البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

«مناهج المستشرقين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة» الجزء الأول

الباحث :  محمد بن عمارة
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  40
السنة :  خريف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  September / 11 / 2024
عدد زيارات البحث :  129
تحميل  ( 468.061 KB )
كتاب «مناهج المستشرقين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة»، من الكتب المهمة التي عُنيت بدراسة المناهج وتطبيقاتها على الدراسات العربيّة والإسلاميّة.
صدور الكتاب: صدر هذا الكتاب في نطاق التعاون القائم بين المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم، وبين مكتب التربية العربي لدول الخليج، عن إدارة الثقافة في المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم، عام 1985م وبمشاركة نخبة من الباحثين.

أهداف الكتاب: يسعى الكتاب إلى تصويب الأخطاء التي وقع فيها بعض المستشرقين الذين اشتغلوا في موضوعات الفكر الإسلامي ومقومات الحضارة العربية الإسلاميّة وتراثها الأدبي والعلمي والأخلاقي والسياسي. كما يسعى إلى مواجهة الغزو الاستشراقي الذي استشرى في النخب المسلمة بإظهار النتائج الخطيرة التي تمخّضت عن الدراسات الاستشراقيّة من دحض للتاريخ وتشكيك في العقيدة وغيرها من مساوئ الاستشراق، دون أن يغفل الكتاب الجوانب الإيجابيّة وإنصاف من اتّسم بالموضوعيّة. وكهدف أسمى، يعدّ هذا الكتاب مشاركة في سعي الأمة العربية الإسلاميّة إلى استعادة مكانتها في الدورة الحضاريّة المتجدّدة آنذاك.

محتوى الكتاب: لقد توزّع الجزء الأوّل من الكتاب على مقدمة وثمانية فصول مبوّبة بحسب الموضوعات التي عمل عليها المستشرقون، فعالج هذا الجزء موضوعات: القرآن الكريم، والسنة النبوية ورواياتها، والسيرة النبويّة، والعقيدة الإسلاميّة، والقانون والشريعة، والفلسفة، والتاريخ، واللغة والأدب.

وقد تناول كلّ باحث موضوعًا محدّدًا بحسب تخصّصه وتضلّعه؛ إذ وقع الاختيار على مجموعة من العلماء المتخصّصين لأجل هذه المهمّة؛ ما يجعل الكتاب يرتقي إلى مستوى الأهداف المرسومة له، وهي أهداف سامية في طول سموّ الحضارة العربيّة الإسلاميّة.

عرض فصول الكتاب
1. القرآن والمستشرقون للدكتور التهامي نقرة، رئيس قسم القرآن الكريم والحديث بالكليّة الزيتونية للشريعة وأصول الدين
سلّط الباحث الضّوء في بداية هذا الفصل على بعض الآثار العلميّة الاستشراقيّة المنشورة، مظهرًا ثلاثة توجّهات أساسيّة عند المستشرقين: فمنهم من أبدع محاولًا توخّي الموضوعيّة في كتاباته، ومنهم من جاءت آراؤه مشوّهة وتنطلق من نزعة استعماريّة مجحفة في حقّ كلّ ما يتعلّق بالإسلام، ومنهم من خلط الصالح بالسيّئ فأنتج شبهات مختلفة؛ لذلك استوجب البحث في رؤى المستشرقين حول القرآن الكريم توخي الحذر من مكامن المناهج المتّبعة.

أشار الباحث بداية إلى أهم الموضوعات المبحوثة في القرآن الكريم، وهي مصدره؛ حيث تتّفق مع الرؤية الإسلاميّة على أنّ القرآن وحي من الله أنزله على رسوله لفظًا ومعنًى، وهذا ما يميّزه عن سائر الكتب السماويّة، فالعهدان القديم والجديد يقدّمان وحيًا ولكن بألفاظ الأنبياء، في حين أنّ القرآن كلمة الله، يقول تعالى: Nوَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍM (الشعراء: 192-195). ومن هذا المنطلق، يُبطل الباحث أقوال المستشرقين في الوحي، بعد أن يعرض لها على اختلافها وتنوّعها؛ من القول بأنّه هوس وصرع وانحرافات نفسيّة وغيرها من تهكمات المستشرقين. ويرى الباحث أنّ أقوالهم تُبيّن للقارئ أنّ هؤلاء المستشرقين لا يفهمون حقيقة الوحي والنبوّة والعلاقة بينهما، ما اضطرّهم إلى تطبيق المنهج التجريبي على ما لا علاقة له بالتجربة والحس، وهو الأمر الذي سقط فيه كبار المستشرقين على الرغم من الفضائل التي كان يتميّز بها النبيs.

ولم يفت الباحث أن يُشير إلى بعض الاستلالات التي اعتمد عليها المستشرقون في بناء آرائهم حول الوحي، وهي استلالات من الكتب الحديثيّة المعتبرة عند المسلمين، وحاول إيضاحها بما يُخالف فهم المستشرقين أو تأويلهم لها، واعتمد على النصّ القرآني حكمًا.

