الباحث : محمود علي سرائب
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 40
السنة : خريف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : September / 11 / 2024
عدد زيارات البحث : 184
الملخّص
تحاول هذه المقالة بيان المزالق المتعمدة أو غير المتعمدة التي انزلق إليها المشتشرقون في دراستهم للقرآن الكريم، حيث حاول المستشرقون دائمًا أن يثبتوا أن القرآن من وضع البشر، فبحثوا له عن مصدر في الأرض، فنسبوه إلى الديانات الأخرى تارة، وأنّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) قد قام بتأليفه أخرى، وقد صاغوا لتبرير هذه الدعوى العديد من النظريات والتأويلات، ولذا لم تخرج أغلب جهود المستشرقين عن هذه التوجّهات والتوجيهات، ولكن اختلفت التسميات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ما اعتبرته دراسات كثيرة مناهجَ علمية اعتمد عليها المستشرقون، فإنّ هذه المقالة ترى بأنّها ليست مناهج، وإنّما هي مزالق وقع فيها المستشرقون. وقد تناولت المقالة دوافع اهتمامات المستشرقين بدراسة القرآن الكريم، ومزالق المستشرقين في دراسة القرآن الكريم والنماذج والمصاديق لمزالق المستشرقين على مستوى أساليب البحث في القرآن والدراسات القرآنية وعلى مستوى موضوعات القرآن الكريم.
كلمات مفتاحية: مزالق المستشرقين، القرآن الكريم، مناهج، التأثر والتأثير، الشك والتشكيك، التزوير، الإسقاط، الانتقائية.
المقدمة
تمثل حركة الاستشراق أحد جوانب الغزو الفكري للأمة الإسلامية؛ فهي تسعى بشكل حثيث لإعادة تمثيل منظومة القيم والمعارف الإسلاميّة وفق المنظور الغربي، وطبقًا لما تحمله هذه الثقافة من قيم تتناسب مع النسق الفكري للعالم الغربي، فهؤلاء لم يطلبوا من المسلمين الابتعاد عن إسلامهم وقرآنهم، بل قاموا بكل ما يمكن فعله لتقريب الإسلام إلى ثقافتهم وقيمهم، ثم تقديمه على أساس أن هذا هو الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
وتختلف الدراسات الاستشراقية قوة وضعفًا في مواجهة الفكر الإسلامي من مستشرق إلى آخر، ولكن هناك اتفاق عند هؤلاء على هدف استراتيجي يسكن في عمق العقل الغربي؛ وهو التحذير من خطورة القرآن والذي يشكل خطرًا وجوديًّا على المنظومة القيمية والمفاهيمية ونمط الحياة المادية الغربية، وبالتالي على النموذج الحضاري في الغرب. وهذا ما عبر عنه جملة من المستشرقين، فيقول المستشرق «بلاشير» -على سبيل المثال-: « قلما وجدنا بين الكتب الدينية الشرقية كتابًا بلبل بقراءته دأبنا الفكري أكثر مما فعله القرآن». فالقرآن كتاب مقلق ومحير لهؤلاء، وقد بلبل أفكارهم. بل قد تكون الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ لأن المأزق الذي يستشعره بلاشير، ونولدكه، وجولدتسيهر، وكبار علماء الاستشراق... مع القرآن يمثل في بدايته خطرًا استراتيجيًّا على النسيج الاجتماعي للغرب، وفي نهايته يمثل خطرًا وجوديًّا يهدّد الكيان الغربي برمته. ومن جهة أخرى، يمثل القرآن الكريم مصدر القوة في حياة المسلمين، ومنبع الرؤية في حضارتهم، والموجه لحركتهم، ولمناحي التفكير لديهم، فكان من الطبيعي مواجهة هذا الكتاب لما يحمل من عناصر قوة وثبات، ولما يحمله من قدرات هائلة تؤهله لتصدّر حركات التغيير الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة.
ولذا يحاول المستشرقون دائمًا أن يثبتوا أن القرآن من وضع البشر، وقد ردّ القرآن الكريم على دعوى بشرية القرآن بطرق وأساليب متعددة، فقد نفى كون القرآن قول بشر أو شاعر أو كاهن[2]، وكرر في أكثر من آية أن مصدر القرآن هو الله، وأنه هو الذي نزّله على محمد[3]، كما أمر الرسول أن لا يستعجل بقراءة النص القرآني الذي ينزّل عليه[4]، وأعلن الله تعالى بشكل قاطع أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكنه أن يتقوَّل أي شيء على الله[5]، وأخبر الله الناس أنه هو الشاهد على تنزّل القرآن على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والملائكة تشهد بذلك[6]، وتحدى القرآن كل العالمين بأن يأتوا بسورة من مثله[7]، وهذا التحدي ما زال مفتوحًا بل هو كذلك إلى الأبد. وتجدر الإشارة إلى أنّ ما اعتبرته دراسات كثيرة ضمن مناهج البحث العلمي التي اعتمد عليها المستشرقون في دراسة الإسلام، هي في حقيقة الأمر ليست مناهج وإنّما هي مزالق وقع فيها المستشرقون.
أولًا: الاستشراق ودوافعه في دراسة القرآن الكريم
1. الاستشراق كمفهوم:
عند مطالعة التعريفات المختلفة للاستشراق، يمكن حصرها في ثلاثة تعريفات أساسيّة، وهي:
أ. الاستشراق (orientalism) يعني: «علم الشرق أو علم العالم الشرقي»[8]. وكما يقول مكسيم رودنسون الذي أشار إلى أن مصطلح الاستشراق إنما ظهر للحاجة إلى «إيجاد فرع متخصّص من فروع المعرفة لدراسة الشرق»[9].
ب. هو: «ذلك التيار الفكري الذي تمثّل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي شملت حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته»[10].
ت. يُراد به: «ذلك العلم الذي تناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من قبل علماء الغرب»[11].
ويمكن القول في النتيجة إنّ الاستشراق هو «أسلوب من الفكر قائم على تمييز وجودي (أنطلوجي)، ومعرفي (إبستمولوجي) بين الشرق والغرب، ويستخدم دراسات أكاديمية يقوم بها علماء غربوين للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب، عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وتاريخ ونظم وثروات وإمكانات، سواء أكانت هذه الشعوب تقطن شرق البحر الأبيض أم الجانب الجنوبي منه، وسواء أكانت لغة هذه الشعوب العربية أم غير العربية، «كالتركية والفارسية والأوردية» وغيرها من اللغات، لأهداف متنوعة ومقاصد مختلفة»[12].
2. دوافع المستشرقين لدراسة القرآن الكريم
ذكر الباحثون العديد من دوافع الحركة الاستشراقية في دراستها للإسلام بشكل عام وللقرآن الكريم بشكل خاص، في ثلاثة دوافع أساسيّة، وهي:
- الدافع الديني.
- الدافع الاستعماري.
- الدافع العلمي.
أ- الدافع الديني
ويتضح بالسعي لإقناع المسلمين ببطلان أفكارهم وعقائدهم من خلال إضعاف المصدر الأول لعقيدتهم وهو القرآن وإبطال وحيانية القرآن والقول إنه من صنع محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعند ذلك يتمكّن علماء اللاهوت من التبشير بالدين المسيحي وإقناع المسلمين به، ولذا استخدموا من أجل ذلك وسائل وأساليب ومناهج للوصول إلى هذه الغاية المحددة، من قبيل تطبيق نظرية «النقد الأعلى» على القرآن، وهي النظرية التي طبّقها علماء اللاهوت في أمريكا على الإنجيل والتوراة.
وهذا الدافع الديني جعل الكنيسة تشن حملة واسعة ضد القرآن الكريم بشكل خاص، وشخص النبي والإسلام بشكل عام، وكان لهذه الحملة أشكال متعددة من الافتراءات على القرآن الكريم وعلى الرسول الأعظم منها:
- أنّ حقيقة الوحي الإلهي ما هي إلا نوبات من الصرع، أو مجموعة من الأوهام والخيالات الخاصة بالرسول.
- الترويج لفكرة أن النبي استقى تعاليم القرآن من كتب اليهود والنصارى[13].
- تكذيب الأفكار والمعتقدات الإسلامية بمجرد مخالفتها للمسيحية[14].
- القول بأن الإسلام والقرآن لم يكن سوى هرطقة مسيحية وأن الإسلام كان أسوأ من ذلك[15].
ب- الدافع الاستعماري
هناك صلة بين الاستشراق والاستعمار، فالتراث الاستشراقي بمثابة دليل للاستعمار من أجل فرض السيطرة الاستعمارية على الشرق وإخضاع شعوبه وإذلالها والهيمنة عليها[16].
ولكي يصل الاستعمار إلى أهدافه التوسّعية لا بد أن يضعف عقيدة الشعوب؛ لأن قوة الشعوب بسبب معتقداتها، والقرآن الكريم يشكّل المصدر الأساس لعقيدة المسلمين؛ لذا كان لا بدّ من المرور عبره والتشكيك في منظومته الفكرية، وأصوله الاعتقادية، ومبانيه الأخلاقية، ولا أقل التقليل من قيمتها.
ومن هنا، تناول المستشرقون العديد من المفاهيم والموضوعات القرآنية الرئيسة وبالأخص التي تواجه حركتهم الاستعمارية، وكان أول ما تناوله المستشرقون -بوابة المستعمر الكبرى- «مفهوم الجهاد» في القرآن الكريم، هذا الجهاد الذي أكده القرآن في تضاعيف آياته، فبلغت آيات الجهاد والنفير والقتال في القرآن الكريم (70 آية)، فحاول هولاء تشويه هذا الجهاد المقدس، وقاموا بتصويره تصويرا سيئًا، والهدف واضح: إضعاف روح المقاومة والدفاع عن الدين والنفس والأرض... فاعتبروا الإسلام عقيدة سيف، وكان هيجل يقول: «كان الإسلام دائمًا، وسيبقى دائمًا دين السيف؛ لأنه لا يمكن العثور على أي فكرة للحب في القرآن»[17].
وهناك دراسات كتبها المستشرقون حول نقد موضوع الجهاد في الإسلام نذكر منها:
- «الحرب المقدسة: الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم» للمستشرقة البريطانية كارين آرمسترونغ Karen Armstrong الطبعة العربية للكتاب: ترجمة: سامي الكعكي، (بيروت، دار الكتاب العربي، 2005م).
- «الجهاد من أجل القيصر» للمستشرق النمساوي شتيفان كرويتسر.
- «مُحمَّد في المدينة» للمستشرق البريطاني ويليام مونتغمري وات، والذي تعرض فيه إلى دراسة نقدية تحليلية لغزوات وسرايا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)[18].
والدافع إلى هذا التشكيك خصوصًا في موضوع الجهاد:
الخوف من سيطرة الإسلام على عالم الغرب المسيحي.
الرغبة الجامحة والحلم القديم الجديد في السيطرة على الشرق، ونهب ثرواته.
ولم يكتف المستشرقون بالتشكيك بالجهاد، بل حاولوا إضعاف اللغة العربية الفصحى، والدعوة إلى إحلال اللغة العامية مكانها، وكتبوا في ذلك دراسات متعددة، كل ذلك بهدف فك الارتباط بين المسلمين والقرآن الكريم.
يقول بعض المستشرقين: «من الواجب صرف الجهد إلى التقليل من أهمية اللغة العربية لتحويل الناس عنها بإحياء اللهجات المحلية واللغات العامية في شمال أفريقيا. حتى لا يفهم المسلمون قرآنهم وحتى يمكن التغلّب على عواطفهم»[19].
ت- الدافع العلمي
إن ما تقدم من دوافع لا يمنع من ظهور الدافع العلمي، هذا الدافع الذي سعت إليه قلة قليلة من المستشرقين إذا ما قيسوا بالجمهور منهم[20]، فكانت الأخطاء التي وقعوا فيها أثناء البحث في القرآن الكريم ودراسته أخطاء طبيعية.
خلفيات المستشرقين في دراسة القرآن
تهدف الدراسات الاستشراقية للقرآن الكريم وعلومه بالدرجة الأولى إلى زعزعة عقيدة المسلم وتشكيكه في أمهات الكتب الإسلامية، وذلك من خلال مناهجهم -المزعومة- التي لا تحتكم إلى المنهج العلمي الرصين.
ولكي تتضح -ولو بصورة إجمالية- آراء هولاء تجاه القرآن نعرض بعض الأمثلة على ذلك:
- المثال الأول: نزول الوحي
يرى المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون أن التصرفات التي كانت تعتري الرسول إبان نزول الوحي عليه ما هي إلا بسب إصابته بالهوس[21]. ويرى مونتجمري وات أن الوحي من نتاج الخيال الخلاّق للرسول[22]. ويرى جولدتسيهر أن النبوة مسألة نفسية ناشئة من تشبّع الإنسان بحالة خاصة[23].
