الباحث : د. إيمان «محمد ربيع» خميس بالو
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 41
السنة : شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : December / 28 / 2024
عدد زيارات البحث : 106
الملخّص
اهتمّ المستشرقون بالرواية العربية، وجاء اهتمامهم متأخّرًا، وذلك بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، حيث جعلوا بدايتها مع نجيب محفوظ، وأهملوا نشأتها الأولى ونضجها على أيدي بعض الكتّاب ممّن سبقوا نجيب محفوظ إلى هذا الفن الأدبي. كما أنّ آراءهم بحق الرواية العربية جاءت متفاوتة، لذلك انقسموا إلى قسمين؛ الأوّل جعل الرواية العربية امتدادًا للرواية الغربية ومنبثقًا عنها، كما ذكر كل من جاك بيرك، وأندريه ميكال، وأصحاب هذا الرأي لم ينصفوا الرواية العربية أبدًا، فأوردوا أنها لم تصل مرحلة النضج، ودرسوها وفقًا لقناعاتهم وخلفيّاتهم، وجعلوا نظرتهم إليها من الأعلى، ووذهب أصحاب الرأي الثاني -وهم قلّة من المستشرقين- إلى أنّ الرواية العربية فنّ مستقلّ قام بنفسه وامتدَّ من التراث العربي، وأصبح فنًّا ناضجًا قادرًا على القيام بوظيفته الفنية والاجتماعية، وهذا ما جاء لدى روجر ألن، الذي درس الروايات العربية من الداخل، فنزل إليها وتعمّق في تحليلها، واختار نماذج متنوّعة في الموضوعات والبلدان للدلالة على أنها مستقلة تعبّر عن مجتمعها الذي تخرج منه.
الكلمات المفتاحيّة: الاستشراق، الرواية العربية، الرواية الغربية، روجر ألن، جاك بيرك، أندريه ميكال.
المقدّمة
يعدّ الاستشراق «اهتمامُ علماء الغرب بعلوم المسلمين وتاريخهم ولغاتهم وآدابهم وعاداتهم ومعتقداتهم وأساطيرهم»[2]، وكما يرى إدوارد سعيد أن المستشرق هو كلّ مَن يعمل بالتدريس أو الكتابة أو إجراء البحوث في موضوعات خاصة بالشرق، في أي مجال من المجالات...[3] وقد جاء عصر النهضة ليصبح السبب في الاتصال بين الشرق والغرب؛ وذلك لانتشار الطباعة والترجمة ونشاط عمل الصحف، وقد سبق المستشرقون العربَ في نقل الثقافة العربية إلى الغرب بترجمة القصص وتأليف الكتب...، لكن نظرتهم جاءت موافقة لأهدافهم وتخيّلاتهم ومنسجمة مع أهوائهم وتصوّراتهم في الغالب.
فقد نقل المستشرقون من الآداب العربية ما يتماشى مع آرائهم وتصوراتهم، واستبعدوا ما يتعارض معها، وكان نقلهم بذلك انتقائيًّا، فلم يهتموا بالآداب جميعها، حتى أن اهتمامهم بفن الرواية جاء متأخرًا؛ لأنه لم يتوافق مع أفكارهم، ومعنى هذا أنهم اهتموا بما جاء وفق نظرتهم للآداب العربية وداعمًا لدوافع الاستشراق فقط، ومن هنا كان لا بدّ للباحثة من دراسة الأسباب الكامنة وراء عدم اهتمامهم بهذا الفن الأدبي، وبداية اهتمامهم المتأخّر به، وتقويم طبيعة اهتمامهم المتأخّر بالرواية العربية.
نشأة الرواية العربيّة
اختلف الدارسون في تاريخ الرواية الأولى فاتحة الجنس الروائي العربي فتعدّدت آراؤهم؛ منهم من اعتبر حديث عيسى بن هشام للمويلحي بداية هذا الجنس، ومنهم من اعتبر رواية الأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران في مقدمة الروايات الناضجة، ومنهم من اعتبر رواية «زينب» هي البداية لهذا الجنس على اعتبار أنها رواية فنية ناضجة.
وقد عدَّ الدارسون حديث عيسى بن هشام أول محاولة لكتابة رواية؛ منهم محمود تيمور الذي رأى أنها جنس روائي بامتياز، وكذلك سالم العموش الذي رأى أنها حلقة مهمة في سلسلة الرواية العربية القائمة على التوفيق بين التراث والقصة العالمية[4].
إلّا أن بعض الدارسين وجدوا أن بداية الرواية العربية على يد الكاتب المصري محمد حسين هيكل في رواية «زينب»، فهي برأيهم ثمرة عوامل عديدة: ثقافية وأدبية واجتماعية. وأصبح فن الرواية من أكثر الأجناس الأدبية قدرة على مواكبة الأحداث ورصدها والتعبير عنها، خاصة بعد الاحتكاك بأوروبا وظهور الطباعة وانتشار الصحافة[5].
وثمة اتفاق على أن الرواية «خطت خطوة جديدة على يد كل من جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وفرح أنطون وجورجي زيدان وفؤاد صروف، وذلك نظرًا لثقافتهم وتأثّرهم بمجتمعات جديدة ومختلفة واحتكاكهم بأساليب أكثر تطورًا مما كان سائدًا...»[6]، وهذا القول لا يتناقض مع أصول الرواية العربية، فالرواية نشأت نشأة عربية، وتأثّر بعضها في موارد محدّدة بتقنيات الرواية الغربية، نظرًا لاندماج بعض كتاب الرواية بالثقافات الأخرى، ونقلها إلى العربية، كما أن هذا الأمر لا ينطبق على كل الروايات العربية، فكلّ يصوغ الرواية وفقًا للمجتمع الذي يعيش فيه، ووفقًا للثقافة المكتسبة.
