البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

قرآن الشيعة في الدراسات الغربيّة

الباحث :  جونا وينتر
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  40
السنة :  خريف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 11 / 2024
عدد زيارات البحث :  101
تحميل  ( 649.726 KB )
الملخّص
إنّ حجم العمل الاستشراقي والغربي في موضوعات وقضايا التشيّع لم يكن كافيًا لتوحيد الآراء الأكاديميّة الغربيّة العامّة حول الكثير من التفاصيل التي تدور في فلكه، وأكثر ما يبرز هذا الأمر في القضايا الحساسة مثل قضية القرآن في الفكر الشيعي التي ركّز عليها الباحثون في النقاشات الدائرة منذ انطلاق الدراسات حول التشيّع، وهي واحدة من أولى المسائل التي تناولتها المقالات الغربيّة، وفي هذا السياق يتناول الباحث في هذا المقال مسألة قرآن الشيعة في الدراسات الغربيّة من خلال تعقّب مسار اختلاف آراء الباحثين حول مسألة القراءات المتعدّدة للقرآن، والمزاعم الشيعيّة القديمة ـ بحسب الباحث ـ التي تتمحوّر حول فقدان النسخة الأصليّة من القرآن وتراجع تلك المزاعم عبر الزمن، حتى وصل الأمر بالشيعة إلى ادّعاء قبول النسخة القرآنيّة العثمانيّة المتعارف عليها. وقد كثرت الدراسات الرصدية في هذا المجال، وأولى هذه الدراسات حينها كانت لـ«تود لاوسون»، تلك الدراسة التي اتّخذت طابعًا رصديًّا، ونُشِرَت عام 1991 تحت عنوان «مذكّرة حول دراسة قرآن الشيعة».
وتُبرز هذه الدراسات وجود قراءات متعدّدة ومتباينة للقرآن -بعد وفاة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)- لكن من غير تحديد عدد المتغيّرات واختلافها عن النسخة العثمانيّة. وهذه الحالة من عدم اليقين منحت الشيعة بابًا لادّعاء وجود نصٍّ أصليٍّ يمنح الشرعيّة لعليّ وأهل بيت محمّد(عليهم السلام) لقيادة الأمّة -كما يذكر الباحث-. كما أنّ حالة عدم اليقين هذه، وفّرت فرصة مقابلة لخصوم الشيعة تخوّلهم نسبة هذه الآراء زورًا للشيعة، وذلك بهدف تصويرهم كهراطقة، وبالتالي تشويه سمعة مذهبهم. ويشير الكاتب إلى أنّ عددًا قليلًا من المتغيّرات والاختلافات النصيّة التي ظهرت يمكن نسبتها للشيعة، والسورتان اللّتان تم اكتشافهما [سورة النور وسورة الولاية] زائفتان وملفّقتان.
كلمات مفتاحية: قرآن الشيعة، التشيّع، المسيحانيّة [المهدويّة]، السلطة الشرعيّة، شيعة عليّ، محمّد.

أوّلًا: موضوعات التشيّع والقرآن
قبل الشروع في البحث عن التشيّع والقرآن، لا بدّ من تحديد الموضوعات الأساسيّة التي تُعدّ من الأحداث الأكثر أهميّة في المدرسة الشيعيّة، ألا وهي: الاستيلاء على السلطة الشرعيّة [الخلافة]، تفشّي الظلم والاضطّهاد، والمسيحانيّة [المهدويّة].
إنّ الدافع الرئيس لظهور شيعة عليّ(عليه السلام)، أو حزب عليّ(عليه السلام)، هو النيّة المفترضة لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) لتخليف عليّ(عليه السلام) كقائدٍ للأمّة من بعده، ذلك العزم الذي تمّت عرقلته من قبل أطراف أخرى. ويُزعَمُ أنّ أدلّة تنصيب عليّ(عليه السلام) من قبل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرة، إلّا أنّ غالبيّة هذه الأدلّة تمّ إخفاؤها أو إتلافها من قبل أعداء عليّ(عليه السلام) . تشمل تلك الأدلّة أحاديث مرويّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وتوصيات تمّ توجيهها للمجتمع، بالإضافة إلى توجيهات جاء ذكرها في القرآن.
بعد وفاة محمّد تآمر مغتصبو الخلافة على تجاهل التوجيهات النبويّة، وعملوا فيما بعد على حذف تلك الأحاديث [أحاديث الولاية] من التراث الروائيّ. ويعتقد الشيعة أنّ النسخة القرآنيّة الوحيدة غير المحرّفة والتي تتضمّن الآيات التي جاء فيها ذكر المكانة المتعالية التي يحظى بها عليّ(عليه السلام) والأئمّة(عليهم السلام)، كانت بحوزة عليّ(عليه السلام)، وحين عرضها على الأمّة والصحابة بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رفضوها ، ولجأوا عوضًا عن ذلك إلى جمع القرآن عبر القصاصات والسور المتبقيّة عند بعض الأفراد، بالإضافة إلى العديد من الآيات والسور التي كان قد حفظها الكثير من أفراد الأمّة، مستبعدين عمدًا الآيات التي تتناول موضوع الخلافة، وهكذا تمّت صياغة وتشكيل القرآن الموجود حاليًّا . حافظ الأئمّة(عليهم السلام) على النسخة الأصليّة من القرآن [غير المحرّفة] وتناقلوها إمامًا بعد إمامٍ، وفي الوقت عينه، حفظوا هذه النصوص غير المحرّفة وعلّموها خلفاءهم، ولذلك، يعتبر الشيعة أنّ الأئمّة(عليهم السلام) هم المتفرّدون بمعرفة التعاليم النبويّة الحقّة من بين جميع أفراد الأمّة الإسلاميّة، بالإضافة إلى كونهم المصدر الموثوق الوحيد لتفسير القرآن.
الموضوع الثاني، هو الظلم والاضطّهاد، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاعتقاد المشترك بين جميع المسلمين القاضي بوجود أبعاد ظاهريّة وأبعاد باطنيّة للقرآن. استفاد الشيعة من ذلك المعتقد لإظهار وإعلان معتقداتهم بشكلٍ علنيّ، إلّا أنّ هذا الإظهار العلنيّ تسبّب بتعرّضهم للاستهزاء والازدراء، واشتداد القمع المُمارَس عليهم، بالإضافة إلى قتل قادتهم، لذا عمد الشيعة إلى الاستعانة بفكرتين مترابطتين، وهما: التقيّة، والتفاسير الباطنيّة للقرآن. عادةً ما تُستَخدَم «التقيّة» للتعبير عن «التستّر أو الإخفاء الدينيّ» وهو ما يسمح للشيعة بإنكار إيمانهم في الظروف التي تشكّل خطورة عليهم ، وبتعبيرٍ آخر هذا ما يمكّن المؤمن [الشيعيّ] من الحفاظ على ولائه للتشيّع في حين أنّه يظهر اعتناقه للأرثوذوكسيّة -مثلًا- أمام الطّاغية أو الحاكم الظالم.
أمّا بالنسبة إلى التفاسير القرآنيّة الشيعيّة، فيجب القول إنّ الشيعة يركّزون على التمييز بين المعاني الظاهريّة والمعاني الباطنيّة للآية القرآنيّة ، وتجدر الإشارة إلى أنّ الاعتقاد بوجود آيات محكمات وأخرى متشابهات مشترك بين الفريقين [السنّة والشيعة]، إلّا أنّ الشيعة ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وقالوا إنّ الآيات ليست متشابهة أو محكمة فحسب، بل إنّ لكلّ آية بطونًا متعدّدة [مستويات مختلفة من المعاني]، معظمها معانٍ باطنيّة لا يمكن الكشف عن حقيقتها إلّا من قبل الإمام الذي يُعتَبَر الواسطة المتّصلة مباشرةً بالعلم الإلهيّ. وفي الواقع، رغم أنّ الكثير من الآيات تُعدُّ من المحكمات والتي تمتلك معنىً ظاهريًّا واحدًا، إلّا أنّ لكل آية من تلك المحكمات 7 دلالات باطنيّة مختلفة . هذه الآلية في التفسير مرتبطة بشكلٍ مباشرٍ بمبدأ التقيّة المُعتمَد من قبل الشيعة، ذلك أنّ تلك التفاسير الباطنيّة يجب عدم مشاركتها مع المسلمين الآخرين من غير الشيعة، ليس لأنّهم غير قادرين على فهمها فقط، بل لأنّ مشاركتها معهم غالبًا ما قد تعرّض الشيعة للخطر المحدق.
