الباحث : نعيم تلحوق
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 38
السنة : ربيع 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث : April / 13 / 2024
عدد زيارات البحث : 1279
في سياق تفعيل مشروعه التَّخصُّصي حول القرآن الكريم في الدِّراسات الاستشراقيَّة الغربيَّة، أصدر المركز الإسلامي للدِّراسات الاستراتيجيَّة في العتبة العباسيَّة المقدَّسة كتابًا تحت عنوان: «القرآن الكريم في الفكر الاستشراقي المعاصر» مقاربات نقديَّة لموسوعة القرآن (ليدن). يضمُّ الكتاب دراسات معمَّقة عملت على مقاربة موسوعة ليدن من زوايا وحقول معرفيَّة متعدِّدة. وقد شارك إنجاز الأبحاث عدد من المتخصِّصين في الدِّراسات الاستشراقيَّة وهم على التَّوالي: (الباحث المغربي جميل حمداوي) كتب دراسة نقديَّة في منهجيَّة الموسوعة ومسارات تنفيذها... وكتب الباحث الإيراني علي رضائي أصفهاني حول هيئة القرآن وبنيته. ودراسة نقديَّة لآراء انجيليكا نويفرت للباحث الشَّيخ محمود سرائب. وتحت عنوان لغة القرآن، وأسلوبه في موسوعة القرآن (ليدن) عرضًا، ونقدًا كتب الباحث المصري (عبد الرحمن أبو المجد)، والباحث العراقي الشَّيخ د. تحسين البدري كتب تحت عنوان اضطراب نصِّ القرآن في كلمات انجيليكا نويفرت دراسة بعنوان: النُّسخ في موسوعة القرآن الكريم (ليدن) للباحث محمَّد جواد اسكندرلو، و«نقد مقالة تفسير القرآن في مطلع العصر الحديث، والمعاصر والكفر نموذجًا»، للباحث نور الدين أبو لحية ثمَّ دراسة الإنجيل في القرآن، للشَّيخ د. حاتم اسماعيل، إلى دراسة في لكتاب نفسه للدُّكتور نور الدِّين أبو لحية حول التَّحيُّز المعرفي في موسوعة ليدن القرآنيَّة، مداخل الأنبياء أنموذجًا. كما شارك في الكتاب كلٌّ من الباحثين: يعقوب الميالي حول الحضارة، والعمران في موسوعة القرآن، ومقاربات نقديَّة في التَّشريعات العباديَّة في موسوعة القرآن - ليدن إلى قراءة نقديَّة تحليليَّة في التُّعدُّديَّة الدِّينيَّة، والقرآن الكريم للشَّيخ الأسعد بن علي قيدارة، وأخيرًا كتب الباحث حسين لطفي تحت عنوان: الاختيار الانتقائي، والبيان اللَّامتوازن للمعلومات في موسوعة ليدن القرآنيَّة.
الواضح ممَّا تظهره الدِّراسات الواردة في هذا الكتاب، أنَّها سعت على الإجمال إلى الردِّ على مجمل الأسئلة الَّتي أثارتها موسوعة ليدن، ولا سيَّما تلك المتعلِّقة بالشُّبهات التَّاريخيَّة، واللُّغويَّة التَّفسيريَّة. ولا سيَّما لجهَّة ما يتعلَّق بقضيَّة ترتيب السُّور في القرآن الكريم وآياته، وشرح الكلمات والمفردات، ثمَّ التَّعليق على الآيات القرآنيَّة، وتفسيرها العلميِّ، ناهيك عن أسئلة كثيرة برزت حول مواقيت أسباب النُّزول مثل: «متى نزلت بعض الآيات، وفي أيِّ ظروف، وإلى من أو إلى ماذا يشير ضميرٌ محدَّد؟ وبالتَّالي، هل على جميع المؤمنين في الحاضر، والمستقبل، أم على مجموعة محدَّدة من الأفراد؟ ثمَّ هل معنى الآية مجازي أم ينبغي فهمها حرفيًّا؟ وهل جميع أقسام القرآن قابلة للفهم بشكل متساوٍ، أم أنَّ الغموض والإلتباس متأصِّلان في بعضها»؟
الموسوعة في بحر الشُّبهات
