الباحث : الحسن أسويق
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 41
السنة : شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : December / 28 / 2024
عدد زيارات البحث : 105
الملخّص
غرض هذه الورقة البحثيّة، من جهة أولى، بيانُ السياق التاريخي لظهور أوّل ترجمة لاتينيّة لمعاني القرآن الكريم ( سنة 1143م تحديدًا) لروبرت القيطوني، والتي أُنجزت بأمر وطلب وتوجيه وتمويل من رئيس رهبان دير كلوني بطرس المبجل. يتعلّق الأمر بأوّل ترجمة استشراقيّة على الإطلاق، وبواحدة من الترجمات الثلاث للقرآن في العصر الوسيط المسيحي (النصراني)[2] الأوروبي إلى اللاتينيّة (في الفترة الواقعة ما بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر). ومن جهة ثانية، كشف الخلفيّة الإيديولوجيّة لهذا المشروع الترجمي بالكشف عن تأثير علم اللاهوت البيزنطي الذي يمثّله كل من يوحنا الدمشقي (القرن الثامن للميلاد)، وبشكل خاصّ عبد المسيح بن اسحق الكندي (القرن التاسع للميلاد) سواء على مستوى النص الأصلي (النصّ القرآني) الذي تعرّض لتشويهات مقصودة، أو على مستوى الأحكام التحامليّة المتضمَّنة في المقدمة التي قدم بها روبرت القيطوني النص المترجم. وهو ما جعل يوحنا الشقوبي يقوم، بعد مضي ثلاثة قرون، بترجمة جديدة وفية للنصّ الأصلي وتتوخّى الموضوعيّة في حدودها الدنيا على الأقل، بابتعادها عن تشويه الحقائق. لأخلص، في الأخير، إلى أنّ هذه الترجمة الأولى إلى اللغة اللاتينيّة لا تشكّل، فعلًا، بداية لمرحلة جديدة. ومن ثمّة، فإنّ فشل هذا المشروع لا يرجع إلى أسباب موضوعيّة خارجيّة بعبارة سوذرن، الذي يعدّ واحدًا من الدارسين الغربيّين المشهورين الأوائل الذين كتبوا في موضوع «صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى»؛ بل لأسباب تتعلّق بطبيعة المشروع ذاته من حيث طبيعته وخلفيّاته ومراميه؛ لأنه إن كان صحيحًا أن من دواعي ترجمة القرآن كان هو التعرّف على الإسلام في مصادره الأصلية، فإنّ ذلك لم يكن من أجل فهمه والتحاور معه؛ بل من أجل دحضه [3](La réfutation de L’islam).
الكلمات المفتاحية: روبرت القيطوني - العصر الوسيط المسيحي - التيولوجيا البيزنطية - يوحنا الشقوبي - ريتشارد ويليام سوذرن.
تقديم
لا يمكن لأيّ نقاش في موضوع العلاقة بين المسيحيّة والإسلام في العصر الوسيط الأوروبي أن لا يستحضر تجربة أوّل ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللاتينيّة التي أنجزها الإنجليزي روبرت القيطوني (Robert de Ketton)؛ والتي تلتها ترجمتين لاتينيّيتين أخرييين: واحدة ظهرت بعد مرور سبعين سنة على الترجمة اللاتينية الأولى، أنجزها ماركوس الطليطلي[4] (Marc de Toléde) (Marcos de toledo) عام 1210 [5]، وأخرى أنجزها يوحنا الشقوبي (Juan de Segovia) بمساعدة عيسى بن جابر؛ مفتي مدينة شقوبية (سيغوفيا) ما بين عامي (1456- 1455م)، والتي ضاع نصّها[6].
فيما تكمن أهميّة العودة إلى هذه الترجمة وإلى هذه الفترة الزمنيّة؟
أوّلًا: في كونها تمثّل الفترة التي تشكّلت فيها تلك الصورة النمطيّة في الوعي الغربي عن الإسلام والمسلمين؛ إنها اللحظة التأسيسيّة، مع النصرانيّة الشرقيّة، لتك الصورة التي ستمتد إلى المسيحيّة الغربيّة، كما ستنعكس في الخطاب الاستشراقي لاحقًا.
ثانيًا: أنّ الكثير من الأحداث التي نعيشها اليوم تشهد على أن «المسيحيّة تشكّل أساسًا إيديولوجيًّا للمركزيّة الغربيّة»[7]؛ إذ إنّه حتى في العصر الحديث، فإنّ «الفكر الفلسفي الأوروبي، الذي تطوّر في أغلبيّته كنقيض للمسيحيّة»[8]، «لم يتحرّر من ازدواجيّة الرؤية، التي تتجلّى في نزعتي «الشموليّة» و«التفوّق الثقافي» أو الحضاري»[9].
ونظرًا لأنّه لفهم الطابع العام لهذا المشروع الترجمي، ولفهم خلفيّاته الإيديولوجيّة، ولكي يجري الكلام على نسق، لا بدّ، أوّلًا وقبل كل شيء، من فهم السياق التاريخي والديني الذي ظهر فيه، وهو ما يعني، بعبارة أخرى، التعرّف، من جهة، عن الملامح العامة للمرحلة التي تشكّلت فيها تلك الصورة التقليديّة التي قيل إنّه تمّ تجاوزها لاحقًا، ومن جهة أخرى، إلقاء نظرة عن طبيعة العلاقة بين المسيحيّين والمسلمين، كما انعكست في السجالات اللاهوتيّة الأولى في الشرق، قبل ظهور أوّل ترجمة للقرآن، حيث ستبدأ مرحلة «جديدة» هي مرحلة محاولة التعرّف على الإسلام في أصوله؛ إنها المرحلة التي يتمّ وصفها عادة بمرحلة الشعور بالتفوّق.
مرحلة الشعور بالتفوّق: الأصل والفصل
لا بدّ من التذكير، بداية، بأنّ ما أُنتج من نصوص جداليّة و تبشيريّة في فترة ما بين القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، في إطار الأدبيّات المناهضة للإسلام (littérature anti- islamique)، كانت تتمحور حول ثلاثة هموم كبرى[10] هي:
1. إثبات أن محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن نبيًّا ولم يكن بمقدوره أن يكون كذلك.
2. الاستدلال على أنّ الإسلام لا يستطيع أن يحلّ محلّ المسيحيّة؛ لأنّه لم يأت بأي جديد.
3. الدفاع عن عقائد المسيحيّة بخصوص التثليث وألوهيّة المسيح ردًّا على إنكار علماء اللاهوت المسلمين لذلك.
