البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مفردة (صِهر) المعرّبة والدخيلة في القرآن الكريم

الباحث :  أ. مساعد. د. حسن أعظمى خويرد ـ أ. مساعد.د. مجتبى نوروزى ـ مهناز تفقدى
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  39
السنة :  صيف 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 4 / 2024
عدد زيارات البحث :  323
تحميل  ( 567.014 KB )
الملخّص
موضوع هذا البحث هو دراسة مفردة "صِهر" المعرّبة والفارسیّة النشأة التي دخلت العربیّة، فخضعت للکثیر من التغیّرات الدلالیّة في حقب تأریخیّة متتالیة. والمنهج المعتمَد علیه في دراستنا هو الوصفي-التحلیلي والتأریخي. والمهاد النظري هو نظریة إیزوتسو الیاباني في علم الدلالة بشقّیه الدایکروني والتزامني. وأهم النتائج هي: في نظرة تأصیلیةّ؛ المفردة "صهر" -رغم ما یتصوّره بعض الباحثين- لیس بمعنی (شوهر/ الزوج) في الفارسیّة وإنما تعني (چهر/ النطفة والعنصر و...) وفي دراسة سمنطیقیّة خضعت لتغیرات دلالیة عدیدة: في سیاق الموقف اللغوي علی شکل عام؛ تغیّرت دلالتها إلى (المصاهرة والختان) لتدلّ علی القرابة السببیة الناجمة عن الزواج. وفی الموقف التفسیري؛ تحوّلت دلالتها إلى (المحارم بالقرابة السببیّة) ثمّ في سیاق الروایة القرآنیة وأسباب نزول القرآن انزاحت دلالتها إلى أن تحدّ دائرة شمولها اللغوي في (شوهر دختر/ صِهر) لیقتصر علی الإمام علي(عليه السلام) بوصفه صِهر النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم). تبرز أهمیّة هذه الدراسة في کونها تمحّص أصالة المفردة القرآنیّة الدخیلة وتطوّراتها الدلالیّة وتحدّد دورها المصیري في نقل معاني القرآن الکریم إلى المتلقّي نقلًا صحیحًا متمیّزًا في ضوء الدراسة التأصیلیّة التأریخیّة.

الکلمات المفتاحیة: التأصیلیة، السمنطیقیة. صِهر، چِهر/ تیشهر، توشیهیکو إیزوتسو.

المقدّمة
الأبحاث القرآنیّة بوصف عامّ، واللغویّة والدلالیّة منها علی وجه الخصوص، تتمتّع بمکانة وأهمیة کبیرتین في تلبیة الهدف الأسمی لنزول القرآن العزیز الذی یتجلّی في هدایة عموم البشر إلى سبیل الرشد بنصِّه المعجز المتمیّز وأسلوبه الفرید وبكلماته المدهشة ودلالاته العمیقة وألفاظه الجزلة التي لطالما كان أصلها ومعناها ومفاهیمها موضع خلاف ونقاش بين العلماء؛ ونظرًا إلى الدور الریادی للقرآن في نقل الرسالة الإلهیّة نقلًا ممیّزًا من بین الکتب المقدّسة، فإن هذه الأبحاث لا بدّ من أن تنجز للوهلة الأولی بمعزل عن تلك النظرة الأحادیّة التي قد تنال -بوعي أو بغیر وعي- من معنی الرسالة، متسلّحة بالجهویّة والإیدیولوجیّة. وللوهلة الثانیة ينبغي لمثل هذه الأبحاث أن تنبني من الناحیة المنهجیّة علی إطار نظري لا یؤخذ علیه کونه جهویًّا أو أحادیًّا، بل وعلی نظریة لا تقتصر علی الدلالة التأریخیّة الدایکرونیّة ولا علی السیاقیّة التزامنیّة وحدهما، وخیر مثال لذلك هي النظریة الدلالیّة للعالم والباحث القرآني الیاباني الشهیر «تیشیهیکو إیزوتسو» والتي تفوق علی نظیراتها الدلالیة -بغضّ النظر عن بعض نقائصها- بمیزتین أساسیتین: أوّلهما المهم هو انتماؤها إلى مُنظّر غیر متسلّح بشعائر دینیّة قومیّة، وثانیهما الأهم هو انفتاح بابها علی مصراعیه الدایکرونیّة والتزامنیّة معًا في دراسة دلالة الألفاظ القرآنیّة ومعرفة أصولها ونشأتها وتمحیص حقیقتها، فتبدو أهمیّتها أکثر لدی دراسة المعرّبات أو الألفاظ الدخیلة التي غالبًا ما تكون غير مألوفة لدی الجمهور أو دالّة علی معان مختلفة، ومن بین هذه الألفاظ مفردة "صِهر" التي نحن بصددها في هذه الورقة المتواضعة. فمن الأهميّة بمکان، مناقشة هذه الکلمة الدخیلة ومراجعتها التأصیلیّة ودراسة تطوّراتها الدلالیّة لتمحیص حقیقتها وتأصیل نشأتها وتدقیق دلالتها وفق نظریّة إیزوتسو، ولکشف واقع انطباعات علماء اللغة والفقهاء والمفسّرین ومدی استیعابهم لدلالة اللفظة أو اعتمادهم علی أصول المفردة التأریخیّة في دراستها. إذن مشکلة البحث تظهر نفسها في التلقّیات والانطباعات غیر المتعمّقة لدی اللغویّین والمفسّرین والتي لم تکن خالیةً تمامًا من نفثات الجهویة والإیدیولوجیة. فإنّ دراسة وتمحیص حقیقة مثل هذه الألفاظ تبدو ضروریة لفهم أصول ودلالات المفردة القرآنیّة فهمًا صحیحًا وافیًا بالمقصود.

تعریف المفردة (صِهر)
هي لفظة دخیلة معرّبة فارسیّة النشأة، استُخدمت مرة واحدة فقط في القرآن الكريم وذلك في سیاق ما يتعلّق بخلق الإنسان وعلاقاته بأجناس البشر (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) (الفرقان: 54)؛ ترتبط هذه الآية ارتباطًا وثيقًا بالآيات التسع التي سبقتها.

حدود البحث ومنهجه
موضوع تمحیص حقیقة الألفاظ الدخیلة في القرآن العزیز أصالةً ودلالةً، یُعدّ من موضوعات اللسانیّات عامّة ومن الحقول المتداخلة والدراسات التأصیلیّة أو التأریخیّة والسمنطیقیّة خاصّةً. وإنّ دراستنا هذه تکون ذات منحیین: الأوّل تأصیلي ینبني علی الدرس التأریخي الدایکروني الذي یتناول أصول المفردة الأسطوریة منذ أقدم عصورها، والثاني سمنطیقي تزامني یرتکز علی التطوّرات الدلالیّة للمفردة في سیاقات کلامیّة متعدّدة.

والمنهج الوصفي التحلیلي التأریخي هو المسلك المعتمد علیه في هذا البحث، فقد لجأنا إلى تحدید مشکلة البحث وحدوده وأطره أوّلًا، ووضعنا فروضه المحتملة وأسئلته المطروحة ثانیًا، وجمعنا المعلومات المتعلّقة بالموضوع من المصادر التأریخیّة القدیمة، وأخیرًا عرضنا المفردة للتحلیل التأریخي التأصیلي والسمنطیقي في حقب زمنیّة متعدّدة من حیاتها.

والمهاد النظري المحتضن للدراسة هذه إنما هي نظریّة العالم اللغوي الیاباني "توشیهیکو إیزوتسو" في علم الدلالة والتي تشتهر کمحاولة جبّارة في دراسة المفردات القرآنیّة ببُعدیها: الدایکروني التأریخي والسمنطیقي السیاقي.

الأُطر الزمانية والمکانية والدراسات السابقة
تعود أصول کلمة "الصِّهر" إلی أفکار میثولوجیّة لإیران القدیمة، کما خضعت في الظرف القرآني الجلیل للتطوّرات الدلالیّة بثلاث مراحل زمنیّة: قبل نزول القرآن وأثناءه وبعده. وبالنسبة للمکان ترجع جذورها إلى مصادر تأریخیة قدیمة مثل کتب أفیستا والقرآن الکریم.

وفيما يتعلّق بخلفیة كلمة "صهر" لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عددًا قليلًا من المنظّرین في العلوم القرآنيّة، مثل إدي شير في كتاب «واژههای فارسی عربی شده» "الكلمات الفارسية المعرّبة/ الدخیلة" وروفائیل نخلة اليسوعي في كتاب "غرائب اللغة العربية" فقط اعتبرا هذه الكلمة مترجمة من الفارسيّة، لكنهما لم يُقدّما الجذور اللغویّة ولا الأصول التأریخیّة الصحيحة لها.

کذلك بعض العلماء في مجال دراسة الكلمات الفارسية مثل فره وشي وتبريزي ودهخدا في قواميسهم، وآخرون مثل بول هيرن في كتاب "فرهنگ ریشه‏شناسی زبان فارسی"، وقد قدّم کل من بارثولوميو في «Altiranisches Worterbuch, Walter de Gruyter & Co» ودوشان جیمان في «Homme dans La rehigion iranienne» نظريّات مفصّلة حول الخلفيّة التاريخيّة وأصل الكلمة في اللغة المصدر، لكنّهما لم يناقشا علاقتها بالكلمة العربية "صِهر"؛ ومع ذلك، فإنّ المقال الوحيد الذي استطاع أن يذكر باختصار العلاقة بين هاتين الكلمتين هو مقال "بازنگری ریشه و ساخت فارسی سه واژه‏ی قرآنی" للمؤلفَين رضا سمیع زاده وعلي رضا نیکویی. لکن رغم اهتمام هذه الأبحاث القیّمة بالمفردات المعرّبة، فإنّ أکثر ما یؤخذ علیها دراستها المفردات بشكل مشتت، کما تفتقر إلى دراسة منهجیّة مبنیّة علی أساس مبدأ نظري مناسب لا بد منه في مثل هذه الدراسات من الناحیة العلمیة. فلا يوجد بحث یتکاتف مع دراستنا هذه التي تلقي الأضواء علی تطورات لفظة "چهر/ شوهر" الفارسية وتأصیلها وتحدید علاقتها بکلمة «صِهر» العربیّة. أما بحثنا هذا وباستخدام نظریة إيزوتسو الدلالية، یسلّط الأضواء علی حقیقة مفردة "صِهر" القرآنیّة، وذلك من وجهة نظر تأصیلیّة وتأریخیّة تارة وسمنطیقیّة سیاقیّة تارة أخری. فیتناول المصادر التأریخیّة القدیمة وآراء أصحاب المعاجم واللغویّین، والفقهاء والمفسّرین لتمحیص الحقیقة.