- المثال الثاني: جمع القرآن الكريم وحفظه:
حاول المستشرق (كازانوفا) أن يثبت من خلال بحثه أن القرآن قد أضيفت إليه أمور كثيرة بعد وفاة النبي. ويقرر (جولدتسيهر) أنه لا يوجد نص موحد للقرآن، بل قد حذفت منه آيات كثيرة، وهذا ما أكده (نولدكه) و(موير) أيضًا[24].
- المثال الثالث: مصدر القرآن:
زعموا أن الرسول استمدّ تعليمات القرآن الكريم من الديانات الأخرى، فشرائع الإسلام تأسست من الشرائع المعاصرة له والمنتشرة وقتئذٍ في الشرق، ألا وهي: اليهوديّة، المسيحيّة، الهنديّة، الصابئة، الزرادشتية، الجاهلية[25]. هذا ما يراه المستشرق (جب) في كتابه (المذهب المحمدي) والمستشرق (سنكريل تسدل) في كتابه (مصادر الإسلام) وغيرهما.
وهناك أمثلة كثيرة في هذا المجال توضح مدى افتراء هؤلاء على الرسول والرسالة كما سنبين.
3. تقسيم أعمال المستشرقين تجاه القرآن الكريم
منذ عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل النقّاد من الكفار وغير المسلمين يكرّرون آراء مشركي مكة حيال القرآن، ومنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي على الأخص، أخذ بعض علماء الغرب من المستشرقين يعيدون اعتراضات وافتراضات مماثلة حول القرآن، وذلك بحجج وادعاءات متنوعة، وروّاد هؤلاء المستشرقين ألوي سبرنجر (Aloy Spernger)، ووليم ميوير (William Muir) وثيودور نولدكة (Theodore Noldeke)، واجناتس جولدتسيهر (Ignaz Goldziher)، ودبليو فلهاوسن (W. Wellhausen)، وليون كايتاني (Leon Caetani)، ودافيد سامويل مرجليوث (David Samuel Margoliouth). وقد قام بتطوير آرائهم وتضخيم استنتاجاتهم آخرون تبعوهم في القرن العشرين الميلادي، وفي مقدمتهم ريتشارد بيل (Ritchard Bell) وتلميذه وليم مونتغمري وات (William Montgomery Watt)، وجميع هؤلاء المسشترقين يسعون بشتى الأساليب إلى الاستنتاج بأن القرآن الكريم من تأليف محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن في الربع الأخير من القرن العشرين الميلادي، بدأ اتجاه جديد بين الجيل الجديد من المستشرقين الذين يقترحون أن القرآن ليس بتأليف محمد صلى الله عليه وسلم فحسب، بل إنه اتخذ شكله الحالي تدريجيًّا عبر تطوّرات وتعديلات تمّت في القرنين الأول والثاني من الهجرة. والجديرون بالذكر من بين هؤلاء المحدثين ج. وانسبرة (J. Wansbourough)، وج. أ. بيلامي (J.A. Bellamy)، وأندرو ريبين (Andrew Rippin). وقد قام ببسط ادعاءاتهم وترويجها آخرون أمثال باتريشيا كرون (Patricia Crone)، ومايكل كوك (Michael Cook)، وكينيث كراج (Kenneth Cragg)، وتوبي ليستر (Toby Lester)[26].
ولعل أهم المستشرقين المعاصرين المهتمين بدراسة القرآن الكريم خلال الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري[27] هم:
أ. أنجليكا نوريث «Neuwrith Angélika».
ب. كلود جليو. «Gilliot Claude».
ت. أندريه ريبان. «Andrew Rippin».
ث. سيرجيو نوصيدا. «Noseda Sergio».
وعليه يمكن تقسيم الأعمال الاستشراقية تجاه القرآن إلى قسمين:
أ. القسم الأول: أعمال تدعي أنّ القرآن من تأليف محمد(صلى الله عليه وآله وسلم):
وهذا الاتجاه بدأ من منتصف القرن التاسع عشر إلى ما قبل الربع الأخير من القرن العشرين.
والذين يذهبون إلى أن القرآن الكريم من تأليف محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يركزون على الادعاءات التالية:
- إن محمدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) كان رجلًا طموحًا واتّخذ خطوات مدروسة للدور الذي قام به فيما بعد.
- وهو بالأخص كرس نفسه لفن الشعر ليستطيع نظم القرآن.
- وإنه لم يكن رجلًا دون معرفة بالكتابة والقراءة كما يزعم المسلمون، وإن لفظ «الأمي» المنسوب إليه يعني شيئًا آخر[28]. من المعلوم أن كلمة (الأُمِّيّ) تعني الشخص الذي لا يقرأ ولا يكتب، وهذا المعنى لم يكن خافيًا على المستشرقين، فإنّ الذي يعنينا في هذا المقام هو أنّ هؤلاء المستشرقين أسقطوا من خلال هذه الترجمة مفهومًا عقديًا يهوديًّا أو نصرانيًّا على كلمة (الأُمِّيّ)، حيث إنّ اليهود دأبوا على إطلاق كلمة (غويم) goim على غير اليهود من الأمم الأخرى، وهذه الكلمة هي التي كانوا يعبّرون عنها في الجزيرة العربية بكلمة (الأُمِّيين)، وهي التي ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (آل عمران: 75)، وكان اليهود يقصدون بكلمة (غويم) الفاسدين أو المرتدين والوثنيين؛ لأنّ الكلمة في صيغة الجمع، ومفردها (غَوِيّ) وهي على معناها في نفس اللغة العربية.
- يؤكد جملة من المستشرقين أمثال: إبراهام جيجر، هرتفيك هرشفلد، هاينريش سبرنجر، إسرائيل شابيرو، ريتشارد بيل، شالوم زاوي[29] وهو من المعاصرين (ت2009م) صاحب كتاب (مصادر يهودية في القرآن) أن محمدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره مؤلفًا للقرآن؛ اقتبس أغلب القصص وعددًا كبيرًا من الصور البيانية، وكذلك الحكم والأمثال، من الكتب المقدسة أو شبه المقدسة لدى اليهود والنصاری.
- وإن كثيرًا من الأخطاء العلمية المعاصرة، خصوصًا تلك التي تتّصل بالعالم والكون، معكوسة في القرآن.
- يوجد فيه العديد من العبارات والمصطلحات الجارية والمفردات الأجنبية.
- وإن كلمة «الوحي» لا تعني إلقاء النص من الله، بل تعني اقتراحًا أو إشارة (suggestion) أو «التكلم الذهني» (Intellectual Locution)[30].
ب. القسم الثاني: أعمال تعتبر أنّ القرآن تطور عبر القرنين الأول والثاني من الهجرة، وهذا الاتجاه بدأ من الربع الأخير من القرن العشرين وما بعده. والذين يدعون أن القرآن قد تطور عبر القرنين الأول والثاني من الهجرة، فكلامهم يدور حول المزاعم التالية:
- إن المصادر التاريخية الإسلامية ليست معاصرة ولا يمكن تصديقها.
- إن الحفريات الأثرية في جزيرة العرب، خصوصًا تلك التي جرت في منطقة نجف كشفت العديد من النقوش القديمة التي تدلّ على عدم وجود القرآن في القرن الأول الهجري.
- إن المخطوطات القرآنية القديمة التي عثر عليها مؤخّرًا في صنعاء تشير إلى تطور القرآن خلال فترة طويلة.
- وإن نقد النص القرآني بشير إلى أخطاء في نسخ القرآن[31].
ووفق هؤلاء المستشرقين فإنهم يدّعون أنّ النصّ القرآني قد جرى تدوينه متأخرًا وبعد قرابة قرنين على الهجرة المحمدية، وبالتالي فقد ناله التحريف، واستندوا إلى الحفريات الأثرية وبعض المخطوطات القديمة، واستندوا في ذلك إلى الزعم أيضًا بأن القرآن، لم ينزل بلغة أهل الحجاز بمكة والمدينة.
والصحيح أن القرآن لم يتأخّر جمعه وتدوينه إلى ما ادعاه هؤلا، بل الأصح حسب ما يذهب علماء الإمامية أن القرآن الكريم جُمع وكتب في زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن مناقشة هذه الأمور سواء تدوين القرآن أو اللغة التي نزل بها فهي خارجة عن موضوع المقالة وتحتاج إلى دراسة أخرى.
ثانيًا: مزالق المستشرقين في دراسة القرآن الكريم
اختلف الباحثون في تحديد المناهج التي اعتمدها المستشرقون في دراساتهم للقرآن وعلومه، واختلفوا في عددها وتسمياتها، فبعضهم اعتبر أنّ المناهج المختلفة عند المستشرقين لا تتعدى منهجًا واحدًا وهو منهج الإسقاط، فقد «مارس المستشرقون عملية الإسقاط متأثّرين بخلفيّاتهم العقدية وموروثاتهم الفكرية، ومندفعين بدافع نفسي يهدف إلى رَمي القرآن الكريم بما ثبت في حق كتبهم المقدّسة ودياناتهم المحرّفة، محاولين بذلك الانتقاص من قدر هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي -لا محالة– يشهد له في كل عصر شهودٌ جُددٌ بالإعجاز والعظمة.
ومنهم من عدها أربعة مناهج، وقال إنه يمكن إجمال هذه المناهج التي يشترك فيها عدد من المستشرقين قديمًا وحديثًا، وهي النزعة التأثيرية، الانشطارية، الشك والتزوير، وسنعرض هذه المناهج تحت عنوان: «المناهج الاستشراقية لدراسة القرآن الكريم»[32].
صحيح أن ثمّة مجموعة من المناهج استخدمها المستشرقون لدراسة القرآن كالمنهج التاريخي، والمنهج الفلولوجي، ومنهج دراسة العهدين، وهناك كثير من الإشكالات على هذه المناهج بذاتها، بالإضافة إلى عدم صحة تطبيقها على القرآن الكريم، وإنّ تسميات بعض المناهج هي تسميات أطلقها الناقدون للدراسات الاستشراقية، من قبيل المنهج الانشطاري، والشكّي، ومنهج التزوير، والإسقاط. والحقيقة أن هذه العناوين لا يصحّ تسميتها بالمناهج وإنّما هي مزالق. وسنقصر الكلام على هذه المزالق ونؤجل ذكر الأمثلة والتطبيقات للعنصر القادم.
1 - المزلق الأول: النزعة التأثيرية
وهو ما يُطلق عليه مصطلح «التأثر والتأثير»، وهو نزعة دراسيّة يأخذ بها من اعتادوا ردّ كلّ عناصر الإسلام وعلى رأسها القرآن إلى عناصر أخرى، كاليهودية أو النصرانية أو إليهما معًا، وللأسف أصر جملة من المستشرقين كماركس هورتن الألماني، ورينان الفرنسي، أن الجنس العربي ليس من صفاته التعمق في التفكير ولا الابتكار، بل عنده قصور في هذا المجال، فالعربي ليس من طبيعته التفلسف[33].
والفكرة الحاضرة عند المستشرقين هي: كلّما وجد تشابهٌ بين الأفكار الإسلامية وغيرها من الأفكار الأجنبية، فهذا يعني أن الفكرة غير إسلامية، فعندما نراجع دراسات المستشرقين للتصوف الإسلامي نجدهم يرجعونه إلى أصول خارجية كالعنصر الفارسي أو الهندي، لا لشيء إلا لوجود عناصر متشابهة بين التصوف الإسلامي والتصوف الفارسي.
ثمّ حاولوا تطبيق ذلك على القرآن من خلال ردّ قصصه، وأحكامه، وعقائده،... إلى التوارة، والتلمود، والإنجيل، بل إلى ديانات أخرى غير سماوية.
2- المزلق الثاني: الانشطارية
الانشطارية تعني الفصل بين القيم المتكاملة في الفكر الإسلامي، والقول بعجزها عن التفاعل والترابط، وعدم قدرتها على الاستيعاب والتكامل.
ولعل أبرز ما وصلت إليه الانشطارية في الفكر الغربي وحاول المستشرقون تطبيقه على الفكر الإسلامي هو الدعوة إلى الانفصال بين الحاضر والماضي؛ فإنكار الماضي كليةً مع الدعوة إلى الانفصال عنه يعتبر من خصائص الفكر الغربي، وهو ما يحاول بعض المستشرقين نقله إلى الفكر الإسلامي؛ نجد ثُلَّة منهم يرمون التراث الإسلامي بكل مهانة وانتقاص، بل إنهم ينكرون على زملائهم من التقليديين إضاعةَ الوقت في تكريس الاتجاهات المطلوبة؛ ولذلك فإن معظم المستشرقين لا يسلكون مسلكَ المسلمين في التدليل على قيمة الإسلام وتراثه الخالد في صلته بالحياة[34].
