البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الأهداف الاستعماريّة للاستشراق الفرنسي في الجزائر

الباحث :  محمد تونسي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  41
السنة :  شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 28 / 2024
عدد زيارات البحث :  120
تحميل  ( 580.308 KB )
الملخّص
يلاحظ المتتبِّع لتطور الاستشراق الفرنسي حول الجزائر أن البدايات الأولى كانت مع الاحتلال، فلم تتضمن الحملة الفرنسية على الجزائر الجنود فقط، بل عملت على استقدام المترجمين والقساوسة والكتّاب المهتمّين بحياة الشرق. وبعد توسع الاحتلال جرى تشكيل اللجان العلمية وتكليف المستشرقين التعرُّف على مكونات حياة المجتمع الجزائري بعُرْبه وأمازيغه ودينه الإسلامي، ومعرفة مكوّنه اللغوي والتاريخي، والآثار والعادات والتقاليد وبنيته الفكرية من آداب وتصوف وثقافة شعبيّة. ولهذه الغاية كُتِبَت دراسات وأبحاث استشراقية مكثّفة وأنشئت المعاهد والمجلات والجمعيات لتعزيز البحث الاستشراقي. والأكيد أن كل تلك الدراسات لم تكن للتعارف ولإرضاء الفضول، وإلا لكانت وفود المستشرقين زارت الجزائر قبل الاحتلال، كما لم تكن تلك الدراسات الاستشراقيّة تهدف إلى جلب التحضّر للمجتمع الجزائري، كما يدّعي المستشرقون؛ لأن الجزائريين عاشوا الإبادة والظلم والعنصرية طيلة التواجد الفرنسي لأكثر من قرن وثلاثين عامًا. والواضح أن المستعمِر لم يجلب جيشًا من المستشرقين وينشئ المؤسسات الاستشراقية إلا لخدمة مصالحه وتكريس الاحتلال بكل أشكاله، فالاستعمار الفرنسي في الجزائر هو استعمار من طبيعة استيطانية، وقد عمل على محو مقومات هوية المجتمع الجزائري، وهذا ما تطلّب إزاحة العقبات الفكرية والإيديولوجية التي تحول دون تحقيق ذلك، كل هذا يثير إشكالية العلاقة بين المعرفة الاستشراقية والسلطة الاستعمارية، وكيف خدم الاستشراق الفرنسي الأطروحات الاستعمارية بالجزائر، وساعد الإدارة الاستعمارية على تحقيق أهدافها.

كلمات مفتاحية
الاستشراق الفرنسي، الجزائر، الاستعمار، الحملة الفرنسية، سيلفستر دي ساسي، الأمازيغية، المدارس، إدموند دوتي.

المعرفة الاستشراقية والسلطة الاستعمارية
المستشرقون في خدمة الاستعمار: لقد قدّم الاستشراق مادّة معرفيّة كبيرة حول الشرق في شتّى الجوانب، السياسيّة والفكريّة والدينيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، وتميّز بعض المستشرقين بمعرفتهم بقيمة الشرق والحضارة الإسلامية وما قدَّمته من مساهمات للإنسانيّة في مجالات شتّى من علوم وآداب وفلسفة وفنون، وأبدوا احترامهم للإسلام وللثقافة الشرقيّة، ضدّ العنصريّة والنظرة الدونية للشرق وعارضوا الظلم الاستعماري. بالمقابل تورّط الكثير من المستشرقين في التماهي مع الأطروحات الاستعمارية، فكانوا خادمين أوفياء للإمبريالية، بدعوى جلب التحضّر للمستعمرات، كان يدّعي معظم المستشرقين في القرن التاسع عشر أنهم يكرّسون أعمالهم لمجرّد السعي غير المنحاز إلى الحقيقة الموضوعية، وليسوا منحازين لصنّاع القرار السياسي، لكن كتاباتهم كانت تشير إلى عكس ذلك. وقد انتقد إدوارد سعيد الاستشراق، ورأى أنه معرفة مفيدة لصالح أوروبا وليس لصالح الشرق، حيث قال: «يستطيع المستشرق أن يحاكي الشرق دون أن يكون العكس صحيحًا، وهكذا فإن ما يقوله عن الشرق يجب أن يُفهَم على أنه وصف حصل عليه في تبادل يسير في اتجاه واحد، فكانوا هم يقولون ويفعلون، وهو يراقب ويكتب، وكانت سلطته تكمن في قدرته على أن يعيش بينهم مثل أبناء اللغة نفسها تقريبًا، وأن يكتب ما يكتبه سرًّا، وكان المقصود بما يكتبه أن يصبح معرفة مفيدة، لا لمن يكتب عنهم بل لأوروبا ولشتى مؤسسات النشر فيها»[2].

الروابط بين المستشرقين والساسة: لقد كانت هناك روابط قوية بين الاستشراق ومراكز القرار السياسي، حيث أدرك قادة الاستعمار الدور الكبير للاستشراق في خدمة الاستعمار والإمبريالية، فالمستعمِر لا يستطيع أن يغزو دون جمع معلومات عن البلدان المستهدفة، ولا يستطيع بسط سيطرته وقمع المقاومة دون فهم لتركيبة سكان المستعمرات الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك تفكيرهم ومعتقداتهم، والمستشرقون الذي حلوا بالمستعمرات غالبًا ما كانوا مدعومين سياسيًا ومحميّين عسكريًّا، ويحملون معهم تكاليف رسمية لأداء مهامهم، وقد كانوا يحظون بمكافآت وأوسمة، وتُنشر كتاباتهم على نفقة الدولة، وقد قدّموا خدمات كبيرة للمستعمر، حيث كانوا يرسلون التقارير تباعًا للقيادة الاستعمارية لكي تتصرّف على ضوئها، وكانت تتخلّل كتاباتهم الاستشراقية توصيات لفائدة الإدارة الاستعمارية، وتحذيرات من المناطق أو القبائل الرافضة للتواجد الاستعماري، ويسعون للتقرّب من للأعيان المؤثّرين وشيوخ الطرق الصوفية ومحاولة استمالتهم لصالح المستعمر، لقد كان المستشرقون بمثابة كتائب استطلاع للاستعمار، وعملوا على إزاحة العقبات الإيديولوجية والفكرية والنفسية التي تحوْل دون سيطرة المستعمر، أشار إدوارد سعيد إلى الرابطة القوية بين الاستشراق وبين القوى الاستعمارية بقوله: «أنا أعتقد شخصيًّا أن القيمة الكبرى للاستشراق تكمن في كونه دليلًا على السيطرة الأوروبيّة الأمريكيّة على الشرق أكثر من كونه خطابًا صادقًا حول الشرق، وهو ما يزعمه الاستشراق في صورته الأكاديميّة أو البحثيّة، ومع ذلك فعلينا أن نحاول إدراك ما يتّسم به خطاب الاستشراق من قوّة متماسكة متلاحمة الوشائج والروابط الوثيقة، إلى أبعد حدّ، بينه وبين المؤسسات السياسية والاقتصادية الاجتماعية التي تمنحه القوة، وقدرته الفائقة على الاستمرار»[3].

الاستشراق الفرنسي وتحيّزه العرقي: كان الاستعمار الأوروبي وخاصة الفرنسي مبنيًّا على نظرة عرقية، فوفق إيمانهم بالانتقاء الطبيعي، فإن الصفات البيولوجية الفطرية المتفوِّقة للعنصر الأبيض تؤهّله أن يتسيّد العالم ويقوده؛ لأن سكان أفريقيا وآسيا ينتمون إلى أعراق متخلّفة بيولوجيًا -حسب زعمهم- وأقلّ ذكاءً من العرق الأبيض، وليس لها القدرة الكافية على إقامة حضارة، لقد سلّم الكثير من المستشرقين بتفوّق الحضارة الغربية وحق الأوروبيّين في حكم الأسيويين والأفارقة، كانت هذه الادعاءات متغلغلة في الثقافة الأوروبية في القرن التاسع عشر، وشجّعت على تبرير الحملات الاستعمارية؛ حيث إنّ الأوروبيّين البيض المتحضّرين عليهم واجب ممارسة وصاية حازمة -حسب زعمهم- على الأعراق ذوي البشرة الداكنة الأقل تقدّمًا والعمل إرشادهم إلى الحضارة[4]، كثيرًا ما كان الفرنسيون يتكلّمون عن الرسالة الحضارية (Mission civilisatrice) الفريدة لبلادهم، التي بمقتضاها يتمّ غرس قيم النهضة والتنوير في المستعمرات، أو كما قال المستشرق والموظّف الاستعماري الفرنسي أرنيست ميرسييه (ERNEST MERCIER) عن السكان الجزائريين: «السكان الأصليون بحاجة إلى أن يحكموا، إنهم أطفال كبار لا يستطيعون أن يقودوا أنفسهم، يجب أن نقودهم بحزم وألا نتسامح مع أيٍّ منهم، ونقمع المتآمرين والمحرّضين على العصيان، وفي الوقت نفسه علينا حمايتهم وتوجيههم بأبوية، وخصوصًا أن نؤثّر عليهم بالقدوة الدائمة لتفوّقنا الأخلاقي»[5]. هذا يبيّن لغة الوصاية وأفكار الهيمنة والعنصرية التي كانت متفشّية لدى كثيرين في أوساط النخب الفرنسية والأوروبية. رأى إدوارد سعيد أن الاستشراق يمثّل جانبًا من جوانب الإمبريالية والاستعمار، فالكتابات الاستشراقية تتخلّلها أفكار التفوّق الأوروبي وشتّى ألوان العنصرية والإمبريالية والأفكار المتصلّبة عن «الشرقي بصفته لونًا من ألوان التجريد المثالي الذي لا يتغير... كان المستشرق الحديث يرى نفسه بطلًا ينقذ الشرق من العتمة والاغتراب والغرابة»[6] .