بذلك، تطورت الرواية العربية كثيرًا خلال القرن العشرين، واستثمرت مجمل أشكال السرد العربي القديم، وعانقت قضايا المجتمع في تحوّلاته وصيرورته، وعبرت عن زوايا كثيرة، واقتحمت العديد من المناطق التي لم يتم التعبير عنها في أنواع أو أجناس أخرى أو في فترات سابقة[7]. إن الرواية العربية وتطوّرها الكبير، واستفادتها من الثقافات والتقنيات، واعتمادها على التراث في كثير من الأحيان، كان كفيلًا أن يجعلها فنًّا ناضجًا، قادرًا على الاستمرار، وأن يصبح لها ملامح واضحة تعبّر عنها وتنفرد بها عن باقي الفنون والآداب.
وبالخلاصة فقد تعدّدت الآراء حول نشأة الرواية ونضجها، واختلفت في اعتماد الرواية العربية على التراث أم التأثّر بالغرب، وهذا ما ستلمحه في آراء المستشرقين، فمنهم من يرى أن التطوّر في هذا الجنس الأدبي جاء نتيجة التأثر بالغرب والأدب الفرنسي خاصة، ومنهم من رأى أن للتراث علاقة في تطور الجنس الأدبي ووصول الرواية إلى فن ناضج، ومن هنا ينتقل الحديث إلى بداية الاهتمام بالرواية من قبل المستشرقين؛ أسبابه ودوافعه.
اهتمام المستشرقين بالرواية العربيّة
إن اهتمام المستشرقين بالرواية العربية لم يأت مع بداية الرواية «رواية زينب» التي عدّها الدارسون بداية الجنس الروائي، ولم يبدأ اهتمامهم مع رواية «الأجنحة المتكسرة» التي اعتبرت آنذاك أول رواية ناضجة، إنما جاء بعد حصول الأديب نجيب محفوظ على جائزة نوبل، حينها اعتنى الغربيون بنقل روايات نجيب محفوظ وغيره وترجمتها، وازدادت المقالات التي تتحدّث حول الروايات العربية من قبل المستشرقين، وكانت السبب في تغيير نظرة الاستشراق إلى الرواية العربية، وتبدل المفاهيم السابقة عن الشرق، لكنها لم تتوسّع كثيرًا؛ إنما اقتصرت على أعمال يحيى حقي، ويوسف إدريس، والطيب صالح، وتوفيق عياد، ويوسف السباعي، وعبد الرحمن منيف، والبياتي، وأدونيس، ومحمود درويش، ونزار قباني، وغيرهم[8]. ما يعني أن الكثير ممن أنشأوا فن الرواية لم يتم النظر في أدبهم، وهم الأولى في ذلك. وهنا يأتي السؤال، إن لم يحصل نجيب نحفوظ على جائزة نوبل، هل سيدرس المستشرقون الرواية العربية في ذلك الوقت؟
نظرًا لبداية الرواية العربية، وجد الدارسون أن هناك أسبابًا مختلفة حول حصول محفوظ على جائزة نوبل، وقد ظهر لديهم رأيان يفسّران السبب، جاء في الرأي الأوّل؛ أن سبب اختيار نجيب محفوظ لجائزة نوبل رواياته المستحقة بجدارة، ومنها: (ثرثرة فوق النيل، واللص والكلاب، وأولاد حارتنا)، وهي برأيهم نقلت الفن الروائي نقلة نوعية. فقد تفوق محفوظ في فن الرواية كما يقول أندريه ميكيل: «إن رواية نجيب محفوظ تقدم دون جدل للأدب العربي الحديث صوتًا جديدًا من خلال أبعادها، ومن تلك المقدرة الممتعة على الكتابة التي يحس بها المرء عند مؤلفها الذي حرر الأدب العربي في المجال من دورانه فقط في المحور القصصي، ولقد أنهت أعمال نجيب محفوظ بنجاح عصر المحاكاة والتقليد الذي كانت الرواية العربية متعلقة خلاله تعلقًا غير محمود بهياكل تقليديّة محلّيّة أو أجنبيّة...»[9] ، ويجدر الأشارة هنا إلى أنّ الآراء الإيجابيّة في حق حصوله على الجائزة جاءت من الغرب.
أما الرأي الثاني فيرى أن سبب اختيار روايات نجيب محفوظ للجائزة هي أسباب تفيد الاستشراق في تحقيق أهدافه؛ وذلك لأن محفوظ كانت له آراء في التطبيع مع العدو الإسرائيلي؛ ما حفّز اليهود على تهيئة ظروف تقديمه للجائزة، حيث يرى مازن المطبقاني أن «الاهتمام بالأدب الغربي تركّز على الأدب العربي الحديث الذي يحارب العقيدة الإسلامية ولا يقيم وزنًا للقيم الإسلامية والثوابت والمسلمات، فروايات نجيب محفوظ ترفع من شأن الانحراف والمنحرفين والمومسات، وتدعو إلى اللهو والإباحية، فالمومسات لهن شأن في روايات نجيب محفوظ... وهناك محاربة مسلمات الأمّة ومقدّساتها، والسخرية باستمرار من الدين والمتديّنين»[10].
وبهذا يحقّق محفوظ غاية من غايات الاستشراق؛ وهي تشويه الدين والثقافة الدينية كما يرى أصحاب الرأي الثاني، وقد أكد هذا الرأي أحمد أبو زيد في كتابه «الهجوم على الإسلام في الروايات الأدبيّة»، حيث أورد أن رواية نجيب محفوظ من الروايات التي أثارت غضب العالم الإسلامي، وهي رواية كُتبت عام 1959م، واحتج عليها الأزهر الشريف وقام بمصادرتها ومنع نشرها ثم طفت على السطح مرة أخرى عام 1988م عندما حصل محفوظ على الجائزة التي ينظّمها اليهود «جائزة نوبل في الأدب»، ثم تُرجمت روايته إلى لغات عدة منها اللغة الإنجليزية، وقد وصفها بأنها الرواية التي تحطّم كل مقدس من الأديان والرسل والكتب السماوية والغيبيات؛ فقد وجدوا فيها ضالّتهم، وقد كُتبت بيد تنتمي إلى الإسلام ووّفرت عليهم شوطًا في مخططهم الرامي إلى حرب الإسلام وتسفيه الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام[11].