3- المزلق الثالث: الشك والتشكيك
لقد سقط المستشرقون في هذا المزلق في الثوابت القطعية، والمبالغة في إثارة الشكوك حول الوقائع التاريخية الثابتة، والروايات الصحيحة المرتبطة بتاريخ القرآن وعلومه، واعتمدوا في ذلك على عملية الانتقاء بطريقة مغرضة وهادفة إلى ما يصبون إليه من نتائج عكسية، والذي عزّز بعض النتائج عند هؤلاء الأمور الآتية:
أ. عدم ثقتهم بصحة النص القرآني دفعهم إلى الشك في أمانة نقله وسلامة تبليغه.
ب. الشك في جمعه وترتيبه، كما يدعي كثير من المستشرقين أن النص القرآني الذي جاء به محمد قد نالته تعديلات بالزيادة والنقصان، خاصة في صورته المكتوبة.
وتوجد شواهد كثيرة على أن المستشرقين مارسوا هذا المنهج في التعاطي مع القرآن، وقد حاول جولدتسيهر في كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي) التشكيك في النص القرآني، حيث اعتبر النص القرآني مضطربًا، وغير ثابت، وعباراته واضحة التحيّز والتعصّب[35].
ت. الشك في إعجاز القرآن: وقد شكّك «جولدتسيهر» بالإعجاز القرآني قائلًا: «إن إعجاز القرآن ليس إلا في تغلبه على الشعر وسجع الكهان وليس معجزًا في ذاته»[36]. و«يرى أن القرآن في مكة ذا قيمة رفيعة، أما في المدينة فقد هبط مستواه»[37].
4- المزلق الرابع: التزوير
وهو من المزالق التي نراها كثيرًا في الدراسات الاستشراقية وبالأخص الدراسات القرآنية. والمقصود بذلك حينما يحذف الباحث كلمة من العبارة محل الاستشهاد، أو يزيد كلمة أو يغير كلمة، أو ينفي كاذبًا وجود نص من النصوص التي استدل بها غيره، حينما يفعل ذلك فهو ما يمكن تسميته بالتحريف والتزييف وأمثلة هذا النوع كثيرة جدًّا.
5-المزلق الخامس: الإسقاط
يعتبر بعض الباحثين أن المستشرقين يكذبون، لا أنّهم يخطئون فقط في عمليات الإسقاط، فيقول هم: «ﻻ يخطئون فقط في كل جملة يقولونها، بل يكذبون، أي أنهم لم يعودوا أحرارًا في أن يكذبوا ببراءة وبسبب الجهل»[38]. وهذه العلميات الإسقاطية على القرآن الكريم وعلومه يمكن النظر إليها من زاويتين:
الأولى: بالنظر إلى هذه العمليات الإسقاطيّة من حيث موضوعاتها، ويمكن تصنيفها إلى موضوعات متعدّدة نذكر منها الآتي:
أ. إسقاط المفاهيم الاستشراقيّة على التعريف بالقرآن الكريم.
ب. إسقاط المفاهيم الاستشراقيّة على تاريخ القرآن الكريم.
ت. إسقاط المفاهيم الاستشراقيّة على العقائد القرآنية.
الثانية: وبالنظر إلى منطلقاتها المذهبية، يمكن تصنيفها إلى المنطلقات الآتية:
أ. المنطلقات الدينية: وتشمل المفاهيم اليهودية والمفاهيم النصرانية.
ب. المنطلقات الفكرية: وتشمل المفاهيم المادية والمفاهيم الصوفية[39].
6- المزلق السادس: الانتقائية
والمقصود بالانتقاء: تفضيل الشيء على غيره، أو الاتيان بالتصرف على الوجه الذي يريد، أو ترجيح تصرف على غيره. وهذا المعنى من الانتقائيّة هو المعنى اللغوى. والانتقاء عند المستشرقين قريب من معناه اللغوي أو العام، وهو الانتقاء من دون الخضوع للضوابط العلمية والمنهجية.
7- المزلق السابع: عكس الحقائق وقلبها
يتمثّل مزلق العكس في أن يأتي الباحث إلى أوثق الأخبار وأصدق الأنباء، فيلقيها –متعمدًا– إلى عكسها، ومن النماذج على ذلك ما فعلة القسّيس المستشرق (لامانس) والذي كان من أكثر المستشرقين سقوطًا في مزلق العكس. فمن بعض تصرفاته في ثوابت السيرة النبوية أو لا أقل ما هو مشهور ومعروف بين المؤرخين ولم يُنقل خلافه ولو في نص واحد تعليقه على ما نُقل عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ حيث نقلت الأخبار: أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يقوم الليل حتى تتورّم قدماه لطول وقوفه في الصلاة. ومع ذلك يقول «لا مانس»: كان محمد نؤومًا[40].
8-المزلق الثامن: الافتراض المسبق
وهو أن يضع الباحث فرضًا ليصل به إلى حلّ مسألة مُعيَّنة، وهي مقولة تُقبل على علَّتها دون إثبات[41].
فإذا كان المستشرقون في منهجهم التشكيكي يشكّكون في الوقائع القطعية، فإنّ ذلك يعود إلى سقوطهم من مزلق الافتراض المسبق، ثم يأخذون النتائج بناء على الافتراضات التي افترضوها، وليس المراد بالافتراض هنا الفرضية البحثية، أي أنني أفترض مجموعة احتمالات للبحث قد أصل إلى صحّتها وقد أصل إلى بطلانها، بل المقصود هو الانطلاق من افتراض معين وجعله هو الحاكم على البحث.
ولعل أبرز حقل قرآني سقط فيه المستشرقون في هذا المزلق هو ترتيب الآيات والسور في القرآن؛ إذ نجد معظم المستشرقين قد أبدوا في مسألة ترتيب الآيات، وانتهوا إلى نتائج غير صحيحة علميًا في حقل القرآنيات بسبب الافتراضات المسبقة.
ثالثًا: نماذج تطبيقية لمزالق المستشرقين حول القرآن الكريم
مزالق المستشرقين في الأساليب البحثية
إذا أردنا استيعاب المزالق التي وقع بها المستشرقون، سواء في مجال الأساليب البحثية، أو الموضوعات القرآنية، فذلك يحتاج إلى مصنّفات عديدة؛ ولذا نكتفي في هذه المقالة ببيان بعض النماذج من كل ما تقدم من المزالق البحثية، وهي ثلاثة مزالق: التأثيرية، الإسقاطية، الانتقائية.
أ. نماذج من مزالق التأثيرية
الأخذ بالنَّزعة التأثيرية قد استخدمه هؤلاء المستشرقون للتشكيك في مصدر القرآن، فهذا الكتاب حسب ادّعاءتهم هو مجرّد تلفيق من الكتب الأخرى ومقتبس من مصادر يهوديّة ومسيحيّة[42].
فإنّ إشكال اقتباس القرآن عن مصادر توراتية أو شبه توراتية في القرآن (وهي التلمود فيما يتعلق باليهودية والأناجيل فيما يتعلق بالمسيحية)، قديم، وتحوّل في بداية القرن التاسع عشر إلى بحث ذي سمات تبدو علمية، وخُصّصت منشورات وكتب لهذا الموضوع، منها ما هو محدود الانتشار، ومنها ما هو واسع الانتشار، وتنقسم هذه الدراسات إلى قسمين:
القسم الأول: كتب أو دراسات ذات اتجاه يهودي أو متعلّقة باليهودية:
نذكر منها الكتب والدراسات الآتية:
- إبراهام جيجر: (ماذا أخذ محمد من النصوص اليهودية؟) بون سنة (1833م) ط2، ليبزج سنة (1902م) إعادة طبع (1999).
- هرتفيك هرشفلد: وله كتب متعدّدة وهي: العناصر اليهودية في القرآن - برلين (1878م)، ومقالة في شرح القرآن - ليبزج سنة (1889م)، وأبحاث جديدة في فهم وتفسير القرآن - لندن سنة (1902م).
القسم الثاني: كتب أو دراسات ذات اتجاه مسيحي أو متعلقة بالمسيحية:
نذكر منها الكتب والدراسات الآتية:
- ريتشارد بيل: أصل الإسلام في بيئته المسيحية - لندن سنة (1926م)، وأعيد طبعه سنة (1998م)، ومقدمة في القرآن - أندنبرج سنة (1953م).
- تور أندريا: أصل الإسلام والمسيحية - أوبسلو سنة (1929م).
ويؤكد هؤلاء الباحثون أنّ محمدًا(صلى الله عليه وآله وسلم)، باعتباره مؤلّفًا للقرآن؛ اقتبس أغلب القصص وعددًا كبيرًا من الصور البيانية وكذلك الحِكم والأمثال، من الكتب المقدّسة أو شبه المقدّسة لدى اليهود والنصاری.
يقول عبد الرحمن بدوي: ولكي نفترض صحّة هذا الزعم، لا بد أن محمدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية، ولا بد أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل نصوص التلمود والأناجيل المسيحية ومختلف کتب الصلوات وقرارات المجامع الكنسية، وكذلك بعض أعمال الأدباء اليونانيين، وكتب مختلف الكنائس والمذاهب المسيحية. هل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذّ لهؤلاء الكتّاب وهو كلام لا برهان عليه.
إنّ حياة النبيّ محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ظهور رسالته وبعدها معروفة للجميع، على الأقل في مظاهرها الخارجية، ولا أحد يمكنه أن يؤكّد أنّ النبيّ محمدًا كان يعرف غير العربية. إذًا كيف يمكن أن يستفيد من هذه المصادر كما يدّعون!
اعتراض ساقط آخر قاله هؤلاء الكتّاب، وهو يعتمد على مجرّد الادعاء والقول إنّ في القرآن انتحالًا، ويحدث ذلك عندما يذكر القرآن حقيقة عامة ذُكرت في الكتب المقدّسة اليهودية والنصرانيّة وقبل ذلك...، وكأنه يجب على القرآن الكريم حتى يكون بريئًا من أي انتحال أن يقول أشياء مخالفة للعلم العام أو الرشاد.
في كل مرة يجد هؤلاء الكُتّاب كلمة أو كلمتين متشابهتين بين القرآن وأي جزء من التوراة، فإنهم ينتهون إلى المطابقة بين القطعتين، ويمكن أن يذهب بهم السخف إلى أبعد من ذلك... ويعتبر (هيرشفيلد) أستاذ هذا الاتجاه العقيم العبثي[43].
ويمكن عرض بعض النماذج التي تُبيّن عدم دقّة، بل عدم صحّة ما ذهبوا إليه، من خلال ما طرحه (هيرشفيلد) كنموذج من عشرات الموارد التي ذكرها، فضلًا عن غيره، تُبيّن كيف يفهم هؤلاء الاقتباس.
سورة النحل
المزمور (104)
التعليق
الآية (۱۱): ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
الآية (14): «المنبت عشبة للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان لإخراج خير من الأرض».
الآية (15): «وخمر تفرح قلب الإنسان لإلماع وجهه أكثر من الزيت وخبز يسند قلب الإنسان».
يتحدث القرآن الكريم عن المطر الذي ينبت الحبوب والزيتون والنخيل بينما يتحدث المزمور عن الله مباشرة ويؤخّر نعمة الخمر، بينما لم يتحدث القرآن مطلقًا عن الخمر تلك التي تحيي قلوب البشر وتلمع وجوههم، وهو كلام يخالف مخالفة صريحة ما قاله الله عز وجل في قرآنه الكريم في سورة البقرة، الآية (۲۱۹) وكذلك في سورة المائدة، الآية (۹۰). المزمور يتحدث عن النباتات بوجه عام فقط، بينما القرآن الكريم يتحدث عن نباتات محددة، وهي الزيتون والنخيل والأعناب.
ويمكن مراجعة النماذج الأخرى، فقد حاول أن يقارن بين سورة النحل، الآية 2 والمزمور 104 الآية 4. وسورة النحل الآية 1، مع المزمور 104 الآية 3، والنحل الآية 11 من المزمور 104 الآية 14، وسورة الرحمن الآية 5-8 والمزمور 136 الآية 8-9 وغيرها من الموارد. وهكذا نجد هذه المشكلة عند شالوم زاوي، وجولدتسيهر، أبراهام جيجر، وغيرهم. وهناك أمثلة أخرى عرضها عبد الرحمن بدوي، يمكن مراجعتها في كتابه «دفاع عن القرآن ضد منتقديه».