قدّم أستاذ التاريخ الحديث للشرق الأوسط في جامعة نيويورك زكاري لوكمان (Zachary Lokman) مثالًا على العلاقة الوثيقة بين المعرفة الاستشراقية والسلطة الاستعمارية، وذلك في توظيف الباحثين الفرنسيين للنظريات العرقية في تصنيفهم لسكّان الجزائر في القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، حيث قدّم باحث فرنسي قبيل سنوات من احتلال الجزائر «نظرية» تقول إن سكان منطقة القبائل الذين يتكلّمون اللهجة الأمازيغية مختلفون عن الجزائريين العرب عرقيًّا، وزعم أنهم، بخلاف العرب الساميين، ذوو أصول نوردية (إسكندنافية) منحدِرون مباشرة من الوندال (إحدى القبائل الجرمانية)، ويتجلّى هذا في عيونهم الزرقاء وشعرهم الأشقر، ورأى أنهم أحرار الروح وعقلانيون، بينما العرب سلطويون ومتعصّبون بالطبيعة. في العقود التالية آمنت بعض الأطراف بالإدارة الاستعمارية الفرنسية بهذه الرؤية التي كانت بلا أساس في الواقع، وذهبوا إلى زعم لا يقلّ خيالية مفاده أن القبائل هم أحفاد المسيحيّين الذين كانوا يعيشون في شمال أفريقيا قبل الغزو الإسلامي، لقد وظّفت الإدارة الاستعمارية هذه الرؤية لضرب وحدة الجزائريّين وزرع الفرقة بينهم، وسعت إلى جعل القبائل البربر حلفاء للاستعمار، وذاك بمحاباتهم في التعيين والتعليم والضرائب والتمثيل، وتفعيل قوانينهم العرفية بينهم بدل الشريعة، وتشجيع اللهجة الأمازيغية وقمع اللغة العربية في مدارسهم[7].

الاستعمار الفرنسي الاستيطاني: يتميّز الاستعمار الفرنسي للجزائر عن غيره بأنه كان استعمارًا استيطانيًّا، فهو ليس استعمارًا للأرض فقط، وإنما استعمارًا للعقول، ولكي يتمكّن من العقول تميّزَ هذا الاستعمار بطابعه الثقافي التخريبي، حيث عمل جاهدًا على محو مقوِّمات هوية الجزائريّين، فعمل على فَرْنَسة لسانهم وجلب الرهبان لتنصيرهم، وشيد العمران الأوروبي، وجلب المستوطنين لجعل الجزائر فرنسية، ولتسهيل هذه المهمة جنّدت سلطات الاحتلال عشرات المستشرقين ليساعدوا على إزاحة العقبات النفسية والدينية والإيديولوجية التي تحول دون ذلك. كانت هناك خلفيات صليبية للاستعمار الفرنسي، حيث كان الفرنسيون يعتبرون أنفسهم الأحق بشمال أفريقيا وأنّ عليهم استردادها بعد أن سلبها «الغزو» الإسلامي على حد زعمهم، وقد كانت تُقام طقوس القدّاس قبل حملاتهم، وكان القساوسة والرهبان يرافقون الجيوش في الحملات ويحلّون بالمستعمرات ويباشرون نشاطهم التبشيري لأجل تنصير الأهالي وتسهيل ضمهم للهوية الفرنسية المسيحية، كذلك كان الاستشراق الفرنسي متشبّعًا بفكرة أن ما تعلّق بالفترة القديمة للجزائر هو خاص بالأوروبيّين والفرنسيّين، وهذا ما يجعلهم الأولى باستعادتها، لأنّها تمثّل إرثهم اللاتيني الذي تركه أسلافهم الرومان .

يعتبر سيلفستر دي ساسي (Silvestre di Saci) رائد الاستشراق الفرنسي وفي أوروبا عمومًا، وقد تخرّج على يديه جيل من المستشرقين في فرنسا وأوروبا، ولد سنة 1757م وتعلم العربية والسريانية والكلدانية والعبرية منذ صغره، عمل مدرّسًا في مدرسة اللغات الشرقية، ثم أصبح مديرًا لها، قدّم خدمات كبيرة للإدارة الاستعمارية الفرنسية في عهد نابليون، حيث أفاد وزارتي الخارجية والحربية باستشارات حول الشرق، وترجم المنشورات الموجهة للمستعمرات، ورغم أنه لم يزر الجزائر، إلّا أنّه هو الذي ترجم البيان الموجّه للسكّان الجزائريين عند احتلال مدينة الجزائر سنة 1830م، وشجع لاحقًا تلميذه لويس برينييه (BRESNIE Louis) على إنشاء الدراسات العربية في الجزائر[8]. انتشرت الدراسات الاستشراقية في فرنسا وظهر مستشرقون متخصّصون في مجالات عدة تماشت مع احتياجات السلطات الاستعمارية في أقطار مختلفة، تم تأسيس الجمعية الآسيوية في باريس سنة 1822م وكان دي ساسي رئيسًا لها، وقد شارك في المجلة الآسيوية عدد غير قليل من المستشرقين الفرنسيين الذين استقروا بالجزائر، وتأسّست كذلك الجمعية الشرقية في باريس سنة 1841م وأصدرت مجلة الشرق، وجاء في قانونها الأساسي أنها تعمل على التنسيق بين أعضاء المعهد الفرنسي والقناصل والرحّالة، وتركّز اهتمامها بكل ما يهمّ حاضر الشرق ومستقبله، وتشير الفقرة القانونية بشكل صريح إلى وجوب بذل الجهد للهيمنة على بلدان الشرق لصالح الحضارة، وتشير إلى الجزائر كونها الأرض الأفريقية الواسعة التي كانت من قبل متوحّشة ومتمرّدة، وها هي اليوم تفتخر بقوانيننا وفنوننا وعاداتنا وصناعتنا. هذا يبيّن بوضوح الأهداف والغايات التي كانت تسعى إليها الهيئات الاستشراقية[9].

تطوّر الاستشراق الفرنسي في الجزائر
لم يسعَ الفرنسيون إلى اكتشاف الجزائر عند احتلالها، بل كان الأمر قبل ذلك، حيث كانت بينهما معاهدات وقناصلة ومبادلات تجارية وحروب وتبادل أسرى وجوسسة وتقارير ورحلات، ولم تكن أطماع الفرنسيّين أو غيرهم من الأوروبيّين خافية في السيطرة على الجزائر، وعند تأزّم الوضع بين الجزائر وفرنسا سنة 1827م وبداية التفكير في الحملة ضد حكومة الداي ترجم الفرنسيون بعض الأعمال الأوروبية والأمريكية حول الجزائر، مثل مؤلّفات الدكتور شو والقنصل شيلر، والأديب باننتي[10] ولعبت مدرسة اللغات الشرقية عندئذ دورًا مهمًا في فهم طبيعة التركيبة البشرية والاجتماعية والسياسية ومكامن القوة والضعف.

بعد دخول الفرنسيين إلى مدينة الجزائر شكّل الفرنسيون لجنة الاكتشاف العلمي للجزائر، حيث جاء ضمن الحملة الفرنسية عددًا من المترجمين والكتّاب والمهتمّين بحياة الشرق، وكان يغلب على اللجنة المستكشفين العسكريين نظرًا للظروف العسكرية التي لا تسمح بالمسح الشامل لأحوال الجزائريّين، حاولت اللجنة معرفة الحياة الداخلية للسكان مثل الملابس والماعون والأثاث والحلي والآلات والأسلحة وأحوال التجارة والصناعات والزراعة، والتوزيع الجغرافي للسكان والطرق والمسالك والتضاريس، وذلك لتسهيل تقدم جيش الاحتلال للمدن الأخرى، في أواخر الثلاثينات من القرن التاسع عشر تم تشكيل اللجان والجمعيات العلمية الرسمية لدراسة أوضاع الجزائر في مختلف مظاهرها وتم تكليف عدد من الخبراء في مختلف المجالات التاريخية واللغوية، وقد اهتموا بالسلالات البشرية تبعًا لاختلاف اللسان والوضع الجغرافي والتاريخي والاقتصادي ودرجة التأثير المعنوي الذي يمارسه السكان على بعضهم، كما قاموا بفهم الدين والطرق الصوفية والعادات والتقاليد والقوانين والنظم، وما إذا كانت هناك نظم واتجاهات تحول بين السكان والأخذ من الثقافة الفرنسية[11]، كما أن فهم التركيبة الفكرية والنفسية للأهالي يمكّن المستعمر من ضبط أشدّ لهم ويساعده في معرفة الأدوات الواجب استعمالها لإخماد الرفض وبلوغ تهدئتهم، وقد أنجزت بحوث استقصائية وإحصاءات كان لها دور في ظهور الدراسات الاستشراقية في وقت لاحق.

