البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الإمام الصادق (عليه السلام) في الرؤى الاستشراقية

الباحث :  محمد رضا الخاقاني (بيگ)
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  40
السنة :  خريف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 11 / 2024
عدد زيارات البحث :  100
تحميل  ( 718.533 KB )
الملخّص
لا تقتصر دراسة المستشرقين للعالم والتراث الإسلامي بفترة أو حقبة معيّنة، بل غاصوا في تفاصيل التاريخ الإسلامي بمختلف مراحله، ولم تكن فترة ما بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أقلّ أهميّة عندهم، فقد حلّلوا وناقشوا وأعطوا آراء مختلفة فيما حصل عقب وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). مرورًا بمراحل أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، ووصولًا إلى المراحل اللاحقة في التاريخ الإسلامي.
وإنّ الدور البنيوي والرئيسي للإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في التأسيس والتبيين الفقهي والاعتقادي للإمامية أدّى إلى اعتبار الإمام وتراثه ودوره في إحياء العلوم ومساراتها مادة غنية وعميقة تحتاج إلى الدراسة والبحث والتنقيب؛ ولهذا توجّهت أنظار كبار الباحثين الغربيين إليه. وهذا ما يظهر بوضوح في الموسوعات الإسلامية التي أُلّفت في الغرب، والمقالات والبحوث والدراسات، والتي غالبًا ما تحتوي على أبواب ومداخل حول دراسة حياة الإمام جعفر بن محمّد(عليه السلام) وتعاليم ومبادئه، فقد عملت هذه الدراسة على تنقيب ما ألّفه المستشرقون من مداخل الموسوعات، الدراسات والمقالات العلمية، فصول من الكتب ورسائل جامعية، عن الإمام الصادق(عليه السلام)، ومن ثمّ القيام بتبيين مدّعاها وتحليلاتها عن علاقة جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) بالمسائل الفقهية والحديثية والاعتقادية.

ولقد قام الباحث بتويب آراء المستشرقين عن الإمام الصادق(عليه السلام) في أربعة أقسام: «إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)»، «الخلفاء في نظر الصادق(عليه السلام)»، «الإمام الصادق(عليه السلام) والفكر المعتزلي» و«الإمام الصادق(عليه السلام): موقعه العلمي وأثره في الفكر الشيعي». وقد أولى الباحث بالتمحيص والنقد ما كتبه المستشرقون عن الإمام الصادق(عليه السلام) في هذه الموارد الأربعة.
كلمات مفتاحية: الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، الفكر المعتزلي، الدراسات الغربية، جوناثان براون، كريم دوغلاس كرو، ولفرد مادلونغ، مثيو بيرس، رسالة باكلي، الفكر الشيعي.

قبس من سيرة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) (83-148هـ)، سادس أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، والإمام السادس للشيعة الاثنا عشرية، وكانت فترة إمامته 34 عامًا، وإليه ينسب المذهب الجعفري.

أمّه: السيدة (أم فروة) بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، كانت من سيدات النساء عفّة وشرفًا وفضلًا، فقد تربّت في بيت أبيها، وهو من الفضلاء في عصره، كما تلقّت الفقه والمعارف الإسلاميّة من زوجها الإمام محمد الباقر(عليه السلام)، وكانت على جانب كبير من الفضل، فقد كانت مرجعًا للسيدات من نساء بلدها وغيره في مهام أُمورهن الدينيّة، وكانت تعامَل في بيتها بإجلال واحترام من قِبل زوجها وباقي أفراد العائلة النبويّة[2].

من ألقابه
الصادق: لقّبه به جدّه النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنه أصدق الناس في حديثه وكلامه[3].
وكنيته أبو عبد الله، (نسبة إلى ولده عبد الله)، وهذه الكنية هي التي اشتهر بها، وخاصة في الروايات، وأبو إسماعيل (نسبة إلى ولده إسماعيل)، وأبو موسى (نسبة إلى ولده موسى الكاظم(عليه السلام))[4].

عصر إمامته(عليه السلام): يمكن تقسيمه إلى مرحلتين: المرحلة الأولى: فترة انهيار الدولة الأُمويّة حتى أفولها (132-144هـ): عاصر(عليه السلام) في هذه المرحلة هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد المعروف بـ(الناقص)، ثم أخيه إبراهيم بن الوليد، ثم مروان بن محمد المعروف بـ(مروان الحمار) آخر ملوك الدولة الامويّة التي عاثت في الأرض فسادًا؛ والمرحلة الثانية: فترة تأسيس الدولة العباسيّة حتى استشهاده(عليه السلام) (132-148هـ)؛ عاصر(عليه السلام) في هذه المرحلة السفاح، وأبي جعفر المنصور، واستشهد(عليه السلام) مسمومًا في حكم المنصور العباسي[5].

وتستغرق هذه المدّة الفترة الانتقالية بين السلطتين الأمويّة والعباسية، حيث أصبحت الدولة الأموية في هوّة انحدارها، وازدادت القلاقل والفتن ضدّها، وكانت الدولة العباسية في بداية نشوئها، حيث لم تنته الثورة بعد، ولم تستقر الدولة، ولم تسيطر على الموقف بشكل قويّ، وبالتالي لا يوجد كيان لدولة متكاملة تستطيع أن تمسك مفاصل الحكم، وتضع سياسات إدارة البلاد، وتنظيم شؤون العباد.

في هذه الظروف الحسّاسة عاش الإمام الصادق(عليه السلام) حياته وتفرّغ خلالها لتبليغ الرسالة، ومجالس العلم، والتعليم، وبيان أحكام الشريعة الإسلامية، كما وردت عن نبي الإسلام محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعالجة كل الانحرافات العلمية والفكرية التي طرأت على الشريعة الإسلامية في العصور السالفة، بإعادة إحياء الأصول العلمية الحقيقية والواقعية، وتربية جيل من العلماء والفقهاء والمتخصّصين لهذه الغاية، هذا كله إلى جانب قيامه بوظائف إمامة المسلمين. وقد أقدم الصادق(عليه السلام) في ظلّ هذه الظروف على تربية جيل من أصحابه الذين حفظوا كمًا كبيرًا من الروايات للأجيال اللاحقة. أثر الإمام الصادق(عليه السلام) البارز في التأسيس الفقهي والاعتقادي للطائفة الإمامية كان بحدّ أنّ المذهب الشيعي سُمّي باسم «المذهب الجعفري».
وإن هذا الدور العلمي الكبير؛ التأسيسي والبنيوي والتصحيحي للإمام الصادق(عليه السلام) هو الذي جعل تراثه وشخصيته ودوره موضوعًا للبحث والتحقيق المعمّقين عند الغربيين، حيث أخذوا بدراسة حياة الإمام الصادق(عليه السلام) وتراثه المعرفي، كذلك دراسة أثره(عليه السلام) في إيجاد البنى الفكريّة للهويّة الشيعيّة.

ولطالما عمل المحقّقون المسلمون على دراسة ما قدّمه الاستشراق من خلال التمحيص والتبيين لنقاط الهبوط والصعود العلمي في دراساتهم. من جملة هذه الأعمال، يُمكن أن يشار إلى مقالة «الإمام الصادق(عليه السلام) من منظور المستشرقين» للسيد محمد إحساني[6]، «المستشرقون والحديث الإمامي: تصنيف وتحليل الدراسات» لعلي حسن نيا وعلي راد[7] ومقالة «دراسة ونقد رأي المستشرقين في فضائل أهل البيت(عليهم السلام)» لعليرضا صابريان، محمد جهادي ورضا كهساري[8]. لا بدّ من الإشارة إلى أنّه، عدا الدراسة الأولى التي ترتبط بنقد آراء المستشريق حول الإمام الصادق(عليه السلام)، فالبحث حول درء شبهاتهم حوله(عليه السلام) قد احتلّ جزءًا من الدراسات الأخرى المشار إليها.
هناك بعض الدراسات الأخرى التي أُلّفت بهدف نقد آراء المستشرقين حول الأئمة(عليهم السلام) وتمحيصها، وقد اختُصّ قسم منها بالإمام الصادق(عليه السلام). في كتاب صورة أئمة الشيعة في موسوعة الإسلام، خُصّص فصل بنقد قسم الإمام الصادق(عليه السلام) من الإصدار الثاني من موسوعة الإسلام، حيث قام بذلك نعمت الله صفري فروشاني[9]. كما يُمكن الإشارة إلى كتاب الإمام الصادق(عليه السلام) كما عرفه علماء الغرب، حيث قام نور الدين آل علي بتبيين ما كتبه المحققون الغربيون عن الإمام الصادق(عليه السلام) حول شؤونه المختلفة العلمية والمعرفية وما ترك من الأثر على الحضارة الإسلامية[10].

في هذه الدراسة حاولنا الحصول على أكثر كمّ كان من الممكن الحصول علي من الآثار العلمية للعلماء الغربيين. كما حاولنا في طريق تمحيص مدّعياتهم، أن نسلك المنهج التاريخي كما اتّخذ ذلك المستشرقون، فنرجع في الوهلة الأولى إلى مستندات دعواهم ونحاول أن نجيب على ذلك وفقًا لمنهج مشابه لهم. الذي يهمّ في المقال، هو أنّه بدراسة ما كتبه المستشرقون عن الإمام الصادق(عليه السلام) من تقديم تحليلات تاريخية، يتبيّن جليًا افتقارها إلى استقراء تامّ وتتبّع كافٍ للمصادر. فلهذا السبب، نجد كثيرًا ما يُمكن العثور على موارد تناقض مدّعياتهم في مصادر يشابه مستنداتهم من جهة الاعتبار. كما أنّ عدم التمكّن من فهم مستقيم للنصوص في بعض الحالات قد عرّض تحليل بعض الكاتبين إلى الخطأ. الركون إلى روايات مغرضة في بعض مصادر المخالفين وتلقّي صحة فحواها، جعلت بعض مدّعيات الغربيين بعيدة عن وادي الصحة والاعتبار.

الإمام الصادق(عليه السلام) في الدراسات الغربية
يُمكن أن يُقال إنّ إيتان كوهلبرغ[11] لأوّل مرّة وبصدد دراسة التشيّع الإمامي أشار إلى موقع الإمام الصادق(عليه السلام) في الفكر الشيعي، فإنّه في مقالته المعنونة بـ«مصلح» «المحدّث» في التشيّع الاثني عشري»، أشار إلى موقع جعفر بن محمد(عليه السلام) في الفكر الشيعي، وبيّن أنّ علم الإمام(عليه السلام)، وفقًا لمعتقد الشيعة، ناشئ عن كونه(عليه السلام) محدَّثًا بتحديث إلهي[12]. في دراسة أخرى لكوهلبرغ نفسه وتحت عنوان «بعض تفاسير الشيعة الإمامية عن التاريخ الأموي»، أقدم على تقديم صورة عن مسألة إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، حيث أشار إلى عدم المقبولية التامة لذلك بين الشيعة، فلم تعد إمامة الإمام السجاد(عليه السلام) مقبولة في المجتمع الشيعي إلّا إلى وقت تثبيت إمامة جعفر بن محمد(عليه السلام)، كما أنّه عدّ الفرقة «الزيدية» معادية ومخالفة لإمامة الإمام الصادق(عليه السلام)[13]. في دراسة أخرى وبطرح دعوى أنّ بعض أصحاب الأئمة(عليهم السلام) لم يعتقدوا بالمرجعية العلمية لهم في جميع الساحات العلمية، أقدم على ذكر بعض النماذج. من ضمن هذه النماذج كان هشام بن الحكم (ت بين 179-199هـ)، حيث وفقًا لرواية لم يعتقد بالإمام الصادق(عليه السلام) بصفته متبحّرًا في علم الكلام[14].

لقد ألّف مارشال هودجسون (ت 1968م)[15] قسم «[الإمام] جعفر الصادق(عليه السلام)» في الإصدار الثاني من موسوعة الإسلام. وقدّم في ذلك سيرة مختصر من حياة الإمام الصادق(عليه السلام)، حيث بيّن موقعه العلمي والسياسي بين معاصريه[16]. لقد تُرجم هذا المدخل سابقًا إلى اللغة الفارسية، وقام بنقد ما جاء فيه نعمت الله صفري فروشاني[17].
أشار يوسف فان إس (ت 2021م) في كتابه علم الكلام والمجتمع في بعض الموارد إلى الإمام الصادق(عليه السلام). من ضمن تلك الإشارات، وفي مقام ترسيم الحيرة العارضة على الشيعة بُعيد استشهاد الإمام الباقر(عليه السلام)، صوّر الطائفة الإمامية أمام خيارين: إمّا أن يختاروا زيد بن علي إمامًا، بناءً على أنّه كان أكبر من جعفر بن محمّد، أو أن يعتقدوا بإمامة الصادق(عليه السلام) بناءً على انتقال أمر الإمامة من الأب إلى الابن[18]. لقد كتب فان إس في قسم آخر من كتابه مشيرًا إلى وصول نسب الإمام الصادق(عليه السلام) إلى أبي بكر من جهة أمّه، زاعمًا أنّه لا الإمام الصادق(عليه السلام) ولا أبوه الباقر(عليه السلام)، لم يبدوا أيّ محاولة إلى نقد ما قام به الأوّل من الخفاء من غصب حقّ خلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)[19].

جون هيوود[20]، مؤلّف قسم «[الإمام] جعفر الصادق(عليه السلام)» في موسوعة بريتانيكا، قد قدّم سيرة مقتضبة عن حياة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) العلمية والسياسية. لقد ادّعى في القسم الذي بيّن وصول نسب الإمام الصادق(عليه السلام) إلى الخليفة الأول من جهة أمّه(عليه السلام) أنّ الصادق(عليه السلام)، نظرًا إلى هذه القرابة النسبية، لم يسمح لأيّ شخص أبدًا أن يبدي وهنًا إلى أبي بكر[21].

في موسوعة إيرانيكا قد خُصّص مدخل بالإمام الصادق(عليه السلام). روبرت غليو[22] الذي ألّف القسم الأوّل والثاني من هذا المدخل في حياة وتعاليم الإمام الصادق(عليه السلام) قدّم ابتداءً سيرة مقتبضة عن حيات الإمام جعفر بن محمد(عليه السلام) وعصر إمامته(عليه السلام). إنّه في قسم تعاليم الإمام الصادق(عليه السلام)، بالإشارة إلى كتاب الإمام الصادق؛ حياته وعصره وآراؤه الفقهية لمحمّد أبو زهرة (ت 1974م)، وبيّن أنّ بعض باحثي أهل السنة حاولوا أن يجعلوا الكلام الإمامي متأثّرًا بالكلام المعتزلي. من ثمّ قام غليو، بالنظر إلى محورية تعاليم الإمام الصادق(عليه السلام) في علم الكلام الإمامي، بذكر نماذج من التقارب الاعتقادي في مسائل كلامية كـ«الجبر والاختيار» بين روايات جعفر بن محمد(عليه السلام) والكلام المعتزلي، مشيرًا إلى اتّحادها في الرؤى الاعتقادية[23].
جوناثان براون[24] في بعض أقسام كتابه المسمّى بـ الحديث، أشار إلى الإمام الصادق(عليه السلام)، حيث إنّه في بعض الموارد بحث حول الدور الرئيسي للإمام الصادق(عليه السلام) في سلسلة أسانيد الروايات الشيعية، وفي مورد آخر درس إقبال الشيعة على جمع وترتيب الروايات عنه(عليه السلام)[25].