إنّ هذا التمييز بين المعاني الباطنيّة والمعاني الظاهريّة للآيات القرآنيّة أفضى إلى نتيجة أخرى أو اعتقادٍ آخر خاص بالشيعة، ألا وهو: عدم اقتصار دور الأئمّة على حصريّة استحواذهم على النسخة القرآنيّة الأصليّة ، بل إنّ دورهم يتخطى ذلك ليصل إلى كونهم الوحيدين القادرين على تفسير معانيه الباطنيّة الحقيقيّة، لذا لا يمكن لأيّ شخص لم يلجأ إلى تفسير الأئمّة للقرآن، أن يفهم النصوص القرآنيّة بأيّ شكلٍ من الأشكال. كما أنّ القرآن بالنسبة إليه يُعتَبَر «صامتًا»، حيث إنّ الإمام هو القرآن الناطق. ولتأكيد مزاعمهم، يلجأ الشيعة إلى الآية 7 من سورة آل عمران: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، فيقولون إنّ (الراسخون في العلم) هم الأئمّة(عليهم السلام)، إذًا لا أحد يقدر على فهم القرآن وتفسيره سوى اللّه تعالى والأئمّة(عليهم السلام).
الموضوع الثالث: وهو المسيحانيّة [المهدويّة]، يشكّل عاملًا آخرًا لتكوين صورة عن النظريّات الشيعيّة حول القرآن، حيث يعتقد الشيعة أنّ الأمّة مع غيبة الإمام الثاني عشر [المهديّ(عجل الله تعالى فرجه)] لم تفقد التواصل معه فقط، بل فقدت أيضًا القرآن الأصليّ . وهنا لا بدّ من العودة إلى موضوع التقيّة التي تمكّن الشيعة من إخفاء حقيقة أنّ إيمانهم يستند إلى القرآن الحقيقيّ الذي يعتقدون به، وتظاهرهم بقبول النسخة القرآنيّة المتعارف عليها بين المسلمين. كما أنّ الشيعة لا يخافون من ضياع أو فقدان القرآن الأصليّ، حيث إنّهم يعتقدون أنّ المهديّ(عجل الله تعالى فرجه) سيأتي بتلك النسخة عند ظهوره في آخر الزمان.
ثانيًا: الدراسات الغربيّة وقرآن الشيعة
إنّ للقرآن تاريخًا مستقلًّا تطوّر ونما جنبًا إلى جنبٍ مع تطوّر الأمّة الإسلاميّة. كما يُنظَر إليه من قبل المسلمين كشخصيّةٍ حيّةٍ وديناميكيّةٍ لا ككتابٍ عاديٍّ كغيره من الكتب .
اتّبع المستشرقون في دراساتهم القرآنيّة المسار نفسه الذي اتّبعوه في دراسة الإسلام بمجمله، حيث كان القرآن، ولقرونٍ عديدةٍ، مهمّشًا من قبلهم باعتباره خليطًا وثنيًّا ومربكًا بالنسبة لهم ، إلّا أنّهم في العصر الحاليّ بدأوا بتبنّي مقاربة أخرى لفهم النصوص القرآنيّة، ولـ«فرانسيسكو غابرييلّي» في هذا المضمار رأيًا حول محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن، يلخّص وجهات النظر القديمة التي كانت تسيطر على المشهد الاستشراقيّ، من الجدير نقله كاملًا: «لم يكن محمّدٌ ذلك المفكّر الفذّ ، وهذا ما يؤكّده كتابه الفوضويّ والمُبهَم الذي يدّعي محمّد أنّه عبارة عن كشوفات ووحي، ويعتقد أنّه تلقّاها من اللّه خلال عقدين من الزمن وجمعها بكلّ أمانة في هذا الكتاب، إلّا أنّ ذلك الوحي الشيطانيّ تراجع شيئًا فشيئًا إلى أن وصل إلى تقديم المواعظ والعبر ذات الطابع السطحيّ» .
وعلى الصعيد نفسه، يبدو واضحًا أنّ الباحثين [المستشرقين] المعاصرين يبدون احترامًا وتقديرًا للقرآن، حتى وإن كانوا لا يؤمنون بأنّه كلام اللّه، هذا التحوّل في المواقف تجاه القرآن يبدو واضحًا حتى في أوساط غير المتخصّصين كـ«كارين أرمسترونغ» التي طرحت رأيًا مقبولًا لدى المسلمين، حيث أقرّت قائلةً: «الإنسان الغربيّ ينظر إلى القرآن على أنّه كتاب صعب على الأفهام، وهذا يعود في أغلب الأحيان إلى مشكلة في ترجمته» .
بقيت قضايا التشيّع خارج نطاق الدراسات الإسلاميّة، وعلى الرغم من العمل الجاري حاليًّا على موضوع التشيّع، إلّا أنّ حجم العمل لم يكن كافيًا لتوحيد الآراء الأكاديميّة العامّة حول الكثير من التفاصيل التي تدور في فلكه، وهذا ما يبدو جليًّا في مسألة قرآن الشيعة التي استحوذت على تركيز الباحثين في النقاشات الدائرة منذ انطلاق الدراسات حول التشيّع. وفي الواقع، تُعدّ مسألة قرآن الشيعة واحدة من أولى المسائل التي تناولتها المقالات الغربيّة، وما زالت تلك المسألة محورًا لأغلب النقاشات الدائرة إلى يومنا هذا.
هذا النوع من الأبحاث يتطلّب -نوعًا ما- شكلًا مختلفًا من العمل، وهذا ما سألفت الانتباه إليه بدايةً. المحور الأساس في هذا الصدد، ليس ما يتمّ بحثه واستنتاجه من قبل الباحثين فحسب، بل محتوى كتاباتهم وتوقيتها على وجهٍ خاص.
قرآن الشيعة بين تعدد القراءات وفقدان النسخة الأصلية
وفي سياق هذا المقال، سأتناول مسألة قرآن الشيعة في الدراسات الغربيّة من خلال تعقّب مسار تطوّر المفهومين الأساسين اللّذين تمحورت حولهما الدراسات الأكاديميّة خلال القرن الماضي.
1. الموضوع الأوّل: اختلاف آراء الباحثين حول مسألة القراءات المتعدّدة للقرآن.
2. الموضوع الثاني: المزاعم الشيعيّة القديمة التي تتمحوّر حول فقدان النسخة الأصليّة من القرآن، وتراجع تلك المزاعم عبر الزمن، حتى وصل الأمر بالشيعة إلى ادّعاء قبول النسخة القرآنيّة العثمانيّة المتعارف عليها.
كما تبيّن أنّ هذين الجانبين من مسألة قرآن الشيعة شكّلا المجال الرئيسّ للنقاش والخلاف في آخر 150 عامًا من تاريخ الدراسات .
ثالثًا: القراءات المتعدّدة: سورتان جديدتان
إنّ التنقيحات النقديّة للقرآن المستَخدَمة كمعيارٍ اليوم، لا تُعتَبَرُ تنقيحاتٍ حصريّةٍ ومعتمدةٍ، إذ إنّ المجتمع الشيعيّ، وفي فترة معيّنة من تاريخه، طرح واحدًا من أبرز معتقداته القاضي بوجود نصٍّ قرآنيٍّ أصليٍّ وغير محرّفٍ، يتضمّن إعلانًا عن كون عليّ والأئمّة(عليهم السلام) هم الورثة الشرعيّون لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).
جميع الفرق الإسلاميّة تقبل بحقيقة وجود قراءات متعدّدة للقرآن، لكن لا يمكننا القول إنّ جميع المسلمين مدركين لهذه الحقيقة، وهذا ما أشار إليه «داوود رهبر» حين كتب عام 1961: «معظم المثقّفين المسلمين في العالم ليسوا على علمٍ بأيّ اختلافات في المخطوطات القديمة، كما أنّهم لا يدركون حقيقة وجود قراءاتٍ متعدّدٍة، هذه الحقيقة التي من الممكن أن تشكّل صدمةً كبيرةً لدى المسلمين المعاصرين» . ولفهم هذه المسألة، لا بدّ من الاطّلاع بشكلٍ موجزٍ على تاريخ النصّ القرآنيّ، وتاريخ الدراسات الغربيّة حول الموضوع.
تلقّى محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) النصّ القرآنيّ من جبريل شفهيًّا، وبالطريقة ذاتها تمّ تناقله، عبر تلاوة النصوص القرآنيّة. في بداية الأمر، لم ترَ الأمّة الإسلاميّة حاجةً لحفظ القرآن كتابيًّا، إلّا أنّها بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، انخرطت في حروبٍ أودت بحياة العديد من القرّاء، ونتيجةً لذلك شعر المسلمون بخطر فقدان أجزاء من القرآن. وفي الوقت الذي كان فيه القرآن ما زال في مرحلة الحفظ الشفهيّ، بدأ أبو بكر بتجميع النصوص القرآنيّة لضمان حفظ القرآن وصيانته في حال وفاة جميع الحفّاظ. هذا الإعداد أو التجميع الذي قام به أبو بكر لم يأخذ بعين الاعتبار القراءات المتعدّدة، بل كان لمجرّد إدراكه ضرورة وجود مجموعة كاملة من النصوص القرآنيّة المكتوبة. فيما بعد، وخلال عهد عثمان بدا واضحًا لدى المسلمين وجود خلط واختلافات في النصوص المحفوظة، لذا بدأ عثمان بالعمل على جمع نسخة موّحدة ورسميّة، وبعد إصدار تلك النسخة الرسميّة بتوجيهٍ منه، أمر عثمان بإحراق جميع المخطوطات والنصوص الأخرى. هذا التدوين لم يمنع من التغييرات والتباينات المستقبليّة، حيث كانت النصوص في هذه النسخة بالحروف الساكنة (الخالية من التنقيط والتشكيل) ، وكان الهدف من جمعه القرآن هو الحفاظ على الهيكل النصّيّ من أجل تفادي أي تحريف مستقبليّ. لهذا السبب ولغيره -كبدائيّة علم إملاء اللّغة العربيّة- بقيت التغييرات والاختلافات ممكنة. كان النصّ العثمانيّ يفتقر إلى تحريك الحروف، بالإضافة إلى أشكال الحروف الساكنة المتقاربة إلى حدٍّ بعيد ، هذان العاملان أفسحا الطريق أمام الكثير من الاختلاف في المعاني ، وعلى الرغم من ضآلة تلك الاختلافات اللّغويّة إلّا أنّها تترك آثارًا هائلة على المعاني. فعلى سبيل المثال، كلمة «عليّ» يمكن تفسيرها بشكلين مختلفين حسب اللّهجة المنطوقة، حيث يمكن أن تؤخذ بمعنى الصفة، كما يمكن أن تُستَخدَم للدّلالة على الإقرار الإلهيّ بخلافة عليّ(عليه السلام).