لا شكَّ بأنَّ الشُّبهات المثارة حول موسوعة ليدن القرآنيَّة تكمن في ما يدور حولها من أسئلة من جانب المستشرقين الغربيِّين. ولعلَّ من أهمِّ القضايا الرَّاهنة الَّتي ينبغي مواجهة تحدياتها الحضاريَّة، والدِّينيَّة هي تلك المتَّصلة بالإسقاطات الإيديولوجيَّة العلمانيَّة على النَّصِّ المقدَّس. وتتضاعف أهمِّيَّة، وخطورة هذه التَّحدِّيات في وقت بات فيه الإسلام حاضرًا بقوَّة في معظم أصقاع العالم بما فيها أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، ودول البلقان، والَّذي يشكِّل القرآن الكريم مصدر هويَّتهم، ورقيِّهم، ونهضتهم، ووحدتهم الوطنيَّة. وعليه يمكن القول إنَّ هدف موسوعة ليدن القرآنيَّة في إعادة النَّظر في القرآن الكريم، وتفسيره تفسيرًا خاضعًا للمؤثِّرات الإنجيليَّة والتَّوارتيَّة، والغرض من ذلك كلِّه هو خدمة اللَّاهوت، والاستعمار، والتَّبشير من أجل القضاء على وحدة العرب، وتمزيقها، واستغلال ثروات المسلمين بغية تعريضهم للهيمنة، والتَّكالب الاستعماري المباشر، وغير المباشر -ما يؤكِّد ذلك- وهو ما تبيِّنه أبحاث الكتاب -أنَّ الدِّراسات، والمقالات، والأبحاث الَّتي نشرتها موسوعة ليدن القرآنيَّة ليست كلُّها علميَّة، بل هي تأويلات، وتفسيرات، وتعليقات، وانتقادات مغرضة لما يتضمَّنه القرآن من محتويات ومضامين، بمعنى أنَّها ليست دراسات علميَّة أمينة للقرآن، لأنَّ محرِّري الموسوعة كانوا يؤولونه بحسب أهوائهم وأغراضهم- وينطبق هذا كلُّه على ترجماتهم لمعاني القرآن الكريم، وتفسيرها حيث يصعب الحديث عن إعجاز القرآن، إذا كنَّا نركِّز على المعنى دون الصِّياغة الأسلوبيَّة والبيانيَّة، لذا فإنَّ عناوين تلك التَّرجمات تنطوي على مغالطات كبيرة. من أكثر من جهَّة: فمن جهَّة البحث العلمي يكون ذلك العمل من قبيل التَّصرُّف في المعاني الَّتي جاء بها القرآن، وبخاصَّة وأنَّ التَّرجمة لا تراعي شيئًا سوى المعنى، وحين يستحضر هذا المعنى بطرقٍ معيَّنة يتمُّ البحث في لغة من اللُّغات عن الألفاظ الَّتي تتحمَّل ذلك المعنى، إلى هنا نستنتج استنتاجًا أوليًّا هو أنَّ هذه الأعمال هي تصرُّفٌ في معاني القرآن، وليست ترجمة للقرآن، الَّذي يتمثَّل في بيانه، وبلاغته، وإيقاعه، وتنغيمه، وتأثيره المدهش بخطاب التَّرغيب والتَّرهيب، بل تكتفي التَّرجمة الاستشراقيَّة بإيراد المعنى الحقيقي من دون المعنى المجازي، وفصله عن سبب نزوله وتجريده من مقامه التَّشريعي الكلِّي.في التَّعليق التَّمهيدي الَّذي سطَّرته مقدِّمة المركز الإسلامي للدِّراسات الاستراتيجيَّة تأكيد على وحيانيَّة الآيات القرآنيَّة، والإنطلاق من مسلَّمة مفادها أن لا طريق للعقل القاصر أن ينالها. «فالقرآن -كما يبيِّن العلَّامة الطَّباطبائي في تفسير الميزان- هو كتاب مكنون في اللَّوح المحفوظ، وهو ذو مقام رفيع لا تناله العقول الجاحدة. ومن البيِّن إستنادًا إلى آراء العلماء المسلمين أنَّ الاستشراق الأوروبي سعى منذ بداية التَّمدُّد الاستعماري على بلاد المسلمين لإبعاد كلام الله عن ميدان الحياة، وإيجاد الفصل بين الدِّين، والحياة الاجتماعيَّة، والتَّفريق بين الدُّنيا والآخرة. حتَّى إنَّ جماعة من المستشرقين دأبوا منذ زمن ليس بقريب، وحتى عصرنا الحاضر على وصف القرآن بأنَّه نسيج كلام بشري، وبأنَّ الإسلام مجموعة من البدع، كما زعمت طائفة من هؤلاء أمثال: «نيكولا دكيز، دفينشي، وفراتشي، وهوتنجر، ويلياندر وبريدو»، فقد دأبوا على التَّعرُّض إلى مكانة القرآن، والإسلام لتقليل أهمِّيَّتهما، وزعزعة النُّفوس عنهما، في حين قسم من المستشرقين الإلمان واليهود أمثال: «فيل وجولد سهير، وبول» إلى القول بأنَّ القرآن حُرِّف، وبدَّل بعد وفاة النَّبي محمَّد، وتحديدًا في صدر الإسلام الأوّل...».
