البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

«مناهج المستشرقين في الدراسات العربيّة الإسلاميّة» الجزء الثاني

الباحث :  محمد بن عمارة
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  41
السنة :  شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  December / 28 / 2024
عدد زيارات البحث :  109
تحميل  ( 449.591 KB )
المقدّمة
يعدّ البحث في المناهج الاستشراقيّة من المواضيع المعقدة والصعبة؛ لأنّ المستشرقين لا ينتمون إلى مصدر واحد ولا يمكن جمعهم في بوتقة واحدة، ويعود ذلك إلى أسباب عدّة، أهمّها: الخلفيات المتعدّدة، والثقافات المتباينة، والتيارات الفكرية المختلفة بين التديّن والإلحاد والتعصّب وحب الاستطلاع وغيرها. وانطلاقًا من هذه الاختلافات اختلفت الأهداف، فمنهم من يهدف إلى البحث العلمي الموضوعي، ومنهم من كانت أهدافه استعمارية أو تبشيرية أو سياسية أو دينية. كلّ ذلك بالإضافة إلى تنوّع العلوم الإسلاميّة وتشعّبها، يجعل من تحديد منهجيّة معيّنة لدراسة المستشرقين للإسلام أمرًا في غاية الصّعوبة.

صدور الكتاب: صدر هذا الكتاب عن إدارة الثقافة في المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم، عام 1985م وبمشاركة نخبة من الباحثين، ذلك في نطاق التعاون القائم بين المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم، وبين مكتب التربية العربي لدول الخليج.

أهداف الكتاب: في سبيل سدّ الثغرة المنهجيّة، جاء الجزء الثاني من كتاب «مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلاميّة» كاستمرار للمحاولة الفعليّة في عرض مناهج المستشرقين وتطبيقاتها ونقدها التي شهدناها في الجزء الأوّل؛ لذلك توسّع هذا الجزء الثاني ليعالج موضوعات مختلفة عن سابقه.

محتوى الكتاب: توزّع الكتاب على مقدّمة وسبعة فصول، عالجت موضوعات مختلفة: العلوم، والجغرافيا، والنظام السياسي، والحياة الاجتماعيّة، والفن العربي الإسلامي، والاقتصاد والمعاملات البنكيّة، والحضارة العربيّة الإسلاميّة في الأندلس. كما احتوى على مجموعة من الفهارس: فهرس الآيات القرآنيّة، وفهرس الأحاديث النبويّة، وفهرس الأشعار، وفهرس الأعلام، وفهرس الموضوعات، وفهرس الأماكن، وفهرس الكتب.

وكسابقه الجزء الأوّل، تمثّل كل فصل من الفصول السبعة في بحث واحد كتبه مؤلِّف واحد بحسب التخصّص.

عرض فصول الكتاب
آراء بعض المستشرقين حول التراث العلمي العربي والرد عليها للدكتور محمد السويسي، أستاذ تاريخ العلوم في الجامعة التونسية.

لاقى موقف المستشرقين من العلم العربي تجاذبات مختلفة؛ لارتباطه بالصورة المتغيّرة التي رسمها الغرب عن العالم الإسلامي، وهي صورة عالم معادٍ في البداية ثم صورة حضاريّة لامعة نتيجة ترجمة مختلف العلوم التي ألّفها المسلمون في الفلسفة والطب والحساب والفلك. ومن ثمّ تغيّرت الصورة إلى صورة مستهلك يوفّر منطقة صناعيّة للمنتجات الغربيّة. وبعد ذلك، أصبحت حركات التبادل الثقافي بين الحضارتين تتّسم بالهجوم العنيف؛ حيث عمل الكثير من المستشرقين على طمس كلّ ما من شأنه أن يوحي بما كان للعرب من حضارة لامعة في التاريخ، وسادت صورة العربي الجامد والمتخلّف البعيد كلّ البعد عن العلم. وهكذا تدرّجت صورة العربي في الحضارة الغربيّة تدرّجًا متسافلًا، وصولًا إلى اعتبار أبرز علماء العرب إما من ذوي الأصول الفارسيّة أو أنّ نفحة النهضة الغربيّة أثّرت في أرواحهم.
تدور نظرة المستشرقين إلى العرب وعلومهم حول بعض النقاط الأساسيّة، وهي: القول بالتفاوت الفطري والتباين المطلق بين العقليّتين العربيّة والأوروبيّة؛ ما يعني أنّ العرب لا يقوون على إبداع أيّ علم جديد، وما جاء به العرب مجرّد نقل عن اليونان، وهو نقل مشوّه وضعيف. والقول بأنّ القرآن وقف حجر عثرة في وجه العلم، وأنّ العرب يتأثّرون بالأوهام ويميلون إلى التنجيم.

وأما في إطار الردّ على ادّعاءات المستشرقين في النقاط السابقة، فقد سعى الباحث إلى إظهار موقف الإسلام من العقل والبحث العلمي بالتطرّق إلى علماء الغرب ونتاجاتهم العلميّة.