من بين كلّ تلك التباينات والقراءات المختلفة، تمّ توثيق واعتماد عدد قليل منها في القرن العاشر . أمّا المرحلة الأخيرة من عمليّة تدوين القرآن، فقد كانت في القرن العشرين، حين قامت لجنة الخبراء الملكيّة المصريّة بإصدار نسخة قرآنيّة موّحدة مضبوطة بالحركات عام 1924م ، تلك النسخة هي السائدة حاليًّا، مع الإبقاء على الاعتراف بالقراءات الأخرى.
لا شكّ في أنّ اختلاف القراءات وتعدّدها هو ما دفع عثمان إلى تقنين نسخة موّحدة من القرآن واعتمادها رسميًّا، إلّا أنّ معظم المسلمين الساخطين على الحكم الأمويّ، لم يكونوا راضين عن مصحف عثمان، خصوصًا أنصار عليّ(عليه السلام)، هذه الاعتراضات العلويّة دفعت السنّة إلى ابتداع أحاديثٍ تشير إلى أنّ عليًّا(عليه السلام) وافق وصادق على النصّ العثمانيّ مكرهًا . والجدير بالذكر، أنّ العنصر الأهمّ في هذه المسألة، وخصوصًا ما يدور حول النصوص -التي خضعت لتغييراتٍ- وعددها وماهيّتها، بقي موضوعًا مُبهَمًا، لن يتمّ اكتشافه على الأرجح، وهذا ما جعل من موضوع قرآن الشيعة المحور الأكثر إثارةً للجدل في الدراسات الشيعيّة والاستشراقيّة على حدٍّ سواء.
أعتقد أنّ إلقاء نظرة على التاريخ الأكاديميّ -حسب التسلسل الزمنيّ- حول هذه المسألة سيكون أكثر وضوحًا وإيجازًا. إنّ مناقشة هذه المسألة -اختلاف الصيغ القرآنيّة لدى الشيعة- وعلى الرغم من تفعيلها، إلّا أنّها كانت محدودة للغاية حتى وقتٍ قريبٍ نسبيًّا. فحسب معرفتي، لم يكن هناك سوى خمسة أعمال للباحثين الغربيّين تعالج هذه المسألة قبل عام 1936. في أيّار (مايو) عام 1842 نشر «غارسين دي تاسي» نصًّا لفصلٍ مجهولٍ من القرآن في المجلّة الآسيويّة، كما أرفق معه الترجمة الخاصّة به ، هذا النصّ حمل عنوان «سورة النورين» ، و«النورين» هما محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام). وفيما بعد، علّق العديد من الباحثين على ذلك النصّ، فوجدوا معظم مصادره غامضة إلى حدِّ ما . غير أنّ «أمير مُعِزّي» الذي يبدو أنّه وصل إلى التاريخ الواضح والكاتب الأصليّ لذلك النصّ، كتب عام 1993 تعليقًا زعم فيه أنّ الكاتب الأصليّ هو شخصٌ زرادشتيّ إيرانيّ الجنسيّة كان قد هاجر إلى الهند في أواخر القرن السادس عشر أو مطلع القرن السابع عشر . هذه السورة التي تتألف من 42 آية تتناول مواضيع كالإيمان باللّه وباليوم الآخر، وتتشابه في الأسلوب بشكلٍ كبيرٍ مع الكثير من الآيات في المصحف الرسميّ المُعتَمَد [مصحف عثمان]. وفي الواقع لم أرَ ذلك النصّ إلّا عبارة عن اقتباسات من المصحف الرسميّ تم إضفاء تعديلات طفيفة عليها . وفي العام التالي نشر «كاظم بيغ» نسخة منقّحة من ترجمة النصّ، مقسّمًا النصّ إلى آياتٍ بالإضافة إلى ضبطه بالتّحريك، لكنّه لم يتطرّق إلى المخطوطة الأصليّة التي استند إليها في تنقيحه.
حين سافر «كريس تيسدال» إلى الهند عام 1912، عثر على مخطوطة قرآنيّة عمرها حوالي 200 إلى 300 عام . تحتوي هذه المخطوطة على سورة لم تكن معروفة سابقًا، كما أنّها لم تكن جزءًا من أي طبعة رسميّة من القرآن، بالإضافة إلى عددٍ من الآيات الخاصّة التي انفردت بها تلك النسخة. هذه السورة التي تحتوي على 7 آيات حملت اسم «سورة الولاية» . وفيما بعد، سارع «تيسدال» إلى نشر ترجمة لها، إلى جانب مجموعة قليلة من الآيات «الجديدة» في مجلّة «العالم الإسلاميّ» عام 1913. هذا المقال لـ«تيسدال» يُعدّ العمل الثالث المنشور باللّغة الإنجليزيّة والذي يعالج احتماليّة وجود نقصٍ في القرآن.
استنتج «تيسدال» أنّ هذه الأعمال الثلاثة -أي سورة النورين، سورة الولاية، الآيات الجديدة الأخرى- مزوّرة، لكن مع الأسف! لم تكن المصادر المتوفّرة لدي كافية لاكتشاف رأي «غارسين دي تاسي» و«كاظم بيغ» وإذا ما كانا يعتقدان أنّ تلك السورة (سورة النورين) حقيقيّة وموثوقة. لم تذكر أي من المصادر التي وجدتها استنتاجاتهما، باستثناء مصدر واحد يعود إلى «أمير مُعزّي» الذي يفصح عن الموقف تجاه تلك النصوص، لكن يبدو أنّ أمير قد ارتكب خطأً، حيث إنّه عالج تلك السورتين باستفاضة في الفصل الفرعيّ المسمّى «ملاحظات حول القرآن المتكامل» ، قائلًا إنّ «غارسين دي تاسّي» يميل للاعتقاد بصحّتها، في حين أنّ «كاظم بيغ» يدحض صحّة السورة الأولى [أي يعتقد بصحّة الثانية]. يجب أن يكون هذا الخطأ من جانبه، لأنّ سورة الولاية كانت مجهولة بشكلٍ كاملٍ لدى الباحثين الغربيّين قبل اكتشافها من قبل «تيسدال» عام 1912، ولا يمكن أن يكون هذا الخطأ ناتجًا عن سوء قراءتي أو تفسيري نصّ «أمير معزّي» الذي لا يمكن أن يكون أكثر وضوحًا، ذلك النصّ الذي افتتحه «أمير» كاتبًا: «وبالعودة إلى «الفصلين المجهولين من القرآن»، سورة النورين وسورة الولاية...»، وأتبع أمير تلك الافتتاحيّة بالاقتباسات التي نقلتها مسبقًا . بصرف النظر عن هذه الشكوك وعدم اليقين الذي يشوب تلك المسألة، فإنّ للمجتمع العلميّ رأيًا واضحًا -نوعًا ما- حول موثوقيّة هاتين السورتين، حيث صرّح «فون غرونيبوم» عام 1961 أنّ التزوير فيهما واضح وجليّ . وهذا ما اتّفق عليه جميع الباحثين الذين درسوا الموضوع، وباستثناء «أمير معزّي» لم أجد أيّ مستشرق ولا أكاديميّ شيعيّ يبدي رأيًا معارِضًا لذلك .