لقد بدأ الإهتمام الغربي بالإسلام والقرآن، منذ الاحتكاكات الحضاريَّة الأولى، ولا سيَّما في بداية تشكُّل الدَّولة الإسلاميَّة الكبرى زمن الفتوحات، وتنامى هذا الاهتمام مع تنامي الصِّدام بين المعسكرين الإسلامي، والغربي بخاصَّة خلال الحروب الصَّليبيَّة، وسقوط الأندلس، وحملة نابليون على مصر، والاستعمار الغربي الحديث للعالم الإسلامي، حيث لا يزال الشَّرق عمومًا، والعالم الإسلامي خصوصًا موضوع اشتغال الدَّوائر البحثيَّة، ولا تزال أيضًا إشكاليَّة «الإسلام والغرب» تمثِّل معضلة لكلا العقلَيْن، الغربي والإسلامي.
هكذا فعلت موسوعات أوروبيَّة أخرى مثل موسوعة ليدن حين عهدت تدوين التُّراث القرآني فضلًا عن البلدان، والقبائل، والسُّلالات، والتَّاريخ، والحيوانات، وتضاريس المدن، والآثار كتابة مقالاتها إلى طائفة من المستشرقين الأوروبيِّين، والأميركيِّين نظير: لويس ماسينيون (فرنسي)، جوزف شخت (هولندي)، هنري لامنس اليسوعي (بلجيكي- فرنسي)، رينولد نيكسون (إنجليزي)، دانكن بلاك ماكدونالد (أميركي)، كارل بروكلمان (ألماني)، فرانتس بوهل (دانماركي)، أدوينكا لفرلي (أميركي)، وقد اعتمد الكتَّاب في الموسوعة الإجابة على أسئلة تختلف عمَّا يطرحه المسلمون عادة، حيث المنهج الإستشراقي بمختلف اتِّجاهاته هو الَّذي حكم على تفكير ومقاربات المستشرقين: المنهج الفيلولوجي، المنهج التَّاريخاني الإسقاطي، الوصفي... وبدت النَّزعة الوضعيَّة الشَّكليَّة جليَّة في أغلب المقالات الَّتي تتعلَّق بالعقائد: كالألوهيَّة، والنُّبوَّة، والوحي، والقرآن، وقد عملوا على إنكار نبوَّة النَّبيِّ محمَّد، وسماويَّة الإسلام حيث لجأوا إلى البحث عن مصدر آخر لهذه الظَّواهر، فأرجعوها للتُّراث اليهودي، والمسيحي، كما كُتبت ردود كثيرة على هذه الموسوعة. وهناك أيضًا المعجم القرآني باللُّغة الفرنسيَّة، معجم تاريخي نقدي للقرآن لمجموعة من المختصِّين في التُّراث الإسلامي من دول مختلفة أشرف عليه البروفسور محمَّد علي أمير معزي، وهو فرنسي من أصل إيراني، له دراسات حول التَّشيُّع والتَّصَوُّف. ثمَّ دليل أوكسفورد حول الدِّراسات القرآنيَّة، تأليف باحثين مسلمين يعملان في مراكز بحثيَّة أوروبيَّة هما مصطفى شاه، ومحمَّد عبد الحليم... وهو باللُّغة الإنجليزيَّة.
ما يجدر ذكره أنَّ نحوًا من 43 متخصِّصًا في الدِّراسات القرآنيَّة، والتُّراثيَّة شاركوا في إنجاز الموسوعة، منهم المسلمون، وغير المسلمين، وترأَّس تحريرها الدُّكتور أوليفر ليمان وهو أستاذ الفلسفة، وأستاذ الدِّراسات اليهوديَّة منذ العام 2000 في جامعة كنتاكي في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة. يشار أيضًا إلى الموسوعة التَّكامليَّة للقرآن الَّتي أعدَّها باحثون مسلمون باللُّغة الإنجليزيَّة، وأدارها البروفسور الباكستاني مظفر إقبال المعروف بشدَّة انتقاداته لموسوعة ليدن. ثمَّ قرآن المؤرِّخين الَّذي صدر في العام 2019 في ثلاث مجلَّدات، وأشرف عليه محمَّد علي أمير معزي، وأنجزه فريق من 26 باحثًا في الدِّراسات القرآنيَّة الغربيَّة من أوروبا، وهناك مشروع الموسوعة القرآنيَّة في برلين، وهو يوثِّق النَّصَّ القرآني من خلال المحفوظات، والمجادلات الشَّفهيَّة، إلى تقديم تفسير مستفيض بضخِّ القرآن في سياق ظهوره التَّاريخي، ويعتمد على استقرار واسع للنُّصوص الموازية يهوديَّة، أو مسيحيَّة.
