتبار لأطروحات إدوارد سعيد، مركز الجزيرة للدراسات، 2012م.
الريح أحمد النيل، نزعة الاستعلاء والعداء في كتابات المستشرقين المتعصبين عن التراث العربي الإسلامي، مجلّة البحث العلمي للعلوم والآداب، العدد الحادي عشر، السنة الثامنة، يناير، 2012م.
ثروت عكاشة، مصر في عيون الغرباء، ج1.
جوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، مؤسّسة هنداوي للنشر.
ربيع أحمد سيّد، تصاوير المشرق الإسلامي ودلالتها الحضاريّة.
رشاد رشدي، سحر مصر في كتابات الرحّالة الإنجليز في القرن التاسع عشر، ترجمة: جمال الجزيري، المجلس الأعلى للثقافة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2002م.
ريتشارد إتنجهاوزن، الفنّ الإسلامي والعمارة، ترجمة: عبد الودود بن عامر، دار الكتب الوطنيّة.
ستانلي لين بول، الحياة الاجتماعيّة في مصر.. وص ف للبلد وأهلها، ترجمة: ماجد محمّد فتحي، مكتبة الآداب.
سعدون الساموك، الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلاميّة، دار المناهج للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمّان، الأردن، 2010م.
سيّد عبد الماجد الغوري، مقالات وبحوث حول الاستشراق والمستشرقين للعلّامة الندوي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، دمشق، 2012.
صلاح الجبري، الاستشراق. قراءة نقديّة، دار الأوائل، الطبعة الأولى، دمشق، 2009م.
صوفيا لينبول، المرأة المصريّة في عهد محمّد علي.. رسائل صوفيا لينبول من القاهرة، ترجمة: عزّة كرارة، عين للدراسات والبحوث الإنسانيّة والاجتماعيّة.
عرفة عبده علي، القاهرة بالفرشاة الأوروبيّة.
عفيف البهنسي، أثر الجماليّة الإسلاميّة في الفنّ الحديث.
علي حسن الخربوطلي، المستشرقون والتاريخ الإسلامي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، الطبعة الثانية، القاهرة، 1988م.
كلوت بك، لمحة عامّة إلى مصر، مقدّمة الكتاب «ترجمة المؤلف».
كونت دي شابرول، موسوعة وصف مصر-المصريّون المحدثون-، مقدّمة الجزء الأوّل.
ديماند، الفنون الإسلاميّة، ترجمة: أحمد محمّد عيسى، دار المعارف بمصر.
مازن بن صلاح مطبقاني، الاستشراق.
مالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، دار الإرشاد، الطبعة الأولى، 1969م.
محمّد المقداد، تاريخ الدراسات العربيّة في فرنسا، سلسلة عالم المعرفة، العدد 167، الكويت، 1992م.
محمّد فاروق النبهان، الاستشراق..تعريفه.. مدارسه.. آثاره، منشورات المنظّمة الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة، إيسيسكو، الرباط، المملكة المغربيّة، 2012م.
محمّد نور الدين جباب، إشكاليّة الهويّة والمغايرة في الفكر العربي المعاصر، مخطوط رسالة دكتوراه غير منشورة، كليّة العلوم الإنسانيّة، جامعة الجزائر، 2004م.
محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري، دار المعارف، د.ط، القاهرة، 1997م.
عفاف صبره، المستشرقون ومشكلات الحضارة، دار النهضة العربيّة، د.ط، القاهرة، 1985م.
مشتاق بشير الغزالي، أزمتنا مع الاستشراق، مركز دراسات الكوفة، العدد الثامن، 2008م.
نهلة فخر محمّد، دراسة لبعض آثار مدينة القاهرة.
واشنطن دي فوجاني، القاهرة وضواحيها، ترجمة: مدحت عايد فهمي، مكتبة مدبولي للنشر.
وديعة بنت عبد الله بن أحمد، دور المصوّرين المستشرقين في حفظ التراث العربي في القرن 19م، مجلّة العمارة والفنون، العدد العاشر.
يحيى مراد، معجم أسماء المستشرقين.

لائحة المصادر الأجنبيّة
Edward said, orientalism, New York, vintage Books, 1979.
David Robrtes,Eygpt and Nubia, London, 1846.
A.C.Creswell, A brief chronology of the Muhammadan monuments of Eygpt to A.D 1517,Bifao, 1919.
Pascale Coste, Architecture Arabeou Monuments du caire, 1837- 1839.
E. Prissd’Avennes,L’artarabed’apres les Monuments du kaire,paris, 1874.

------------------------------------
[1][*]- أستاذ الآثار الإسلاميّة المُساعد، كليّة الآثار، جامعة الفيّوم؛ دكتوراه في التصوير الاستشراقي 2015م.
[**]- دكتوراه في التصوير الاستشراقي 2021م.
[2]- محمّد نور الدين جباب، إشكاليّة الهويّة والمغايرة في الفكر العربي المعاصر، مخطوط رسالة دكتوراه غير منشورة، كليّة العلوم الإنسانيّة، جامعة الجزائر، 2004م، ص129-135.
[3]- محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفيّة الفكريّة للصراع الحضاري، دار المعارف، د.ط، القاهرة، 1997م، ص18.
[4]- عفاف صبره، المستشرقون ومشكلات الحضارة، دار النهضة العربيّة، د.ط، القاهرة، 1985م، ص9.
[5]- يحيي مراد، معجم أسماء المستشرقين، ص16.
[6]- Edward said, orientalism, New York, vintage Books, 1979, pp. 12.