من أجل ذلك، استعمل علماء اللاهوت البيزنطي ضدّ الإسلام الأسلحة نفسها التي استعملتها ضدّ اليهوديّة والوثنيّة ومختلف الهرطقات اليهوديّة-المسيحيّة (les diverses hérésies judéo-chrétiennes[11])، وقد فعلوا ذلك بدافع هذا الشعور بالتفوّق، ويمكن بيان ذلك من خلال ما زعمه كل من يوحنا الدمشقي (القرن الثامن الميلادي) وعبد المسيح الكندي (القرن التاسع الميلادي)؛ إذ معهما، وخاصة مع الكندي (الذي يُعرف أيضًا بالكندي المنحول)، تشكّل بفضلهما الإطار النظري والخلفيّة الإيديولوجيّة للترجمات الثلاث لمعاني القرآن الكريم إلى اللاتينيّة[12].
لكن ما هو مصدر هذا الشعور بالتفوّق لدى المسيحيّين؟
ثمّة، على الأقل، ثلاثة عناصر تفسر ذلك:
أوّلًا: لاعتقادهم، في غضون القرن الأول من الإسلام، باستحالة الاستغناء عنهم؛ وقد عزّز المسلمون لديهم (لدى المسيحيين) هذه الفكرة -يقول جورج شحاتة- «عندما استخدموهم، بالنظر إلى ثقافتهم العالية، في جميع مستويات إدارتهم، وقبل كل شيء في الإدارات المالية التي نظّمها الأمويون، والتي ظلّ المسلمون لفترة طويلة متواضعي الخبرة فيها»[13]. ورغم أنهم كانوا مغلوبين وأقلّية ضمن الغالبين، فقد كانت للمسيحيين سلطة معرفية على المسلمين؛ إذ كانوا يتحكّمون في أهم المؤسّسات الإسلاميّة بما في ذلك بلاط الخليفة.
كما يستمدّون هذا التفوّق، ثانيًا، كما انتبه إلى ذلك عبد المجيد الشرفي، من ذلك التجذر التاريخي للإيمان المسيحي على امتداد ستة قرون سابقة للرسالة المحمدية، و«ادعاء المسيحيّة الانتساب إلى الوحي النهائي الأكمل»[14]. ويستمدونه، ثالثًا، مما يمكن اعتباره «تفوّقًا جدليًّا» كانوا يستقوون به؛ إذ كنّا نجد أنه في تلك الفترة كان «كل شاب مسيحي قد نهل من معين فلسفة أرسطو التي بسّطها له معلموه، والتي لم يكن لدى المسلمين أدنى فكرة عنها قبل ظهور حركة الترجمة من اليونانية في بغداد القرن التاسع»[15].
وبالرغم من أن هذه الحظوة التي كانت للمسيحيين (النصارى) ستلقى ضربة عنيفة مزعزعة للأركان «عندما باشر الخليفة عبد الملك بتعريب الدواوين، وقد أسهم في دفعه إلى الإقدام على هذه الخطوة ما امتلكه عدد من العرب المتعلّمين من قدرة على الحلول محلهم»[16]، وهكذا، «فإنّ الكتبة والأطباء النصارى على وجه الخصوص استمرت هيمنتهم على بلاط الخليفة في عهد عبد الملك، «لكن الخطر الأكبر كمُن بلا شك في القرار الصادر عن عمر الثاني (بن عبد العزيز) بين 717- 820، والذي حظر على النصارى الوصول إلى وظائف الدولة العليا إلا إذا أسلموا»[17]؛ لكن، رغم ذلك، فإن الشعور بالتفوق والاحتقار المبطن للمسلمين ولدينهم سيستمر في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين؛ وهو ما جسّده، بشكل واضح، رجلان من رجال الدين الكبار: يوحنا الدمشقي، وعبد المسيح الكندي، اللذان يؤرخان، إلى جانب آخرين، للجدالات والمناظرات اللاهوتية الأولى التي خاضتها المسيحيّة في المشرق ضدّ الإسلام والمسلمين.
المناظرات المسيحيّة-الإسلاميّة الأولى
ثمّة نقص في المعلومات التاريخية بخصوص بداية اتّصال الإسلام بالمسيحيّة فيما يهم المناظرات بين رجال الدين المسيحيّين مع مفكري الإسلام الأوائل (المناظرات الإسلاميّة – المسيحيّة الأولى) في ظل الخلافة الأموية بسوريا، إلا أننا، على كل حال، يقول جورج شحاتة، «لن نكون مبالغين إذا قلنا إنه كان يوجد، منذ القرن الثامن الميلادي مناظرات جدلية تدل على النشاط الذي قام به علماء مسيحيّون، ولا سيّما القديس يوحنا الدمشقي وتلميذه الأسقف ثيودورس أبو قرة»[18]؛ يتعلّق الأمر بظهور «المناقشات العقيدية الأولى التي تواجه فيها الجانبان في سوريا، وبالتحديد في دمشق حيث كان للتأثير الطيب للخلفاء الأمويّين، المنفتحين والمحبّين للاطّلاع على كل ما يحيط بهم، دور ذو بال»[19].
وجدير بالذكر أن «الأدبيات الجدالية المسيحيّة لم يكن من الممكن أن ترى النور إلا بعد ظاهرة التحوّل نحو الديانة الإسلاميّة، وتخوّف الكنائس من فقدان أتباعها»[20]، وذلك لعدة عوامل، من بينها «الاضطهاد الذي مورس على مسيحيي المشرق من طرف المسيحيّة البيزنطية»[21]، كما تكشف عن ذلك الكثير من المصادر التاريخية. وقد سهل ذلك عملية الفتح الإسلامي وتقبله في بلاد المسيحيّة المشرقية، لأنهم وجدوا في عملية الفتح الإسلامي انعتاقًا وتحرّرًا من ذلك الاضطهاد؛ فكانت الأدبيات الجدالية المهاجمة للإسلام كمحاولة لدعم إيمان المسيحيين وتحصينهم من «الخطر الإسلامي»؛ إذ أدرك رجال الدين، آنذاك،أن المسلمين ليسوا فقط كأعداء عسكريّين وكبلايا أرسلها الرب ليعاقبهم على خطاياهم، ولا يرقون إلى أن يكونوا خصمًا دينيًّا؛ بل كخصم وكمنافس ديني حقيقي[22].
يقول عبد المجيد الشرفي في هذا الصدد: «لم يكن الجدل العقائدي إذن عملًا ذهنيًّا مجانيًّا البتة، بل كان سلاحًا نضاليًّا لبلوغ أغراض دينيّة ودنيويّة معًا. كان يستجيب لضرورة الدفاع عن النفس ودعم تماسك البنية الاجتماعيّة القائمة، ويستجيب في الآن نفسه لمقتضيات الحرب النفسانيّة وما تتطلّبه من زرع بذور الشكّ عند الطرف المقابل على أمل حمله على اختيار ما يعتقد أنه الحل الصحيح والالتحاق بصف المدافعين عن الحق والخير»[23].