لم يكن هذا السبب الوحيد لنيل نجيب محفوظ الجائزة كما يرى بعض الباحثين، إنما بسبب موقفه من عملية السلام مع اليهود وتأثره بالفكر الغربي، وخاصة بفكر أمثال فرويد ومارس ودارون... كما ورد أنه صرّح قائلًا: «مفيش حاجة اسمها فلسطين.. هناك شعب إسرائيل المناضل منذ 200 عام لاسترجاع حقه»، هذا التصريح جعله مؤهّلًا من قبل اليهود بترشيحه لجائزة نوبل في الأدب[12].
لقد حقّقت روايات نجيب محفوظ مبتغى المستشرقين، فقد كتب عشرات المقالات حول رواياته من قبل المستشرقين واتخذوها مثالًا للفن الروائي العربي، وقد اهتموا بها على أنها امتداد لتأثّر العرب بالروايات الغربية، وأن لهم حق الوصاية على الروايات العربية من هذا المنطلق، فكأن الفن الروائي الغربي أبٌ للفن الروائي العربي.
لم تكن غاية الباحثة هنا روايات نجيب محفوظ بحد ذاتها، إنما بيان سبب اهتمام المستشرقين بها، والآراء التي دارت حول بداية الرواية العربيّة، وأن اهتمامهم لم يكن خالصًا علميًا للأدب، إنما يشوبه الرغبة في السيطرة الغربية، والدوافع الفكرية والدينية قد وجدت لنفسها مدخلًا من خلال رواياته.
غايات الاهتمام الغربي بالفن الروائي
اهتم الغرب بالفن الروائي لما له من قيمة ومكانة عالية؛ لأنه يحقّق ما لا يحقّقه فن آخر، حيث إنه يقدّم صورة متكاملة عن البيئة الاجتماعية والثقافية والتاريخية في العصر الذي تنتمي إليه، فمن الممكن أن تتم دراسة الشعوب من خلال رواياتهم، وهذا ما سيجده الباحث عند الحديث عن اهتمام بعض المستشرقين بالروايات العربية، حيث يشكّلون منها صورًا متكاملة عن الأحداث والمكان والزمان الذي تنتمي إليه الرواية.
يرى ميخائيل باختين أن «الرواية ككل ظاهرة متعددة الأسلوب واللسان والصوت، ويعثر المحلل فيها على بعض الوحدات الأسلوبية اللامتجانسة التي توجد أحيانًا على مستويات لسانية مختلفة وخاضعة لقواعد لسانية متعددة»[13]؛ ما يجعل للرواية العربية اهتمامًا كبيرًا لدى الغرب، فاهتموا بها بعد نضجها كما يرى بعض الباحثين، ومع أن بعض المهتمين المستشرقين لم يروا أن الرواية العربيّة وصلت مرحلة النضج أبدًا، إلا أنه كان لها وجود في كتاباتهم، وسيتضح هذا القول لاحقًا.
جاك بيرك (Jacques Berque 1328) والرواية العربيّة
يعدّ بيرك مستشرقًا فرنسيًّا ولد في الجزائر، وهو عالم اجتماع وإنثربولوجي، باحث في الإسلام وتاريخه، ومترجم للقرآن الكريم وللمعلّقات ولعدد كبير من النصوص الأدبية القديمة والحديثة إلى اللغة الفرنسية. وكانت له أعمال في الآداب العربية مثل: كتابة مقدمات للكتب؛ وكتقديمه لترجمة رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، وكتاب «أولاد السد» لمحمود السعدي من تونس، وترجمة رواية «دفنّا الماضي» لعبد الكريم غلاب من المغرب، وترجمة رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح من السودان، وترجمة رواية «عودة الطائر إلى البحر» لحليم بركات وأعمال شعرية لأدونيس، مثل «أغاني مهيار الدمشقي»، وغيرها من الروايات والقصائد[14].
يظهر من المقدّمات التي كتبها سعة اطلاعه على الرواية العربية والأدب العربي ككل، كما أنه تنوّع في اختياراته، فكتب مقدمات لشعراء كثر ومن دول مختلفة، وهذا يجعل للمستشرق رؤية استشراقية واسعة.
يمتلك بيرك نظرة في نشأة الرواية العربية تظهر في مقدمته لكتاب «تاريخ الأدب الروائي في مصر الحديثة» لندى خوميش، حيث يرى أن الغرب أمدّ مصر بنماذج عليا كان لها الأفضلية في تطور الرواية، وكما أنه لم يتحدث عن ظهور الرواية بل عن تحولات المكتوب الأدبي لا عن الكتابة الأدبية، لهذا يتحفّظ بالحديث عن رواية زينب بقوله: (أوّل رواية عربية أو تقريبًا)، كما أنّه لا يتحدّث عن كيفيّة تشكل جنس الرواية؛ لأنه ينكر أن يكون لها أي امتداد للمحكيّات العربيّة القديمة[15].