والإشکالیّة الأساسیّة: تتمحور حول إذا ما کان تمحیص حقیقة المفردة القرآنیة الدخیلة ممکنًا بمجرّد تحلیل سمنطیقي سیاقي، أو هل یغنینا هذا التحلیل من التأصیل التأریخي؟ والفرضیّة المنهجیّة الداعمة للإشکالیّة، مؤدّاها أنّ تمحیص حقیقة الألفاظ الدخیلة في القرآن العزیز لا یمکن بوضعها في بوتقة السمنطیقیة فحسب، وإنما في بوتقة التأصیلیّة أو الدایکرونیّة أیضًا. والتساؤل الأکبر: هو أنّه هل النشأة لمفردة "صِهر" عربية أم أنّها فارسیة حقًّا؟ فما هي حقیقتها؟ وهل خلت الآراء من نفثات الجهویة والإیدیولوجیة؟

نظریّة توشیهیکو إيزوتسو الدلالیّة
علم الدلالة هو علم یتناول العلاقات بين الكلمات من وجهة نظر بنيوية[2]. توشيهيكو إيزوتسو (1914-1993)، عالم لغوي ياباني شهیر، أجرى أبحاثًا قيّمة في مجال دلالات الكلمات القرآنيّة. في تعريفه لمعرفة دلالات الألفاظ، قال: "إنّ علم الدلالة، بحسب انطباعي، هو بحث تحليلي ودراسة للكلمات المفتاحیة لکل لغة"؛ من أجل التعرّف على الخلفیّة الإیدیولوجیة لقوم ما، لأنّ اللغة ليست وسيلة للتحدّث والتفكير فقط، وإنما الأهم من ذلك أنها وسيلة لتخيیل وتفسير العالم الذي يحيط بتلك الأمّة[3]. قدم إيزوتسو أساليب مختلفة في دلالات الكلمات القرآنية. بادئ ذي بدء، يقدم جميع المصطلحات المتشابهة والمتناقضة والمتكافئة فيما يتعلق بالكلمة المعنية ويقارنها[4]. قام بتحليل البناء الدلالي للكلمات القرآنية. ویعتقد ایزوتسو أن معاني الكلمات تختلف من لغة إلى أخرى. ومن ثم، فقد رفض الرجوع إلى القاموس وحسب لفهم معنى الكلمة. من ناحية أخرى، إن المسافة الزمنيّة الطويلة بين الناطقین باللغة العربيّة القدامی دفعت إيزوتسو إلى استخدام نوعین من دراسة: المعنی التأریخي والمعنی السیاقي في نفس الوقت لتحليل معاني القرآن ما نسمّیهما دراسة تأصیلیّة ونقصد منها الدایکرونیّة (Diachronic) ودراسة سمنطیقیة التي نقصد منها التزامنیة (Synchronic). فالتأصیلیة منهما هي طريقة يدرسون بها التغييرات التي تحدث بمرور الوقت على وحدات اللغة[5]. بتعبیر آخر إن التأصیلیة هي معرفة المعنی الرئیس للکلمة وتطوراتها الدلالیّة طوال حیاتها اللغویّة. أو بالأحری هي اكتشاف القوانين التي تحكم هذه التطوّرات.

إذن الدراسة التأصیلیّة لدلالة اللفظة تقتضي تغیّر دلالتها بمرور الوقت وبأسالیب متعدّدة، والتي تشمل: توسيع المعنى الذي يتطوّر من خلاله مجال تطبيق الكلمة مقارنة بالماضي؛ تقليص المعنى الذي يصبح من خلاله نطاق استخدام الكلمة محدودًا أكثر مما كان عليه في الماضي؛ تغيير المدلول ومعه يتغير معنى الكلمة حسب التفسير الذي تتلقّاه[6]. أمّا علم الدلالة السیاقي أو التزامني أو سمنطیقیة هو طريقة يمكننا من خلالها معالجة معنى وحدات نظام اللغة في فترة زمنيّة محددة أيضًا. في مثل هذه الحالات، لا يتمّ الانتباه إلى تغيير المعنى بمرور الوقت، وإنما يقدمون ويفحصون كل لغة كنظام اتصال مستقلّ ومكتفٍ ذاتيًا في أي وقت. تُعرف طريقة دراسة المعنى هذه باسم السمنطیقیّة[7].
في هذا الصدد، فإن إيزوتسو، مع قبوله التاريخيّة أو التأصیلیّة في لغة القرآن، يهتمّ أيضًا بالسمنطیقیّة التي تنظر إلى اللفظة في فترة زمنیّة محدّدة وفي موقف سیاقي محدّد. والأسلوب الذي ینتهجه ایزوتسو في درسه الدلالي یبدأ من دراسة الألفاظ دراسة تأریخیّة تأصیلیّة بتحدید المعنى الأصلي والمعاني الثانویة للكلمة خلال تاريخ حياتها (یعني خلال المراحل الثلاث: قبل نزول القرآن وحین نزوله وبعد نزول القرآن) إلی أن ینتهي في الدلالة السیاقیّة إلى تحدید معنى الكلمة حسب خصائصها النصّية، أي الموقف السياقي للكلمة، ومشتقّاتها في القرآن، واشتقاقاتها الوظیفیّة المتعدّدة في سیاق القرآن أو کل ما یتعلّق باللفظة وبأي شکل کان من الأشکال في هذا السیاق.

دراسة مفردة "صِهر" في القرآن الکریم
استُخدمت كلمة "صهر" مرة واحدة فقط في القرآن الكريم فيما يتعلّق بخلق الإنسان وعلاقاته بالبشر الآخرين (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) (الفرقان: 54)؛ ترتبط هذه الآية ارتباطًا وثيقًا بالآيات التسع التي سبقتها ولها مواضيع متشابهة، وقد تم جمعها معًا للتعبير عن هدف مشترك. وهذه الآيات تشير إلى بعض صفات الكفار الذين استهزأوا بالكتاب والرسالة ونفوا التوحيد والقيامة، ثم تضرب الأمثال وتحصي النعم وتبين الحكمة في الخلق، ثمّ تفرق بین المؤمن والكافر. على سبيل المثال، الآية 53 من سورة الفرقان هي الآية الشهيرة (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) التي تعبّر عن القدرة الإلهيّة ضمن بیان معانیه العظيمة، بل إنّه يذكر أنّ وضع بحرين، واحد ملح وآخر حلو، بجانب بعضهما ليس أمرًا جديدًا من عند الله تعالى، لأنّ هناك الكثير من نظائرها في عجائب خلقه وفي آياته البینات. كالمؤمن والكافر، وقد هدی أحدهما وضلّ الآخر، وإن كانا كلاهما من عباد الله، أو كأنهما صنفان من الماء، أحدهما عذب سائغ، والآخر ملح أجاج، وقد وضعهما الله أزواجًا، لكنّه جعل بينهما مسافة وحائلًا، وهو أيضًا كالماء الذي منه خلق الله الإنسان، ثم خلق منه قرابة، فجعل من الزواج وسیلة لوضع الخلاف والفرق بین أبناء البشر[8].

إن في ذکر كلمة "صهر" مع كلمة "نسبًا" في سیاق الآیة المشار إلیها أعلاه قرينة لتفسير المراد من كلمة صهر، باعتبار أنّ "نسبًا" کلمة مرادفة وهي من الكلمات الرئيسة لفهم معنى "صهر". من خلال هذه الكلمة، يُفهم المعنى العام لكلمة "صهر" إلى حدّ ما، وهي "علاقات القرابة" التي تحدث بين البشر من خلال الولادة أو الزواج، ولكن ما إذا كانت كلمة "صهر"، مثل كلمة النسب، تشير إلى العلاقات النَسَبية أو تشير إلى العلاقات السببية، فهذا أمر يجب الإجابة عليه بوضعها علی طاولة النقاش من منظور علم الدلالة. وتجدر الإشارة إلى أن الصيغة الحالية لكلمة "صهر" في القرآن الكريم استُخدمت علی شکل "یُصهِر به" في القرآن، وهي بالطبع من أصل "صَهر" وتختلف عن "صِهر"؛ لأن "صَهر" معناه "الانصهار والذوبان" وتفید معنی حالات العذاب الخاصة بأهل النار. وفي هذه الآية قال الله تعالى: (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ)؛ وأمّا وجود الارتباط بين الكلمتين أم عدمه، فهي قضیّة لا بدّ من إخضاعها لمناقشة دلالية أعمق.

ونظریة إیزوتسو -کما أسلفنا تقدیمها- نظریّة ذات منحیین: أحدهما تأصیليّ تأریخيّ، وثانیهما سمنطیقيّ سیاقيّ. وما نحن بصدده هو تطبیق هذه النظریة علی دراسة کلمة صهر الدخیلة لتمحیص حقیقته اللغویّة والدلالیّة.