لقد استدل بعض المستشرقين بكلمات لابن خلدون كقوله: «من الغريب الواقع أن حَمَلَة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم»، وقوله: «إن العرب إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب». وقد ردّها الباحث بإظهار منهجيّة ابن خلدون، وذلك بتحليل المقولة نفسها؛ حيث يقول من الغريب الواقع، وهو ما يدّل على استغراب تلك الحالة واستنكارها ما يعني أنّها حالة غير طبيعيّة في ذلك الوقت ومخالفة للحالة الطبيعيّة التي كانت سائدة. ما يعني أنّ العرب الذين يقصدهم ابن خلدون في قوله هم الأعراب أي أهل البدو الرحّل المعروفون بتقلّب الأحوال، فهؤلاء هم الذين إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب؛ لأنّهم اعتادوا الترحال والتنقّل لا السكون. ومن جهة أخرى يعطي ابن خلدون حقّ هؤلاء البدو من حيث إنّهم يمتازون بفطرة سليمة بالكياسة ورجاحة العقل، وبالتالي فهو يدحض النظرة العنصريّة عند بعض المستشرقين.

وأما في خصوص قول المستشرقين بمحدوديّة العرب في الابتكار والتجديد في مجال العلم، فردّه الباحث بالقول إنّ المقصود بالعلم العربي هو ما كُتب بلغة العرب، وأنّ العلم لا يُنسب إلى الأجناس وإنّما يُنسب إلى اللغة. فالعلم العربي هو نتاج مجتمع ظهر بعد الفتح الإسلامي اتخذ العربية لغة وامتزجت فيه الثقافات...
وأما القول بأنّ الإسلام والقرآن رافض للعلم وكابح له، فهو مردود. ويكفي الإشارة إلى أولى تعاليم الإسلام التي جاء بها القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1) وغيرها من الآيات الكثيرة الحاثّة على العلم والتعلّم. وأثبت أنّ العلاقة بين العلم والإيمان هي علاقة تعاضد لا علاقة تضاد كما ذهب بعض المستشرقين.

ومن ثم عرض الباحث نماذج من إنتاج العلم العربي، فتطرّق إلى: الرياضيات، كقصّة الصفر، والحساب والجبر كنظريّة الأعداد التي توسّعوا فيها متجاوزين ما وصل إليه القدامى، وحساب المثلّثات المستوية والكروية، وعلم الفلك. والعلوم الطبيعيّة، كالفيزياء والكيمياء وعلم النبات والطب. وقدّم الباحث في هذه العلوم عرضًا لمنجزات العرب وكيف قدّموا أجهزة ابتكروها وأرصادًا قاموا بها ومشاهدات سجّلوها...

المستشرقون والجغرافيا العربيّة، صلاح الدين عثمان هاشم، أستاذ الجغرافيا في جامعة كولومبيا
يعدّ أدب الجغرافيا والتاريخ من أهم ما أسهم به العرب في ميدان المعارف البشريّة، فمن ناحية قرّب العرب العلوم الدقيقة عند نقلهم التراث اليوناني في الجغرافيا والفلك إلى اللغة العربيّة، ومن ناحية ثانية ما قدّمه العرب في مجال الجغرافيا الوصفيّة التي يرتبط بها ارتباطًا وثيقًا بقصص الرحلات والأسفار. وفي قيمة الأدب الجغرافي قال المستشرق تيودور نولدكه: «إنّ الجغرافيا في أكثر من ناحية هي الجانب الأكثر إشراقًا في الأدب العربي».
لقد اهتم المستشرقون بعلم الجغرافيا العربي، وبرز منهم أربعة، هم: الألماني فرديناند فستنفلد والهولندي ميشيل دي خويه، والروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي والفرنسي المعاصر أندريه ميكيل.

لقد عرض الباحث لأعمال هؤلاء المستشرقين الأربعة ومدى إسهامهم في تحقيق التراث العربي في الموضوع، فالألماني فرديناند فستنفلد نشر عدة أصول عربيّة في ميداني التاريخ والجغرافيا وتحقيق أسماء الأعلام والأماكن وإرجاع النقول والاستشهادات إلى مصادرها الأصليّة. ففي التاريخ قام بنشر سيرة ابن إسحاق ومجموعة تواريخ مكة ووفيات الأعيان لابن خلكان وبعض مصنفات المقريزي؛ وفي الجغرافيا، نشر معجم البلدان لياقوت الحموي في ستة أجزاء لاقت استحسانًا كبيرًا، ونشر المعجم الجغرافي للأندلسي عبد الله البكري «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع»، كما نشر آثارًا أخرى لزكريا القزويني وياقوت الحموي. ولم يكتفِ بالنشر والتحقيق، فقد دوّن بحوثًا تاريخية وجغرافيّة من قبيل بحثه عن اليمامة والبحرين (1874) ووضع موجزًا ببليوغرافيًّا للأدب الجغرافي العربي.