كريم دوغلاس كرو[26] في مقالة تحت عنوان «الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) وتفصيل التشيّع» ضمن كتاب عالم التشيّع: طرق في السنّة والحداثة، حاول دراسة حياة الإمام الصادق(عليه السلام) وتراثه الروائي، حيث إنّه بالبحث عن حياة الصادق(عليه السلام) والأرضية السياسية والتاريخية التي فيها استلم جعفر بن محمد(عليه السلام) أمر الإمامة، أقدم على دراسة تعاليمه. الدور الجعفري في إيضاح مسائل كـ«الإمامة» و«الولاية»، الدور الجعفري الرئيس في التراث الشيعة الروائي، مقابلة الإمام الصادق(عليه السلام) مع الأفكار الباطنية والغلاة، دور معارف الإمام الصادق(عليه السلام) في تأسيس المجتمع الشيعي الفكري، الدور المؤثّر في تأسيس نواة الشيعة الكلامية والتعاليم الأخلاقية والمعنوية للإمام الصادق(عليه السلام)، كانت الموضوعات التي تناولها كرو في هذه المقالة مهمة، حيث إنّه رأى للصادق(عليه السلام) أثرًا بالغًا في الحضارة الإسلامية، إذ لا يمكن غض الطرف عنها، ففسّر إقبال النِحَل الفكرية المختلفة إليه(عليه السلام) على أنّه كان من هذا المنطلق. لم يجد كرو روايات جعفر بن محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) جوابًا للتساؤلات في عصره فحسب، بل وجدها طريقًا ومنهجًا للإجابة على جميع التساؤلات عن الدين بتمهيد قواعد للمبادئ الدينية الأساسية. فإنّه في نهاية المطاف رأى تأثّر التراث الروائي الصادقي من شخصيّته القدسية مانعًا عن الوصول إلى شخصية الصادق(عليه السلام) التاريخية وعدّه عاملًا في اختفائها[27].

قام ولفرد مادلونغ (ت 2023م)[28] في مقالته: «الكلام الإمامي المبكّر كما تجلّى في كتاب الكافي للكليني» ببيان وجوه التشابه بين الروايات الكلامية للإمام الصادق(عليه السلام) مع الكلام المعتزلي. أشار مادلونغ إلى واقعة حيث شكا بعض أصحاب الصادق(عليه السلام) قول هشام بن الحكم في الوجود النوري لله وكونه جسمًا، فالإمام(عليه السلام) بعد ردّ ما زعمه هشام في ذلك، قد اتّخذ رأيًا قريبًا لاعتقاد المعتزلة في تلك المسألة. أشار مادلونغ في التكملة أيضًا إلى ما صدر من الإمام الصادق(عليه السلام) من الروايات في الحركة والكلام الإلهي، وعدّ ذلك مشابهًا لمعتقد المعتزلة الأوائل كأبي هذيل العلّاف (ت 235هـ) في مسألة الجوهر الإلهي وعدم إمكان حدوث التغيير فيه. لكنّه نفسه وفي ذيل ذلك الكلام، اعتبر هذا التفسير من رأي هشام وكلام الصادق(عليه السلام) غير موافق مع ما كانا بصدد بيانه. إذ إنّ مقصود الإمام(عليه السلام) ممّا قاله، إنّما كان بصدد رفع مكانة الكلام الإلهي بالنسبة إلى كلام مخلوقاته[29]. زعم مادلونغ الكلام الإمامي المبكّر في أمر «حرّية الإختيار» موافقًا للرأي المعتزلي فيه بشكل جليّ، حيث هذا التوافق ظاهر في مسألة «عدالة» الله سبحانه، إذ وفقًا للكلام الإمامي، إنّما الإنسان على أساس «حرّية الاختيار» يكون مستحقًا للثواب والعقاب في محكمة الله تعالى[30]. وفي موضوع «الإرادة الإلهية» وبالإشارة إلى التقارب العقدي الموجود بين روايات الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية والمعتزلة في قِدَم الصفات، زعم أنّ ذلك التقارب أدّى إلى تعرقل الكلام الإمامي في بعض الموضوعات؛ إذ هذا الأمر كان منافيًا لعقيدة «البداء» في الكلام الشيعي، فلذلك وبعد التقارب المتزايد بين كلامي المعتزلي والإمامي، نجد خمول هذه العقيدة في المباحث الكلامية لدى المتكلّمين الإماميين[31]. مع أنّ مادلونغ لم يبد رأيًا حول تأثّر آراء الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية بالكلام المعتزلي، لكن كثرة النماذج المقدّمة في بيان وجوه التشابه بين الروايات الجعفرية(عليه السلام) والكلام المعتزلي تلقي ذلك الأثر في النفوس.

لقد كتب مثيو بيرس[32] في بعض أقسام كتابه: «اثنا عشر معصومًا - الأئمة وبناء التشيع» عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام). أشار بيرس في قسم إلى ولوج قصص وأساطير الغلاة في التراث الشيعي الحديثي وأتمّ بحثه بتبيين محاولات الصادق(عليه السلام) المقامة للوقوف قبال ذلك، دفعًا لعقائد الفئات الغالية[33]. وقد جاء ببعض النماذج من الكرامات والمعجزات الصادرة عن جعفر بن محمّد(عليه السلام) في جزء من كتابه، وفي جزء آخر، كتب سيرة مقتضبة عن حياة الإمام الصادق(عليه السلام)[34].
لقد اختصّ بالإمام الصادق(عليه السلام) مدخل في موسوعة القرآن بتأليف رونالد باكلي[35]، قام فيه، استنادًا إلى بعض الروايات والوقائع التي حدثت في عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، بطرح بعض الشكوك في صحّة الروايات المسندة عن جعفر بن محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم). إكمالًا لذلك، قام بدراسة الآراء التفسيرية التي نُسبت إلى الإمام الصادق(عليه السلام)، مكرّرًا طرح الشكوك في صحّة إسنادها إلى السادس من أئمة الشيعة(عليه السلام)[36]. قام باكلي نفسه بتأليف مدخل مماثل في الإصدار الثالث من موسوعة الإسلام، كرّر فيه بعض ما ادّعاه سابقًا من شيوع الوضع والجعل في أسناد الروايات إلى الإمام الصادق(عليه السلام)، مضافًا إلى تأثّر الفكر الصوفي بتعاليم جعفر بن محمّد(عليه السلام)[37].

كانت لباكلي دراسات وبحوث حول الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) قبل قيامه بتأليف المدخلين اللذين تمّت الإشارة إليهما. في عام 1993م، نال باكلي درجة الدكتوراه في جامعة إكستر البريطانية، بتأليف رسالة تحت عنوان «جعفر الصادق(عليه السلام) والتشيّع المبكّر». حاول فيها أن يبيّن مدى تأثير الإمام الصادق(عليه السلام) في إيجاد وتأسيس الهويّة الشيعية (التشيّع)[38]. في هذه الرسالة وضمن الفصل الأول والثاني منها، تمّ تقديم سيرة مختصرة عن حياة الإمام الصادق(عليه السلام) وعصر إمامته(عليه السلام)[39]، حيث تمّت دراسة الصورة التاريخية للإمام(عليه السلام) في مختلف المصادر، فاستنتج أنّ الصورة التاريخية لجعفر بن محمّد(عليه السلام) متأثّرة أشدّ التأثّر من منظر المؤرّخين. من هذا المنطلق نجد أنّ مؤرّخي أهل السنّة عرّفوا الصادق(عليه السلام) كفقيه ومحّدث، فمحدّثو ومؤرّخو الشيعة كتبوا عن مناقبه راسمين صورة قدسية وإلهية له(عليه السلام)[40]. الفصل الثالث من رسالة باكلي، اختصّ بتبيين الوضع الشيعي قبل عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، حيث بحث فيه عن التحرّكات السياسية الطالبية ومحورية «الرمز» الطالبي في تلك الثورات التي قامت ضد الحُكم الأموي[41]. في الفصل رابع وحول العلاقة بين الحديث الشيعي والإمام الصادق(عليه السلام)، وبالإشارة إلى كون الإمام(عليه السلام) من الروايات الإمامية كالقطب من الرحى، أبدى شكوكًا في صحّة إسناد الروايات إلى جعفر بن محمد(عليه السلام) في المصادر الشيعية الروائية. كما نجد هناك شكوكًا أكثر عمقًا في صحّة انتساب بعض المؤلفّات إلى الإمام الصادق(عليه السلام)[42]. اختصّ الفصل الخامس من رسالة باكلي بمواجهة الإمام الصادق(عليه السلام) مع الغلاة، حيث استنتج في نهاية المطاف أنّ تلك المواجهة والمخالفة كان لها أسباب اعتقادية، مضافًا إلى أنّ لها أسبابًا سياسية، إذ نشر العقائد التأليهية من قِبَل أبي الخطّاب وسائر الخطّابية عن الإمام الصادق(عليه السلام) قد جعله(عليه السلام) خطرًا فِعليًّا على الحكومة العباسية[43].

أهمّ الفصول من رسالة باكلي، هو الفصل الخامس منها تحت عنوان «[الإمام] الصادق(عليه السلام) ومنشأ الطائفية الشيعية[44]»[45]. رأى باكلي في هذا الفصل أنّ جميع الثورات الشيعية المعادية للأمويين، ابتداءً من قيام الإمام الحسين(عليه السلام)، وانتهاءً بثورة عبد الله بن معاوية (ت 130هـ)، كلّها كان لها أهداف سياسية تزامنت مع فترة ضعف القوة الحاكمة سياسيًّا وعسكريًّا. مع أنّه لم تصل أيّ من تلك المحاولات إلى الهدف المطلوب من الوصول إلى الحُكم أو الإطاحة بالسلطة الأموية، لكنّه كانت لها ثمرتان اجتماعيّتان مهمّتان؛ الأولى منها: التأكيد على «الرمز» الطالبي وضمان استمرار هويّته الاجتماعية؛ وثانيًا: إيجاد إرث تاريخي مليء بالعواطف ناشئ عن القمع الدامي لتلك الثورات. أشار باكلي في تكملة بحثه إلى أنّ الثورات العلوية-الطالبية التي قامت على الحكومة العباسية، كانت معتمدة أشدّ الاعتماد على تلك الثمرات الاجتماعية، لكنّ الصادق(عليه السلام) لم يحاول التعاطف أو دعم أيّ منها. مطابقًا لما زعمه باكلي، كان مفهوم الإمامة في الفكر الشيعي قد أخذ بالتغيير، إذ كان قبل ذلك العصر مرتبطًا بالحُكم السياسي والوصول إلى الخلافة، وفي عصر الصادق(عليه السلام) قد أصبح الإمام(عليه السلام)، دون أن يطالب بالحُكم، وبمجرّد تمتّعه بنعمة العلم، صاحب مرجعية علمية ومعرفية. في الوقت نفسه لم تكن الأوضاع السياسية والقوة العسكرية العباسية في هذا العصر بعيدة عن نظر باكلي في تحليله، إذ رأى أنّ ذلك له السهم الوافر في قرارات الإمام الصادق(عليه السلام) السياسية التي أدّت إلى قراره بعدم دعم الثورات المقامة على الحُكم العباسي. في طيّات هذا الفصل وبالإشارة إلى تحوّل مفهوم الإمامة في الفكر الشيعي المقارن مع عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام) وحصول الانفكاك بين «الحُكم السياسي» ومنصب «الإمامة»، أكّد باكلي على مدى تأثير ذلك على الصورة التاريخية للصادق(عليه السلام) في الفكر الشيعي. الصورة التي تأثّرت أشدّ التأثّر بالمرجعية العلمية للإمام(عليه السلام) المؤدّية إلى حذف الميول والقرارات السياسية المؤثّرة على ما أقدم عليه جعفر بن محمّد(عليه السلام) من تحوّلات أو قرارات سياسية واجتماعية. وبالتأكيد على هذا الأثر، رأى استحالة الحصول على صورة تاريخية من الإمام الصادق(عليه السلام)، وزعم باكلي أنّ صورة جعفر بن محمّد(عليه السلام) في المصادر الشيعية، قد قُيّدت بسمات «رمزية» كمؤسس للمذهب الشيعي فقهًا واعتقادًا، وفقًا لما كان يراه الفكر الشيعي، وقد اختتم رسالته هكذا:

«وفي نهاية المطاف، ربما لا تكمن مساهمة الصادق(عليه السلام) في تطوّر المذهب الشيعي في ما فعله هو نفسه، بل في ما كان يُتوقّع منه أن يفعله، وهي المرجعية [العلميّة] المطلقة التي أصبحت في نظر التشيّع المبكّر وورّاثهم الروحيين، الإماميّة والإسماعيليّة»[46].

أكّد باكلي في مقالته «في أصول الحديث الشيعي» على أثر الوضع السياسي في أواخر عهد الحكم الأموي وبداية الحُكم العبّاسي في تكوين الحديث الشيعي. حيث إنّه رأى الخيبة الناشئة عن القمع المستمر للثورات الطالبية في العهد الأموي، كذلك الحطّ المستمر من القيمة العلمية للمباني الاعتقادية الشيعية من قِبَل العباسيين، فأدّت إلى قيام الشيعة بتنقيح مبانيهم الكلامية وتعيين حدودها. هذه الأسباب، إضافة إلى ميل المسلمين إلى استناد معتقداتهم على الحديث، سبّب نشوء الحديث الشيعي. هذه الأسباب قد تزامنت مع تغيير تعريف منصب «الإمامة» كمعدن علم له مرجعية علمية، فأدّت إلى تمكّن الشيعة من اتّباع أئمّتهم(عليهم السلام) على أساس رصين، وأن يقوموا بالدفاع عن معتقداتهم على أساس المعارف المكتسبة من الأئمة(عليهم السلام) قبال المخالفين[47].

في بحث آخر سُمّي بـ«[الإمام] جعفر الصادق(عليه السلام) مصدرًا للحديث الشيعي»، قام باكلي بتكرار ما ادّعاه في الفصل الثالث من رسالته، حيث إنّه نظرًا إلى قلّة وجود الروايات الفقهية المسندة إلى جعفر بن محمّد(عليه السلام) في مصادر أهل السنّة، عكس ما يوجد من وفور الروايات عنه(عليه السلام) في المصادر الشيعية، أبدى شكوكًا في صحّة انتساب هذه الروايات إلى الصادق(عليه السلام) عند الشيعة. زعم باكلي هنا أنّ نشأة الحديث الشيعي، إنّما كانت حفاظًا على اتّحاد الهوية الشيعية وتماسكها حول قطب الأئمة(عليهم السلام)[48].

في دراسة آخرى «الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، أبو الخطاب والعباسيون»، نجد محوريّة قسم آخر من رسالة باكلي بيّن فيها بأنّ الفئات الغالية كانت دائمًا ما تتشكّل حول الطالبيين، فاتّصال «الخطّابية» بالإمام الصادق(عليه السلام) بصفته طالبيًا كان ضمانًا حيويًا لاستمرار تلك الحركة ونشر عقائدها. هذه الدراسة قد رأت أنّ الأسباب السياسية كان لها أثر كبير كالأسباب الاعتقادية، في مخالفة الإمام الصادق(عليه السلام) مع تلك الفئة. حاول باكلي أن يثبت أنّ خوف المنصور(حكم 137-158هـ) من الثورات الطالبية، بالإضافة إلى دعوى الخطّابية ألوهية جعفر بن محمّد(عليه السلام) وقدراته الخارقة، جعلت الإمام(عليه السلام) يشكّل خطرًا كبيرًا على الدولة. كما أشار في طيّات بحثه إلى أنّ هذه الدعوات «الحلولية» والتأليهية من قِبَل أبي الخطّاب وأتباعه الخطّابية، قد جعلت الطائفة الشيعية في نظر أهل السنة المعتدلين، في موضع غير محمود[49].