1. دراسة تأصیلیّة لكلمة "صهر" وتحدید جذورها
أ. أسطوریة كلمة "صهر" في المصادر الفارسیّة: كلمة "صِهر" متجذرة تأریخیًّا في الأفكار الأسطوريّة للإيرانيين. وفقًا لهذا المعتقد الأسطوري، يحاولون اعتبار أنفسهم ذات الکلمة العلیا، کما یتصورون ممتلكاتهم أعلی وأعظم وأکثر قیمة من الآخرین، ویقلّلون من شأن ممتلکاتهم وقدرها. ربما لأن الإيرانيّين، كدولة قديمة العهد في العالم، کانوا يعتبرون أنفسهم مركز العالم ومحور الكون. بمعنى آخر، هذه الكلمة مشتقة من "تفوّق العرق الإيراني" أو "حرية العرق الإيراني". ومن مشاهير شاهنامه، ذُكرت "هوماي"، ابنة بهمن، بـ"شهر آزاد"، أي ما يعادل آزاده نجاد (ذو الحرّیة العنصریة)؛ لأن الإيرانيّين أطلقوا على أنفسهم اسم أحرار[9]. وتؤكّد نصوص الافستا[10] أيضًا على إنشاء "الشعب الإيراني" الصهر" بواسطة جیومرت بناءً على طلب أهورامازدا[11]. قدم "داريوس" نفسه أيضًا ممثّلاً صورة «رستم» على النحو الآتي: "بارسي، ابن بارسي، آريا شير"[12].

نُقش لقب "شهر يزدان" على عملات القرنين الثالث والرابع بعد الميلاد للحكم الساساني. يمكن رؤية هذا المسمّی أيضًا على نقوش العصر الساساني المبكر. وفقًا لهذه النقوش، يُعتقد أن الملوك الساسانيين في هذه الفترة كانوا يعتبرون أنفسهم بذور الآلهة. وقد استعار الإيرانيون هذا المعنى من الإغريق خلال الفترة الهلنستية، واستعاره الإغريق بدورهم من المصريين. لكن لم يقم أي من الملوك الأخمينيين بمثل هذا الادعاء واعتبروا أنفسهم "آريا سيكا" من نسل الآريين[13]؛ لذلك يمكن القول إن كلمة "صهر" كانت متجذّرة في الأصل في التفكير الأسطوري وروح العرقية للإيرانيين، ثم تمّ تطبيقها على الملوك، فأصبحت ذات أصول ملكية.

ب. انزیاحات كلمة "صهر" الدلالیّة في المصادر العربیّة
لهذه الکلمة کما تفیدها المصادر العربیّة مبدآن دلاليان من حيث أصل الكلمة والمعنی المعجمي[14] ويُستخدم هذان المبدآن (صِهر وصَهر) في منطقتين دلاليتين مختلفتين.

- "صِهر": علاقة قرابة سببية: مبدأ من أصل "الصهرة"، ويدلّ على القرابة والعلاقات النسبیّة والسببيّة. في الواقع، تطلق لفظة "أصهار" علی "أهل الزوجة" ويطلق على أهل الزوج اسم "أختان"[15]. ویری ابن الأعرابي أنّ کلمة صِهر تطلق علی (زوج ابنة الرجل) أو (زوج الأخت)، کما تطلق (ختن) علی (والد زوجة الرجل) أو (أخ زوجته)[16]. بینما یعتقد بعض العرب بأنّ صِهر تشير إلى أهل الزوج والزوجة في آن واحد[17]. ویقول ابن سيدة أن في العصر الجاهلي كانت كلمة "صِهر" تعني القبر؛ لأن البنات الموؤدات دفن في القبور وهن أحياء، وفي هذه الحالات قالوا: نحن زوجناهن من القبر، ثم استعملت الكلمة في الإسلام، لذلك قيل: أفضل الصِهر هو القبر. وبحسب فرّاء فإنّ لفظة نسب في الآیة رقم 53 من سورة الفرقان تعني الأقرباء اللواتي یحلّ للرجل أن ینکحهن من بنات العمّات والخالات وماشابهتها. ويقول الزجّاج: "الصهر" لمن لا يجوز الزواج بهم[18].

لكن ابن عباس يعتقد عكس هذه النظرية، ويعتقد أنّ الله حرم سبعة من النسب وسبعة من "صهر" في الآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) (النساء: 23). وهؤلاء المحرّمات حرّمت علی الرجل نکاحهن بسبب قرابتهن النسبیة، لكن المحرمات من "الصهر" تشمل ما يلي (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) (النساء: 23).
وبحسب الأزهري، فإن كلمة "صهر" تشمل أقارب النساء وسفاح القربى مثل "الوالدين" و"الإخوة وأولاد الإخوة" و"العمّات" و"الأعمام" و"الخالات" و"الأخوال" وهم أصهار زوج الزوجة وتشمل أيضًا من تجمعهم علاقة القرابة مع الزوج؛ ومنهم "الأب" و"الأخت أو العمة" فهم أصهار للزوجة من طرف الزوج[19]. وفي رأي مصطفوي، فإنّ المطمح الوحيد في صِهر هو "القرابة السببیّة التي تعقد عن طریق الزواج" وبذلك فإنّ عبارة "صَهَرتُ الشيء" تعني "قرّبتُهُ" وبهذا المعنی "المصاهرة" تعني "الزواج"[20] وقال أیضًا: "صهر" هو "من يطلب العلاقة الحميمة من خلال الزواج"، وهو ما يسمّى أيضًا الختان (أو الزوج)؛ لذلك يشير الأصهار إلى كل من أهل الزوج والزوجة. وبحسب هذا الباحث، فإن النسب و"الصِهر" في الآية 54 من الفرقان "مصدران" وقد تمّ تعمیمهما علی "البشر" علی سبیل المبالغة[21]. فهذه الآیة تشیر إلى أنّ الله عز وجل جعل للبشر نسبًا بمولده کما جعل له صهرًا بتزویجه. وبهذه الطريقة تکثر أجناس البشر وألوانه، وأمّا السبب في إتیان المصدرين بعد الفعل "خَلَقَ" فیعود إلى أنّ في خلق النسب و"الصِهر" دوام للذریة وبقاء الأجیال بعد خلقة البشر.

وخلاصة القول إن لكلمة "صهر" في الحقيقة قدسيّة تنشأ من العلاقة الزوجيّة، وتختلف عن النسب بفوارق عدیدة. فالواقع هو أنّ النسب يتعلّق بالقرابة النسبیّة الناجمة من توالد الأبناء وعلاقتهم عن طریق الوالد؛ وأما "الصِهر" فهو شبه قرابة ينتج بالنكاح أو بالأحری هي القرابة السببیّة[22].

- "صَهر": ذوبان وانصهار: مبدأ آخر لهذه الكلمة هو من أصل "صَهر" ويشير إلى الذوبان والانصهار[23]. وفي الآیة 20 من سورة الحج (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ)، تعني عبارة (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) ذوبان لحوم وأحشاء الكفار وجلودهم في نار جهنم[24]. کما هو الحال في مثل (تَصهَرُهُ الشمسُ) وهي تعني إذابة الشيء. ولکن ثمّة تفسیر آخر لعبارة (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) وهو «السُطُوعُ والعَرضُ على الشَّمسِ والإِحراقِ»، وبحسب المفسّر فإنّ الصهر مأخوذ من اللغة العبريّة، وفيه حالة الاقتراب من الحرارة أو الشمس؛ لذلك كما ورد في شرح ابن عباس، فإنّ "الذوبان" هو أصل لمدلول الصَهر. حتی ولو كان یستخدم في الغالب للإشارة إلى ذوبان الدهون والمعادن. وهذه الكلمة مقتبسة من المبدأ نفسه، مع الأخذ في الاعتبار أن اللفظة تعني أیضًا ذوبان وانصهار دماء أشخاص تجمعهم العلاقة النسبیّة بعضها، فتحولت من أصلها لتأخذ دلالة (صِهر) الذي تنتجه القرابة السببیة ونری مثلها (في صهر أي زوج البنت)ن فمن هذا المنطلق تدلّ لفظة صهر علی علاقة قرابة واقتراب. ویؤیّد الأمر قوله: "أصهر الجيش"، ویعني من ذلك اختلاط واقتراب أرکان الجیش وجنوده بعضها من بعض[25] کما تؤید اشتقاقات كلمة "صهر" في العربيّة کونها ذات المبدأين المشار إلیهما أعلاه[26].

ج. دلالات كلمة "صهر" في المصطلح
- من منظور الفقهاء: في باب النکاح، یستعمل الفقهاء کلمة صهر تحت مسمّی "السبب". والواقع هو أن کلمة "الصهر" أو المصاهرة بالنسبة لهم تعني "تلك العلاقة القائمة بين الزوجين والأقارب الآخرين بسبب الزواج وتحرم علیهم النکاح مع بعضهم"[27] فإنّ هذه المحرمات في الفقه الشيعي مستلّة في الأساس من معاني الآية 23 من سورة النساء: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ). وفيه ذكر حالات الحرمة السببيّة. وفي هذه الآية من محرّمات المصاهرة إشارة إلى أنّ الزواج بالفتاة يمنع والدتها وجدتها من صهرها علی الإطلاق، سواء أكانت تجمع الأم والجدّة مع الفتاة علاقة نسبیّة أم كانت لهما أم وجدّة بالرضاعة. كما أنّ من أسباب الحرمة حالة تزویج سيّدة لها بنت من زوجها السابق والتي تسمّی الربیبة، تحرم الربیبة علی الزوج سواء أکانت تعیش معهما أم لا، وکذلك هو حال حفيدة تلك الزوجة، ویجري لها حكم الربيبة نفسه. ولا حرج علی الرجل أن یطلب ید الربیبة بعد طلاق الزوجة، ویشترط فیه عدم مضاجعة الزوج للزوجة وعدم الدخول فیها، وإلّا یتعذر علیه ذلك علی الإطلاق. ومن محرّمات النکاح الأخرى في الزواج هو زواج الوالد من زوجة ولده الذي تجمعهما القرابة النسبیّة، وکذلك الجدّ من حفیدته التي تجمعهما مثل القرابة أیضًا، فهذا النکاح محرّم على الأب والجد، ولا يشمل هذا الحکم زوجة الولد بالرضاعة ولا الحفیدة بمثلها للجدّ. ومن المحظورات الأخرى في الزواج زوجة الولد والولد، وهو محرم على الأب والجد. كما أنّ من محرمات النکاح علی الرجل زواجه من الأختين في آن واحد، وإذا تزوّج من إحدى الأختين، فلا يجوز له الزواج من الأخت الأخرى، إلّا إذا طلقها وانقضت عدّة زواجها؛ ثم يمكنه الزواج من الأخت الأخرى.