يوحنا الدمشقي (ت 753-754م)
كان على يوحنا الدمشقي، بعد الإجراء الذي اتّخذه الخليفة عبد الملك بتعريب الدواوين وقرار عمر الثاني (بن عبد العزيز) الذي أعقبه، أن يختار بين جحود دينه المسيحي أو التخلّي عن منصبه الرفيع، فقرّر الاستغناء عن منصبه، بتركه خدمة الخليفة[24]، وترهّب في دير القديس سابا في القدس. ومعلوم أنه في ذلك القرن (القرن الثامن الميلادي) كان منصور بن سرجون، وابنه سرجون بن منصور[25]، وحفيده الذائع الصيت، يوحنا الدمشقي قد شغلوا ثلاثتهم وظائف مهمّة في بيت المال الأموي[26]. وجدير بالذكر، أن الدمشقي ينتمي إلى تلك المدرسة الدمشقية في القرن الثامن، والتي شكّلت تحوّلاً يتجلّى في أن النصارى «أصبحوا يوجّهون منذ الدمشقي إلى الإسلام انتقادات مباشرة، بدل الاكتفاء بتصحيح معلومات المسلمين وإطلاعهم على ما يجهلونه.
يمكن تلخيص موقف يوحنا الدمشقي في ما يلي:
ليس الإسلام إلا هرطقة من ضمن هرطقات أخرى، بل هي تحديدًا الهرطقة المئة، وهو واثق من أن أصحاب هذه الهرطقات سيؤوبون، في الأخير، إلى الحظيرة، وسيرتدّ أتباعها إلى الدين الحق: المسيحيّة؛ لأن الإسلام ليس إلّا هرطقة يسهل القضاء عليها.
ليس الإسلام دينًا جديدًا؛ بل مجرّد انحراف عن الديانة المسيحيّة، ومؤامرة يهودية؛ إنه هرطقة ممتزجة بعناصر يهودية ومسيحيّة».
لقد جرت عادة الباحثين على تقديم يوحنا الدمشقي على أنه هو الذي أضفى «أول محتوى لاهوتي وعقلي على هذه البدايات الدفاعية والجدلية»[27]. وخلافًا لذلك كشف خورخي مارتنيس بارّيرا (Jorge Martinez Barrera) أنّ ما ذهب إليه يوحنا الدمشقي يعتمد فيه على الكتاب المقدس (الإنجيل)، وبشكل خاص على تواريخ رجل الدين الاسباني إيزودور الاشبيلي[28]؛ ومن ثمة، فإن حكمه على الإسلام كـ«هرطقة وانحراف حدث في الديانة المسيحيّة يكشف عن عمل تنقصه النسقية ويفتقد للمصداقية»[29]، كما يكشف عن أنّ مرافعاته الاستدلالية لم تكن مقنعة؛ فهي تبشيرية أكثر منها جدالية-تناظرية (ces arguments sont peu convaincants et semblent plutôt apologétiques que polémiques[30]).
عبد المسيح الكندي[31] (الكندي المنحول) (ت 873م)
يمثّل عبد المسيح الكندي النموذج الصحيح للمناظرة والمجادلة العقدية كما يُستشفّ من رسالته الجوابية التي يرد فيها عن رسالة عبد الله بن اسماعيل الهاشمي التي يدعوه فيها إلى النصرانيّة.
إن هذه الرسالة[32] لعبد المسيح الكندي، الذي كان موظفًا في البلاط ببغداد على عهد الخليفة المأمون تعتبر، في نظر مارتنيس باريرا، رسالة[33] جدالية وتبشيرية في الوقت نفسه (rissalatal-kindi est à la fois polémique et apologétique)؛ بل «أول رسالة في الأدبيات المسيحيّة المناهضة للإسلام»[34]. وهي الرسالة التي يتبين من خلالها معرفته المعمّقة والمفصّلة بالقرآن خاصة والإسلام عامة، وهو يدافع عن التثليث في الوقت الذي يدافع فيه مجادله عن التوحيد، وينتقل من جهة أخرى لمهاجمة الرسول.
وسواء تعلّق الأمر بالدمشقي أو الكندي فالقاسم المشترك بينهما هو الشعور بالتفوق؛ بل باحتقار مبطّن للمسلمين ولدينهم. وهما يمثّلان معًا مرحلة التجاهل المتبادل التي كان الحوار فيها مستحيلًا (مرحلة الحوار المستحيل) في القرنين الهجريين الأولين.
وثمّة، على الأقل، سببان اثنان آخران، إضافة إلى ما تقدم، لغياب حوار عقيدي جدي بين المسيحيين والمسلمين؛ «فمن ناحية، بقيت العقيدة الإسلاميّة، التي استُخلصت من القرآن الذي لم يكن قد حظي بعد بدراسات تفسيرية وموضوعية وافية، بينما كان المسيحيون، لا يزالون بالأحرى سيئي الاطلاع على العقيدة الإسلاميّة، في غياب أية ترجمة للقرآن الذي لم تُتح قراءته إلا لمن كانوا يعرفون العربية، ولمن بذل الجهد منهم، أو امتلك ما يمكّنه من فهم نصّه الذي يكتنفه غالبًا غموض شديد. فلا غرو إذن أن تنحصر الموضوعات التي جرى تناولها في مثل هذه الظروف في مظهر الدين الخارجي، الشعائري أو الأخلاقي، أو على الأكثر في بضع مسائل عقيدية تناقلها الناس فيما بينهم بصورة غير مفهومة أو مشوهة في أغلب الأحيان»[35].
نحن أمام معسكرين كلاهما مقتنع بصحة إيمانهوبطلان إيمان الآخر؛ كل معسكر يدعي أنه صاحب الدين الحق والشريعة القويمة، ومن ثمّة، يمكن القول إنه لم يكن هناك اعتراف بوجود الآخر، فإن وُجد فمن أجل محوه وشيطنته وإقصائه، وليس من أجل اكتشافه؛ لأن هذا الآخر هو آخر العاصي لله، أي الشيطان.
الترجمة الأولى لمعاني القرآن إلى اللاتينيّة
في حوالي منتصف القرن الثاني عشر الميلادي ستظهر أوّل ترجمة لاتينيّة للقرآن أنجزها روبرت القيطوني بتوجيه ورعاية وتمويل بطرس المبجل، وذلك بعد «الجولة التفقّدية» للأديرة البينديكتية بإسبانيا عام 1141م[36]، وتحديدًا بطليطلة حيث قام بجمع فريق من المترجمين وكلّف روبرت القيطوني بمهمة الترجمة. وهي ترجمة تندرج ضمن مشروع ترجمة مجموعة من النصوص العربية الأخرى إلى اللاتينية ذات علاقة بالدين الاسلامي[37]، وهو ما يعرف بـ«المجموع الطليطلي» (la collectio Toletana[38]).