وفي الوثوق بصحّة النصّ القرآني أشار الباحث إلى موضوع جمع القرآن ونسخه وموضوع اختلاف القرّاء والقراءات. فإنّ الشبهات طالت جميع تفاصيل عمليّة الجمع والنسخ، سواء الماديّة من وسائل نسخ وطباعة أو معنويّة، كالاختلاف في وقت التدوين والمدوّنين والترتيب؛ لذلك نسب المستشرقون للقرآن الاضطراب وعدم الثبات، في حين أنّ جهلهم بأصل فكرة التدوين وحقيقتها وجهلهم بمعنى اختلاف القراءات جعلهم يسقطون في متاهات اتّهام القرآن بعدم الثبات. وأشار الباحث في هذه النقطة إلى آراء مختلف المستشرقين وردّها بناء على ما يتداوله علماء السنّة في هذه الموضوعات، وكان الأجدر أن يكون الردّ أعم حتى لا تبقى ثغرات يدخل منها المستشرق المحنّك، فالقول مثلًا إنّ النبيs أمر بعدم كتابة شيء غير القرآن لأجل الابتعاد عن شبهة أنّ القرآن كُتب بعد وفاة النبيs، غير أنّ مخرج هذه الشبهة يُلقي في شبهة أخرى لا تقل حدّة عن الأولى، وهي مسألة عدم تدوين السنّة أو تأخّره وما تابع ذلك من شبهات كثيرة طالت أغلب الموضوعات العقديّة والفقهيّة. وأهم هذه الموضوعات هو موضوع الخلافة الذي جعل المستشرقين يؤوّلون عدم تعيين محمدs خليفة بعده سببه أنّه كان يعتقد بقيام الساعة في آخر حياته أو بعد مماته بقليل، في حين أنّ الكتب الروائيّة عند عامة المسلمين أشارت لموضوع تنصيب النبيs خليفة بعده.

وأما القراءات المختلفة، فالباحث يتبنّى صحّة القول بالقراءات السبعة، ويرى أنّها لا تؤدّي إلى التضاد والتناقض في النص القرآني، وإنّما هي رخصة حتى يعتاد العرب على لسان قريش كونه لسان القرآن، وهي قراءات متواترة عن النبيs. وفي هذا الإطار، عرض الباحث لآراء المستشرقين وخاصّة جولدتسيهر، وحاول معالجة الشبهات المسلّطة.

2. المستشرق شاخت والسنة النبوية، الدكتور محمد مصطفى الأعظمي أستاذ الحديث النبوي وعلومه بجامعة الملك سعود
أشار الدكتور محمد مصطفى في مطلع بحثه إلى طبيعة البيئة العربيّة قبل الإسلام التي كانت تتّسم بالوثنيّة المتجذّرة، وما تطلّبته الدعوة إلى التوحيد من تضحية وحكمة وإصرار. وهو ما ظهر في المدينة ببروز ثلّة من المسلمين شكّلوا نواة دولة عظيمة مبنيّة على عقيدة مستمدّة من الوحي. فكان القرآن الكريم والسنة النبويّة أساس قيام الدولة واستمرارها. فالقرآن يقدّم أحكامًا عامة وكليّة تقوم السنة بإيضاحها؛ لذلك سعى المستعمر إلى محاربة السنّة النبويّة والتشكيك في مكانتها لفصلها عن القرآن الكريم. فكانت الخطوات الأولى في إيجاد من ينكر بعض السنة، كالميرزا غلام أحمد القادياني من الهند وتوفيق صدقي من مصر، فكانت هجمة التشكيك في السنة من الداخل والخارج، مثّل المتنوّرون الداخل والمستشرقون الخارج. لكن ما لم يذكره المؤلف هنا هو إصرار قسم كبير من المسلمين على صحّة جميع ما لديهم من أحاديث وروايات منسوبة إلى النبيs، وهو العامل الأكبر الذي أثرى كتابات المستشرقين وفتح لهم الباب أمام التشكيك في أصل هذه الأحاديث، أو الاستدلال على أنّ الدين الإسلامي مأخوذ من الديانات السابقة، أو التقليل من قيمة النبيs بسبب ما ورد من روايات تُشير إلى ذلك. وقد تعرّض الباحث في هذه النقطة إلى آراء أبرز المستشرقين من قبيل: سناؤك هور جرونيه وجولدتسيهر وجوزيف شاخت، حيث عرض لادّعاءات شاخت، خاصة تلك التي يقول فيها إنّ الفقه يقع إلى حدّ كبير خارج نطاق الدين، وقام بالردّ عليها بالنقض تارة، وبالاستدلال بالآيات القرآنيّة تارة، وبالتحليل المنطقي تارة أخرى، وقدّم جدولًا إجماليًّا يُظهر فيه أنّ تشريعات القرآن الكريم شملت جوانب الحياة كلّها، وبالتالي أظهر رتابة فكرة شاخت ومن سار على منهجه.

وفي السياق نفسه، عرض الباحث لنشأة المدارس الفقهيّة القديمة ونشأة حزب المعارضة (المحدّثين) لها في الإطار التاريخي بحسب توصيف شاخت، وقام الباحث بإظهار تناقضات شاخت وأخطائه المنهجيّة؛ حيث إنّ هذا الأخير أخذ بقول قلّة قليلة وعمّمه على الأغلبيّة. ففي الأخذ بسنّة النبيs تجاهل شاخت أقوال أصحاب المدارس الفقهية وتجاهل منتقديهم، وأخذ بانتقادات بعض الباحثين على تلك المدارس حين لم يأخذوا بسنة النبي في جزئيّة معيّنة، وقام بتعميم هذه الجزئيّة ليخرج برأي عام مؤداه أنّ المدارس الفقهية لم تأخذ بسنة النبيs، وهذه إحدى مناهج البحث الاستشراقي المغرض؛ لذلك حاول الباحث عرض آراء أغلب المدارس في الأخذ بالسنّة النبويّة؛ لأجل إظهار مواطن الزلل عند شاخت.
يرى شاخت في مسألة نمو الأحاديث الفقهيّة أنه لا يوجد حديث فقهي واحد صحيح تعود نسبته إلى النبيs ويمكن معرفة زمن وضع كلّ حديث. وفي هذه النقطة، أظهر الباحث مجموعة من الانتقادات على شاخت أوجزها في أنّ شاخت يتّسم بالتناقض في الكلام والكذب والوقوع في الأخطاء المنهجيّة. وقد فصّل ذلك بذكر النماذج والأمثلة وأظهر صحّة مدّعاه بأنّ المستشرق شاخت وقع في التناقض واستعمل الكذب وسقط في أخطاء منهجيّة واضحة.