- من منظور المفسّرین: لیس لکلمة "صهر" مدلول في القرآن الكريم، وكذلك في الآية 54 من الفرقان تحدیدًا، فیصعب كشف معناه بالضبط. أمّا في نظر المفسّرين فقد فُسِّرت بعدّة طرق کالآتیة:

- القرابة بالعریس أو المصاهرة: یری بعض المفسّرين[28] ومترجمو القرآن الكريم في تفسیر الآية 54 من الفرقان، أن لفظة "صهر" تدل علی "قرابة العريس أو المصاهرة". لکن علی الرغم من أنّ هؤلاء المفسّرین یقصدون من صهر تلك القرابة الخاصة بالعريس أو ما سمّوه بالفارسیة (قرابت دامادی) وربما یعنون بها "المصاهرة"، إلّا أنّه تجدر الإشارة إلى أنّ تقدیم هذه المقابلات الدلالیّة خاصّة في ترجمة التفاسیر أو ترجمات القرآن ینال من المغزی الدلالي الکامن في الآية؛ لأنّ العبارات والمفاهيم المقابلة، مثل العريس، لا تفي تمامًا بالمقصود ولیست مقابلًا دلالیًّا کاملًا للمصاهرة؛ لذلك من الضروري لمفسّر أو مترجم القرآن الكريم أن یوافیه بمزيد من البحث والتحقيق لتوفير معنى أشمل وأكمل يشمل جميع العلامات الدلالیّة المشحونة والکامنة في الکلمات الدخیلة أو المعرّبة، وهذا ما یتطلّب إنجاز بحث علمي جدید ومتجزّئ علی ید الباحثین المختصّین في هذا المجال.

- القرابة السببيّة: اعتبر بعض المفسّرين الآخرين[29] أيضًا أنّ كلمة "النسب" المتعلّقة بالقرابة التي تنشأ من النسب والولادة وكلمة "صهر" تعتبر ذات صلة بالقرابة السببيّة التي تنشأ من الزواج. وهذا المعنى لكلمة "صهر" له وجه مقبول مقارنة بالمعنى السابق ويمكن القول إنّه يعبّر عن معنى "الصَهر" والمصاهرة بالكامل. ومقابلة "صهر" بالنسب في الآية تبيّن أنّ السبب یأتي وراء النسب؛ لأن أوّل من خلق من "الماء" هم الأولاد والبنات الذين نشأوا من خلال الولادة والقرابة النسبيّة؛ ثمّ مع زواج الأولاد والبنات الغرباء الذین لم تکن تجمعهم علاقة الدم، نشأت القرابة السببیّة[30]. ویری ابن عاشور أنّ "صهر" هو اسم يدل على علاقة قرابة بين المرأة وزوجها وأهل زوجها ويسمّى أيضًا المصاهرة (علی وزن المفاعلة). لأنّه یفید حالتین متقابلتین؛ فالرجل: قريب من زوجته، والمرأة قريبة من زوجها؛ ولهذا يقال: "صاهَرَ فلانٌ فلانًا". سبقت الإشارة إلى "صهر" کَونها مصدرًا في موضع الوصف، وهي أكثر تحديدًا لأقارب الرجل؛ لأن أقارب المرأة يسمون "ختاناً" أو"حمًا"[31]. وإذا وضعنا هذا المعنی في الاعتبار، تشير الآية إلى مراحل تطوّر الجنس البشري، أي أنّ الله تعالى شعّب جنس الإنسان من فرعي النسب والصهر. وهكذا، تشير الآية 54 من الفرقان إلى خلقة غريبة تتحدث عن لطائف خلق نظام طبيعي واجتماعي، والله قوي لدرجة أنه خلق من نطفة مخلوقًا عظيمًا بالعقل والفكر، وربط بین النسب و"الصهر" لتأسیس وتوسیع نظام اجتماعي بشري یتبعها ظهور القبائل والأمم وتعاونهم لخلق حضارة متقدّمة في العصور والفترات الزمنیّة[32]. كما جاء في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13).

- الأنثى: بعض المفسّرين في تفسیرهم للآية 39 من سورة القیامة (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ)، اعتبروا النسب بمعنی جنس الذکر والصهر بمعنی الأنثی[33]. لکن هذا الانطباع ترجع جذوره إلى تلك العادات والتقالید الغلفاء التي شاعت في العصر الجاهلي وقبل ظهور الإسلام المحمّدي الأصیل، حیث کانت تقتصر العلاقات السببیّة علی الرجل دون المرأة، بل وتعتبر النساء والأمهات مجرّد أوعیة یحفظ فیها الأولاد آنذاك، فکانت تعاني المرأة أو الأم حالة تهمیش من دائرة المجتمع البشري، کما لم یکن لها محل في إعداد الأنساب؛ بينما حطّم القرآن الكريم هذا التقليد بشدة وصرامة، فوضع أحکامًا وقواعد تشمل الأولاد الذکور والإناث على حدّ سواء. وخیر مثال علی ذلك هو آية المباهلة التي صرّح فیها بأنّ المقصود من أبناء رسول الله ابنة النبيّ الأکرم[34] ومنها أیضًا ما جاء في سورة الأنعام بشأن ذُرّیة النبي إبراهیم، وقد قال الله في محکم کتابه: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ففي هذه الآية یذکر المسیح عيسى في ذریة إبراهيم(عليه السلام)؛ بينما كان لإبراهیم ابنة ولم يكن له ابن علی الإطلاق[35].

من الواضح تمامًا أنّ هذه المعاني مستمدّة من الأفكار غير السلیمة والخاطئة للعصر الجاهلي، أي قبل مجيء الإسلام، وهي ولیدة معان ودلالات ثانویة مجازیة لتفسیر معنى "الصهرة" وتبریره في هذا السیاق. فيُلاحظ أن بعض المفسرين[36] لجأ إلى استخدام "ذا" استخدامًا تقدیریًّا للإشارة إلى النسب و"الصهر"، تبریرًا لانطباعهم السطحي من الآیة المشار إلیها أعلاه. بينما الآية لیست في مقام الحدیث عن الرجل أو المرأة على الإطلاق وإنما تتمحور علی انتشار وتوسیع نوع البشر من خلال النسب والمصاهرة علی وجه التحدید. وكما ذكرنا آنفًا؛ فإن كلًّا من الرجل والمرأة لهما دورهما وأثرهما في النسب والصهر في آن واحد، فإن کلا اللفظین «النسب» و«الصهر» یفیدان نوعًا من القرابة، ولا یقتصر أحدهما على الرجل أو الإمرأة دون الآخر. وقد جاء في الحديث أن: "الإمام علي(عليه السلام) والنبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) کانا أبناء عمومة بالنسب کما کان علی صهر النبي"[37]، أي أنّ للإمام علي علاقة بالنبي نسبیّةٌ وسببیّةٌ في آن واحد، وهذا ما یؤیّد القول بأنّ النسب والصهر لا یقتصران علی جنس واحد دون الآخر، بل یتعدّی حدودهما الدلالیّة إلى دائرة المذکّر والمؤنّث.

د. الخلط أو ایلاج شیئین بعضهما في بعض
المعنى الشائع والعام لكلمتي "نسب" و"صهر" لدی الجمهور هو معنی القرابة؛ سواء أكانت متعلّقة بالولادة أم الزواج. لکن الواقع هو أن المعنى الأساسي لهاتين الكلمتين یکون أعم وأشمل من معنى القرابة، حیث یعني تلك العلاقة المتقابلة التي تؤدي إلى خلق الإنسان وتکوینه. بعبارة أخرى: "صِهر" هي أصل "صهر" وتعني "الدمج أو الاندماج"، أي "الولوج في شيء أو الإقحام"، والسبب في ذلك قول القرطبي في شرح الآية: "صَهَرتَ الشَي إذا خَلَطتَه"[38]. يشير استخدام صفة "انصهار" مع كلمة "ماء" إلى خصوصيّة دلالتها وکون مدلولها خاصًّا، فإن الآية القرآنیّة تشير إلى عمل یخضع له الحیوان المنوي، حيث يتم تكوين النطفة منه بصفات جديدة. وإنّ هذه الدلالة الأخیرة تتوافق والمعنی القاموسي واللغوي الخاص بـ«الصهر» و«النسب» لأن كلمة "صهر" تعني "خلط الشيئين، والتقارب، والاقتراب، والذوبان، وإلخ." والنسب یعني في أصل وضعه "الاتصال والربط بين الشيئين"[39] هذه من ناحیة ومن ناحية أخرى، فإن الآية التي قبلها: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) (الفرقان: 53) تشبه هذه الآية في البداية وتشير إلى إعجاز علمي آخر ممّا يدل على دقّة خلق الله وقدرته العظيمة في الفصل بين المالح والعذب من المیاه؛ حيث تظهر القدرة الإلهیّة في تخثّر وخلطٍ بین الحیوان المنوي للرجل وبويضة المرأة لتکوین وخلق نطفة البشر[40]. كما تشير هذه النظرية إلى وجود العلاقة بين کلا المعنیین للفظة "صهر". لذلك، فإن دراسة اللفظة تبدو ضروریة من الناحیة العلمیّة والمنهجیّة بوضعها في بوتقة دراسة تأصیلیّة ودلالیّة ومناقشة وتحلیل استعمالاتها اللغویّة وجذورها الأساسیة في اللغة المصدر، فلا مندوحة عن دراسة العلاقات المفاهیمیّة للکلمة.

