الباحث : مجتبى الساده
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 42
السنة : ربيع 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : April / 15 / 2025
عدد زيارات البحث : 31
مجتبى الساده[1][*]
الملخّص
تُعدّ العقيدة المهدويّة نافذة ثرية لفهم تطوّر النظرة الاستشراقيّة للعالم الإسلامي. شكّلت هذه العقيدة محورًا جدليًّا متشابكًا بين مكتبة الكلاسيكيّة وأروقة الحداثة. في البداية، ركّز المستشرقون الكلاسيكيّون على المهدويّة كظاهرة دينيّة غريبة، متأرجحين بين محاولات الفهم والتّشويه، ضمن إطار استعلائي يخدم المشاريع الاستعماريّة والتبشيريّة.
لكن مع بزوغ الحداثة تغيّر المشهد جذريًّا، فأصبحت المهدويّة أكثر من مجرّد عقيدة دينيّة؛ إذ يكشف هذا التحوّل في النظرة الغربيّة عن عمق تأثير هذه العقيدة على الواقع الجيوسياسي للمنطقة، وهذا الاهتمام يعكس إدراكًا متزايدًا بأهميّة فهم هذه العقيدة في سياقها السياسي المعاصر، ممّا حدا بمؤسّسات الهيمنة السياسيّة الغربيّة أن ترى في المهدويّة تهديدًا استراتيجيًّا دفعتها إلى تغيير نمط الدراسات الاستشراقيّة حول المهدويّة بقراءة استراتيجيّة ذات صبغة سياسيّة وأمنيّة.
لقد ظلّ الاستشراق، رغم اختلاف مراحله، أسيرًا لتحيّزاته، عاكسًا مصالحه أكثر من فهمه الحقيقي للمهدويّة. وهكذا، كشفت قراءة العقيدة المهدويّة في الدراسات الاستشراقيّة حدود الفهم الغربي القائم على المصالح.
كلمات مفتاحيّة: المهدويّة، العقيدة المهدويّة، الدراسات الاستشراقيّة، الاستشراقيّة الكلاسيكيّة، الاستشراقيّة الحديثة.
المقدِّمة
لم تكن المهدويّة بمنأى عن أعين المستشرقين الذين سعوا إلى دراستها واستكشاف أبعادها من زوايا متنوّعة، معتمدين على أسس فكريّة متباينة عَكَسَتْ في كثير من الأحيان رؤى مشحونة بالتوجّهات الثقافيّة والسياسيّة. وهو ما يدفعنا في هذا البحث للغوص في أعماق النظرة الاستشراقيّة تجاه المهدويّة، ورسم صورة تحليليّة مقارنة بين المستشرقين الكلاسيكيّين والمستشرقين الجدد في هذه العقيدة المحوريّة. فمن جهة، انصبَّ اهتمام الاستشراق الكلاسيكي على دراسة المهدويّة بوصفها عقيدة دينيّة وتاريخيّة، ومن جهة أخرى، جاء الاستشراق الحديث ليعيد رسم ملامح المهدويّة في سياق سياسي واستراتيجي معاصر، رابطًا إيّاها بالتحوّلات الجيوسياسيّة الكبرى في المنطقة، ومتعاملًا معها كظاهرة تتجاوز البعد الديني، لتصبح أداةً حيويّةً في فهم ديناميكيّات الصراع والتحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة.
يطرح هذا البحث سؤالًا جوهريًّا يدور في صميم هذه المقارنة: كيف تغيَّرت نظرة الغرب إلى العقيدة المهدويّة بين الماضي والحاضر؟ وما هي الدوافع والأهداف التي حثّت المستشرقين الجدد إلى إعادة صياغة رؤيتهم لهذه العقيدة؟ وهل يرتبط هذا التغيّر بتحوّلات سياسيّة كبرى شهدتها المنطقة الإسلاميّة؟ وكيف انعكست هذه النظرة المتجدّدة على فهم الغرب للتحوّلات الثوريّة والسياسيّة في المجتمعات الإسلاميّة؟
في إطار الإجابة على هذه التّساؤلات، سيستعرض البحث أبرز الآراء والتحليلات التي صاغها المستشرقون حول المهدويّة، متتبّعًا تطوّر هذه الرؤى من القراءة الكلاسيكيّة التي ركّزت على المهدويّة كجزء من التراث العقدي الإسلامي، إلى القراءة الحديثة التي أوْلَتها بُعدًا استراتيجيًّا وسياسيًّا يُظهرها كفاعل مؤثّر في تشكيل الهويّات الجماعيّة وتوجيه الأحداث. كما سيتناول البحث تقويمًا نقديًّا لفهم الغرب المعاصر للعقيدة المهدويّة، مُبرزًا ما إذا كان هذا الفهم قد نجح في استيعاب العمق الحقيقي لهذه العقيدة؟ أم أنّه ظلّ محصورًا في إطار التحيّزات الفكريّة والأجندات السياسيّة الخاصّة؟.
أوّلًا: المهدويّة ومراحل الاستشراق التاريخيّة
تمهيد
كان الاستشراق الكلاسيكي أداةً لتعزيز الهيمنة الاستعماريّة وتقديم صورة مشوّهة عن الثقافات الشرقيّة والعقائد الإسلاميّة، بينما سعى الاستشراق الحديث إلى تجاوز هذا الإرث، فبدلًا من النظر إلى الشرق كـ»آخر» غريب، انطلق إلى فهم أعمق للعالم الشرقي والإسلامي، مستخدمًا منهجيّات أكثر انفتاحًا وتنوّعًا. ورغم هذا التطوّر، لا يزال الاستشراق موضوعًا مثيرًا للجدل؛ إذ يواجه تحدّيات في تجاوز ميراثه الاستعماري أو خدمة الأجندات الخاصّة للهيمنة الغربيّة. فمنذ نشأته كأداة لتبرير الهيمنة الاستعماريّة، مرّ الاستشراق بمراحل متعدّدة[2]، كلّ منها تحملُ بصمات العصر الذي نشأت فيه، وهي مراحل يمكن اختصارها في مرحلتين رئيستين: الاستشراق الكلاسيكي والاستشراق الحديث.
ازدهر الاستشراق الكلاسيكي في القرنين الثامن والتاسع عشر، وكان مرتبطًا بشكل وثيق بالمشروع الاستعماري الغربي، فقد كان يهدف إلى دراسة الشرق، وخاصّة العالم الإسلامي والعربي، من منظور غربي استعلائي، وذلك بهدف فهمه وتسخيره لخدمة الأهداف الاستعماريّة. وكانت أهدافهم تتجاوز الفهم الأكاديمي البحت، لتشمل التبشير بالمسيحيّة وتبرير المشاريع الاستعماريّة.
ومع تلاشي الإمبراطوريّات الاستعماريّة وتغيّر الخارطة السياسيّة العالميّة، وتصاعد الشعور بالوطنيّة في العالم العربي والإسلامي، بدأ الاستشراق يتّخذ مسارًا جديدًا. فظهر الاستشراق الحديث الذي سعى إلى فهم الواقع المعاصر في عمقه، متناولًا القضايا الملحّة والتغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة والأمنيّة التي تشهدها المنطقة، واستعان في هذا المسعى بمنهجيّات متنوّعة، كأنثروبولوجيا المجتمعات وتقنيّات العلوم السياسيّة والأمنيّة، ليقدّم قراءات أعمق وأشمل للواقع المعاصر.
أحد أبرز الأمثلة على هذا التحوّل هو الاهتمام المكثّف بدراسة موضوع المهدويّة، فبينما ركّز الاستشراق الكلاسيكي على الجوانب الغريبة والأسطوريّة في هذه العقيدة، سعى الاستشراق الحديث إلى فهمها في سياقها التاريخي، وربطها بالتطوّرات السياسيّة والاجتماعيّة في العالم الإسلامي.
1. المهدويّة بين الاستشراق الكلاسيكي والاستشراق الحديث
كان المستشرقون في الماضي ينظرون إلى المهدويّة من منظور استعلائي، متأثّرين بخلفيّاتهم الثقافيّة والدينيّة، وكان الهدف هو فهم العقيدة المهدويّة، ليس من منظور أصحابها، بل من خلال عدسة القيم والمعتقدات الغربيّة، متجاهلًا عمقها الفكري في الثقافة الإسلاميّة، ممّا أثّر على فهمه للمهدويّة؛ لذا غالبًا ما كانت الدراسات الكلاسيكيّة للمهدويّة مشوّهة ومحمّلة بالتحيّزات.