تصنيف مقولات المستشرقين ونقدها
نظرًا إلى ما جاء فيما كتبه المستشرقون عن الإمام الصادق(عليه السلام)، يُمكن تبويب مدّعياتهم في أربعة أقسام:
1. الحيرة وأزمة تعيين الإمام، مقارنًا مع إمامة الإمام الصادق(عليه السلام).
2. مخالفة الإمام الصادق(عليه السلام) مع نقد أبي بكر، بسبب وصول نسبه(عليه السلام) إليه.
3. تأثّر معارف الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية والفكر الشيعي من المعتزلة.
4. المسائل التي ترتبط بالحديث والفكر الشيعي وموقع الإمام الصادق(عليه السلام) فيه.

سنقدم على تمحيص ونقد ما ادّعاه المستشرقون عن الإمام الصادق(عليه السلام) ضمن هذه المحاور الأربعة.

1. إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)
لقد سبقت الإشارة إلى أن كوهلبرغ زعم في مقالته «بعض تفاسير الشيعة الإمامية عن التاريخ الأموي» أنّ الزيدية كانت مخالفة لإمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، فكانت تعتقد بإمامة زيد بن علي في المقابل. كذلك ادّعى أنّ إمامة الإمامة السجّاد(عليه السلام) لم تحظ بقبول عام من قِبَل المجتمع الشيعي، إلّا بعد تثبيت إمامة الإمام الصادق(عليه السلام). إذ كانت نظرية انتقال شأن الإمامة من الأب إلى الابن لجعفر بن محمّد(عليه السلام) بحاجة إلى إثبات ذلك بين الإمام الباقر والإمام السجاد(عليهم السلام)[50].

لقد أشار فان إس إلى بحث إمامة الإمام الصادق(عليه السلام) في الرأي الشيعي، فصوّر المجتمع الإمامي مقارنًا مع وفاة الإمام الباقر(عليه السلام) متحيّرًا في معرفة الإمام(عليه السلام) وتشخيصه، حيث كانوا أمام خيارين: إمّا أن يعتقدوا بإمامة زيد لأنّه كان أسنّ من جعفر بن محمّد(عليه السلام)، وإمّا أن يعتقدوا بإمامة الإمام الصادق(عليه السلام) بناءً على انتقال أمر الإمامة من الأب إلى الابن[51].

يبدو أنّ مدّعى كوهلبرغ قائم على أساس ما جاء به مادلونغ في كتابه الإمام قاسم بن إبراهيم والمذهب الزيدي، حيث جاء في ذلك أنّ الفترة التي أعقبت شهادة الإمام الباقر(عليه السلام) أدّت إلى وجود الاختلاف بين الشيعة في تعيين مصداق الإمام، حيث إنّ المجتمع الشيعي إنّما قرّر اعتبار إمامة جعفر بن محمّد(عليه السلام) قبل مدّة قصيرة من ورود زيد إلى الكوفة وإعلان ثورته فيها. بنى مادلونغ ذلك على أساس رواية عن الصادق(عليه السلام) جاءت في فرق الشيعة للنوبختي (ت 310هـ) عن انحصار انتقال الإمامة بين أخوين فيما كان بين الإمام الحسن والإمام الحسين(عليهم السلام)، حيث فسّر جهة صدورها في مواجهة دعوى إمامة زيد بن علي بعد استشهاد الإمام الباقر(عليه السلام) ومقارنًا مع إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)[52]. وبعد الرجوع إلى فرق الشيعة نجد أنّ النوبختي إنّما جاء بهذه الرواية لردّ اعتقاد «الفطحية» بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح (ت 148هـ)؛ إذ كان أكبر من أخيه الإمام الكاظم(عليه السلام) وانتقل ذلك بعده -كما زعموا- إلى موسى بن جعفر(عليه السلام)؛ لأنّ عبد الله كان مقطوع النسل ليس له ذرية ترث الإمامة[53]. كما هو ظاهر، لم يكن استشهاد النوبختي بهذه الرواية ناظرًا إلى الاختلاف في شأن إمامة الصادق(عليه السلام) بين أتباعه(عليه السلام) والزيدية من الأساس.

بعد البحث في المصادر، يمكن الحصول على نسخ مختلفة عن هذه الرواية، أي انحصار انتقال أمر الإمامة بين الأخوين بالإمام الحسن والإمام الحسين(عليه السلام) التي أُسندت عن الصادق(عليه السلام)[54]. في أكثر نُسَخ هذه الرويات، اكتُفي فيها بذكر انحصار انتقال الإمامة بين الأخوين بالإمامين الحسن والحسين(عليه السلام)، فيفتقر معظمها إلى قرائن يُمكن مِن خلالها أن يُعرف جهة صدورها أو زمانه وفقًا لما ادّعاه كلٌّ من مادلونغ وكوهلبرغ بأنّها كانت موجّهة إلى دعوى إمامة زيد بن علي.
في النسخ الأخرى من هذه الرواية، نجد بعض القرائن نتمكّن من خلالها أن نعرف جهة صدورها، وأنّها كانت قاصدة دفع أيّ شبهة أو مخالفة أيّ اعتقاد. بشكل عامّ يمكن تقسيم تلك الروايات إلى أنواع ثلاثة:

النوع الأول: رواية رُويت عن الباقر(عليه السلام) (95-114هـ) في انحصار انتقال الإمامة بين الأخوين، بالإمامين الحسن والحسين(عليه السلام)[55]. يُمكن تفسيرها أنّها صدرت بمواجهة معتقد «الكيسانية» بإمامة محمّد الحنفية (ت 81هـ). إذ على الأقلّ كانت فرقة منهم معتقدة بإمامة محمّد الحنفية بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، فتعتقد بانتقال الإمامة بين الأخوين، كما كان الحال بين الحسن والحسين(عليهم السلام)[56]. كما أنّ هناك بعض الروايات في هذه العصر في مقابل دعوى الكيسانية، تتضمّن الاستدلال على إمامة الإمام السجاد(عليه السلام)، وأنّ سيف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان عنده(عليه السلام)، حيث السيف نفسه كان عند الإمام الباقر(عليه السلام)[57].

النوع الثاني: روايات أُسندت إلى الصادق(عليه السلام) فيها أمر انحصار انتقال الإمامة بين الأخوين بالإمامين الحسن والحسين(عليه السلام)، وقد جاء فيها أمر إمامة الإمام السجاد(عليه السلام)[58]. نظرًا إلى محورية أمر إمامة الإمام السجاد(عليه السلام) في هذا النوع من الروايات، ومِن أنّ هناك روايات عمّا جرى بين الإمام الصادق(عليه السلام) والكيسانية من وجود سيف رسول الله(عليه السلام) عند الإمام السجاد(عليه السلام) في ذلك العصر (114-148هـ)[59]، ويُمكن تعيين جهة صدور هذا النوع من الروايات بأنّها كانت في مقابل دعوى الكيسانية أيضًا.

النوع الثالث: هي الروايات التي أُسندت عن الصادق(عليه السلام) وجاء فيها الإشارة إلى انحصار استدامة أمر الإمامة في وُلد الحسين(عليه السلام)، إضافة إلى انحصار انتقال أمر الإمامة بين الأخوين[60]. في إحدى هذه الروايات، سأل هشام بن سالم (كان حيًا في 183هـ) الإمام الصادق(عليه السلام) عن سبب وقوع أمر الإمامة في وُلد الحسين(عليه السلام) وخروجه عن بني الحسن(عليه السلام)[61]. هذه القرينة هي ما تسمح لنا أن نفسّر جهة صدور هذه الرواية بأنّها كانت في مقابل دعوى الإمامة من قِبَل بني الحسن(عليه السلام).

حتّى في فرض عدم قبول دلالة هذه القرائن على جهة صدور هذه الروايات في مواجهة الكيسانية أو دعوى إمامة بني الحسن(عليه السلام) وعدم مدخليّتها لأمر إمامة زيد، لم يكن هناك شاهد قوي أو دليل جليّ لما ادّعاه كلٌّ من مادلونغ[62] وبتبعه كوهلبرغ[63] من ارتباط أمر انحصار انتقال الإمامة بين الأخوين بالإمامين الحسن والحسين(عليهم السلام) ودعوى زيد للإمامة أو ما ادّعته الزيدية؛ إذ كما سيأتي قريبًا، إنّ المجتمع الشيعي بعد استشهاد الإمام الباقر(عليه السلام) لم يكن من الأساس أمام خيارين بين إمامة جعفر بن محمّد(عليه السلام) وزيد بن علي، كما ادّعاه فان إس[64]، بل بالنظر إلى مصادر الشيعة الروائية، يُمكن أن يُقال إنّ ثنائية الإمامة إنّما كانت بين عبد الله بن الحسن المحض (ت 145هـ) والإمام الصادق(عليه السلام).

هناك بعض الروايات عن الحقبة الزمنية بُعيد وفاة الإمام الباقر(عليه السلام) تدلّنا إلى أنّه بعض الشيعة وقعوا في نوع من الحيرة بالفعل أمر الإمام[65]. لكن بعد الإمعان في متن تلك الروايات، نتمكّن من فهم أنّ الحيرة آنذاك لم تكن حيرةً عامّة، فخلال فترة وجيزة قد اطّلع المجتمع الشيعي على إمامة الإمام الصادق(عليه السلام) بواسطة تعيينه من قِبَل أبيه الباقر(عليه السلام). كذلك ثمة روايات في هذا الشأن، تتضمّن حكايات عن سفر بعض الشيعة بعد وفاة الإمام الباقر(عليه السلام) إلى المدينة، للبحث عن الإمام بعده(عليه السلام) ومعرفته.

في إحدى هذه الروايات، نجد ما جاء عن شخص قصد المدينة بحثًا عن معرفة الإمام(عليه السلام)، وورد أنّه في بادئ الأمر التقى ببعض من كان ينتمي إلى بني الحسن(عليه السلام)، فسأله عن الإمام بعد الباقر(عليه السلام)، فأشار الحسني إليه بمراجعة عبد الله المحض، لكنّ السائل لم يجد لديه ما كان قد ابتغاه من العلم، واستمرّ بالبحث عن الإمام(عليه السلام). أثناء ذلك، التقى ببعض بني الحسين(عليه السلام) فأُرشد إلى جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام). في نهاية المطاف وبعد أن وجد الصادق(عليه السلام) عالمًا، حيث عرف منه أجوبة مسائله، عرف إمامته واعترف بها[66]. في رواية أخرى، جاء عن شخص سافر إلى المدينة بغية التعرّف عن التشيّع ومعرفة الإمام(عليه السلام)، فكما حدث للأول بالالتقاء ببعض بني الحسن أُرشد إلى عبد الله المحض ومِن ثمّ، أُرشد إلى جعفر بن محمّد(عليه السلام) واعترف بإمامته(عليه السلام)[67]. النقطة المهمّة في هاتين الروايتين، هي أنّ الظرف الزمني الذي حدث فيه ذلك، كان فترة زمنية قريبة إلى استشهاد الإمام الباقر(عليه السلام)، إذ إنّ الأشخاص إنّما كانوا يبحثون عن الإمام(عليه السلام) ومعرفته. هذه النقطة، تعاكس ما ادّعاه فان إس في وجود جوّ من الحيرة والذهول للمجتمع الشيعي آنذاك في أمر الإمامة، كما أنّه يناقض تصوير ثنائيته المزعومة بين الشيعة في إمامة زيد بن علي وجعفر بن محمد(عليه السلام). فنجد أنّ الثنائية في أمر الإمامة على فرض وجودها، إنّما كانت بين عبد الله المحض والإمام الصادق(عليه السلام)، فليس لزيد دور في كونه في مظانّ الإمامة أو مرشّحًا لتصدّي هذا المنصب في نظر المجتمع الشيعي.

من جهة أخرى، وبعد البحث في المصادر الشيعية، يمكن من العثور على نماذج كثيرة تتراوح في فترات زمنية مختلفة، حيث ادّعى بنو الحسن(عليه السلام) بشكل عام وعبد الله المحض بشكل خاص، بوجود أمر الإمامة بينهم. وفقًا لبعض تلك الروايات، يبدو أنّ بعض بني الحسن(عليه السلام) في قبال إمامة الإمام الباقر(عليه السلام)، قد اتّخذوا سبيل المخالفة والإنكار، حيث إنّهم كانوا يدّعون أنّ «القائم» من الحسنيين[68]، كما أنّ بعضًا آخر منهم قد نازعوا الباقر(عليه السلام) في ملكية أو إدارة ميراث النبي(عليه السلام) في المدينة[69]، وقوم منهم قد احتجّ على محمد بن علي(عليه السلام) في أمر الإمامة[70]. في طائفة أخرى من هذه الروايات، نجد أنّ عبد الله المحض كان ممّن خالف إمامة الإمام الباقر(عليه السلام)، فتارة نجده جاحدًا لذلك[71]، وأخرى وعلى أساس رواية نتمكّن من فهم أنّ عبد الله قد ادّعى الإمامة بالفعل في عصر إمامة الإمام الباقر(عليه السلام) [72].

وفقًا لهذه الروايات، كثُرت الدعاوى الحسنية بالإمامة في عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، حيث إنّ عبد الله المحض كان قد لعب الدور البارز في ذلك. لقد ادّعى بالفعل وجود أمر الإمامة في بني الحسن(عليه السلام) تارة[73]، وأخرى عدم نصيب بني الحسين(عليه السلام) من أمر الإمامة[74]. في رواية، قد عرّف عبد الله نفسه بأنّه الأنسب إلى الإمامة، مستدلًا بنصيبه الأوفر من الشجاعة والكرم والعلم قياسًا مع الصادق(عليه السلام)[75]، كما أنّ هناك بعض الروايات عن استدلالات عبد الله بشأن تعلّق أمر الإمامة ببني الحسن(عليه السلام) والمجادلات التي قام بها مع جعفر بن محمد(عليه السلام) في ذلك[76].
يبدو أنّ التحاق «الزيدية» مع الحسنيين إنّما كان بعد اعلان مهدوية محمد النفس الزكية (ت 145هـ)، الذي قام بها بالعلن أبوه عبد الله المحض. نظرًا إلى الروايات التاريخية وبعد مقتل الوليد بن يزيد (حكم 125-126هـ)، الخليفة الأموي، في عام 126هـ، قام عبد الله بتعريف ابنه محمد «مهديًا»، معلنًا استحقاقه لتصدّي منصب الخلافة، طالبًا البيعة من بني العباس وبني هاشم، ومنهم الإمام الصادق(عليه السلام). كما جاء في الروايات نفسها، إنّ جعفر بن محمد(عليه السلام) بعد أن نصح عبد الله بترك تلك الدعوة، امتنع عن البيعة معه[77]. من المحتمل أنّ ما جرى من مجادلة عبد الله مع الإمام الصادق(عليه السلام) في أمر الإمامة، قد وقعت في هذا الوقت[78].