وأما الهولندي ميشيل دي خويه، فقد بلغ القمة بهذا الفن، فقد نشر كتاب البلدان لليعقوبي ومعجم أساس البلاغة للزمخشري، وحقّق قسمًا من مصنّف الإدريسي «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» تحت عنوان صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس، ونشر الأجزاء الثمانية لمكتبة الجغرافيين العرب، وأخرج طبعة جديدة لرحلة ابن جبير الأندلسي.
وأما المستعرب الروسي إغناطيوس كراتشوكوفسكي، فقد تضلّع في دراسة التاريخ والجغرافيا العربيين، ونشر أعمالا كثيرة، فكانت أطروحته للدكتوراه حول الشاعر أبي الفرج الوأواء الدمشقي، وقد ناهزت أعماله الخمسمئة مؤَلَّف بين كتب ورسائل ومقالات، من قبيل: ترجمة القرآن إلى الروسيّة، الحضارة العربية الأندلسية، وأهمها تاريخ الأدب الجغرافي العربي...

وأما المستعرب الفرنسي المعاصر أندريه ميكيل، فقد عُرف بمؤلّفه الضخم «الجغرافيا البشريّة للعالم الإسلامي إلى منتصف القرن الحادي عشر» وهو في جزءين، حمل الجزء الأول اسمًا فرعيًا الجغرافيا والجغرافيا البشرية في الأدب العربي منذ البداية إلى عام 1050م، وهو موزّع على تسعة فصول وخاتمة وثلاثة ملاحق، قام الباحث بعرض موضوعاتها. وأما الجزء الثاني، فحمل في عنوانه الفرعي اسم «الجغرافيا العربية وتصورها للعالم: الأرض والأقطار الأجنبية» وفيه أحد عشر فصلًا...

وعليه، من خلال هؤلاء المستشرقين، يظهر الباحث البُعد الإيجابي في الاستشراق ويصف المستشرقين بحسن الأخلاق وحبهم للعرب والحضارة العربية، وهذا ما لا نجده في المجالات الأخرى خارج الجغرافيا.
بحث في النظام السياسي الإسلامي.. ردًّا على المستشرق الإنجليزي «أرنولد» للدكتور محمد طه بدوي، أستاذ العلوم السياسية بكلية التجارة بجامعة الإسكندرية

حدّد الباحث في مستهل دراسته معايير النظام السياسي الإسلامي، وهو يتجاوز التاريخ السياسي للمجتمعات الإسلامية؛ لأنّه لا يمثّل النظام السياسي الحق، وإنّما تاريخًا للممارسات الفعليّة للسلطة السياسيّة على مقتضى مصالح السلاطين التي كثيرًا ما انحرفت عن القيم الإسلاميّة الحقّة. بل يرى الباحث أنّ النظام السياسي الإسلامي الحق هو ما تُستنبط فروضه ومفاهيمه من الكتاب والسنّة. وما ذهب إليه المستشرقون في دراستهم للنظام السياسي الإسلامي جاء مستقرَأً من واقع الحكم في مجتمع إسلامي ما، وهذه مغالطة مقصودة. وبالتالي، فإنّ النظام السياسي الإسلامي الحقّ الذي تنظّر له هذه الدراسة هو مدى استجابة قواعد النظام إلى الدستور الإسلامي المتمثّل في الكتاب والسنة نصًّا وروحًا.

إن الفكر السياسي الحديث هو وليد المفاهيم اليونانيّة القديمة، فقد كان اليونانيون يتكلّمون عن الدستور وعن احترامه وشكله، غير أنّ الدستور عندهم يمثّل التناسب المتعيّن بين مواقع المواطنين على خريطة المشاركة في إدارة الشؤون العامة وبين مواقعهم الاقتصادية والاجتماعية في المدينة. وأما الغربيون فقد تجاوزوا بزعمهم نظام الحكم عند اليونانيين الذي يقود إلى الاستبداد واستبدلوه بنظام نظّر له الفيلسوف الفرنسي «مونتسكيو» في كتابه روح القانون؛ حيث يكون معيار الشرعيّة في السلطة وجود قانون مسبق يرتبط به الحاكمون في ممارستهم لمظاهر السلطة السياسية، وهذا هو مبدأ الشرعية كدعامة للدولة الغربية الحديثة، حيث ادّعوا أنّ مونتسكيو هو أوّل من جاء به.

وأشار الباحث إلى أن مبدأ سيادة الأمة كدعامة ثانية لنظام الدولة الغربية المعاصرة أدى في ظل النظم النيابية إلى هيئات حاكمة بسلطات مطلقة لا تمتثل إلا لقانون من وضعها، وهذا نوع من الاستبداد المقنّن حيث يكون الخصم والقاضي شخصًا واحدًا.
وبعد أن أشار الباحث لبعض تفاصيل النظم السياسية عند الغرب عرّج على كتاب نظام الخلافة الإسلامي للمستشرق الإنجليزي أرنولد في فصله الثالث الذي يتحدّث عن النظرية السياسية للخلافة. وقام بتحليله ونقده نقدًا موضوعيًّا ومقابلة أفكاره بأفكار النظام السياسي الإسلامي وطريقته في تقديم حلول المشاكل السياسيّة.