وفي حقيقة الأمر، إنّ تأخير تدوين السنّة فتح باب الشكّ في صحة الروايات والأحاديث؛ لأنّ الأيديولوجيا المادية التي تكمن وراء الباحث والمستشرق الغربي تحتّم عليه عدم قبول السنة المدوّنة بعد وفاة قائلها بمدة طويلة من الزمن، لذلك يلتجئ المستشرق إلى بعض التأويلات ويعتمد على بعض المشاكل والتناقضات التي تحملها كتب الحديث ويحكم بعدم صحّة الأحاديث أو عدم صدق أنّها كانت من أقوال النبيs وأفعاله، ويرى أنّها من مخترعات التابعين. لكن هذا المستشرق لا يُشير من قريب أو بعيد إلى الطائفة الشيعيّة التي تقول إنّ الأحاديث كانت تُكتب في عهد رسول اللهs، ولم تنقطع الكتابة يومًا؛ لأنّ هذا الأمر لا يتناسب مع أهدافه في التشكيك في الدين الإسلامي وثني المسلمين عن دينهم.

3. المستشرق والسيرة النبويّة.. بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني منتغمري وات، الدكتور عماد الدين خليل أستاذ جامعي من العراق
افتتح الباحث دراسته بإشارة إلى قيمة السيرة النبويّة في الدين الإسلامي، وأنّها لا تخضع إلى نظريات العلوم الطبيعيّة، ولا يمكن بشكل من الأشكال احتسابها موضوعًا للتجربة الماديّة، وأن السير في هذا الاتجاه يُفقدها معناها الحقيقي؛ لأنّ التجربة تُبعد الروح عن جسد السيرة، في حين أنّ السيرة تنبع من الوحي الصافي. والفهم الجاد للسيرة يستلزم شروطا ثلاثة، هي: الإيمان أو على الأقل احترام المصدر الغيبي لرسالة النبيs، والثاني اعتماد موقف موضوعي بغير حكم مسبق يتجاوز كلّ الإسقاطات التي من شأنها أن تُعرقل عمليّة الفهم. والثالث، وهو شرط تقنيّ يقوم على ضرورة الإحاطة جيّدًا بأدوات البحث التاريخي، بدءًا باللغة وجمع المادة الأوليّة وانتهاءً بطرائق المقارنة والموازنة والنقد والتركيب... وهذا ما لم تتّسم به مناهج البحث الاستشراقي، فهي تفتقر إلى أحد هذه الشروط أو كلها؛ لذلك كانت النتيجة أبحاثًا تحمل اسم السيرة وتتحدّث عن حياة النبيs، وتحلّل حقائق الرسالة، ولكنّها تحمل وجهًا وملامح وقسمات مستمدة من عجينة أخرى غير السيرة، وروح أخرى غير روح النبوّة، ومواصفات غير مواصفات الرسالة. وعليه، كان منهج البحث عند المستشرق هو المانع الأوّل من فهم السيرة والوقوف على وقائعها.

يُشير الباحث إلى أنّ السيرة لا يمكن فهمها إذا ما جرى اعتبارها مسألة تاريخيّة صرفة تخضع لأساليب النقد والتحليل التي يُعامل بها حقبات التاريخ المختلفة. فما إن اعتُبرت كذلك استحال فهمها؛ لأنّها أكبر من المناهج النسبيّة، وفُتح الطريق أمام الخصوم للتشكيك فيها أولًا ثم التشكيك في القرآن.
لقد اختار الباحث في دراسته المستشرقَ البريطاني مونتغمري وات؛ لأنّه يعدّ من المستشرقين الأكثر حياديّة في عصره، حيث إنّه لم يسبقه أحد من أقرانه في السعي إلى التحقّق بقدر من الاحترام والحياديّة إزاء الجذور الغيبيّة لحقائق السيرة ووقائعها.

في السياق نفسه، تطرّق الباحث إلى تطوّر الموقف الاستشراقي من السيرة، الذي بدأ يتشكّل في إطار دينيّ صرف يتّسم بالتعصّب والتشنّج والانفعال، مثّل هذا التيّار الكهنوتي، ويظهر في كلماتهم، كقول المونيسنيور كولي القائل: «برز في الشرق عدو جديد هو الإسلام»، وقول المسيو كيمون: «إنّ الديانة المحمدية جُذام فشا بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكًا ذريعًا»، وغيرها من الأقوال أوردها الباحث في بحثه. وجاء بعد فترة السيطرة الكهنوتيّة على العالم المسيحي فئة جديدة لا صلة لها بما قبلها، وهم جيل من المعنيين بالدراسات الإسلاميّة يُطلق عليهم المستشرقون.
وقد أشار الباحث إلى أهم الثغرات المنهجيّة التي اتّسمت بها بحوث المستشرقين، وهي: أوّلًا: المبالغة في الشكّ والافتراض، والنفي الكيفي، واعتماد الضعيف الشاذ، ويعدّ هذا التمشّي قاسمًا مشتركًا بين المستشرقين. وثانيًا: إسقاط الرؤية الوضعيّة العلمانيّة والتأثيرات البيئيّة المعاصرة على الوقائع التاريخيّة، ويظهر ذلك باختلاف شخصيّة النبيs باختلاف لغة المستشرق وجنسيّته ومنهجه، فكلّ مستشرق يصوّر النبيs كما تُصوّر الشخصيات الخياليّة في قصصهم ورواياتهم. وثالثًا: ردّ معطيات السيرة إلى أصول نصرانيّة أو يهوديّة، وتعدّ هذه النقطة سمة أساسيّة في مناهج المستشرقين، سواء أكان في السيرة النبوية أم في القرآن الكريم.