كذلك نشطت حركة الترجمة وجمع المخطوطات، حيث تُرجمت النصوص الإسلامية، واهتموا بالإسلام كدين وعقيدة وتعاليم، وكتصوف ومرابطين وممارسات طقوسية، وكانوا يستكتبون العلماء والقضاة لأجل الفهم العميق لهذه النظم أحيانًا، ودرسوا العربية ولهجاتها والأمازيغية ولهجاتها، وتاريخ الجزائر وآثارها الإسلامية والأنساب القبَلية والجغرافيا السكّانية، واهتمّوا بجمع المخطوطات، ولسوء الحظ فإن كثيرًا من المخطوطات والوثائق قد أخذوها معهم بطريقة شخصية وضاعت معهم[12]. تم تأسيس الجمعيات المتخصصة في التاريخ والآثار والتي كانت من أوائلها جمعية الجزائر التاريخية وجمعية قسطنطينة الأثرية، وكلتاهما أسس مجلة ظلّت مصدرًا لا غنى عنه للباحثين[13]، كذلك تم إنشاء المدارس الفرنسية في المدن الجزائرية، وتم تأسيس المدارس العليا في بداية ثمانينات القرن التاسع عشر، منها مدرسة الآداب في الجزائر. وتنامت الدراسات الاستشراقيّة الأكاديميّة وقدّمت خدمات كبيرة للمستعمر بتزويده بالدراسات المعمّقة لمختلف أوجه حياة الجزائريين، كما قدمت لجنة 18 لسنة 1892م أعمالًا استشراقية معمّقة ومتنوّعة حول الجزائر، كل هذا مهّد لانعقاد المؤتمر الدولي الرابع عشر للمستشرقين في الجزائر سنة 1905م، وقد صادف انعقاده مرور ربع قرن على تأسيس مدرسة الآداب في الجزائر، وهي ذكرى لها دلالات كثيرة بالنسبة للاستشراق الفرنسي؛ لأن إنشاء مدرسة الجزائر كان تعبيرًا عن انطلاقته الكبرى. انعقد المؤتمر تحت إشراف رينيه باسيه (René BASSET) عميد مدرسة الآداب وعميد الاستشراق الفرنسي في الجزائر آنذاك[14]. اجتمع في مؤتمر الجزائر حوالي 500 من الخبراء والمهتمّين والمدعوّين، تناول المؤتمر مواضيع متنوعة في مجال الآثار الرومانية والفن الإسلامي واللغات الشرقية والانتروبولوجيا والتاريخ وأحوال الشرق الأقصى والأدنى، وقد نُشر عدد من المداخلات في المجلة الأفريقية عدد 1905، وقد تضمّنت أوراق المؤتمر نظرة استعمارية للشعوب ولغة وصاية واضحة[15]. بعد مؤتمر المستشرقين الرابع عشر أصبح الاستشراق أكثر تنظيمًا وتخطيطًا وأنتج أعمالًا في شتّى مجالات حياة المجتمع الجزائري.

سنة 1925م تم تنصيب لجنة النشر ضمن لجان الاحتفال بمرور مئة سنة على الاحتلال، ويبدو أن المستعمر كان يهدف من خلال هذه اللجان إلى إبراز «إيجابيّات» الاستعمار والتحضّر الذي جلبه من أوروبا حسب زعمهم، كانت اللجنة تتابع النشر برئاسة رئيس جامعة الجزائر شارل تيار، وهو صاحب کتاب «الجزائر في الأدب الفرنسي»، وقد حُدّد لهذه اللجنة مهمة نشر الأعمال والبحوث حول الجزائر «كان إنجاز هذه المهمة يتم بطريقتين، الأولى تعميم المعرفة على الرأي العام الفرنسي حول الجزائر، والثانية وضع المعرفة أمام جمهور محدد من الباحثين والكتّاب والعلماء حول الجزائر أيضًا، ويلاحظ أن جمهور الشعب الجزائري العربي المسلم كان غائبًا في مشروع هذه اللجنة كما كان غائبًا في مشروع لجنة الاكتشاف العلمي، ومهما كان الأمر فإن مهمة لجنة النشر كانت مركزة على خدمة ذلك الجمهور الفرنسي والأجنبي المحدود من العلماء والباحثين»[16]، نشرت هذه للجنة النشر حوالي 50 كتابًا في مختلف الميادين كالتشريع والاقتصاد والسياسة، والتاريخ والآثار والعلوم والفنون، وقد كانت كرّاسات لجنة الاحتفال المئوي لسنة 1930م مصدرًا مهمًّا لمعرفة الجزائر من الوجهة الفرنسية.

تفرّعت عدة معاهد عن جامعة الجزائر، وذلك لتعزيز البحث المتخصّص في المجالات ذات الأهمية بالنسبة للمستعمر ولخدمة مشاريع الدولة الفرنسية، من هذه المعاهد معهد الدراسات الشرقية بالجزائر الذي أسس سنة 1933م والذي اهتم بالحياة العربية الإسلامية للجزائر وكان على رأسه جورج مارسي (Georges Marcais) ثم هنري بيريس (Henri Peres) المعروف بتعصّبه ضد الجزائريين، كما تم إنشاء معهد الأبحاث الصحراوية سنة 1940م. عرف الاستشراق الفرنسي بالجزائر تراجعًا في الحرب العالمية الثانية وتعرّض لهزة عنيفة في ثورة التحرير الجزائرية، حيث كان المستشرقون يعتقدون أن الجزائر ستظلّ فرنسية إلى أن اصطدمت أطروحاتهم بالرفض الشعبي، لقد كان الاستشراق بخدمته للاستعمار يدير صراعًا حضاريًّا داخل الجزائر حارب من خلاله الإسلام والعروبة والهوية الجزائرية، ليجعل من الجزائر فرنسية لسانًا وعقيدة وهوية، لكن ثورة التحرير كانت ردًّا عنيفًا هز أركان المستعمر وكل مؤسساته الخادمة لإيديولوجيته، وكان بيانها عربيًّا إسلاميًّا، معلنًا أن الجزائر لن تكون فرنسيّة.

من الواضح أن الاستشراق الفرنسي في الجزائر كان مرتبطًا منذ البداية بإدارة الاحتلال فقد شجّعت الحكومة الفرنسيّة الأدباء والمفكّرين والفنّانين الفرنسيّين على زيارة الجزائر والاطّلاع على حياة الشرق، وكانت تهدف إلى بسط السيطرة الثقافيّة والفكريّة ومحو مقومات الهوية للمجتمع الجزائري، حيث سعت من خلال المستشرقين إلى معرفة وفهم مكونات حياة المجتمع الجزائري بعربه وبربره ودينه الإسلامي، ومعرفة مكونه اللغوي والتاريخي، والآثار والعادات والتقاليد وبنيته الفكرية من آداب وتصوف ثقافة شعبية، كل هذا كان لامتلاك مفاتيح المجتمع الجزائري وإزاحة كل العقبات التي تحول دون السيطرة عليه. لقد قال شيخ المؤرخين الجزائريّين أبو القاسم سعد الله أن المستشرقين الفرنسيين في الجزائر كانوا جنودًا في الميدان ولكن بلباس مدني، حيث كرسوا جهودهم الاستشراقية لخدمة الاستعمار، فكانت وجهه الفكري ودافعت عن الأطروحات الاستعمارية الاستيطانية كون الاستعمار سيجلب مقومات التحضر للمجتمع الجزائري ويمنحه المعارف والفنون الغربية المفيدة ويشيد له العمران الأوروبي، «كان المستشرقون في الجزائر مرتبطين بالإدارة الاستعمارية ارتباطًا سياسيًّا، وكانوا مدعومين من قبل لجنة أفريقيا الفرنسية التي كان مقرّها باريس، ومن قبل زعماء الكولون أمثال يوجين إيتيان ومن الجامعات الفرنسية، ومن اللوبي الاستعماري عمومًا»[17].

المؤسّسات الاستشراقية واللجان العلمية والتعليم
تأسّست لجنة الاكتشاف العلمي للجزائر بتاريخ 14 أوت 1837م، حدّدت أكاديمية العلوم وأكاديمية الآداب والفنون في باريس طبيعة العمل وأهدافه وسبل إنجازه، وتكفّلت وزارة الحربية إلى جانب أكاديمية الآداب والفنون ووزارة التعليم باختيار الراغبين في المشاركة من جمهور الأكاديميّين والباحثين، وعملت وزارة الحربية على استكمال إجراءات تعييناتهم الرسمية ورواتبهم المالية، وضمّت اللجنة متخصّصين وعسكريين، حيث تم تكليفهم بالبحث في جوانب معينة والعمل على تقديم حصيلة بحوثهم في فترة محدّدة، على أن تنشر هذه البحوث على نفقة الدولة الفرنسية، وقد سهرت إدارة الاحتلال على تسهيل مهمة اللجنة، خاصة وأن الاحتلال كان في بدايته وكان توسّعه يصطدم مع المقاومة الشعبية وهذا يمنع أعضاء اللجنة من التوغّل في البلاد ومعرفة كل تفاصيلها، وقد صدر قراران وزاريان لترسيم تعيين أعضاء اللجنة العلمية، في 19 أوت و20 نوفمبر من سنة 1839م، وقد تم تحديد عدد أعضاء اللجنة بين 21 و24 عضوًا[18]، كان ضمن اللجنة كتّاب عسكريون أمثال كاريت وبيليسي وها نوتو وديلامار وغيرهم، كتب كاريت عن القبائل الجزائرية وعن العلاقات التجارية بينها ، وكتب بيليسي دي رينو كتابًا بعنوان «أخبار الجزائر»، كما كتب هانوتو عن لهجات الجزائريين ونظمهم[19]، واختص الضابط بروسلار بالخط العربي. بين السنوات (1843-1864م) كلفت إدارة الاحتلال فريقًا آخر من الباحثين العسكريين لإنجاز مشروع سُمِّيَ بـ»لوحة عن وضع المنشآت الفرنسية في الجزائر»، وقد تم إعداد سبعة عشر مجلدًا تضمنت دراسات إحصائية ودراسات معمقة حول حياة السكان، وبقيت هذه المجلدات مرجعًا مهمًّا للباحثين والمستشرقين[20]. كذلك بدأ اهتمام المستشرقين الفرنسيّين في مدرسة اللغات الشرقية وفي الكوليج دي فرانس بالعربية الجزائرية، مثل أعمال الأب بارجيس وبيهان.