من المثير أن يتمّ ربط هاتين السورتين بالأجندات الشيعيّة القائمة على نقد مصحف عثمان. في الواقع، إنّ أغلبية الأبحاث التي تناولت تلك السورتين ركّزت بشكلٍ خاصٍّ على هذه المسألة، حيث نشر «جيفري» مقالًا في «مجلّة الدراسات الشرقيّة» عام 1936 مقالًا تحت عنوان «قراءات زيد بن عليّ للقرآن»، وهذه كانت المرّة الأولى التي تعالَج فيها مسألة ارتباط التشيّع بالمتغيّرات القرآنيّة ، وتبع ذلك المقال ما لا يقلّ عن 12 دراسة تتناول الموضوع نفسه، سنأتي على ذكر تلك الدراسات وبيانها فيما بعد . يمكننا القول إنّ تلك الدراسات لم تخلص إلى النتائج نفسها، أي لم تتّفق على ربط مسألة المتغيّرات القرآنيّة بالتشيّع. وبعد الفحص والتدقيق الذي أجريته على الدراسات الاثني عشر التي ذكرتها مسبقًا، لم أجد سوى استنتاجٍ واحدٍ: لمّا كان إلصاق تلك البدع بالمفهوم الشيعي المُفتَرَض مثيرًا للجدل، لجأ بعض الباحثين إلى نفي فكرة أن تكون هاتان السورتان من ضمن أعمال الشيعة. وبعد المزيد من البحث التحليليّ، تبيّن أنّه من المرجّح ألّا يكون للشيعة دور في إيجاد السورتين ونشرهما. لكن في المقابل، نجد مقالين فقط يربطان بين التشيّع وبين تلك الابتداعات النصيّة [السورتين]، إلّا أنّ هذين المقالين لم يأتيا على ذكر المسألة إلّا بشكلٍ عابرٍ، ولم يقدّما أيّ دليلٍ أو توضيحٍ إضافيٍّ. وفي واحدة من تلك الدراسات التي تمّ إجراؤها من قبل «فون غرونيبوم»، قال: «لقد ألقى الشيعة التُّهَم على كتّاب مصحف عثمان، وزعموا أنّهم لجأوا إلى حذف عدد من الآيات، أو حتى سورٍ كاملة تؤيّد معتقداتهم، والسورتان الشيعيّتان اللّتان ظهرتا، تُعدّان تزويرًا واضحًا» .
لم يقدّم «فون غرونيبوم» توضيحًا يفسّر جمعه للتشيّع والسورتين في السياق نفسه، كما أنّه لم يعُد إلى الحديث حول المسألة مرّةً أخرى. أمّا المقال الآخر الذي يبرز بدوره هذه الصلة، هو مقال لـ«بار آشر» حيث ذكر خلال تناوله لموضوع النصوص الشيعيّة ما يلي: «إنّ المخطوطة التي تمّ اكتشافها في بداية القرن العشرين (المخطوطة التي تعود لتيسدال)، تحتوي على سورتين ملفّقتين، فضلًا عن النسخ الشيعيّة البديلة لبعض الآيات القرآنيّة» . وكما هو الحال مع «فون غرونيبوم»، فإنّ «بار آشر» لم يقدّم أيّ توضيحات إضافيّة حول تصنيف تلك السور كسور شيعيّة، ولم يأتِ على ذكرهم مجدّدًا .
ولا بدّ أن نذكر، أنّ مزيدًا من الدراسات المعمّقة أفضت إلى نتيجةٍ تتعارض مع الفرضيّة المطروحة . أشار «تيسدال» في مقاله الأصليّ الذي نُشِرَ عام 1913 إلى أنّ السورتين تُعدّان «إضافات شيعيّة»، إلّا أنّه ضعّف ذلك المدّعى مع ملاحظة عدم وجود أيّ شيعيّ يعتبر السورتين مقبولتين في النصّ الرسميّ، على الرغم من «كل المغريات التي قُدّمَت لهم» ، كما أنّه لاحظ لاحقًا «المنفعة الضخمة التي تعود على الشيعة بقبولهم تلك الفقرات الإضافيّة، إلّا أنّهم رغم ذلك لم يفعلوا» . وهذا ما أدّى بـ«تيسدال» للوقوع في حيرة من أمره حول ما يظنّ أنّها تزييفات ابتدعها الشيعة، لكنّهم لم يحاولوا نشرها لسببٍ ما.
أمّا بالنسبة لـ«جوزيف إلياس»، فقال هو بدوره، إنّ الصلة الوحيدة التي تربط سورة الولاية بالتشيّع، هي كون اكتشافها تمّ في مدينةٍ معروفةٍ كمركزٍ للتعلّم الشيعيّ. أمّا بالنسبة إلى سورة النورين، فيشير «جوزيف إلياس» إلى أنّ مؤلّف المخطوطة التي تحتوي على هذه السورة، يتحدّث عن الشيعة من خلال استخدام ضمير الغائب ، وعلى الرغم من عدم تصريح هذا المؤلّف الغامض بتوجّهاته الدينيّة، إلّا أنّ مقدمته تترك انطباعًا واضحًا لدى القارئ يدلّ على عدم كونه شيعيًّا.
وفي حين أنّ تلك المسألة المحدّدة لا تزال معرض النقاش، يمكنني طرح استنتاجيّ الأوليّ المستند إلى التمحيص والتدقيق في الإجماع العلميّ الذي يرجّح عدم كون السورتين المبتدعتين مرتبطتين بالشيعة.

رابعًا: القراءات المتعدّدة: مجموعات من الآيات المختلفة
بعد مقال «تيسدال» -عام 1913- تمّ جمع بعض الاختلافات النصيّة ونشرها باللّغة الإنجليزيّة. ليس من الواضح إذا ما كانت هذه القائمة من الاختلافات تعود إلى الشيعة أو إلى غيرهم. سآتي على ذكر كلّ واحدة من الدراسات وبيانها على حدة -حسب التسلسل الزمنيّ- قبل استخلاص النتائج. أوّلًا، بحث «جولدتسيهر» القضيّة في كتابٍ له أصدره عام 1920 يحمل اسم «اتّجاهات التفاسير الإسلاميّة للقرآن»، إلّا أنّني لم أتمكّن من مناقشة هذا العمل، حيث إنّني لا أقرأ الألمانيّة. فيما بعد، عام 1936، و1937، قام «جيفري» بنشر اثنتين من أضخم الدراسات التي تناولت مسألة القراءات المتعدّدة، أولى هذه الدراسات كانت مقال «قراءات زيد بن عليّ»، أمّا الثانية، وهي الدراسة الأكثر شمولًا وتفصيلًا حتى الآن، فهي «مواد لتاريخ النصّ القرآنيّ» ، لكن لم يكن لدي إمكانية الوصول للعمل الأخير. بكلّ الأحوال، عالج «جيفري» الموضوع نفسه في المقال الأوّل الذي يتحدّث عن قراءات زيد بن عليّ، وزيد بن عليّ هو ابن الإمام الرابع «زين العابدين»(عليه السلام)، وحفيد الإمام الأوّل «عليّ»(عليه السلام)، بل أكثر من ذلك، كان «زيد» من أوائل علماء الدّين والكتّاب المسلمين البارزين، كما أنّه يحظى بالاحترام من قبل الشيعة والسنّة على حدٍّ سواء. كان «زيد» واحدًا من العديد من المسلمين الذين عملوا على جمع نسخة من القرآن. عمل «جيفري» على جمع آيات مصحف زيد المتباينة مع آيات مصحف عثمان والمغايرة لها، وترجمتها في دراسته. وجد «جيفري» بعضًا من هذه الآيات في المخطوطات المعروفة، وبعضها الآخر في مخطوطاتٍ كان قد عثر عليها عن طريق الصدفة . قائمة الاختلافات النصيّة التي جاء بها «جيفري»، كانت تحتوي على مواد كان قد تمّ نشرها مسبقًا، إلّا أنّ الغالب فيها يُعدُّ مادّةً تُقدّم للعالم الأكاديميّ للمرّة الأولى. ملأت تلك القائمة 35 صفحة من المجلّة التي نُشِرَت فيها، حاول في نهايتها تحديد إذا ما كان ينبغي اعتبارها «قراءات شيعيّة». توصّل «جيفري» في النهاية إلى استنتاجين اثنين، الأوّل: إنّ نسخة زيد تُعتَبَر سليمة نسبيًّا، نظرًا لتطابق العديد من آياتها مع الآيات الموجودة في النسخ القرآنيّة غير الرسميّة الأخرى . الثاني: كون زيد شيعيًّا لا يحتّم اعتبار نسخته منحازة أو حزبيّة، لأنّ الاختلافات النصيّة التي جاء بها، غالبًا ما تتوافق مع تلك التي جاء بها الكتّاب السنّة كالحسن البصريّ، وفي بعض الأحيان على حساب توافقها مع النسخ الشيعيّة . وفي النهاية، يمكننا تلخيص استنتاج «جيفري» الذي يشير إلى ما يلي: إنّ كون نسخة زيد نسخة شيعيّة -تمّت على يد شخص شيعيّ- لا يُثبت اتّباع الشيعة في ذلك الزمان أجندة صريحة، يسعون من خلالها إلى إيجاد أخطاء في المصحف الرسميّ واستبداله بآخر شيعيّ.
بعد هذه الدراسة لـ«جيفري» توقّفت الأبحاث حول الموضوع لفترة تقارب الـ25 عامًا، إلى أن قام «داوود رهبر» بنشر مقالٍ في «مجلّة العالم الإسلاميّ» بين عامي 1961 و1962، تحت عنوان «العلاقة بين عقيدة الشيعة والقرآن» . إلّا أنّه في مقاله هذا لم يقدّم أيّ آيات جديدة، بل عَرَض تعليقاتٍ ورؤىً حول مواقف الشيعة إزاء القرآن، وتفسيراتهم له. استند «داوود» في دراسته تلك على أعمال «جيفري» التي تُعتَبَر الأعمال الوحيدة -بعد بحث «تيسدال»- التي تناولت الموضوع في حينها.