وفي عرض أقوال «أرنولد» تعرّض إلى قوله بأنّ علماء الدين المسلمين قد جدّوا في البحث عن سند للنظرية السياسيّة للخلافة في القرآن باعتباره المصدر الأساس للتشريع، مقايسًا ذلك بما فعله رجال الدين الأوروبيون في العصور الوسطى حين أرجعوا نظامهم السياسي إلى نصّ من الكتاب المقدّس، وذكر الآيات القرآنيّة الأحاديث التي لجأ إليها المسلمون في تبرير نظرية الخلافة. وانتهى إلى القول بأنّ الخلافة الإسلاميّة تمثّل حكمًا مستبدًّا يضع في يد الحاكم سلطة مطلقة، وهي سلطة الله على الأرض فيجب على الرعيّة الطاعة سواء أكان الحاكم عادلًا أم جائرًا.

وفي إطار الردّ على «أرنولد»، انتقد الباحث فكرة أنّ علماء المسلمين جدّوا في البحث عن سند للنظرية السياسية للخلافة، وهذا يعني أنّ مدلول عبارة «النظرية السياسية» المنهجي والاصطلاحي غائب تمامًا عن ذهن أرنولد؛ لأنّه ادّعى أن للخلافة نظرية سياسية في الأصل ثم ذهب العلماء يبحثون عن سند لها في القرآن والحديث. وهذا تصوّر يخالف المدلول الاصطلاحي والمنهجي للنظريّة السياسية؛ لكونها تمثّل بناءً ذهنيًّا لمجموعة متّسقة من مفاهيم وفروض مستقرأة بالملاحظة من الواقع، أي أنّ النظرية السياسية هي نظرية فلسفيّة تقدّم نموذجًا لما يجب أن يكون، لا لما هو كائن، وهذا شأن أيّ نظريّة تستند إلى الإسلام. ما يعني أن أيّ نظريّة سياسية إسلاميّة يجب أن تقوم على مجموعة من العناصر هي مقدّمات من الكتاب والسنّة (الصحيحة) وعمليات استنباط مجموعة المفاهيم المتصلة بالعلاقات السياسية للمجتمع. وبالتالي، فإنّ الآيات والأحاديث المتصلة بالعلاقات السياسية هي لبنة أساسيّة في البناء الذهني للنظرية السياسيّة الإسلامية وجزء أصيل منه؛ لذلك يعدّ فهم أرنولد فهمًا خاطئًا؛ لأنّه قدّم النظرية السياسية الإسلاميّة في وجودها على دور الكتاب والسنة في إيجادها، وقال بأنّهما وردا للتبرير فقط.

وأما استعمال أرنولد لمصطلحي الاستبداد والتحكم اللذين وصف بها النظرية السياسية للخلافة، فإنّ الردّ عليه يظهر من خلال الاحتكام إلى مفهومي الاستبداد والتحكم في ظل نظام الدولة الغربية المعاصرة وفلسفتها؛ حيث لا يعني مفهوم التحكّم في ظل الدولة الغربية المعاصرة أكثر من عدم الالتزام بقواعد النظام القانوني للدولة من جانب القائمين على سلطتها، وأن الاستبداد يجاوز ذلك إلى الخروج على القيم الأساسيّة والأهداف العليا للمجتمع والتي تقبع في أيديولوجياته التي انبثقت منها نظمه القانونية والسياسية. وعليه، فإنّ مفهوم الاستبداد ومفهوم التحكّم يضعان أرنولد في تناقض مع ما صرّح به في فقرة أخرى عندما قال بأنّ الشيء الوحيد الذي يقيّد الحاكم المسلم هو التزامه بأحكام الشريعة الإسلاميّة في شتى المجالات وعلى قدم المساواة مع غيره من المسلمين. وهذا الكلام واضح التناقض ولا يستقيم البتة مع ما انتهى إليه من أنّ النظرية السياسيّة للخلافة الإسلاميّة قد صيغت كسند للاستبداد والتحكّم.

وفي مقابل ذلك، يتعرّض الباحث إلى الحلول الإسلاميّة للمقارنة الصحيحة بينها وبين الحلول الغربية المعاصرة للمشكلة السياسيّة. فتعرّض إلى مجموعة من النقاط، منها: موقف الإسلام من فكرة الدولة الغربيّة المعاصرة، وموقفه من المعيار العددي الغربي في شأن الكيان العضوي للسلطة، وموقفه من مفهوم الشرعيّة في قبال التصور الغربي المعاصر له، وموقفه من فكرة سيادة الأمة ومفهوم الديمقراطية النيابية الغربية.
الحياة الاجتماعيّة الإسلاميّة كما صوّرها بعض المستشرقين للدكتور عبد الوهاب أبو حديبة، مدير مركز الدراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة بتونس.