ب- نماذج من مزالق الإسقاطية
- إسقاط المفاهيم الاستشراقية على تعريف القرآن الكريم
صدّر اﳌﺴﺘﺸﺮق ﺟﻮﻟﺪتسيهر في ﻛﺘﺎﺑﻪ (ﻣﺬاﻫﺐ اﻟﺘﻔﺴﲑ اﻹﺳﻼﻣﻲ) تعريفًا ﻟﻠﻘﺮآن اﻟﻜﺮﱘ، ﻗﺎل ﻓﻴﻪ: «ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﻛﺘﺎب ﺗﺸﺮﻳﻌﻲ -اﻋﱰﻓﺖ ﺑﻪ ﻃﺎﺋﻔﺔ دﻳﻨﻴﺔ اﻋﱰافًا عقديًا ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻧﺺ ﻣﻨـﺰل أو ﻣﻮﺣﻰ ﺑﻪ-...[فيه] من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في القرآن»[44].
ﰲ ﻛﺘﺎب (اﻟﻌﻘﻴﺪة واﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﰲ اﻹﺳﻼم) يعرّف جولدتسيهر اﻟﻘﺮآن بقوله: «القرآن هو الأساس الأول للديّن الإسلامي، وهو كتابه المقدّس، ودستوره الموحى به، وهو في مجموعه مزيجًا من الطوابع المختلفة اختلافًا جوهريًا، والتي طَبَعت كلا العصرَين الأولين من عهد طفولة الإسلام»[45].
وﻳﻘﻮل ﺑﺮﻧﺎرد ﻟﻮﻳﺲ أﺛﻨﺎء ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ اﻟﻘﺮآن: «ويرى ﻣﻌﻈﻢ اﳌﺆرّﺧﲔ أﻧﻪ ﺳﺠﻞّ أﺻﻴﻞ ﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ محمد وﻧﺸﺎﻃﺎﺗﻪ»[46].
إذا لاحظنا التعاريف السابقة للقرآن، فإننا نجد تأثر هؤلاء بما يحملونه من أفكار يهودية، فجولدتسيهر اعتبر أنّ القرآن الكريم فيه اضطراب وعدم ثبات، وأنه مزيج مختلط من الثقافات المتعدّدة، وليس من عند الله. وهو بذلك ﱂ يستطع الخروج من تأثيرات العقيدة اليهودية، وبتعريفه ذاك ﺃﺭﺍﺩ أن يضفي على القرآن ما أضفاه أصحاب الديانات الأخرى من التغيير والتبديل؛ لأنه على علم بما احتوته الكتب المقدّسة عند اليهود، سواء العهد القديم أم التلمود، من فروق واختلافات بين النُسَخ، وتناقضات في الأخبار واضطراب في الألفاظ والأساليب البيانيّة.
وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺮﻧﺎرد ﻟﻮﻳﺲ ﻟﻠﻘﺮآن الكريم، والذي اعتبر أنّ القرآن هو سجلّ لنشاطات محمد، فهو في نفس الاتجاه والإسقاطات؛ لأنّ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺐ اﻟﻌﻬﺪ القديم ﻫﻮ ﻫﺬا اﻻﻫﺘﻤﺎم اﻟﺬي أﺳﻘﻄﻪ اﳌﺴﺘﺸﺮق ﻋﻠﻰ محتوى اﻟﻘﺮآن، واﳌﺘﻤﺜّﻞ ﰲ ﺗﺴﺠﻴﻞ أﻧﺸﻄﺔ رﺟﺎل اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء وﻏﲑﻫﻢ.
بينما لا تمثّل الآيات المعنية بسيرة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا جزءًا يسيرًا من القرآن، بينما الآيات المتعلقة بقصة النبي موسى هي أكبر بكثير من قصة النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هي أكبر قصة في القرآن الكريم. فقد ذُكر اسم موسى(عليه السلام) 136 مرة في سور متفرقة في كتاب الله عز وجل. بينما ذُكر اسم النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) 4 مرات في القرآن.
إسقاط المفاهيم الاستشراقية على تاريخ القرآن الكريم
يوجد فارق كبير بين القرآن الكريم ككتاب ووحي سماوي وبين الكتب السماوية الأخرى، كالإنجيل والتوارة، ولا يوجد فترة يمكن أن تسمى تاريخًا بالنسبة للقرآن، أي وجود فاصل زمني بين نزول الوحي القرآني وتدوين النص القرآني.
أما النصوص الدينية المقدسة في اليهودية فلها تاريخ طويل يقترب من ثمانمئة عام بين زمن نزول الوحي وتدوينه، أي بين زمن نزول الوحي على النبي موسى(عليه السلام) في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وزمن إخضاع هذا الوحي للكتابة والتدوين على يد عزرا الكاتب في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. وهي فترة طويلة جدًا. فنحن أمام نص له تاريخ تغيّر فيه شكله من النص الشفوي إلى النص الكتابي على يد «عزرا الكاتب». وهذه الفترة سمحت بكلّ أنواع التحريف والتبديل. وكذلك بالنسبة للعهد الجديد، فلكل إنجيل من الأناجيل الأربعة تاريخ.
لم يُكتب للتوراة ولا الإنجيل أن يلقيا الحرص والاهتمام المبكّرَين من أجل حفظ نصوصهما، فعلى حدّ الروايات اليهودية قد حفظ موسى(عليه السلام) نسخة التوراة في تابوت، وعهد إلى أبناء هارون(عليه السلام) بحفظها وتعليمها بني إسرائيل، فتساهل الأحبار من آل هارون في مسألة الرجوع إلى الأصول التوراتية المحفوظة في التابوت في فتاواهم الشرعية؛ ممّا عرّض أحكامها للضياع والتبديل. وبعد وفاة موسى(عليه السلام) بجيلَين أو ثلاث؛ نَهب الفلسطينيون الإسرائيليين واستولوا على تابوت التوراة، ومن ذلك الوقت لم تظهر التوراة حتى عودة أجزاء منها على يد الملك طالوت الذي أرسله الله لمقاتلة الفلسطينيين الوثنيين عام 1020ق.م[47].
وأما الإنجيل، فإنّ النصارى يزعمون أنّه لم يكن سوى تعاليم ووصايا ألقاها المسيح(عليه السلام) شفويًا على حواريّيه، ولم يكن على نحو كتاب تشريعي، ويضيفون بأن الأناجيل الموجودة اليوم ما هي إلاّ من تأليفات الحواريين بعد وفاة المسيح(عليه السلام)[48].
إسقاط المفاهيم الاستشراقية على العقائد القرآنية
الكثير من المفاهيم الدينية، سواء أكانت يهودية أم مسيحية، وقع إسقاطها على العقائد القرآنيّة، ونعرض من هذه المفاهيم ثلاثة: الله، ومحمد، والملائكة:
- إسقاط المفاهيم الدينية اليهودية والنصرانية على مفهوم (الله) سبحانه وتعالى في القرآن الكريم
يؤمن اليهود بإله واحد هو الله، ويعتقدون أن الله خالق كل شيء بلا شريك، وأنه لا شبيه له، ولا يمكن رؤيته، وهو محجوب عن الخلق. وفي سفر التثنية تجد دليلًا توراتيًا على التوحيد يقول: «اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد» (التثنية 6: 4).
ولكن للأسف! تعرّضت هذه العقيدة للتحريف بعد ما تعرّضت التوراة إلى التحريف من قبل أحبار اليهود، فظهرت في سطور هذا الكتاب كلمات تتنافى مع قدسيّة الله، فتارة تقرأ أنّ الله يغضب، وتارة تجد أنّ الناس فعلوا الشر في أعين الرب. وأصبح الرب في التوراة لا يتورّع عن مصارعة أحد أفراد البشر، ويغضب ويغار ويعتب ويحنق وغير ذلك من الصفات التي نسبوها إلى الله تعالى.
وهذا الأمر يعكس بشكل كبير تأثّر أحبار اليهود وكتاب العهد القديم بالعقائد التي سبقت ظهور أنبياء بني إسرائيل، الأمر الذي جعلهم يشبهون الله بذاك الإله البدائي القبلي القديم الذي كان على شاكلة البشر، يحب ويكره، ويحزن ويغار، ويصارع باليد ويطالب بنصيبه من اللحم والشحم والمسكن ككل الناس، كما تذكّرنا بها مرارًا نصوص التوراة..!
ويعكس اسم الرب في اليهودية أيضا تخبطًا شديدًا هم يطلقون عليه «إلوهيم»، وهذه صيغة جمع تعني «الآلهة»، وليس إلهًا واحدًا، وهم يفعلون هذا رغم أنهم أقروا في هذه الفترة بالتوحيد لله، إلّا أنّ ثقافتهم ظلّت عاجزة عن تفادي آثار التعدّديّة التي سيطرت على عقائدهم قبل ظهور الأنبياء.
وفي مرحلة أخرى، يتغاضى بنو إسرائيل عن نطق اسم الرب، فيكتبونه «يهوه»، وينطقونه «أدوناي» أي السيد، أو ينطقونه «هَشِمْ» أي الاسم، وهم يفعلون ذلك تطهيرًا لاسم الرب من أن يُنطَق على لسانهم.
والخلاصة أنّ بني إسرائيل رغم ما هم فيه من ضلال، ورغم بُعدهم عمّا أنزل عليهم في التوراة، إلا أنهم يعبدون إلها واحدًا لا يشركون به شيئًا.
وكان للمستشرق جولدتسيهر قصب السبق في تحريف مدلولات القرآن الكريم عن الله تعالى بإسقاط المفاهيم اليهودية والنصرانية على هذه المدلولات، والتي لا تتفق والعقيدة الإسلامية، ومن ذلك[49]: إسقاطه لمفهوم التجسّد الإلهي عند اليهود والنصارى على التمثيل القرآني لنور الله سبحانه وتعالى بنور المصباح في مشكاة، وهي قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النور: 35)، وهذا الإسقاط نابع من جهل المستشرق بالأساليب البلاغية في اللغة العربية والتي منها التشبيه، ونابع كذلك من تأثّره بمسلك العقائد اليهوديّة.
- إسقاط المفاهيم الدينية اليهودية والنصرانية على ذِكر محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن الكريم
فمن ذلك إقدام عدد من المستشرقين الذين قاموا بترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات أوروبية على ترجمة كلمة (الأُمِّيّ) -التي وصف الله تعالى بها نبيّه محمدًا(صلى الله عليه وآله وسلم)- بـ(نبي الوثنية) أو (نبي الكفرة)، ومن أبرز هؤلاء المستشرقين كلٌّ من: هيننج (Henning) في ترجمته المنشورة عام 1901م، ورودي بارت (Rudi Paret) في ترجمته المنشورة عام 1966، وبلاشير (Blachere) في ترجمته المنشورة في باريس عام 1966، وماسون (Masson) في الطبعة الأولى لترجمتها المنشورة عام 1976[50].
- إسقاط المفاهيم الدينية اليهودية والنصرانية على ذِكر الملائكة في القرآن الكريم
يعتقد المسلمون أنّ جبريل(عليه السلام) من الملائكة المقرَّبين عند الله تعالى، وهو الذي نزل بالوحي الإلهي إلى أنبيائه والصالحين من عباده، وهو الذي بشَّر مريم بنت عمران بعيسىc، وقد وصفه الله تعالى بلفظ (رُوح القُدس).
أما الروح القدس في المسيحية هو من أقانيم الله الواحد، مع أقنوم الله الأب وأقنوم الله الابن، وهذه العقيدة هي عقيدة الثالوث. يؤمن المسيحيون أن الروح القدس هو روح الله الذي يرشد البشر ويكون دليلًا لهم.
وعندما قام المستشرق آربري (Arberry) بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية؛ ترجم لفظ (روح القدس) بـ The Holy Spiritأي: الروح القدس، فجعل (القدس) صفةً بعد ما كانت في القرآن مضافًا إليه، ولم يكن ذلك من آربري إلا لإسقاطه مفهومه العقدي المسيحي على جبريل(عليه السلام) على الرغم من اختلاف عقيدة القرآن واختلاف موقع كلمة (القدس) النحوي. وغير ذلك من الإسقاطات الكثيرة في هذا المجال.
ث. نماذج من مزالق الانتقائية
توجد أشكال وأساليب متعددة انتقائية اعتمدها المستشرقون في دراسة الإسلام ودراسة القرآن تحديدًا، فهم لا يدرسون الإسلام والقرآن بشكل متكامل، وإنما يدرسون منه موضوعات انتقوها، فيهتمّون بالموضوعات التي يرون أنهم يستطيعون توظيفها في مصالحهم الخاصة وتوجّهاتهم الفكرية، وفي بعض الأحيان حسب مشاريعهم الاستراتيجية المخطّط لها مسبقًا لتنفيذ أهداف دينيّة تبشريّة أو استعمارية أو غير ذلك.