جدير بالذكر أن روبرت القيطوني كان بمعية هرمان الكارينسي (Hermann de Carintia)، وقد قدما معًا من انجلترا بحثًا عن نسخة من كتاب المجسطي لبطلميوس القلودي، في إطار مشروع ترجمتهما لنصوص رياضية وفلكية، وقد التقاهما بطرس المبجل، على الأرجح، بحاضرة تارازونا التي لم يمض على الاستيلاء عليها مدة طويلة من طرف المسلمين[39]؛ لكن بطرس المبجل استطاع أن يقنعهما بالتخلّي عن مشروعهما الأصلي والتفرغ لترجمة القرآن، التي تكلّف بها القيطوني أساسًا، بأن دفع لهما مبلغًا ماليًّا كبيرًا.
وغني عن البيان أن هذه الترجمة (أنجزت في شهر تموز/ يوليو 1143) «لعبت دورًا مهمًا في التعرف على الإسلام في أوروبا في العصر الوسيط كما العصر الحديث»[40]. كما أنها «شكّلت المعلَم البارز والأساسي في مجال الدراسات الإسلاميّة بأوروبا الغربية الوسيطة»[41].
لكن هل تشكل، كما زعم ذلك ريتشارد سوذرن، بداية لمرحلة جديدة؛ مرحلة الانتقال «من الجهل إلى التعقّل» كما عبر عن ذلك؟
في إبطال دعوى ريتشارد سوذرن
يتحدّث ريتشارد سوذرن عن ثلاثة حقب للوعي الأوروبي الوسيط للإسلام وفق «مسلك تطوري» كما سمّاه رضوان السيد في تقديمه لترجمة كتاب سوذرن[42]: حقبة أولى يطلق عليها اسم «مرحلة الجهل» والحقبة الثانية سماها «حقبة التعقل والأمل»، أما الثالثة فسماها بـ«لحظة الرؤيا».
تقع الحقبة الأولى بين القرنين الثامن والثاني عشر؛ إذ إنه «منذ مطالع القرن الثاني عشر (1100م) بدأت «المواقف من الإسلام تتخذ صوراً مغايرة ومتنوعة»[43]، أي بداية القطع مع الجهل؛ وهو جهل ناتج عن ضيق الأفق بالمعنيين الفكري والجغرافي في المرحلة الأولى، وجهل ناجم عن أوهام مخيلة متسعة في المرحلة الثانية. أما المرحلة الأولى فتحتل القرون الأربعة الأولى منذ 700م. وأمّا المرحلة الثانية فتحتل عقود السنين الواقعة بين 1000 و 1140م. أمّا الأولى فقد سادتها مواقف مصدرها تفسيرات العهدين القديم والجديد. وأمّا الثانية فسادتها أوهام وأحلام المخيلة الخلاقة لأوائل القرن الثاني عشر»[44].
يزعم سوذرن أنه ابتداء من»منتصف القرن الثاني عشر بدأ تعقّل ما يتصل بطبيعة الإسلام وشخصية نبيّه يطرد التصوّرات الخيالية في أوساط المثقفين الأوروبيّين»[45]؛ إنه القرن الذي «بدأت في مطالعه تباشير بدايات نظرة علميّة شاملة ومستقلة لغرب أوروبا، وكان من نتائج هذه النظرة الجديدة محاولات لرؤية الإسلام بدون أحكام مسبقة[46]. ثم حدثت فترة مفاجئة، فقد كانت الخطوة التالية صعبة. كان من السهل والميسور الوصول إلى أحكام معقولة استنادًا إلى المعطيات القريبة، أمّا المضي قدمًا في مضمار البحث عن مزيد من المعلومات المستقلة من أجل المعرفة فقط، أو سعيًا وراء تكوين نظرية أو رؤية جديدة متكاملة، فقد كان أمرًا آخر يقتضي جهدًا أكبر وروحًا لم يكن حاضرًا بعد»[47].
وتبعًا لذلك، يؤكد أن المعلم الأكبر للعلاقة «الجديدة» بين الإسلام والمسيحيّة في هذا القرن هو بطرس المبجّل، وفي ذلك يقول:
«وسيظل دير كلوني معلمًا تنويريًّا في تاريخ العلاقة بين المسيحيّة والإسلام، للعمل الضخم والمتقدّم الذي قام به رئيسه بطرس المبجل (Petrus Venerabilis) عندما رعى أول ترجمة للقرآن إلى اللاتينية»[48]؛ إنها الترجمة التي «شكلت المعلم البارز والأساسي في مجال الدراسات الإسلاميّة بأوروبا الغربية الوسيطة»[49]. ويضيف قائلاً: «قدمت الترجمة القرآنية للغرب الركيزة الأساسية والمأمونة للبدء بدراسات حقيقية حول الإسلام»[50].كما يذهب إلى أن الهدف الأساس من هذا المشروع الترجمي، الذي مثل، في رأيه، «الطابع العقلاني النبيل الذي أراد بطرس المبجل أن يضع النقاش فيه مع الإسلام»[51] هو التعرف على الإسلام في مصادره، وهذا ما يعني في نظره انتقالًا من الجهل إلى التعقل، واعتبار راعي هذا المشروع، الذي يتأسّف على فشله، «معلمًا تنويريًّا في تاريخ العلاقة بين المسيحيّة والإسلام»؛ وأن فشله مردّه إلى أنه لم يلق الاستجابة في أوساط رجال الدين آنذاك، لتعود «إبان ذلك محاولات الحملات التبشيرية التي عادت معها أطروحة المواجهة العسكرية المتمثّلة في الصليبيات (الحروب الصليبية)»[52].
إنّ الفاحص للنص المترجم والمقدمة التي قدّم بها القيطوني لترجمته، مسايرًا في ذلك هوى وإرادة بطرس المبجل راعي وممول المشروع، سيقف، ولا شك على الكثير من «الحقائق» التي تبطل هذه الدعوى. وهو ما يسمح لنا بالقول إن فشل هذا المشروع لا يرجع إلى أسباب موضوعية خارجية؛ بل إلى أسباب تتعلق بطبيعة المشروع ذاته من حيث طبيعته وخلفياته ومراميه، لأنه إن كان صحيحًا أن من دواعي ترجمة القرآن كان هو التعرف على الاسلام في مصادره الأصلية؛ لكن ذلك ليس من أجل فهمه والتحاور معه؛ بل من أجل دحضه.