2. العلاقات المفاهيميّة لكلمة "صهر"
یری توشیهیکو إيزوتسو الیاباني في نظریّته الدلالیّة الشهیرة إنّه من أجل معرفة كلمة في القرآن الكريم من الضروري فهم العلاقات المفاهيمية للكلمة ویقصد منها؛ المرادفات، والأضداد، والتوابع من الألفاظ، والألفاظ التي تجمعها العلاقة السیاقیّة أو النحویّة، والرأسیّة أو المورفولوجیّة مع المفردة القرآنیّة أوّلًا، ثمّ دراسة وتحلیل استخداماتها اللغویّة في القرآن الکریم. وهذه الطريقة هي أفضل حلّ لتمحیص حقیقة المفردة ومعرفتها والتي یمکن الحصول علیها من خلال مقارنة جميع المصطلحات المتعلقة بالكلمة.

المرادفات
لکل مفردة بصفة عامّة حالة من العلاقة المفهومیّة تربطها بمفردات أخری في سیاقات متعدّدة، فلا تستثنی من هذه القاعدة مفردة "صهر" القرآنیّة التي نحن في صددها. ومما يرادفها من الألفاظ حسب آراء المنظّرین القرآنیين:

أ. النسب: هذه المفردة تعتبر من المفردات المتقاربة لمفردة "صهر" في الآية القرآنیّة، وقد أتت مرادفة لـ«صهر» في الآية القرآنیّة في سیاق واحد. لغویًّا تعني مفردة النسب "الاتصال والربط بين شيئين"، کما أنها دلالیًّا تتضمّن العلاقة بين الرحماء والأقارب وهي صلة القرب، والتشابه، والترابط، والمشاكلة عندما يكون هناك اتصال[41] ویری صاحب المفردات في غریب القرآن: «نسب: النسب والنسبة اشتراك من جهة أحد الأبوين...كالاشتراك من الأباء والأبناء»[42].

ب. الخُتَن: وقد قيل إن كلمة "الختن" في الأصل تعني موضع الختن من الذكر، وموضع القطع من نواة الجارية. وأصل الختن: القطع[43]. والمعاجم اللغویّة قد اعتبرت لفظة «خُتَن» مرادفًا لـ«صهر» وعممتها علی أيّ رجل من أبناء قوم یزوّج إلیه[44] يعتقد بعضٌ أن الختن أبو امرأة الرجل وأخو امرأته، وكل من كان من قبل امرأته، والجمع أختان، والأنثى ختنة. وخاتن الرجل الرجل إذا تزوّج إليه[45]. وفي الحديث: علي ختن رسول الله، أي زوج ابنته، والاسم الختونة[46].

3. حقیقة مفردة "صهر"
مفردة "صهر" -بحسب الخبراء والمنظّرین القرآنیّین واللغویّین- قلّما جاء ذکرها في الکلمات الدخیلة والمعرّبة. ومعظم اللغويّين مثل جواليقي وجيفري وغيرهم لم يذكروا هذه المفردة ضمن الکلمات الدخیلة المعرّبة في كتبهم. فوفقًا لعدد قليل من الخبراء، فإن لكلمة "صهر" جذورها في "اللغة الفارسيّة" وهي في اللغة العربيّة تعني "العريس" وتعني أيضًا كلمة "شوهر" أي الزوج بالفارسيّة[47].

تفید الأبحاث والدراسات، بأن كلمة "شوهر" باللغة الفارسيّة والتي تعني الزوج في العربیّة؛ إنما هي مشتقة من البهلويّة "sbuy"[48]، أو [49]"soi"، هي مأخوذة من کلمة "xsoudraka" في أفیستا، وکل هذه تعود جذورها إلی "xsauda" في کتاب أبستاق أو أفیستا الشهیر[50]. کذلك یمکن اقتران المفردة بـ«xsudra» و«xsaudra» في أفیستا، وهما تعنیان «تخم» في الفارسیة و«البیضة أو البویضة» في العربیّة، فلکل هذه الألفاظ دلالة مشترکة وأصل لغوي مشترك. وقیل إنه یستبعد کون كلمة "صهر" مشتقّة من کلمة "شوهر" الفارسیّة؛ لأن كلمة صهر في اللغات القديمة موافقة لها خطًّا ونطقًا بینما هي تختلف عما تکون علیه كلمة شوهر في اللغة الفارسية المعاصرة. کذلك هو الحال لدی تعريب المفردات، فتحوّل الحرف (الشین) باللغة الفارسيّة القدیمة (سینًا أو ثاءً) باللغة العربيّة ولا یحوّل إلى الحرف (الصاد)؛ ومنها: طشت (طست) وكفش (کوث)[51]. ویقف باحثو المقال هنا إلى جانب القول الأخیر في الجزء الأوّل من الحدیث، إلا أن رأیي القائل في تعریب الحروف المشار إلیها أعلاه ممّا لا یُعتنى به في الدرس اللساني الفارسي، حیث لا یمکن تعمیمه علی الکل ولا یزال موضع نقاش. وأخیرًا اعتبر بعض المفكّرين أنّ ثمّة جذرًا مستقلًّا لكلمة "صَهر"، حیث عزوها إلى أصل "یُصهَرُ". واعتبروها مفردة بربريةً کانت متداولة علی لسان أبناء المغرب العربي[52]؛ لأن بعض العلماء مثل الزركشي[53]، وشيذلة والشيخ حمزة فتح الله[54] يعتقدون بأن كلمة "یُصهَرُ" لغة مغربیة المصدر والاستخدام، وهي تعني "النضج" يعني "طهي اللحم"، وتحتاج هذه النظريّة بالطبع إلى مزيد من الدراسات اللغويّة التي لا تتّسع لها ورقتنا المتواضعة هذه.

4. أصل مفردة "صهر" في اللغة الفارسيّة
علی ضوء ما قدّمناه من الآراء والنظریّات حول مفردة "صهر" القرآنیّة؛ بات من الضروري دراسة وتمحیص أصل المفردة في الفارسیّة تحت عنوان متفرّد ومتجزئ، وذلك في حدّ ذاته یکون في خدمة التدقیق الصحیح لآراء المنظّرین القرآنیّین للمفردات القرآنیّة، سواء فیما یتعلّق بالفترات الزمنیّة الثلاث أي قبل نزول القرآن الکریم أو حینه أو بعده.

فبالنسبة إلى مفردة (شوهر) الفارسیّة؛ وعلى الرغم من أن معناها قد يتوافق مع مفردة (صهر) العربیة توافقًا صوتيًّا، لكن بالنظر إلى ما بینهما من فارق ملحوظ من الناحية المفاهيميّة أو الدلالیّة، لا سيّما في سياق الآية رقم 54 من سورة فرقان المبارکة، فلا یمکن اعتبارهما أصلًا واحدًا في اللفظ والدلالة؛ لهذا السبب ومن خلال إعادة تدقیق ودراسة المفردة ووضعها في بوتقة دراسة تأصیلیّة ومقارنة المدخلات اللغویّة البهلويّة، يتّضح أنّ الكلمة المعنية إنما هي مشتقّة ومأخوذة من جذر "chihr" (چِهر=تشهر) في اللغة الفارسية. والتي ذکرها کتاب أفیستا الشهیر في البهلویة «چیتهر» أي "تشیتهر"[55].

وللفظة "چهر/ جیهر" معان ومقابلات آتية:
چهر/ جیهر (cihr): چهر، سرشت، خوی، طبع، صورت، چهره، علامت و نشان، آشکار و روشن، معلوم و بدیهی (=أي الوجه، والسجیّة، والخصلة، والطبع، والصورة، والإشارة والعلامة، والجلي والخفي، والمعروف والبدیهي)[56]. وفي أصل الوضع سجّلت بصورة (چیهر ای تشیهر) في أفیستا، ثم تحوّلت إلى (چهر= جیهر) في الفارسیّة. وقیل عن (cihr) إنها تقابل (تخم، دانه، بذر، نژاد، تخمه، طبع، گوهر أي البویضة، والحبّة، والعِرق، البذرة، والطبع والجوهر[57] ومن اشتقاقاتها أیضًا (cihranomand) (چیهران اومند) التي تعني کریم الحسب والنسب. واشتقت منها (منوش چیشر (منوچهر) وهو في الابستاق (منوش کیتَهر) وفي الکتب العربیّة (منوشجیهر) ویکون معناها: (از نژاد و پشت منوش) بمعنی أنّ حسبه أو نسبه یرجع الی(منوش)[58]، والمنوش هو ذلك الملك الأسطوري الإیراني القدیم الذي جاء ذکره في أفیستا.

وأمّا في المعاجم اللغویّة المعاصرة فقد اقتصر استعمال لفظة صهر علی "الوجه والصورة"، وقد تستخدم بمعنی "العرق والنسب"؛ وفي بعض المصادر تم استخدامه للإشارة إلى الأصل والعِرق[59] واستخدمت كلمات «چهر/ تشهر‎آزاد» و«چهر/ تشهر زاد» أيضًا کأسماء أعلام تخصّ الفتیات والنسوة في إيران القديمة[60] والتي هي الآن تعادل كلمة "شهرزاد". وفي رأي بعض العلماء اللغویین كلمة "chir" التي تعني "بيضة" إنما هي مأخوذة من اللغة البهلویة، وكلمة "chir" التي تعني "الطبيعة، والعرق، والصورة، والوجه" مأخوذة من Avesta وكلمة "cithra"، وتعني "النوع، والمبدأ، والوجه" من اللغة الفارسيّة القدیمة[61] أيضًا في النقوش المکتوبة الفارسيّة القديمة، لفظة (cica+ariya) في مرکب اسمي وصفي تطورت دلالتها لتعني "آریا‏چهر" والذي یعني (الآريّ الأصل والنسب)[62].