فبعض المستشرقين يختارون موضوعات معيّنة من التاريخ الإسلامي، ويبذلون جهدًا كبيرًا في إظهار دورها للمسلمين؛ وذلك بهدف زعزعة مكانة الإسلام في نفوسهم. ومن هذه الموضوعات، مسألة الفرق الإسلامية التي ظهرت في العالم الإسلامي قديمًا وحديثًا، فالصورة التي يقدّمها المستشرقون من خلال الفرق الإسلامية تبدي حالة التفكّك وعدم الوحدة التي يعيشها المسلمون، وتؤكد على اختلافاتهم العقائدية[51]. أو إثارتهم مسألة الظلم الذي تعرّضت له الأقليات في ظلّ الدولة الإسلاميّة بقصد نسبة هذا الظلم إلى الدين الإسلامي، فبنظر بعضهم فإنّ الآية القرآنية: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالله وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْـحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة: 29) فيها حالة توهين وإذلال للأقليات الدينية التي دخلت تحت حكم المسلمين[52]. أو تركيز قسم من المستشرقين على خطوط فكريّة وموضوعات طارئة على مسيرة الإسلام نشأت بعد مدة من عمر الإسلام، كالتصوّف مثلا[53].
وفي هذا الاتجاه سقط المستشرقون في مزالق الانتقائيّة كثيرًا، وأبرزها الانتقاء في استعمال المصادر، ويمكن إيضاح ذلك في النقاط الآتية:
- اعتماد عدد معين ومحدود من مصنفات علوم القرآن دون غيرها:
وهذا أمر يمكن أن يلاحظه كلّ من تتبع بدقة بعض دراسات المستشرقين في القرآنيات، فعدد المصنّفات العربية المتعلّقة بعلوم القرآن المعتمدة من طرف المستشرقين محدودة جدًا، وهي في معظمها كتب جامعة لم تتحرَّ الصحة والنقد والرواية السليمة. وهكذا، نجد أن نولدكه، وبيل، وبلاشير، وبورتون، في معالجتهم لمسألة جمع القرآن الكريم لا يتجاوزون كتب المصاحف لابن أبي داود، والإتقان للسيوطي، والفهرست لابن النديم، في حين لا نجد عندهم اعتمادًا يُذكر على الروايات الصحيحة الواردة في كتب الصحاح والسنن أو في مقدمات المفسّرين عند السنة، فضلًا عن الكتب الروائية والقرآنية عند علماء الإماميّة. فاقتصروا على دراسة تفاسير محددة (الطبري، الزمخشري، ابن عربي...)، ولم يستقصوا بيان مذاهب التفسير كلّها. وقد يكون من حق الباحث أن يسلك هذا الطريق طوال بحثه، وألا يؤمن ببعض المنهج ويكفر ببعضها الآخر، ولو فعل المستشرق ذلك واستقصى جوانب التفسير المذهبي كلها من تشريعية فقهية، إلى لغوية نحوية، أو أثرية موسوعية، من خلال جميع كتب التفسير التي كانت موجودة في وقته -على الأقل- لتكشَّفت له حقيقة مغايرة، وهي أن النص القرآني خصيب متجدّد وثري. فليس سهوًا إذن أن يغفل جولدتسيهر عن آثار أخرى في التفسير، وإنما هو التجاهل المتعمّد ليبدو محصول المسلمين من التفسير في النهاية رذاذًا متناثرًا فرّقته الأهواء الحزبية والفكرية[54].
انتقاء الروايات الضعيفة والشاذّة من مصادر علوم القرآن
لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف في بعض الأحيان وحكموا بموجبه، يقول جواد علي: «واستعانوا بالشاذ ولو كان متأخّرًا، أو كان من النوع الذي استغربه النقدة وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأن هذا الشاذ هو الأداة الوحيدة في إثارة الشك»[55].
- إهمال المصادر القرآنية الأصيلة والاكتفاء بدراسات المستشرقين السابقة
يبدو أن من مزالق المستشرقين الانتقائيّة اعتمادهم مصادر ومراجع معينة، وتعمُّد عدم الاكتراث بموثوقيتها وأولوية بعضها؛ لهذا نجد أن المستشرق الذي يسعى إلى فرض فكرة معينة وتكريسها لا يلقي بالًا إلى المصادر التي تعارض مضامينها ما يذهب إليه، وهو يعمد في الغالب إلى تقديم كتب ثانوية وغير موثوقة على ما هو معروف من كتب موثوقة، وهذا السلوك الخاطئ كفيل بأن يؤدي إلى نتائج مغلوطة وخاطئة. ويبدو أن من أعظم أخطاء هذا السلوك المتمثل في عدم ترتيب المصادر حسب موثوقيتها وقيمتها هو تقديم كتب المستشرقين على غيرها من كتب العلماء المسلمين الأوائل في نقل الروايات، والنصوص القديمة[56].
بالإضافة إلى الانتقائية في المصادر كما تقدم، والاعتماد على المصادر باللغة الاجنبية، وقلة الاعتماد على مصادر باللغة العربية، سواء أكانت أصيلة أم غير أصلية. فإن إطلالة سريعة على «دائرة المعارف الإسلامية» و«الموسوعة البريطانية» و«موسوعة ليدن القرآنية» وغيرها يؤكد صحة هذا الكلام.
ونجد أيضًا أن ثمّة انتقائية مذهبية، فنجد تغييبًا متعمّدًا لنصوص علماء الإمامية وآرائهم، وهذا واضح جدًا في الدراسات القرآنية، وإن كان في غيرها كذلك، ويتم التركيز على علماء السنة فقط، بل للأسف! على الضعيف أو الشاذ من أقوال علماء السنة، والاعتماد على الكتب الضعيفة عندهم، سواء أكان في مجال التفسير وعلوم القرآن أم في مجال الكتب الحديثية.
- التعاطي مع المصدر بعد انتقائه
إنّ الانتقائيّة في انتخاب المصادر واضحة في أبحاث المستشرقين ودراساتهم، وبالأخص في المجال القرآني، ولكن هناك مشكلة منهجيّة أخرى مرتبطة بأسلوب التعاطي مع المصدر نفسه، أي بعد انتخاب وانتقاء المصدر، فنجد إسقاطات كثيرة وخضوعًا للآراء والأهواء المسبقة، وخللًا في فهم اللغة، وغير ذلك؛ وهذه الأمور وإن لم تكن مختصّة بالمصادر القرآنية، ولكنها انعكست أيضًا على المصادر القرآنية. وهذا ما نلحظه في ترجمة القرآن الكريم المنصفة، والتي وإن لم تتعمّد الخطأ، ولكنها أساءت الفهم. فكيف بغيرها من الدراسات التي تعمّدت استخدام المصادر والمناهج المناسبة للكاتب وأفكاره المسبقة، مع أنّ المنهجية العلمية تقتضي اختيار المناهج والمصادر المتناسبة مع المجال البحثي.
2. مزالق المستشرقين في دراسة الموضوعات القرآنية
أ. نماذج من مزالق تعريف القرآن الكريم
هناك تعاريف متعددة ذكرها المستشرقون للقرآن الكريم، ومنها ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية، وهو يكشف بعضًا من اتجاه هولاء في تعريفهم للقرآن بناء على خلفيات مسبقة في هذا المجال.
- تعريف القرآن في دائرة المعارف
المادة التعريفية كتبها المستشرق «ف. بول» وقد عرض هذه المادة في ثلاث عشرة صفحة ذكر في أولها أن القرآن هو كتاب المحمديين المقدّس، ثم قسم حديثه عن القرآن إلى عدة أقسام جعلها على شكل فقرات مرقّمة بلغت اثنتين وعشرين فقرة، وتختصر هذه المادة التعريفية أغلب الآراء حول القرآن الكريم التي كانت سائدة في الدراسات الاستشراقية القديمة؛ لأن هذه المادة التعريفية للقرآن الكريم تناولته من أبعاد مختلفة كما سنبيّن.
- تعريف القرآن
القرآن هو: كتاب المحمديين المقدّس وضعه النبي من عند نفسه، اتهم فيه اليهود بأنهم حرَّفوا التوراة، وأنهم يكتمون ما أنزل الله به من البيّنات والهدى، واتّهم فيه النصارى بأنهم حرَّفوا الإنجيل، وأنهم حرَّفوا الآيات الشاهدة على صدقه[57]، وقد جمعه من القصص السريانية، والأساطير اليهودية، والتوراة، والزبور والتلمود[58]، والهاجاداة[59]، ومشناه سنهدرين[60]، وسفر التكوين، ومصادر يهودية متأثرة بالإيرانية، وسفر إستير[61]، وسفري الملوك وسفر الخروج، وسفر التكوين، والإنجيل، وإنجيل صُبُوَّة المسيح، وإنجيل لوقا، وأعمال الرسل، وقصة الإسكندر، وملحمة جلجامش[62].
القرآن كان في الحقيقة كتابًا محجوبًا، وأنّ النبي سمع صوت الله ولم يقرأ شيئًا، وأنه يجب علينا أن نتخيل أن الله قد قرأ حقيقة على النبي من الكتاب السماوي.
وقد وقع فيه اختلاف بين نسخه من ناحية ترتيب آياته وسوره، وتمكّن الشيطان من تخليطه، ونسي الرسول من آياته عددًا، وجاء فيه بأخبار متناقضة سعى المفسّرون للتخلّص منها، ويحتوي على عدد من الإضافات التفصيلية وانتقال الجمل والتحريفات غير الضارة، وأعيدت صياغته، فانتهى إلى صورته الحالية بعد أن فقد كمّية كبيرة من الوحي المبكر[63].
فالقرآن حسب دائرة المعارف الإسلامية هو عبارة عن:
- كتاب بشري من صنع النبي محمد.
- ملفّق من مصادر متعددة.
- محرّف فقد فُقدت منه آيات ثم أعاد المسلمون صياغته[64].
ب. نماذج من مزالق ترجمة القرآن الكريم
إن الغالبية العظمى من المستشرقين هم حاقدون على الإسلام، ومتعصّبون لأفكارهم الدينية، أمثال: القسيس وهيري، وجورج سيل، وروديل، وبامر، وغيرهم. وليس مستغربًا أن يكون عنوان أول ترجمة إنجليزية للقرآن المنقولة عن الترجمة الفرنسية هو: Mahomet of Alcoran أي قرآن محمد للكاتب الإنجليزي ألكزندر روس (Alexander Ross) وغيرهم، ولبيان مدى حقد هولاء وتعمّدهم تشويه الحقيقة نذكر نموذجًا على ذلك:
ترجمة آرثر ج. آربري
ترجمة روديل (Rodwell)
ترجمة قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ إلى: so pray unto thy Lord and sacrifice وهي ترجمة صحيحة.
ترجم: and slay the victims أي (أقتل الضحايا)[65].
وقد ذكر الباحثون أمثلة كثيرة من واقع ترجمات المستشرقين المحرّّفة، ومن ذلك ما ذكره صالح البنداق من وجوه التشويه، وهي كالآتي:
- القيام بالترجمة الحرّة كما يراه المترجم وتحاشي الترجمة العلمية للقرآن كما تقتضيه آياته وألفاظه.
- التقديم والتأخير والحذف والإضافة.
- إزاحة الآيات القرآنية من مكانها التوقيفي لتضليل القارئ وإبعاده عن الإحاطة بحقيقة النص القرآني[66].
يقول محمد رشيد رضا، صاحب تفسير المنار، إن: «ترجمات القرآن التي يعتمد عليها علماء الإفرنج في فهم القرآن كلها قاصرة عن أداء معانيه التي تؤديها عباراته العليا وأسلوبه المعجز للبشر»[67].
فالترجمة اللاتينية الأولى للقرآن (ترجمة بطرس الموقر) التي تمّت عام 1143م، اضطلعت فقط بتقديم مضمون الفكرة، ولم تكترث بأسلوب الأصل العربي وصياغته، وقام الدافع التنصيري حائلًا أمام الوفاء بتحقيق هذا الغرض[68].
وقد كانت هذه الترجمة مشوّهة الأصل وانبعثت منها الترجمات الأخرى؛ فمنها نبعت الترجمة الإيطالية الأولى التى أشرف عليها أريفابيني عام 1547م، وفي سنة 1616م ترجمها سالمون شفايجر إلى الألمانية عن الإيطالية، وعن الألمانية إلى الهولندية في سنة 1641م[69].
وعن هذه الترجمة اللاتينية الأولى وضع الحاخام اليهودي يعقوب بن إسرائيل أول ترجمة بالعبرية عام 1634م[70].
وقد وقعت في ترجمات القرآن الكريم إضافات على النص الأصلي وتصرّف في ترتيبه، وهي كالآتي:
- الإضافة على النص القرآني
لم يكتفِ هولاء بتشويه النص القرآني، بل قاموا بوضع إضافات خاصة من عندهم أو من نصوص التوارة. وتقول احدى الباحثات حول ترجمات القرآن الفرنسية: «رجعت إلى خمس وعشرين ترجمة للقرآن بالفرنسية، فوجدتها كلها محرَّفة، وتضيف نصوصًا من التوارة إلى آيات القرآن الكريم دون الإشارة إلى ذلك»[71].