مع مرور الزمن، اتّجه الاستشراق الحديث نحو منهجيّة أكثر علميّة وموضوعيّة، وتحوّل الاهتمام من الجوانب الغريبة في العقيدة المهدويّة إلى دراسة أصولها التاريخيّة والفكريّة، فدرسوا النصوص والروايات المتعلّقة بها باستخدام مناهج البحث الحديثة. وتحوّل الهدف من مجرّد الاستكشاف إلى محاولة الفهم الدقيق للعقيدة، مع تركيز الاهتمام على البعد السياسي والاجتماعي والأمني في العقود الأخيرة.
باختصار، يمثّل التحوّل في دراسة المهدويّة انعكاسًا للتطوّر العام في الاستشراق، فكما تحوّل الاستشراق من أداة سياسيّة للسيطرة والاستعمار إلى مشروع معرفي أشمل، كذلك تحوّلت دراسة المهدويّة من كونها موضوعًا للانتقاص والتّشويه إلى مجال للدراسة المتأنّية ومحاولة جادّة لفهم أعمق. ومع ذلك، فإنّ الشكوك لا تزال حاضرة حول مدى حيادية الاستشراق الجديد، وما إذا كان قد تجاوز تمامًا تحيّزاته السابقة...؛ لذا يمكن القول إنّ دراسة المهدويّة من خلال عدسة الاستشراق تكشف لنا صورة واضحة حول كيفيّة تأثّر المعرفة بالسلطة والسياسة، وكيف يمكن للمعرفة أن تكون أداة للبناء أو التدمير، أو سلاحًا ذو حدين.
2. مراحل بحث المستشرقين للمهدويّة
مرّ تناول المستشرقين للعقيدة المهدويّة بعدة مراحل تاريخيّة، حيث تطوّرت دوافعهم وأهدافهم تبعًا للسياقات التاريخيّة والدينيّة، ووفقًا للظروف السياسيّة والثقافيّة، السائدة في كل مرحلة[3]، ونتيجة لذلك يُمكن تقسيم الدوافع والأهداف إلى عدّة محاور رئيسيّة:
أ. المرحلة الاستكشافيّة والعلميّة (القرن 18-19): خلال هذه الفترة، كان اهتمام المستشرقين بالمهدويّة جزءًا من حركة واسعة لدراسة الإسلام، حيث سعى بعض المستشرقين إلى فهم المعتقدات الدينيّة الإسلاميّة لمعرفة تأثيرها في حياة المجتمعات الإسلاميّة وتشكيل ثقافتها. لم يكن لهذه الدراسة أي بعد استعماري في البداية، بل كانت في الغالب ذات دوافع أكاديميّة تهدف إلى التوثيق والفهم الثقافي.
في هذه المرحلة، اتّسمت الكتابات بنظرة استعلائيّة؛ حيث اعتُبرت العقيدة المهدويّة مجرّد تعبير عن «خرافات شرقيّة»، أو وسيلة لإبقاء الشعوب المسلمة في حالة من الترقّب والانتظار. ونتيجة لذلك، لم يتمّ التعامل مع هذه العقيدة بجدّيّة علميّة أو فكريّة عميقة، بل كانت تُدرس باعتبارها ظاهرة غريبة تعكس ضعف البنية الفكريّة للشرق ... وفي الغالب فإنّ النظرة الاستشراقيّة للمهدويّة كانت مشبعة بالأحكام المسبقة[4] نتيجة الصراعات الصليبيّة.
ب. المرحلة الاستعماريّة (أواخر القرن 19 - منتصف القرن 20): شهدت هذه الفترة تدخّل القوى الغربيّة الاستعماريّة في العالم الإسلامي. أصبح الاستشراق وسيلة لفهم العقائد التي تؤثّر في المجتمعات الإسلاميّة، ومنها عقيدة المهدويّة، بهدف إدارة الشعوب واحتواء التطلّعات المناهضة للاستعمار. وُجّهت الدراسات لتوضيح دور المهدويّة في المجتمعات الإسلاميّة، ولتفسير إمكانيّة الاستفادة من الأفكار المتعلّقة بالمهدويّة لخدمة الأهداف الاستعماريّة أيضًا.
وتجدر الإشارة في هذه المرحلة والتي قبلها إلى أنّ الاستشراق يميل إلى دراسة المهدويّة بناءً على الأطروحة السنيّة أكثر من الأطروحة الشيعيّة، باعتبار أنّ المذهب السني هو المذهب الأكثر انتشارًا في العالم الإسلامي (مثل: الدولة العثمانيّة ومصر)، والأكثر تأثيرًا سياسيًّا وجغرافيًّا؛ حيث إنّ غالبيّة الدول الإسلاميّة كانت تحت الحكم السني؛ ولذلك كان لدى المستشرقين الكلاسيكيّين اهتمام أكبر بفهم العقائد والتصوّرات المتعلّقة بالمهدويّة في الفكر السني.
وجدير بالذكر في هذه المرحلة، أنّ العقيدة المهدويّة تُعتبر نقطة اختلاف بين السنّة والشيعة في بعض تفاصيلها؛ ولذلك اهتم المستشرقون بدراسة هذه الاختلافات لفهم البنية المذهبيّة للإسلام وتأثيرها على المجتمع الإسلامي، فركّزت بعض الدراسات[5] على إبراز هذه التفاصيل والخلافات بين المذاهب الإسلاميّة فيما يتعلّق بالمهدويّة، كجزء من استراتيجيّة «فرّق تسد» التي تبنّتها القوى الاستعماريّة، أو تفكيك الوحدة الإسلاميّة.
ت. المرحلة الفكرية الباردة (بعد الحرب العالميّة الثانية): في هذا الوقت، انشغل المستشرقون بأبعاد الأيديولوجيّات الإسلاميّة التي تحمل تطلّعات للتغيير الاجتماعي والسياسي، وزاد الاهتمام بالمهدويّة بعض الشيء في الدراسات الاستشراقيّة، خاصّة في الأوساط الشيعيّة. وقد اهتمّت هذه الدراسات بفهم كيفيّة تأثير العقائد الدينيّة على القوى القوميّة والشعبيّة، وكيفيّة التعامل مع هذه القوى بطريقة تتناسب مع المصالح الغربيّة.
في هذه المرحلة، تمّت دراسة العقيدة من منظور استراتيجي: كيف تؤثّر على استقرار الدول؟ كيف توظّفها الحركات السياسيّة لتحقيق أهدافها؟ هنا، تحوّل المهدي من كونه شخصيّة منتظرة إلى رمز حي في الوعي السياسي والاجتماعي للمسلمين (الشيعة)، وهو ما أثار قلق الأنظمة الغربيّة التي رأت في هذه العقيدة تحدّيًا محتملًا لنفوذها في العالم الإسلامي[6].
ث. المرحلة المعاصرة (أواخر القرن 20 حتى الآن): تُركّز الدراسات الحديثة على فهم أعمق للأبعاد السياسيّة والأمنيّة لعقيدة المهدويّة، خاصّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979م، حيث عُدَّت المهدويّة عنصرًا رئيسيًّا في الدراسات الاستشراقيّة، خاصّة في الأوساط الشيعيّة. يهدف هذا الاهتمام إلى فهم تأثيرها في الرأي العام الإسلامي، ودورها في تشكيل الهويّة الثقافيّة والسياسيّة للمجتمعات الإسلاميّة، والنظر إليها كعامل مؤثّر في وجدان الشعوب الإسلاميّة أيضًا. قد يكون هذا التوجّه جزءًا من سعي الدول الكبرى لفهم التفاعلات الدينيّة والسياسيّة وكيفيّة التأثير فيها لخدمة أهدافها الاستراتيجيّة ... كان اهتمام المستشرقين بالمهدويّة مدفوعًا بالرغبة في فهم الحركات السياسيّة والاجتماعيّة (المقاومة للهيمنة الغربيّة) التي استلهمت من العقيدة المهدويّة أيديولوجيّتها الثورية، باعتبارها تمثل تعبيرًا عن الأمل والعدالة في مواجهة قوى الظلم، فاعتبرت مؤسّسات الهيمنة الغربيّة إنّ العقيدة المهدويّة تشكّل تهديدًا قويًّا لهذه الهيمنة؛ لذلك تحاول فهمها وتقويضها.