تهافت القراءات الأنثروبولوجيَّة للقرآن
تشير دراسات هذا الكتاب إلى أنَّ المستشرقين اعتمدوا في قراءة النَّصِّ القرآني على المنهج المادِّي التَّاريخي حينًا، وحينًا آخر على المنهج الأنثروبولوجي الَّذي يعيد كلَّ شيء إلى العمل البشري. الأمر الَّذي أفضى إلى تشكيل قاعدة للوعي الزَّائف حيال القرآن الكريم، والسنَّة الشَّريفة. وليس من شكٍّ أنَّ التَّرجمة الَّتي تأسَّست على هذه القاعدة أسهمت إلى حدٍّ بعيد في عمليَّة التَّشويه.
فهي تنطلق من الزَّعم أنَّ البحث في النَّصِّ القرآني ينصُّ في مدركات المعاني، وليس عليها ترتيب الوحي، ووظيفته كما كان يذهب عدد من التَّراجمة من المستشرقين. ولأنَّ ذلك يخرج -كما يدعي هؤلاء- عن مدلول العقل البشري، ولذا عليها أن تراقب الاستنتاجات الَّتي يقع عليها المعنى... لكنَّ الحقيقة لا يمكن للُّغة أن تدخل على لغَّة بايجازاتها، وإيحاءاتها كما اللُّغة نفسها، فالوحي موضوع لا يمكن ترجمته، أو مناقشته، إلَّا حين نعتبر أنَّ القرآن صناعة مخلوق لا خالق، لقد حاولت موسوعة ليدن القرآنيَّة أن تفعل ذلك باسم الاستشراق العلمي، متجاهلة وظيفة الوحي الإلهي. تمامًا كما يحصل في ترجمة الفنون والآداب، فترجمة الشِّعر مثلًا من لغة إلى أخرى هي تناصٌ على النَّصِّ الأصلي المترجم. وهو ما لا يخدم الشَّاعر، وصوره، ومعانيه البلاغية إلَّا في لغته الأصليَّة المعبَّر عنها. فكيف إذا كان كتابًا وحيانيًّا، أُنزل بلغة محدَّدة، أو رسالة جاءت بلغة، لها مفاتنها، ودلالاتها، وصورها، وإيقاعاتها، وإيجازها من دون أن تتعمَّق التَّرجمة الاستشراقيَّة في أبعاد الرِّسالة المحمَّديَّة الإيمانيَّة، والأخلاقيَّة بغية تمثُّل رسائلها المباشرة وغير المباشرة، أي إنَّها لم تقف عند لحظة الهداية، والتَّبشير الموجهة إلى النَّاس كافَّة - من هنا، اتَّجهت دائرة معارف ليدن إلى دراسة القرآن في ضوء تحليل المضمون الَّذي يُعنى باستكشاف المضامين، والموضوعات، والثِّيمات الَّتي يتضمَّنها الخطاب اللَّآهوتي بصفة عامَّة، والخطاب القرآني بصفة خاصَّة، بالتَّوقُّف عند مختلف المواضيع، والقضايا الَّتي تناولها القرآن من دينيَّة، وسياسيَّة، واجتماعيَّة، واقتصاديَّة، وتاريخيَّة، وعلميَّة، وثقافيَّة، وحضاريَّة، وعمرانيَّة، وبحثيَّة، وتشريعيَّة، وأدبيَّة، وجماليَّة، وإنسانيَّة. وتوثيقيَّة. وبذلك يحضر التَّفكيك، والتَّقويض، والتَّركيب في معظم هذه الدِّراسات الاستشراقيَّة الأكاديميَّة الوازنة والقيِّمة، إلى جانب آراء تناصِّيَّة وإحاليَّة، تُعزى لميشيل فوكو، وجاك دريدا، وإدوارد سعيد، وجيل دولوز، وغيرهم من فلاسفة الاختلاف، والتَّقويض المنهجي. وإذا كان ثمَّة دراسات تستند إلى منهجيَّة علميَّة، وأكاديميَّة، وبحثيَّة دقيقة، وتتَّسم بالموضوعيَّة، والحياد العلمي، إلَّا أنَّ ثمَّة الكثير من الدِّراسات الأكاديميَّة المضلِّلة، والمغرضة الَّتي تثير الشُّبهات في نفوس القراء الَّذين لم يتمكَّنوا بعد من اللُّغة العربيَّة، ومن ثقافة الإسلام، ولكنَّهم لا يتستطيعون فهم مقصديَّات المستشرقين الظَّاهرة، والباطنيَّة، واستيعاب تلميحاتهم، وإشاراتهم المغرضة الذَّكيَّة المتوارية عن عقول الكثير من الباحثين، والدَّارسين للإسلام بصفة عامَّة، والقرآن بصفة خاصَّة.