- التصرّف في سور القرآن بالتقديم والتأخير
وممن قام بهذا الفعل المستشرق رودويل، في الطبعة الأولى من ترجمته عام (1886م/ 1304ﻫ)، فقد رتّب السور على ترتيب زمني حسب نزولها، فبدأ بسورة العلق واختتم بسورة المائدة، وزعم أن هذا الترتيب التاريخي يعطي صورة صحيحة وواضحة لسيرة الرسول العقلية والتطورات الجارية في النظريات القرآنية. أما في توزيع السور على تواريخ نزولها، فقد كان اعتماده على بحث نولدكه (Nöldeke) في كتابه: (تاريخ القرآن) (Geschichte des Qurans).
- إضافات جديدة
أضاف بعض المترجمين بجانب القرآن مقدمات وملاحق محرفة لكلام الله، وهي عبارة عن مقدمات تفسيرية وملاحق شارحة، لا لمضمون النص المترجَم، بل مناقشات ضدّ أصالة القرآن، وسخرية من محتواه.
وهكذا فقد تضمّنت الترجمة اللاتينيّة الأولى (ترجمة بطرس الموقر) التي قام بها الراهب الإنجليزي روبرت الرتيني، والراهب الألماني هرمان الدالماني، عددًا من المقدّمات والملاحق سميت بمجموعة (دير كلوني)، وهي[72]:
خطاب بطرس إلى بيرنهارد (القديس برنار دي كليوفر).
مجموعة مختصرة من الوثائق الشيطانية المضادة للطائفة الإسلامية الكافرة.
مقدمة روبرت الرتيني.
(تعاليم محمد) لهرمان الدالماني.
(أمة محمد ونشوزها) لهرمان الدالماني.
تاريخ المسلمين (أخبار المسلمين المعيبة المضحكة).
والترجمة اللاتينية التي قام بها الراهب الإيطالي لودوفيجو مرّتشي 1698م بموافقة البابا أنوسنت الحادي عشر، جاءت الترجمة في قسمين:
يشتمل القسم الأول على النص العربى للقرآن مع ترجمته اللاتينية وحواشي جزئية للرد على بعض المواضع، ويشتمل القسم الثاني على كتاب: (الرائد إلى الرد على القرآن)[73].
أما ترجمة جورج سيل الإنجليزية التي ظهرت في لندن عام 1734م وأعيد طبعها أكثر من ثلاثين مرة، فقد تضمنت مقدمة جدلية ضد القرآن وُصفت في أدبيات التنصير بأنها قيِّمة، وأنها أفضل وصف موضوعي للإسلام[74]. ويمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات على هذه الترجمة نذكر أهمها:
استخدام مصطلحات مسيحية في الترجمة.
إدخال عبارات تفسيرية وتأويلية تستهدف تحريف المعاني.
إسقاط ألفاظ من الأصل أو عبارات كاملة.
إدخال عبارات إضافية ليس لها أي علاقة بالأصل.
إدخاله تفاسير وتعليقات في الترجمة مبنيّة على الظن أو على روايات غير صحيحة.
هذه بعض شوائب هذه الترجمة والتي هي من أشهر الترجمات الإنجليزية للقرآن الكريم، ونبيّن بعضًا من هذه النماذج السيئة لهذه الترجمة:
قد يسقط بعض الكلمات مثل إسقاطه لكلمة ﴿الرَّحِيمِ﴾ في ترجمة البسملة، فيكتب في ترجمته:
- In the Name of the Most Merciful God، ومعناها «بسم الله ذي الرحمة للغاية»، ويفعل ذلك في كل مكان تقع فيها الكلمتان ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
إدخال بعض العبارات المسيحية كما فعل ذلك في ترجمة ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ (البقرة: 3).Who believe in the mysteriesof the faith. ومعناها: «الذين يؤمنون بأسرار العقيدة». وهذه ليست ترجمة لمعنى كلمة الغيب والتي هي واضحة في اللغة العربية، وهو ما يقابل عالم «الشهادة»، وهو ما لا تناله الحواس، أما ترجمة «سيل»، فهي تتناسب مع مصطلح مسيحي، وهو «سرّ القربان المقدس».
تغير المعنى حتى للكلمات الواضحة مثل ترجمة: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ (البقرة: 10). ترجمها: because they have disbelieved «أي لأنهم لم يؤمنوا».
قد لا يفهم العبارات العربية بطريقة صحيحة، كقوله تعالى ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ (الكهف: 26)، فكيتب معناها: do thou make him to see and to hear. هذا فعل التعجب، ولكن سيل ظنّ أنه أمر للنبيs، وعلّق على ذلك بقوله: «هذه عبارة سخرية تدل على سفاهة تعليم الإنسان لله».
قد يدخل كلمة أو أكثر لتغيير المعنى مثل ترجمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ (البقرة: 21) بقوله: O men of Mecca يعني «يا أهل مكة» أو ترجمة ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ﴾ (البقرة: 143)، We make you O Arabians، وهكذا فعل في موارد أخرى ليثبت أن القرآن الكريم والإسلام يخصّان العرب.
قد يأتي بمعنى بعيد كل البعد عن الصحة فمثلًا يترجم ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ (البقرة: 212). The present life was ordained for those who believe not يعنى «قدرت أو قضيت الحياة الدنيا للذين كفروا».
هناك مئات من الأخطاء في ترجمة «سيل»، ولكن رغم ذلك تم تداولها أكثر من قرنين من الزمن؛ وذلك لأنها تخدم الأهداف التي وُضِعت من أجلها. تغير الأمر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر طبعًا، فظهرت ترجمات أخرى للقرآن الكريم بشتى اللغات الأوروبية[75].
ت. نماذج من مزالق فهم الوحي
- الوحي القرآني في نظريات المستشرقين[76]:
- ورد في (موجز دائرة المعرف الإسلامية)[77] تحت عنوان: محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن ما نصّه:
- لا توجد إشارة قط إلى مصدر الوحي أو صيغة المتكلم في السور والآيات التي يظهر أنها أقدم ما نزل من القرآن.
- يبدو من بعض الآيات أن محمدًا هو المتحدث.
- من غير المستبعد أن يكون محمد في بعض الأحيان يكتب بنفسه ما يوحى إليه[78].
هناك آراء متعددة حول الوحي المحمدي أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثين رأيًا، ولكن يمكن إجمالها بالنقاط الآتية:
- اتهام الصادق الأمين بالكذب
الاتهام المباشر للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) -والعياذ بالله- بالكذب وأنه افترى القرآن من عند نفسه، ونسبه إلى الله تعالى.
عرض المستشرقون جملة من الشبهات على الوحي، وعند مراجعة كلامهم، نجد أن أكثرهم يؤكدون فكرة واحدة، وهي أنّ «القرآن من صنع النبي محمد»، ومن هذه الأقوال نذكر:
يقول مونتغري وات: «إنّ محمّدًا لم يكن يؤمن بما كان يوحى إليه، وأنه لم يتلقَّ الوحي من مصدر خارجي عنه، بل إنّه ألّف الآيات عن قصد ثم أعلنها للناس بصورة خدعهم بها وجعلهم يتّبعونه، فضمن لنفسه بذلك ما يرضي طموحه...»[79].
يقول ماكدونالد: «القرآن ليس من عند الله»[80]، وقريب منه قول ويلز: «محمد هو الذي صنع القرآن»[81] وغيرها من الأقوال التي تؤكد نفس الفكرة.
- الوحي حالة باطنية عند الرسول وقد عبروا عنها:
- الوحي حالة نفسية (الوحي النفسي).
- أنه الانفعال العاطفي (النوبات الانفعالية).
- التنويم الذاتي.
- تجربة ذهنية.
- حالة مرضية كالصرع الهستيري.
- نوع من الهوس المرضي.
يقول جولدتسيهر إنه «خلال النصف الأول من حياته اضطرته مشاغله إلى الاتصال بأوساط استقى منها أفكارًا ... في قرارة نفسه وهو منطوٍ في تأملاته أثناء عزلته، ولميل إدراكه وشعوره للتأمّلات المجردة التي يلمح فيها أثر حالته المرضية، نراه ينساق ضد العقلية الدينية والأخلاقية لقومه الأقربين والأبعدين»[82].
- عبقرية محمد، هي التي مكّنته من وضع القرآن على هذه الهيئة.
- أن محمدًا ليس رسولًا من عند الله، وإنما هو رجل ذكي أتى بنوادر الأعمال الإنسانية، ثم انتحل صفة الرسالة والرسول.
- مناجاة روح الخداع والحماسة التي لا تقطن السماء، وإنما تسكن عقلَ النبي.
- نبوة الرسول ليست وحيًا، وإنما هي فكرة بشرية تتطور في نفس صاحبها.
القرآن ليس وحيًا أصلًا، بل هو صنع محمد بتأثيرات خارجية، فهو:
- من إملاءات الكهنة والمنجمين.
- جمعه من البيئة المكية.
- من الديانة اليهودية والنصرانية والبيئة الجاهلية.
يذهب بروكلمان إلى أن القرآن ناتج عن أمرين الأول: الأفكار التي كوّنها النبي. والثاني، ما استقاه من الديانتين اليهودية والنصرانية. ويقول في هذا المجال: «لم يكن عالمه الفكري من إبداعه الخاص إلا جزءًا صغيرًا، فقد انبثق في الدرجة الأولى عن اليهودية والنصرانية»[83].
يقول: جرجس سال: «اجتمع في جزيرة العرب عدد وافر من الفرق المختلفة الأسماء لجأوا إليها هربًا من اضطهاد القياصرة، فأدخل محمد كثيرًا من عقائدهم في دينه، أما اليهود الذين كانوا أذلًاء لا يعتدّ بهم فقد قويت شوكتهم في بلاد العرب، حيث لجأ كثير منهم على أثر خراب بيت المقدس وهوّدوا كثيرًا من ملوك العرب، ولذا كان محمد في بادئ أمره يداريهم، حتى أنه أخذ عنهم كثيرًا من مقالاتهم ورسومهم تآلفًا لهم لعلهم يشايعونه»[84].
- أخذه من غيره، وهذا الغير مختلف فيه بين أفراد وجماعات، كاليهود والنصارى أو بعض المؤمنين من أهل الكتاب.
ينقل المستشرق الروسي أليكس -مشككًا- قصة أن النبي أخذ من الراهب بحيرا أثناء سفره إلى الشام: «إن محمدًا كان في البداية تلميذًا للراهب النسطوري سرجيوس بحيرا، زاعمين أنه تلقى منه بعض المعلومات الأساسية من التوراة والإنجيل»[85].
وبعضهم ذهب إلى أنه من المحتمل أنّ النبي قد تعلّم من ورقة بن نوفل، يقول مونتغري وات: «كانت خديجة ابنة عم رجل يدعى ورقة بن نوفل بن أسد، وهو رجل متدين اعتنق أخيرًا المسيحية، ولا شك أن خديجة قد وقعت تحت تأثيره، ويمكن أن يكون محمد قد أخذ شيئًا من حماسه وآرائه»[86].
- القرآن شعر أو سحر
يقول مونتيه: «إن أسلوب القرآن أسلوب شعري مقفّى، غير أن هذا الأسلوب الشعري ينحصر في السور المكية، خصوصًا القديمة جدًا منها، دون السور المدنية... إلى أن يقول: المقطع الشعري يتبعه تقسيم منظم، فهو مجموعة أبيات في نظام محدد، تحدث بروابطها ورجوعها انطباعًا لطيفًا في الأذن»[87].
ويرى «ريجس بلاشير» أن لغة القرآن تشبه لغة الشعر العربي الأصيل في إيقاعه وحركاته وسجعه وقافيته[88]... ويقول المستشرق البلجيكي «هنري لامانس»: «إن كل آية تنتهي بسجع يقوم مقام القافية، هذه القافية من جنس خاص تسمى السجع، كانت سابقًا مستعملة عند الكهّان الوثنيين العرب، وكانت مستعملة بحرية أكثر وبتسامح في البحور العروضية»[89].
- القرآن صياغة جديدة للكتب المقدسة
يعتبر بعض المستشرقين القرآن الكريم صياغة عربية جديدة لما ورد في التوراة والإنجيل، وليس وحيًا من عند الله تعالى. يقول «مكسيم رودنسون» في كتابه محمد: «إن قصص القرآن ما هي إلا ترديد لما تعلمه محمد وسرقه من الأديان السابقة، ومن الكتب اليهودية». ويرى «ريتشارد بل»، مؤلف كتاب (مقدمة القرآن)، «أن النبي قد اعتمد في كتابه القرآن على الكتاب المقدس، وخاصة على العهد القديم في قسم القصص...»[90].