في هذه المرحلة، تزايد اهتمام الدراسات الاستشراقيّة بالبعد السياسي والأمني للعقيدة المهدويّة، وأصبحت تُدرس كجزء من عقيدة الحركات الإسلاميّة المقاومة، لا سيّما الشيعيّة؛ ولذلك كان هناك تركيز على التحليل العميق لجذورها الفكريّة والعقائديّة، ممّا جعل بعض الدراسات الاستشراقيّة تسعى إلى تشويه العقيدة المهدويّة[7] أو التقليل من أهميّتها، بهدف إضعاف الروح الثوريّة والإصلاحيّة التي يمكن أن تولّدها في المجتمعات الإسلاميّة.
3. الأهداف الكامنة
لقد تنوّعت أهداف الاستشراق في دراسة المهدويّة بتنوّع المراحل المذكورة، حيث تراوحت بين الفهم الثقافي، والسيطرة الاستعماريّة، وصولًا إلى كيفيّة توظيف المهدويّة خدمة لأجندات غربيّة...، وإنّ الدراسات الاستشراقيّة حول العقيدة المهدويّة قد قطعت شوطًا طويلًا من الفهم السطحي إلى تحليل أكثر عمقًا. ومع ذلك، يبقى الطريق طويلًا أمام تحقيق فهم متكامل يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الحقيقيّة لهذه العقيدة الأصيلة وتجذّرها في الفكر الإسلامي.
لا بدّ من الإشارة إلى أن تقسيم الدوافع والأهداف حسب المراحل التاريخيّة[8]، لم نقصد به استقلال كل مرحلة وحدها بجميع دوافعها وأهدافها، ولكن هذه المراحل عبارة عن دوائر متداخلة في بعضها، ولا يمكن أن تستقلّ كلّ مرحلة بخصائص مميّزة، لأنّ كلّ مرحلة تحتوي على خصائص المرحلة التي تسبقها وبعض ملامح المرحلة التالية، بل إنّ هذا التقسيم من الناحية الواقعيّة لا يستند إلّا إلى إظهار دوافع الاستشراق وأهدافه.
ثانيًا: المهدويّة في أدبيّات الاستشراق الكلاسيكي: بين الدين والتاريخ
نستعرض في هذا القسم نماذج من الأدبيّات الاستشراقيّة لكل اتّجاه، للتدليل على أبرز الفروقات الفكريّة بين الاتجاهين وكيفيّة معالجة كل منهما للقضيّة المهدويّة، الذين رأوا فيها نافذةً مثالية لا غنى عنها لفهم أعماق الثقافة الإسلاميّة ومعتقداتها. وقد انصرف هؤلاء الباحثون منذ القرن التاسع عشر، إلى دراسة هذه العقيدة بصورة إجماليّة، متّخذين من كتبهم أدواتٍ لكشف أسرارها وتأويلاتها.
برزت أسماء لامعة في عالم الاستشراق في هذا المجال، من أمثال:
- المستشرق الألماني أرنست موللر (١٨٤٨-١٩١٦م)، وكتابه (المهدويّة في الإسلام)[9].
- المستشرق الفرنسي: جيمس دارمستيتير (١٨٤٩-١٨٩٤م)، وكتابه (المهدي من أصول الإسلام إلى الحاضر)[10].
- المستشرق المجري إجناس جولدتسيهر (١٨٥٠-١٩٢١م)، وكتابيه (دراسات إسلاميّة) و(العقيدة والشريعة في الإسلام)[11].
- المستشرق الهولندي ج. فان فلوتن (١٨٦٦-١٩٠٣م)، وكتابه (السيطرة العربيّة، والتشيّع والمعتقدات المهديّة في ظلّ خلافة بني أميّة)[12].
- المستشرق البريطاني دوايت دونالدسن (١٨٨٤-١٩٧٦م)، وكتابه (عقيدة الشيعة: الأئمّة الإثني عشر، والإمام الغائب، وسامراء مدينة آخر الأئمّة، والوكلاء الأربعة للإمام الغائب)[13].
وقد ساهم كلٌّ منهم، من خلال أعماله التي تناولت جوانب مختلفة من المهدويّة، في رسم صورة تفصيليّة لهذه العقيدة، بدءًا من جذورها التاريخيّة، وصولًا إلى تأويلاتها وتفسيراتها الدينيّة ... رأى هؤلاء المستشرقون في المهدويّة تعبيرًا عن تطلّعات عميقة لدى المجتمعات الإسلاميّة نحو العدالة والخلاص، وأشاروا إلى أنّ فكرة المخلّص ليست حكرًا على الإسلام، بل هي فكرة متجذّرة في العديد من الديانات والثقافات الأخرى، ويرون فيها امتدادًا لفكرة المنقذ الذي ينتظره الناس في أوقات الشدّة والأزمات.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل الرؤية الاستشراقيّة التي طغت على هذه الدراسات[14]، والتي حملت في طيّاتها بصمات الاستشراق التقليدي بمنهج يُتّهم بالتحيّز ولم يخلُ من أجندات استعماريّة[15]، ممّا أثر على تقويم هذه العقيدة في الغرب ... ورغم ذلك، لا شكّ في الأثر البارز الذي أحدثته هذه الدراسات في تشكيل اللبنة الأولى لفهم الغرب المبكر لأحد أهمّ المفاهيم الجوهريّة في العقيدة الإسلاميّة.
النماذج: وبناءً على ذلك نعرض بعض النماذج من أدبيّات الاستشراق التقليدي حول المهدويّة:
1. كتاب بعنوان: (المهدي من أصول الإسلام إلى الحاضر)[16]، للكاتب المستشرق اليهودي الفرنسي: جيمس دارمستيتير (١٨٤٩م-١٨٩٤م) أو بعنوان (المهدي: الماضي والحاضر) كما في النسخة الإنجليزية ... صدرت الطبعة الأولى في ٢٨ فبراير ١٨٨٥م باللغة الفرنسيّة، ثمّ ترجمته «آدا ساره بالين» إلى اللغة الإنجليزيّة في العام نفسه، وطبع في نيويورك[17].
يدور الكتاب حول فكرة ظهور «المهدي» المنتظر في آخر الزمان، وكيف تطوّرت هذه الفكرة عبر الأديان المختلفة، مع التركيز على الإسلام بشكل خاصّ. وأهمّ الأفكار الرئيسيّة:
• أصل الفكرة: يزعم المؤلف أنّ فكرة المهدي ليست أصليّة في الإسلام، بل انتقلت من ديانات سابقة مثل اليهوديّة والمسيحيّة والزرادشتيّة. ويقول: إنّ الإسلام استعار هذه الفكرة ولم يبتكرها، مستندًا في ذلك إلى تشابه بعض المعتقدات حول ظهور شخصيّة منقذة في نهاية الزمان.
• تطوّر الفكرة في الإسلام: يتتبّع الكتاب تطوّر هذه الفكرة في العالم الإسلامي منذ العصر الأموي وحتّى القرن التاسع عشر، مرورًا بالفاطميّين والعباسيّين وغيرهم.
• الدوافع السياسيّة: يربط المؤلّف بين فكرة المهدي وبين الاضطرابات السياسيّة والاجتماعيّة في العالم الإسلامي، ويعتبر العديد من ادّعاءات المهدويّة محاولات للاستيلاء على السلطة.
انتقادات الإسلام: يوجه المؤلف انتقادات لاذعة للإسلام، مدّعيًا أن محمّدًاs استعار الكثير من عقائده وأساطيره من الديانات السابقة الأخرى.