كانت إدارة الاحتلال تعمل على الغزو الفكري للجزائريين من خلال إنشاء المدارس، وعملت على إشعار الجزائريين بتفوق حضارة الغرب وتعزيز هيبتها في عقولهم، مما يصنع نخبة جزائرية مفرنَسة لسانًا وثقافة وأقل عداء لفرنسا ويساعد على الديمومة السياسية للاحتلال. إن فتح مدرسة وسط الأهالي يعدِل كتيبة مخصصة لإخماد الرفض في البلد كما كان يقول النائب في الجمعية الوطنية الفرنسية دوك دومال (Duc D’Aumale)[21] في سبتمبر1850 بعث وزير الحرب إلى رئيس الجمهورية ردًا قال فيه: «وسط المسائل المهمة التي يؤثّر حَلّها حتمًا على مستقبل هيمنتنا بالجزائر، هناك في المقام الأول التعليم العام للأهالي ... إن إعادة إنشاء مدارس الأهالي تحت وصايتنا في الأماكن التي تخضع أكثر لهيمنتنا، هو تهيئة للسكان العرب لتقبّل تدخّلنا في أشدّ المجالات تعقيدًا، وعبر اختيار الأساتذة لدينا وسيلةً للتأثير على أبعد الطبقات عنّا، طبقات رجال العلم والدين بعد أن أجرينا حساب الذين نسميهم رجال السيف ويسميهم العرب رجال البارود، علينا أن نضم إلينا أولئك الذين يؤثّرون على العوام، من خلال سلطة التقاليد وقوة الكلام، وهو التأثير المسلم به أكثر من غيره»[22].
أنشأت إدارة الاحتلال المدارس والمعاهد والجمعيات العلمية وبالطبع لم يكن هذا لفائدة الجزائريين بل لخدمة السياسات الاستعمارية في الجزائر وإفريقيا عمومًا، تم إنشاء المدارس الرسمية ذات الطابع العربي الفرنسي، مثل المدارس الشرعية وكوليج الجزائر وكوليج قسنطينة، في سنة 1879م صدر قانون بإنشاء المدارس العليا في الجزائر -وهي التي أصبحت بعد حوالي ثلاثين سنة (1909م) جامعة الجزائر- وكانت المدارس العليا تضم مدرسة الآداب، ومدرسة الطب، ومدرسة الحقوق، ومدرسة العلوم، وكان يشرف على المدرسة الشرعية مستشرقون أيضًا، وكانت مخصصة لتخريج القضاة والمدرسين، وقد تحوّلت من مدرسة شرعية إسلامية عربية إلى مدرسة استشراقية أيضًا وذلك بعد 1895م عندما تغيرت برامجها. كانت مراكز الاستشراق قريبة من مركز القرار، فالحكومة العامة وإدارة الشؤون الأهلية والمجالس النيابية المختلفة كانت كلها في العاصمة[23].

كانت مدينة الجزائر هي القلب النابض لحركة الاستشراق، وذلك بفضل وجود المدارس العليا ثم الجامعة، كانت مدرسة الآداب تضم نخبة من المستشرقين بقيادة رينيه باسيه، وقد كانت تحظى بمكانة مهمة؛ نظرًا للمساهمات التي قدّمتها للساسة الفرنسيين وللمجتمع العلمي في فرنسا وللرأي العام حول معرفة شمال أفريقيا وأفريقيا عمومًا، كانت مدرسة الآداب قاعدة للاستشراق ومنطلقًا للأبحاث الاستكشافية إلى أعماق أفريقيا، حيث ضمّت كتيبة من المستشرقين الذين قاموا برحلات داخل الجزائر وخارجها، كما كانت منشوراتها تلقى اهتمامًا بالغًا في الأوساط السياسية والهيئات الاستشراقية الغربية، فلا توجد جمعية واحدة من الجمعيات العلمية الكبرى في فرنسا لم يقدّم لها أساتذة مدرسة الآداب مساعدتهم، ولا توجد مجلّة من المجلات العلمية الكبرى التي لم يتعاونوا معها[24].

كانت الجزائر العاصمة خلال شهر أبريل عام 1905م مسرحًا لحدث علمي وأكاديمي مزدوج، حيث عُقد المؤتمر الدولي الرابع عشر للمستشرقين والمؤتمر الثالث والأربعين للجمعيات العلمية جلساتهما في مدارس التعليم العالي، وقتها أشرف وزير التعليم العمومي «بيانفينو مارتن» على هذه التظاهرات العلمية وألقى كلمة قال فيها: «إن المدارس العليا بالجزائر العاصمة كانت مقرًّا للمؤتمر وكان معلّموها أعضاء، وهذا بالنسبة لهم تكريس للجهود التي بذلوها منذ أن نظّمهم قانون 1879م، ويجب أن يظلّوا مركزًا للثقافة الرفيعة، لكن يجب عليهم أيضًا أن يتكيفوا أكثر فأكثر مع البلد الذي يعيشون فيه وأن ينمّوا جذورًا قوية في التربة الجزائرية»[25]. كانت هناك رغبة سياسية بوجوب خدمة كتابات المستشرقين للمصالح الاستعمارية، فالتعليم العالي والبحث العلمي يجب أن يتماهى مع الإيديولوجية المهيمنة ويعمل على شرعنة أفكارها وترسيخها، فقد دُعي أوغسطين برنار (Augustin Bernard)، وهو أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسوربون إلى المحافظة على النظام -عبر رسالة-؛ لأنه ذكر إحصائيات غير مطابقة لإحصائيات الحكومة العامة. بالمقابل كان هناك سخاء حكومي وتقدير لأصحاب البحوث «المفيدة» للمستعمر[26]، حيث كانت تمنح لهم الجوائز والميداليات ويحظون بالدعم في أبحاثهم، هذا يبيّن الحرص الذي توليه الحكومة الفرنسية للبحوث حول المستعمرات وكيف كان الاستشراق أداة للسيطرة الاستعمارية.

في سنة 1909م تم تجميع المدارس العليا تحت هيئة مشتركة، وكان تأسيس جامعة الجزائر، وقد شهدت تطوّرًا متناميًا حتى أطلق عليها الفرنسيون اسم السوربون الأفريقية؛ نظرًا لارتفاع مستواها التعليمي والخدمات الكبيرة التي قدمتها للإدارة الاستعمارية وللحكومة الفرنسية حول الجزائر والدراسات الشرقية عمومًا. وكان من أساتذة جامعة الجزائر في العلوم الاجتماعية ماسكري وباسيه وموران وفانيان، ساهمت جامعة الجزائر أيضًا في إنتاج الأعمال العلمية الجماعية التي أُعدّت في إطار لجنة الاحتفال المئوي لاحتلال الجزائر، وقد تفرعت عدة معاهد عن الجامعة، وذلك لتعزيز البحث المتخصص في المجالات الاستشراقية مثل معهد الدراسات الشرقية بالجزائر الذي تأسس سنة 1933م ومعهد الأبحاث الصحراوية الذي تأسس سنة 1940 [27].

الدراسات الاستشراقية اللغوية وحركة الترجمة
لم يكن لدى الفرنسيين قبل الاحتلال فكرة عن الجزائر المتميزة عن الشرق فيما يخص اللغة، حيث إن البيان الذي صاغه دي ساسي ونشر في الحملة الفرنسية كان بلغة عربية مطعّمة بعامية المشرق، وهذا يدل على عدم وجود لهجة جزائرية في مدرسة اللغات الشرقية قبل الاحتلال، احتاجت الإدارة الاستعمارية إلى المترجمين للتواصل مع الأهالي السكان، فوظّفت المترجمين من يهود الجزائر الذين كانوا يترجمون للمسؤولين الجزائريين مع الأجانب في الماضي، ومع توسّع رقعة الاحتلال والسيطرة على مدن أخرى تمت الاستعانة بفرق من المترجمين الذين التحقوا من مدرسة اللغات الشرقية بفرنسا، ونشأت بلدية مدينة الجزائر، ثم توالت نواة الإدارة في وهران وقسطنطينة وعنّابة، وتم إنشاء المكاتب العربية العسكرية في المدن والقرى وأصبح فيها مترجمون، وأخذ اهتمام المكاتب العربية بالسكان يزداد للتعرف على عاداتهم ولهجاتهم وتراثهم، واستولوا على وثائق ومخطوطات نادرة، وترجموا وكتبوا في مجالات مختلفة من حياة الجزائريّين[28].