الخاتمة
إن ما نرمي التأكيد عليه في ختام هذه المقالة، هو بيان الخواء المنهجي الذي وسم أعمال المستشرقين تجاه القرآن الكريم، و تهافت النتائج التي أدركوها، وذلك من خلال الإضاءة على المزالق الخطيرة التي وقع بها هؤلاء، والتي نعتقد أنّ أغلبها عن عمد وتصميم مسبق؛ وذلك بسبب الدوافع السياسيّة، والدينيّة، والنفسيّة، التي دفعتهم لدراسة القرآن الكريم. ويمكن تلخيص ما ورد في هذه المقالة في النقاط الآتية:
- الدافع الديني يعتبر من أهم الدوافع لدراسة القرآن الكريم وعلومه، وتأتي بعده الدوافع الآخرى.
- المنهج الاستشراقي ركّز على: نفي النبوة، وإنكار ظاهرة الوحي، ونفي الخصوصية عن دين الإسلام.
- جهل كثير من المستشرقين بحقائق الإسلام أدى بهم إلى كثير من الأخطاء في استنتاجاتهم العلمية.
- الحكم المسبق على الإسلام، وإنكار كثير من المسلّمات التي يرتكز عليها الفكر الإسلامي، جعل أكثر الناتج الاستشراقي غير علمي.
- هناك مزالق ومعاثر متعددة تورّط فيها المستشرقون في دراساتهم للقرآن الكريم منها: التأثيرية، الانشطارية، التزوير، الشك، الإسقاط، الانتقائية، العكس، الافتراض.
- في تعريف القرآن، تقوم الدراسات الاستشراقية في عمومها على عدّ القرآن الكريم نتاجًا بشريًا، فهم لا يؤمنون بأنّ القرآن وحي إلهي.
- من معاثر المستشرقين في التعاطي مع المصادر القرآنية سجّلنا عدة ملاحظات، منها: اعتماد عدد معين ومحدود، انتقاء الروايات الضعيفة والشاذّة، إهمال المصادر القرآنية الأصيلة.
- إن ترجمات المستشرقين لمعاني القرآن الكريم -في غالبها- ترجمات غير أمينة، ولا يمكن أن تعبّر عن المعاني الحقيقية للقرآن، بل تشوّه معانيه وتحرّفها؛ لأنها تنطلق من اعتقاد أساسي راسخ عند هؤلاء المترجمين، وهو رفض حقيقة أن القرآن منزَّل من عند الله، والادعاء أنه تأليف النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).
- عند مراجعة الأبحاث والدراسات التي كتبها المستشرقون حول ﻣﺼﺪر اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ، نجد أن موقفهم متفق في الأغلب على مسألة واحدة، وهي: نفي أي العلاقة بين هذا الكتاب والسماء، أي التعامل مع القرآن على أنه نتاج بشري وليس كتابًا سماويًا. بالنتيجة تهدف هذه الدراسات إلى التشكيك بحجّيّة القرآن.
- مناشئ القول بتحريف القرآن الكريم عند المستشرقين: قياس القرآن على الكتب السماويّة السابقة، والأهداف التبشيريّة والسياسيّة، وجود بعض الروايات الضعيفة حول تحريف القرآن الكريم.
لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم
ابن زكريا، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، لا.ط، 1404هـ.
ابن نبي، مالك، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، مجلة الفكر العربي، العدد 32، السنة الخامسة، 1983م.
أبو خليل، شوقي، الإسقاط في مناهج المستشرقين والمبشرين، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط1، 1998م.
أبو شهبة، محمد، المدخل لدراسة القرآن الكريم، دار اللواء، الرياض، ط3، 1978م.
أجنتس جولدتسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة: عبد الحليم النجار، دار اقرأ، لا.ط، 1403هـ، 1983م.
أحمد، إبراهيم خليل، الاستشراق والتبشير، مكتبة الوعي العربي، لا.ط، 1974م.
آربري، المستشرقون البريطانيون، ترجمة: محمد الدسوقي النويهي، لندن، وليم كولينز، 1946م.
إسماعيل، علي محمد، الغزو الفكري التحدي والمواجهة، القاهرة، دار الكلمة، ط2، 2011م.
البنداق، محمد صالح، المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1403هـ-1983م.
البهي، محمد، الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط6، 1982م.
التميمي، حيدر قاسم مطر، الجهاد الإسلامي في الدراسات الاستشراقية دراسة تحليلية نقدية، مجلة دراسات استشراقية المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية في العتبة العباسية المقدسة، العدد 10، السنة الرابعة - شتاء 2017م/ 1438هـ.
الحمد النملة، إبراهيم، الاستشراق والدراسات الإسلامية، الرياض، مكتبة التوبة، 1418هـ.
الزيادي، محمد فتح الله، ظاهرة انتشار الإسلام وموقف بعض المستشرقين منها، طرابلس، الجماهيرية العربية الليبية، ط1، 1983م.
السباعي، مصطفى، الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1405هـ-1985م.
الشاهد، محمد، الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين، الاجتهاد، العدد 22، السنة السادسة، 1994م.
العامة للكتاب، ط3، لا.ت.
العاني، عبد القهار، الاستشراق والدراسات القرآنية، بغـداد، مطبعة العاني، 1973م.
المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ط1، 1417هـ.
الميداني، عبد الرحمن حسن جنبكة، أجنحـة المكـر الثلاثة وخوافيها: التبشير-الاستشراق-الاستعمار، دمشق، دار القلم، ط8، 2000م.
أليكس جورافسكي، الإسلام والمسيحية، سلسلة عالم المعرفة، 215، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
بدوي، عبد الرحمن، دفاع القرآن ضد منتقديه، ترجمة: كمال جاد الله، الدار العالمية للكتب والنشر، لا.ط، لا.ت.
بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1993م.
بري، باقر، إضاءات على كتاب الاستشراق لإدوار سعيد، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2002.
تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر وآخرون، دار النشر جورج ألمز، هلدسهايم، زيورخ، المانيا، ط4، 2000م.
جوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، دار الكتب المصرية، 2018م.
جولدتسيهر، مذاهب التفسير، ترجمة: عبد الحليم النجار، مصر مكتبة الخانجي وبغداد مكتبة المثنى، مطبعة السنة المحمديّة، لا.ط، 1955م.
جولدتسيهر، العقيدة واﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﰲ اﻹﺳﻼم، ترجمة: محمد موسى وآخرين، دار اﻟﻜﺘﺐ اﳊﺪﻳﺜﺔ، اﻟﻘﺎﻫﺮة، ط2، لا.ت.
حسن، محمد خليفة، آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، ط1، 1997م.
حسن، محمد خليفة، دراسة القرآن الكريم عند المستشرقين في ضوء علم نقد «الكتاب المقدس»، لا.ط، لا.ت.
حمد، عبد الله خضر، القرآن الكريم وشبهات المستشرقين، بيروت، دار الكتب العلمية.
حمدان، عبد الحميد صالح، طبقات المستشرقين، مكتبة مدبولي، ليبيا، ط1، 1995م.
رضا، رشيد، الوحي المحمدي، المكتب الإسلامى، دمشق، 1391هـ-1971م.
رضوان، عمر بن ابراهيم، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره، دار طيبة، الرياض، لا.ط، لا.ت.
زقزوق، محمود حمدي، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، دار المنار، ط2، 1989م.
ساب، هيثم بن عبد العزيز، دراسة لترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية للمستشرق الإنجليزي آرثر ج. آربري، لا.ط، لا.ت.
سال، جرجس، مقالة في الإسلام، ترجمة وتحقيق: هاشم العربي، منشورات أسمار، سلسلة الإسلام من منظور آخر، ط1، 2006م.
سالم الحاج، ساسي، نقد الخطاب الاستشراقي، دار المدار الإسلامي، بيروت، ط1، 2002م.
سرائب، محمود علي، القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية- دراسة تقويميّة نقديَة، العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، النجف، ط1، 2021م.
سرائب، محمود علي، المستشرق المجري أجنتس جولدتسيهر دراسة نقدية لمشروعه القرآني، العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، النجف، ط1، 2022م.
شاخت، جوزيف؛ كليفوردبوزورث، تراث الإسلام، ترجمة: د محمد زهير السمهوري؛ د.حسن مؤنس؛ د.إحسان صدقي؛ تعليق وتحقيق: د شاكر مصطفى، مراجعة: د. فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1978م.
عبد الحميد، محمد عامر، منهج الإسقاط في الدراسات القرآنية عند المستشرقين: دراسة تحليلية منهجية، لا، ط، لا.ت.
عبد السلام طويلة، عبد الوهاب، الكتب المقدّسة في ميزان التوثيق، دار السلام، القاهرة، ط2، 2002م.
عبد المحسن، عبد الراضي، الغاره التنصيرية على أصالة القران الكريم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1، 1421هـ.
عزوزي، حسن، آليات المنهج الاستشراقي في الدراسات الإسلامية، المغرب، لا. ط، لا.ت.
علي الصغير، محمد حسين، المستشرقون والدراسات القرآنية، دار المؤرخ العربي، بيروت، ط1، 1999م.
علي الصغير، محمَّد حسين، دراسات قرآنيَّة: مكتب الإعلام الإسلامي، ط2، 1413هـ. ق.
علي محمد، اسماعيل، الاستشراق بين الحقيقة والتضليل، القاهرة، دار الكلمة، ط6، 2014م.
علي، جواد، تاريخ العرب في الإسلام، دار الحداثة، بيروت، ط2، 1988م.
علي، محمد مهر، مزاعم المستشرقين حول القرآن الكريم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، لا.ط، 1421هـ.
غراب، أحمد عبد الحميد، رؤية إسلامية للاستشراق، المنتدى الإسلامى، لندن، لا.ط، 1411هـ.
كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: منير البعلبكي؛ نبيلة أمين فارس، دار العلم للملايين، بيروت، 1968م.
كوهين، مارك.ر، بين الهلال والصليب وضع اليهود في القرون الوسطى، ترجمة: إسلام ديه؛ معز خلفاوي، الجمل، بغداد، ط1، 2007.
مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط4، 2008م.
محمد الأمين، عبد الله، النعيم: الاستِشراق في السيرة النبوية دراسة تاريخية لآراء (وات-بروكلمان-فلهاوزن) مقارنة بالرؤية الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، لا.ط، 1997.
محمود الديب، عبدالعظيم، المنهج في كتابات المستشرقين، لا.ط، لا.ت.
مراد، يحيى، أسماء المستشرقين، بيروت، دار الكتب العلمية، 2004.
مطبقاتي، مازن بن صلاح، الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي (دراسة تطبيقية على كتاب برنارد لويس)، الرياض، لا.ط، 1995م.
مكسيم رودنسون، الصورة الغربية والدراسات الغربية الإسلامية في تراث الإسلام، تصنيف شاخت وبوزورث، ترجمة: محمد زهير السمهوري، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، شعبان/ رمضان 1398هـ- أغسطس 1978م.
مونتجمري وات، تأثير الإسلام على أوربا في العصور الوسطى، الموصل، 1982م.
مونتنغري وات، محمّد في المدينة، تعريب: شعبان بركات، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، لا.ط، لا.ت.
هرماس، عبد الرزّاق بن اسماعيل، الدراسات القرآنية عند المستشرقين خلال الرّبُع الأول من القرن الخامس عشر الهجري، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد السادس، السنة الثالثة.
وليم مونتجمري وات، محمد في مكة، ترجمة: عبد الرحمن عبد الله الشيخ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م.
يوهان، فوك، تاريخ حركة الاستشراق، نقله عن الألمانية: عمر لطفي العَالم، طرابلس، دار المدار الإسلامي، ليبيا، ط2، 2001م.
------------------------------------
[1](*)- باحث في الفكر الإسلامي وأستاذ حوزويّ، لبنان.
[2]- ينظر: سورة يس، الآية 69.
[3]- ينظر: سورة الفرقان، الآية 1، سورة الشعراء، الآية 192 و195.
[4]- ينظر: سورة القيامة، الآية 16.
[5]- ينظر: سورة الحاقة، الآيات 44-46.
[6]- ينظر: سورة النساء، الآية 166.
[7]- ينظر: سورة البقرة، الآية 24.
[8]- محمود حمدي، زقزوق، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، ص18.
[9]- جوزيف شاخت؛ كليفوردبوزورث، تراث الإسلام، ص64.
[10]- علي محمد، إسماعيل، الغزو الفكري التحدي والمواجهة، ص214؛ الأمين، عبد الله محمد، النعيم، ص16.
[11]- سالم الحاج، ساسي، نقد الخطاب الاستشراقي، ص20.
[12]- عبد الله، خضر حمد: القرآن الكريم وشبهات المستشرقين، ص17.
[13]- العاني، عبد القهار، الاستشراق والدراسات القرآنية، ص10.
[14]- ينظر: مونتجمري وات، تأثير الإسلام على أوروبا في العصور الوسطى، ص119.