يهدف المؤلّف إلى نقد فكرة المهدويّة وإظهارها على أنّها فكرة مستوردة وليست جزءًا أصيلًا من الإسلام. كما يسعى إلى ربط هذه الفكرة بالاضطرابات السياسيّة التي شهدها العالم الإسلامي ... يقدم الكتاب سردًا تاريخيًّا لفكرة المهدي، مع التركيز على الأطروحة السنية للفكرة. ومع ذلك، فإنّ الكثير من آراء المؤلّف مثيرة للجدل وغير مدعومة بأدلّة قويّة، وتعتبر انتقادات متحيّزة لا أساس لها.
غلاف للكتاب في الطبعات الحديثة
2. كتاب بعنوان: (عقيدة الشيعة)[18]، للكاتب المستشرق البريطاني: دوايت دونالدسن (١٨٨٤-١٩٧٦م) والذي عاش في إيران ١٦ سنة، وصدر الكتاب باللّغة الإنجليزيّة عام ١٩٣٣م وطبع في لندن، وترجم إلى اللّغة العربيّة وطبع في القاهرة عام ١٩٤٦م.
الكتاب عبارة عن دراسة استشراقيّة شاملة عن معتقدات الشيعة الإماميّة، ويُعدّ من الدراسات الاستشراقيّة المبكرة عن حياة كل الأئمّة الاثني عشرb، والكتاب مكوّن من ٤١٩ صفحة، ويحتوي على ٣٣ فصلًا، وقد أفرد المؤلّف ثلاثة فصول (٢١ و٢٢ و٢٣) تكلّم فيها عن العقيدة المهدويّة الشيعيّة، حيث خصّص عن الإمام المهدي(عج) فصلًا بعنوان (الإمام الغائب)، وأعقبه بفصل عن (سامراء مدينة آخر الأئمّة)، كذلك خصّص فصلًا عن السفارة بعنوان (الوكلاء الأربعة للإمام الغائب)، وتطرّق المؤلّف إلى اختلاف المذاهب في المهدي، وأشار إلى ولادة الإمام والغيبة والسرداب والرجعة والدجّال ونزول المسيح ... والمؤلّف قد عدّ قسمًا من هذه الدراسة في بادئ الأمر كأطروحة لنيل درجة الدكتوراه؛ لذا نجد أنّ منهج الكتاب يغلب عليه الطابع الأكاديمي.
• نظرة عامّة: يسعى الكتاب إلى سدّ الفجوة في المعرفة الغربيّة حول الشيعة، ويحاول فهم أصول معتقداتهم وأسبابها، ويقدم تحليلًا تفصيليًّا لعقائد الشيعة، مع التركيز بشكل خاصّ على عقيدة الإمامة وبالخصوص العقيدة المهدويّة.
• الدوافع: كتب دونالدسن الكتاب بدافعين رئيسين: الأوّل هو رغبته في تقديم دراسة علميّة عن الشيعة للغرب، والثاني هو الأهداف الاستعماريّة لبريطانيا في المنطقة.
• العقيدة المهدويّة: يوجّه دونالدسن انتقادات عديدة لعقيدة المهدويّة، بسبب شكوكه في أصل فكرة المهدويّة، وتفسيره لهذه العقيدة على أنها نتيجة لفشل الشيعة واضطهاد الأعداء لهم، كما يحاول المؤلِّف تقديم صورة مشوّهة لعقيدة الشيعة.
• زمن صدور الكتاب: صدر الكتاب في فترة سيطرة بريطانيا على العراق وإيران، ممّا يثير تساؤلات حول الدوافع السياسيّة وراء نشره.
• الأسلوب: يتبع الكتاب منهجًا علميًّا في عرضه للمعلومات (باعتباره بحثًا أكاديميًّا في الأصل)، ولكنّه يواجه اتهامات بعدم الحياديّة والأمانة العلميّة، وفي الواقع يحمل المؤلّف تحيّزات واضحة ضدّ الشيعة.
يتعرّض هذا الكتاب إلى مجموعة من الانتقادات المنهجيّة: أبرزها اتّهام المؤلّف بالتحيّز الواضح وتفضيله لمصادر معيّنة لدعم آرائه، ممّا يثير تساؤلات حول مدى موضوعيّة الدراسة. ومن زاوية أخرى يرى أنّ للكتاب دوافعَ سياسيّة خفيّة؛ إذ يخدم مصالح الاستعمار البريطاني في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، يحمل المؤلّف أحكامًا مسبقة سلبيّة تّجاه العقيدة الشيعيّة يحاول بثّها في ثنايا الكتاب، ممّا ينتقص من حيادتيه ويجعله عرضة للاتّهام بالتحيّز.
غلاف الكتاب: النسخة الإنجليزيّة والعربيّة
3. فصول من كتابين للمستشرق: إجناس جولدتسيهر، الكتاب الأوّل بعنوان: (العقيدة والشريعة في الإسلام)[19]، والكتاب الآخر بعنوان: (الدراسات الإسلاميّة-مجلدين)[20]؛ إذ أنجز هذا المستشرق المجري من الجيل الأوّل إسهامات في ميدان العقيدة المهدويّة، حيث كتب في التاريخ الإسلامي منذ نهاية القرن التاسع عشر، كمصنَّفه (دراسات إسلاميّة)، وفي الواقع يمكن اعتبار الكتاب، الذي نشر في الأصل باللغة الألمانية في (1888-1890م)، والذي أتى فيه على مناقشة موضوع الشيعة الإماميّة وعقائدهم ومنها العقيدة المهدويّة، من بين تلك الأعمال التي أرست أسس الدراسة الغربيّة بشكل أساسي، وبمنهج نقدي للأحاديث (النبويّة) عن القضيّة المهدويّة ... كذلك ضمن كتابه الآخر (العقيدة والشريعة في الإسلام) معلومات عن فلسفة الإمامة عند الشيعة وطبيعة الإمام المهدي.
يُعدّ جولدتسيهر من أبرز من كتبوا عن العقيدة المهدويّة في القرن التاسع عشر. ففي كتابيه «العقيدة والشريعة في الإسلام» و«الدراسات الإسلاميّة»، دخل في أعماق الفكر الإسلامي، محاولًا فهم عقيدة المهدي المنتظر. وقد أظهر اهتمامًا خاصًّا بالعناصر الفلسفيّة والأسطوريّة التي تؤثّر على العقيدة المهدويّة من وجهة نظره، إلّا أنّه غالبًا ما بالغ في التأثير اليهودي على هذه العقيدة، وقد سعى إلى ربط المهدويّة بالفلسفة الأفلاطونيّة والأسفار اليهوديّة، ومحاولًا تفسيرها من منظور غربي، ومتجاهلًا أبعادها الإسلاميّة الأصيلة ... وقد خاض أيضًا في الجدال الشيعي السني والاختلاف المتميّز بين الإمام الصامت والإمام الناطق.
أثار جولدتسيهر جدلًا واسعًا بدراسته النقديّة للعقيدة المهدويّة، ففي كتابه «الدراسات الإسلاميّة»، والذي يعتبر من أهم الكلاسيكيّات الاستشراقيّة التي تناولت الإسلام، قام بتحليل الأحاديث النبويّة المتعلّقة بالمهدي، مستخدمًا منهجيّة نقديّة غربيّة لا تتناسب مع طبيعة النصوص الدينيّة[21]. وبينما قدّم آراء تحمل قيمة معرفيّة كبيرة في الساحة الثقافيّة الغربيّة، إلّا أنها تحمل أيضًا بصمات التحيّز الاستشراقي، وقد أثارت هذه التحليلات انتقادات واسعة من قبل الباحثين المسلمين، الذين رأوا فيها تحيّزًا واستخفافًا بالعقيدة الإسلاميّة. ومع ذلك لا يمكن إنكار أنّ دراسته للأحاديث المهدويّة بنظرة غربيّة أثّرت بشكل كبير في العديد من الدراسات الاستشراقيّة اللاحقة، حتى وإن كانت الدراسات الجديدة قد حاولت تجاوز تحيّزاته.