في ديسمبر 1832م تم إنشاء حلقات لتدريس اللغة العربية، وكانت موجهة إلى الفرنسيين مدنيين وعسكريين لتعليمهم اللغة العربية الفصحى والعامية، ولم يكن غرض إدارة الاحتلال المحافظة على اللغة، بل كان للتعرف على الجزائريين بوسيلة الاتصال الخاصة بهم وهي العربية الدارجة، ثم العمل على نشر الفرنسية بمؤثرات الأخرى غير التعليم[29]. في بداية الاستعمار ركز المستشرقون على معرفة السكان والاتصال بهم عن طريق معرفة اللهجة العامية، حيث قام جوني فرعون ثم برينييه بتدريس اللغة العربية الفصحى والعامية للفرنسيين لكي يتمكّنوا من التواصل مع السكان، كما تمت كتابة عدة قواميس مثل قاموس جوني فرعون المسمى النحو الابتدائي للعربية الدارجة الموجّه للفرنسيين، ثم بسطه ونشره تحت عنوان (موجز النحو العربي البسيط)، وفي 1835م نشر دو لابورت مبادئ الأمثال العربية في الجزائر، وكان دو لابورت رئيسًا للمكتب العربي ولم يكن مستشرقًا، ونشر برينييه (الموجز) الذي يهتم بخصائص اللهجة الجزائرية العربية، ثم كتابه الدروس العملية والنظرية للغة العربية وظل هذا الكتاب معتمَدًا كمقرر في المدارس لفترة طويلة[30].

في أغسطس 1844م كلف وزير الحربية في باريس مجموعة من الأعضاء بإنشاء طريقة موحدة لاستنساخ الكلمات العربية بالأحرف الفرنسية لتسهيل حفظ اللهجة الجزائرية ومهمة التواصل مع الأهالي، وكان أعضاء اللجنة هم جاريت نقيب المهندسين وعضو اللجنة العلمية وأوجين دي نيلي سكرتير ومترجم الوزارة، وبرينييه الذي كان مسؤولًا عن إدارة العمل وإعداد التقرير، وقد سعوا إلى تبسيط وتنظيم التهجئة المختلفة، فقد كانت معقدة ونطقها بعيد عن الفرنسية والتقدير الاشتقاقي منها يعد صعبًا[31]. تولّى برينييه كرسي العربية في الجزائر، وقد نشرت جريدة (المونيتور) (Moniteur algerien) أول درس ألقاه برينييه في الجزائر، وكان درسه شاملًا للعاميات العربية في مختلف بيئاتها، في كلامه عن اللغة العربية قال إن لبعض حروفها مرادفات دقيقة في الأبجدية الفرنسية وبعضها يقابلها نظائر بعيدة إلى حد ما، وبعضها الآخر غير معروف للفرنسيّين تمامًا، كما أن نطق الحروف مختلف، وهذا يتطلّب البدء بتعلّم الأبجدية التي هي أبسط أساس نظري وتعلم نطق الحروف والكلمات من الأهالي[32]، كان برينييه يؤكّد على ضرورة دراسة العربية لأجل ربط الصلة مع الأهالي لكي يتعودوا على اعتبار الفرنسيين غير غزاة، بل ناشرين للمدنية بينهم، فدراسة آداب الأهالي ولغاتهم ستؤدي للوصول إلى منابع أفكارهم وعاداتهم[33]، وقد ترجم برينييه مقدمة ابن آجروم في النحو، ومن مؤلّفاته أيضًا «المختارات العربية الابتدائية»، وله مؤلفات بعناوين عربية مسجوعة، مثل: «تجريب القلم في خط العرب والعجم» و«تحفة الطلباء وبهجة الأدباء»، و«مفتاح النحو والأدب لفتح كنوز علوم العرب»، و«مجموع المكاتيب في العربية والمعاني الغرائب». ورغم تعمق برينييه في اللغة العربية واكتشافه لأسرارها إلا أن هذا لم يخفِ الوجه الاستعماري لديه، حيث لاحظ أن اللغة العربية غنية بالكلمات والمترادفات، لكنها بعيدة عن أن توفر الطاقة الذهنية الضرورية للتطور، مثل اللغات الأوروبية حسب زعمه[34] بقي برينييه سيد الاستشراق الفرنسي في الجزائر أكثر من ثلاثين سنة، وتخرّج على يده معظم ضباط المكاتب العربية ومترجمي الإدارة والقضاء.

بعد توّسع الاحتلال تمّ إنشاء كرسي للغة العامية الجزائرية في باريس، ثم آخر للأمازيغية، كما أنشئت عدة كَرَاسٍ للمجتمعات المستعمَرة في الكوليج دي فرانس، وكان الاستشراق الفرنسي في الجزائر هو المغذّي لذلك، مثلًا ألّف بيهان سنة 1851 قاموسًا بعنوان: «عناصر اللغة الجزائرية» وجّهه لخدمة السيّاح، ونشرَته المطبعة الحكومية في باريس، أما في الجزائر فقد انتهت حلقات تدريس اللغة العربية بدمجها في مدرسة الآداب سنة 1879م[35]. اهتم إميل ماسكري (Emile Masqueray) باللهجات الأمازيغية في القبائل وميزاب والأوراس والطوارق، حيث جمع نصوصًا كتابية ووثائق للتعرّف على هذه اللهجات، والكلمات الأمازيغية المشتركة بينها والتي تتميز بها كل منطقة، وعمل على إعداد قاموس فرنسي- طوارقيّ، وكان يحاول تعلم اللهجة التارقية من خلاله، كما تكلم عن مكانة العربية بين الأمازيغ بوصفها لغة تتيح لهم التعامل في الأسواق[36]. كذلك اهتم بالترجمة إدمون فانيان (Edmond Fagnan) وهو من زملاء باسيه في مدرسة الآداب بالجزائر، تولّى تدريس الأدب العربي منذ 1883م، وهو من إيرلندا، وجاء للجزائر كمترجم، وقد درس العربية والفارسية والتركية، وقضى سنوات طويلة في مدرسة الآداب إلى حين وفاته في 1931م، وتميزت أعماله بالترجمة في المجالات التاريخية والفقهية والأدبية، واهتم بالمعاجم العربية واجتهد في تقديم إضافات لهذه المعاجم[37]. كذلك كان إرنست ميرسييه متقنًا للعربية والعامّية، وقد عاش طفولته مخالطًا للجزائريين، فتعلّم العربية منهم وأجادها، وعمل مترجمًا عسكريًّا ثم مترجمًا في القضاء، وتطوّع كقائد لميليشيا محلّية ضد الثوار لما قامت ثورة 1871م وبعدها عين مترجمًا محلفًا في قسطنطينية، حيث كان الثوّار يحاكمون بالجملة، يركز ميرسييه على أهمية تعلم لغة الأهالي للتمكّن من فهمهم واختراقهم، حيث يقول: «لفهم مجتمع الأهالي واختراقه هناك عنصر واحد أساسي: الوقت الذي يسمح باكتساب خبرة الأشخاص والأشياء، وقبل كل شيء معرفة لغة البلد ومراقبة المناطق المختلفة تباعًا، ودخول الخيمة والكوخ والاستماع إلى الناس من جميع الطبقات ورؤيتهم كما هم حقًا»[38].

كان تأسيس مدرسة الآداب في الجزائر سنة 1879م ذا أهمية كبرى للدراسات الاستشراقية في المجال اللغوي، وفي هذه المدرسة عمل رينيه باسيه كمدرّس ومن ثم مديرًا لها، وقد كان يمتلك خبرة بالتنوع اللغوي والثقافي من خلال قيامه برحلات واسعة النطاق في شمال أفريقيا، وكذلك بحوثه حول اللهجات الأمازيغية، وهذا ما مكّن باسيه من انتزاع زمام القيادة للعمليات الاستكشافية في المستعمرات الفرنسية انطلاقًا من الجزائر[39]. كذلك اهتم ابنه هنري باسيه -الذي كان لغويًّا ومستشرقًا- باللهجات الأمازيغية وآدابهم وأمثالهم الشعبية، واهتم أيضًا بالانتشار الجغرافي لهذه اللهجة، ورأى أن المناطق المعربة بالكامل هي المناطق التي مثلت في السابق طرقًا مر بها «الغزاة العرب» على حد قوله، وهذه الطرق هي طرق نشاط اقتصادي في الغالب، كما اهتم هنري باسيه بطبيعة اللهجات الأمازيغية ورأى أن الأمازيغ يهتمون بالحفاظ عليها كلغة تواصل بينهم داخل اللهجة الواحدة،حيث تسعى الأمهات لتعليمها لأطفالهم وهذا ما يحول دون استئصالها، وغالبًا ما يتمكن اثنان من الأمازيغ من لهجتين مختلفتين من فهم بعضهما البعض بسهولة أكبر باللغة العربية التي هي بمثابة لغتهما المشتركة، وقد كانوا يستعملون العربية كلغة علاقات اجتماعية واقتصادية بينهم أمازيغ وعرب، ورأى هنري باسيه أنه بالإمكان أن تكون الفرنسية لغة مشتركة بين قبائل الأمازيغ وغيرهم وتحلّ محل العربية، وذلك بمقاومة اللغة العربية والعمل على تغلغل الفرنسية أكثر[40].