يحيلنا هذا الكلام، إلى مقالة نقديَّة حول تفسير القرآن في مطلع العصر الحديث، والمعاصر لـ روتراود فيلاندت (Rotraud wielandt) (بروفيسورة التَّاريخ الإسلامي في جامعات ألمانيا)، تتناول فيها جهود علماء المسلمين التَّفسيريَّة، وآراءهم حول أسلوب تفسير القرآن منذ أواسط القرن الثَّالث عشر الهجري/ التَّاسع عشر ميلادي حتَّى يومنا هذا، حيث تبني أسباب اختيارها لهذه الفترة الزَّمنيَّة على فرضيَّة أنَّها مرحلة زمنيَّة تمتَّعت بخصائص في مجال تفسير القرآن تميِّزها عمَّا سبقها بشكل ملموس، وهذا صحيح كما يقول د. أحمد عطية -كبير الباحثين في مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندريَّة- إلَّا أنَّ «فيلاندت» بعد بنائها لهذه الفرضيَّة تعرَّض لأمرين مُهمين: الأمر الأوَّل: إنَّ هذه الخصائص الَّتي اتَّسمت بها مناهج التَّفسير في العصر الحديث لا يصحُّ إسقاطها على جهود المؤلفين المسلمين التفسيرية في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين كافَّة؛ لأنَّ مناهج التَّفسير الَّتي ظهرت في العصر الحديث حملت اتِّجاهات، أو ملامح عامَّة يمكن من خلالها أن نقول إنَّ هذا التَّفسير ينتمي إلى هذا المنهج أو ذاك، ولكنَّه ليس انتماءً صرفًا تتوافق كلَّ أجزاء التَّفسير فيه مع ما قرَّره مؤسِّسو هذا المنهج. والأمر الثَّاني: إنَّ مؤلِّفي تلك التَّفاسير في مطلع العصر الحديث تحاشوا دائمًا الشَّطح بعيدًا من النَّماذج، والمقاربات التَّقليديَّة، إذ يندر كما تقول فيلادنت، أن يتمايز تفاسير تلك المرحلة عن نظائرها القديمة من حيث الأساليب المستعملة، والتَّوضيحات المقدَّمة حيث اعتمد معظهم على المصادر الكلاسيكيَّة من قبيل كتب الزمخشري المتوفَّى عام (538هـ)، والفخر الرازي توفِّي (606هـ)، وابن كثير توفِّي (774هـ)، من دون أن يضعوا جديدًا عليها.
الخلط الاعتباطي بين الوحي والتَّفسير المادِّي
يبدو أنَّ الإضطراب في فهم الهدف من التَّفسير العلمي للقرآن كما تقول روتراود فيلاندت، تتمثَّل في وجهة نظرها في إثبات أنَّ القرآن سبق علماء الغرب بعدَّة قرون، لأنَّه يشير إلى أمور لم يكتشفها علماء الغرب إلَّا في العصر الحديث، لكنَّ الأستاذ فهد الرُّومي في تعريفه لمصطلح التَّفسير العلمي يدحض فكرة فيلاندت بقوله: «إنَّ الهدف هنا هو إثبات إعجاز القرآن، وليس إثبات أنَّ القرآن سبق علماء الغرب بقرون عدة!؟».
إذًا، الخلط بين التَّفسير العلمي، والإعجاز العلمي للقرآن، والفرق بينهما هو إنَّ التَّفسير العلمي يكشف عن معاني الآية أو الحديث. أمَّا الإعجاز العلمي فهو إخبار القرآن، أو السُّنُة النَّبويَّة بحقيقة أثبتها العلم التَّجريبي أخيرًا، وثبت عدم إدراكها بالوسائل البشريَّة في زمن رسول الله. أمَّا خطأ فرضيَّة أنَّ التَّفسير العلمي قائم على أساس أنَّ القرآن يشتمل على العلوم كافَّة، وهي تلك الفرضيَّة الَّتي تقول باشتمال القرآن على جميع العلوم، حيث ينبغي فهم التَّفسير العلمي في ضوء الفرضيَّة القائمة على أساس أنَّ كافَّة ما توصَّلت العلوم الطَّبيعيَّة الحديثة ورد ذكرها في القرآن، فهذه الفرضيَّة لا يؤيِّدها الواقع، ولا تمثِّل إلَّا طائفة بسيطة ممَّن قال بهذا الأمر قديمًا، ولا تنسجم إطلاقًا مع الهدف من التَّفسير العلمي للقرآن في العصر الحديث، والَّذي انطلق من مقصد البحث عن الإنسجام بين القرآن، والعلم الحديث ردًّا على موجات الإلحاد الَّتي غزت «الأمَّة الإسلاميَّة»، إلى ذلك ثمَّة خطأ فظيع في تحديد الجذور الأولى لمنهج التَّفسير العلمي حيث تعود فيلاندت إلى بدايات هذا الكون التَّفسيري، تعود إلى الفخر الرازي (606هـ)، وهذا غير صحيح، فبعض مؤلَّفات ابن سينا المتوفَّى (428هـ) نرى فيها نماذج من تدوين التَّفسير العلمي، حيث يقول الدُّكتور محمَّد علي رضائي، بعد أن قسَّم مراحل التَّفسير العلمي إلى ثلاث مراحل رئيسة تبدأ من القرن الثَّاني، وتستمر إلى القرن الخامس هجري، حيث بدأت بترجمة التُّراث الإغريقي إلى اللُّغة العربيَّة، وسعى عدد من المسلمين إلى تطبيق آيات القرآن على علم الهيئة البطليموسيَّة من أمثال ابن سينا حيث نرى نماذج من تدوين التَّفسير العلمي في مؤلَّفات ابن سينا (370-428هـ).