غلاف الكتب
في ختام هذا العرض لنماذج من الأدبيّات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة، نجد أنّ إسهامات المستشرقين من الجيل الأوّل قد نقشت بصمات واضحة على فهم العقيدة المهدويّة في الغرب. فمن خلال عدستها، تمكّنت من تسليط بعض الضوء على الأبعاد التاريخيّة والعقائديّة للمهدويّة، وكشفت عن تأثيراتها على التاريخ الإسلامي. ومع ذلك، فإنّ هذه الدراسات تأثّرت بالنظرة الاستشراقيّة التقليديّة التي حملت في طيّاتها نظرة غربيّة منحازة ذات أجندة استعماريّة، إلّا أنها لا تقلّل من أهميّتها في إثارة الاهتمام لفهم هذا الجانب المهمّ من الفكر الإسلامي... وفي هذا الصدد، نلفت الانتباه إلى دراستين متخصّصتين في موضوع الاستشراق وعقيدة المهدويّة.
- الأولى: كتاب (التشيّع والاستشراق)[22]، فقد خصّص المؤلّف ثلاثة فصول كاملة لدراسة وتحليل وجهات نظر المستشرقين الأوائل حول عقيدة الإمام المهدي المنتظر(عج).
- الثانية: كتاب (المهدي المنتظر - رؤية استشراقيّة)[23] يستعرض المؤلّف بدقّة آراء المستشرقين في قضيّة المهدي المنتظر، ويقدّم دراسة نقديّة موضوعيّة لها.
بين أروقة المكتبات الغربيّة، تتراكم الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة عن المهدويّة، إلّا أنها ظلّت حبيسة قيود منهجها وتفسيراتها الضيّقة، ورغم بريقها في الفضاء الثقافي الغربي، فإنها لا تكشف عن جوهر هذه العقيدة الأصيل...، فبينما حاولت تلك الدراسات أن تفسّر المهدويّة من خلال عدسة ثقافاتها وأجنداتها، فقد غفلت عن كونها عقيدة ربانيّة عميقة الجذور في الفكر الإسلامي. إنّ الغرب بحاجة إلى نظرة جديدة، تتجاوز حدود التفسيرات الاستشراقيّة، لتكشف عن أبعاد المهدويّة الحقيقيّة، وتضعها في سياقها الثقافي والديني الصحيح.
ثالثًا: المهدويّة في أدبيّات الاستشراق الحديث: بين الأمن والسياسيّة
في العقود الخمسة الأخيرة، ظهرت مجموعة كبيرة من الكتب والبحوث في الفضاء الثقافي الغربي تناولت القضيّة «المهدويّة» من منظور سياسي وأمني، مسلطة الضوء على العلاقة بين المعتقد الديني والأمور السياسيّة والأمنيّة، والكثير منها للأسف صيغ بأجندة استخباراتيّة موجّهة، خاصّة فيما يتعلّق بالساحة الشيعيّة ... عندما نستقرئ الكثير من الأدبيّات الاستشراقيّة الجديدة نرى أنها تعكس تحوّلًا في القراءة الغربيّة للمهدويّة باعتبارها جزءًا من الديناميّات الجيوسياسيّة والأيديولوجيّة في الشرق الأوسط، إليك بعض النماذج من هذه الأدبيّات:
1. كتاب بعنوان: (علم الآخرة الإسلامي: في انتظار المهدي-الإمام الثاني عشر ومستقبل الإسلام)[24]، للكاتب: إدوارد د. أندروز، نشر عام 2023م في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، تغوص هذه الدراسة في الرؤية الإسلاميّة (الشيعيّة الإماميّة) للهيمنة العالميّة، وتدرس السرديات التاريخيّة والدينيّة والجيوسياسيّة التي تشكّل هذه الرؤية ... من خلال خمسة عشر فصلًا، يبحر المؤلّف في التضاريس المعقّدة لسيناريوهات نهاية الزمان الإسلامي وأثر العقيدة المهدويّة على ذلك، ويقارنها بوجهات النظر الأخرويّة المسيحيّة لتقديم منظور متوازن. يدقّق الكتاب في رؤية مستقبل الإسلام وآخر الزمان، ويحلّل الجذور الأيديولوجيّة والتأثير العالمي لحركات مثل القاعدة وداعش وحماس وحزب الله. ويستكشف العلاقة المعقّدة بين الأيديولوجيّة الجهاديّة وأفعالها، ويحلّل الاستخدام الإستراتيجي للشريعة الإسلاميّة، وبالخصوص العقيدة المهدويّة وانتظار المهدي والآثار الاجتماعيّة والسياسيّة داخل المجتمعات الإسلاميّة... يقول المؤلّف: هذا الكتاب مورد أساسي لأيّ شخص يسعى إلى فهم تعقيدات علم الآخرة الإسلامي، وتقاطعه مع السياسة العالميّة، إنّه يقدّم نظرة شاملة وعلميّة لواحدة من أكثر القضايا الدينيّة والجيوسياسيّة إلحاحًا في عصرنا.
الأبعاد السياسيّة والأمنيّة: يشير المؤلّف كيف تؤثّر العقيدة المهدويّة على الأمن الإقليمي، خاصّة فيما يتعلّق بالصراعات المسلحة التي تقودها حركات متطرّفة (كالقاعدة وداعش) أو الحركات الشيعيّة -جبهة المقاومة-؛ ممّا يؤدّي إلى استقطاب المجتمعات وتقويض الأمن والاستقرار في مناطق واسعة.
غلاف الكتاب
2. كتاب بعنوان: (آخر الزمان وأسرار المهدي ...كشف سر الوحي والمسيح الدجّال)[25]، للكاتب: مايكل يوسف، نشر عام 2016م في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، يتحدّث هذا الكتاب عن علاقة المهدي بالحركات السياسيّة في العالم الإسلامي، ويقول المؤلّف: لا ينبغي أن يكون ظهور الإسلاميّين المتطرّفين مفاجأة لدارسي الكتاب المقدّس، لقد بدأت أميركا الآن تفهم شغفهم الشديد بالحكم، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل والعالم الغربي أيضًا، ويشير المؤلّف إلى بعض نصوص النبوءات الكتابيّة التي تتحدّث عن الأشياء الفظيعة القادمة، ويعلّق قائلًا: احذروا من سرّ المهدي!
هذا الكتاب صيغ بنفَسٍ طائفي بغيض من قبل قسّ أمريكي وُلد في مصر، وهو كتاب ديني ذو منحى سياسي، ويعرض وجهة نظر مسيحيّة على الأحداث التي تقع في الشرق الأوسط، يقول الناشر: إذا كانت لديك رغبة في فهم ما الذي يغذّي نار الصراع الحالي والقادم في الشرق الأوسط، والذي سيؤثّر بدوره على العالم بأسره، عليك بقراءة هذا الكتاب.
الأبعاد السياسيّة والأمنيّة: يُظهر المؤلف بأنّ الحركات الإسلاميّة تلجأ إلى تفسير العقيدة المهدويّة بشكل متطرّف لجذب الشباب وتجنيدهم للانضمام إلى صفوفها، وزرع الكراهية والتطرّف في أذهانهم، وتستغلّ العقيدة في تبرير العمليّات العسكريّة ضدّ الخصوم السياسيّين، ممّا يعزّز المخاوف الأمنيّة الغربيّة والإقليميّة.
غلاف الكتاب
3. كتاب بعنوان: (عشر سنوات من الأسر مع معسكرات المهدي: مقالات عن علم الآخرة الإسلامي، 2005-2015)[26] للكاتب: تيموثي ر. فورنيش[27]، نشر عام 2015م في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، يسلّط هذا الكتاب على مقدّمة فظّة للأخرويّات الإسلاميّة «معتقدات نهاية التاريخ» من خلال فظائع داعش، والتي تهدف إلى إثارة نهاية العالم وإثارة مجيء المهدي، الشخصيّة المخلِّصة في الإسلام. لكن مثل هذه المعتقدات تسبق دولة البغدادي الإرهابيّة بفترة طويلة، ولها جذور تاريخيّة ودينيّة عميقة في الإسلام. الحركات التي يقودها زعيم مسلم يدّعي أنّه المهدي هي عنصر أساسي في التاريخ الإسلامي، سواء كجهاد دموي وحده (مثل احتلال جهيمان لمكة عام 1979م)، أو كحركات متطرّفة خلقت الدول الإرهابيّة (كما هو الحال مع داعش) لقد تجلّت المهدويّة كعقيدة رئيسّية للحركات (المحسوبة على المسلمين)، لا تظهر أيّ علامات على الاختفاء في مواجهة الحداثة. ومع اقتراب العام الهجري 1500 (2076م) أيضًا، ستزداد الحماسة المروعة في جميع فروع الإسلام (السنية والشيعية) .. يقول المؤلف: هذا الكتاب مفيدٌ لأي شخص يرغب في استكشاف هذه الجوانب من الإسلام، وعلى صنّاع السياسة في الولايات المتّحدة أن يكونوا مستعدّين للتّعامل مع المظاهر الحديثة للإسلام المروّع.