الدراسات الاستشراقية حول الدين والطرق الصوفية
تعهّدت فرنسا عند إمضاء معاهدة التسليم في 5 جويلية 1830 أن تحترم الدين الإسلامي، وأن تعمل على صيانة حرية ممارسة الشعائر الدينية للجزائريين، لكن سرعان ما أحكم الاحتلال سيطرته حتى نكث بوعوده، فأقدم الفرنسيون على تحويل بعض المساجد لكنائس وهدم بعضها الآخر، وصادروا أموال الوقف، وأضعفوا التعليم الديني وضيّقوا عليه. اهتم المستشرقون بدراسة الإسلام والمسلمين من نواحٍ مختلفة، وحاولوا معرفة كيف يرى المسلمون إلى المسيحية التي هي ديانة المستعمر، وكيف يمثّل الدين عنصر قوة بالنسبة للجزائريين، وكيف يمكن استغلال الجانب الروحي للسكّان لتحقيق غايات الاحتلال، وقد كانت هناك محولات عديدة لتنصير الجزائريين، وتم استغلال حالة الأمّيّة والفقر التي سبّبها الاحتلال لبثّ الأفكار المسيحية، خاصة عند الأطفال، كذلك اهتم المستشرقون بالتصوف والطرق الصوفية ورموز التصوف الذين يملكون التأثير على الأهالي، وهو اهتمام ليس بريئًا؛ لأن إدارة الاحتلال عملت على توجيه بعض الزوايا والطرق الصوفية والضغط عليها من أجل التمكين للسياسات الاستعمارية، ومارست الوصاية على الزوايا والمدارس الإسلامية باعتبارها ملاذات للهوية العربية الإسلامية، وأصبحت تدفع الأجور للمدرّسين والأئمّة، ونظرًا إلى الدور المركزي لهذه المؤسسات التربوية، فقد عملت سلطات الاحتلال على زعزعة كل النظام الديني والثقافي، وعملت على إضعاف هيمنة الإسلام في الحياة اليومية للجزائريين[41]، حيث شجعت على نشر الخرافات ونقل الأساطير؛ وذلك لأن المستشرقين يدركون أهمية القرآن الكريم والسنّة النبويّة، وأن الفهم الصحيح للدين لا يخدم مصالحهم، وبما أن التنصير عجز عن تحقيق أهدافه بتغيير دين الجزائريين، فلا مانع من أن يفهموا دينهم فهمًا خاطئًا.

كانت الخلفية الصليبية حاضرة في أذهان الغزاة الفرنسيين، فقد لجأوا إلى البحث عن آثار الكنيسة لتسويغ وجودهم، حيث اجتهدوا منذ دخولهم في البحث عن الآثار الكنسية لأنها بالنسبة لهم كنز ثمين يثبت أحقّيتهم بهذه الأرض التي سلبها منهم المسلمون على حد زعمهم، وقد اهتموا بالبحث عن بقايا الكنائس والرسومات الأثرية المسيحية والبحث حول الشخصيات المسيحية التي عاشت في شمال أفريقيا في العصور الوسطى، وكانوا بهذا يروّجون بأن قضيتهم عادلة، وهذا ما يساعد في نظرهم على شحذ همم جنودهم لمواصلة الاحتلال، بالمقابل كانوا يتصوّرون بأن «الغزو» العربي الإسلامي هو غزو همجي لم يجلب إلّا التخلّف -وكأنهم لم يسمعوا بالحضارة الإسلامية-، وقد ذهب بعضهم إلى تبرير الاستعمار الفرنسي انطلاقًا من هذا التصور، كون الدين الإسلامي على حد زعمهم لم يعد يشكّل سبيلًا لنهضة هذه الشعوب المتخلّفة، حيث أورثهم ذهنية تردّ كل شيء إلى القدر وتحوْل دون خوض أي تحدٍ لمواجهة الظروف وتحقيق التطور. وقد ظلّت شريحة واسعة من النخب الفرنسية مقتنعة بهذه الادّعاءات، حتى أن الاقتصادي الفرنسي «رينيه جاندارم» اعتبر من خلال دراسته للاقتصاد في الجزائر بأن المسلمين غير مؤهّلين سلفًا لاستغلال ثرواتهم، وأن الوصاية عليهم وحدها كفيلة بالنهوض بهم، ودور الاستعمار يصبح جليلًا شريفًا إذا كان هدفه تنمية الإمكانات الاقتصادية التي وفّرتها طبيعة هذا البلد؛ لأن العرب لم يعرفوا كيف يستغلونها بسبب التخاذل الناجم عن ردّ كل شيء لمشيئة الله، وهذا ما سلبهم العزيمة الكافية لتحقيق أي تطوّر[42].

قدّمت مدرسة الحقوق خدمة كبيرة لإدارة الاحتلال من خلال وقوفها على النصوص الفقهية والتشريعات الإسلاميّة، وكان أساتذتها يعملون على ترجمة وشرح النصوص الإسلامية ونشر المقالات والبحوث، وكان هذا لخدمة القضاء الفرنسي الذي استولى بالتدرج على صلاحيات القضاء الإسلامي[43]. كتب برينييه عن معاملات الجزائريين وفق الشريعة الإسلامية، مثل عقود البيع ومواثيق الدَّين وكذلك عقود الزواج ومعاهدات الصلح وفض المنازعات وأحكام الميراث، وعرض في كتابه بعض الوثائق المكتوبة بالعربية والتي يتداولها الجزائريون في هذه الشؤون، فصل برينييه في أحكام الميراث، وتكلم عن ميراث المرأة والحالات التي تصادف الورثة في تقسيم التركة[44].

كان ميرسييه من المستشرقين الذين كتبوا عن التصوف والفقه، اهتم بالطريقة القادرية وكتب عن المالكية في بلاد المغرب العربي طبقًا لمذهب الإمام مالك، ومن مؤلَّفاته وضع المرأة المسلمة في أفريقيا الشمالية، والملكية العقارية الإسلامية في الجزائر، كان ارنست ميرسييه يعتبر مثالًا للعسكري - المدني الفرنسي والمستوطن الحاقد على كل ما هو عربي ومسلم من خلال مواقفه من الفتح الإسلامي[45]. كذلك كتب هنري دوفيرييه (Henri Duveyrier) عن الطرق الصوفية، ومع أنه لم يتخرّج من مدرسة استشراقية، إلّا أنّ أعماله ظلّت مرجعًا للمستشرقين اللاحقين المهتمين بالطرق الصوفية والحياة الدينيّة، كان لدوفيرييه دراية بالعربيّة والأمازيغيّة، وقام برحلات إلى مناطق في أعماق الجزائر وجنوبها وقد تعامل مع الطرق الصوفية في وقته مثل التيجانيّة والقادريّة والشيخيّة والطيبيّة، وكان يحمل رسائل للتعريف به وحمايته وتقديمه لشيوخ الزوايا، وقد ربط علاقات واسعة مع رموز طرق صوفية مختلفة وفهم هذه الطرق الصوفية عن قرب، كان حريصًا على ربط علاقات وطيدة بين إدارة الاحتلال والطرق الصوفية واستمالتها وضمان ولائها، كما أنّه كان عينًا للمستعمر على أي توجّه صوفي أو قَبلي مناهض، كتحفّظه من السنوسيين الذين رأى فيهم خطرًا كبيرًا على فرنسا في المنطقة. وقد حصل كتابه الذي جمع معلومات قيمة عن المناطق المذكورة على الميدالية الذهبية من الجمعية الجغرافية الفرنسية في باريس سنة 1864م[46].

كان ماسكري من المستشرقين الذين بحثوا في الجوانب الدينية والصوفية لبعض المناطق الجزائرية، وهو الذي قال إن كل تاريخ شمال أفريقيا هو تاريخ ديني، عند افتتاح مدرسة الآداب عُيّن ماسكري أستاذًا للتاريخ والآثار القديمة في شمال أفريقيا، ثم تولّى إدارتها حتى وفاته سنة 1894م، كتب أبحاث عدة عن الجزائر وأنشأ نشرة سمّاها المراسل الأفريقي، كلّفته إدارة الاحتلال بمهمّات بين السنوات (1875-1878م) حيث قام برحلة إلى الأوراس ثم إلى ميزاب، وكتب عن تاريخهم، وعن الحياة الدينية، وعن اللهجات الأمازيغية، وكذلك كتب عن التصوف وعن الشخصيات المؤثرة دينيًّا[47]، وقد مهد لاحتلالها وجعل من تاجر ميزابي يعرفه في قصر البخاري عينًا للفرنسيّين على المنطقة وعلى تحركات الأشخاص والثوار[48]. يقول أوغسطين بيرنار إن ماسكريه خدم بلاده بكل قوته مثل الضباط والإداريّين المخلصين لفرنسا، وفي بلد مثل الجزائر بعد أن سيطرنا عليها بالسيف والمحراث كان يجب أن تحدث سيطرة أخرى، وهي السيطرة بالقلم والكلمة[49].