نجد في أعمال المستشرقين الَّذين شاركوا في موسوعة ليدن دراسات عملت على تفسير القرآن في ضوء الدِّراسات الأدبيَّة. في هذا المجال تلاحظ روتراود فيلاندت أنَّ الآراء الَّتي دارت حول التَّفسير الأدبي للقرآن بدأت مع الشَّيخ أمين الخولي (الَّذي توفِّي في العام 1967)، لكنَّ الدِّراسة التَّاريخيَّة لهذا النَّوع من التَّفسير ثبتت أنَّ جذوره أعمق من أمين الخولي وطه حسين، بل بدأ هذا الاتِّجاه يظهر مع محمَّد عبده، ومحمَّد رشيد رضا، ومحمَّد مصطفى المراغي، لكنَّ جهودهم في هذا الصَّدد لا تتعدَّى الإشارات، والممارسات العابرة. سوف نلاحظ كذلك أنَّ هناك إضطرابًا في فهم الملامح العامَّة للتَّفسير الأدبي للقرآن في المنهج أصلًا، وفي فهم ما حول النَّصِّ، وفي فهم دلالات الألفاظ، وفي فهم أسرار التَّعبير. والحقيقة تقول إنَّ دراسة قصص القرآن لا تفضي إلى نتيجة واحدة في الأحوال كلِّها، إنَّه -الكتاب- «حمَّال أوجه»، فيه من الاستعارات، والكنايات، والمجازات، والقرائن، والبلاغة، والحكمة، والتَّصاوير ما لا يمكن أن يتمَّ نقله بالتَّرجمة العلميَّة، لأنَّ فيه من الإعجاز الموحي ما هو أكثر من دلالة تنقل التَّفاسير العلميَّة إلى خيالات، وبلاغة تحتمل أكثر من معنى، وأكثر من وجه لغوي واحد.
إذًا، وقعت «روتراود فيلاندت» وغيرها من بعض المستشرقين الغربيِّين في اضطراب حقيقي قام ثلاثة مناهج من التَّفسير العقلي، والتَّفسير بالرَّأي، والتَّفسير الاجتهادي، ممَّا انعكس ذلك على آرائهم بما لا ينسجم إطلاقًا مع الملامح، أو الخصائص العامَّة لهذه المناهج، فتمَّ الخلط بين التَّفسير العلمي، والإعجاز العلمي للقرآن، ووقوعهم في فرضيَّة أنَّ التَّفسير العلمي يقوم على أساس أنَّ القرآن يشتمل على العلوم كافَّة، وهذا وهم صريح وواضح في العلم البحثي.
يشير الدُّكتور نور الدِّين أبو لحية من الجزائري، إلى أنَّ المستشرقة كاميلا أدانغ وهي مستشرقة هولندية متخصِّصة في الدِّراسات الإسلاميَّة، والدِّراسات السَّاميَّة، واللُّغة الإسبانيَّة، عملت في جامعة تل أبيب، وهي مهتمَّة خصوصًا بالجدال الحاصل بين المسلمين، واليهود خلال القرون الوسطى، والحقبة العثمانيَّة، نقدت أربع قضايا كبرى لصلتها بموضوع الإيمان، والكفر إضافة إلى نقد بعض المضامين أثناء النَّقد المنهجي، وهذه القضايا، المغالطات بالجبر والاختيار في القرآن، والتَّسامح، والجهاد، والولاء، والبراء. وبعد عرض الكاتبة «أبو لحية» لمقالة «كاميلا أدانغ» أشارت إلى ملاحظات، وانتقادات حول المنهجيَّة المتَّبعة، مثل التَّلخيص المخلِّ الَّذي هو من أخطر العيوب لأنَّه يشوِّه الحقائق، ويُسيء إليها، والإنتقائيَّة في عرض المسائل إضافة إلى تعمَّدها عدم ذكر الآيات القرآنيَّة بل تكتفي بتوثيقها، وهو نفسه ما يقوم به أكثر المستشرقين في هذه الموسوعة (ليدن).