[7]- الريح أحمد النيل، نزعة الاستعلاء والعداء في كتابات المستشرقين المتعصّبين عن التراث العربي الإسلامي، مجلّة البحث العلمي للعلوم والآداب، العدد الحادي عشر، السنة الثامنة، يناير، 2012م، ص1-2.
- مالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، دار الإرشاد، الطبعة الأولى، 1969م، ص5.
- علي حسن الخربوطلي، المستشرقون والتاريخ الإسلامي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، الطبعة الثانية، القاهرة، 1988م، ص22.
- محمّد المقداد، تاريخ الدراسات العربيّة في فرنسا، سلسلة عالم المعرفة، العدد 167، الكويت، 1992م، ص7.
- مشتاق بشير الغزالي، أزمتنا مع الاستشراق، مركز دراسات الكوفة، العدد الثامن، 2008م، ص27.
- صلاح الجبري، الاستشراق.. قراءة نقديّة، دار الأوائل، الطبعة الأولى، دمشق، 2009م، ص15.
- سعدون الساموك، الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلاميّة، دار المناهج للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمّان، الأردن، 2010م، ص13.
- الحاج ولد إبراهيم، الثورات العربيّة إعادة الاعتبار لأطروحات إدوارد سعيد، مركز الجزيرة للدراسات، 2012م، ص6.
- مازن بن صلاح مطبقاني، الاستشراق، ص5.
- محمّد فاروق النبهان، الاستشراق، تعريفه، مدارسه، آثاره، منشورات المنظّمة الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة، إيسيسكو، الرباط، المملكة المغربيّة، 2012م, ص11.
- سيّد عبد الماجد الغوري، مقالات وبحوث حول الاستشراق والمستشرقين للعلّامة الندوي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، دمشق، 2012، ص16.
- ربيع أحمد سيّد، تصاوير المشرق الإسلامي ودلالتها الحضاريّة، ص121-131.
[8]- للمزيد عن هذه الموسوعة انظر: كونت دي شابرول، موسوعة وصف مصر -المصريّون المحدثون-، مقدّمة الجزء الأوّل، ص8-11.
[9]- رشاد رشدي، سحر مصر في كتابات الرحالة الإنجليز في القرن التاسع عشر، ترجمة: جمال الجزيري، المجلس الأعلى للثقافة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2002م، ص25.
[10]- انظر: David Robrtes, Eygpt and Nubia, London, 1846.
[11]- رشاد رشدي، سحر مصر في كتابات الرحالة الإنجليز في القرن التاسع عشر، ص28.
[12]- انظر:
-A. C. Creswell, A brief chronology of the Muhammadan monuments of Eygpt to A.D 1517, Bifao, 1919.
[13]- انظر: ريتشارد إتنجهاوزن، الفنّ الإسلامي والعمارة، ترجمة: عبد الودود بن عامر، دار الكتب الوطنيّة.
[14]- انظر: م.س. ديماند، الفنون الإسلاميّة، ترجمة: أحمد محمّد عيسى، دار المعارف بمصر.
[15]- نهلة فخر محمّد، دراسة لبعض آثار مدينة القاهرة، ص16.
[16]- ثروت عكاشة، مصر في عيون الغرباء، ج1، ص205.
[17]- انظر: Pascale Coste, Architecture Arabe ou Monuments du caire, 1837-1839.
[18]- انظر: E. Priss d’Avennes, L’artarabe d’apres les Monuments du kaire, paris, 1874.
[19]- ثروت عكاشة، مصر في عيون الغرباء، ج1، ص 205.
[20]- ثروت عكاشة، مصر في عيون الغرباء، ج2، ص 264.
[21]- عفيف البهنسي، أثر الجماليّة الإسلاميّة في الفنّ الحديث، ص72.
[22]- عرفة عبده علي، القاهرة بالفرشاة الأوروبيّة، ص7.
[23]- وديعة بنت عبد الله بن أحمد، دور المصورّين المستشرقين في حفظ التراث العربي في القرن 19م، مجلّة العمارة والفنون، العدد العاشر، ص795.
[24]- عرفة عبده علي، القاهرة بالفرشاة الأوروبيّة، ص9.
[25]- إدوارد وليم لين، عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم، ترجمة: سهير دسوم، ص9.
[26]- إدوارد وليم لين، عادات المصريين المحدثين، ص8 .
[27]- انظر: كلوت بك، لمحة عامّة إلى مصر، مقدّمة الكتاب «ترجمة المؤلّف».
[28]- انظر: واشنطن دي فوجاني، القاهرة وضواحيها، ترجمة: مدحت عايد فهمي، مكتبة مدبولي للنشر.
[29]- انظر: جوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، مؤسّسة هنداوي للنشر.
[30]- انظر: ستانلي لين بول، الحياة الاجتماعيّة في مصر.. وصف للبلد وأهلها، ترجمة: ماجد محمّد فتحي، مكتبة الآداب.
[31]- انظر: صوفيا لين بول، المرأة المصريّة في عهد محمّد علي.. رسائل صوفيا لين بول مِن القاهرة، ترجمة: عزّة كرارة، عين الدراسات والبحوث الإنسانيّة والاجتماعيّة.
[32]- ربيع أحمد سيّد، تصاوير المشرق الإسلامي ودلالتها الحضاريّة.
[33]- وديعة بنت عبد الله بن أحمد، دور المصوّرين المستشرقين في حفظ التراث العربي، ص795.
[34]- إبراهيم صبحي السيّد غندر، دراسة لأعمال المستشرق كاميل روجر الفنيّة عن تركيا في القرن التاسع عشر، ص10.