وفي خضم تطوّر الحركة الاستشراقيّة، برز إبان الثورة البلشفية موقف جديد إزاء السيرة النبويّة ينبثق عن التفسير المادي للتاريخ، ويسعى إلى إخضاع السيرة لمقولاته الصارمة عبر فصلها عن منهجها الواقعي وقطع أوصالها لاستبعاد كلّ ما لا ينسجم مع هذا المنهج، فظهرت آراء وأقوال متناقضة فيما بينها.
بعد المقدمات المنهجيّة التي أثارها الباحث، بدأ في دراسة آراء منتغمري وات، مسلّطًا الضوء على الثغرات المنهجيّة، من قبيل: النفي الكيفي للروايات، وإثارة الشكوك حول صحّتها، وإسقاط الرؤية والمواضعات المعاصرة ذات الطابع النسبي على الوقائع التاريخيّة، وتحكيم المنطق الوضعي على الوقائع. وقدّم الباحث نماذج مختلفة من تطبيقات منتغمري وات لمناهج المستشرقين على السيرة. وتميّزت هذه الدراسة بالاعتراف بالخلل الموجود في الأحاديث وحثّ الباحثين على ضرورة نقد الرواية التاريخيّة، لكن ليس على خطى المناهج الاستشراقيّة، وإنّما يجب تعلّم مبدأ النقد الخطير من رجال الحديث؛ لأنّ الاستسلام لكلّ ما قيل يؤدي إلى رفض كلّ قيل، ويمكن الاستفادة مما جاء في القرآن الكريم من حقائق تاريخيّة قيّمة وجعلها مرجعًا في رفض بعض الروايات التاريخية المتعارضة معها.

وفي المحصّلة، يُشير الباحث إلى أنّه ليس بمقدور أي مستشرق، مهما كان يتمتع به من اتساع ثقافته واعتدال دوافعه وحياديته ونزوعه نحو الموضوعيّة، أن يقبل بوقائع السيرة وبداهاتها ومسلّماتها، فيضطر إلى إسقاط آرائه وينتهي إلى التحريف والتزييف عن عمد أو عن غير عمد.
4. منهج منتغمري واط في دراسة نبوّة محمّدs، الدكتور جعفر شيخ إدريس، المعهد العالي للدعوة الإسلامية بجامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية بالرياض
استهلّ الباحث دراسته في تظهير أهم الموضوعات التي عالجها المستشرق البريطاني منتغمري وات في كتبه الثلاثة، وهي: هل كان محمد صادقًا في قوله إنّه رسول الله؟ وهل القرآن كلام الله حقًّا؟ وما طبيعة الوحي المحمدي؟ وما العلاقة بين القرآن وبين وعي محمد؟ وما العلاقة بين القرآن وبين البيئة التي نزل فيها؟

وقد عالج الباحث هذه الأسئلة في ثلاثة أجزاء من دراسته، حيث قدّم في الجزء الأوّل تحليلًا للمنهج الذي ادّعى منتغمري وات أنّه ينتهجه، وفي القسم الثاني عاين مدى التزام وات بالمنهج المدّعى، وفي القسم الثالث قدّم فروقًا بين المنهج المدّعى والمنهج المعتمد حقيقةً.

حدّد وات الموقف الذي ينتهجه في دراساته عن الدين الإسلامي بأنّه يوجّه دراسته إلى ثلاثة أنواع من القرّاء: النوع الأوّل من يهتمّ بالموضوع باعتباره مؤرّخًا، والنوع الثاني المسلم المهتمّ بالموضوع، والنوع الثالث النصارى المهتمون. كما أقرّ وات بعدم ردّ مبادئ الإسلام الأساسيّة، والتزام الحياد في القضايا المختلف فيها بين الإسلام والمسيحيّة. وقال وات إنّه يعتمد على النظرة العلميّة، وهي العقليّة الحديثة القائمة على إنجازات العلم وعلى الاعتقاد بإمكانيّة تطبيق طرقه في مجالات عديدة.
ويمكن القول أنّه على الرغم من أنّ وات قد وضع حدودًا صارمةً لدراساته، إلّا أنّه لم يلتزم بها، مثلًا: بعد أن التزم بأنّ محمدًاs صادقٌ قفز إلى القول بإمكانيّة وقوع الخطأ منه رغم صدقه، ومن ثم يفترض أنّه أخطأ ليصل في الأخير إلى الاعتقاد بأنّه أخطأ، ما يعني أنّ وات ألزم نفسه بداية بمنهج يقوده إلى نتيجة لا يريد الالتزام بها، لذلك اضطربت حججه وتلجلج كلامه.

أوضح الباحث بشكل مستفيض كيف أنّ منتغمري وات صدّر كتابه على أساس منهج معيّن غير أنّه واقعًا سلك منهجًا مناقضًا، حيث إنّ وات التزم في حكمه على ما يمكن أن يقع وما لا يمكن وقوعه بفلسفة علمانيّة تستبعد إمكان وقوع الظواهر الدينيّة التي لا تخضع لقوانين الأجسام المعروفة، ما يعني أنّ وات كان علمانيًّا في دراسته للسيرة النبويّة. ولم يقتصر وات على العلمانيّة في دراسته، بل انساق خلف الماديّة التي وإن كان قد انتقدها عند الماركسيين، إلا أنه عاد ليطبّقها على النبيs، وذلك عندما خلص إلى أنّ التوتّر الذي كان يشعر به محمدs يُعزى إلى التنافر بين سلوك الناس الواعي والأساس الاقتصادي لحياتهم.