يُراجع الدكتور عبد الوهاب أبو حديبة الدراسات الاستشراقيّة من باب أنّها تكتنف تشويهات واتّهامات للحضارة الإسلاميّة وللحياة الاجتماعيّة للمسلمين، وهذا ما يحدث عادة عند تلاقي الحضارات، فرغم ما أثارته الحضارة الإسلاميّة من اهتمام علميّ واضح، فإنّها في الوقت نفسه أثارت الحقد والغضب في كثير من الأوساط الغربية، ما ألجأها إلى اتخاذ تدابير محكمة لقلب الحقائق وتشويه الواقع وإصدار شتى التهم وإلصاقها بمختلف جوانب أساليب عيشنا وعناصر تفكيرنا وكنه نظرتنا للحياة. فأصبح ما كُتب علينا أكثر شيوعًا مما كُتب فينا.

الاستشراق فرق وتيّارات مختلفة، يرتدي جميعها ثوب الموضوعيّة والتجرّد والدقّة والعلم، شكلّت صورة نمطيّة عن الإسلام ترسّخت في أذهان أجيال متعاقبة في الغرب. وكنموذج على الدراسات الاستشراقيّة المشكّلة للوعي الأوروبي حول الإسلام، كتاب جورج بوسكي «قيم الإسلام الجنسيّة»، وهو كتاب تداوله القرّاء طيلة ثلث قرن، ونُشر تحت إشراف أكبر الأساتذة، ونُقل إلى لغات مختلفة منها العربية، وأصبح المصدر المفضّل والوحيد لأعقد القضايا الاجتماعيّة عند المسلمين، بل أصبح مصدرًا لبعض النخب المسلمة الجاهلة بالفقه الإسلامي، وأصبح المرجع الأم للعديد من السوسيولوجيين والسيكولوجيين والديمغرافيين، حتى أنه لا تكاد تجد دراسة في هذا الموضوع لم تستند على هذا الكتاب.

وفي سبيل معالجة هذا الموضوع، عاد الباحث إلى مصدر الدراسات الاستشراقيّة وعهد انبثاق علم الاجتماع في أوروبا وتطبيقه على المجتمعات الإسلاميّة. ورأى أنّ الأساس يعود إلى غزو الدول؛ حيث إنّ الغرب كان يرى نفسه صاحب حضارة في مقابل الآخر الذي يعيش حالة التوحّش والهمجيّة والقبلية والجهل والفقر والبؤس؛ لذلك رأى الغرب نفسه مسؤولًا عن هذه الشعوب ويجب عليه استعمارها حتى يلقّنها معاني الحضارة، لكن غاب عنهم أنّ الشعوب المستعمَرة تنتمي إلى حضارات ممتدة في عمق التاريخ، ومنها الحضارة الإسلاميّة التي لم تخضع شعوبها لسيطرة الغرب رغم الانهزام العسكري، بل واجهت أنواع الاحتلال بما تكتسبه من دينها الإسلامي. ولمّا اكتشف الغرب أن الإسلام هو سر المقاومة، وأنّ تأصّله في الشعوب يجعل دوام الاستعمار الغربي على المحك، ومن أجل ذلك كلّه، انتقل علم الاجتماع الغربي من دراسة الشعوب الإسلامية إلى تطبيق علم اجتماع البدائيين عليهم، وبالتالي أصبح علم الاجتماع بابًا من أبواب العلوم الاستعمارية.

فالدراسات الاجتماعيّة التي قام بها جمع من المستشرقين ماضيًا وحاضرًا لا تزال في حاجة إلى دحض ونقد، وقد تفطّن قسم منهم إلى ذلك، غير أنّهم بدل الانطلاق من دراسات واقعية حول المجتمع الإسلامي قاموا بتبديل نظرياتهم بنظريات أخرى بعيدة عن واقع المجتمع. والحقيقة أنّ المجتمعات الإسلاميّة متعدّدة بتعدّد الحياة ومتناقضة كتناقض كل المحاولات الإنسانيّة، وهذا لا ينفي وجود نظرة اجتماعية إسلاميّة مبتنية على المبادئ القرآنية السمحة كالحرية والمساواة والإخاء والتكافل، وما التجارب الإسلامية الموجودة إلا محطات تسير تدريجيًّا نحو بناء نظرة أخلاقية كونيّة تتجاوز الظروف والأطر الزمانية والمكانية.

لذلك، فإنّ كلّ دراسة اجتماعية تهمل هذا السير والحركية المستمرة لفرض القيم الإسلاميّة ولتجسيدها في مؤسسات لن تتوصّل إلى فهم كنه القوى الإسلامية على وجهها الحقيقي، وكل تجربة تحاول حصر الإسلام في تجربة أو أخرى، لا يمكن أن تعطي نتيجة، بل هي محاولة محدودة قاصرة، كما يحاول بعض حصر الإسلام فيما شاهدوه من المسلمين في القرنين الأخيرين.

مناهج المستشرقين في دراسة الفنون الإسلاميّة للدكتور عبد العزيز الدولاتلي الباحث بالمعهد القومي للآثار بتونس
يعدّ علم الآثار وتاريخ الفنون من مستحدثات الحضارة المعاصرة، والتي أفردها الغرب بمناهج علميّة شديدة التخصّص مستغلين ما وصلوا إليه من تقنيات متطورة. وقد تمكّنت بقية الشعوب من استكشاف تراثها وتراث الشعوب المسلمة التي ظلّت معالم حضارتها دفينة في باطن الأرض أو مطموسة داخل أنسجة المدن التاريخية لا يعبأ بها أحد؛ لذلك أصبحت هذه الفنون بعد اكتشافها دافعًا قويًّا للشعور الوطني والقومي والاعتزاز بالحضارة ومميزاتها.