وفقًا لبارثولوميو، ثمّة شكلان متقاربان صوتیًّا لـ"cihra"، أحدهما يعني "الوجه والصورة" والآخر يعني "الجیل والبويضة والنطفة"[63] ولا یخلو من الفائدة بمکان أن يقال إنّ مفردة "citra" التي جاء ذکرها في (فيدا) تجمعها علاقة موحّدة مع مقابلها اللغویة الإيرانية، فتعني "رائعة وممتازة". يبدو أنّ وجهة نظر دوشان جايمان تکون صحیحة لدی اعتباره الکلمة مفردة واحدة؛ إذ لم یعتبرها لفظتين مستقلّتين؛ والسبب وراء هذه النظرة هو أنّه کان هناك اعتقاد شائع قدیمًا بأنّ الحیوان المنوي أو النطفة تحتفظ في رحم النجوم، فيرتبط بالنور والرأس[64] والدلالة ستصبح أوضح وأدق بالوقوف علی ما جاء في کتاب البُندَهِشن أو البُندَهِش الهندي - واللفظة تعني (الخلق أو التکوین الأولی للعالم فقد جاء فیه: "لقّحوا بویضة البقرة إلى طبقة القمر فنقحوها... فأخرج جیومرث البویضة تلك عند موته حتی هذبت وأخصبت بنور الشمس"[65]. تشیر الجملة إلى معتقد أسطوري یقول إنّ البویضة هي موجودة في الرأس، وهو اعتقاد قديم جدًّا في القبائل الهنديّة الأوروبيّة. على سبيل المثال، أرسطو کان یعتقد بأن النطفة کانت موجودة في الرأس[66]. ومن خلال هذه الآراء المتضاربة في التحلیل یمکن القول إن كلمة cihra قد تعني "الوجه والصورة" وقد تعني "البویضة أو النطفة والجیل"[67]. والواضح هو أن مفردة "چهر" الفارسیة تحولت إلى «صهر» في العربیّة وفي الآية الکریمة، وفي مثل هذه التحولات یکثر تبدیل (چ/ الجیم الفارسیة) إلى (الصاد) لدی تعریب الكلمات، بل يمكن تغيير الحرف "چ" الفارسي إلى ثلاثة أحرف: "الصاد" أو "الجیم" أو"الشین أو تش" لدی التعریب. وهذه الملاحظة الفنیّة الترجمیّة تقوّي الاحتمال بأنّ كلمة "چهر" الفارسیّة تحوّلت إلى "صهر" في العربیّة، ویؤیّد صحّة الادّعاء کونها تتوافق مع الآية من حيث المعنى والدلالة، فضلًا عن کونها مرادفة أيضًا لمعنى «النسب». من خلال ما أسلفنا ذکره یبدو أن "النطفة والبویضة" هي المقابل الدلالي الأفضل لکلمة (صهر) التي نحن بصددها في سياق الآية.

5. التطور المعجمي لكلمة "صهر"
أ. كلمة "صهر" قبل نزول القرآن: لمعرفة متی دخلت كلمة "صهر" إلى اللغة العربيّة، لا بد من النظر إلى قصائد الشعراء الجاهلیین والبحث عن كلمة "صهر" فيها. و قد قیل عنها [صهر] الأصْهارُ: أهل بيت المرأة، عن الخليل. قال: ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأُخْتانِ جميعًا. يقال: صاهرتُ إليهم، إذا تزوَّجْت فيهم، وأَصْهَرْتُ بهم، إذا اتَّصلتَ بهم وتَحَرَّمْتَ بجِوارٍ أو نسبٍ أو تَزَوُّجٍ، عن ابن الأعرابي وأنشد لزهير:

قَوْدُ الجِيادِ وإصْهارُ المُلوكِ وصَب‍ * - رٌ في مَواطِنَ لو كانوا بها سئموا[68]

في هذه القصيدة، تعني كلمة "صهر" أيضًا "القرابة". وهكذا يتّضح أن كلمة "صهر" هي كلمة قديمة مستعارة دخیلة تم إدخالها إلى اللغة العربيّة قبل نزول القرآن. وبحسب القصيدة، يبدو أن الكلمة کانت متداولة بالمعنى العام، وهي "القرابة" في الجاهلیّة الأولی. وهذا هو التعریف الذی عبّر عنه کل من ابن منظور ومصطفوي، حیث اعتبراها مأخوذة من مادة لغویّة واحدة وذات دلالة مشترکة وموحّدة ألا وهي القرابة[69].

وتجدر الإشارة إلى أن لفظتَي النسب والصهر تغیّرت دلالتهما بعد ظهور الإسلام عمّا کانتا في العصر الجاهلي، سواء في النصوص الأدبيّة أو في أسلوب الحياة الجاهليّة. على الرغم من أن العرب من العصور الغابرة، بل العرب المتحضرون إلى يومنا هذا یحسبون قدرًا متمیّزًا ومکانة رفیعة للنسب؛ لکن یجب ألا ننسی أن الأنساب کانت تختلف دلالتها عما تکون المفردة متداولة في معناها الحدیث؛ لأن لفظة «الأنساب» کان یکنّی بها العرب القدامی ذلك الحلف المشترك الذي جمع بین قبائل ذات المصالح المشترکة. فبدت وحدة موحّدة تجمع بین القبائل المتعددة بعلاقة قوية لدرجة جعلت أفراد قبيلة یشعرون بأنهم أفراد عائلة واحدة مع أفراد قبيلة أخری، بل واعتبروا أنفسهم أبناءَ لأبٍ واحدٍ، وكان استمرار هذه العلاقة بین القبائل قد یؤدي إلى عقد نسبة وقرابة بینهم[70].

وكان للزواج في العصر الجاهلي أنواع مختلفة، وكان يتم بأشكال متعددة، وقد تؤدي بالرجل إلى حدّ اقتراف الزنا، کما أنّ العلاقات الناتجة من الزواج لم تنل حقّها من الأهمیة والاهتمام آنذاك قدر ما اهتم بها باعتبارها مهمّة في العصر الإسلامي الذی أولی الاهتمام إلى المبادیء الفقهیّة للزواج وأحکامه. بحیث کان في بعض الأحيان يتزوّج الرجل من زوجة أبيه أو یجمع بين أختين في الزواج؛ أو کان للمرأة الجاهلیّة حق تعدّد الزیجات بحرّیة تامّة، ويتّضح أنّ المفهوم الحالي لمفردة - "الصهر" في ذلك الوقت لم تكن متداولة بمفهومها الحالي بين المسلمين؛ على الرغم من أن كلمة "صهر" بمعنی "القرابة السببیّة ومن خلال الزواج" كانت شائعة بين العرب في ذلك الزمان؛ والدلیل علیه هو أن جماعة من المشركين الجاهليّين، حسب الآية (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) (الصافات: 158)، اعتقدوا أن الأرباب صاهروا الجانّ ونشأت منها الملائكة[71]، لکن من الأهمیة بمکان القول إن مفردة "صهر" التي استخدمت "حرمة واحترامًا للعلاقة الزوجیّة" لم تحظ بأهمیة کبیرة في تلك الحقبة التاریخیة قدر ما أولی لها الاهتمام في الإسلام

ب. كلمة "صهر" حین نزول القرآن: في ذلك الزمان، کانت مفردة "صهر" تدل علی "القرابة والتقارب"، کما قد استخدمت في القرآن الكريم بمعنى "القرابة السببية"، ثم استُخدمت في روايات الرسول الأكرم في المعاني الآتیة:
التقریب بین شیئین: ومنها "أنه کان یؤسّس مسجد قباء فَيُصْهِرُ الحجرَ العظيم إلى بطنه"[72]. ممّا یفسر أن كلمة "یُصهِر" کانت مستخدمة بمعنی التقریب بین الشیئین في تلك الفترة.
- القرابة السببية: يقول رسول الله: "کل نسبة قرابة تنقطع یوم القیامة إلّا قرابتي ومصاهرتي"[73] والربط بین كلمتَي النسب والصهر في هذا الموقف السیاقي وکونهما متقابلتین دلالیًّا يوضح أن كلمة الصهر کانت متداولة أيضًا بمعنی "القرابة السببية" آنذاك.

- المصاهرة: ألقى الرسول الأکرم خطبة زواج سیدتنا فاطمة(عليها السلام) فقال: «... إنّ الله جعل المصاهرة نَسَبًا لا حَقًّا وأمرًا مُعترضًا، وشجّ به الأرحام وألزمها الأنام، وقد قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا)؛ ثم إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي...»[74] وبحسب هذه الرواية يعتقد ابن عباس بشأن نزول هذه الآية أنها تتمحور حول النبي الأکرم والإمام علي بن أبي طالب وتبيّن أنّ النبي الأکرم زوّج ابنته فاطمة من الإمام علي وبتلك العلاقة المصاهرة أصبح الإمام ابن عم الرسول وزوج ابنته فتجمعهما علاقة نسب ومصاهرة في آن واحد[75].

علی ما یبدو أنه علی ضوء هذه الروایة التي نقلها مثل ابن عباس، أخذت مفردة "صهر" دلالة خاصة لتقتصر علی شخص "الصِهر أو زوج البنت"، کما أن الإمام علي لُقّب بـ"صهر رسول الله " من خلال روایات وأحادیث کهذه.