ظهرت نظرة بيرك للرواية العربيّة المتحيزة للغرب من حديثه، على الرغم من تقديمه لعدد من الروايات المترجمة، إلا أنه يجدها ممتدة من تجارب الغرب السابقة، وتجاوز الحديث عن نشأة الرواية العربيّة؛ لأنه يرى أن لا وجود لها ضمن ثقافتها، إنما اعتمدت على الثقافة الغربية التي جاءت من الروايات الغربية، فيبدو أن نظرته جاءت تحت سلطة الاستشراق، فينظر للرواية من منظور غربي، وهي -كما يرى- امتداد للتأثر بروايات الغرب ولم تكن امتدادًا أو تطوّرًا للأدب العربي القديم أبدًا، وهذا أوّل الكلام.
أندريه ميكال (Andre Miquel) والرواية العربيّة
يعدّ ميكال من المستشرقين الذين اهتمّوا بالثقافة العربية؛ تاريخها، ونثرها، وشعرها، فمن اهتماماته ترجمة كتاب ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية، وكذلك كليلة ودمنة، وكان له اهتمام كبير بالرواية وتطوّرها، وقد كتب مقالين يتحدّث خلالهما عن الرواية العربية، منها مقاله «الرواية العربية المعاصرة» يعبّر خلاله عن رأيه في كيفية تطور الرواية بقوله: «تفجير النثر -بالمعنى الأدبي للمصطلح- تحويله من مجرد التغريم الخلّاب إلى التعبير، من مجرد المتعة الذاتية للتلاوة التي تحلّ محلّ الإنشاء في الشعر إلى التشابك المتعمّد على حدّ تعبير «ماسينيون» إلى المقال الممتدّ على خط متتال ومتطوّر، هذا هو التطوّر الذي حدث مع الرواية الحديثة»[16]، وفي مقاله يتعمّق في الحديث حول الرواية العربية، ويثير فيها موضوعات، مثل استخدام اللغة الفصيحة والعامية في الرواية، معبرًا عن رأيه، قائلًا: «نرى إذن صعوبة الاختيار، فإما أن يتم البحث عن تلاؤم الرواية مع الشعب وتعبيراته على مستوى لغة الناس، وهنا نقطع هؤلاء الناس عن ثقافتهم، وإما أن يتم البحث عن تلاؤمها مع ثقافتهم ذاتها، وهنا نعزلهم عن تعبيراتهم»[17].
يعدّ رأي ميكال هنا حكمًا، فتولّى أمر الحديث عن لغة الناس وتعبيراتهم وثقافتهم، وأن الكاتب عليه أن يختار بين اللغة المحكيّة واللغة الفصيحة، وفي كلتا الحالتين يكون الكاتب متعسّفًا، ففي الحالة الأولى يظلم اللغة السليمة، وفي الحالة الثانية يظلم الشعب القارئ، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الروايات المحكية باللغتين الفصيحة والعامية تحقّق أهدافًا أخرى تتعلّق بموضوعات الروايات والفئة المستهدفة منها، وغايتها غالبًا التقرّب من الواقع، وهذا الأمر لا يجعل الرواية ذات مستوى متدنٍ، فكل رواية لها هدفها وتسعى لتحقيقه بوسائل مختلفة، كما أن الروايات التي تتحدّث بلغة سليمة فقط، لا تبتعد عن واقع الناس، إنما تصل إلى فئة محددة تفهم غايتها وهدفها.
كما ترى ميكال في موقع آخر من المقال يتحدث حول تطور الرواية العربية واختلافها عما سبقها بعدم اهتمامها بالمحسّنات الصوتية، ويستدلّ من خلال ذلك على أن الرواية جنس نشأ دون أي عون وراءه، ويُقصد هنا بالعون أي الأجناس العربية السابقة؛ لأنه في موضع آخر يعترف بفضل الغرب على الرواية العربية، فيرى أن للمدرسة الفرنسية دورًا مهمًّا في تكوين الرواية الحديثة[18].
وترى سليمة لوكام في دراستها «رؤية استشراقية فرنسية للرواية العربية» أن المقالة ركزت في جوهرها على أهمية العلاقة بين العرب والغرب في مسألة الإنتاج الأدبي الروائي، وبتثبيت الحضور الأجنبي والفرنسي تحديدًا في ظهور الرواية، وتجد كلام ميكال يشف عن نوع من الوصاية أو بشيء من التعالي المركزي الأوروبي الذي يقيم مسافة بينه وبين الشرق[19].
إن مقال ميكال السابق يتناول الرواية العربية بشكل عام، ومن ثمَّ التعمق في قراءة الرواية العربية، ويتّضح هذا من خلال الاطلاع على مقاله «الفن الروائي عند نجيب محفوظ»؛ فيتناول خلاله روايات نجيب محفوظ، ويدرسها دراسة نقدية؛ ليبيّن مواطن التطور الحاصل عند نجيب محفوظ في رواياته، كما يتعرّض في دراسته للمكان والشخصيات والزمان، وارتباط الشخصيات بالزمان، وما هو تأثير المكان ودوره في روايات محفوظ، ويقيم حججًا للتوصل إلى دلالات تشير إليها الأماكن والشخصيات المتعددة (التاجر والطالب وغيره) والأزمنة، هو لا يعرضها فحسب؛ إنما يقيم دراسة نقدية نابعة عن وعي وتمكّن، كما أنه يربط بين رواياته المتعددة التي درسها من خلال الأمكنة المشتركة، وكذلك الشخصيات والرموز التي تصل إليها من خلالها. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التناقض الذي نشاهده في رأي ميكال، فمن جهة نرى أنّه لا يعتبر الرواية العربية إلّا رواية مستمدّة من روايات الغرب، ومن جهة أخرى يدرس الروايات العربية بتعمق كبير ويشير إلى تطورها، كما حدث عند دراسته لروايات نجيب محفوظ.