بالإضافة إلى ما سبق، انتهج منتغمري وات منهج اتباع الظنّ، ويظهر ذلك في الموضوعات التي تركها وات، رغم أنّها تستند إلى شواهد تاريخيّة، واستبدلها بمزاعم لا دليل عليها، وقد أقرّ بذلك عندما قال: أعترف بأنّه لا توجد طريقة للبرهنة على أنّ هذا هو الذي حدث، إنّه مجرّد فرض ولكن السير على أساس مثل هذه الفروض هو جزء من النظرة العلميّة الحديثة».
اتّسمت كتابات وات أيضًا بعدم الثقة في علماء المسلمين وعامتهم، فهو يورد الحقائق المُجمع عليها عندهم بصيغة التمريض والتشكيك، وهذا عكس ما يُظهره لعلماء بلاده وبقيّة المستشرقين، الذين يُظهر إليهم الاحترام والتبجيل ويعتذر منهم عندما يصل إلى رأي يخالف رأيهم.

لم يُخفِ منتغمري وات تعصّبه ضدّ العرب والمسلمين، وأظهر ذلك في محطات عدّة، منها: اتهام العرب بعدم التمييز بين الخطأ والصواب، وأنّهم لا يرفضون التناقض، وغيرها من الاتهامات. وقد عرض الباحث لهذه الاتهامات ومواضعها في كلام وات وناقشها وأظهر زيفها.

5. النظام القانوني الإسلامي في الدراسات الاستشراقيّة المعاصرة.. دراسة لمنهج المستشرق نويل ج. كولسون، الدكتور محمد سليم العوّا، مستشار مكتب التربية العربي لدول الخليج
يُشير الباحث محمد سليم العوّا في مستهل دراسته إلى المكانة الرئيسة للفقه في الدين الإسلامي؛ حيث إنّ الفقه يغطي مساحة كبيرة في التشريع، ويقدّم قانونًا متكاملًا لمختلف أنحاء حياة المسلم، فهو نظام قانونيّ تغطي أحكامه وقواعده كل ما يعرض للمرء في حياته من قبل الولادة إلى ما بعد الوفاة. وهذا شأن غير معهود في النظم القانونيّة الوضعيّة. وقد شكّل الفقه إحدى الموضوعات البارزة التي عمِل عليها قلّة من المستشرقين، غير أنّه لا يُمكن تصنيف ما كتبه المستشرقون في الفقه ضمن الكتب الباحثة في الشريعة الإسلاميّة أو الفقه الإسلامي؛ لأنّ أغلب المستشرقين عالج ذلك تحت مسمّى الفقه العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وحاولوا إظهار تناقضها مع تعاليم الإسلام؛ لأجل تأسيس قاعدة مؤدّاها أنّ الإسلام أنشأ نظامًا قانونيًّا غير قابل للتطبيق.

وفي هذا الصدد، قدّم الباحث دراسات المستشرق نويل ج. كولسون، وهو أستاذ القوانين الشرقيّة في جامعة لندن، وقد درّس القانون الإسلامي أكثر من ربع قرن، ويتميّز عمّن سبقه في هذا المجال بأنّه لم يبتدئ دراسته للفقه الإسلامي من فرضيّة أنّه نظام بالٍ بلغ مرحلة الجمود، وإنّما انطلق من افتراض مغاير تمامًا مؤداه أنّ النظام القانوني الإسلامي حيّ متفاعل، يسري في المجتمعات الإسلاميّة وقائم في ضمائر أفرادها. وتأتي انطلاقة كولسون من كونه أستاذًا متخصّصًا في القانون المدني درس الشريعة الإسلاميّة دراسة القانوني الذي يسعى إلى المقارنة بين النظم القانونيّة المختلفة، لا دراسة المستشرق المهتم بتاريخ الشرق وعاداته.

ينطلق منهج كولسون في دراساته من أنّ الفقه الذي يعدّ نظامًا قانونيًّا يستمدّ قوّته الإلزاميّة من كونه تعبيرًا عن إرادة الله، لذلك يدعو إلى ضرورة معاودة الاجتهاد للوصول إلى أحكام إسلاميّة تناسب العصر. وهذا ما يجعل دراساته ذات أهميّة بالغة بغضّ النظر عمّا وصل إليه من نتائج.

وفي دراسة منهج كولسون وتطبيقاته، اعتمد الباحث على كتابين أساسيين من كتبه، هما: تاريخ القانون الإسلامي، والتعارض والتضاد في الفقه الإسلامي. وفي هذين الكتابين عالج موضوعات مهمّة منها: مثاليّة الشريعة الإسلاميّة وتطبيقها؛ حيث وصف الشريعة بالثبات وعدم التغيّر، وخالف آراء المستشرقين الآخرين القائلين بمثاليّة الشريعة وعدم إمكان تطبيقها؛ لأنّ التاريخ شاهد على تطبيقها، وسعيُ بعض الدول المعاصرة إلى تطبيقها خير دليل على عدم مثاليتها، وإنّما تعدّ الشريعة الإسلاميّة مثاليّة بمعنى أنّ أحكامها تسمو بالإنسان ليصبح فوق الركون إلى الشهوات والنزوات. وقد تعرّض كولسون أيضًا إلى دور القرآن الكريم في التشريع، وفي هذا الموضوع يظهر اضطراب في تطبيق منهجه؛ حيث يصل إلى نتائج لا يقتضيها المنهج المتبع، حيث يُعيب على القرآن الكريم عدم تتبّعه العناصر الأساسيّة لأيّة علاقة قانونيّة بغية استقصائها.
تتبّع الباحث أسباب وقوع المستشرق كولسون في أخطاء منهجيّة، وعرضها بشكل منهجيّ؛ حيث رأى أنّ كولسون تأثّر بطريقة التقنين الحديثة، وهو ما لا ينسجم مع التعامل مع القرآن الكريم. أيضًا كانت نظرة كولسون إلى القرآن الكريم مماثلة للنظرة إلى النصوص القانونيّة الوضعيّة، حيث إنّه لم يستسغ الأحكام الكلية التي يقدّمها القرآن، وإنما كان يطلب منه أنّ يقدّم بناء قانونيًّا للحقوق والواجبات، ويعود كلّ هذا إلى الخطأ المنهجي في النظر إلى النص القرآني ومعرفة طبيعته وأسلوبه في التشريع. ومن النقاط المثيرة للاهتمام في دراسات كولسون موقفه من السنّة النبويّة الذي خالف فيه سائر المستشرقين، خاصّة أستاذه جوزيف شاخت؛ حيث أقرّ بأنّ الرسولs هو من وضع أسس البناء القانوني بناء على مبادئ القرآن الأخلاقيّة. غير أنّه يسقط في أخطاء أخرى حين يقول إنّ المذاهب الفقهيّة واصلت البناء القانوني بناء على أحاديث ينسبونها إلى الرسولs، في حين أنّهم يعطون أحكامًا من عندهم بناء على أنّ هذه الحوادث لو حصلت للرسول لحكم فيها مثلما حكموا.