الدراستان قيد البحث في هذه الفقرة، قدّمت رؤىً أكثر عمقًا من تلك التي قدّمها «رهبر» مسبقًا، حيث تناولت هاتان الدراستان موضوعًا خاصًّا، ألا وهو موقف الشيعة إزاء السورتين . كتب «جوزيف إلياس» -وهو طالب في جامعة لندن- أطروحةً تتناول مكانة عليّ(عليه السلام) وموقعيّته في التراث الإثني عشريّ. حسب معرفتي، لم يتمّ نشر هذه الأطروحة، إلّا أنّني تمكّنت من الحصول على نسخةٍ منها. بحثت هذه الدراسة الوضعيّة المزدوجة لعليّ(عليه السلام) في التراث الشيعيّ، حيث إنّ عقيدتهم تقضي بأنّ عليًّا(عليه السلام) أدنى روحيًّا من محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلّا أنّهم وفي الوقت عينه، يتعاملون معه بالدرجة نفسها من التعظيم والتبجيل الذي يتعاملون به مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) . قام «جوزيف» بإعادة طبع الفصل الخامس من هذا العمل، والذي يحمل اسم «عليّ مفسّر الشريعة: القرآن»، ونشره في مقالٍ مستقلّ عام 1969 تحت عنوان «قرآن الشيعة: مراجعة في تفسير جولدتسيهر» . لم يكن هدف «جوزيف إلياس» من إجراء تلك الدراسة طرح اختلافات نصيّة جديدة، ولا حتّى مناقشة تلك التي نُشِرَت مسبقًا، بل كان يرمي إلى مراجعة استنتاجات «جولدتسيهر» التي طرحها ضمن عمله (اتّجاهات التفاسير الإسلاميّة للقرآن)، بما في ذلك وضعيّة السورتين. فضّلت أن أناقش دراسة «جوزيف» في هذه الفقرة بدلًا من مناقشتها في الفقرة السابقة، لأنّ أعمال «جولدتسيهر» و«جوزيف إلياس» لم تكن متمحورة حول السورتين بنفسيهما، بل مالت إلى إلقاء الضوء على المواقف الشيعيّة العامّة إزاء الاختلاف النصّي والقرآن الأصليّ.
جاءت الدراسة التالية بعد فترةٍ وجيزةٍ من مقال «جوزيف إلياس» الذي نشره عام 1969، تعود هذه الدراسة لـ«إيتان كولبرغ»، الذي خصّص لها جزءًا في كتاب «الفلسفة الإسلاميّة والتراث الكلاسيكيّ»، تحت عنوان «بعض الملاحظات حول موقف الإماميّة إزاء القرآن» . لكن لسوء الحظّ، لم أتمكّن من الوصول لهذا العمل؛ لذا من الأفضل تخطّيه إلى عملٍ آخر.
انقطعت الأبحاث حول الموضوع لما يقارب العقدين، ثمّ عادت بعد ذلك بشكلٍ مكثّفٍ نوعًا ما. الدراسة الأولى التي جاءت بعد ذلك الانقطاع، لم تتمحوّر حول الاختلافات النصيّة الشيعيّة، إنّما عالجت الموضوع بشيءٍ من التفصيل. ففي عام 1990 أصدر «مهدي عابدي» و«مايكل فيشر» كتابًا غريبًا إلى حدٍّ كبيرٍ يحمل اسم «مناقشات المسلمين: حوارات ثقافيّة حول ما بعد الحداثة والتقليد» . يناقش هذا الكتاب المعتقد والممارسة الإيرانيّة من منطلق أنثروبولوجيّ. وما يجعل منه كتابًا غريبًا، كونه نصًّا غير أكاديميٍّ واضحٍ، بل يُعَدُّ طرحًا يركّز على تيار الوعي ما بعد الحداثة. ناقش الفصل الثاني من الكتاب -وهو فصلٌ أكثر متانةً وجديّةً من غيره- قراءة المسلمين للقرآن عبر التاريخ، العلاقة بين التراث التفسيريّ للقرآن والسياسة المعاصرة، وكيف أثّرت تلك المحاور على الوعي الذاتيّ للفرد المسلم . لم يقدّم هذا العمل استنتاجات حول موضوع قرآن الشيعة تختلف عن تلك التي ذكرناها في الدراسات السابقة ، إلّا أنّني حرصت على الإشارة إليه لاستكمال قائمة التحقيقات الأكاديميّة حول الموضوع.
كما ذكرنا مسبقًا، تكثّفت الأعمال حول الموضوع في الفترة الأخيرة، حيث شهد هذا العقد عددًا من الدراسات يوازي عدد الدراسات التي أجرِيَت في القرن الماضي. وأولى هذه الدراسات خلال هذا العقد من الزمن كانت لـ«تود لاوسون»، تلك الدراسة التي اتّخذت طابعًا رصديًّا، ونُشِرَت عام 1991 تحت عنوان «مذكّرة حول دراسة قرآن الشيعة» . قام «لاوسون» في الصفحات الخمسة الأولى من دراسته، بتقديم تلخيصٍ -شاملٍ وموجزٍ إلى حدٍّ كبيرٍ- للأعمال الغربيّة التي تمّ إجراؤها مسبقًا، بعد ذلك أفرد «لاوسون» 10 صفحات لتلخيص مواقف الأكاديميّين المسلمين إزاء المسألة، من كتاب الكافي (في القرن العاشر)، حتّى كتاب الصافي (في القرن السابع عشر). تعدُّ هذه القائمة -حسب معرفتي- القائمة الأكثر شمولًا التي تمّ نشرها باللّغة الإنجليزيّة. لا داعي لعرض استنتاجات «لاوسون» ههنا، حيث سيتمّ نقاشها في الفقرات اللّاحقة.
نشر «بار آشر» مقالًا عام 1993 تحت عنوان «القراءات المتعدّدة وإضافات الإماميّة على القرآن» ، وهي معالجة تامّة -أكثر من غيرها من الدراسات- لموضوع القراءات المتعدّدة للقرآن. وعلى الرغم من انتقادي لتقويم «بار آشر» للسورتين، إلّا أنّني لا أنكر كونه صاحب فضل في إصدار ما كان الميدان العلميّ بحاجة إليه بالفعل، حيث جمع العديد من الآيات المختلفة التي تمّ طرحها في بحوثٍ سابقة في مكانٍ واحدٍ. لم يكن الهدف من هذه الدراسة إصدار مصنّف وافٍ وشامل، حيث إنّ «جيفري» كان قد قام بعملٍ مشابهٍ في كتابه «مواد لتاريخ النصّ القرآنيّ»، بل هدف «بار آشر» كان وضع قائمة للآيات التي لم يأتِ «جيفري» على ذكرها، وفَرْزُها بغية تحديد الاختلافات ذات الطابع الشيعيّ الخاص . وعلى الرغم من أهميّة هذه العملية وذاك الجهد، إلّا أنّ هناك سببًا آخرًا يجعل من دراسة «بار آشر» بالغة الأهميّة، ألا وهو: إفراد النصف الأوّل من مقالته لدراسة المبادئ الأساسيّة التي ترتكز عليها القراءات الشيعيّة المختلفة، نوع الاختلافات بينها من جهة، واختلافاتها مع مصحف عثمان من جهة أخرى. وهذا البحث، يعدُّ بمثابة التحقيق الأوّل الذي يناقش هذا الموضوع الدقيق بهذا العمق.
قسّم «بار آشر» الآيات المعروفة إلى 4 فئات ، الفئة الأولى تشمل المتغيّرات الطفيفة كتبديل حرفٍ بحرفٍ آخر، أو حركةٍ بحركةٍ أخرى، أو زيادة حرف، أو حركة في مكانٍ ما. وهذا النوع من المتغيّرات هو الأكثر شيوعًا، وفي الحقيقة، إنّ القراءات السبع أو الأربع عشرة -المقبولة من قبل كلّ المسلمين- منبثقة عنه. الفئة الثانية تشمل تبديل كلمةٍ بكلمةٍ أخرى، كاستبدال كلمة «إمام» بكلمة «أمّة». الفئة الثالثة تشمل ترتيب تسلسل الكلمات، وهو النوع الأكثر قبولًا لدى الشيعة. أمّا الاعتقاد بأنّ عثمان كان قد أقصى قدرًا كبيرًا من النصّ القرآنيّ الأصليّ، فهو خاصٌّ بعلماء الشيعة في القرون الأربعة الأولى، وبفرق الغلاة. والرأي الأكثر انتشارًا لدى الشيعة إلى اليوم، يشير إلى أنّ النسخة العثمانيّة حافظت على النصّ الكامل، لكن بترتيبٍ وتسلسلٍ خاطئٍ . هذا التفسير الذي قدّمه الشيعة لتفسير الترتيب الملتبس للآيات والسور، والسرد المشوّش للقصص الواردة في القرآن. الفئة الرابعة تشمل إضافة كلماتٍ يزعم الشيعة أنّه تمّ حذفها أو إسقاطها في النسخة الرسميّة، هذه الإسقاطات أو الحذف المزعوم استهدف غالبًا اسم «عليّ»، وأسماء الأئمّة الآخرين، التي تدلّ على خلافتهم أو قيادتهم.