إن دراسة ميكال توضح مدى اهتمام المستشرقين بالرواية العربية، فترى أحدهم درسها وتعمق بها من أجل الوصول إلى غاياته التي استطاع تحقيقها، وهي الحكم على الجنس الأدبي العربي الروائي من خلال دراسته المعمقة، فاستطاع من خلالها الوصول إلى تاريخ وحضارة الأمة والشعب المصري، وتصوّر كل ما يمكن تصوّره، واعتبرها مرآة للزمان والمكان والشخصيات والمجتمع المعاش.
ويظهر أن الحكم على العمل العربي كذلك الروائي يتضح من خلال حديث ميكال في مقاله، بقوله: «إن رواية نجيب محفوظ تقدم دون جدل للأدب العربي الحديث صوتًا جديدًا من خلال أبعادها، ومن تلك المقدرة الممتعة على الكتابة التي يحس بها المرء عند مؤلفها الذي حرر الأدب العربي في هذا المجال من دورانه فقط في المحور القصصي (الفن السردي)، لقد أنهت أعمال نجيب محفوظ بنجاح عصر المحاكاة والتقليد الذي كانت الرواية العربية متعلقة خلاله تعلّقًا غير محمود بهياكل تقليدية محلية أو أجنبية...»[20] إن هذا الرأي منطلق من مرجعية استشراقية متعالية، أعطت نفسها الوصاية على الأدب العربي من خلال إصدار الأحكام الخاصة بها.
الرواية العربية عند روجر ألن (Roger Allen 1957)
هو مستشرق بريطاني مولود عام 1942م في يورن ديفون الحاصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة أكسفورد في بريطانيا عام 1968م، اهتم بالأدب العربي، عمل مدرسًا للأدب العربي في الجامعات البريطانية ثم عمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وكتب في جامعة بنسلفانيا أول دراسة له بعنوان: حديث عيسى بن هشام للمويلحي، دراسة عصر في ظل الاحتلال البريطاني الصادرة عن دار نشر جامعة نيويورك عام 1974م[21].
وتعمّق المستشرق البريطاني روجر ألن في دراسة الرواية العربية، فإن كان أندريه ميكال درس روايات نجيب محفوظ، فقد درس ألن روايات متنوعة في الموضوعات لكُتّاب متعدّدين.
إن أبرز ما يشير إلى اهتمام المستشرق ألن بالرواية العربية أنه أفرد لها كتابًا بعنوان: «الرواية العربية، مقدمة تاريخية ونقدية»، نستطيع من خلال الاطلاع عليه التعرف على كيفية تناول ألن الرواية العربية، ومدى اهتمامه بها، ونظرته الاستشراقية وإنصافه لها، كما ظهرت لألن ترجمات روايات عربية عدة للغة الإنجليزية، منها: ترجمة رواية «خان الخليلي» لنجيب محفوظ، كما ترجم رواية «حكايتي شرح يطول» للأديب المغربي سالم حميش...
يقول ألن في مقدمة كتابه حول الرواية إنها: «نمط أدبي دائم التحول والتبدل يتّسم بالقلق، بحيث لا يستقر على حال»[22]، وله رأي في الرواية العربية وتطوّرها يتضح في قوله: «سواء أرغب الكتاب الغربيون في الاعتراف بوجود تقاليد قصصية مكتوبة بالعربية أم لم يرغبوا، فإنه لا بد من التأكيد بأن الرواية كنمط أدبي قد بلغت درجة من الحيوية والقوة والتأثير في الأقطار العربية لم تبلغها من قبل قط، ولقد شهدت العقود الأخيرة زيادة ملحوظة في عدد الروايات المطبوعة بالعربية، وفي عدد أساليب النثر ودور النشر، وهذه الزيادة في فرص النشر هي المسؤولة إلى حد كبير عن ذلك التزايد في عدد الأدباء الذين يكتبون الرواية بشكل خاص... هكذا بلغ التنوّع في الرواية العربية أقصى مدى يبلغه حتى الآن...[23]
إن ما جاء به يوضح للباحث وجهًا آخر للاستشراق، أي ربما وقعنا تحت رحمة استشراق منصف، فيضيف أن الرواية العربية لها خصوصيتها التي لا تنتمي إلى الرواية الغربية. ومن الأمور التي أثارها ألن في لغة الرواية هي الكتابة باللهجة الفصحى والعامية، فيرى أن هذه مسؤولية تقع على الكاتب، وذلك بأن يختار اللغة التي ينوي استعمالها في رواياته، ويتبع الاختيار تبرير لسبب اختيار اللغة العامية أم الفصحى إذا أصبح روائيًّا مشهورًا[24].
تعمّق ألن في حديثه حول الرواية العربية في كتابه، وقد أفرد فصلًا يتحدث فيه عن تطوّر الرواية ويرى أنها جاءت نتيجة المواجهة والالتقاء بين كلّ من الغرب بعلومه وثقافته من جهة وبين إعادة اكتشاف وإحياء التراث الكلاسيكي العظيم للثقافة العربية الإسلامية...، أما من الناحية الأدبية فإنّ زيادة الصلات مع الغرب وظهور تقاليد عربية حديثة خاصة بالقصة العربية أدى إلى إعادة إحياء الإرث العربية الكلاسيكي[25]، وبهذا يتضح رأي ألن أن تطوّر الرواية العربية ونشأتها لا يعتمد على الرواية الغربية فقط، إنما هو مزيج من التأثر بالغرب وتطور ما كان عند العرب من تراث وأدب، أما الرأي القائل أن الرواية استمدت من التقاليد الإسلامية، فترى الباحثة أنه رأي غير صائب؛ لأنه يخالف التراث الإسلامي غالبًا، وإن كان مستمدًا من التراث العربي في أساليبه، إلا أنه لا يتفق مع الموضوعات الإسلامية.