يصعب تقديم انطباع محدّد حول المستشرقين الذين كان لهم فضل السبق في دراسة الفنون الإسلاميّة؛ لأنّهم ينتمون إلى مدارس متعدّدة أولًا، ولأنّهم يراجعون مواقفهم كلّ مرة تتقدّم فيها البحوث والمستكشفات الأثريّ؛ة ما يستوجب إعادة النظر والتصحيح. ورغم ذلك، قام هنري تيراس بالتمييز (سنة 1932م) بين اتجاهين بارزين، هما: اتجاه يعتبر الشعوب الفتية التي غزت أوروبا والشرق الأوسط بداية من القرن الخامس بعد الميلاد هي العناصر الأساسيّة في بعث فنون جديدة في الغرب الأوروبي والمشرق الإسلامي طيلة القرون الوسطى. واتجاه ثانٍ يرى أنّ بيزنطة بصفتها الوارث الوحيد في نظرهم للتراث اليوناني والروماني مثّلت دون منافس طيلة القرون الوسطى أهم مصدر لكلّ الفنون في أوروبا وعلى ضفاف البحر المتوسط. وانطلاقًا من هذين الاتجاهين، تنوّعت الدراسات والأطروحات التي حاول فيها أصحابها إظهار مدى تفوّق هذا العنصر على ذاك، وكيف نشأ الفنّ الإسلامي من تلاقح العناصر الشرقيّة والعناصر الغربية واصطدامها بقيود الدين الإسلامي.

وقد عرض الباحث لبعض المؤلَّفات التي سادت دراسات عدد وافر من المستشرقين إلى ما يقرب من نصف قرن، وهي تقدّم الفنّ الإسلامي كما لو كان خليطًا من الفنون السابقة له أو الفنون المعاصرة لنشأته وتطوّره. وتعرّض الباحث لهذه المؤلفات بالعرض والشرح، وهي: الإسلام والفن الإسلامي لألكسندر بابادوبولو، الإسلام العربي دين دون فن لهنري تيراس، العرب مهيأون لاستيعاب أرقى الفنون للوسيان قلوفان، فنّ إسلامي وأيدٍ مسيحية.

كما عرض المؤلّف لبعض الأمور الفنيّة من قبيل المحراب الذي يرمز بنظر بابادوبولو إلى وجود الرسول ومن خلاله إلى الله نفسه. وينتقد الباحث هذه النقطة مدّعيًا أن الإسلام دأب على أن الإنسان يتّصل بخالقه مباشرة دون الاحتياج إلى وسيط مخلوق كان أو جماد، كما أن الشبه بين المحراب وما كان عند اليهودية والكنائس القبطية لا يُبرهن على أنّ المحراب له نفس الدلالات عندهم؛ لكون الرموز الموجودة في حنيات محاريب اليهود والمسيحيين هدفها الأساسي أنّها حاملة للتماثيل، في حين أن المحراب في الإسلام هو دلالة وإشارة إلى وجود النبيs ودوره في التبليغ والإرشاد والتأسيس لحضارة جديدة عادلة.
وإن كان المحراب يتواجد في مساجد المسلمين إلا أنّ الدراسات حوله تكاد تكون معدومة، ما عدا ما كتبه السيوطي (إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب)، ولكن لاقى المحراب دراسات معمّقة من المستشرقين، خلاصة القول فيها إنّها تفسيرات لا علاقة لها بالمعتقدات الإسلاميّة.

وناقش الباحث موضوع إسلاميّة الفنون الإسلاميّة والتي لم تجد اهتمامًا من المسلمين أنفسهم بقدر اهتمام المستشرقين بها، وقام بنقد ما طرحه المستشرق بابادوبولو. كما تعرّض لموضوع عروبة الفنّ الإسلامي، حيث إنّ العرب في نظر المستشرق جاؤوا بالإسلام ولم يكونوا يحذقون أيّ فنّ ما عدا الأدب، ويردّ هذه الفكرة أنّ العرب كانوا موجودين قبل الإسلام بآلاف السنين، وكانت لهم حضارتهم الخاصة، وأنّ سلب العرب حضارتهم وآثارهم وفنونهم مقابل الاعتراف بحضارات الآخرين كالرومان والبيزنطيين والساسانيين يعدّ ظلمًا وافتراء.
الزكاة عند شاخت والقراض عند يودفيتش.. دراسة نقديّة، للدكتور محمد أنس الزرقاء، أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية

يسعى الباحث إلى تقويم دراسات بعض المستشرقين في مجال الاقتصاد والمعاملات المصرفيّة، واختار في مجال الاقتصاد بحث المستشرق جوزيف شاخت عن الزكاة، وفي مجال المعاملات المصرفيّة تطرّق إلى ما ورد في كتاب ابراهام يودوفيتش (الشركة والربح في الإسلام خلال العصور الوسطى) حول عقد القراض. وتأتي أهميّة الموضوعين لأنّ الزكاة تعدّ مؤسسة إسلاميّة متميّزة ومن أركان الإسلام الخمسة، والقراض وهو المضاربة يمثّل الأعمال المصرفيّة، وهو أمر جديد في المصارف الحديثة ذات الصبغة الإسلاميّة الخالية من الربا؛ إذ لا يتجاوز عمرها العشرين عامًا.