مع أنّه نظرًا إلى الروايات التاريخية لم يكن هناك أيّ دور لعبد الله المحض في ثورة زيد بن علي عام 122هـ، بل نجد أنّ ثمّة منافرات حصلت جراء اختلاف مالي بينه وبين زيد[79]، لكن مع قمع ثورة زيد ومقارنًا مع اعلان مهدوية محمد النفس الزكية، قد انحازت الزيدية إلى صفوف بني الحسن(عليه السلام). كذلك وعلى أساس بعض المصادر، على أقلّ التقادير، كانت بعض الفرق الزيدية تعتقد بإمامة محمد النفس الزكية، امتدادًا لإمامة زيد بن علي[80]. القرينة الأخرى على هذا التقارب الفكري هو اعتقاد الزيدية بوجود سيف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عند عبد الله المحض الذي طالما استندوا إليه في مواجهتهم مع أمر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)[81]، النقطة التي طالما أكّد عليه عبد الله في استدلاله على دعوى إمامته[82]. إضافة إلى ذلك، هناك روايات عن التقارب بين المعتزلة والزيدية وبين حركة عبد الله المحض ومحمد النفس الزكية[83].

وفقًا لما ذُكر أعلاه، يمكن أن يُقال إنّ ما جاء عن احتجاجات الزيدية مع الإمام الصادق(عليه السلام) في أمر الإمامة، لم يكن على أساس دعوى إمامة زيد بن علي أو استحقاقه للإمامة قبال إمامة جعفر بن محمد(عليه السلام)، بل إنّما كان لتقرّبهم الجديد من حركة عبد الله المحض ومحمّد النفس الزكية، ودعم دعوى إمامة محمّد، وهي النقطة التي سبّبت خطأ بعض المستشرقين في فهم الموقف، حيث زعموا أنّ زيدًا كان قد ادّعى الإمامة في مقابل إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، أو صوّروا المجتمع الشيعي أمام ثنائية الاختيار والاعتقاد بإمامة زيد بن علي أو جعفر بن محمد(عليه السلام). في الواقع وكما مضى، فإنّ دعوى الإمامة من جهة عبد الله المحض لم تكن بعد استشهاد الإمام الباقر(عليه السلام) في عام 114هـ، بل تمّ اعلانها قبل ذلك وإبان عصر إمامته(عليه السلام). بعد ثورة زيد في عام 122هـ وتهيّؤ الظروف السياسية المناسبة بعد قتل الوليد بن يزيد في عام 126هـ ومقارنًا مع عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، كذلك بالتحاق الزيدية والمعتزلة ببني الحسن(عليه السلام)، أخذت دعوى إمامة عبد الله تستمر وتقوى بادعاء مهدوية ابنه محمّد النفس الزكية. فثنائية الإمامة التي كانت تقول بها الزيدية، لم تكن على أساس دعوى إمامة زيد في مواجهة مع إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، بل كان ناشئًا عن التقارب الناشئ بينهم وبين حركة عبد الله المحض والنفس الزكية دعمًا لادّعاء إمامتهم.

النقطة الأخرى التي لا بدّ من الإشارة إليها في هذا القسم، هو ما زعمه باكلي في الفصل الأخير من رسالته. لقد ادّعى أنّه نظرًا إلى السلسلة من الثورات الطالبية الفاشلة التي قُمعت بشدّة من قِبَل الجهات الحاكمة وعدم تمكّنها من تحقّق غاياتها السياسية التي كانت تتجلّى باستلام الحُكم السياسي، كذلك بالنظر إلى ابتعاد الإمام الصادق(عليه السلام) من ساحة السياسة والخلافة، أخذت فكرة «الإمامة» تتغيّر في الفكر الشيعي. ادّعى باكلي أنّه قبل عصر الإمام الصادق(عليه السلام)، كانت فكرة الإمامة الشيعية متّصلة دائمًا بـ«الخلافة» والتصدّي للحكومة، لكن بوصول عصر جعفر بن محمّد(عليه السلام) ونظرًا إلى قوة العباسيين السياسية، التعريف الشيعي من الإمامة مال إلى تبيين الرُقيّ العلمي للإمام(عليه السلام) ومرجعيته العلمية والمعرفية. بعد ذلك العصر، كان الإمام(عليه السلام) إمامًا، حتّى لو لم يتمكّن من الوصول إلى الخلافة، إذ كان يتمتّع بشأن علمي رفيع المستوى يجعله مرجعًا علميًّا للمجتمع الشيعي[84].

جوابًا على مدّعى باكلي عن تغيير تعريف «الإمامة» من ملاءمتها مع «الخلافة» إلى «المرجعية» العلمية والمعرفية، يمكن أن يُقال إنّ الافتراق الحاصل بين شأني «الخلافة» و«الإمامة» لم ينحصر بما وقع في عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، بل تعود سابقتها إلى أيّام بُعيد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). فبَعد ما وقع ما وقع في يوم السقيفة وتمّ البيعة لأبي بكر، افترق طريق «الخلافة» عن «الإمامة». الشيعة آنذاك، لم تسحب يدها من إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) بسبب حرمانه(عليه السلام) من حقّ الخلافة. وفقًا لرواية، قالت فاطمة الزهراءh جوابًا لسائل سألها عن سبب تنحّي الإمام علي(عليه السلام) عن حقّ الخلافة: «مَثَلُ الْإِمَامِ مَثَلُ الْكَعْبَةِ؛ إِذْ تُؤْتَى وَلَا تَأْتِي»[85]، حيث نجد في مصادر الشيعة وأهل السنّة الحديثية روايات بالمضمون نفسه، رواها علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأبو ذر الغفاري عن النبي(عليه السلام) مخاطبًا لأمير المؤمنين(عليه السلام)[86]. نظرًا إلى هذه الأحاديث، نتمكّن من فهم أنّ وفقًا للمنظومة الشيعية الاعتقادية لم تكن الخلافة والحُكم السياسي من مقوّمات أمر الإمامة وشروطه، بل أنّ الإمام(عليه السلام) مع تهيّؤ الأجواء السياسية والاجتماعية المناسبة، وفي ظل إقبال الناس على البيعة له، سيتسلّم مقاليد الحُكم السياسي، فبغير تلك الصورة يبقى متنحّيًا عن الحُكم السياسي[87]. كما كان الحال في عصر إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد وصوله إلى الخلافة الظاهرية وقبلها، وفي عصر إمامة الإمام الحسن(عليه السلام) قبل الهدنة مع معاوية وبعدها، كذلك في عصور الأئمة اللاحقين(عليهم السلام)، وصولًا إلى عصر الصادق(عليه السلام)، فلم يكن هناك أيّ تحدٍّ قد واجهته فكرة الإمامة في المجتمع الشيعي ناشئًا عن الافتراق بين الحُكم السياسي ومنصب الإمامة.

أضف إلى ذلك أنّه لو كانت دعوى باكلي في تغيير نظرية الإمامة في عصر الصادقين(عليه السلام) صحيحة، لوجدنا التأكيد على عدم أثر الحُكم السياسي في أمر الإمامة في الروايات المروية عن جعفر بن محمّد(عليه السلام) كثيرًا وظاهرًا، فقد بيّن الإمام(عليه السلام) فيما قاله عن شروط الإمامة مصحّحًا لما آل إليه التغيير في فكرة الإمامة. والحال أنّنا بالرجوع إلى ما رُوي عن الصادق(عليه السلام)، لا نجد أيّ ظهور محوري لهذا الأمر فيما نُقل عنه(عليه السلام) عن الإمامة وشروطها[88].

2. الخلفاء في نظر الصادق(عليه السلام)
لقد كتب فان إس في كتابه الكلام والمجتمع عن اتصال نسب الإمام الصادق(عليه السلام) بأبي بكر من جهة أمّهh، وبالاستناد إلى مصادر سنّية كـ تاريخ الإسلام للذهبي (ت 748هـ):

«و[الإمام] جعفر الصادق(عليه السلام) من جهة أمه ينحدر من أبي بكر، ويمكن أن يُتصوّر أنّه لا هو ولا والده كانت لهما مصلحة كبيرة في التشهير بأبي بكر [وذمّه]»[89].

كذلك هيوود في قسم الإمام الصادق(عليه السلام) من موسوعة بريتانيكا حينما أراد أن يعرّف بنسب جعفر بن محمد(عليه السلام)، كتب عن زعم مشابه لفان إس:

«ومن جهة والدته، ينحدر [نسب الإمام] جعفر [الصادق(عليه السلام)] من الخليفة الأول، أبي بكر، الذي يعتبره الشيعة عادة غاصبًا، وقد يفسّر هذا [التقارب النسبي] سبب عدم تسامحه أبدًا مع انتقاد الخليفتين الأولين»[90].
مع أنّه بالرجوع إلى ما استند إليه فان إس وبنى عليه دعواه يمكن العثور على روايات عن الصادق(عليه السلام) حيث امتنع(عليه السلام) عن التبرّي من الخليفة الأول، وأنّه افتخر بوصول نسبه إليه من جهة أمّه أو نجد بعض المدح لآل أبي بكر[91]، لكن وبالمراجعة إلى مصادر الشيعة الروائية، نتمكّن من فهم عدم استقامة ما ادّعاه فان إس وهيوود عن امتناع جعفر بن محمد(عليه السلام) من انتقاد أبي بكر. إذ نجد كمًا كبيرًا من الروايات الصادقية تحتوي على نقد ما قام به الخلفاء من غصب حقّ خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) وما فعلوه بآل البيت(عليهم السلام).

بالنظر إلى الظروف السياسية السائدة في عصر الإمام الصادق(عليه السلام)، نرى أنّ الإمام(عليه السلام) يشير إلى الخلفاء ويقوم بنقدهم دون أن يشير مباشرة إلى أسمائهم، فيكنّيهم بـ«فلان» أو «فلان وفلان». فنجد بعض الروايات عن الإمام الصادق(عليه السلام) بالطريقة نفسه ناقدًا لهم الإضراب عن بيعتهم مع أمير المؤمنين(عليه السلام) في يوم الغدير والقيام بغصب حقّ خلافته(عليه السلام) في قضية السقيفة[92]. بالبحث في سائر المصادر الشيعية، نتمكّن من الحصول على موارد كثيرة أخرى مشابهة[93].

كما نتمكّن من العثور على روايات جعفرية عمّا جرى في غصب «فدك» وميراث فاطمة الزهراءh، فهناك رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) عمّا جرى في قيام أبي بكر بإخراج فدك من يد بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، تحتوي على احتجاجاتها مع الخليفة الأول[94]. كما أنّ هناك روايات عن الصادق(عليه السلام) في غضب فاطمة الزهراءh على أبي بكر وعمر في غصب فدك وحقوقها المورثة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)[95].
نظرًا إلى هذه الروايات، يمكن أن يُقال إنّ ما زعمه فان إس وهيوود من عدم محاولة الإمام الصادق(عليه السلام) نقد الخلفاء على الخصوص الأول منهم لسبب وجود قرابة نسبية بينهم بعيد عن وادي الصحّة. نعم، هناك بعض ما ورد في المصادر السنّية التاريخية عن ذلك، لكن نظرًا إلى وجود أجواء التقية في عصر الصادقين(عليه السلام)، يبدو أنّ ذلك إمّا كان ناتجًا عن التقيّة أو كان مطابقًا لزعم علماء أهل السنة بالنظر إلى رؤيتهم إلى الإمام الصادق(عليه السلام). فلا يمكن بالاكتفاء بناءً على تلك المصادر لإصدار حُكم عام عن طريقة مواجهة جعفر بن محمد(عليه السلام) لما قام به الخلفاء أو رواية أفعالهم وما أقدموا عليه.

3. الإمام الصادق(عليه السلام) والفكر المعتزلي
لقد أشار روبرت غليو، كاتب قسم الإمام الصادق(عليه السلام) في موسوعة إيرانيكا، إلى محاولات بعض محقّقي السنة كأبي زهرة تأكيد تأثّر الكلام الشيعي بالكلام المعتزلي. حيث إنّه في هذا القسم، قام بتقديم نماذج كثيرة من تشابه روايات الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية مع مباني المعتزلة الكلامية في موضوعات اعتقادية عدّة، منها موضوع «الجبر والاختيار»[96].

قام مادلونغ في مقالته «الكلام الإمامي المبكّر، كما تجلّى في كتاب الكافي للكليني»، بتقديم نماذج من التشابه الموجود بين تعاليم جعفر بن محمد(عليه السلام) الكلامية مع المذهب المعتزلي في موضوعات كلامية، كـ«الجبر والاختيار»، «الصفات الإلهيّة» و«الكلام الإلهي»[97]. وقد زعم في هذه الدراسة أنّ التقارب الكلامي بين الإمام الصادق(عليه السلام) والمعتزلة في قِدَم الصفات الإلهية قد سبّبت مشاكل كثيرة للكلام الشيعي في مسألة «البداء». حيث رأى أنّه في ظل التقارب بين الكلام الشيعي وبين الكلام المعتزلي بشكل أكبر في المستقبل، تمّ تهميش ذلك المعتقد عند متكّلمي الإمامية، إذ قِدَم الصفات الإلهية تنافي عقيدة «البداء» من الأساس[98]. مع أنّ تهمة تأثّر الإمام الصادق(عليه السلام) بالفكر المعتزلي لم ينعكس بالصراحة فيما كتبه غليو ومادلونغ، لكن كما أشرنا سابقًا، كثرة النماذج المقدَّمة من قِبَلهما توحي بذلك.

النقطة المهمّة التي يجب أن يُلتفت إليها، هي أن تهمة تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي تهمة طالما طُرحت من جهة مخالفي الإمامية. فكما أشار مادلونغ في مقالة له، كان عبد الله بن يزيد الفزاري (ت بين 180-158هـ) من معاصري الإمام الصادق(عليه السلام) الذين كانوا يرون ذلك التأثّر[99]. بالنظر إلى بعض آثار الفزاري الكلامية، نتمكّن من العثور على موارد كثيرة حاول فيها أن ينتقد آراء المعتزلة جنبًا إلى جنب معتقدات الرافضة (الإمامية)[100].
من جهة أخرى وبالرجوع إلى كتاب أبي زهرة الذي أشار إليه غليو في بحث محاولة محققّي أهل السنة التأكيد على تأثّر الكلام الإمامي بنظيره المعتزلي، نجد ما كتبه أبو زهرة مخالفًا تمامًا لما فهمه غليو. كتب أبو زهرة في القسم الذي خصّصه لتبيين آراء الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية ما نصّه:

«لقد ادّعى المعتزلة أنّ أئمّة آل البيت(عليهم السلام) كانوا رؤوس الاعتزال في عصورهم. وقد وجدنا من المتقدّمين والمتأخّرين مَن يرى أنّ آراء الاثنا عشرية في العقائد هي آراء المعتزلة، وذلك يزكّي دعوى المعتزلة. فقد جاء في [شرح] نهج البلاغة لابن أبي الحديد [(ت 656هـ)] أنّ آراءهم في الاعتقاد هي آراء المعتزلة؛ لا لأنّهم تابعون للمعتزلة، بل لأنّ المعتزلة أخذوا آراءهم عن أئمّتهم[(عليهم السلام)][101]. ولكنّا في الدراسة نجد فروقًا دقيقة أحيانًا بين آراء المعتزلة في العقائد وآراء الإمامية ...»[102].