تهافت مدَّعيات أنسنة الكلام الإلهي
إلى تاريخيَّة القرآن، وتطوُّر مواقفه، ودراسة النَّصِّ القرآني لا باعتباره نصًّا مقدَّسًا قائمًا بذاته، وإنَّما باعتباره نتاجًا لواقع تاريخي محدَّد، ولذلك فهو لا يعبِّر عن الحقيقة بحدِّ ذاتها، وإنما يعبِّر عن حال نفسيَّة، أو موقف مرتبط بها، وهو من أبرز المناهج المستعملة في الدِّراسات الاستشراقيَّة والحداثيَّة، كما عبَّر ذلك نصر حامد أبو زيد بقوله في تعريف التَّاريخيَّة: إنَّها لحظة الفصل بين الوجود المطلق والمتعالي -الوجود الإلهي- والوجود المشروط الزَّماني.
وهي تقوم على مجموعة أُسس منها الأنسنة، النَّزعة الأنسيَّة الَّتي ظهرت مع الحداثة الغربيَّة، والحركة الإنسيَّة الَّتي تجعل الإنسان سيِّدًا للكون، بدلًا من كونه سيِّدًا في الكون. ثمَّ النِّسبيَّة؛ ومفادها أنَّ لا وجود لشيء مطلق، وحقيقي ويقيني، فالكلُّ نسبيٌّ، إضافة إلى التَّفسير المادِّي للتَّاريخ بعيدًا من مفاهيم الغيب والوحي كلِّها، وكذلك استعمال الهيرمينوطيقيا القائمة على البِنويَّة، والتَّفكيك الَّذي يخضع لذاتيَّة القارىء من دون أي اعتبار لمقاصد المتكلِّم، أو الكاتب (موت المؤلِّف). وهذا ما فعلته كاميلا أدانغ في منهجها لتوهم القارئ أنَّ المفاهيم المرتبطة بالإيمان، والكفر بدأت سليمة متسامحة في الفترة المكيَّة، لكنَّها سرعان ما استُبدلت بالشِّدَّة وقامت بإلغاء الآخر، بل المواجهة معه في الفترة المدنيَّة خصوصًا موقف القرآن من اليهود بين الاعتراف بهم، والدَّعوة إلى الاقتداء بتوحيدهم في السُّور المكِّيَّة إلى التَّشدُّد معهم في السُّور المدنيَّة، ثمَّ تغيَّر موقف القرآن من المشركين قبل فتح مكَّة وبعدها.
وقد أثارت كاميلا أدانغ الخلافات المذهبيَّة من غير حاجة لها كالخلاف الوارد بين المدارس الإسلاميَّة حول التَّقيَّة بين المفسِّرين السُّنَّة الَّتي يعتبرها خيار، بينما يميل نظراؤهم من الشِّيعة على أنَّها واجب عند مواجهة خطر تهديد الحياة، هذا لا يعتمد المنهج العلمي الَّذي يستدعي التَّحقيق في الخلاف، وحقيقته، وموضع النِّزاع، وليس وقع في الالتباس كما هو الحال مع كاميلا أدانغ.
وهناك مغالطات مرتبطة بالجبر، والاختيار، والَّتي تمثَّلت بمسلكين: طرح مباشر للشُّبهة عبر اختيار ما ينتقونه من الآيات الدَّالَّة على علم الله الواسع، وإرادته النَّافذة في كلِّ شيء، والَّتي هي من مقتضيات الألوهيَّة- ليصلوا من خلالها إلى أنَّ القرآن ينفي الحرِّيَّة الإنسانيَّة، ويقرِّر عقيدة الجبر، بما تحمله من الظُّلم، والجور، والتَّكليف بما لا يطاق، ومعاقبة من لا يستحقُّ العقوبة. وكذلك الطَّرح غير المباشر للشُّبهة، وذلك بالجمع بين الآيات الَّتي يعتمدها المنهج السَّابق بالآيات الدَّالَّة على الحرِّيَّة الإنسانيَّة، وأنَّ الله لا يعاقب أحدًا إلَّا بعد استحقاقه لذلك عبر الحرِّيَّة المتاحة له، ولكنَّهم بدل أن يوفِّقوا بين هذه الآيات جميعًا يدعون التَّناقض بينها.
والأسلوب الثَّاني هو الَّذي استعمتله كاميلا أدانغ حين قالت: «وفقًا للقرآن يمكن تقسيم البشريَّة إلى قسمين أساسين: أولئك الَّذي يؤمنون، وأولئك الَّذين لا يؤمنون، ولكن إلى أي مدى البشر أحرار بالاختيار بين الكفر والإيمان؟ الاستجابة لدعوة الإسلام أو لا. وهناك عدد من الآيات الَّتي تعطي الانطباع، أو لا تترك شكًّا بأنَّ الله هو من يقرِّر خلال من يشاء، وهداية من يشاء» أي أنَّ الله هو من يقرِّر قدر الإنسان. هذا التَّناقض الظَّاهر سمح للجدل في العلوم الدِّينيَّة في الإسلام لاحقًا حول قضيَّة اللَّاحتميَّة (أي الإرادة الحرَّة)، أو القدريَّة (القضاء والقدر).