ومن الأمثلة التي أثارها ألن وكان لها دور في تطور فن الرواية عند العرب «أدب المقامة»، فهو نمط سردي لفت الأنظار، حيث يتألف من حكاية سردية عن حياة المشردين، ويقدّم من خلال الأسلوب تعليقات حول الأمور الاجتماعية والتنوير الأخلاقي واستخدمت أسلوب الحوار، وقد اعتبر ألن هذا النمط النثري جاهزًا لاستعماله من قبل الكتاب لا سيّما في مجال اللغة والأسلوب ومعالجة المسائل الاجتماعية المطروحة، ثم يعود في موقع آخر ليشير إلى حديث عيسى بن هشام للمويلحي، وقد اعتبره معلمًا واضحًا على طريق تطور الرواية العربية وهو العمل الذي يمثل نقطة الانتقال من المرحلة الأولى (الترجمة والتقليد والاقتباس) إلى المرحلة الثانية (الإبداع والتجريب) كما في عمل زينب لمحمد حسين هيكل[26].
يبدو أن ألن وجد ما يملكه الأدب العربي يمكنهم من التطور وتشكيل فن جديد بالاعتماد على ثقافته وتراثه، فيمكن للفنون النثرية مع تطور الوقت والعمل على التبديل والتغيير أن تصل إلى الرواية الناضجة دون اللجوء إلى الغرب، أو دون النظر إلى الأمور من مركزية غربية، حتى وإن تأثر بما اطلع عليه من الغرب، إلا أنه لن يعتمد عليه في تطوره اعتمادًا كاملًا.
يلتقي ألن مع النقّاد الذين قالوا باحتواء الرواية على الجذر الملحمي وباشتمالها على عدة أجناس تعبيرية، واحتوائها على تداخل لغات وأصوات، وحاول التوفيق بين الحضارة الغربية والحضارة المنتجة للرواية والحضارة العربية، كما أنه حاول رصد فن الرواية بشكل موجز منذ بدايته في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر حتى بلوغه الحظوة الفنية على يد محمد حسين هيكل، ثم بلوغه النضج الفني منتصف القرن العشرين في مصر...، وقد وضع تطوّر الرواية في ثلاث مراحل كما رآها، وهي:
مرحلة البدايات الأولى المرتبطة بالنهضة العربية الحديثة.
1. مرحلة المحاولات القصصية المبكرة في فترة ما بين الحربين العالميتين (1918-1939م).
2. مرحلة النضج بين عام 1939م حتى حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل 1988م[27].
يلحظ الباحث في تصنيف ألن لمراحل تطور الرواية العربية أن الرواية في مرحلة النضج لديه وصلت إلى جنس أدبي قادر على القيام بوظيفته الاجتماعية والأخلاقية، قبل روايات نجيب محفوظ وحصوله على جائزة نوبل، وأن جائزة نوبل لم تحدد وقت نضج الرواية العربية، إنما كانت سببًا في التنبّه لها من قبل المستشرقين، ويبقى السؤال حائرًا، مع اهتمام المستشرقين بالآداب العربية ما الذي جعلهم يغفلون عن الرواية العربية قبل نيل نجيب محفوظ الجائزة؟
لم يهتم ألن بتطور الرواية العربية فقط من خلال دراسة الرواية، إنما تعمق في دراسة الظروف المحيطة التي من شأنها أن تؤثّر في تطور فن الرواية، في بلاد مختلفة، كل على حدة؛ لأن كل بلد لها ظروفها المختلفة؛ منها: سوريا ولبنان والعراق والخليج العربي والمغرب وفلسطين ومصر.
بعد أن تعمّق ألن في دراسة الظروف المؤثّرة في تطور الروايات العربية استطاع أن يحدّد الموضوعات التي كتبت فيها الرواية العربية، كما أن هذه الإحصائية دالة على سعة اطلاعه وشموليته، وهي:
أ. الصراع والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي الغاصب، لا سيّما مع الروائيين الفلسطينيين، مثال: غسان كنفاني في رواية «رجال في الشمس».
ب. الحرب الأهلية اللبنانية، إلياس خوري في «الجبل الصغير».
ج. الثورة والاستقلال والتحرر، نجيب محفوظ في «الثلاثية».
د. إشكالية العلاقة مع الغرب، لا سيما في مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار، الطيب صالح السوداني في «موسم الهجرة إلى الشمال».
هـ. التحولات الاجتماعية بعد استثمار النفط، روايات الروائي السعودي عبد الرحمن منيف «الروايات» و»سباق المسافات الطويلة».
و. العلاقة بين الريف والمدينة؛ رواية «البدر والأرض» للروائي العراقي دو النون أيوب عام 1948، وفي مصر عبد الرحمن الشرقاوي في روايته «الأرض».
ز. المرأة ودورها الاجتماعي، «ذات الخدر» «زينب» «سارة».
ر. الفرد والحرية، «السجن» لنبيل سليمان[28].
إن الموضوعات التي صنّفها ألن لها ارتباط بالبيئة التي ظهرت فيها الروايات؛ فهي تعبّر عن معاناة المجتمعات والشعوب وحالها، وهذا ما جعله يتنبّه لدراسة الظروف المؤثّرة، فالمطّلع عليها يستطيع التعرّف على أهم الأحداث التي ظهرت عند العرب وعند كل شعب من الشعوب، فمن خلال الموضوعات والروايات استطاع ألن أن يكشف عن كل ما يجول في عقل العربي؛ لأن الرواية كما شهدنا هي عبارة عن انعكاس مجتمعي، وما أفراد الرواية وشخصياتها وزمانها ومكانها إلا وقائع حقيقية استطاع من خلالها الاستشراق التعرف على الماضي والتاريخ والأحداث التي تعتري البيئة العربية.
هذه الموضوعات تجعل المستشرق يعيد النظر في فكرة التأثر بالرواية الغربية، فمن هنا يظهر أن الظروف الاجتماعية هي التي خلقت هذا النوع من الإبداع؛ ليكون قادرًا على احتواء ما تحتاجه الشعوب.