الأبعاد السياسيّة والأمنيّة: يؤكّد المؤلّف بأنّ الحركات المتطرّفة كالقاعدة وداعش تشكّل تهديدًا أمنيًّا عالميًّا متزايدًا، مستغلّةً العقيدة المهدويّة لتحريض أتباعها على العنف وتنفيذ هجمات إرهابيّة واسعة النطاق، ممّا يعزّز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
غلاف الكتاب
4- بحث أكاديمي بعنوان: (المهدي وكنوز الطالقان)[28] للكاتب: شون دبليو أنتوني، نشر عام 2012م في مجلة علميّة متخصصة بالدراسات الاستشراقيّة «أرابيكا» (Arabica)، الصادرة من مركز بريل[29] (Brill) الهولندي، يكشف المؤلّف عن حقيقة من ناحية أمنيّة، حيث تسلّط هذه الدراسة الضوء على جانب خفي من التراث الإسلامي، ذلك الجانب الذي يتحدّث عن نهاية العالم. في الموروث الشيعي، وفي منطقة تُعرف باسم الطالقان، ينتظر المهدي المستقبلي كنزًا ثمينًا. كنزٌ هو في الحقيقة جيش عظيم، جيش سيمنحه القوّة اللازمة لمواجهة الأعداء وتحقيق النصر المنشود ضد الشر. يقول المؤلف: نحن نستكشف الآن، ونعلق على الثورة، ونتعرّف على وظيفة «كنوز الطالقان» في تصوّر نهاية العالم برؤية الشيعة الإمامية.
الأبعاد السياسيّة والأمنيّة: يربط المؤلّف بين المهدويّة وتجنيد الجماعات المسلّحة، والدور الذي تلعبه في تعزيز الروح المعنويّة للحركات المسلّحة، ويشير إلى دور هذه العقيدة في تحفيز الصراعات المسلّحة ضدّ القوى الإقليميّة والدوليّة، ممّا يعزّز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
غلاف المجلّة
5. كتاب بعنوان: (أقدس الحروب: المهديّون الإسلاميّون وجهادهم)[30] للكاتب: تيموثي ر. فورنيش، نشر عام 2005م في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، يسلّط المؤلّف في هذا الكتاب على أحد العقائد المهمّة في الإسلام (المهدويّة)، والذي يركّز على شخص المهدي الذي سيعود في مرحلة ما إلى الأرض لحشد المسلمين، وجعل العالم كلّه بأحسن حال ... يقول الكاتب: هذا الاعتقاد قوي ويحتمل أن يكون خطيرًا، ويستحق الاهتمام.
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م يكاد يكون من المستحيل اليوم تجاهل المهدويّة، حيث رأينا بأنفسنا الطرق التي يمكن أن تؤدّي بها هذه المعتقدات الدينيّة إلى أعمال إرهابيّة عنيفة. إنّ هدف الحركة المهديّة هو إعادة تنظيم المجتمع العالمي إلى مجتمع مسلم، وهي قضيّة يقاتل من أجلها العديد من المؤمنين الإسلاميّين بكلّ سرور، ويتخلّون عن حياتهم. هذا الكتاب بمثابة دليل لهذا الجانب من الإسلام... يقول الناشر: هذا الكتاب جذّاب للغاية ومثالي للأشخاص الذين يرغبون في فهم ما يؤدي إلى الحروب الدينيّة، وفي الواقع لجميع الأمريكيّين الذين يعيشون في عالم ما بعد 9/ 11.
الأبعاد السياسيّة والأمنيّة: المؤلّف يشير ضمنيًّا بين سطور الكتاب بأنّ الحركات المتطرّفة مثل (القاعدة وداعش) تستغلّ تفسيرًا متطرّفًا للعقيدة المهدويّة لتبرير العنف والإرهاب، ممّا يشكّل تهديدًا أمنيًّا عالميًا خطيرًا، ويؤدّي إلى زعزعة الاستقرار في العديد من المناطق، واستقطاب المجتمعات، وتجنيد الشباب وتدريبهم على العنف.
غلاف الكتاب
في ختام هذا العرض لنماذج من الأدبيّات الاستشراقيّة الحديثة، نجد أنّ الدراسات الجديدة للعقيدة المهدويّة شهدت تحوّلًا جذريًّا في نظر الغرب في العقود الأخيرة، فمن كونها موضوعًا للدراسة الدينيّة والتاريخيّة، أصبحت اليوم في قلب الصراع الاستراتيجي الإقليمي. هذا التحوّل يعكس إدراكًا عميقًا لدور المهدويّة في تشكيل هويّة الشعوب المسلمة (لا سيّما الشيعيّة) وتوجيه دفّة الأحداث، الأمر الذي دفع بالدراسات الاستشراقيّة إلى تحليلها بشكل متعمّق، وكشف عن حقيقة مفادها أنها ليست مجرّد عقيدة دينيّة، بل قوّة سياسيّة ديناميكيّة تمتلك القدرة على حشد الجماهير ودفعها للأمل والتغيير. لقد انتقلت المهدويّة من صفحات التاريخ إلى ساحات الصراع، وتحوّلت من حلم إلى واقع ملموس. لقد أدرك الغرب أنّ فهم المهدويّة ليس خيارًا، بل ضرورة ملحّة لفكّ شفرة التطوّرات الجيوسياسيّة المعقّدة في المنطقة، وأن تجاهلها يعني تجاهل قوّة محركة للتاريخ؛ لذا باتت المهدويّة هدفًا للتحليل الاستراتيجي الغربي ولاهتمامه الدؤوب الذي يسعى جاهدًا لاستغلال هذه العقيدة بعد تحريف مفاهيمها، ومن ثمّ توجيهها لصالح أجندته.
وانطلاقًا ممّا سلف، فمهما بلغت الدراسات الاستشراقيّة من عمق وحاولت تفكيك رموزها واستباق أثرها ودورها، فإنّ المهدويّة ستظل قوّة فعّالة ومؤثّرة بشكل كبير في ساحة المؤمنين تتجاوز التحليلات، وستبقى قوّة دافعة للأجيال القادمة، ورمزًا للثورة والمقاومة، ففي أعماقها يكمن حلم الشعوب المظلومة بتحرّر عادل، وهو ما يجعلها هدفًا دائمًا للاهتمام الغربي، ولكنّها في الوقت نفسه، ستظلّ ثورة كامنة تنتظر الانفجار، وسلاحًا يواجه به المستضعفون طغيان الظالمين، وبوصلة توجّه مسار الأحداث نحو العدالة المطلقة.
رابعًا: تحوّلات الاستشراق حول المهدويّة: بين الأمس واليوم
يمثّل حقل الدراسات الاستشراقيّة حول المهدويّة مجالًا واسعًا وشائكًا وساحة متلاطمة الأمواج، تتقاطع فيها الرؤى وتتباين التأويلات، وعلى الرغم من عمق العقيدة المهدويّة في الوجدان الإسلامي، إلّا أنها شكّلت تحدّيًا فكريًّا للمستشرقين، وظلّ فهمها متباينًا ومتأثّرًا بالتحوّلات السياسيّة في المنطقة، وبالتطوّرات الفكريّة والسياسيّة في والغرب أيضًا. سنسعى في هذه السطور لتسليط الضوء على منهجيّة تناول المستشرقين للمهدويّة من منظورين رئيسين: الكلاسيكي والحديث:
1. الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة حول المهدويّة
أ. أبرز السِمات
يركّز الاستشراق الكلاسيكي في قراءته للمهدويّة على عدّة محاور تتعلّق بالأبعاد التاريخيّة والعقائديّة لهذه الفكرة، ويسعى لفهم تأثيراتها على ثقافة الرأي العام في العالم الإسلامي، إضافةً إلى مدى تجذّرها في الشارع الإسلامي والأوساط الشعبيّة. وفيما يلي أبرز النقاط التي ركّز عليها المستشرقون الأوائل في دراستهم للمهدويّة:
- الأصل التاريخي للمهدويّة: بحث الاستشراق الكلاسيكي في جذور فكرة المهدويّة في الإسلام، مع تتبّع مدى تأثيرها من القرن الهجري الأوّل وحتّى العصور المتأخّرة. كما حاول المستشرقون تحليل كيف تطوّرت هذه الفكرة في مختلف الطوائف، وخاصّةً في المذاهب الرسميّة للدول الإسلاميّة، وظلّ الاهتمام منصبًّا في سياق الطائفة السنيّة.