كما أنه من المؤكد أننا لسنا أمام مشروع معرفي محض، حتى وإن كان من بين الأهداف المرسومة له «توفير ووضع رهن إشارة رجال الدين المسيحيين النصوص التي بفضلها يمكن لهم معرفة مذهب وتاريخ المسلمين»[53]، على حد تعبير ماريا تيريز دالفرني التي تكشف، في الوقت نفسه، أن محاولة الفهم هي مرحلة من أجل دحض الإسلام؛ فمشروع الترجمة كان من أجل التعرف على الإسلام من أجل التمكّن من محاربته فكريًّا وعقائديًّا بعد الاقتناع بأن محاربة الإسلام بقوة السلاح ليس كافيًا وليس فعّالًا، فتم اللجوء إلى سلاح الترجمة.
وليس أدلّ على ذلك أنه في الوقت الذي أعلن فيه بطرس المبجّل أن مشروعه يتوخّى المعرفة والفهم، كان في جولة في شبه الجزيرة الأيبيرية «التي كانت تعيش أزهى أيام الاسترداد (la reconquista)»[54] في زمن حكم ألفونسو السابع الذي بارك بطرس المبجل خطواته الاستردادية والذي أعلن نفسه «إمبراطورًا» في 26 مارس 1135م»[55] والذي قاد حملات عسكرية ضد المسلمين.
إنّ ما حمل بطرس المبجل على هذا المشروع، في حقيقة الأمر، هو الصدمة التي نتجت عن اطلاعه المباشر على الأوضاع في أسبانيا أثناء زيارته لتفقّد حال الأديرة الكلونية الجديدة التي تم إنشاؤها على خط الحدود مع الأراضي التابعة للمسلمين[56]. إنه مشروع يندرج ضمن استراتيجية «مناهضة الإسلام» بعبارة خوسي مارتنث غاسكث الذي كشف، بشكل مفصّل، عن قاموس العنف الذي يمتح منه القيطوني[57]. ومما يدل أيضًاّ على أن المشروع لم يكن لأغراض سلميّة هو لغة العنف والحرب التي كشف عنها مقال غاسكث محصيًا العبارات التي تؤكّد ذلك في التقديم لهذه الترجمة، وهو مايكشف بشكل وجلي عن معاداة الإسلام[58]، إلى جانب التشويه المقصود للكثير من آيات وسور القرآن الكريم[59].
وعليه، فعوضًا عن التحدث عن الانتقال من الجهل إلى التعقل، من الواجب أن نتحدث عن الانتقال من الشعور بالتفوّق والاحتقار إلى الخوف والذعر من الانتشار الواسع للإسلام.
نقد يوحنا الشقوبي للقيطوني
يُعدّ يوحنا الشقوبي واحدًا من أهم علماء الدين في القرن الخامس عشر الميلادي إلى جانب نيكولاس الكوسي (1401-1464م)، ويُقدمان،عادة، على أنهما صاحبا دعوى «التفاهم السلمي» بين المسيحيّة والإسلام بطريق الحوار؛ وهي الدعوى التي تمثل، في نظر الكثير من الباحثين في الموضوع، إن لم نقل جلهم، قطيعة مع الصورة النمطية التقليدية التي تدعو للحرب والمواجهة العسكرية.
كان الشقوبي مقتنعًا بأنّ «عمق مشكلة العلاقات بين المسيحيين والمسلمين تكمن في المعرفة الناقصة للآخر بشكل منصف بين المعسكرين»[60]، وبعد «فحصه النقدي للترجمة التي أنجزها القيطوني، توصل إلى أنه يجب الانطلاق مجددًا من الصفر»[61].
يصرّح الشقوبي في المقدّمة بأنّ «أسلوب وبنية كما المضامين الرئيسية لترجمة القيطوني لا تعكس حبّ الحقيقة»[62]، كما «كشف أن 123 آية قرآنيّة تم تشويه معانيها»[63].
فضلًا عن «إضافة هوامش لتحريف الحقائق»[64]. كما أن النواقص والعيوب الكثيرة التي شابت ترجمة القيطوني «هي التي ستدفع يوحنا الشقوبي، بعد قرنين، ودائمًا في السياق الأسباني، إلى إنجاز ترجمة جديدة (1455-1457م) «كضرورة ملحّة» كما صرح بذلك في المقدمة التي قدم بها لنص الترجمة»[65]، التي جاءت في سياق عودة الاهتمام بقوة بالإسلام منذ منتصف القرن الخامس عشر للميلاد، بعد أن شهد هذا الاهتمام فتورًا في الفترة الواقعة بين النصف الثاني من القرن الرابع عشر والنصف الأوّل من القرن الخامس عشر الميلاديين؛ إذ إنه بعد غزو الأتراك العثمانيين البلقان والقسطنطينية، فإن ما عرف بـ«مشكلة الإسلام» عادت لتهيمن على عقول الأوروبيّين وعلى كتاباتهم.
خاتمة
بالالتفات إلى ما سبق، يتبيّن أنّ المشروع الترجمي لبطرس المبجل كان يهدف إلى الفهم؛ لكن ليس إلى التفاهم؛ لأنه بعد الاقتناع بأن محاربة الإسلام بقوة السلاح ليس كافيًا وليس فعّالًا تمّ اللجوء الى سلاح الترجمة. ومن ثمة، فإن دعوى «الانتقال من الجهل إلى التعقّل» تبطلها الحقائق التاريخية والخلفيات الإيديولوجية. ونفس الأمر، في نظرنا، ينطبق على المشروع الترجمي ليوحنا الشقوبي لكون المشروعين ثمرة صدمة (تقوي النفوذ الإسلامي في الأندلس في الحالة الأولى) و(سقوط عاصمة الإمبراطورية البيزنطية القسطنطينية في يد الأتراك السلاجقة في الحالة الثانية)، كما أن المشروعين لم يكونا نابعين، كما سلفت الإشارة، من قناعة فكرية أو دينية. وهذا ما ينطبق، بشكل أكثر وضوحًا، على المشروع الثاني الذي أُعلن فيه صراحة عن دعوى «التفاهم السلمي»؛ لكنها لم تكن صادرة عن قناعة دينيّة راسخة؛ والحقيقة أنّ ما حمل صاحبي هذه الدعوى المزعومة على تبنّي ما اعتبر تفاهمًا سلميًّا هو حدث الانهزام العسكري أمام الجيوش التركية التي استولت على القسطنطينية في 29 ماي 1453م، والذي شكّل حدثًا صادمًا ومزلزلًا ليس فقط ليوحنا الأشقوبي وصديقه نيكولاس الكوسي فقط، بل للوعي الأوروبي ككل.