تعرّض الباحث بداية إلى أهم أفكار شاخت عن الزكاة والتي تعرّض فيها إلى أهميتها في الإسلام وناقش لغويًّا لفظ الزكاة الذي رأى أنّه مقتبس من اليهود. وأن المفهوم تطوّر بين معنى الطهارة والصلاح إلى معنى العطاء وأنها كانت في مكة طوعيّة وغير منتظمة ثم أصبحت إلزاميّة في المدينة. وتعرّض إلى مستحقي الزكاة...
وفي تقويم آراء شاخت قدّم الباحث نقده في مجموعة نقاط؛ أهمّها: الافتقار إلى الدقّة، والأغلاط الصريحة، وإغفال قضايا مهمّة وتجاهل الحقائق.

وفي إطار الردّ على ادّعاءات شاخت تعرّض الباحث إلى الخصائص الاقتصاديّة للزكاة بالمقارنة مع الديانات الأخرى لدحض ما تفضّل به شاخت من أنّ الزكاة مقتبسة من اليهود؛ مظهِرًا الفروقات بين ما كان يدفعه اليهود وبين الزكاة التي يقدّمها المسلمون، والحقيقة التي يتجاهلها شاخت هي أنّ الزكاة في الإسلام تتمثّل في نقل الثروة من الأغنياء إلى الفقراء، في حين أنّها في الديانات الأخرى كانت مصدر تمويل وظيفة الوساطة الدينية لإعانة رجال الدين وبناء المعابد.

وبشكل عام، فقد تعرّض الباحث إلى منهج شاخت في دراسته، وقدّم مآخذ على منهجه تمثلت في أربع نقاط أساسيّة، وهي: عدم الموضوعيّة، والنقص والقصور، والزّيغ، وعدم التوثيق. وقدّم نماذج على كلّ نقطة من هذه النقاط الأربع.
وبعد تحليل آراء شاخت في الزكاة ونقدها، تعرّض الباحث إلى كتاب يودوفيتش عن الشركات والقراض. فبعد أن عرض لآراء الكتاب في القراض (المضاربة)، تعرّض لمزايا كتاب المستشرق؛ حيث أظهر الدقّة والتعمّق لدى المستشرق وبعده عن الخطأ في نقل الأحكام الشرعيّة، وسلاسة لغته ووضوح العبارة، والنجاح في إظهار الحكمة الاقتصاديّة لكثير من الأحكام الفقهيّة.

لكن لم يخلُ الكتاب من مآخذ تمثّلت في عدم توفيقه في تفسير بعض الأحكام وتصوّر أسسها ومبرّراتها. فأخطأ في فهم أثر السنّة النبويّة في فقه المعاملات ومدى أثر الإسلام في أحكام القراض، وأخطأ في تضخيمه لمسألة الحيَل والمخارج، وجانبَ الصواب في تفسير هدف الربح في نظر الفقهاء.
ثم عرض الباحث تفصيليًّا لجملة من المآخذ على ما قدّمه يودوفيتش بعد أن أشاد بمجموعة من الخصال اتّصف بها، وتمثّلت هذه المآخذ في النقاط التالية: تجاهله القرآن والسنة بوصفهما مصدر الفقه، وتفسير موقع العرف في الفقه الإسلامي، واستبعاده المذهب الحنبلي. وبشكل عام، فإنّ الباحث أشاد بكتاب يودوفيتش، وأرجع الجوانب السلبية إلى تأويلاته لمواقف الفقهاء.
مواقف المستشرقين من الحضارة الإسلاميّة في الأندلس للدكتور مصطفى الشكعة، عميد الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الإمارات العربية المتحدة

تدور رحى هذا البحث حول المؤتمر العلمي الذي أقامته إسبانيا حول تاريخها، وخاصة الحقبة الإسلاميّة منه؛ حيث توزّعت أيام المؤتمر على مدن الأندلس الكبرى: إشبيلية، وقرطبة، وغرناطة، ومالقة، وهو مؤشر على قيمة المرحلة الإسلامية في تاريخ البلاد. ومثلما ضاع الأندلس بالإهمال وعدم المبالاة من العرب والمسلمين، جاءت المشاركات الإسلامية محدودة، ما يصعّب عمليّة دفع التهم الظالمة للحقبة الإسلامية؛ إذ لم يشهد المؤتمر حضور عدد مناسب من علماء العرب والمسلمين، على عكس الحضور الكبير للمستشرقين الأوروبيين والأمريكيين، لكن يشير الباحث إلى أنّ السبب يعود إلى عدم استجابة عدد كبير من العلماء والأساتذة في بلاد العرب والمسلمين رغم توجيه الدعوات لهم. وقد كان موقف أغلب المستشرقين من الإسلام عقيدة وحضارة موقف العدو المتربّص والخصم المتلصّص. ومع ذلك، فإنّ فريقًا من الباحثين أقرّ بأنّ تاريخ إسبانيا دون احتساب المرحلة الإسلاميّة لا قيمة له، فهي بدونه دولة عاطلة عن الأمجاد التاريخيّة.