اعتبر ماسكريه دراسته للمجتمع الميزابي نجاحًا باهرًا بحكم أنه حقّق تقدّمًا فيما فشل فيه آخرون ممن سبقوه، لأنّ المجتمع الميزابي يعتبر من أكثر المجتمعات سرية، حيث إن كل ماضيهم تحويه مخطوطاتهم القديمة ووثائق شرائعهم التي هي في أيدي أعيانهم ويصعب الوصول إليها، تمكّن ماسكريه من إقناعهم بنسخ بعضها، وقد تمكّن من نسخ كتاب «تاريخ أبو زكرياء» الذي يروي جزءًا من تاريخهم، وكشف أن سجلّات الإباضيين تعاقبت من قرن إلى قرن مثل الحلقات المتّحدة المركز[50]، حسب ماسكريه يشعر الميزابيون بالغيرة الشديدة على نقاء عرقهم، كتب كذاك عن شرائعهم وحدودهم، مثل حد القتل وحد السرقة وعقوبة النفي بدل السجن، ورأى أن قلب المدينة الميزابية هو المسجد، كما أن للمشايخ سلطة معنوية قوية في فرض النظام والتشريعات وفض المنازعات والوقوف على أداء كفارة الذنب وتوبة المذنبين[51].

كان إدموند دوتي (EDMOND DOUTTÉ) من المستشرقين الذين اهتمّوا بالجانب الديني والروحي، وقد ألّف كتاب «المرابطين» (Les Marabouts) وكتاب «السحر والدين في أفريقيا الشمالية»، قام دوتي بمهام استطلاعية لفهم البعد الروحي للجزائريين وسكان شمال أفريقيا، وحاول فهم مظاهر التبرّك بالأولياء الصالحين أو المرابطين، ووصفهم بأنهم في نظر الأهالي شفعاء لهم عند الله، حيث يضفي الأهالي القداسة على المرابطين أو الصلحاء كأفراد تلقّوا البركة من الله؛ لذلك أصبح لهؤلاء المرابطين درجة تأثير روحي كبيرة على الأهالي، وقدّم دوتي في آخر كتابه توصيات للإدارة الاستعمارية عن كيفية التعامل مع الأهالي من الجانب الروحي، والدور الذي يمكن أن يلعبه المرابطون لخدمة الإدارة الاستعمارية، والعمل على تهدئة الأوضاع، يقول دوتي: «قدّم لنا المرابطون أيضًا خدمات، فقد رأيناهم يأمرون عملاءهم، باسم الله وبناءً على طلب رئيس بلدية مختلطة بالامتثال لإجراءات تنظيمية، إن اتّباع نهج غير مرن في السياسة الدينية سيكون بمثابة سيف ذي حدين، ومن الخطورة استخدامه، حيث يتم إثارة العديد من الأجناس ذات الطابع المختلف تحت هذا القناع، لذا يجب التخفيف من صرامة القواعد السياسية، والامتناع قدر الإمكان عن أي تدخل في الأمور الدينية البحتة»[52].

الدراسات الاستشراقيّة للتراث والمخطوطات
عند احتلال الجزائر استولت السلطات الاستعمارية على العديد من المواقع الأثرية والحصون القديمة خاصة في الشرق الجزائري، وحوّلتها إلى مقرّات عسكرية أو هياكل تابعة للجيش، حيث جعلت منها حصونًا ومقرات لإقامة جيوشها، كما تم نهب الآثار الثمينة مثل التحف الفنية والفسيفساء والأدوات القديمة والتماثيل والمنحوتات، وتم تهريبها إلى فرنسا ووضعها في متاحفهم، أرادت سلطات الاحتلال من خلال البحث الأثري عن بقايا الرومان إيجاد شرعية للتواجد الفرنسي في الجزائر، لقد أرادوا أن يثبتوا من خلال الماضي الروماني -وأسبقيته على الفتح الإسلامي- بأحقيتهم بالأرض التي استردوها حسب زعمهم، وكان هذا يعزز لديهم الشعور بالقضية العادلة ويزيد من الحماسة القتالية للعسكريين لاستكمال انجازات أسلافهم، كما أن الآثار الرومانية كانت تثبت حسب زعمهم التطور الذي جلبه الرومان في مقابل التخلف الذي جلبه «الغزاة العرب»[53]، يعبر المستكشف والأثري الفرنسي ماك كارثي (Mac Carthy) عن ذلك الحنين للتواجد الروماني الذي اعتبره جالبًا للتطور قائلًا: «يعد فتح المناطق المعروفة اليوم باسم الجزائر من أهم الأحداث في تاريخ روما، ومن خلال ضم مقاطعات جديدة إلى إمبراطوريتها الشاسعة، أنهت الحملات العسكرية التي شملت محيط البحر الأبيض المتوسط بأكمله، وحق لها أخيرًا أن تسمي هذا الحوض الكبير بفخر بحرنا، لقد سعينا بمثابرة وسعادة إلى العثور على المدن والمستعمرات والحصون والمؤسسات التي غطى بها الرومان البلاد من أجل السيطرة عليها... لقد كان الاستعمار الروماني أكثر تطورًا وأكثر اكتمالًا وأكثر ثراءً، بطابعه المدني المزين بأبهى الفنون»[54].

في بداية الاحتلال لم يكن البحث الأثري منظّمًا بعد، ولم ينطلق جدّيًا إلّا بعد سنة 1855م، في شهر جويلية من سنة 1855م عبّر الجنرال مارشال راندون (Randon) في رسالة إلى أدريان بربروغر (Berbrugger) عن أمله في انتشار جمعيات الآثار والتاريخية، وأخبره قائلًا: «سيخرج تاريخ الاحتلال الروماني، كما كتب، واضحًا ومتناغمًا من هذه البحوث الضرورية، وسيزودنا عبر دراسة الماضي بمعلومات ثمينة لأجل الحاضر والمستقبل»[55]، تم تأسيس الجمعية التاريخية الجزائرية عام 1856م في الجزائر العاصمة وكان راندون الرئيس الشرفي لها، وكان بيربروغر هو رئيس الجمعية، وبدأت بإصدار العدد الأول من المجلة الأفريقية في أكتوبر 1856م، استمرت المجلة بالصدور لعقود، واهتمت بنشر المخطوطات المحلية والعربية والوثائق الأصلية، واهتمت بتاريخ الجزائر في مختلف عصوره[56]. كما تم إنشاء الجمعيات التاريخية والأثرية مثل جمعية قسطنطينية للآثار، وجمعية الجغرافيا وعلم الآثار لمقاطعة وهران، وقد كانت تصدر عنهم مجلات اهتمت بالدراسات عن الآثار والتواريخ المحلية والشخصيات السياسية التي لعبت دورًا في تاريخ الجزائر[57]، وفي سنة 1880م تأسست مصلحة الآثار التاريخية بالجزائر، وقد اهتمّت بمدينتي جميلة وتيمقاد الرومانيتين، وفي باريس تأسست لجنة أفريقيا الشمالية سنة 1883م التي كانت تهتمّ بالوثائق والخطوط والنقوش الأثرية[58]. لقيت الجمعيات والهيئات التاريخية والأثرية تشجيعًا وتسهيلات في عملها من قبل إدارة الاحتلال، وقد كانت هذه الجمعيات منخرطة في التصور الرسمي لتاريخ شمال أفريقيا، وكانت مشبعة بالقناعات الرسمية، عملت الإصدارات الثقافية والعلمية على تكريس لشرعية الخطاب الاستعماري وتعزيزه.

اهتمت الإدارة العسكرية والمكاتب العربية بخبرائها ومترجميها والمستشرقون بمعرفة حياة الجزائر العربية الإسلامية والقديمة كذلك، وكان هناك حرص على جمع المخطوطات والكنوز الفكرية الموجودة في الزوايا والمدارس والكتاتيب والمكتبات العتيقة، وقد ترجم جزء منها في تلك الفترة، ولا يزال جزء كبير منها الآن في الأرشيف الاستعماري وجزء بقي عند الأفراد ولا يُعرف مصيره. تم إنشاء المكتبة الوطنية في مدينة الجزائر سنة 1853م على يد أدريان بربروغر وجلب إليها مئات المخطوطات والخطوط المزخرفة العربية التي استولى عليها قادة الجيش أو جمعها المرافقون للحملات العسكرية[59]. كان باسيه يتجول في الجزائر بحثًا عن المكتبات والمخطوطات، فقد كانت المخطوطات كنزًا وعدة للمستشرقين. وقد وضع وصفًا لفهارس المكتبات في بعض الزوايا والمناطق، وقام بفهرسة مجموعات من المخطوطات وذكر بعضها في مؤتمرات المستشرقين، وقد اهتم الباحثون المستشرقون بالترجمة إلى الفرنسية لمختلف المخطوطات لتعريف المهتمين من المجتمع العلمي[60]. ومن زملاء باسيه في مدرسة الآداب بالجزائر إدمون فانيان الذي تولى تدريس الأدب العربي منذ 1883م، اهتم بالمخطوطات ووضع لها فهارس. كذلك اهتم ارنست ميرسييه بالمخطوطات والآثار، ومنذ 1867م أصبح عضوًّا في الجمعية الأثرية لقسطنطينية، وساهم في تحرير مجلتها (روكاي) وساهم من خلالها ببحوث عن تاريخ معارف القدماء في أفريقيا الشمالية وتولّى نيابة رئاسة الجمعية المذكورة ثم رئيسًا لها سنة 1892م، وكتب عن تاريخ شمال أفريقيا سنة 1891م في ثلاثة أجزاء، وهو العمل الذي نال عليه الميدالية الذهبية من جمعية الدراسات التاريخية بباريس[61].