وفيما يتعلّق بالنظام الجنائي الإسلامي، يرى كولسون أنّ الفقه الإسلامي لم يتناول من موضوعات القانون الجنائي سوى الحدود، وأنّ جريمة القتل تعالج أحكامها على أنّها من موضوعات القانون الخاص، وأن القواعد الخاصة بالقصاص هي قواعد خلقية وإن كان لها مضمون قانوني واضح، وأن الإثبات في المجال الجنائي كان يمكن أن يتم بأيّ أسلوب يراه الحاكم كفيلًا بالكشف عن الجاني... وغيرها من الموضوعات التي طرحها كولسون، حيث قام الباحث بعرضها ونقدها من خلال تظهير الطريقة الصحيحة في الحكم في هذه الموضوعات، وهو ما لم يدركه المستشرق.


6. الرؤية الاستشراقيّة في الفلسفة الإسلاميّة.. طبيعتها ومكوناتها الأيديولوجيّة والمنهجيّة، الدكتور محمد عابد الجابري، كليّة الآداب - الرباط
استهلّ الجابري دراسته بإشارة تأسيسيّة ينطلق منها، وهما المحاولتان الرائدتان في الفلسفة العربيّة، وهما: محاولة الشيخ مصطفى عبد الرازق، ومحاولة الدكتور إبراهيم مدكور؛ لكونهما من أبرز الأساتذة الذين ساهموا مساهمة كبيرة في إعادة بعث الفلسفة في الفكر العربي الحديث وإحيائه، والتي أفلت منذ وفاة ابن رشد. وقد عرض الجابري لمنهجيّة كلّ منهما لينتهي في الأخير إلى أنّ المحاولتين لم تقدّما المطلوب، بل العكس؛ فالمؤلفان المحترمان لم يتحرّرا في كتابتهما من هيمنة الرؤية الاستشراقية.

ارتكز الجابري في دراسته على كتاب «تاريخ الفلسفة» لأستاذ الفلسفة في جامعة السربون إميل برهييه، وقام بداية بتقديم لمحة عامة حول هذا الكتاب ومحتواه؛ حيث كان الهدف من الكتاب التأريخ للفلسفة لإعادة بناء الفكر الفلسفي الأوروبي بصورة تحقّق له الوحدة والاستمراريّة من جهة، وتجعل منه التاريخ العام للفلسفة كلّها من جهة أخرى.
تظهر منهجيّة برهييه من انطلاقته؛ حيث يعترف بداية بأسبقية بلدان الشرق الأدنى في مجالات التفكير الديني والعلمي والفلسفي، ولكن ينطلق في الفصل الأول من كتابه من فلاسفة اليونان ما قبل سقراط؛ ما يجعل التاريخ الذي يسعى إلى كتابته إميل برهييه مبنيًا جملة وتفصيلًا على المركزيّة الغربيّة في أضيق صورها، متجاهلًا الفلسفة الإسلاميّة وما قبلها من فلسفات كانت مزدهرة في مصر وسوريا والعراق قبل الإسلام (المدرسة الاسكندرية والمدارس السريانية...).

وعليه، فإنّ المنهج التاريخي الذي يمارسه أميل برهييه يمارس إمبرياليّة على التاريخ، حيث يُبرز ما يريد ويقمع ما لا يريد. كما أنّ المنهج الفيلولوجي الذي نشط أصحابه نشاطًا كبيرًا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في مجال تحقيق النصوص ونقدها والكشف عمّا كان مغمورًا منها، لم يكن هذا المنهج يبحث عن أصول النظريات الفلسفية الأوروبية خارج إطار المركزية الأوروبية، بل كان يبحث عن أصول الأفكار التي يقول بها فلاسفة أوروبا في المجال الأوروبي نفسه، ولم يحدث قط أن اعترفوا بأصل غير أوروبي لأي فلسفة أو فكرة قالها فيلسوف أوروبي. والأمر نفسه في المنهج الفردي أو الذاتي الذي يرفض أصحابه الشمولية التي يقرّها المنهج التاريخي والتجزيئية التي يكرّسها المنهج الفيلولوجي، فإنّ أصحاب هذا المنهج لم يفكروا في فلاسفة خارج تاريخ الفلسفة الغربيّة. وهذه المناهج الثلاثة هي المناهج ذاتها التي اعتمد عليها المستشرقون، فالمستشرق صاحب المنهج التاريخي يفكّر شموليًّا في الفلسفة الإسلاميّة لا بوصفها جزءًا من كيان ثقافيّ عام هو الثقافة العربية والإسلاميّة، وإنّما بوصفها امتدادًا محرّفًا أو مشوّهًا للفلسفة اليونانيّة. كذلك الحال بالنسبة للمستشرق صاحب المنهج الفيلولوجي، فهو يجتهد في ردّ أجزاء الفلسفة الإسلاميّة إلى أصول يونانيّة لا إلى أصول تقع داخلها أو إلى همومها الخاصّة. والأمر لا يختلف مع المستشرق صاحب المنهج الذاتي، فرغم اختلافه مع نظيريه وادّعائه التعاطف مع الأشخاص وتجاربهم، إلا أنّه يدور في الفلك نفسه غير قادر من التفلّت من الإطار الأوروبي.