تعرّض الباحث لمخرجات هذا المؤتمر، وأشار إلى شقّين من المستشرقين: أحدهما كان ينحو منحى العلمية والموضوعية، والآخر عكسه، حيث لم يدّخر جهدًا في مهاجمة الإسلام عقيدة وحضارة. وقد تعرّض إلى نماذج من أخطاء المستشرقين.
ومن أهم ما وقع فيه المستشرقون -كما أشار الباحث- أخطاء حول سكان الأندلس، فالمستشرق ليفي بروفنسال اتّسمت أفكاره بالاضطراب والتناقض، خاصة عندما فرّق بين سكان الأندلس بين من أسلم عنوة ومن أسلم صلحًا من خلال المعاملة، وهذا ما فنّده الباحث وأظهر تهافته أمام الأدلة.

كذلك، قام المستشرق رينهارت دوزي بتشويه تاريخ المرابطين، وأشار الباحث في الردّ عليه بإدراج آراء مستشرقيْن كبيرين وهما: المستشرق الإسباني جرسيا جومس، وآنخل جنثالث.
كما وقع المستشرقون في خطأ اختلاق الأخبار وتزييف الوثائق والحقائق، خاصة فيما يتعلّق بأعلام المسلمين من قادة وفاتحين وعلماء، وقد ناقش الباحث مختلف الآراء مدافعًا بشكل مستميت على القادة المسلمين خاصة موسى بن نصير وطارق بن زياد، وحاول الدفاع عن الفتوحات التي قال بأنّها كانت تتسم بالأخلاقيّة والإنسانيّة وأظهر تسامح المسلمين الشمولي.
كما تعرّض الباحث إلى تحامل المستشرقين على القضاة والمفكّرين المسلمين، وقام بإظهار مكانة هؤلاء وفنّد ما طرحه المستشرقون. وخصّص جزءًا من بحثه حول المستشرق الإسباني سيمونيت صاحب كتاب «المستعربون» الذي يعدّ أكثر تطاولًا على الإسلام من غيره.


الخاتمة
توزّع الجزء الثاني من كتاب مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلاميّة (الجزء الثاني) على سبعة فصول، عالجت مجموعة من المواضيع التي تختلف عمّا تعرّض له الجزء الأوّل: التراث العلمي العربي، الجغرافيا العربية، النظام السياسي الإسلامي، الحياة الاجتماعية الإسلاميّة، الفنون الإسلامية، الزكاة والمضاربة، الحضارة الإسلامية في الأندلس.
ومن خلال هذه العناوين، سعى الباحثون إلى دحض آراء المستشرقين بعد عرضها وتحليلها. ولقد اتّسمت غالبية البحوث بالثراء العلمي والمنهجي في معالجة مختلف القضايا التي كانت موضع هجوم من قبل المستشرقين.
ورغم نجاح الكتاب في نقد مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، ونجاحه في أن يكون من الكتب المؤسّسة في دراسة الاستشراق ومناهجه، إلا أنّه يبقى قاصرًا عن الإحاطة بالاستشراق المعاصر الذي يشمل علومًا كثيرة ومختلفة ومناهج أكثر دقّة مما جاء به مستشرقو هذا الكتاب. كما أنّ البُعد المذهبي في معالجة شبهات المستشرقين لا يُنصف الإسلام عقيدة وحضارة، بل لا بدّ من الارتكاز أولًا على أسس موضوعيّة إسلاميًّا قبل الردّ عن شبهات المستشرقين، فموضوع الفتوحات الإسلاميّة مثلًا يعدّ مشكلًا داخل الدراسات الإسلاميّة نفسها، بمعنى هل كل ما قام به المسلمون بعد وفاة رسول اللهs تعدّ فتوحات أم لا؟ لذا استوجب تأسيس نظرة صحيحة لهذا الموضوع قبل الردّ عن ادّعاءات المستشرقين؛ حتى لا نساهم في تثبيت هذه الشبهات في نفوس الباحثين سواء الغربيين أم الإسلاميين.
وبناء عليه، لا بدّ من إعادة معالجة شبهات المستشرقين بناء على رؤية إسلاميّة أصيلة لا تترك مجالًا للشك والتضارب، خاصة وأنّ الاستشراق المعاصر استقطب من الباحثين العرب والمسلمين عددًا يكاد يتجاوز المستشرقين أنفسهم، والذين انطلقوا من تهافت ما يطرحه بعض العلماء المسلمين ذوي النظرة المذهبيّة الضيّقة للدين الإسلامي ليهاجموه من داخله.


-----------------------------------
[1](*)- باحث في الفكر الإسلامي تونس.