ما تقوله كاميلا أدانغ غير صحيح، فالمفسِّرون مهما اختلفت مدارسهم حتَّى الأصغار منهم يتَّفقون على أنَّ ما حصل للمشركين من الطَّبع على القلوب، ونحوها ليس سوى نتيجة للمعاصي، والتَّكبُّر الَّذي ملأ قلوبهم، وبذلك هم يعترفون بالحرِّيَّة الإنسانيَّة، ولا يقولون بالجبر المطلق، ولم يحصل. والختم والطَّبع إلَّا للمستكبرين المعاندين بسبب استكبارهم وعنادهم.
أمَّا المغالطات المرتبطة بالتَّسامح في القرآن، فتستعرض كاميلا أدانغ عددًا من الآيات القرآنيَّة للاستدلال على موقف القرآن من المشركين، ومنهم سورة التَّوبة: (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَM وNوَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). وهذا المعنى هو الَّذي يتَّسق مع كلِّ ما ورد في القرآن من آيات حول القتال الَّذي لا يتناقض أبدًا مع التَّسامح، ذلك أنَّه لا يتوجَّه إلَّا للمعتدين، فلا توجد آية تدعو إلى القتال إلَّا ونجد بجانبها ما ينهى عن الاعتداء أو يبيّن أن القتال خاص بالمعتدين. وقد تجسَّد قول الله في القرآن في سورة الممتحنة عبر الآيتين (8 و9):
Nلا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)M.
إلى المغالطات المرتبطة بالجهاد والولاء والبراء، حاولت كاميلا أدانغ استعمال القراءة التَّاريخيَّة للقرآن كي توهم القارئ بوجود تناقض بين القرآن المكِّي، والقرآن المدني، واعتبار الأوَّل أكثر سماحة، والثَّاني أكثر عنفًا، وهو خلاف الواقع، فتقرير الجهاد في المدينة لحماية المستضعفين ليس مخالفًا للسَّماحة بل هو ركن من أركانها.
إنَّ هذه المقالة (كاميلا أدانغ) هي أكثر المقالات الاستشراقيَّة الَّتي تفتقر للموضوعيَّة العلميَّة، إمَّا بسبب رجوع المستشرقين لبعضهم بعضًا، بدل العودة إلى المصادر الإسلاميَّة نتيجة الأهداف الَّتي تحالف الموضوعيَّة العلميَّة.
يبدو أنَّ معالجة المستشرقين الغربيِّين لنصوص القرآن فيها إشكاليَّات منهجيَّة كبيرة (موسوعة ليدن)، وهي إسقاط الرُّؤية الغربيَّة في التَّحليل، والكتابة للعهدين القديم، والجديد على القرآن، ودعوى تأثُّر القرآن بهما، والاعتماد على الإسرائيليَّات، ونقلها من دون نقدها.
إنَّ عدم الموضوعية هي من الثَّغرات الملاحظة في البحث، والإستشهاد إذ يبرز تغليب الثَّقافة الإسلاميَّة السِّنيَّة على الشِّيعيَّة، وعدم الإلتفات لآراء الشِّيعة، وكتبهم بما يتناسب مع حجم هذه الموسوعة.
إنَّ بعض هؤلاء الكتَّاب يفترضون ما يفترضون من دون أن يقدِّموا دليلًا واحدًا على صحَّة ما يرونه، إنَّهم يريدون الانتصار لوجهة نظرهم من دون أن يعنيه موضوعيَّة الدَّليل، أو سلامته من الوهم، أو الخلط، أو الاضطراب. ثمَّ يدَّعون دراسة القضايا وفق منهج علمي مدروس يتَّسم بالأمانة، والبُعد عن الأهواء.
يبقى أنَّه لا يمكن أن نتجاوز حدود البحث في نقد المضمون العلمي للموسوعة ككلٍّ، إلَّا في حدود المقالة الغنيَّة، وما يمكن قوله أنَّ هناك تفاوت في المستوى، وأسلوب المقالات، وكان يُتوقَّع تحقيق الإنسجام الفكري بين المقالات ما أمكن، ولا جدال أنَّ هناك مقالات منصفة إلى حدٍّ ما، ومنضبطة علميًّا، وموضوعيًّا، وتحرَّرت من التَّبعيَّة لمشهورات الاستشراق القديم، وأساطيره المؤسِّسة، وبالمقابل توجد مقالات غارقة في أوهام الاستشراق.
* * *
ـ الكتاب: القرآن الكريم في الفكر الاستشراقي المعاصر – مقاربات نقديَّة لموسوعة ليدن.
ـ التَّأليف: مجموعة مؤلِّفين.
ـ النَّاشر: المركز الإسلامي للدِّراسات الاستراتيجيَّة - العتبة العباسيَّة المقدَّسة - 2021.
----------------------------
[1][*]- كاتب وباحث في الدراسات الاجتماعيّة ـ لبنان.