وهكذا، عرض الجابري لتفصيلات مناهج المستشرقين في قراءة الفلسفة الإسلاميّة، وقدّم نماذج لمستشرقين بعدد المناهج، فتحدّث عن المستشرق الألماني ديبور وكتابه «تاريخ الفلسفة في الإسلام» كأول كتاب يكتبه مستشرق يؤرخ للفلسفة الإسلاميّة. وتحدّث أيضًا عن الدكتور بينس وكتابه «مذهب الذرة عند المسلمين وعلاقته بمذاهب اليونان والهنود» كنموذج للمنهج الفيلولوجي. ثم يعرض لمشروع هينري كوربان (المنهج الذاتي) الذي انقلب على الفلسفة الغربيّة وقدّم تحقيبًا جديدًا للفلسفة الإسلاميّة يمتدّ على ثلاثة مراحل: الأولى من ظهور الإسلام إلى وفاة ابن رشد، والثانية تمتدّ على مدى ثلاثة قرون تسبق النهضة الصفوية في إيران، والثالثة تمتد من القرن السادس عشر إلى التاريخ المعاصر. ويرى الجابري أنّ انقلاب كوربان على الفكر الغربي ليس لتصحيح خطأ أو إنصاف مظلوم، وإنما لأجل حوافز أجنبية عن الإسلام والفكر الشيعي والفلسفة الإشراقيّة.

7. منهجيّة الاستشراق في دراسة التاريخ الإسلامي، الدكتور محمد بن عبود، معهد الأبحاث العلمية الجامعي- الرباط
لقد سعى الباحث من خلال دراسته إلى تناول منهجيّة الاستشراق وأساليبه بالعرض والتحليل، وقدّم في إطار المعالجة وتوضيح المفاهيم الشاملة والمتخصّصة نموذجين، هما: ماسينون وبلاسيوس؛ لذلك استهلّ الدراسة بإبراز أهميّة فهم المنهجيّة التي طبّقها المستشرقون في دراساتهم للتاريخ، ما جعلهم يؤثّرون على مجرى التطوّرات في العالم الإسلامي عن طريق تطوير موضوعات ونظريات وفروض عديدة.

تعرّضت الدراسة بداية لمشكلات المنهجيّة الغربيّة في الدراسات الإسلاميّة؛ حيث يظهر أنّ المنهجيّة المتبعة من قبل المستشرقين شهدت تغيّرات كبيرة بسبب المستشرقين أنفسهم الذين طوّروا مناهجهم في قراءة التاريخ الإسلامي واختلفوا فيما بينهم، وأبرز اختلافاتهم انبثقت من مصطلح «التاريخ الإسلامي» نفسه.

يرى الباحث أنّ أي دراسة للمنهجيّة الغربيّة وتطبيقها على التاريخ الإسلامي مآلها الفشل منذ البداية؛ لأنّ أي دراسة في هذا المجال تعدّ نسبيّة، لتعدّد اللغات العاملة على الموضوعات المختلفة، وصعوبة تقديم ترجمات متقنة لكل اللغات، ولكن هذا الأمر لا يمنع من المحاولة مع التواضع في وضع الأهداف. ولأجل الوصول إلى فهم أفضل للمنهجيّة الغربية في دراسة التاريخ الإسلامي، يجدر الإجابة على مجموعة من الأسئلة، من قبيل: في أيّ نوع من الخلفيّة التاريخيّة بدأ التاريخ الإسلامي في الغرب يتطوّر؟ وما العوامل العامة التي أثّرت بشكل مباشر على تطوّرها؟ وما طبيعة العلاقة بين المنهجية الغربية في التاريخ الإسلامي والخلفية التاريخية التي تطورت في إطارها؟ وإلى أيّ مدى شكّلت هذه الخلفيّة الاتجاهات العامة والأساليب والطرائق التي استعملت في معالجة التاريخ الإسلامي؟

وأشار الباحث إلى صعوبة تصنيف المنهجيّة الغربيّة في التاريخ الإسلامي بسبب ما يتميّز به كلّ مستشرق من خواص وتباين المميّزات التي تكوّن المجموعة نفسها من المستشرقين، فالمستشرقون الذين يُصنَّفون في مجموعة واحدة من ناحية العقيدة، قد يقدّمون تفسيرات متباينة، فيما يتفقون مع مستشرقين آخرين لا ينتمون إلى التصنيف نفسه. كذلك اتّساع علم الدراسات الإسلاميّة وتتعدُّد فروعه تجعل من مهمّة تصنيف منهجيات المستشرقين مهمّة صعبة وعسيرة.

ومن هذا المنطلق، حاول الباحث عرض أكثر عدد ممكن من الموضوعات التي بحثها المستشرقون؛ بغية تسليط الضّوء على مختلف المناهج، وخاصّة طرق المعالجة التي طرحها كلّ من لويس ماسينون وميجويل أسن بلاسيوس. وفتح الباحثُ المجال أمام الباحثين المتخصّصين لمواصلة العمل حتى تقديم تصنيف موضوعيّ للمنهجيّة الاستشراقيّة في التعاطي مع التاريخ الإسلامي.