- التأثير الاجتماعي والسياسي: اهتمّ المستشرقون بدراسة المهدويّة من زاوية تأثيرها على الجماعات الإسلاميّة ومساهمتها في حركات الاحتجاج والثورات التاريخيّة، كما سعوا لفهم كيف تعزّز المهدويّة الروح الثورية لمناهضة الخلافة الإسلاميّة، ودرسوا الحالات التي استخدم فيها القادة الدينيّون هذه الفكرة لكسب ولاء الناس.
- المفهوم الديني والعقائدي: ركّزت الدراسات الاستشراقيّة أيضًا على البنية العقائديّة والجانب الديني للمهدويّة، متّجهين نحو تصنيفها ضمن نطاق الأفكار الطوباويّة الخياليّة... كما تمّ البحث أيضًا في كيفيّة تأثير العقائد المهدويّة على تصوّرات المسلمين عن العدل الإلهي والخلاص.
- النظرة السلبيّة والتحيّز الثقافي: غالبًا ما كانت تحمل هذه الدراسات نظرة سلبيّة للعقيدة المهدويّة، متأثّرة بالتحيّزات الثقافيّة والعرقيّة، حيث كانت تنظر إلى الثقافة الإسلاميّة بنظرة دونيّة واعتبارها عقبة أمام التقدّم والتطوّر[31]، حيث إنّ الإسلام في نظرهم دين تقليديٌّ لا يتجاوز القيم الأخلاقيّة والممارسات العباديّة.
- المنهجيّة: اعتمدت على المنهج التاريخي والنقدي، حيث كان الهدف الرئيسي هو تحليل النصوص الدينيّة والتاريخيّة لفهم العقيدة المهدويّة، وتفسيرها من منظور غربي، ومقارنتها بالعقائد للأديان السابقة كالمسيحيّة واليهوديّة والزرادشتيّة، والدافع وراء الإيمان بهذه الفكرة.
- السياق التاريخي: نشأت هذه الدراسات في سياق الاستعمار الغربي على المنطقة الإسلاميّة، حيث كان الهدف هو فهم الشعوب المستعمرة وتبرير سياسة الاستعمار، حيث بدأت هذه الدراسات في القرن التاسع عشر واستمرت حتّى منتصف القرن العشرين.
2. أبرز الآراء الكلاسيكيّة حول المهدويّة
فيما يلي أبرز الآراء التي طرحتها الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة حول العقيدة المهدويّة[32]، نستعرضها بإيجاز كخلاصة لهذه الدراسات[33]:
أ. اعتبار المهدويّة فكرة مستوردة من الديانات الأخرى، وليست أصيلة في الإسلام.
ب. تفسير نشأة الفكرة المهدويّة كردّ فعل على الظلم والاضطهاد السياسي في التاريخ الإسلامي.
ت. ربط فكرة المهدويّة بالمسيحانيّة اليهوديّة والمسيحيّة، واعتبارها امتدادًا لفكرة الخلاص في السياق الإسلامي.
ث. الإشارة إلى التأثيرات الخارجيّة للزرادشتيّة والمسيحيّة في تشكيل بعد الانتظار لظهور شخصيّة المنقذ الموعود.
ج. عدم وجود الأصل القرآني للعقيدة المهدويّة، وتمّ تأويل بعض الآيات لاحقًا لدعم شرعيّة بعض المذاهب.
ح. اعتبار الأحاديث النبويّة المتعلّقة بالمهدي موضوعة أو ضعيفة، وغير صالحة للاحتجاج[34].
خ. تحليل المهدويّة كآلية للتعبير عن الرغبة في التغيير الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الإسلاميّة.
د. النظر إلى الحركات المهدويّة في التاريخ الإسلامي كثورات سياسيّة مغلّفة بغطاء ديني كالمهدي السوداني.
ذ. تفسير الغيبة في العقيدة الشيعيّة كوسيلة للحفاظ على الأمل السياسي في ظلّ الظروف الصعبة.
ر. تصوير العقيدة المهدويّة ببعد طوباوي لمجتمع مثالي عادل، تعكس الرؤية الأخرويّة في الفكر الإسلامي.
تُظهر هذه الدراسات أنّ الاستشراق الكلاسيكي ينظر للمهدويّة برؤية ضيّقة وبنظرة استعلائيّة أو تصنيفيّة تركّز على الجوانب السلبيّة، ويمكن ملاحظة أنّ العديد من المستشرقين، مثل دارمستيتير وجولدتسيهر، تعاملوا مع المهدويّة باعتبارها مجرّد أسطورة دينيّة أو خرافة طوباويّة، وأنها لا تتجاوز حدود الاعتقاد التقليدي، ممّا أدّى إلى تحريف فهمها الحقيقي أو النظر إليها كجزء من تطلّعات الأمّة الإسلاميّة ... هذه الآراء تعكس النظرة الاستشراقيّة الكلاسيكيّة التي تميل غالبًا إلى تفسير الظواهر الإسلاميّة من منظور خارجي، مع التركيز على الجوانب التاريخيّة والدينيّة المقارنة أكثر من التقدير للسياق الديني والروحاني للعقيدة.
3. الدراسات الاستشراقيّة الحديثة حول المهدويّة
أ. أبرز السمات
يركّز الاستشراق الحديث عند دراسته للمهدويّة على جوانب جديدة ومختلفة نوعًا ما عن النهج الكلاسيكي، حيث يتناول الفكرة من زوايا متعدّدة تجمع بين التاريخيّة، الاجتماعيّة، الأمنيّة والسياسيّة، ويضيف إليها منظورًا معرفيًّا وديناميكيًّا يواكب التغيّرات الحديثة في ساحة العالم الإسلامي. وفيما يلي أبرز السمات الأساسيّة للدراسات الاستشراقيّة الحديثة حول المهدويّة:
- تأثير المهدويّة على الهويّة السياسيّة: ترى الدراسات الحديثة أنّ المهدويّة تلعب دورًا مهمًّا في تشكيل الهويّة السياسيّة لبعض الجماعات الإسلاميّة، خصوصًا في المجتمعات الشيعيّة. تعتبر فكرة الإمام المهدي رمزًا للوحدة والأمل في التغيير، وتعكس تطلّعات سياسيّة واجتماعيّة أكثر عمقًا من مجرّد الإيمان بنبوءة دينيّة. الاستشراق الحديث ينظر لهذه الرمزيّة بوصفها تعبيرًا عن مقاومة الظلم، وحركة نحو العدالة، وهو ما قد ينعكس في طروحات بعض الحركات السياسيّة.
- التوظيف السياسي للفكرة المهدويّة: تهتمّ الدراسات الحديثة بكيفيّة استخدام العقيدة المهدويّة كأداة في الخطاب السياسي لبعض الدول أو الجماعات. على سبيل المثال، يتمّ تحليل كيفية استثمار بعض الدول للفكرة المهدويّة كجزء من تعزيز شرعيّتها السياسيّة، وترسيخ مكانتها في العالم الإسلامي. كما تُدرس تأثيرات هذه الاستخدامات على السياسة الخارجيّة والعلاقات الدوليّة للدول التي تؤمن بهذه الفكرة أو تتأثّر بها.