وفقًا لذلك، يجب أن نقول إنّ أبا زهرة لم ير تأثّر الكلام الإمامي بالكلام المعتزلي فحسب، بل يرى، وفقًا لما جاء به ابن أبي الحديد، تأثير الكلام الإمامي على آراء المعتزلة الكلامية، وهي النقطة التي لا تتجانس بأيّ نحو من الأنحاء مع فهم غليو ممّا أسنده إلى أبي زهرة.

إضافة إلى ذلك، يُمكن أن يُقال إنّ الفكر المعتزلي الذي بدأ مشواره التاريخي ابتداءً من واصل بن عطاء (ت 130هـ) ومتزامنًا مع عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام)، لم تبلغ ذروة بلوغه الفكري بعد، فلم تتميّز كـ«مدرسة كلامية» مستقّلة تمتاز بسماتها الكلامية عن سائر المدارس والمذاهب. فالمشوار الفكري للمعتزلة قد أصبح في مطلع القرن الرابع الهجري شيئًا فشيئًا له منظومة منقّحة من الأصول الاعتقادية[103]. كما أنّه بالنظر إلى روايات الإمام الصادق(عليه السلام) الكلاميه، نتمكّن من العثور على روايات تنافي الفكر المعتزلي في مسألة أساسية كـ«الجبر والاختيار»، باتّخاذ موضع وسطي بين «جبر» أهل الحديث و«تفويض» القدرية/ المعتزلة المسمّى بـ«الأمر بين الأمرين»[104]. هذا الأمر يرشدنا إلى عدم وجود مؤالفة كلامية بين آراء الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية ومعتقدات المعتزلة الكلامية في مسألة مهمة وأساسية عندهم.

النقطة الأخرى التي تجب الإشارة إليها، هي ما ادّعاه مادلونغ من المشاكل التي سبّبها التقارب الفكري بين آراء الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية وبين المعتقدات المعتزلية، ومن تهميش عقيدة «البداء» في الكلام الشيعي، إثر التقارب بين الكلام الإمامي والمعتزلي في قِدَم الصفات الإلهية. مع أنّ تبيين سمات هذا التقارب العقدي ومدى التأثير والتأثّر بين هاتين النحلتين الفكريتين تتطلّب مجالًا غير هذا، لكن بالمراجعة إلى المصادر الكلامية الشيعية نتمكّن من فهم أنّ عقيدة «البداء» لم يتمّ تهميشها، بل نظرًا إلى سوء فهم بعض الإمامية أو استغلال بعض المخالفين من المفهوم المتبادر من لفظها ومحاولتها نقد الكلام الإمامي، تمّ تبيين وتنقيح حدود هذه العقيدة. فلفظ «البداء» كما جاء في المعاجم اللغوية جاء بمعنى «ظهور الأمر»، حيث يلازم عدم العلم[105]. فعلى هذا الأساس، بانتساب «البداء» إلى الله، سيكون بمعنى عدم علم الله سبحانه بأمور بدا له فيها شيء جديد.

هناك بعض الروايات المروية عن الصادق(عليه السلام)، ترينا بوضوح سوء فهم بعض الشيعة من لفظ «البداء». جاء في رواية أنّه قال جعفر بن محمد(عليه السلام): «أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَ أَهْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ بَدَا لِلَّهِ فَنَزَلَتِ الرَّحْمَة». فحينما نُقل مقولة الإمام(عليه السلام) لبعض الشيعة، قالوا: «بَدَا لِلَّهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِه‏»، فقد فهموا من ذلك حدوث علم بشيء لم يعلمه من قبل. فالإمام الصادق(عليه السلام) عندما عرف سوء فهمم، قال موضّحًا لمعنى البداء: «إِنَّ لِلَّهِ عِلْمَيْنِ: عِلْمٌ عِنْدَهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ وَعِلْمٌ نَبَذَهُ إِلَى مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ. فَمَا نَبَذَهُ إِلَى مَلَائِكَتِهِ فَقَدِ انْتَهَى إِلَيْنَا»[106]. بهذا التبيين، فإنّ الإمام(عليه السلام) جعل الأمر الذي بدا لله سبحانه من جملة ما تعلّق بالعلم الإلهي، العلم الذي خصّه بنفسه ولم يطلع عليه أحدًا من خلائقه.

تدلّنا هذه الرواية جليًا على أنّ سوء الفهم من هذا اللفظ لم يختصّ بغير الشيعة[107]، بل المجتمع الشيعي نفسه كان مبتليًا به، فمتكلّمو الإمامية، نظرًا للانتشار المتزايد لهذا الفهم الخاطئ، قاموا في مصنّفاتهم بتنقيح وتوضيح المراد من هذا اللفظ، موضّحين حدود وملازمات عقيدة «البداء»[108]. في كثير من الموارد، نجد أنّ المتكلّمين الإماميين في سبيل توضيح المعنى الصحيح من البداء قد استندوا إلى الروايات المروية عن الإمام الصادق(عليه السلام)[109]. نظرًا إلى هذه الشواهد والقرائن وبأخد أقلّ التقادير بعين الاعتبار، نتمكّن من القول في قبال دعوى مادلونغ، إنّ هناك كثيرًا من الموارد تناقض ما ادّعاه من أثر التقارب الحاصل بين كلامي الإمامي والمعتزلي المؤدّي إلى تهميش مسألة «البداء»، أو تقارب معارف الإمام الصادق(عليه السلام) الكلامية مع الكلام معتزلي على ايجاد مشكلة للشيعة في تلك المسألة، فهذه النقائض تجعل قبول ما ادّعاه غير ممكن.

4. الإمام الصادق(عليه السلام): موقعه العلمي وأثره في الفكر الشيعي
نجد بين ما كتبه المستشرقون عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أمورًا كثيرة حول الموقع العلمي له(عليه السلام)، شخصيّته التاريخية وأثره البالغ في تكوين الحديث الشيعي وتأسيس الهوية الشيعية. ومن الأمور التي تمّت الإشارة إليها ما يرتبط بصورة جعفر بن محمد(عليه السلام) في المصادر التاريخية.

رأى باكلي في رسالته، أنّ الصورة التاريخية للإمام الصادق(عليه السلام) قد تأثّرت بالغ التأثّر من زاوية نظر المؤرّخين، حيث كان(عليه السلام) في نظر مؤرّخي السنّة محدّثًا وفقيهًا، ومن المنظار الشيعي، كان(عليه السلام) «إمامًا» يتمتّع بصفات سامية إلهية وقدسية[110]. لقد أشار في قسم آخر من رسالته، إلى أنّ شخصية الصادق(عليه السلام) التاريخية بمواقفها السياسية، تأثّرت بـ«الرمزية» الشيعية في رسم صورة من جعفر بن محمد(عليه السلام) كـ«إمام»[111]. كما أنّ كرو لقد تطرّق إلى هذه النقطة نفسها، حيث رأى تأثّر تراث الإمام الصادق(عليه السلام) المعرفي والروائي من السمات القدسية لشخصيته الإلهية، فزعم أنّ ذلك قد أدّى إلى اختفاء شخصية جعفر بن محمد(عليه السلام) التاريخية خلف ستار تلك السمات[112].

إضافة إلى الموارد السابقة، أشار باكلي إلى بعض الأمور حول الموقع العلمي للصادق(عليه السلام) في مصادر أهل السنّة والروايات المنسوبة إليه في المصادر الشيعية. فبالنظر إلى الروايات التفسيرية الموجودة عن الصادق(عليه السلام) في آثار بعض مفسّري أهل السنّة، وبشكل خاص عن الروايات المسندة عن جعفر بن محمد(عليه السلام) في تفسير الثعلبي (ت 427هـ) وبناءً على رأي ابن تيمية (ت 728هـ) عمّا جاء بها الثعلبي، أبدى شكوكًا في احتمال صحّة انتساب تلك الآراء والروايات التفسيرية إلى الإمام الصادق(عليه السلام)[113]. كذلك وفي مقالة أخرى، بالنظر إلى ندرة إسناد الروايات الفقهية إلى جعفر بن محمد(عليه السلام) في مصادر الحديثية السنّية في قبال كثرة الإسنادات في الروايات الفقهية الشيعية إلى الإمام الصادق(عليه السلام)، جعل ذلك شاهدًا على كون صحّة إسناد الروايات الفقهية الشيعية إلى الصادق(عليه السلام) موضعًا قويًّا للشكّ[114]. كما أنّ قبل ذلك، وضمن رسالته عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أبدى الشكوك نفسها في صحّة انتساب الروايات الفقهية والاعتقادية إلى الإمام الصادق(عليه السلام) في المصادر الشيعية[115].
استند باكلي فيما كتبه عن الإمام الصادق(عليه السلام) في موسوعة القرآن والإصدار الثالث من موسوعة الإسلام على روايات من كتاب الرجال للكشّي (ت منتصف القرن الرابع الهجري)، وبناءً على فرض أنّ قضية الوضع والجعل في الروايات الشيعية المنسوبة إلى جعفر بن محمّد(عليه السلام) كان أمرًا شائعًا في المجتمع الشيعي، جعل ذلك سببًا لإيجاد شكّ كبير في صحّة الروايات منسوبة إلى الصادق(عليه السلام) في المصادر الشيعية[116]. في مقالة أخرى لباكلي، ادُعي أنّ تأليف المصنّفات الشيعية كان قد بدأ في عصر إمامة الإمام الصادق(عليه السلام). حيث كان المقصود من وراء ذلك، إيجاد جوٍّ من التآلف العقَدي بين المجتمع الشيعي الذي عاش في فترة حُكم العبّاسي وسيطرته السياسية، في ظروف شهدت محاولات للحط من القيمة العلمية لمبانيه الاعتقادية من جهة القوى الحاكمة[117].

أكّد كوهلبرغ في مقالته «الإمام والمجتمع في عصر ما قبل الغيبة» على موقع الإمام(عليه السلام) في نظر الشيعة إبّان ذلك العصر، حيث إنّه ضمن بيانه لنماذج من الشخصيّات العلمية المهمّة في المجتمع الشيعي المبكّر، زعم أنّ بعضهم لم يعتقدوا بالإمام(عليه السلام) في موقع رفيع المستوى في جميع العلوم، حيث إنّه أشار بناءً على رواية أنّ من جملتهم هشام بن الحكم، وأنّه لم يكن ير الإمام الصادق(عليه السلام) متبحّرًا في علم الكلام، فقد حاول أن يتحدّاه بطرح أسئلة معقّدة كلامية عليه(عليه السلام)[118]. هذه النقطة بالذات، تهدف إلى الحطّ من الشأن العلمي للإمام الصادق(عليه السلام).

مع أنّ ما قاله باكلي وكرو عن الشخصية التاريخية للصادق(عليه السلام)، مِن حذف الأسباب السياسية للقرارت الجعفرية واختفائها خلف السمات القدسية للإمام(عليه السلام)، صحيح في الجملة، لكن لا يُمكن أن نعدّه دقيقًا أو أن نراه ناشئًا عن هدف محدّد من منظور شيعي؛ إذ بالرجوع إلى مصادر الشيعة الحديثية، يمكن أن نجد قرارات واتّجاهات سياسية واجتماعية لجعفر بن محمد(عليه السلام) تجاه الحكّام الأمويين والعبّاسيين، كما قد نتمكّن من العثور على أسباب امتناع الإمام الصادق(عليه السلام) عن الدعم ومواكبة الثورات الحسنية المُقامة ضدّ الدولة العباسية[119]. إضافة إلى ما مرّ مِن مواجهة النفس الزكية وأبيه عبد الله مع الصادقين(عليه السلام) في مسألة الإمامة، على ضوء رواية نتمكّن مِن فهم السبب الرئيس للصادق(عليه السلام) في قراره على عدم دعم ثورة النفس الزكية عام 145هـ. لقد أعلن جعفر بن محمد(عليه السلام) مخالفته لأية ثورة مقامة تحت شعار إرجاع الحُكم إلى «الرضا من آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)»، إذ كان يرى(عليه السلام) أنّع في حال نجاح ثورة الثوّار، فلن يُرجعوا الخلافة إلى أهل البيت(عليهم السلام) أبدًا[120]. نعم، قدّم باكلي في مقالته «الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، أبو الخطّاب والعباسيون» تحليلات حول الأسباب السياسية لمخالفة الإمام الصادق(عليه السلام) مع أبي الخطاب والخطابية[121]، وهو جدير بالملاحظة والتأمل، لكن لا يمكن قبول تأكيده على انحصار الأسباب لذلك بالأسباب السياسية فحسب.

وفقًا لما يوجد في المصادر الروائية الشيعية وبمراجعتها، كما قدّمنا عيّنةً منها، نتمكّن من العثور على اتّجاهات سياسية واجتماعية للإمام الصادق(عليه السلام) وفهم أسبابها السياسية والاعتقادية. فعليه، نتمكّن من بيان وهن ما ادّعاه باكلي وكرو من اختفاء الشخصية التاريخية للصادق(عليه السلام) خلف قدسيته المؤدّية إلى حذف القرارات السياسية للإمام(عليه السلام). فبتتبّع المصادر المختلفة وبتحمّل معاناة البحث والتحقيق، نتمكّن من فهم سر رواية تاريخية تبيّن شخصية الإمام الصادق(عليه السلام) التاريخية بجميع مواقفه السياسية والاجتماعية والاعتقادية.

من جهة أخرى، «النخبوية»[122] السائدة على كتابة التاريخ الإسلامي، أدّت إلى خفوت لمعان أئمة الشيعة(عليهم السلام) في المصادر التاريخية، خاصّة بعد عصر إمامة الإمام الحسين(عليه السلام). في الواقع، تلك النخبوية في اختيار الموضوعات التاريخية من قِبَل المؤرّخين، أدّت إلى تركيزهم على الحكومات والشخصيات السياسية فأنتجت تهميش سائر الشرائح المجتمع من الناشطين والعلماء في الروايات التاريخية. هذا الأمر لم يختص بشخصية الأئمّة(عليهم السلام) أو الإمام الصادق(عليه السلام) وحدها، بل تعمّ سائر الشرائح المؤثرة اجتماعيًا من الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين من أهل السنّة وسائر النحل والمذاهب الإسلامية أيضًا. فالمعطيات التاريخية عن هذه الشخصيات، من أيّ نحلة فكرية أو فرقة كلامية كانوا، إنّما حصلت إمّا عن طريق أتباعهم الذين قاموا بترجمتهم والكتابة عن تاريخهم، وإمّا عمّا كتبه مخالفوهم من مذاهب أخرى، حيث سعوا إلى الحطّ من مكانتهم الفكرية والاجتماعية. فهذا الأمر، أمر شائع في تاريخ كتابة التاريخ الإسلامي، حيث شكّل عائقًا وتحدّيًا الكبيرين للباحثين في مجال التاريخ الإسلامي.

النقطة التالية التي كتبها المستشرقون ممّا يرتبط بموقع الإمام الصادق(عليه السلام) العلمي في الفكر الشيعي، هو التشكيك الذي قام به باكلي بالنسبة إلى صحّة ما نُسب إلى جعفر بن محمد(عليه السلام) في المصادر الشيعية من روايات تفسيرية[123]، وفقهية واعتقادية[124]. كانت دعوى باكلي في التشكيك في الروايات الجعفرية التفسيرية، قائمة على ما كتبه ابن تيمية في منهاج السنة عمّا أورده كلُّ مِن الثعالبي والواحدي (ت 468هـ) والنقّاش (ت 414هـ) من روايات عن جعفر بن محمّد(عليه السلام) في تفاسيرهم[125].