قام ألن باختيار اثنتي عشرة رواية كنماذج للتحليل، ورأى أن الرواية قادرة على الكشف عن تعقيدات الحياة في مجتمع ما، والنماذج التي اختارها كلها منشورة بعد حرب حزيران عام 1967م، وقد أثارت جدلًا في طريقة الحياة التي يحياها المجتمع العربي، وبرأي الباحثة أن اختياراته هنا لها غرض استشراقي بحت، وهو تشكيل نظرة متكاملة حول المجتمع والبيئة العربية، ومعرفة الأحداث التي يعيشها العربي، ومن اختياراته المنتقاة:
ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ (علاقة الفن بالواقع).
ما تبقى لكم لغسان كنفاني (مأساة أسرة فلسطينية نازحة).
عودة الطائر إلى البحر لحليم بركات (تأثير هزيمة حزيران).
موسم الهجرة غلة الشمال للطيب صالح (التقاء الغرب والشرق وتناقضهما).
أيام الإنسان السبعة لعبد الحليم قاسم.
السفينة لجبرا إبراهيم جبرا.
رباعية اسماعيل فهد اسماعيل (كانت السماء زرقاء/ المستنقعات الضوئية/ الحبل/ الضفاف الأخرى).
الزيني بركات لجما الغيطاني.
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النمس المتسائل لأميل حبيبي.
النهايات لعبد الرحمن منيف.
حكاية زهرة لحنان الشيخ.
نزيف الحجر لإبراهيم الكوني[29].
يعالج ألن في عرضه الروايات البعد الزماني والمكاني والشخصيات الرئيسة وغيرها، كما يعمد على تحليل الأحداث والحديث عن اللهجة المستخدمة، والحديث حول حبكة الرواية والرمزية المستخدمة فيها، كما أنه يشكل تصوّرًا في ذهنه حول تفكير الكاتب ويبدي رأيه، ويصدر حكمه أحيانًا، فهو يقدّم بذلك دراسة نقدية متكاملة حول كل رواية من الروايات.
إن تعمّق ألن في دراسة الرواية العربية دراسة عميقة وواعية، فيها نظرة موضوعية بعيدة عن ظلم الأدب الأدبي، فقد كانت تتجه نحو العلمية، كما تجدها مرجعًا مميّزًا يمكن العودة إليه للاستفادة حول كل ما قيل في الرواية العربية.
ربما كان توجه ألن لدراسة الرواية العربية من مبدأ استشراقي، إلا أن ما وجده خلال دراسته جعله يتيقّن أن الأدب العربي قادر على خلق فن أدبي جديد دون الاتكاء على فنون الشعوب الأخرى، وأن ما لمسه في روايات الأدباء، والظروف التي تعرف إليها؛ جعلته يتيقّن أن المأساة العربية سببًا كافيًا لنشأة فن الرواية وتطوره ووصوله مرحلة النضج، فقد احتاجه المجتمع، والفن للمجتمع.
لا بدّ من الإشارة في النهاية إلى أن الدراسات الاستشراقية تؤدي خدمة للشرق أحيانًا كما تقدّمها للغرب، وهي معرفة الشرقي للدراسات والمباحث الشرقية المتنوّعة، فهي تحقّق المفهوم العام للاستشراق، وهو «الدراسات والمباحث التي قام بها الغربيون لمعرفة الشرق من جميع جوانبه»[30].
الخاتمة
تناول المستشرقون الثلاثة الرواية العربية يحمل مواطن من التشابه والاختلاف، ويمكن من خلال ما أوردناه رصد مواطن التشابه ومواضع الاختلاف بين كل منهم، وهي:
مواطن التشابه: إن مواطن التشابه تظهر عند كل من بيرك وميكال أكثر منها عند ألن، وذلك أن بيرك وميكال ينطلقان من منطلق استشراق فرنسي، ويركّزان على الدور الغربي في تطور الرواية العربية مع إغفال أن يكون للتراث العربي دور في التطور الروائي، وعلى أن الفضل يعود للرواية الغربية في تطور الرواية العربية أوّلًا وأخيرًا، كما أن المستشرقيْن تكلّموا بمبدأ متعال، وهو مبدأ الوصاية الغربية على الأدب العربي، ولم يجد كل من (بيرك وميكال) أن فن الرواية العربي وصل إلى مرحلة النضج التي وصل إليها فن الرواية الغربي، فقد وصفها بيرك بـ(الإبداع الأدبي النثري) وميكال بـ(الإنتاج الأدبي الروائي).
مواطن الاختلاف: ترى الباحثة أن مواطن الاختلاف ظهرت بين بيرك وميكال من جهة وبين ألن من جهة أخرى، فبخلاف ما رأى بيرك وميكال رأى ألن أنّ الفن الروائي فنّ ناضج بلغ درجة من القوة والحيوية والتأثير، كما أنه لم يغفل دور التراث في تطور الرواية، بل سار للبحث عن الأمور التي أدت إلى تطور الرواية في كل مكان على حدة، وتحدث عن تأثير الظروف في تشكيل موضوعات مختلفة تطرقت لها الرواية، كما أن ألن لم يتحدث بنبرة استشراقية متعالية لها سيطرة وسطوة؛ إنما نزل إلى عمق النصوص وعبّر عن رأيه من خلالها.
لائحة المصادر والمراجع
ألن، روجر (1997م)، الرواية العربية (حصة ابراهيم منيف، مترجم)، المجلس الأعلى للثقافة.
باختين، ميخائيل (1987م)، الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات.
درويش، أحمد (1997م)، الاستشراق الفرنسي والأدب العربي المعاصر، (مقالة أندريه ميكيل: الفن الروائي عند نجيب محفوظ)، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
سعيد، إدوارد (2006م)، الاستشراق - المفاهيم الغربية للشرق، دار رؤية للنشر والتوزيع.