ت. كلمة "صهر" بعد نزول القرآن
لقد انزاحت مفردة صهر بعد نزول القرآن الکریم عن دلالتَیها الأولی والثانیة لتقتصر دائرة شمولها الدلالي علی معان ودلالات أخص کالآتیة:

- أختان أو عائلة الزوجة: المصاهرة هي صلة قرابة تنشأ عن طريق الزواج، شيئًا فشيئًا، فشاع استخدامها للدلالة علی أهل المرأة الذين أصبحوا مرتبطين بزوج ابنتهم ولمّا تعقد بینهم علاقة حميمة فیطلق علیهم "أصهار" أو "أختان" وكل من كان من قبل الإمرأة، والجمع أختان، والأنثى خَتِنة[76].

- عائلة الزوجین: یطلق بعض العرب علی عائلة کل من الزوج والزوجة لفظة "الأصهار"؛ لأنها تخلق العلاقة الحميمة في كلتا الأسرتين من خلال الزواج.
- حرمة الختونة أو المحارم السببیّة للزواج: يعتبر بعض أن "الصهر" هي "حرمة الختونة"، وتعني حرمة الزواج من المحارم السببیة التي تشکل عن طریق الزواج[77]، وهذا المعنى مشتقّ على الأرجح من رواية «قتادة»، حيث اشتملت وفقها كلمة "صهر" علی عدد من الأقارب، ممن يحرم علی المرء الزواج منهم وهم سبعة[78]. ووفقًا لهذا المعنى، فإن المحارم السببیة تنشأ عن المصاهرة أو عقد الزواج بين شخصين.
في هذه الحالة، وبحسب آية القرآن، فإن ابنة الزوجة، وأم الزوجة، وزوجة الطفل، وزوجة الأب من المحرّمات بالمصاهرة. على مرّ التاريخ، اكتسب هذا المعنى تدريجيًّا طابعًا فقهيًّا، فتأتي لفظة المصاهرة في الفقه الشيعي لتشمل علی وجه الخصوص تلک المحارم السببیة النابعة من العلاقة الزوجیّة.

خلاصة
فی نظرة تأصیلیة لمفردة "صهر" تبيّن أنها لیست بمعنی (شوهر/ الزوج) في الفارسیّة، وإنما تعني (چهر/ النطفة والعنصر و...) وفي دراسة سمنطیقیّة خضعت لتغیرات دلالیّة: في سیاق الموقف اللغوي بشکل عام؛ تغیرت دلالتها إلى (المصاهرة والختان) لتدل علی القرابة السببیّة الناجمة عن الزواج. وفي الموقف التفسیري تحوّلت دلالتها إلى (المحارم بالقرابة السببیة) ثم في سیاق الروایة القرآنیّة وأسباب نزول القرآن انزاحت دلالتها إلى أن تحدّ دائرة شمولها اللغویة في (شوهر دختر/ صِهر) لیقتصر علی الإمام علي(عليه السلام) بوصفه صِهر النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم).

خاتمة البحث
مفردة "صهر" القرآنیّة إنما هی مستخدمة ولمرة واحدة في الآية 54 من سورة الفرقان، ويتعلّق بخلق الإنسان وعلاقاته بالبشر الآخرين. وللفظة «النسبَ» في سیاق الآیة دور خاص لنقل المعنى العام لكلمة "صهر" الذي يعني القرابة والنسب. بحسب المعاجم اللغویة، لمفردة «صهر» منطوقان أساسیّان تبعهما دلالتان مختلفتان: الأوّل "صِهر" الذي يعني "القرابة السببیة" والآخر "صَهر" الذي يعني "الذوبان والانصهار". فمن هذا المنطلق اعتبر بعض أنّ لكلمة "صهر" مدلولَ "الذوبان والانصهار"، وحجّتهم في ذلك أن علاقة الدم التي تجري في القرابة النسبیّة بامتزاج الدم من عائلة لأخری إنما هي في الوقت نفسه نوع من الانصهار ثمّ تحولت اللفظة «صَهر» إلی «صِهر» إثر قرابة سببیّة تنشأ من العلاقة الزوجیّة والقاسم المشترك بینهما هو التقارب والقرابة. وفي الفرق بين النسب والصِهر إن كلمة "صهر" في الحقيقة قدسية تنشأ من العلاقة الزوجية وتختلف عن النسب بفوارق عدیدة، بینما النسب يتعلق بالقرابة النسبیة الناجمة من توالد الأبناء وعلاقتهم عن طریق الوالد؛ إذن "الصِهر" هو شبه قرابة تنشأ من النكاح، أو بالأحری هي القرابة السببیّة. ومفردة "صهر" في المصطلح الفقهي «إنما هی نوع من العلاقة التي مصدرها الزواج فتسبب حرمة الزواج من محارم تنجمها الزوجیة والقرابة السببیة». فهذه الكلمة لدی الفقهاء تدل علی حرمة تنشأ بسبب الزواج. بحسب المفسرين، مفردة "صهر" لها معان ودلالات متعددة. منها: "المصاهرة"، و"القرابة السببية"، و"المرأة"، و"التمازج أو ولوج الشیئین بین بعضهما". في مناقشة العلاقات المفاهيميّة حسب نظرية إيزوتسو الموسوم بعلم الدلالة المتزامنة، لفظتا "النسب" وهو یعني القرابة و«الختن» والذي یعني الزوج والزواج؛ تعتبران مرادفین دلالیین لمفردة «صهر» تجمعهما علاقة سیاقیّة کقرائن لفظیّة تساعد علی فهم معناها واستیعابها. إنّ اعتبار لفظة «شوهر» الفارسیّة مقابلًا دلالیًّا مضبوطًا وأصلًا لغویًّا لمفردة «الصهر» القرآنیّة -کما یتصوّره بعض المفکّرین- لیس إلّا صیحة في غیر وادٍ. وتلتقي اللفظتان في کونهما متشابهتین دلالیًّا وصوتیًّا بعض الشيء.


لائحة المصادر والمراجع
باللغتین العربیة والفارسیة
القرآن الكريم.
آلوسی، سید محمود، «روح المعانی في تفسیر القرآن العظیم»، بیروت، دار الکتب العلمیه، 1415ق.
ابن اثیر، مبارک بن محمد، «النهایه في غریب الحدیث و الأثر»، ریاض، دار ابن جوزی، 1421ق.
ابن عاشور، محمد بن طاهر، «التحریر و التنویر»، بی جا، بی نا، بی تا.
ابن فارس، أحمد بن زکریا، «معجم مقاییس اللغه»، به تحقیق و ضبط عبد السلام محمد هارون، قم، مرکز النشر، 1404ق.
ابن منظور، محمد بن مکرم، «لسان العرب»، بیروت، دار الصادر، 1414ق.
إیزوتسو، توشیهیکو، «خدا و انسان در قرآن»، ترجمه احمد آرام، تهران، 1381ش.
«مفاهیم اخلاقی- دینی در قرآن مجید»، ترجمه فریدون بدره‌ای، تهران، فرزان روز، 1378ش.
بحرانی، سید هاشم، «البرهان في تفسیر القرآن»، تهران، بنیاد بعثت، 1416ق.
بلاسی، محمد السید علی، «المعرب في القرآن»، بنغازی، جمعیة الدعوة الإسلامیة العالمیة، ط1،، 2001م.
«بندهش هندی»، تصحیح و ترجمة رقیة بهزادی، تهران، موسسه مطالعات و تحقیقات فرهنگی، 1381ش.
پاشنگ، مصطفی، «فرهنگ پاشنگ»، تهران، چاپخانه سپیده احرار، چاپ اول، 1377ش.
پور داوود، ابراهیم، «زین ابزار:جنگ افزارهای باستانی ایران»، به اهتمام عبد الکریم جربزه دار، تهران، اساطیر، 1382ش.
تبریزی، محمد حسین بن خلف، «برهان قاطع»، به تصحیح و توضیح محمد معین، تهران، کتابفروشی ابن سینا، 1342ش.
جنیدی، فریدون، «شهرزاد داستان‏سرای»، کتاب ماه هنر، شماره 85و 86، 1384ش.
جوهری، اسماعیل بن حماد، «تاج اللغه و صحاح العربیه»، محقّق ومصحح احمد عبد الغفور عطار بیروت-لبنان، دار العلم للملایین، ط1، 1410ق.
حسکانی، عبید الله ابن احمد، «شواهد التنزیل لقواعد التفضیل»، تهران، وزارت ارشاد اسلامی، 1411ق.
حسینی زبیدی، محمد مرتضی، «تاج العروس في شرح القاموس»، بیروت، دار الهدایه،، 1965م.
حسینی همدانی، سید محمد حسین، «انوار درخشان»، تهران، کتابفروشی لطفی، 1404ق.
حکمت‌ فر، محمد حسین، حمید لطیف پور، «کهن واژه های گویش دزفولی در زبان عربی»، بی جا، دار المومنین، 1382ش.
دریایی، تورج، «لقب پهلوی «چهر از یزدان» و شاهنشان ساسانی»، نامه فرهنگستان، شماره 16، 1379ش.
دهخدا، علی اکبر، «لغت نامه دهخدا»، بی جا، سازمان مدیریت و برنامه ریزی کشور، 1342ش.
راد، علی، مبانی کلامی امامیه در تفسیر قرآن، تهران، سخن، 1390ش.
راغب اصفهانی، حسین بن محمد، «المفردات في غریب القرآن»، دمشق بیروت، دارالعلم الدار الشامیة، 1412ق.
روبینز، آر.اچ، تاریخ مختصر زبان شناسی، ترجمه علی محمد حق شناس، تهران، مرکز، 1384ش.
زرکشی، محمد بن بهادر، «البرهان في علوم القرآن»، به تحقبق یوسف عبدالرحمان مرعشلی، جمال حمدی ذهبی، ابراهیم عبد الله کردی، بیروت لبنان، دار المعرفه، 1410ق.
زمخشری، محمود، «الکشاف عن حقایق غوامض التنزیل»، بیروت، دار الکتاب العربی، 1407ق.
سیوطی، جلال الدین، «الدر المنثور في تفسیر المأثور»، قم، کتابخانه آیت الله مرعشی نجفی، 1404ق.
شریف لاهیجی، محمد بن علی، «تفسیر شریف لاهیجی»، تهران، دفتر نشر داد، 1373ش.
شیر، ادی، «واژه های فارسی عربی شده»، ترجمه حمید طبیبیان، تهران، انتشارات امیر کبیر، 1386ش.
صادقی تهرانی، محمد، «البلاغ في تفسیر القرآن بالقرآن»، قم، مؤلف، 1419ق.
«الفرقان في تفسیر القرآن بالقرآن»، قم، انتشارات فرهنگ اسلامی، 1365ش.
ضناوي، سعدی، «المعجم المفصل في المعرب و الدخیل»، بیروت لبنان، دار الکتب العلمیه، ط1، 1424ق.
طباطبائي، محمد حسین، «المیزان في تفسیر القرآن»، قم، جامعه مدرسین حوزه علمیه قم، 1417ق.
طبرسي، فضل بن حسن، «مجمع البیان في تفسیر القرآن»، تهران، انتشارات ناصر خسرو، 1372ش.
طریحي، فخر الدین، «مجمع البحرین»، تهران، کتابفروشی مرتضوی، 1375ش.
عروسي حویزي، عبد علي بن جمعة، «تفسیر نور الثقلین»، قم، انتشارات اسماعیلیان، 1415ق.
علي، جواد، «المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام»، بیروت، دار العلم، 1968م.
فخر الدین الرازي، أبو عبدالله محمدبن عمر، «مفاتیح الغیب»، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، 1420ق.
فراهیدي، خلیل بن أحمد، «کتاب العین»، قم، انتشارات هجرت، 1410ق.
فره وشی، بهرام، «فرهنگ پهلوی فره وشی»، تهران، دانشگاه تهران، 1380ش.
قرطبي، محمد بن أحمد، «الجامع لأحکام القرآن»، تهران، انتشارات ناصر خسرو، 1364ش.
قیوم، سید، «زبانهای هندی ایرانی»، هلال، شماره 112.
گنابادی، سلطان محمد، «بیان السعادة في مقامات العبادة»، ترجمه رضا خانی و حشمت الله ریاضی، تهران، مرکز چاپ و انتشارت دانشگاه پیام نور، 1372ش.
مختار عمر، احمد، معناشناسی، ترجمه سید حسن سیدی، مشهد، بی تا.
مصطفوی، حسن، «التحقیق في کلمات القرآن الکریم»، تهران، بنگاه ترجمه و نشر کتاب، 1360ش.
مکارم شیرازی، ناصر، «تفسیر نمونه»، تهران، دار الکتب الإسلامیة، 1374ش.
مولایی، چنگیز، «بررسی فروردین یشت»، تبریز، انتشارات دانشگاه تبریز، 1382ش.
مهیار، رضا، «فرهنگ ابجدی عربی-فارسی»، بی جا، بی نا، بی تا.
نجیب الأغر، کریم، «إعجاز القرآن في ما تخفیه الأرحام»، بی جا، دار المعرفه، بی تا.
نخله الیسوعی، روفائیل، «غرائب اللغة العربیة»، بی جا، بی نا، بی تا.
نراقي، أجمد بن محمد مهدي، «مستند الشیعة في أحکام الشریعة»، قم، مؤسسة آل البیت، 1415ق.
هرن، پاول، هانریش هوبشمان، «فرهنگ ریشه شناسی فارسی»، ترجمة جلال خالقی مطلق، أصفهان، مهر افروز، چاپ اول، 1393ش.