فجوابًا عن هذه الدعوى يُمكن أن يُقال أولًا: إنّ الروايات التفسيرية المروية عن الصادق(عليه السلام) في مصادر أهل السنّة، لم تنحصر بهذه النماذج الثلاثة حيث نتمكّن من الحصول على روايات جعفرية في آثار بعض المفسّرين من أهل السنّة الذين يُمكن عدّهم من معاصري الإمام الصادق(عليه السلام)[126]؛ وثانيًا: هناك بعض مَن يُعدّ من متبحّري أهل السنّة في علمي الحديث والرجال قد أوردوا روايات تفسيرية عن الصادق(عليه السلام)، منهم الطبري (ت 310هـ) وابن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ). فالطبري جاء في تفسيره جامع البيان بـ18 رواية وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم بـ 29 رواية عن جعفر بن محمد(عليه السلام). فكثرة الإسناد إلى الإمام الصادق(عليه السلام) بحدٍّ حيث حاول بعض المحقّقين إحصاء أنواعها ممّا رُويت عنه(عليه السلام) في مصادر أهل السنة التفسيرية[127].

هذا من جهة الروايات الجعفرية في التفسير، فالحال نفسه بالنسبة إلى ما ورد في مصادر أهل السنّة الحديثية والفقهية. فبالبحث في هذه المصادر نتمكّن من الحصول على كمٍّ معتنى به من الروايات عن الصادق(عليه السلام) في مختلف فروع الفقه وسائر المواضيع. من بين كتب الستّة لأهل السنة نجد في صحيح مسلم(ت 261هـ) 15 رواية في الفقه ورواية في الأخلاق، في سنن أبي داود (ت 271هـ) 11 رواية فقهية، في سنن ابن ماجة (ت 273هـ) 19 رواية فقهية، في سنن الترمذي (ت 279هـ) 20 رواية فقهية وفي سنن النسائي (ت 301هـ) 58 رواية فقهية. أضف إلى ذلك الروايات الموجودة في سائر المصادر الحديثية-الفقهية لأهل السنّة، حيث نجد في مصنّف عبد الرزاق الصنعاني (ت 211هـ) 64 رواية فقهية، وفي مصنّف ابن أبي شيبة 171 رواية فقهية وتسع روايات في السيرة النبوية وتاريخ أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الإمام الصادق(عليه السلام). كذلك الحال في المصادر الفقهية، حيث يوجد في الموطّأ لمالك بن أنس (ت 179هـ) والسنن الكبرى للبيهقي (ت 458هـ)، 14 و174 رواية فقهية عن الصادق(عليه السلام). روى النيسابوري في كتابه المستدرك عن جعفر بن محمد(عليه السلام) 39 رواية منها 17 في فضائل الصحابة، 12 فقهية، خمسة تفسيرية، ثلاثة في السيرة النبوية وروايتين في تاريخ الإنبياء(عليه السلام). كذلك جاء عن البيهقي في شعب الإيمان 37 رواية اعتقادية عن الصادق(عليه السلام)[128].

ما هو جدير بالذكر في مباني مدّعى باكلي عن نُدرة الروايات الجعفرية في مصادر أهل السنّة الفقهية الاستقراء والتتبّع الناقص وغير الشامل لديه. فمثلًا في دعواه عن قلّة الروايات المسندة عن الصادق(عليه السلام) في المصادر الفقهية، اقتصر تتبّعه على الموطّأ، حيث إنّه وجد ستّة روايات فيه مندرجة تحت عنوان باب «الحج»[129]، والحال أنّه بمراجعة الكتاب نفسه، نجد 14 رواية مسندة إلى الإمام الصادق(عليه السلام)، لم يقتصر موضوعها على الحج فحسب، بل تشتمل أبوابًا فقهية كالطلاق، العقيقة، الزكاة، الصلاة الجمعة وأحكام الأموات. حيث التعدّد الموضوعي في الأبواب الفقهية المختلفة، بالمراجعة إلى سائر المصادر الحديثية-الفقهية نجده أكثر بكثير ممّا أورده مالك بن أنس في كتابه.

نتيجةً لذلك، ما ادّعاه باكلي من ندرة الروايات المسندة التفسيرية، الفقهية والكلامية في مصادر أهل السنّة لم يكن صحيحًا، لا من جهة عدد الروايات ولا من جهة اقتصارها على أبواب فقهية محدّدة وافتقارها للتنوّع الموضوعي. نعم، هناك أمر لا بدّ من ذكره هنا، وهو الاختلاف في الروايات الفقهية المروية عن الصادق(عليه السلام) في الكمّ والعدد، بينما توجد في المصادر الشيعية ومصادر أهل السنّة. ففي بيان سبب ذلك، مع الاعتراف بأنّ استيفاء بيان تلك الأسباب يتطلّب مجالًا غير هذا، يُمكن أن يُشار إلى الاختلاف في المباني الكلامية والحديثية بين المذهب الإمامي وسائر المذاهب الإسلامية من أهل السنّة. فإنّ «الإمام» في الفكر الشيعي، هو مصدر لبيان الأحكام الشرعية إضافة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى هذا الأساس، كلام الإمام(عليه السلام) بالنسبة للشيعة إضافة إلى كونه طريقًا لفهم ما جاء به النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من الأحكام الشرعية، كذلك كانت له قيمة معرفية، سواء في الموضوعات الفقهية أو الكلامية، فتكون لها أهمّية مستقلّة. هذا بخلاف ما كان ينظر علماء السنّة إلى الأئمّة(عليهم السلام)، فإنّهم(عليه السلام) كانوا في نظر أهل السنّة علماء ومحدّثين، يأخذون منهم معالم الفقه والحديث، لكن كانت هذه العملية مقتصرة على الأخذ برواياتهم مقتصرًا على اتّصال سندها بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الصحابة؛ فلذلك كانت الشيعة تروي الروايات عن الإمام الصادق(عليه السلام) مثلًا، ما يرويه عن آبائه(عليهم السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كما يأخذ بما كان يقوله غير مسند ذلك الإسناد، والحال أنّ أهل السنّة كانوا يقتصرون على رواية النوع الأوّل من الروايات عن الصادق(عليه السلام)، الذي يسنده إمّا إلى آبائه(عليهم السلام) أو إلى أحد الصحابة. فهذا السرّ في اختلاف عدد الروايات المسندة عن الصادق(عليه السلام) بين المصادر الشيعية والسنّية. هذا الاختلاف المبدئي والمنهجي بين حديثي الشيعة وأهل السنّة هو الذي لو كان بحسبان باكلي، لكان يمنعه عن طرح مدّعياته عن الروايات الجعفرية والتشكيك في صحّة انتسابها إلى جعفر بن محمّد(عليه السلام) بحجّة عدم تطابقها مع ما جاء في المصادر السنّية.

في القسمين المخصصين للإمام الصادق(عليه السلام) في موسوعة القرآن والإصدار الثالث من موسوعة الإسلام، أبدى باكلي، بالاستناد إلى ثلاث روايات من كتاب اختيار معرفة الرجال للكشّي، شكوكًا في صحّة الإسناد إلى جعفر الصادق(عليه السلام)، نظرًا لشيوع الوضع والجعل في انتساب الروايات إلى الإمام الصادق(عليه السلام) في عصر إمامته(عليه السلام)[130]. في الرواية الأولى التي تمّ الاعتماد عليها من قِبَل باكلي، هناك شخص قد شكا إلى الإمام الصادق(عليه السلام) كثرة الاختلاف بين الشيعة الكوفيين، حيث لم ير ملجأً للخروج عن الحيرة الناشئة عنه إلّا عند المفضّل بن عمر (ت. بعد 184هـ). فالإمام(عليه السلام) أجابه مؤيّدًا وجود تلك الاختلافات الناشئة عن الخطأ في تأويل كلامه الذي كان طلبًا للحصول على شأن دنيوي من قِبَل بعض الشيعة. فحلًا لتلك الأزمة، نصح السائل بالرجوع إلى زرارة بن أعين (ت 148 أو 150هـ)[131]. هذه الرواية تؤيّد أمرًا لا يُنكر من محاولات بعض الجهلة أو المغرضين من إدخال بعض الروايات عن الأئمة(عليهم السلام) في المصادر الروائية بغية الاختلاف أو لنيل مقاصدهم، لكن في الوقت نفسه، تؤكّد على تقديم حلّ من قِبَل الإمام الصادق(عليه السلام) لمواجهة تلك المحاولات. فأمر الإمام(عليه السلام) بالرجوع إلى بعض أصحابه كزرارة وغيرهم، ويُمكن عدّ ذلك تصدّيًا للحفاظ على صحّة الموروث الروائي الشيعي.

الرواية الثانية من تلك الروايات الثلاثة، رواية تشير إلى محاولات أبي الخطّاب وأتباعه الخطّابية على لإسناد مجموعة من الروايات إلى الإمام الصادق(عليه السلام)[132]. فهذه الرواية تشير إلى شيوع الوضع عند الخطّابية، فنجد وباعتراف جميع المحقّقين من الشرق والغرب بمواجهة الإمام(عليه السلام) لهذه الفرقة، بتقبيح أعمالهم ومعتقداتهم والتبرّي العلني منهم. فتعميم شيوع هذه الظاهرة بين الخطّابية إلى جميع المجتمع الشيعي، أمر بعيد عن الإنصاف وغير موافق للمعايير العلمية ولا يراعي الأمانة في فهم ما نقلته المصادر. أما الرواية الثالثة التي استند إليها باكلي في ما ادّعاه، هي رواية لم ترتبط بالإمام الصادق(عليه السلام) من الأساس. إذ هي رواية عن الإمام الباقر(عليه السلام) عن شخص كان يُدّعى بـ«بيان التبّان/ بُنان البيان» كان ينسب بعض الروايات كذبًا إلى الإمام السجّاد(عليه السلام)[133].

مع أنّ النظر إلى محتوى ما استند إليه باكلي من الروايات سيكون ناقضًا لمدّعاه، لكن مسألة دخول بعض المعارف الموضوعة في المصادر الروائية والتاريخية الإسلامية بشكل عام، فضلًا عن المصادر الشيعية، أمر لا يُمكن إنكاره. كما أنّ السيد عليرضا شيرازي بيّن مفصّلًا وجيّدًا بأنّ أئمّة الشيعة(عليه السلام) وعلى رأسهم الصادقين(عليه السلام) قد اتّخذوا مواقفًا وقدّموا حلولًا في سبيل إيقاف تلك المحاولات والحدّ من أثرها[134]، فهذه المواقف أدّت إلى تأسيس علوم كـ«الرجال» و«الدراية»، حيث إنّ علماء الشيعة، بناءً على ما ورد عن الأئمة(عليهم السلام)، أسّسوا علم الرجال الذي مكّنهم من تقويم اعتبار أسناد الروايات وصحّتها. كما أنّهم بتنقيح قواعد علم الدراية، أقدموا على تقويم متون الروايات، وتمكّنوا من التمييز بين الصحيح والسقيم.
في مقالة أخرى، أرجع باكلي تاريخ التصنيفات الشيعية إلى عصر الإمام الصادق(عليه السلام)، زاعمًا أنّ السبب الرئيسي لإيجادها إنّما كان ناشئًا عن الإحباط الذي كان يعيشه المجتمع الشيعي إثر الفشل المتكرّر لثوراتها والتحقير المستمر لمباني معتقداتها من قِبَل الجهات الحاكمة، على الخصوص الحكومة العباسية. وزعم أنّ الهدف الرئيسي من الإقدام على تصنيف المصنّفات الشيعية في ذلك العصر، إنّما كان للحفاظ على التماسك العِقَدي للمجتمع الشيعي وتمكينه من الدفاع عن المعتقدات الإمامية في مواجهة المخالفين[135].

مع أنّ الحفاظ على التماسك العقَدي في المجتمع الشيعي والتمكّن من الدفاع عن المعتقدات كان مِن أهمّ ما أنتجته التصنيفات الشيعية، لكن نظرًا إلى تطوّر العلوم في المجتمع الإسلامي، لا يمكن عدّ ذلك سببًا خاصًا لما قامت به الإمامية بتصنيف مصنّفاتها الحديثية. فالقرن الثاني الهجري كان عصر تدوين العلوم في المجتمع الإسلامي كافّة، كما قدّم لنا الذهبي رواية تاريخية جاء فيها أنّه في عام 143هـ ابتدأ المسلمون بتدوين وتأليف الكتب في مختلف العلوم، منها: الحديث والفقه والتفسير[136]. أضف إلى ذلك أنّه بناءً على بعض الدراسات، مع أنّ كثرة المصنّفات الشيعية بلغت ذروتها في عصر الصادقين(عليهم السلام)، أي بين عامي 94-148هـ، لكنّها لم نتحصر بتلك الحقبة الزمنية؛ إذ بالنظر إلى بعض المصادر نتمكّن من الحصول على أسماء بعض المؤلّفات الشيعية، اُلّفت من قِبَل بعض أصحاب الأئمّة(عليهم السلام) قبل هذا العصر. فالسيّد حسين مدرّسي طباطبائي في قسم من دراسته عن المصنّفات الشيعية عدّ بعض تلك المصنّفات[137].

هناك نقطة أخرى حول كثرة عدد التصنيفات الشيعية في عهد الصادقين(عليه السلام)، حيث يرتبط ذلك بما قام به الأئمة(عليهم السلام)، خصوصًا الإمام الصادق(عليه السلام)، من مواقف ووصايا. لقد سبق أن ذكرنا بأنّ الأئمة(عليهم السلام) قاموا باتّخاذ بعض المواقف لمواجهة سوء التأويل لكلامهم ونفوذ مسألة الجعل والوضع. إحدى تلك المواقف كان الأمر بكتابة الأحاديث وتدوينها والحفاظ عليها، حيث نتمكّن من الحصول على الروايات المروية عن الإمام الصادق(عليه السلام)[138]. وقد أمر الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) بكتابة الأحاديث حيث قال: «اكْتُبُوا فَإِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتَّى تَكْتُبُوا»[139] و«الْقَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابَة»[140]. كما أنّ هناك رواية أخرى عنه(عليه السلام)، نصح بحفظ ما كُتب من الأحاديث حيث قال: «احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا»[141]. ذلك كان إحدى التعليمات والمواقف التي اتّخذها الأئمة(عليهم السلام) بصدد الحفاظ على صحّة التراث الروائي الشيعي التي أدّت إلى تصنيف المصنّفات الحديثية وشيوع تعليمها وتعلّمها في المجتمع الشيعي[142].

في النهاية يُمكن أن يُقال إنّ الحفاظ على التماسك العقَدي في المجتمع الشيعي وتمكينه من الدفاع عن مبادئه الاعتقادية تجاه المخالفين، إنّما كان نتيجة لما قام به الشيعة من تصنيف وتدوين مصنّفات حديثية، لا أنّه كان سببًا لذلك. الأمر الذي جاء بمواكبة الزمن من إقبال المجتمع الإسلامي كافّة على تدوين الكتب في شتّى المجالات العلمية الإسلامية. فما عدّه باكلي سببًا لإقدام الشيعة على تصنيف المجامع الحديثية، إنّما كان نتيجة لذلك.