أبو زيد، أحمد (2019م)، الهجوم على الإسلام في الروايات الأدبية، دعوة الحق – رابطة العالم الإسلامي، العدد (145).
الحاج، ساسي سالم (2002)، نقد الخطاب الاستشراقي- الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية، دار المدار الإسلامي.
خربوش، عبد الرؤوف (2017م)، دور المستشرقين الفرنسيين في نقل الأدب والثقافة العربية إلى الغرب. https://www.noor-book.com/
عابد، توفيق (2012م)، كشف المستور في الرواية العربية والاستشراق. www.darfikir.com
لوكام، سليمة (2019م)، رؤية استشراقية فرنسية للرواية العربية بين جاك بيرك وأندريه ميكال، دراسات استشراقية، العدد (19).
مرادي، محمد هادي ومونسى، آزاد وقادري، قادر وخاكيور، رحيم (1991م)، لمحة عن ظهور الرواية العربية وتطورها، دراسات الأدب المعاصر-السنة الرابعة، العدد (16).
المطبقاني، مازن صلاح (2013م)، ملخص محاضرة الأدب العربي الحديث في الكتابات الاستشراقية المعاصرة، نادي جيزان الأدب، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 25-ابريل، العدد (7).
منصوري، كريمة وعباد، إيمان (2016/ 2017م)، أصل نشوء الرواية العربية – بحث موازن لآراء الدارسين العرب. أطروحة ماجستير، جامعة الشهيد حمة لخضر الوادي، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبي.
النملة، علي بن ابراهيم (1993م)، كتاب الإستشراق في الأدبيات العربية عرض النظرات وحصر وراقي للمكتوب.
ياسين، علي محمد (2019م)، نقد الرواية العربية من منظور الاستشراق (روجر ألن مثالًا)، جامعة كربلاء-كلية العلوم الإنسانية، دراسات استشراقية، العدد (19).
يقطين، سعيد (2005م)، الرواية العربية من التراث إلى العصر (من أجل رواية تفاعلية عربية).
http://saidbengrad.free.fr/al/n20/pdf/3-20.pdf
-------------------------------------------
[1](*)- باحثة من الأردن، جامعة اليرموك الأردنية، تخصّص الأدب العربي ونقده.
[2]النملة، علي بن ابراهيم (1993م): كتاب الاستشراق في الأدبيات العربية عرض النظرات وحصر ورقي للمكتوب.
[3]- انظر: سعيد، إدوارد (2006م): الاستشراق- المفاهيم الغربية للشرق، ص44.
[4]- انظر: منصوري، كريمة وعباد، إيمان (2016-2017م): أصل نشوء الرواية العربية -بحث موازن لآراء الدارسين العرب، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية-، جامعة الشهيد حمة لخضر الوادي، (33-34).
[5]- انظر: ياسين، علي محمد (2019م): نقد الرواية العربية من منظور الاستشراق ( روجر ألن مثالًا)، ص178، بتصرف.
[6]- مرادي، محمد هادي ومونسى، آزاد وقادري، قادر وخاكيور، رحيم: لمحة عن ظهور الرواية العربية وتطورها، ص107.
[7]- يقطين، سعيد: الرواية العربية من التراث إلى العصر (من أجل رواية تفاعلية عربية)، ص46.
[8]- انظر: خربوش، عبد الرؤوف: دور المستشرقين الفرنسيين في نقل الأدب والثقافة، ص20.
https://www.noor-book.com/
[9]- درويش، أحمد (1997م): الاستشراق الفرنسي والأدب العربي المعاصر، (مقالة أندريه ميكيل: الفن الروائي عند نجيب محفوظ)، ص159.
[10]- المطبقاني، مازن صلاح (ابريل-2013م): ملخص محاضرة الأدب العربي الحديث في الكتابات الاستشراقية المعاصرة.
[11]- انظر: أبو زيد، أحمد: الهجوم على الإسلام في الروايات الأدبية، ص7-8.
[12]- انظر: عابد، توفيق (2012م): كشف المستور في الرواية العربية والاستشراق. www.darfikir.com
[13]- باختين، ميخائيل (1987م): الخطاب الروائي، ص38.
[14]- لوكام، سليمة: رؤية استشراقية فرنسية للرواية العربية بين جاك بيرك وأندريه ميكال، ص152.
[15]- انظر: لوكام، سليمة، م.س، ص156-157.
[16]- درويش، أحمد (1997م): الاستشراق الفرنسي والأدب العربي المعاصر، ص133.
[17]- م.ن، ص133.
[18]- انظر: الاستشراق الفرنسي والأدب العربي المعاصر، م.س، ص133-134.
[19]- انظر: لوكام، سليمة: رؤية ستشراقية فرنسية، م.س، ص159-160.
[20]- الاستشراق الفرنسي والأدب العربي المعاصر، م.س، ص159.
[21]- انظر: ياسين، علي محمد (2019م): نقد الرواية العربية من منظور الاستشراق (روجر ألن مثالًا)، ص175.
[22]- ألن، روجر(1997م): الرواية العربية، مقدمة الكتاب.
[23]- م.ن، ص29.
[24]- انظر: م.ن، ص64.
[25]- انظر: الرواية العربية، م.س، ص31-32.
[26]- انظر: م.ن، ص58.
[27]- انظر: ياسين، علي: نقد الرواية العربية، م.س، ص181 و183.
[28]- انظر: نقد الرواية العربية، م.س، ص184-185
[29]- انظر: الرواية العربية، م.س، ص125-326.
[30]- الحاج، ساسي، سالم (2002): نقد الخطاب الاستشراقي- الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية، ج1، ص22.