زعم «بار آشر» أنّه قام بإدراج الآيات التي تعود للشيعة بشكلٍ واضحٍ في مصنّفه، لكنّه اعترف أنّ الشيعة لم يقوموا بأيّ محاولة لدسّ تلك الآيات في أيّ نسخة من النسخ الرسميّة لسببٍ غير معروفٍ، وقال في هذا المضمار: «في ظلّ هذا الرفض للنصّ السنّيّ، للمرءِ بطبيعة الحال أن يتوقّع قيام الشيعة بإدراج هذه النسخ البديلة والإضافات في النصّ القرآنيّ، أو على الأقلّ، الاستناد عليها في الفتاوى وتضمينها في الطقوس، إلّا أنّه في الحقيقة -وبقدر ما أعرف- لم يتخذ الشيعة الإماميّة أيّ إجراء لتقنين قراءاتهم المتعدّدة .
بعد دراسة «بار آشر» أعدّت العديد من الدراسات في السياق نفسه، منها الكتاب الذي أصدره «جيرالد هوتنج» عام 1993 تحت عنوان «مقاربات القرآن»، إلّا أنّه لم يتوفّر لدي؛ لذا سأنتقل إلى الكتاب الصادر عن «أمير معزّي» الذي ناقشت أجزاءً منه في الفقرات السابقة، والأجزاء المتبقّية سآتي على مناقشتها في الفقرات الأخرى. ويبقى بحثٌ أخيرٌ يجدر بي التطرّق إليه.
نشر «حسين المدرّسي» مقالًا عام 1993 تحت عنوان «مناقشات مبكّرة حول سلامة القرآن»، وصنّف مقاله كـ«دراسة استقصائيّة موجزة» . يعدُّ مقاله من الدراسات الأكثر استفاضةً وكثافةً، حيث إنّه يتطرّق إلى تاريخ صياغة النصّ القرآنيّ الرسميّ، وإلى الاختلافات النصيّة أيضًا. لا تختلف هذه الدراسة كثيرًا عن سابقاتها، باستثناء محورٍ واحدٍ تفرّد به «حسين المدرّسي» في مقاله، حيث طرح الكاتب مناقشة تفصيليّة تدرس إمكانيّة إضاعة بعض الأجزاء من النصّ الأصليّ وعدم إدراجها في النسخة العثمانيّة. لا يستند «حسين» في دراسته على الوثائق الشيعيّة، بل على أحداثٍ وردت في الروايات السنيّة. استشهد «حسين المدرّسي» بالكثير من الأمثلة، نكتفي بذكر بعضٍ منها؛ الأول: رويَ أنّ عمر في مرّة كان يبحث عن نصّ آية محدّدة، فاكتشف أنّ القارئ الوحيد الذي كان يمتلك تدوينًا لها، كان قد قُتِلَ في معركة اليمامة. الثانيّ: إنّ عمر تذكّر الآية التي تنصّ على عقوبة الرجم للزاني والزانية، لكن بما أنّه لم يجد من يؤيّد استذكاره للآية، لم يتمّ إدراجها في القرآن. الثالث: قول عائشة -الزوجة الأصغر لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)- إنّ الصحيفة التي دُوّنَت الآية عليها أكلها حيوانٌ أليفٌ كان قد اقتحم المنزل . أمّا بقيّة المقال كان شموليًّا ومكتوبًا بشكلٍ جيّدٍ، ويتوافق إلى حدٍّ كبيرٍ مع النقاط التي تمّت مناقشتها في الأعمال السابقة.
وخلاصة القول، إنّ تواجد قراءات متعدّدة ومتباينة للقرآن -بعد وفاة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)- واضح ومتعارف عليه عالميًّا، لكن من غير تحديد عدد المتغيّرات واختلافها عن النسخة العثمانيّة. وهذه الحالة من عدم اليقين منحت الشيعة بابًا لادّعاء وجود نصٍّ أصليٍّ يمنح الشرعيّة لعليّ وأهل بيت محمّد(عليه السلام) لقيادة الأمّة. كما أنّ حالة عدم اليقين هذه،وفّرت فرصة مقابلة لخصوم الشيعة تخوّلهم نسبة هذه الآراء زورًا للشيعة، وذلك بهدف تصويرهم كهراطقة، وبالتالي تشويه سمعة مذهبهم.
معظم الأعمال الأكاديميّة الاستشراقيّة خلصت إلى استنتاجٍ مفاده: أنّ الشيعة لم يحاولوا يومًا تغيير النسخة الرسميّة من القرآن، على الرغم من الفائدة العظيمة العائدة عليهم من ذلك الفعل أو المحاولة. كما أنّ عددًا قليلًا من المتغيّرات والاختلافات النصيّة التي ظهرت يمكن نسبتها للشيعة، والسورتان اللّتان تم اكتشافهما [سورة النور وسورة الولاية] زائفتان وملفّقتان.
أمّا ما تبقّى لنا لاستكمال هذه الدراسة، فهو البحث عن الطرق التي يدّعي فيها الشيعة تحريف المصحف العثمانيّ، ومحاولة الكشف عمّا إذا كانت تلك الادّعاءات صادرة عنهم فعلًا، أم أنّه تمّت نسبتها إليهم باطلًا من قبل خصومهم.
خامسًا: ادّعاءات الشيعة بتحريف القرآن
ولا بدّ في المقام من تقديم صورة واضحة للقارئ تبيّن موقف الباحثين من مسألة الاختلافات النصيّة؛ لذا سأتناول مسألة ذات صلة وثيقة بالموضوع، وهي مزاعم الشيعة وخصومهم التي تشير إلى أنّ النصّ القرآنيّ تمّ تحريفه عمدًا؛ لذا سأتطرّق إلى بحث إمكانيّة وجود تحريف في النصّ، بالإضافة إلى مسألة كون الادّعاءات بالتغيير أو التحريف عقيدة خاصّة بالشيعة أم لا .
يبدو أنّ هناك أربعة احتمالات تدور في فلك مسألة التشيّع وتغيير القرآن:
الأوّل: في بادئ الأمر، لم يكن للشيعة أي دور في طرح مزاعم التغيير النصّيّ، بل السنّة هم من شرعوا بنشرها.
الثاني: الشيعة ادّعوا أنّ النصّ القرآنيّ تعرّض للتحريف.
الثالث: لم يدّعِ الشيعة تحريف القرآن، وقالوا إنّ المصحف العثمانيّ مطابق بشكلٍ كاملٍ لكلام محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).
الرابع: ادّعى الشيعة أنّ مصحف عثمان محرّف، إلّا أنّهم يقبلونه بكلّ الأحوال.
وبخلاف التحقيقات الأكاديميّة التي تناولت موضوع الاختلافات النصيّة -والتي تمّت مناقشتها فيما سبق-، لم يتطوّر الإجماع العلميّ حول المسألة عبر الزمن، حيث إنّ الباحثين كانوا قد توصّلوا إلى الاستنتاجات الأربعة في دراستهم لمسألة تحريف القرآن، منذ القرن العاشر الميلاديّ حتى الفترة المتأخرة . وبناءً على ذلك، سأطرح مقاربةً للموضوع عبر عرض تلك الاحتمالات الأربعة واحدًا تلو الآخر.
الخيار الأوّل؛ وهو الأكثر متانةً ودقّة تاريخيًّا، لكنّه الأقلّ انتشارًا. هذا الخيار يحتوي على عناصر دقّة لا جدال فيها. يتّهم بعض الشيعة -خصوصًا أولئك الّذين يقولون بقبول النسخة القرآنيّة الرسميّة- أعداءهم، بأنّهم هم من خلقوا مسألة التحريف، بهدف تكفيرهم. ناقش «حسين المدرّسي» هذا الجانب باستفاضة . والمفاجئ أنّ هذا الخيار يبدو -على الأقلّ جزئيًّا- صحيحًا إلى حدٍّ بعيدٍ، فمن الواضح أنّ الشيعة لم يكونوا المبتدعين لفكرة التحريف، حيث إنّ الأمّة الإسلاميّة كانت مدركة للمشكلة قبل وقتٍ طويلٍ من وجود المذهب الشيعيّ. وقعت معركة اليمامة بعد فترةٍ قصيرةٍ من وفاة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) -وفقًا لمصادر إسلاميّة تقليديّة-، حيث قُتِلِ العديد من الحفّاظ، وهذا ما ألهمَ الأمّة بضرورة جمع القرآن. كما أنّ المجتمع الإسلاميّ كان مدركًا حقيقة أنّ صيانة القرآن لم تعد مضمونة، بل ومعرّضة للخطر أيضًا. وفي هذه الواقعة -أي معركة اليمامة- عرف الناس أنّ المدوّنين الوحيدين لآياتٍ محدّدةٍ قد قُتِلوا، وهذا ما يدلّل على أنّ فقدان أو تضييع النصوص كان يشكّل مشكلةً في تلك المرحلة المبكّرة، وذلك قبل وجود الشيعة، بل قبل وجود ما يسمّى بحزب عليّ(عليه السلام) حتّى .