قام كوهلبرغ في دراسة، استنادًا على رواية جاءت في كلّ من الأمالي للطوسي والرجال للكشّي، بطرح دعوى أنّه لم يكن أصحاب الأئمة(عليهم السلام) جميعًا يعترفون بشأنهم(عليهم السلام) العلمي ومكانتهم المرموقة فيه، وتأكيدًا لذلك، ذكر هشام بن الحكم منهم، حيث حاول بطرح المسائل الكلامية المعقّدة على الإمام الصادق(عليه السلام) أن يتحدّى خبرته(عليه السلام) في علم الكلام[143]. بالبحث عن هذه الرواية، نجد أنّها وردت إضافة إلى الأمالي الطوسي ورجال الكشي في كلّ من بصائر الدرجات للصفّار (ت. 290هـ) والكافي للكليني[144]. جاء في هذه الرواية نقلًا عن هشام أنّه سأل الإمام الصادق(عليه السلام) في منطقة «منى» عن 500 مسألة كلامية، حيث أجابه(عليه السلام) على جميعها. قال هشام عند ذلك، مخاطبًا للإمام الصادق(عليه السلام): «جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَذَا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْقُرْآنُ أَعْلَمُ أَنَّكَ صَاحِبُهُ وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْكَلَام». فأجابه الإمام(عليه السلام) مؤكّدًا على العلم الإلهي للأئمة(عليهم السلام)، حيث بيّن أنّه ليس هناك علم يحتاجه الإمام(عليه السلام) في احتجاجه على الخلق، إلّا وقد أُعطي ذلك به من قِبَل الله سبحانه.
كما يرينا متن الرواية بوضوح، لم يكن هشام في طرح مسائله قاصدًا تحدّي علم الإمام الصادق(عليه السلام) في الكلام. فتعجّب هشام من علم الإمام(عليه السلام) الواسع بجميع العلوم مضافًا إلى الفقه والقرآن، ناشئ عن زعمه الشخصي بانحصار علمه(عليه السلام) بالقرآن والفقه. والإشكال على هذا الزعم الذي ورد بناءً على هذه الرواية هو تعميمُ زَعمِ هشام الشخصي إلى جميع أصحاب الإمام(عليه السلام). فمعرفة شؤون الإمام(عليه السلام) من جهة الأصحاب، لم تكن معرفة مساوية لجميعهم أو حاصلة لهم بشكل دفعي، بل يوجد اختلاف بين الأصحاب في درجات معرفتهم بشؤون الأئمة(عليهم السلام)، حيث يحصلون عليها بشكل تدريجي. كما أنّ الروايات التي وردت عن الأئمة(عليهم السلام) في شؤونهم العلمية، كان صدورها بشكل تدريجي ضمن عصور مختلفة، وذلك عن طريق خطابات متفاوتة لأشخاص مختلفين[145].

إضافة إلى ذلك، وبناءً على بعض الروايات، فإنّ هشامًا قبل أن يكون في زمرة أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) كان معتقدًا بمذهب آخر غير التشيّع. كان بارعًا في فنّ المناظرة والجدل ومتبحّرًا في علم الكلام. لقد اعتنق مذهب التشيّع، بعد أن واجه سؤالًا من جعفر بن محمد(عليه السلام) وحار في الجواب مدّة من الزمن. فعلى أثر ذلك أصبح معتقدًا بالمذهب الإمامي، وأصبح من أبرز أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) المتكلّمين[146]. من هذا المنطلق، يُمكن طرح احتمال أنّ ما جرى في الرواية التي استند إليه كوهلبرغ، على فرض صحّة ما فهمه منها وطرح دعواه على أساسها، أنّها حدثت في أوائل تشيّع هشام، حيث إنّه لم يعلم بشؤون الإمام(عليه السلام) العلمية علمًا كاملًا. من جهة أخرى، نجد في رواية ما ينجم عن اعتقاد هشام الكامل بشأن الإمام الصادق(عليه السلام) العلمي، وفي علم الكلام خاصة؛ حيث إنّه جاء فيها عمّا نقله هشام إلى الإمام الصادق(عليه السلام) بما جرى في مناظرة كلامية بينه وبين عمرو بن عبيد (ت. 144هـ)، من رؤوس المعتزلة، وعندما سأله الإمام(عليه السلام) بأنّه ممّن تعلّم ما قاله لعمرو، أجاب هشام قائلًا: «شَيْ‏ءٌ أَخَذْتُه‏ مِنْكَ وَأَلَّفْتُه»[147]. بهذا الكلام بيّن هشام أنّ ما قاله لعمرو بن عبيد وأدّى إلى إسكاته، هو ما كان قد تعلّمه من الإمام الصادق(عليه السلام). فينجم ذلك عن اعتقاده بمرجعيّة الإمام(عليه السلام) العلميّة، سواء كان في علوم القرآن والحديث والفقه، أو كان في علم الكلام.

الخاتمة
إنّ ما مرّ كان محاولة للإجابة عمّا طرحه المستشرقون، حيث كان يمسّ بشخصية الإمام الصادق(عليه السلام)، أو يحاول الحطّ من موقعه العلمي، أو ما كان مبتنيًا على أسس مخدوشة علميًا. مع ذلك، يجب الاعتراف بأنّه من المحتمل قويًا أنّ هناك بعض الدراسات من قِبَل الباحثين الغربيين، تحمل في طيّاتها آراءهم في أثر الصادق(عليه السلام) في تكوين الهوية الشيعية في مجالات مختلفة فقهية واعتقادية وفكرية لم تكن بمتناول الأيدي؛ فلذلك تمّ بناء هذا البحث على أساس المصادر المتاحة من أعمال المستشرقين البحثية.

وفقًا لما مضى ومن خلاله، نتمكّن من فهم أنّ بعض الباحثين الغربيين قد بنوا مدّعياتهم على أساس ما كتبه المخالفون لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وما طرحوه من وجهات نظر مغرضة. الآراء التي جاء بها المخالفون، بغية أن يتمكّنوا من إخماد صوت الشيعة. من هذا المنطلق وباستخدام رؤية تاريخية وتحليلية إلى المصادر الشيعية ومصادر أهل سنّة الحديثية، يُمكن فهم أنّ تلك المدّعيات المُقامة على ذلك الأساس بينها وبين واقع الحال بون بعيد. المسألة التي تجعل الوثوق بتلك الآراء، مسألةً تعارض المنهجية البحثية العادلة.
في الدراسة لقسم آخر ممّا بيّنه المستشرقون من الآراء والتحليلات، نجد افتقار بحوثهم إلى استقراء كافٍ للمصادر. فبعض الباحثين، دون تحمّل عناء التتبّع في مصادر الفريقين، أقدموا على طرح نظريات وتحاليل نتمكّن بعد التتبّع في مختلف المصادر الإفصاح عن نقضها وتبيين خطئها. هناك نوع آخر ممّا قدّمها المستشرقون من أحكام عامّة تاريخية، نجد بالمراجعة إلى مستنداتهم أنّها مبنية على عدد محدود من الشواهد. حيث يُمكن برؤية شاملة ومجموعية إلى كمّ أكبر من الروايات، نقض ما طرحوه بتبيين موارد كثيرة تناقض مدّعى الباحثين في دراساتهم.

في ما مضى، حاولنا باستخدام منهج تاريخي مشابه لمنهج المستشرقين، وبقراءة المصادر الحديثية الشيعة عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أن نجيب قدر الإمكان على ما طرحه الباحثون الغربيون حول الإمام جعفر بن محمد(عليه السلام)، وما كان يمسّ من شخصية الإمام الصادق(عليه السلام) التاريخية والعلمية ومدى تأثيره على تكوين الهوية الشيعية. آملين أن نكون قد توصّلنا إلى بعض المراد ممّا كنّا قد أعددنا هذا البحث لأجله.

لائحة المصادر والمراجع
‏الديلمي، أبو الشجاع، شيرويه بن شهردار، الفردوس بمأثور الخطاب، لبنان - بيروت: دار الكتب العلمية، 1986.
البلاذري، أحمد بن يحيى‏. أنساب الأشراف، لبنان-بيروت: دار الفكر، 1417.
الذهبي، محمد بن أحمد‏، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام‏، لبنان-بيروت: دار الكتاب العربي، 1413.
الراوندي، سعيد بن هبة الله‏، الخرائج والجرائح‏، ايران- قم‏: مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام، 1409.
الشافعي، محمد بن إدريس‏. تفسير الإمام الشافعي، السعودية: دار التدمرية، 2006.
‏الصنعاني، عبد الرزاق‏. تفسير عبد الرزاق، لبنان-بيروت: دار الكتب العلمية، 1419.
الطوسي، محمد بن حسن‏، الأمالي، ايران- قم‏: دار الثقافة، 1404.
‏‏النوبختي، حسن بن موسی‏، فرق الشیعة، ايران- قم‏: مكتبة الفقيه، 1404.
‏رفیع، تقی، مهدی ایزدی، عبدالهادی فقهی زاده، و محمود ویسی‏. «گونه‌شناسی روایات تفسیری امام صادق(عليه السلام) در منابع اهل‌سنّت‏». پژوهشنامه تفسیر و زبان قرآن 9، ش. 1 (۱۳۹۹ش).
فیرحی، ‌داود‏. «شیعه و مسئله مشروعیت: بین نظریه و نص‏». دانشکده حقوق و علوم سیاسی (دانشگاه تهران) 57، ش. 33 (۱۳۸۱ش).

لائحة المصادر الأجنبيّة
Brown, Jonathan. Hadith: Muhammad’s Legacy in the Medieval and Modern World. 2nd. London: Oneworld Academic, 2018.
Buckley, Ron P. “Ja’far Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shī’ism”. University of Exeter Department of Arabic and Islamic Studies, 1993.
———. “Ja’far Al-Ṣādiq”. Encyclopaedia of the Qurʾān, 2018.
———. “Ja’far Al-Ṣādiq”. The Encyclopaedia of Islam, 2022.
———. “Jaʿfar Al-Ṣādiq as a Source of Shī’ī Tradition”. In Shi’ism: Origins and Evolution, 111-31. United Kingdom: Routledge, 2008.
———. “On the Origins of Shī’i Hadīth”. Muslim World 88, no. 2 (1998).
———. “The Imam Ja’far Al-Sadiq, Abu ’l-Khattab and the Abbasids”. Der Islam 79, no. 1 (2002).
Crow, Karim Douglas. “Imam Ja’far Al-Sadiq and the Elaboration of Shi’ism”. In The Shi’i World: Pathways in Tradition and Modernity. London: I.B. Tauris, in association with the Institute of Ismaili Studies, 2015.
Fazari, Abd Allah b. Yazid. Early Ibadi Theology: Six Kalam Texts by ’Abd Allah b. Yazid Al-Fazari. Leiden: Brill, 2014.
Gleave, Robert, Hamid Algar, Daniel De Smet, and Ahmad Kazemi Moussavi. “JA’FAR AL-ṢĀDEQ”. The Encyclopaedia Iranica (Onlin), 2008.
Haywood, John A. “Jaʿfar Al-Ṣādiq”. Encyclopedia Britannica (Online), n.d.
Hodgson, M.G.S. “ḎJ̲afaral-Ṣādiḳ”. Encyclopaedia of Islam. Leiden: E. J. BRILL, 1991.
Kohlberg, Etan. “Imam and Community in the Pre-Ghayba Period”. In Belief and Law Imāmī Shīʿism. Norfolk: Variorum, 1991.
———. “Some Imāmī Shī’ī Interpretations of Umayyad History”. In Belief and Law Imāmī Shīʿism. Norfolk: Variorum, 1991.
———. “The Term ‘Muḥaddath’ in Twelver Shī’ism”. In Belief and Law Imāmī Shī’ism. Norfolk: Variorum, 1991.
Madelung, Wilferd. Der Imam al-Qāsim ibn Ibrāhīm und die Glaubenslehre der Zaiditen. Berlin: de Gruyter, 1965.
———. “Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb Al-Kāfī of Al-Kulaynī”. In The Study of Shi’i Islam: History, Theology and Law. New York: Islamic Publications Ltd, 2014.
———. “ʿAbd Allāh b. Yazīd Al-Fazārī’s Rebuttal of the Teaching of Ibn ʿUmayr”. In Teological Rationalism in Medieval Islam. Leuven-Paris-Bristol: Peeters, 2018.
Modarressi Tabataba’i, Hossein. Tradition and Survival: A Bibliographical Survey of Early Shī’ite Literature. Oxford: Oneworld, 2003.
Pierce, Matthew. Twelve Infallible Men; The Imams and the Making of Shi’ism. Massachusetts: Harvard University Press, 2016.
Van Ess, Josef. Theology and Society in the Second and Third Centuries of the Hijra. Translated by John O’Kane. 5 vols. Leiden-Boston: Brill, 2017.