[15]- م.ن، ص123.
[16]- ينظر: زقزوق، محمود حمدي، الاستشراق والخلفية الفكرية، ص5.
[17]- الزيادي، محمد فتح الله، ظاهرة انتشار الإسلام وموقف بعض المستشرقين منها، ص117.
[18]- ينظر: التميمي، حيدر قاسم مطر، الجهاد الإسلامي في الدراسات الاستشراقية دراسة تحليلية نقدية، مجلة دراسات استشراقية المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية في العتبة العباسية المقدسة، العدد 10.
[19]- الميداني، عبد الرحمن حسن جنبكة، أجنحـة المكـر الثلاثة وخوافيها: التبشير-الاستشراق-الاستعمار، ص372.
[20]- هناك مستشرقون متعصبون وخطرون على الإسلام، أمثال: جولد تسيهر: مجري، وبودلي: إنجليزي، ولامنس (1862-1937): فرنسي، وزويمر (1867–1952)، وماكدونالد (1863-1943)، وجوستفاف فون جرونياوم، وغيرهم. وهناك مستشرقون منصفون، أمثال: المستشرقة الإيطالية (لورا فاغليري)، والمستشرق السويسري (روجيه دو باسكويه)، والمستشرق الفرنسي (موريس بوكاي)، والمستشرق الألماني جوته «Goethe»، والمستشرق البريطاني توماس كارلايل «Th. Carlyle»، والمستشرقة الألمانية زيغريد هونكة (سيجريد هونكه)، والمستشرق المجري «جيولا جرمانوس»، والشاعر الفرنسي المعروف «لامارتين»، وغيرهم. وهناك مستشرقون مهتدون أي اهتدوا إلى نور الإسلام أمثال: ميشو - بللر: فرنسي، وجوهن لويس بوركهارت (1784-1817): سويسري، وفريتس كرنكوف (1872-1953): ألماني، وعبد الكريم جرمانوس: مجري، وغيرهم. ولكن لو قمنا باستقراء سريع للموسوعات التي كُتبت عن حياة المستشرقين كموسوعة المستشرقين لعبد الرحمن بدوي، أو موسوعة نجيب العقيقي، أو غيرهما، سنجد أن هولاء المنصفين فضلًا عن المهتدين هم قلة قليلة إذا قيست إلى جمهور المستشرقين.
[21]- ينظر: جوستاف لوبون، حضارة العرب، ص145.
[22]- ساسي الحاج، الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية، ج1، ص6-7.
[23]- جولد تسيهر، مذاهب التفسير، ص45.
[24]- الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية، م.س، ج1، ص378.
[25]- أحمد، إبراهيم خليل، الاستشراق والتبشير، ص67.
[26]- انظر: علي، محمد مهر، مزاعم المستشرقين حول القرآن الكريم، ص3.
[27]- هرماس، عبد الرزاق بن اسماعيل، الدراسات القرآنية خلال الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، العدد السادس، السنة الثالثة.
[28]- مزاعم المستشرقين حول القرآن الكريم، م.س، ص4.
[29]- ينظر: البهنسي، أحمد صلاح، (مصادر يهودية بالقرآن) للمستشرق شالوم زاوي عرض وتقويم، نقلًا عن:
https://tafsir.net
[30]- مزاعم المستشرقين حول القرآن الكريم، م.س، ص4.
[31]- مزاعم المستشرقين حول القرآن الكريم، م.س، ص5.
[32]- ينظر: ابن زكريا، إدريس؛ ابن محمود، عبد الرحمن، أساليب الاستشراق وغاياته من دراسة الفكر الإسلامي، ص139-144.
[33]- ينظر: البهي، محمد، الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي، ص18.
[34]- أساليب الاستشراق وغاياته من دراسة الفكر الإسلامي، م.س، ص143.
[35]- أجنتس جولدتسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ص38.
[36]- م.ن، ص125.
[37]- م.ن، ص130.
[38]- أبو خليل، شوقي، الإسقاط في مناهج المستشرقين والمبشرين، ص15.
[39]- عبد الحميد، محمد عامر، منهج الإسقاط في الدراسات القرآنية عند المستشرقين: دراسة تحليلية منهجية، ص10.
[40]- محمود، عبد الحليم، أوروبا والإسلام، ص130-132.
[41]- معجم اللغة العربية، ج3، ص3432.
[42]- ينظر: بدوي، عبد الرحمن، دفاع القرآن ضد منتقديه، الفصل الثاني: الموازاة الخاطئة بين القرآن والعهد القديم، ص23-54.
[43]- دفاع عن القرآن ضد منتقديه، م.س، ص24.
[44]- مذاهب التفسير الإسلامي، م.س، ص4.
[45]- اجنتاس جولدزيهر، العقيدة واﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﰲ اﻹﺳﻼم، ص22.
[46]- مطبقاتي، مازن بن صلاح، الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي (دراسة تطبيقية على كتاب برنارد لويس)، ص128.
[47]- ينظر: طويلة، عبد الوهاب عبد السلام، الكتب المقدّسة في ميزان التوثيق، ص62-66.
[48]- م.ن، ص107-109.
[49]- جولدتسيهر، العقيدة والشريعة، ص25.
[50]- محمد عبد المحسن، عبد الراضي، مناهج المستشرقين في ترجمة معاني القرآن، ص52-53.
[51]- حسن، محمد خليفة، آثار الفكر الاستشراقي في المجتمعات الإسلامية، ص21.
[52]- كوهين، مارك.ر، بين الهلال والصليب وضع اليهود في القرون الوسطى، ص154.
[53]- آثار الفكر الاستشراقي، م.س، ص23.
[54]- لمزيد من الاطلاع ينظر: سرائب، محمود علي، المستشرق المجري أجناتس جولدتسيهر دراسة نقدية لمشروعه القرآني، ص241 وما بعدها.
[55]- علي، جواد، تاريخ العرب في الإسلام، ص10-11.
[56]- العزوزي، حسين، آليات المنهج الاستشراقي، ص19-26.
[57]- ينظر: دائرة المعارف الإسلامية، ج4، مادة (التحريف)، ص603، 607.
[58]- التوراة هي الأسفار المعترف بها من قبل اليهود العبرانيين (وهم الذين لهم الغلبة والكثرة الآن)، وهي كذلك معترف بها من قبل البروتستانت؛ أما الكاثوليك فيضيفون سبعة أسفار أخرى مع تبديل في أسفار الملوك. والجدير بالذكر أن عند اليهود كتابًا يعظّمونه أشد من تعظيمهم للتوراة وهو التلمود، ويزعمون أن موسى -(عليه السلام)- لما استلم كتابه التوراة من ربه مكتوبة في الألواح، استلم كذلك تعاليم التلمود معها شفاهًا. وهناك تلمودان: أورشليمي وبابلي، التلمود البابلي هو الأضخم حجمًا، والأكثر دراسة، وهو يتضمّن بشكل عام تشريعًا قانونيًا، ومنهجًا أخلاقيًا، وجملة من الطقوس والشعائر الدينية ومقطوعات شعرية وصلوات وقصصًا تاريخية، وطرائف وحكايات شعبية وأساطير.
[59]- تنقسم المواد التي تشكّل لُبّ التلمود إلى قسمين يُعرفان بـ«الهالاخاة» و«الهاجاداة»: فـ«الهالاخاة» تتعلق بالأجزاء التشريعية، وهي الاستنباط المنطقي لأجيال من العلماء، وشكّلت الهالاخاة أسلوب حياة اليهودي. أما «الهاجاداة» فتتعلّق بالأقسام غير التشريعية، وهي أقسام تتساوى في أهميتها مع الأقسام الأخرى. وهي مجموعة من القصص المحرفة المختارة من «الكتاب المقدس» والمشناة والمدراش.
[60]- المشناه معناها بالعربية (يُثنٌّي أو يكرر) ولكن تحت تأثير الفعل الآرامي «تانا» أصبح معناها (يدرس)، ثم أصبحت الكلمة تشير بشكل محدد إلى دراسة الشريعة الشفوية، فهي أول لائحة قانونية وضعها اليهود لأنفسهم بعد التوراة، والمشنا تتكوّن من ستة أبواب يسمّيها اليهود سيداريم أي الأحكام. والسنهدرين تعني المحكمة، وهي الباب الرابع من أبواب المشناة. راجع في هذا المجال: ظفر الإسلام خان، التلمود تاريخه وتعاليمه، ص11-15؛ 21.
[61]- استير، هي ملكة يهودية وزوجة للملك الفارسي خشايارشا الأول. والذي حكم بين 485 و465 قبل الميلاد الملك الرابع في سلالة الأخمينيين ببلاد فارس، وردت قصتها في السفر المسمى باسمها «سفر استير». لمزيد من التفاصيل حول «الملكة استير». راجع: البار، محمد علي، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، ص206-207-213.
[62]- دائرة المعارف الإسلامية، ج3، مادة (إنجيل)، ص11 وما بعدها؛ ج10، مادة (زكريا)، ص368؛ ج10، مادة (بلقيس)، ص368؛ وكذلك: Ency., of Islam. Vol. 6 Article MUSA, – p. 739.
[63]- ينظر: دائرة المعارف الإسلامية، ج2، مادة ((أصول))، ص266-267-273؛ ج12، مادة ((سورة))، ص358؛ وانظر كذلك: Ency., of Islam. Vol. 4 Article KORAN, – p. 1065, 1071
[64]- لمزيد من الاطلاع راجع: ابن ناصر الحميّد، حميّد، القرآن الكريم في دائرة المعارف الإسلامية، ص38 وما بعدها؛ عباس، فضل حسن، قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، ص23-29.
[65]- ينظر: ابن عبد العزيز ساب، هيثم، دراسة لترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية للمستشرق الإنجليزي آرثر ج. آربري، ص11.
[66]- البنداق، محمد صالح، المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، ص97.
[67]- رضا، رشيد، الوحي المحمدي، ص24.
[68]- يوهان فوك، تاريخ حركة الاستشراق، ص11.
[69]- م.ن، ص18.
[70]- المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، م.س، ص96.
[71]- عبد المحسن، عبد الراضي، الغارة التنصيريه على أصالة القرآن الكريم، ص49.
[72]- تاريخ حركة الاستشراق، م.س، ص17.
[73]- بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، ص303.
[74]- غراب، أحمد عبد الحميد، رؤية إسلامية للاستشراق، ص35-36.
[75]- ينظر: ترجمة معاني القرآن الكريم، والمستشرقون: لمحات تاريخية، م.س، ص12-17.
[76]- لمزيد من الاطلاع حول الوحي عند المستشرقين راجع: القرآن في الدراسات الاستشراقية، م.س، ص248-274.
[77]- نشرت هذه الموسوعة نشرة أولى في باريس عام 1913م ثم نشرت مرة ثانية وبإضافات جديدة وكثيرة عام 1986م، وكتب فيها كتّاب من العرب والمسلمين، وترجم جزء منها إلى اللغة العربية في الثلاثينات من القرن الماضي وأضيفت إلى الترجمة تعليقات وتصويبات. ثم ترجمت الطبعة الثانية من الموسوعة إلى العربية وظهرت باسم «موجز دائرة المعارف الإسلامية» وصدرت طبعتها الأولى في الشارقة. تحرير: م. ت. هوتسما، ت. و. أرنولد، ر. باسيت، ر. هارتمان. تاريخ النشر: 1/ 1/ 1998م، الناشر: مركز الشارقة للإبداع الفكري، الطبعة الأولى، عدد الصفحات: 10518 وعدد المجلدات: 33.
[78]- موجز دائرة المعارف الإسلامية، ج25، ص7665-7666.
[79]- مونتنغري وات: محمّد في المدينة، ص496
[80]- دائرة المعارف الإسلامية، بحث التعريف بكلمة الله، ج4، ص244.
[81]- ه. ج. ويلز، معالم تاريخ الإنسانية، ج3، ص626.
[82]- العقيدة والشريعة في الإسلام، م.س، ص13.
[83]- كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص69.
[84]- جرجس سال، مقالة في الإسلام، ص72-73.
[85]- أليكس جورافسكي، الإسلام والمسيحية، ص61.
[86]- وليم مونتجمري وات: محمد في مكة، ص74-75.
[87]- نقلا عن: نصري، أحمد، موقف المستشرقين من لغة القرآن الكريم، مجلة دعوة الحق، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في المملكة المغربية، العدد 343 محرم 1420/ مايو 1999.
[88]- نقلا عن: نصري، أحمد، موقف المستشرقين من لغة القرآن الكريم، مجلة دعوة الحق، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في المملكة المغربية، العدد 343 محرم 1420/ مايو 1999..
[89]- م.ن.
[90]- الاستشراق والخلفية الفكرية، م.س، ص102.