وفي الحالتين معًا، فإننا أمام مشروع واحد يقوم على قناعة «التفوّق الديني»، وهو ما يتجلّى بوضوح في «الحرص» على هداية المسلمين الضالين، وتنقيح كتابهم المقدس (القرآن الكريم)، وإقناعهم باعتناق الديانة المسيحيّة باعتبارها «الدين الحق». ومن ثم فإن مشروع ترجمة النص القرآني،في العصر الوسيط الأوروبي، عمومًا، يعدّ سلاحًا إيديولوجيًّا لمحاولة نسف الإسلام بشكل سلمي واستدلالي - إقناعي بعد العجز عن فعل ذلك بالسلاح الحربي المباشر.
لائحة المصادر والمراجع
باللغة العربية
جورافسكي، أليسكي، الإسلام والمسيحيّة، عالم المعرفة، عدد 215، 1996م.
جون تولان وآخرون، الفتح وتبريراته: الجهاد، الحملة الصليبية، الاسترداد أوروبا والعالم الإسلامي: تاريخ بلا أساطير، هنري لورنس، وجون تولان، وجيل فاينشتين، المركز القومي للترجمة، ترجمة: بشير السباعي، 2016م.
دوسيلييه، ألان، مسيحيو الشرق والإسلام في العصر الوسيط، ترجمة: رضا الصباغ ورندة بعث، دار الساقي، 2014م.
سوذرن، ريتشارد، صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى، دار المدار الإسلامي، ترجمة وتقديم: رضوان السيد، 2006م. (صدرت النسخة الأصلية للكتاب بالإنجليزية عام 1963م).
السيد، رضوان، «التفكر الاسلامي في المسيحيّة. الجدال والحوار والفهم المختلف في العصور الوسطى»، مجلة التفاهم.
شحاتة، جورج، المسيحيّة والحضارة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بدون تاريخ.
الشرفي، عبد المجيد، الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع/ العاشر، الدار التونسية للنشر، تونس، المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر، 1986م.
عبد المسيح الكندي وعبد الله الهاشمي، رسالتان في الحوار والجدل بين المسيحيّة والإسلام في عهد الخليفة المأمون، تحقيق: جورج ترتال، دراسة نقدية ومقدمة، سحبان أحمد مروة، باريس، منشورات أسمار، 2011م.
فوك، يوهان، تاريخ حركة الاستشراق، الدراسات العربية والاسبانية حتى بداية القرن العشرين، نقله عن الألمانية: عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، ط2، 2001م.
باللغات الأجنبية
ARMAND ABEL, “L’apologie d’Al Hindi et sa place dans lapolémique islamo-chrétienne”, en Atti del Convegno internazionale sul tema: L’oriente cristiano nella storia della civiltà. Roma. Accademia Nazionale dei Lincei, 1964.
Cahen Claude. «Note sur l’accueil des chrétiens d’Orient à l’Islam». In: Revue de l’histoire des religions, tome 166, n°1, 1964.
Christopher Lucken, «Les Sarrasins ou la malédiction de l’autre», Médiévales [En ligne], 46 | ritemps, 2004, mis en ligne le 30 mars 2007, consulté le 23 avril 2022.
Constantin A. Panchenko, Orthodoxy and Islam in the Middle East, The seventh to the Sixteen Century, Translated by Brittany Pheiffer and Samuel Noble, Jordanville, Holy Trinity Seminary Press, New York, 2021.
FRANÇOIS DÉROCHE, «Les usages du Livre saint dans l’islam et le christianisme», Revue de l’histoire des religions, Vol. 218, No. 1, (JANVIER - MARS 2001).
Gerard Wiegers, IçaGidelli (fl. 1450), hisantecedents and successors. ahistoricalstudy of Islamic literature in Spanish and Aljamiado.
http://journals.openedition.org/ medievales/1600; DOI: https://doi.org/10.4000/medievales.1600
Jean Chélini, Histoire religieuse de l’occident médieval, Paris, Hachette, 1991.
Jean Donnadieu, «La représentation de l’islam dans l’Historia orientalis.Jacques de Vitryhistorien», file:///C:/Users/ASUS/Downloads/RMA_143_0487%20(1).pdf
John Tolan, Les Sarrasins, flammarion, collection champs, n° 721, édition 2006.
Jorge Martínez Barrera, «Una fuente que pudo haber consultado SantoTomás para conocer el Islam: el Pseudo-Kindi», Sapientia Vol. LXVI, Fasc. 2010.
Marie-Thérèse d’Alverny, DEUX TRADUCTIONS LATINES DU CORAN AU MOYEN AGE, Author(s): Source: Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, 1947-1948, Vol. 16 (1947-1948).
Martínez Gázquez José, El lenguaje de la violencia en el prólogo de la traducción latina del Corán impulsada por Pedroel Venerable. In: Cahiers d’études hispaniques médiévales. N°28, 2005.
Ulli Roth, Juan of Segovia’sTranslation of the Qur’an, AL-QANTARA.XXXV 2, julio-diciembre AL-QANTARA, 2014.
------------------------------------------
[1](*)- أستاذ الفلسفة بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، (جامعة محمد الأول بوجدة – المغرب).
[2]- نعتقد أنّ المذهب الذي ذهبه الدكتور محمد عثمان صالح في كتابه القيم: النصرانيّة والتنصير أم المسيحيّة والتبشير- دراسة مقارنة حول المصطلحات والدلالات، مكتبة ابن القيم، المدينة المنورة، لا يلغي مشروعية استعمال لفظة المسيحيّة.
[3]- وهو ما ينطبق أيضًا على المشروع الترجمي لعالم الدين الأسباني في القرن الخامس عشر الميلادي. وهي الأطروحة التي دافعت عنها في مؤتمر الترجمة وإشكالات المثاقفة (الدورة العاشرة) المنظّم من طرف منتدى العلاقات العربية والدولية يومي 11-12 شتنبر 2023 تحت عنوان: ترجمة القرآن إلى الإسبانية- في إبطال دعوى «التفاهم السلمي» عند يوحنا الشقوبي.
[4]- وهو الذي ترجم أيضًا «عقيدة ابن تومرت» و«رسالة عبد المسيح الكندي» التي سنأتي على ذكر بعض تفاصيلها فيما سيأتي من قول.
ثمة عدة دراسات لدارسين، أغلبهم أسبان، حول هذه الرسالة التي يرد فيها عبد المسيح الكندي عن رسالة الهاشمي التي يدعوه بها إلى الإسلام. وقد أورد الباحث محمد عبد الواحد العسري أهم تلك الدراسات في كتابه: الإسلام في تصورات الاستشراق الإسباني - من ريموندس إلى أسين بلاثيوس، انظر الهوامش في الصفحات من 108 إلى 111.
[5]- كانت هذه الترجمة أكثر وفاء للنص الأصلي؛ لكنها لم تشتهر في الأوساط الفكرية في زمانها.