------------------------------
[1]- باحث في المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية ـ إيران.
[2]- القرشي، موسوعة سيرة أهل البيت، ج19، ص23.
[3]- العاملي، الشامي، الدر النظيم في مناقب الأئمة، ص185.
[4]- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص281.
[5]- لجنة التأليف، أعلام الهداية، ج8، ص48.
[6]- ‏‌محمد إحسانی، «امام صادق علیه السلام از دیدگاه خاورشناسان‏»، 75-98.
[7]- ‏‌علی حسن‌ نیا و ‌علی راد، «خاورشناسان و حدیث امامیه؛ طبقه‌بندی و تحلیل پژوهش‌ها‏»، علوم حدیث 78، 23-59.
[8]- ‏‌محمد جهادی، ‌علیرضا صابریان، و ‌رضا کهساری، «بررسی و نقد دیدگاه مستشرقان دربارۀ فضائل اهل بیت(عليهم السلام)‏»، 63-86.
[9]- ‏نعمت ‌الله صفری ‌فروشانی، «امام جعفر‌بن ‌محمّد الصادق علیهما السلام‏»، در تصویر امامان شیعه در دایرة المعارف اسلام «ترجمه و نقد»، ج1.
[10]-‏ آل علي، نور الدين، الإمام الصادق(عليه السلام)، كما عرفه علماء الغرب، ج1.
[11]- Etan Kohlberg.
[12]- Etan Kohlberg, ‎“The Term “Muḥaddath” in Twelver Shīʿism”, in Belief and Law Imāmī Shīʿism (Norfolk: Variorum, 1991), 41, 43-44.
[13]- Etan Kohlberg, ‎“Some Imāmī Shīʿī Interpretations of Umayyad History”, in Belief and Law Imāmī Shīʿism, vol. 1 (Norfolk: Variorum, 1991), 155.
[14]- Etan Kohlberg, ‎“Imam and Community in the Pre-Ghayba Period”, in Belief and Law Imāmī Shīʿism (Norfolk: Variorum, 1991), 35.
[15]- Marshall Goodwin Simms Hodgson.
[16]- M.G.S. Hodgson, ‎“ḎJ̲afaral-Ṣādiḳ”, Encyclopaedia of Islam (Leiden: E. J. BRILL, 1991).
[17]- ‏صفری‌ فروشانی، «امام جعفر‌بن ‌محمّد الصادق علیهما السلام».
[18]- Josef Van Ess, Theology and Society in the Second and Third Centuries of the Hijra, trans. John O’Kane, 5 vols. (Leiden-Boston: Brill, 2017), 1:299.
[19]- Ibid., 1:359.
[20]- John Haywood.
[21]- John A. Haywood, ‎“Jaʿfar Al-Ṣādiq”, Encyclopedia Britannica (Online), n.d.
[22]- Robert M. Gleave.
[23]- Robert Gleave et al., ‎“JAʿFAR AL-ṢĀDEQ”, The Encyclopaedia Iranica (Onlin), 2008, Section ii.
[24]- Jonathan A.C. Brown.
[25]- Jonathan Brown, Hadith: Muhammad’s Legacy in the Medieval and Modern World, 2nd (London: Oneworld Academic, 2018), 123-25, 128, 138.
[26]- Karim Douglas Crow.
[27]- See Karim Douglas Crow, ‎“Imam Jaʿfar Al-Sadiq and the Elaboration of Shiʿism”, in The Shiʿi World: Pathways in Tradition and Modernity (London: I.B. Tauris, in association with the Institute of Ismaili Studies, 2015), 56-77.
[28]- Wilferd Madelung.
[29]- Wilferd Madelung, ‎“Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb Al-Kāfī of Al-Kulaynī”, in The Study of Shiʿi Islam: History, Theology and Law (New York: Islamic Publications Ltd, 2014), 469-71.
[30]- Ibid., 472.
[31]- Wilferd Madelung, “Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb Al-Kāfī of Al-Kulaynī. 474.
[32]- Matthew Pierce.
[33]- Matthew Pierce, Twelve Infallible Men; The Imams and the Making of Shiʿism (Massachusetts: Harvard University Press, 2016), 85-89.
[34]- Ibid., 110-11, 157.
[35]- Ron P. Buckley.
[36]- Ron P. Buckley, ‎“Jaʿfar Al-Ṣādiq”, Encyclopaedia of the Qurʾān, 2018.
[37]- Ron P. Buckley, ‎“Jaʿfar Al-Ṣādiq”, The Encyclopaedia of Islam, 2022.
[38]- Proto-Shīʿism.
[39]- See Ron P. Buckley, ‎“Jaʻfar Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shīʻism” (University of Exeter Department of Arabic and Islamic Studies, 1993), 10-37.
[40]- See ibid., 115-18.
[41]- See Ron P. Buckley, “Jaʻfar Al-Sadiq and Early Proto-Shīʻism, 119-204.
[42]- See ibid., 264-69.
[43]- See Ron P. Buckley, “Jaʻfar Al-Sadiq and Early Proto-Shīʻism” 339-42.
[44]- Al-Ṣādiq and the Origins of Shīʿī Sectarianism.
[45]- Buckley, “Jaʻfar Al-Sādiq and Early Proto-Shīʻism” , 343-71.
[46]- Buckley, “Jaʻfar Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shīʻism”, 371.
[47]- Ron P. Buckley, ‎“On the Origins of Shīʿi Hadīth”, Muslim World 88, no. 2 (1998): 183-84.
[48]- Ron P. Buckley, ‎“Jaʿfar Al-Ṣādiq as a Source of Shīʿī Tradition”, in Shi’ism: Origins and Evolution (United Kingdom: Routledge, 2008), 127-28.
[49]- Ron P. Buckley, ‎“The Imam Ja`far Al-Sadiq, Abu ’l-Khattab and the Abbasids”, Der Islam 79, no. 1 (2002): 118-40.
[50]- Kohlberg, “Some Imāmī Shīʿī Interpretations of Umayyad History,” 155.
[51]- Van Ess, Theology and Society in the Second and Third Centuries of the Hijra, 1:299.
[52]- Wilferd Madelung, Der Imam al-Qāsim ibn Ibrāhīm und die Glaubenslehre der Zaiditen (Berlin: de Gruyter, 1965), 44.
[53]- النوبختي، ‏حسن بن موسی، فرق الشیعة، ج1، 112.
[54]- ‏نموذجًا لذلك، ينظر: الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج8، 1: 285-286.
[55]- ‏ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب ‏، ج4، 4: 383.
[56]- الأشعري، ‏علي بن اسماعیل، مقالات الإسلامیین واختلاف المصلین، ج1، 19.
[57]- الصفار، ‏محمد بن حسن، بصائر الدرجات في فضائل آل محمدs، ج1، 178.
[58]- ‏راجع: الكليني، الكافي، 1: 285-286؛ الصدوق،
[59]- ‏الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمدs، 178.
[60]- ‏راجع: ابن بابويه، الإمامة والتبصرة من الحيرة، 56-57.
[61]- ‏ينظر: الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، 2: 416-417.
[62]- Madelung, Der Imam al-Qāsim ibn Ibrāhīm und die Glaubenslehre der Zaiditen, 44.
[63]- Kohlberg, “Some Imāmī Shīʿī Interpretations of Umayyad History,” 155.
[64]- See Van Ess, Theology and Society in the Second and Third Centuries of the Hijra, 1:299.
[65]- هذه الروايات، في الأصل عائدة إلى رواية واحدة قد كُرّرت ثلاث مرّات في المصادر المختلفة وبسند مشترك. فقد جاء فيها عن شخص سُمّي بأبي عبيد الحذّاء كان متحيّرًا في أمر الإمامة بعد استشهاد الإمام الباقر(عليه السلام). لقد التقى أبو عبيد مع سالم بن أبي حفصة، حيث اطّلعه سالم عن اختيار الباقر(عليه السلام) جعفرًا(عليه السلام) إمامًا بعده (‏الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد s، 259 و510؛
[66]- ‏ الراوندي، سعيد بن هبة الله، الخرائج والجرائح‏، ج3، 2: 770-771.
[67]- ‏ينظر: الكليني، الكافي، 1: 349-351.
[68]- ‏ العياشي، محمد بن مسعود، التفسير، ج2، 2: 291.
[69]- ‏ابن حمزة، محمد بن علي، الثاقب في المناقب، ج1، 388.
[70]- ‏ينظر: الكليني، الكافي، 8: 84-85.
[71]- ‏ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب‏، 4: 185.
[72]- ‏ابن حمزة، الثاقب في المناقب، 379-380. ما هو جدير بالذكر، أنّ اسم الوارد لمدّعي الإمامة في هذه الرواية، هو «عبد الله بن علي بن عبد الله بن الحسن»، فيمكن أخذ احتمال الخلط والتصحيف بالحسبان.
[73]- ‏الصدوق، علل الشرائع، 1: 209-211.
[74]- ‏الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، 318.
[75]- ‏الكليني، الكافي، 8: 363-364.
[76]- ‏م.ن، 1: 358. لا بدّ أن يقال، أنّ الظرف الزمني لهذه الرواية إنّما كانت بعد عام 126هـ، أي العام الذي عُرّف محمد النفس الزكية من قِبَل أبيه عبد الله المحض «مهديًا» وقام بأخذ البيعة له من الناس.
[77]- ‏راجع: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، ج13، 3: 78-79.
[78]- ‏نموذجًا لذلك، راجع: الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، 153.
[79]- الإصفهاني، ‏أبو الفرج، مقاتل الطالبیین، 126.
[80]- ‏النوبختي، فرق الشیعة، 58-59؛ الشهرستاني.
[81]- ‏الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، 174-175 و175-176 و177.
[82]- ‏الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، 174 و183.
[83]- ‏م.ن، 156 و245.
[84]- Buckley, “Jaʻfar Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shīʻism,” 351-52.
[85]- ‏ الخزاز، علي بن محمد، كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، ج1، 198-199.
[86]- ‏في مصادر أهل السنّة، راجع: ابن المغازلي، علي بن محمد، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ج1، 164-165.
[87]- فیرحی، ‏‌داود، «شیعه و مسئله مشروعیت: بین نظریه و نص‏»، دانشکده حقوق و علوم سیاسی (دانشگاه تهران) 57، 240-242.
[88]- ‏راجع: القزويني، محمد كاظم، موسوعة الإمام الصادق علیه السلام، ج28، 7: 399-484.
[89]- Van Ess, Theology and Society in the Second and Third Centuries of the Hijra, 1: 359.
[90]- Haywood, “Jaʿfar Al-Ṣādiq”.
[91]- ‏راجع: ابن بطة، عبيد الله بن محمد، الإبانة الكبرى، ج9، 9: 657.
[92]- ‏ينظر: العياشي، التفسير، 1: 281.
[93]- ‏نموذجًا لذلك، راجع: القمي، علي بن ابراهیم، تفسير القمي، ج2، 2: 86.
[94]- ‏راجع: المفيد، محمد بن محمد، الإختصاص، ج1، 183-185.
[95]- ‏راجع: الصدوق، علل الشرائع، 187-188.
[96]- Gleave et al., “JAʿFAR AL-ṢĀDEQ,” section ii.
[97]- See Madelung, “Early Imāmī Theology as Reflected in the Kitāb Al-Kāfī of Al-Kulaynī,” 460-73.
[98]- Ibid., 474.
[99]- See Wilferd Madelung, ‎“ʿAbd Allāh b. Yazīd Al-Fazārī’s Rebuttal of the Teaching of Ibn ʿUmayr”, in Teological Rationalism in Medieval Islam, 1 vols. (Leuven-Paris-Bristol: Peeters, 2018), 9-21.
[100]- See Abd Allah b. Yazid Fazari, Early Ibadi Theology: Six Kalam Texts by ’Abd Allah b. Yazid Al-Fazari (Leiden: Brill, 2014), 60, 112, 121.
[101]- ‏للاطّلاع عن ذلك، ينظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، ج10، 1: 17.
[102]- ‏ أبو زهرة، محمد، الإمام الصادق؛ حياته وعصره-آراؤه وفقهه، ج1، 215-216.
[103]- ‏زابينه شميتكه، «حركة الإعتزال: المرحلة المدرسية‏»، در المرجع في علم الكلام، ج1، ج2، 305-37، 305.
[104]- ‏حسن أنصاري و زابينه شميتكه، «التلقي الشيعي للاعتزال لدى الاثنى عشرية‏»، در المرجع في علم الكلام، ج1، ج2، 367-69، 369-370. لقد جعل الشيخ الكليني (ت 329هـ) في الكافي بابًا لهذا الموضوع. جاء فيه 14 رواية عن الأئمةb، سبعة منها رُويت عن الإمام الصادق(عليه السلام) (‏الكليني، الكافي، 1: 155-160).
[105]- ‏نموذجًا لذلك، راجع: الفراهيدي، خليل بن أحمد، كتاب العين، ج9، 8: 83.
[106]- ‏الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، 110. هناك بعض الروايات جاء فيها توضيح الإمام الصادق(عليه السلام) عن المعنى الصحيح لهذا المعتقد (‏نموذجًا لذلك، راجع: م.ن، 394.
[107]- ‏للاطّلاع عن رأي بعض علماء أهل السنّة حول مسألة البداء ومفهومها، راجع: الملطي، ابن عبد الرحمن، التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، ج1، 17.
[108]- ‏راجع: المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، موسوعة التراث الإمامي في علم الكلام وردّ الشبهات الكلامية، ج16، 4: 171-181.
[109]- ‏نموذجًا لذلك، ينظر: الصدوق، محمد بن علي، الإعتقادات، ج1، 40-41.
[110]- Buckley, “Jaʻfar Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shīʻism,” 115-18.
[111]- See ibid., 371.
[112]- Crow, “Imam Jaʿfar Al-Sadiq and the Elaboration of Shiʿism”, 77.
[113]- Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq,” 2018 section: al-Ṣādiq and Ṣūfī exegesis.
[114]- See Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq as a Source of Shīʿī Tradition”, 127.
[115]- See Buckley, “Jaʻfar Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shīʻism”, 265-67.
[116]- See Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq”, 2018; Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq”, 2022.
[117]- Buckley, “On the Origins of Shīʿi Hadīth”, 183-84.
[118]- Kohlberg, “Imam and Community in the Pre-Ghayba Period”, 35.
[119]- ‏نموذجًا لذلك، راجع: القزويني، موسوعة الإمام الصادق علیه السلام، 3: 95-102 و110-119 و185-193 و220-221.
[120]- ‏الصدوق، علل الشرائع، 2: 577-578.
[121]- Buckley, “The Imam Ja`far Al-Sadiq, Abu ’l-Khattab and the Abbasids”.
[122]- Elitism.
[123]- Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq”, 2018 section: al-Ṣādiq and Ṣūfī exegesis.
[124]- See Buckley, “Jaʻfar Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shīʻism”, 265-67; Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq as a Source of Shīʿī Tradition”, 127.
[125]- ‏راجع: ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ج9، 7: 34.
[126]- ‏نموذجًا لذلك، راجع: التیمی، یحیى بن سلام، تفسير يحيى بن سلام‏، ج2، 1: 366 و367 و377.
[127]- ‏راجع: تقی رفیع و دیگران، «گونه‌شناسی روایات تفسیری امام صادق(عليه السلام) در منابع اهل ‌سنّت‏»، 53-70.
[128]- تمّ استخراج هذه الأحاديث بواسطة برنامج «جامع الحديث النبوي» إصدار عام 2003م.
[129]- Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq as a Source of Shīʿī Tradition”, 127; See also Buckley, “Jaʻfar Al-Sạ̄diq and Early Proto-Shīʻism”, 265-67.
[130]- See Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq”, 2018; Buckley, “Jaʿfar Al-Ṣādiq”, 2022.
[131]- ‏ينظر: الكشي، محمد بن عمر، اختیار معرفة الرجال المعروف برجال الکشي، ج1، 135-136.
[132]- ‏راجع: م.ن، 294-295.
[133]- ‏ينظر: الكشي، محمد بن عمر، اختیار معرفة الرجال المعروف برجال الکشي، 301.
[134]- ‏راجع: شیرازی، حسینی، علیرضا، اعتبارسنجی احادیث شیعه (زیرساخت‌ها، فرایندها، پیامدها)، ج1، 277-314.
[135]- See Buckley, “On the Origins of Shīʿi Hadīth”, 183-84.
[136]- ‏الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام‏، 9: 13.
[137]- See Hossein Modarressi Tabataba’i, Tradition and Survival: A Bibliographical Survey of Early Shī’ite Literature (Oxford: Oneworld, 2003), 1-125.
[138]- لقد جعل الشيخ الكليني في كتابه الكافي بابًا اختصّ بكتابة الأحاديث والحفاظ عليها، جاء فيه روايات عن الأئمةb (‏الكليني، الكافي، 1: 51-53).
[139]- ‏ المحمودي، ضياء الدين، الأصول الستة عشر، ج1، 160.
[140]- ‏الكليني، الكافي، 1: 52.
[141]- ‏الكليني، الكافي، 1: 52.
[142]- ‏راجع: شیرازی، حسینی، علیرضا، اعتبار سنجی احادیث شیعه (زیرساخت‌ها، فرایندها، پیامدها)، 292-313.
[143]- Kohlberg, “Imam and Community in the Pre-Ghayba Period”, 35.
[144]- ‏الصفار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، 123.
[145]- ‏نموذجًا لذلك، ينظر: الكليني، الكافي، 1: 210-215 و221-229 و238-242 و253-265 و274-277.
[146]- ‏راجع: الكشي، اختیار معرفة الرجال المعروف برجال الکشي، 256-257.
[147]- ‏ينظر: الكليني، الكافي، 1: 169-171.