يقول «حسين المدرّسي» إنّ الروايات التي تتمحوّر حول التغييرات النصيّة وفقدان عددٍ من الآيات بقيت فكرة شائعة في الأوساط السنيّة في الأعوام القليلة التي تلت وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما أنّه فصّل عمليّة تحوّل تلك الثغرات والتغييرات المزعومة إلى ما أسماه «رسائل علميّة ضخمة» في الأدب السنّيّ . لكن سرعان ما بدأ أفراد من الساخطين، بالاحتجاج على هذه الادّعاءات السنيّة. ولمواجهة هذا التحدّي، قال «حسين المدّرسي» إنّ السنّة بدأوا بتجاهل التدوينات النصيّة التي تشير إلى تحريف الآيات، بل وذهبوا أبعد من ذلك إلى حظر تلك التدوينات والنهي عن تداولها. ومع مرور الوقت، بدأت روايات التحريف تلك تُنسَب إلى الشيعة، في الوقت الذي كانوا فيه يلتمسون الطرق لتقويض السلطات الأمويّة المتصلّبة. ووفقًا لـ«حسين المدرّسي»، بدأ الشيعة لاحقًا باعتماد بعض روايات التحريف ، وفيما بعد تسرّبت إلى التراث الروائيّ الشيعيّ ونُسِبَت إلى الأئمّة باطلًا . وفيما بعد، انقلبت الأدوار، وبدأ الخصوم باتّهام الشيعة بالقول بتحريف القرآن، بل وشرع السنّة المتأخرون باتّهام الشيعة بابتداع فكرة التحريف لمخالفة إجماع المسلمين، وخصوصًا السنّة .
أعتقد أنّ الطرح الأكاديميّ الأوّل الذي يشير إلى احتماليّة وجود علاقة بين التشيّع وتحريف القرآن -غير ترجمة السورتين- جاء به «جولدتسيهر»، حيث أصدر عام 1913 سلسلة من المحاضرات، بعضها تمّ إدراجها في كتابه المذكور سابقًا (اتّجاهات التفاسير الإسلاميّة للقرآن). ادّعى «جوزيف إلياس» أنّ الاستنتاجات التي استخلصها «جولدتسيهر» حظيت بقبولٍ مطلقٍ من قبل الباحثين الإسلاميّين في جميع أنحاء العالم . انتقل «إلياس» لاحقًا إلى تفنيد استنتاجات «جولدتسيهر» على الشكل الآتي:
الأوّل: ادّعاء الشيعة أنّ المصحف العثمانيّ ليس القرآن الصحيح الذي جاء به محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه تمّ إسقاط أو حذف بعض الآيات والسور، بالإضافة إلى تغيير التسلسل النصّيّ.
الثاني: إنّ عليًّا كان يمتلك النسخة الحقيقيّة من القرآن، وجرى تناقلها عبر الأئمّة(عليه السلام) إلى أن وصلت إلى الإمام الثاني عشر الذي يمتلكها الآن.
الثالث: وفي فترة غياب الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه)، يجب على المؤمنين قبول النسخة العثمانيّة والعمل بها .
في حين أنّ «إلياس» لم يؤيّد جميع الاستنتاجات، حظيت تلك بقبول العديد من الباحثين وتأييدهم، كـ«فون غرونيبوم» الذي كتب ما يلي: «اتّهم الشيعة مؤلّفي المصحف بتعمّد حذف آيات معيّنة، أو سورة كاملة من شأنها أن تؤيّد عقائدهم» . وكما ذكرت مسبقًا، لم يهتمّ «غرونيبوم» بتقديم أي إيضاح يدعم هذا الكلام، كما أنّني لم أجد أي باحث ممّن يطرحون هذا الرأي، يقدّمون دليلًا كافيًا لتعزيز مدّعاهم، كما أنّ معظمهم يتطرّق إلى المسألة بشكلٍ عابرٍ . في المقابل، من المرجّح أن يكون علماء لاهوت تاريخ الأديان (علم الهرطقة)، هم أوّل من خلقوا فكرة ربط التشيّع بتحريف القرآن، و«أمير معزّي» استند في كتبه على أعمالٍ، هي بدورها قائمة على أساس الرأي الذي يعتقد بتحريف النسخة الرسميّة، وعلى القراءات الإماميّة الباطنيّة. حتى «أمير» يبدو متردّدًا في إلصاق نظريّات التحريف بالشيعة بشكلٍ كاملٍ. وعلى الرغم من أنّ المنهج الذي اتّبعه يُبطِل معظم مصادره، إلّا أنّ «أمير» يقول بشكلٍ واضحٍ: «الشكوك بشأن سلامة القرآن من قبل الإماميّة ليس له أساس تاريخيّ» .
وفي المقام سوف نسستعرض الخيار الثالث، ومن ثمّ نعود إلى إلقاء الضوء على الخيار الثاني بشكلٍ سريعٍ. كان الإسلام الشيعيّ في العديد من محطّاته التاريخيّة واضحًا بشأن قبول القرآن الرسميّ، وبشكلٍ خاصٍّ في محطّتين أساسيّتين، وهما: عصوره الأولى، ومرحلة ما بعد الغيبة التي تمتّد إلى يومنا هذا.
استعرض «حسين المدرّسي» تاريخ الاعتقاد بتحريف النصّ ووصفه بالـديناميكيّ والمتحرّك». بدايةً، وكما أسلفنا، أظهر أنّ الادّعاءات الأولى بالتحريف جاءت من قبل السنّة، وحتى وقتٍ متأخّرٍ من القرن الثاني الهجريّ، لم يدّعِ الأئمّة(عليهم السلام) ذلك. والدليل على ذلك أنّ العلوم والنصوص الشيعيّة المتأصّلة احتوت على قائمة من الاعتراضات والامتعاضات تجاه الخلفاء الثلاثة، لم يكن من ضمنها مسألة تحريف القرآن . وفي وقتٍ لاحقٍ، حين بدأ السنّة بتجاهل نظريّات التحريف واستبعادها، بدأ الشيعة بقبولها.
بيّن «أمير معزّي» أنّ التشيّع كان في أكثر مراحله باطنيّةً في العهود الإماميّة الأولى، فكان الشيعة في الوقت عينه يتظاهرون بالتوافق مع المعايير الاجتماعيّة القائمة من جهة، ويتّبعون سرًّا تعاليم الإمام المُبَتدَعة من جهةٍ أخرى. لاحقًا، بلغت درجة الباطنيّة ذروتها في عهد الإمامين الخامس والسادس [الباقر والصادق(عليهم السلام)]، ومعظم النظريّات الثيو-صوفيّة كانت وليدة تلك الفترة . كما شهدت الفترة نفسها أقصى حدود المزاعم القائلة بتحريف القرآن. من جهةٍ أخرى، يعتقد الشيعة أنّ المصحف الرسميّ «قرآنٌ صامتٌ»، بعكس الإمام الذي يعتبرونه «القرآن الناطق» . وبعد غيبة الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه)، تغيّر كلّ شيء، حيث لم يعد الشيعة قادرين على الوصول إلى قرآنهم الناطق [الإمام]، فلم يبقَ لديهم سوى القرآن العثمانيّ كصلة وصلٍ مع اللّه -بصرف النظر عن الأبواب والعلماء- ، لذا اضطّر الشيعة إلى قبول هذه النسخة.
يعتقد الشيعة أنّ القرآن الرسميّ موثوق وسليم، لكن يختلفون في قضيّة تسلسل الآيات وتغيير الحركات. هذا القبول التام لخّصه تصريح «الشيخ ابن بابويه الصدوق» -في القرن التاسع عشر، والذي جاء فيه: «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله اللّه تعالى على نبيّه محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مئة وأربع عشرة سورة» .
أكّد «الطباطبائيّ» اعتقاده بموثوقيّة القرآن من خلال سكوته، حيث ناقش في كتابه «الشيعة في الإسلام» موقف الشيعة إزاء القرآن، ولم يأتِ على ذكر -ولو لمرّة واحدة- احتماليّة وجود تغيير أو تحريف في القرآن، أو أنّ بعض الشيعة عبر التاريخ كانوا يعتقدون ذلك. وفي الحقيقة، ذهب «الطباطبائيّ» إلى أبعد من ذلك، ورفض قاعدة التأويلات الباطنيّة للآيات، فقال: « إنّ القرآن لا يستخدم أسلوب الألغاز في طريقة عرضه للمواضيع، إنّما يشرحها بأسلوبٍ وكلماتٍ تتناسب مع كلٍّ منها» .