[6]- بيّن الباحث الهولندي خيرارد فيخرز أنها هي نفسها النسخة الأسبانية المترجمة عن الأعجمية التي عثر عليها عام 1606، والمعروفة بـ»قرآن طليطلة» (مخطوط مسجل تحت رقم 235 بمكتبة كاستيا لامانشا). وذلك في أطروحته الجامعية للحصول على الدكتوراه بجامعة ليدن عام 1991:
Gerard Wiegers, Iça Gidelli (fl. 1450), his antecedents and successors. A historical study of Islamic literature in Spanish and Aljamiado. Thèse de doctorat, faculté de théologie (Godgeleersheid), université de Leiden, 1991.
وهي الأطروحة التي سعت إلى تفنيدها الباحثة الأسبانية لوبيث موريياس في كتابها عام 2011:
López-Morillas, Consuelo (2011): El Corán de Toledo. Edición y estudio del manuscrito 235 de
la Biblioteca de Castilla-La Mancha. Gijón: Trea, p.608 (Bibliotheca Arabo-Romanica et Islamica, 5).
[7]- جورافسكي، أليسكي، الإسلام والمسيحيّة، ص19.
[8]- م.ن.
[9]- م.ن.
[10][1]- Astérios Argyriou, PERCEPTION DE L’ISLAM ET TRADUCTIONS DU CORAN DANS LE MONDE BYZANTIN GREC, Byzantion, Vol. 75 (2005), p.25-69.
[11]- م.ن.
[12]- وغني عن البيان أن لهذين العملين؛ عمل الدمشقي، والعمل الأكثر نسقية لعبد المسيح الكندي أهمية كبيرة، إلى جانب أعمال أخرى، لأنهما كتبا في وسط ثقافة إسلاميّة، وفي احتكاك مباشر بالمسلمين. وهو ما يسمح لنا بالتسليم بتوفر هامش من الحرية للنصارى لنقد الإسلام والمسلمين في عقر دارهم.
[13]- شحاتة، جورج، المسيحيّة والحضارة العربية، ص141.
[14]- الشرفي، عبد المجيد، الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع/ العاشر، ص13.
[15]- المسيحيّة والحضارة العربية، م.س، ص146.
[16]- م.ن، ص142.
[17]- م.ن، ص143.
[18]- م.ن، ص48-49.
[19]- المسيحيّة والحضارة العربية، م.س، ص141.
[20]- Cahen Claude. «Note sur l’accueil des chrétiens d’Orient à l’Islam». In: Revue de l’histoire des religions, tome 166, n°1, 1964. p.51-58.
لا بدّ من الإشارة كذلك إلى أن من العوامل الأساسية المساعدة للفتح الإسلامي وتيسيره هو العداء الذي كان يكنّه أغلب المسيحيين في الشرق للكنيسة الرومانية بالقسطنطينية.
[21]- Jean Chélini, Histoire religieuse de l’occident médiéval, Paris, Hachette, 1991, p.77.
[22]- في كتاب جون تولان، السراسنة نجد الكثير من التفاصيل حول تطور ردود فعل المسيحيين عن الاسلام وعملية الأسلمة:
John Tolan, Les Sarrasins, Flammarion, collection champs, n° 721, p.482, édition 2006.
ينظر كذلك:
Jean Donnadieu, «La représentation de l›islam dans l'Historia orientalis. Jacques de Vitryhistorien», file:///C:/Users/ASUS/Downloads/RMA_143_0487%20(1).pdf
[23]- الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع/ العاشر، م.س، ص13.
[24]- المسيحيّة والحضارة العربية، م.س، ص143.
[25]- انظر مقدمة كتاب:
Constantin A. Panchenko, Orthodoxy and Islam in the Middle East, The seventh to the Sixteen Century, Translated by Brittany Pheiffer and Samuel Noble, Jordanville, Holy Trinity Seminary Press, New York, 2021.
[26]- المسيحيّة والحضارة العربية، م.س، ص141.
[27]- المسيحيّة والحضارة العربية، م.س، ص163. ينظر أيضًا رضوان السيد الذي يقول جازمًا دون مبرر مقنع: ولا شك أن رد عبد المسيح الكندي على الهاشمي «لا يرقى إلى شمولية وعمق نقدات يوحنا الدمشقي وتيودور أبي قرة»، «التفكر الاسلامي في المسيحيّة. الجدال والحوار والفهم المختلف في العصور الوسطى»، مجلة التفاهم، ص151-174.
https://shorturl.at/JXCY3
[28]- تجدر الإشارة إلى «أن أكثر أخبار وأفكار الأوروبيّين عن المسلمين في القرون الأولى للعصور الوسطى أسبانيّة المنشأ»، سوذرن، ص55.
[29]- Jorge Martínez Barrera, Una fuente que pudo haber consultado Santo Tomás para conocer el Islam: el Pseudo-Kindi, Sapientia Vol. LXVI, Fasc. 227-228, 2010.
[30]- م.ن.
[31]- لمزيد من التفاصيل حول هذه الرسالة انظر كتاب عبد المجيد الشرفي: م.س، ص123-128. نكتفي بالإشارة إلى أن النافين لوجود هذه الرسالة ونسبتها إلى ابن المسيح الكندي حجتهم ضعيفة لوجود عدة قرائن تثبت عكس ذلك، لعلّ أبرزها ما ذكره من طرف أبو الريحان البيروني في كتابه: الآثار الباقية عن القرون الخالية (الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع/ العاشر، م.س، ص123، الهامش رقم 22)، فضلًا عن كونها كانت موضوعًا للرد من طرف الإمام الآلوسي في كتابه: الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح، ج1 (جزءان في مجلدين). (تُنظر كلمة المحقق ص3- 61). غير أنه من الراجح أن تكون رسالة الهاشمي من اختلاق الكندي. وهذا ما ذهب إليه عبد المجيد الشرفي حين يقول: “ليس الهاشمي إذن في نظرنا إلا اسم مستعار استعمله المؤلف المسيحي قصد إضفاء صيغة واقعية على «الحوار» الذي وضعه ورمى من ورائه إلى وضع حد لدخول النصارى في الإسلام، ص128.
[32]- عبد المسيح الكندي وعبد الله الهاشمي، رسالتان في الحوار والجدل بين المسيحيّة والإسلام في عهد الخليفة المأمون.
[33]- تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الرسالة تُرجمت إلى اللاتينية في أسبانيا تزامنًا مع ترجمة معاني القرآن إلى اللغة نفسها والبلاد نفسه. يعلّق محمد عبد الواحد العسري على هذا «الحدث» قائلًا: «فإذا علمنا أن هذا الكتاب الذي عرف طريقه إلى الأندلس حيث ترجم إلى اللاتينية تزامنًا مع ترجمة القرآن الكريم إلى هذه اللغة لاستخدامه في عملية تكوين المعرفة النصرانية للإسلام، علمنا بأن أثره كان حاسمًا في تنميط هذه المعرفة في إسبانيا ومن بعد ذلك في أوروبا»، م.س، ص15.