خاتمة
يتّضح ممّا سبق أنه توجد روابط قوية بين الاستشراق الفرنسي بالجزائر ومراكز القرار السياسي، حيث أدرك قادة الاستعمار الدور المفيد للاستشراق في تسهيل السيطرة على الجزائر والمستعمرات عمومًا، حيث كانت تعوّل على المعرفة الاستشراقية لخدمة الاستيطان وجعل الجزائر فرنسية، فكان الاستشراق مِعْوَلًا لهدم مقومات هوية المجتمع الجزائري، وخادمًا للأطروحات الاستيطانية، عرف الاستشراق الفرنسي بالجزائر تناميًا هائلًا من خلال انتشار الهيئات البحثية والمدارس والمعاهد واللجان العلمية والجمعيات التاريخية والأثرية والمجلات المتخصصة، كان المستشرقون الفرنسيون يزعمون أنهم غير منحازين في أبحاثهم، لكن أغلب كتاباتهم كانت تشير إلى غير ذلك، حيث قدّموا خدمات كبيرة للمستعمر، فكانوا يرسلون التقارير تباعًا للقيادة الاستعمارية، وتضمنت دراساتهم توصيات لفائدة المستعمر، وعملوا على إزاحة العقبات الأيديولوجية والفكرية التي تحول دون سيطرته، فكانوا بمثابة كتائب استطلاع للاستعمار وخادمين أوفياء للامبريالية، وكانت لهم لغة وصاية ومتشبعين بالأطروحات الاستعمارية والنظرة الدونية والعنصرية للشعوب المستعمرة، وكانوا مقتنعين بالرسالة الحضارية الفريدة لبلادهم الهادفة إلى غرس قيم النهضة والتنوير في المستعمرات، لقد تناسوا الدور التنويري للحضارة الإسلامية في العالم لقرون حينما اتّهموا الفتح الإسلامي بأنه لم يجلب سوى التخلّف، وتناسوا أن أفريقيا وآسيا تعتبران مهدًا لحضارات عريقة حينما اتّهموا -بعنصرية مقيتة- مجتمعات العالم الثالث بأنهم ينتمون إلى اعراق متخلّفة بيولوجيًا، ظلّ الاستشراق الفرنسي بالجزائر مكرّسًا للاستيطان وموهمًا الجميع أن الجزائر ستظلّ فرنسية إلى أن هبّت رياح التحرّر ونسفت ثورة التحرير الأطروحات الاستعمارية.

لائحة المصادر والمراجع
إدوارد سعيد، الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، 2006م.
ريسلير، كميل، السياسة الثقافية الفرنسية بالجزائر، أهدافها وحدودها، ترجمة: نذير طيار، دار كتابات جديدة للنشر الإلكتروني، 2016م.
سعد الله، أبو القاسم، أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر، دار البصائر، الجزائر، 2007م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ، تاريخ الجزائر الثقافي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998م.
فوك، يوهان، تاريخ حركة الاستشراق، الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين، ترجمة: عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2001م.
لوكمان، زكاري، تاريخ الاستشراق وسياساته، الصراع على تفسير الشرق الأوسط، ترجمة: شريف يونس، دار الشروق، مصر، 2007م.
مجموعة من المؤلفين، مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985م.

لائحة المصادر الأجنبيّة
Bernard Augustin, Emile Masqueray, Revue africaine, 1894.
Edmond Doutté, Marabouts; Notes Sur L’islâm Maghrébin, Paris Ernest Leroux, Editeur, 1900.
Edmond Doutté, L’œuvre scientifique de l’École des Lettres d’Alger, Revue africaine, 1905.
Emile Masqueray, Chronique D’Abou Zakaria, Imprimeries de L’Association Ouvrière V. Aillaud, 1878.
Emile Masqueray, Les Kanoun Des Béni-Mzab, 14 août 1878, Etudes et Documents berbères, 13, 1995.
Ernest Mercier, La Question indigène en Algérie, Augustin Challamel, Éditeur, Paris, 1901.
Henri Basset, Essai Sur La Littérature Des Berbères, Ancienne Maison Bastide-Jourdan, ALGER, 1920.
L.-J. Bresnier, Chrestomathie Arabe, Lettres, Actes ET Pièces Diverses, Librairie Adolphe Jourdan, ALGER, 1871.
L.-J. Bresnier, Cours Pratique Et Théorique De Langue Arabe, Deuxième Edition, Adolphe Jourdan, ALGER, 1915.
Louis Paoli, L’enseignement Supérieur a ALGER, Revue africaine, 1905.
Mac Carthy, Louis-Alfred-Oscar, ALGERIA Romana, Recherches sur l’Occupation et la Colonisation de l’Algérie Par Les Romains, Revue africaine, 1857.
Revue Africaine, Publiée Par La Société Historique Algérienne, ALGER, Adolphe Jourdan, 1905.


------------------------------------
[1](*)- مؤرخ وأستاذ محاضر بجامعة عمار ثليجي الاغواط – الجزائر.
[2]- سعيد، إدوارد، الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، ص262.
[3]- الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، م.س، ص50.
[4]- لوكمان، زكاري، تاريخ الاستشراق وسياساته، الصراع على تفسير الشرق الأوسط، ص160-161.
[5]- Ernest Mercier, La Question indigène en Algérie, Augustin Challamel, Éditeur, Paris, 1901. P.220-221.
[6]- سعيد، إدوارد، الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، ص50، 52.
[7]- لوكمان، زكاري، تاريخ الاستشراق وسياساته، الصراع على تفسير الشرق الأوسط، ص161-162.
[8]- سعد الله، أبو القاسم، تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، ص91.
[9]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص 90.
[10]- م.ن، ص 9.
[11]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص 85.
[12]- م.ن، ص 42.
[13]- م.ن، ص 8.
[14]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص 31.
[15]- انظر المجلة الأفريقية REVUE AFRICAINE عدد 1905.
[16]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص88.
[17]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص14.
[18]- م.ن، ص80.
[19]- أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج1، م.س، ص20.
[20]- م.ن، ص21.
[21]- ريسلير، كميل، السياسة الثقافية الفرنسية بالجزائر، أهدافها وحدودها، ص105.
[22]- م.ن، ص111-112.
[23]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص28.
[24]- Edmond Doutté. L’œuvre scientifique de l’École des Lettres d’Alger, Revue africaine, 1905, p.438.
[25]- Louis Paoli, L’enseignement Supérieur a ALGER, Revue africaine, 1905, p.437.
[26]- السياسة الثقافية الفرنسية بالجزائر، أهدافها وحدودها، م.س، ص239، 246.
[27]- أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج1، م.س، ص25.
[28]- م.ن، ص10-11.
[29]- م.ن، ص14.
[30]- أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج1، م.س، ص42.
[31]- L.J. Bresnier, Chrestomathie Arabe, Lettres, Actes ET Pièces Diverses, Librairie Adolphe Jourdan, ALGER, 1871. p.11.
[32][3]- Ibid, 1915, p.20.
[33]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص19.
[34]- م.ن، ص43.
[35]- م.ن، ص13.
[36]- Bernard Augustin, Emile Masqueray, Revue africaine, 1894, p.354, 362.
[37]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص34.
[38]- Ernest Mercier, La Question indigène en Algérie, p.211
[39]-فوك، يوهان، تاريخ حركة الاستشراق، الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين، ص262.
[40]- Henri Basset, Essai Sur La Littérature Des Berbères, Ancienne Maison Bastide Jourdan, ALGER, 1920. p.49-50.
[41]- السياسة الثقافية الفرنسية بالجزائر، أهدافها وحدودها، م.س، ص88.
[42]- مجموعة من المؤلفين، مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، ج2، ص157.
[43]- تاريخ الجزائر الثقافي، ج6، م.س، ص26.
[44]- L.J. Bresnier, Chrestomathie Arabe, Lettres, Actes ET Pièces Diverses, p.497.
[45]- تاريخ الجزائر الثقافي، م.س، ج6، ص64-65.
[46]- تاريخ الجزائر الثقافي، م.س، ج6، ص67-68.
[47]- Bernard Augustin, Emile Masqueray, Revue africaine, 1894, p.354.
[48]- تاريخ الجزائر الثقافي، م.س، ج6، ص35-37.
[49]- Bernard Augustin, Emile Masqueray, p.369.
[50]- Emile Masqueray, Chronique D’Abou Zakaria, Imprimeries de L’Association Ouvrière V. Aillaud, 1878. p.1.
[51]- Emile Masqueray, Les Kanoun Des BéniMzab, 14 août 1878, Etudes et Documents berbères, 13, 1995. p.211-228.
[52]- Edmond Doutté, Marabouts; Notes Sur L’islâm Maghrébin, Paris Ernest Leroux, Editeur.1900. p.118-119.
[53]- السياسة الثقافية الفرنسية بالجزائر، أهدافها وحدودها، م.س، ص60.
[54]- Mac Carthy, LouisAlfredOscar, ALGERIA Romana, Recherches sur l’Occupation et la Colonisation de l’Algérie Par Les Romains, Revue africaine, 1857. P.88-89.
[55]- السياسة الثقافية الفرنسية بالجزائر، أهدافها وحدودها، م.س، ص75.
[56]- تاريخ الجزائر الثقافي، م.س، ج6، ص94-95.
[57]- أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج1، ص21.
[58]- م.ن، ص25.
[59]- السياسة الثقافية الفرنسية بالجزائر، أهدافها وحدودها، م.س، ص60.
[60]- تاريخ الجزائر الثقافي، م.س، ج6، ص31-32.
[61]- م.ن، ص64.