قد لا يبدو مفاجئًا كون الخيارين الثاني والثالث يبدوان مشوّشين وغير متّسقين، والواقع أنّ العديد من المستشرقين تبنّوا هذا الرأي. حيث قال «فون غرونيبوم»: «لم يتمكّن الشيعة أنفسهم من التوصّل إلى اتّفاقٍ فيما بينهم يؤكّد تحريف النصّ المقدّس من قبل خصومهم» . هذا الالتباس والغموض الذي يخيّم على موقف الشيعة إزاء القرآن، يمكن حلّه عن طريق الخيار الرابع، الذي يفيد بأنّ الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن بصورة أو بأخرى، إلّا أنّهم يقبلونه بكلّ الأحوال. هذا هو الاستنتاج الذي خلص إليه «جوزيف إلياس» في مراجعته لادّعاءات «جولدتسيهر»، كما أصبح الاستنتاج الأكثر مقبوليّةً في الوسط الأكاديميّ.
وهذا الحلّ يعود بنا إلى مبدأ التقيّة الخاص بالشيعة. لا يبدو أنّ الشيعة -على الأرجح- في يومٍ من الأيّام كانوا قادرين على قبول القرآن الرسميّ بشكلٍ كاملٍ، وذلك بسبب مذهبهم الذي يحتّم عليهم الاعتقاد بأنّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد نصّبَ عليًّا(عليه السلام) خليفة له، وحيث لم تأتِ الأحاديث السنيّة والقرآن العثمانيّ بشواهد يعتقد الشيعة بأنّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد كشف عنها، لذا يميلون إلى الإيمان بأنّ شيئًا ما، في وقتٍ ما، قد تمّ حذفه. يفسّر «بار آشر» هذه الازدواجيّة بقوله إنّ الشيعة تبنّوا «موقفًا استعلائيًّا متشدّدًا على المستوى العقائديّ النظريّ»، إلّا أنّ خوفهم المستمرّ من الاضطّهاد، أجبرهم على تبنّي «موقف براغماتيّ يشمل اعتمادهم للمصحف العثمانيّ» .
يبدو أنّ استنتاجات «جوزيف إلياس» ستصبح القاعدة أو المعيار بالنسبة للمجتمع العلميّ، حيث تمّ نقلها والاستشهاد بها في معظم الأعمال المكتوبة التي أتت بعدها . كما أنّها تُعدُّ عرضًا -على إيجازه- شاملًا ووافيًا للموضوع، يستند إليه الكثير من الباحثين في أعمالهم.
وبصرف النظر عن كون «جوزيف إلياس» غير مدركٍ لنطاق ما تسمح به التقيّة للشيعة بكتم معتقداتهم وإخفائها، أعتقد أنّ أنسب ما يمكن أن أختتم به هذا البحث هو هذه الاستنتاجات: «إنّ الشكل المقبول للقرآن لدى السنّة، هو نفسه المقبول لدى الشيعة الإماميّة. كما أنّهم لا يؤمنون بتحريف محتوى المصحف العثمانيّ، بل يعتقدون ببعض التغييرات الطارئة على ترتيب السور وبعض الآيات المختلِطة (باستثناء بعض الاختلافات الناجمة عن القراءات المتعدّدة)، وأنّ عليًّا والأئمّة الـ11(عليهم السلام) من بعد محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) يتفرّدون بمعرفة الترتيب الصحيح للقرآن ».


لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
ابن سعد، الطبقات، دار صادر، بيروت.
البرسي، الحافظ رجب، مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين، تحقيق: السيد علي عاشور، ط1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، 1419-1999.
السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تححقق: زمرلى، فواز أحمد، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، 1421.
الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ محمد عبده، ط1، دار الذخائر، قم – إيران، 1412-1370ش.
الشيخ الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، تحقيق: عصام عبد السيد، ط2، دار المفيد، بيروت – لبنان، 1414-1993.
الشيخ الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، تحقيق: عصام عبد السيد، ط2، دار المفيد، بيروت – لبنان، 1414-1993.
الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، تصحيح وتعليق وتقديم : الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، بيروت – لبنان، 1404-1984.
الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، ط1، مكتب الإعلام الإسلامي، 1409.
الشيخ المفيد، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري، ط2، دار المفيد، بيروت – لبنان، 1414-1993.
الطباطبائي، الشيعة في الإسلام، تعريب: السيد أحمد الحسيني.
الطباطبائي، القرآن في الإسلام، ط1، بيت الكاتب – بيروت.
الطبرسي، الاحتجاج، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر – النجف الأشرف، 1386-1966.
العسقلاني، ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ط2، دار المعرفة، بيروت – لبنان.
العلامة الحليّ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، تحقيق: حسين الدرگاهي، ط1، 1411.
العياشي، تفسير العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلاميّة، طهران.
القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، 1387.
الكليني، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط5، دار الكتب الإسلامية – طهران، 1363ش.
المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1961.
المفيد، الاختصاص، تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، ط2، دار المفيد، بيروت – لبنان، 1414-1993.
المفيد، المسائل السرورية، تحقيق: صائب عبد الحميد، ط1، دار المفيد، بيروت – لبنان، 1414-1993.
الهلالي، سليم بن قيس، كتاب سليم، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط1، 1422-1380.
لائحة المصادر الأجنبيّة
Cf. G. E. von Grunebaum, “Self-Image and Approach to History”, in Bernard Lewis and P. M. Holt, eds., Historians of the Middle East (London: Oxford University Press, 1962).
al-Amin, Islamic Shi’ite Encyclopedia, vol. 1.
al-Hilli, quoted in Eliash, ‘Ali b. Abi Talib.
Bernard Lewis, “The Shi’a in Islamic History”, in Martin Kramer, ed. Shi’ism, Resistance, and Revolution (Boulder, Colora-do: Westview Press, 1987).
Bernard Lewis, “The Shi’a in Islamic History».
Cf. any study of linguistic theory from the death of Ferdinand Saussure (1857-1913) to the present.
Cf. Momen, Shi’i Islam, “The Conferment of the Imamate by Designation or Covenant”.
E.g. Daftary, The Isma’ilis; Philip K. Hitti, History of the Arabs: From the Earliest Times to the Present (London: The Mac-Millan Press Ltd., 1970); Marshall G. S. Hodgson, The Venture of Islam. vol. 1: The Classical Age of Islam (Chicago: The University of Chicago Press, 1974); and W. Montgomery Watt, The Formative Period in Islamic Thought (Edinburgh: Ed-inburgh University Press, 1973).
Eliash quotes from Rodwell’s interpretation, citing it as verse 5:60, and he only mentions that part of the verse cited above.
Encyclopaedia Islamica, 1913 sqq. ed. and 1960 ed., searching under “’Ali ibn. Abi Talib,” “Shi’a,” “Muhammad,” “pen,” “ink,” “saqifa,” “Banu Sa’ida,” and “Sa’ida”.
Etan Kohlberg, “Some Imami Shi’i views on the Sahaba”, in Belief and Law in Imami Shi’ism (Hampshire, U.K.: Variorum, 1991, article IX.
Gimaret, trans. Shahrastani’s Livre des religions, note 16.
John L. Esposito, Islam: The Straight Path (New York: Oxford University Press, 1988.
Kennedy, The Prophet.
Khan, The Right Path, vol. I, note 2.
Lewis, History: Remembered, Recovered, Invented.
Mark C. Taylor, Erring: A Postmodern A/ theology (Chicago: The University of Chicago Press, 1984).
Marshall G. S. Hodgson, “How did the Early Shi’a Become Sectarian?” Journal of the American Oriental Society, vol. 75, 1955.
Montgomery W. Watt, “The Significance of the Early Stages of Imami Shi’ism,” in Nikki R. Keddie, ed. Religion and Poli-tics: Shi’ism from Quietism to Revolution (New Haven: Yale University Press, 1983).
Montgomery W. Watt, The Majesty that was Islam (London: Sidgwick and Jackson, 1974). The Encyclopaedia Islamica expresses a clearly-defined opinion on this: “There was... a Shi’at ‘Ali... at the very latest immediately after the death of the Prophet”.
Muhammad Ben ‘Abd al-Karîm Shahrastâni, Les dissidences de l’islam, trans. Jean-Claude Vadet (Paris: Librairie Oriental-iste Paul Geuthner S.A., 1984).
Quoted in al-Amin, Islamic Shi’ite Encyclopedia, vol. 1.
Donaldson, The Shi’ite Religion.
Sharafuddeen, vol. 2.
S. Husain M. Jafri, Origins and Early Development of Shi’a Islam (Librairie du Liban, London, 1979).
Shahrastani, in Vadet, trans. Shahrastâni’s, Les dissidences de l’islam.
Shehabi, “Shi’a”.
Tabataba’i, Shi’ite Islam, note 11, for more, and full, references.
The following account is taken from al-Bukhari’s “genuine” (sahih) collection of hadiths, accessed from the Internet (Linkname: Hadith Bukhari (English Translation); URL: http://www.isnet.org/cgi-bin/hadith/bukhari), trans. and ed. anonymous, Volume 1, Book 3, Number 114.
Though al-Amini writes that the Ghadir Khumm did occur on 18 Dhu’l-Hijja.
W. Montgomery Watt, “The Rafidites: A Preliminary Study” (Oriens, vol. 16, 1993).
Wilfred Cantwell Smith, Islam in Modern History (Princeton: Princeton University Press, 1977).