باللغة الأجنبیّة
ARISTOTLE, De generatione aninaliut, Harvatd University Press, London (1943).
C. BARTHOLOMAE, Altiranisches Worterbuch, Walter de Gruyter & Co.,Berlin 1904 (1961).
Darius Naqs-1 Rustam (DNA)", R.G. KENT, Old Persian Grammer , Texts, Lexicon, Second Edition, American Oriental Society, New Haven, Connecticut (1953).
J. DUCHESNE- GUILLEMIN, L Homme dans La rehigion iranienne", Anthropologie Religieuse, L Homme et sa destine e la lumie re de l histore des religions, ed. C. J. BLEEKER, E. J. Brill, Leiden (1955).

----------------------------------------------
[1](*)- قسم اللغة العربية وآدابها، کلية الآداب والعلوم الانسانيّة، جامعة طهران، إيران.
(**)- جامعة العلوم والمعارف القرآنيّة، إيران.
(***)- خرّیجة الماجستیر من جامعة العلوم والمعارف القرآنيّة، إيران.
[2]- راد، 1390: ص86.
[3]- إيزوتسو، 2002: ص3 و4.
[4]- إيزوتسو، 1999: ص72.
[5]- روبنز، 2005: ص418.
[6]- مختار عمر، د.تا: ص196.
[7]- روبنز، 2005: ص418.
[8]- طباطبائي، 1417، مج 15: ص225.
[9]- جنيدي، 1384: ص168.
[10]- Avestan.
[11]- ملائي، 2003: ص103 و63.
[12]- القيوم، 1350: ص20.
[13]- دریایی، 1379: ص31.
[14]- ابن فارس، 1404، مج 3: ص316.
[15]- ابن منظور 1414م. مج 4: 471.
[16]- م.ن.
[17]- الفراهیدی، 1410هـ، مج3: ص412.
[18]- ابن منظور، 1414: ص471.
[19]- طريحي، 1375هـ.ش، مج 3: ص369.
[20]- مصطفوي، 1386هـ.ش، مج 1: ص291.
[21]- م.ن.
[22]- ابن منظور، 1414، مج 4، ص472.
[23]- ابن فارس، 1404، مج 3: ص316.
[24]- الطريحي، 1375، مج 3: ص369.
[25]- بنت الشاطئ، د.تا: ص590-591.
[26]- ر.الی: ابن منظور، 1414: مج 4، ص471 و472؛ جوهرى، 1410: مج 2، ص718؛ راغب أصفهاني، 1412: ص494؛ ابن أثير، 1421، مج 3، ص63؛ الزبيدي، 1965، مج 7: ص117.
[27]- نراغي، 1415، مج16: ص299.
[28]- منهم: الطبرسي، 1372: ص72-74، وصادقي طهراني، 1419: 1365؛ وشريف لاهيجي، 1373: مج 3، ص344؛ کنابادي، 1372، مج 10، ص481.
[29]- منهم: مكارم شيرازي، 1374: مج15: ص127 وابن عاشور، د.تا: مج 19، ص77.
[30]- صادقي طهراني، 1986، مج 21: ص326.
[31]- ابن عاشور، د. تا، ج19: ص77.
[32]- ابن عاشور، د. تا، ج19: ص77.
[33]- منهم: الزمخشري، 1407: مج 3: ص287؛ الألوسي، 1415، مج 10: ص35؛ فخر الرازي، 1420: ص24.
[34]- مكارم شيرازي، 1374، مج 84: ص85.
[35]- م.ن.
[36]- منهم: الزمخشري، 1407م، مج 3: ص287؛ الألوسي، 1415، مج 10: ص35.
[37]- الحسكاني، 1411، مج 1: ص538.
[38]- قرطبي، 1364، مج 14: ص60؛ نجیب الأغر، د. تا: ص136.
[39]- مصطفوي، 1360هـ.ش، مج12: ص94.
[40]- نجیب الأغر، د.ت: ص136.
[41]- مصطفوي، 1360، مج12: ص94.
[42]- الأصفهاني، 1412، مج 1: ص490.
[43]- ابن منظور، 1414، مج 13: ص138.
[44]- الفراهيدي، 1410، مج4: 238.
[45]- ابن منظور 1414: مج 13: ص138.
[46]- م.ن.
[47]- ادی شير، ٢٠٠٧: ص١٦١؛ ضناوي، ١٤٢٤: ص٣٢٤؛ نخلة إليسوعي، د. تا: ص٢٣٧.
[48]- باشنک، 1377: ص407.
[49]- هرن، 1393: ص303.
[50]- م.ن.
[51]- حكمت فر، 1382: ص47-55.
[52]- بلاسي، 2001: ص331.
[53]- زركشي، 1410، مج 1: ص384.
[54]- بلاسي، 2001: ص331.
[55]- دهخدا، 1342، مج 8: ص1311.
[56]- فره وشي، 2001: ص182.
[57]- فره وشي، 2001: م.س.
[58]- پور داوود، 1382، مج2: 50.
[59]- التبريزي، 1342، مج 2: ص647.
[60]- م.ن.
[61]- هيرن، 1393: ص181.
[62]- Darius Naqs, 1953, pp. 137- 138.
[63]- C. BARTHOLOMAE, 1904, pp. 586- 587.
[64]- J. DUCHESNE, 1955, p. 98.
[65]- Bandehshan Hindi, 2007, pp. 86- 93.
[66]- ARISTOTLE, 1943, p. 774.
[67]- دریایی، 1379: ص29 و30.
[68]- ابن منظور، 1414، مج 4: ص471.
[69]- مصطفوي، 1981، مج 6: ص353.
[70]- علي، 1968، مج 1: صص 514 و515.
[71]- الزمخشري، 1407، مج 4: ص64.
[72]- ابن أثير، 1421، مج 4: ص63.
[73]- السيوطي، 1404، مج5: ص15.
[74]- عروسی حویزی، 1415، مج4: ص24.
[75]- البحرانی، 1416، مج 4: ص140.
[76]- ابن منظور، 1414: مج 4: ص471؛ أصفهاني، 1412: ص494.
[77]- الفراهيدي، 1410، مج 3: ص411.
[78]- السيوطي، 1404، مج 5: ص74.