8. موقف مرجليوت من الشعر العربي، الدكتور محمد مصطفى هدارة، عميد كليّة الآداب طنطا - مصر
لاقت قضايا اللغة والأدب العربيين اهتمامًا بالغًا عند المستشرقين، وقد تنوّعت الدراسات وتكاثرت الآراء بين إيجابيّة وسلبيّة. وعاين الدكتور مصطفى هدارة أحد المواقف السلبيّة تجاه الشعر العربي، وهو موقف المستشرق الإنجليزي ديفيد صمويل مرجليوت، الذي بذل جهودًا كبيرة في تحقيق المخطوطات العربية ونشرها، غير أنّه اتّسم بالتعصّب المقيت تجاه العروبة والإسلام، ويظهر ذلك في كتاباته من قبيل: مقالته المشهورة «أصول الشعر العربي، ومؤلَّفه «محمد ونشأة الإسلام»، وكتابه «الإسلام»، وبحثه عن العلاقات بين العرب واليهود حتى ظهور الإسلام.
وأما هذه الدراسة، فيقدّم فيها الباحث تحليلًا لمقالة مرجليوت «أصول الشعر العربي»، والتي هدف فيها إلى التشكيك في الإسلام بإثارة الشكوك حول الشعر الجاهلي، ولاقت هذه المقالة استحسانَ الأديب طه حسين الذي أسّس على قواعدها نظريّة حول الشعر الجاهلي، اتّسمت بأذيّة مشاعر المسلمين وصدمت فكر العلماء الثقات قبل أن يحذف منها أبرز الأقوال إثارة؛ حيث صرّح طه حسين بأنّ ما يسمّى بالشعر الجاهلي ليس من الجاهليّة في شيء وإنّما هي منحولة بعد ظهور الإسلام وتمثّل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثّل حياة الجاهليين. وقد لاقت دراسة طه حسين ردودًا كبيرة من أهل العلم.

ويُشير الباحث إلى الصدى الذي لاقته مقالة مرجليوت، حتى وصل الأمر إلى إشادة عبد الرحمن بدوي بهذه المقالة والاحتفاء بها. في حين أنّ مرجليوت ساق شبهات عديدة حول الإسلام من خلال حديثه عن الشعر الجاهلي، وقد تعرّض الباحث لهذه الشبهات بالتحليل والنقد.
ومن بين ما عرضه مرجليوت في مقالته ما يسمّيه معضلة أنّ النبيs لم يكن يعرف الشعر لذلك كان يدرك أنّ القرآن ليس بشعر في حين أنّ الجاهليين يعرفون الشعر، وقالوا عن القرآن أنّه شعر وعن الرسول أنه شاعر. ومعضلة مرجليوت لا تتعدى كونها معضلة في عقله، فهناك فرق بين معرفة الشعر وقول الشعر، والنبي كان يعرف الشعر ولكنّه لم يكن قائلًا للشعر، والفرق شاسع بين الأمرين.
ومن مواطن التشكيك في الشعر الجاهلي وفي الإسلام، قوله بأنّ القصائد الجاهليّة وصلت بلغة القرآن، ويعود ذلك -بحسب ادّعائه- إلى أنّ الإسلام قد ألزم القبائل العربيّة استخدام لغة الإسلام. ويقارب هذه الفكرة بما حصل في الاحتلال الروماني لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا.

وهكذا، قام الباحث بعرض أغلب الشبهات التي ألقاها مرجليوت في مقالته، وقام بتحليلها وتبيين زيفها، مستندًا على أدلّة علميّة وموضوعيّة.

الخاتمة
لقد عالج كتاب «مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلاميّة» في جزئه الأوّل ثمانية موضوعات مختلفة، اتّسمت بالرصانة والدقة بشكل عام، وهو ما يجعل الكتاب من المصادر المهمة التي يمكن الاعتماد عليها في نقد الدراسات الاستشراقيّة ومناهجها. فإنّه رغم صعوبة البحث في المناهج، فإنّ الكتاب حاول تسليط الضوء على مجموعة من المناهج التي سلكها المستشرقون في دراسة موضوعات الدين الإسلامي مع تقديم تطبيقات لهذه المناهج، ولعلّ هذا الأمر يكون محفّزًا لبناء منهجيّة سليمة تصلح لدراسة الإسلام موضوعاته المختلفة دون الوقوع في شرَك المنهجيّة الاستشراقيّة. غير أنّ المناهج وتطبيقاتها في هذا الكتاب لا يمكن أن تكون مواكبة للتطوّرات الحاصلة على الساحة الاستشراقيّة، فلا بدّ من تركيز البحث أكثر حول المناهج الجديدة وتطبيقاتها. كما أنّ الردّ على المستشرقين ودحض آرائهم لا بدّ أن يتجاوز البُعد المذهبي وأن يكون عابرًا للمذاهب؛ لأنّ بعض الشبهات تكون ثابتة على آراء مذهب بعينه من دون أن تكون ذات قيمة على مذهب آخر.
تعرّض الكتاب إلى دراسة بعض المناهج، وبالتالي لم يشمل جميع المناهج، ويعود ذلك إلى اختيار موضوعات بعينها، فضلًا عن مساحة الكتاب، فإنّ مناهج المستشرقين كثيرة وتحتاج إلى دراسات نقديّة معمّقة، كالمنهج الفيلولوجي، ومنهج المطابقة والمقابلة، ومنهج الأثر والتأثير، والمنهج الإسقاطي، والمنهج الانتقائي، وغيرها من المناهج التي لم تُتح الفرصة لعرضها في هذا الكتاب، وخاصة تلك التي تأثّرت بها النخب الإسلاميّة، فأصبحت تقدّم دراسات حول الإسلام وتُدخل الشكّ والريبة في نفوس المسلمين.

كما أنّ الردّ على المستشرقين ومناهجهم يحتاج إلى نقطة قبليّة أساسيّة، وهي تأصيل العلوم الإسلاميّة، ونقد التراث لتطهيره من الإرث الدخيل الذي يعدّ منطلقًا للمستشرقين في بثّ الشبهات.