[34]- Jorge Martínez Barrera, Una fuente que pudo haber consultado SantoTomás para conocer el Islam: el Pseudo-Kindi, Sapientia Vol. LXVI, Fasc. 227-228, 2010.
انظر كذلك:
ARMAND ABEL, “L’apologie d’Al Hindi et sa place dans la polémique islamo-chrétienne”, en Atti del Convegno Internazionale sul tema: L’oriente cristiano nella storia della civiltà. Roma. Accademia Nazionale dei Lincei, 1964, p.501-523.
نجد قولًا مشابهًا لما ذهب إليه خورخي مارتنس باريرا عند محمد عبد الواحد العسري الذي يعتبر أن رسالة عبد المسيح بن إسحاق الكندي «هو النص الذي افتتح المجادلة النصرانية للإسلام»، عبد الواحد العسري، م.س، ص15. تحسن الإشارة إلى أننا لم نعثر على قول مماثل لما أقره العسري، بغض النظر عن مصدره، فيما كتب بالعربية في الموضوع.
[35]- لمزيد من التفاصيل، انظر: ألان دوسيلييه، مسيحيو الشرق والإسلام في العصر الوسيط.
[36]- Marie-Thérèse d’Alverny, DEUX TRADUCTIONS LATINES DU CORAN AU MOYEN AGE, Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, 1947-1948, Vol. 16 (1947-1948), p.69-131.
[37]- Christopher Lucken, «Les Sarrasins ou la malédiction de l’autre», Médiévales [En ligne], 46 | ritemps, 2004, mis en ligne le 30 mars 2007, consulté le 23 avril 2022. URL: http://journals.openedition.org/ medievales/1600; DOI: https://doi.org/10.4000/medievales.1600.
[38][2]- Ibid.
[39]- José Martínez Gázquez, El lenguaje de la violencia en el prólogo de la traducción latina del Corán impulsada por Pedroel Venerable. In: Cahiers d’études hispaniques médiévales. N°28, 2005. p.243-252.
[40] FRANÇOIS DÉROCHE, Les emplois du Coran, livre manuscrit, Revue de l’histoire des religions, Vol. 218, No. 1, Les usages du Livre saint dans l’islam et le christianisme (JANVIER - MARS 2001), p.43-63.
[41]- سوذرن، ريتشارد، صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى، ص79-80. (صدرت النسخة الأصلية للكتاب بالإنجليزية عام 1962م). تجدر الإشارة إلى أنّه توجد ترجمة أخرى للكتاب موسومة بـ: نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى، ترجمة: فهمي خشيم وصلاح الدين حسني، صادرة عن دار مكتبة الفكر عام 1976م، تلتها ترجمة ثانية عن صادرة عن مركز الحربية في القاهرة عام 2002م، قام بمراجعتها عمر الدسوقي.
[42]- صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى، م.س.
[43]- م.ن، ص49.
[44]- م.ن، ص50.
[45]- م.ن، ص79.
[46]- التسطير من عندنا.
[47]- صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى، م.س.
[48]- م.ن، ص79-80.
[49]- م.ن، ص80.
[50]- م.ن، ص80.
[51]- م.ن، ص83.
[52]- م.ن.
[53]- Marie-Thérèse d’Alverny, DEUX TRADUCTIONS LATINES DU CORAN AU MOYEN AGE, Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, 1947-1948, Vol. 16 (1947-1948), p.69-131.
[54][2]- Ibid.
[55][3]- Ibid.
[56]- José Martínez Gázquez. El lenguaje de la violencia en el prólogo de la traducción latina del Corán impulsada por Pedro el Venerable. In: Cahiers d’études hispaniques medievales. N°28, 2005. p.243-252.
[57]- في هذا المقال الذي أفرده غاسكث لتحليل المقدمة التي قدم بها ترجمته لمعاني القرآن الكريم (وهي الترجمة الأولى إلى اللاتينية كما سبقت الإشارة)، يقول غاسكث إن القيطوني استعمل على امتداد المقدمة قاموساً استعارياً عسكرياً؛ بل حربياً بمعنى أدق. وعبارات تنضح بالعدوانية وتعبر عن تحقير الإسلام، الذي يصفه، على سبيل المثال، بـ»البركة العقيمة»، «السم المختبئ في الزهور»، «القانون الأخلاقي للموت» lex letifera-. م.ن.
[58]- م.ن.
[59]- Ulli Roth, Juan of Segovia’sTranslation of the Qur’an, AL-QANTARAXXXV 2, julio-diciembre AL-QANTARA, 2014, p.555-578.
كما يمكن الرجوع أيضًا بصدد هذه النقطة إلى المقالة المهمة لـ:
Ulisse Cecini, Some Remarks on the Translation of Proper Names in Mark of Toledo’s and Robert of Ketton’s Latin Qur’an Translations, AL-QANTARA XXXV 2, julio-diciembre 2014, p.579-605.
[60]- FRANÇOIS DÉROCHE, Les usages du Livre saint dans l›islam et le christianisme, Revue de l›histoire des religions, Vol. 218, No. 1, (JANVIER - MARS 2001), p.43-63.
[61][2]- Ibid.
[62]- Ulli Roth, Juan of Segovia’sTranslation of the Qur’an, AL-QANTARA XXXV 2, julio-diciembre AL-QANTARA, 2014, p.555-578.
[63][4]- Ibid.
[64]- م.ن. تجدر الإشارة إلى أنه، في نفس السياق، يمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما عبّر عنه يوهان فوك بالقول: «وترجمة روبرتوس (يقصد روبرت القيطوني) للقرآن تزخر بأخطاء جسيمة سواء في المعنى أو في المبنى»، فوك، يوهان، تاريخ حركة الاستشراق، الدراسات العربية والاسبانية حتى بداية القرن العشرين، ص19.
[65]- وكما هو معلوم، فإنه بالرغم من ضياع الترجمة الثلاثية اللغة (العربية واللاتينية والإسبانية) للنص القرآني عام 1456م، والتي تُعد واحدة من الترجمات الثلاثة للقرآن إلى اللغة اللاتينية في العصر الوسيط المسيحي، كما ضاع كتيّبه المعنون: في كيفية طعن المسلمين (عبيد سارة) بسيف الروح، فإن المقدمة التي وضعها لترجمة النص القرآني هي التي تعتمد من طرف جل الباحثين لبسط المشروع الترجمي ليوحنا الأشقوبي من حيث سياقه وأهدافه ومراميه.