- التأثيرات على السياسات الأمنيّة: تسلّط بعض الدراسات الضوء على تأثير العقيدة المهدويّة على السياسات الأمنيّة للدول، خصوصًا في المناطق التي قد يشكّل فيها الفكر المهدوي عاملًا مؤثرًا في استقرار النظام أو في تحريك بعض الجماعات. يتمّ فحص الكيفيّة التي تنعكس فيها التوجّهات المهدويّة على سلوك الحركات التي تتبنّى هذا الفكر في مناطق الأزمات، وتدعو إلى التغيير بوسائل سلميّة أو عنيفة؛ لذا أصبحت هذه الدراسات تحمل نظرة أمنية للمهدويّة، حيث يتمّ ربطها بالإرهاب والتطرّف.
- التأثيرات النفسيّة والاجتماعيّة على المجتمع: تتناول الدراسات الحديثة تأثير العقيدة المهدويّة على الروح المعنويّة لدى الأفراد، وكيفيّة تأثيرها على التفكير السياسي والاجتماعي في المجتمعات التي تتبنّاها. تعتبر العقيدة المهدويّة عنصرًا محفّزًا للأمل في التغيير والخلاص، وهو ما قد يُترجم إلى سلوك جماعي يتّسم بالصبر أو النشاط السياسي والاجتماعي، بحسب الظروف المحيطة.
- النظرة التحليليّة المنهجيّة: حيث يستخدم مجموعة واسعة من المناهج البحثيّة والجمع بينها، بما في ذلك: المنهج السوسيولوجي[35]: لدراسة المهدويّة كحركة اجتماعيّة، والمنهج السياسي: لتحليل المهدويّة كأيديولوجيا سياسيّة، والمنهج النفسي: لفهم الدوافع النفسيّة للمؤمنين بالمهدويّة، والمنهج الثقافي: لدراسة المهدويّة كظاهرة ثقافيّة، بالإضافة إلى تحليل الخطاب الإعلامي، وكيف يتمّ تشكيل الرأي العام حول المهدويّة ... ممّا جعل الدراسات الحديثة أكثر انفتاحًا على فهم المعاني الدينيّة والفلسفيّة الدقيقة التي تحملها العقيدة المهدويّة.
- المهدويّة كأيديولوجيا سياسيّة ترى أنّ المهدويّة ليست مجرّد عقيدة دينيّة، بل هي أيديولوجيا سياسيّة كاملة، تحمل في طيّاتها رؤية مستقبليّة للدولة والمجتمع، وتدعو إلى تغيير النظام القائم وإقامة دولة عادلة. بالإضافة إلى أنّ الدراسات تسعى إلى فهم الرابط بين العقيدة المهدويّة والحركات الإسلاميّة السياسيّة، وتحلّل كيف يتمّ استخدامها كأداة لتعبئة الجماهير وتحقيق الأهداف السياسيّة.
ب. أبرز الآراء الحديثة حول المهدويّة
فيما يلي أبرز الآراء الرئيسيّة من خلال دراسة الرؤية الاستشراقيّة الحديثة للعقيدة المهدويّة[36]، نستعرضها بإيجاز كخلاصة لهذه الدراسات[37]:
- ربط العقيدة المهدويّة بشكل أساسي بالمذهب الشيعي، وتهميش وجودها في الفكر السني (في الوقت الراهن).
- النظر إلى المهدويّة كظاهرة سياسيّة واجتماعيّة وأمنيّة أكثر من كونها عقيدة دينيّة أصيلة.
- اعتبار المهدويّة أداة للتعبير عن الهويّة الشيعيّة الجماعيّة وتمايزها عن السنّة في الصراع السياسي والفكري.
- الاقتناع بتأثير كبير للعقيدة المهدويّة على الحركات السياسيّة (المقاومة - الشيعيّة) في العالم الإسلامي المعاصر.
- رؤية أنّ ظاهرة ادّعاء المهدويّة نتيجة للظروف الاجتماعيّة والسياسيّة، وليس كتعبير عن عقيدة راسخة (في الحقيقة: توظيف سياسي وأمني غربي).
- الإيمان بالمهدي المنتظر له أثر كبير في الأبعاد النفسيّة والاجتماعيّة في المجتمعات الشيعيّة في الوقت الراهن.
- الخطاب المهدوي المعاصر ودوره في ترسيخ العقيدة السياسيّة والقتاليّة لحركات المقاومة الإسلاميّة الشيعيّة.
- الدراسات المعاصرة تُحلّل كيف يستخدم الخطاب المهدوي في السياسة والإعلام الرسمي والشعبي، وكيف يشكّل الرأي العام وصناعة القرار.
- اعتبار أن الحركات الإسلاميّة (الشيعيّة) تستغلّ العقيدة المهدويّة كرمز للمقاومة، وتوظّفها لتعبئة الجماهير كجزء أساسي من مشروعها التحرّري المنتظر.
- الاستمرار في تشويه العقيدة المهدويّة وربطها غالبًا بالحركات الإرهابيّة ذات الصبغة الإسلاميّة (كداعش).
- تحليل النصوص المرتبطة بالمهدي بطرق تركّز على مفاهيم تخدم الجماعات المرتبطة بالاستخبارات الغربيّة.
- إدراك وقراءة أنّ المجتمعات الشيعيّة تُعيد صياغة العقيدة المهدويّة لتتلاءم مع متطلَّبات العصر مثل العولمة.
هذه خلاصة آراء النظرة الاستشراقيّة الحديثة التي تميل إلى تبنّي رؤى أكثر تأثّرًا بالطابع السياسي والأمني، وتأخذ بعين الاعتبار التغيّرات الديناميكيّة داخل المجتمعات الإسلاميّة لا سيّما الساحة الشيعيّة وحركات المقاومة الإسلاميّة، ممّا يفتح لها الباب أمام توظيف العقيدة المهدويّة لخدمة الأجندات الخاصّة لمؤسّسات الهيمنة السياسيّة الغربيّة.
في المجمل، تهدف الدراسات الاستشراقيّة الحديثة إلى كشف حقيقة العقيدة المهدويّة من كافّة جوانبها، السياسيّة، الأمنيّة، النفسيّة والاجتماعيّة، وتسلّط الضوء على الدور المحوري القويّ للمهدويّة في تشكيل الرأي العام الإسلامي، وتأثيرها على وعيه السياسي والاجتماعي، كما تركّز على تحليل الأبعاد السياسيّة والأمنيّة المرتبطة بها بدقّة متناهية وباستخدام أدوات التحليل الاستراتيجي، محاولةً فكّ شفراتها واستشراف مستقبلها.
واستخلاصًا لما سبق يمكن القول إنّ النظرة الاستشراقيّة لعقيدة المهدويّة تحوّلت من محاولة فهم العقيدة إلى محاولة استغلالها لأغراض سياسيّة وأمنيّة ... وفيما يلي نشير إلى أهمّ التغيّرات في النظرة:
• من الديني إلى السياسي: تحوّل التركيز من الجانب الديني إلى الجانب السياسي، حيث تمّ ربط العقيدة المهدويّة بالحركات السياسيّة المعاصرة.
• من الفهم إلى الاستغلال: لم تعد الدراسات تهدف فقط إلى الفهم، بل أصبحت تُستخدم لأغراض سياسيّة، مثل تبرير التدخّلات الغربيّة في العالم الإسلامي.
• من الموضوعيّة إلى التحيّز: زادت التحيّزات[38] السياسيّة والأمنيّة في الدراسات الحديثة، ممّا أثر على الحياديّة والموضوعيّة.
• استخدام أدوات جديدة: استخدمت الدراسات الحديثة أدوات بحثيّة جديدة، مثل التحليل النفسي والتحليل الخطابي.
ختامًا: إنّ تصنيف الدراسات الاستشراقيّة عن المهدويّة إلى كلاسيكيّة وحديثة هو تصنيف عامّ وتقريبي، وقد لا ينطبق على جميع الدراسات، حيث هناك العديد من الدراسات التي تقع بين هاتين الفئتين وتجمع بين سمات الطرازين، وهناك أيضًا دراسات لا تنتمي إلى أيٍّ من هذين الطرازين ... ومع ذلك، فإنّ هذا التصنيف يوفّر إطارًا مفيدًا لفهم تطوّر الدراسات الاستشراقيّة المهدويّة وتأثيرها على فهم الغرب لعقائد العالم الإسلامي.
المقارنة بين سمات الدراسات الكلاسيكيّة والحديثة
الاستشراقيّة الحديثة
الاستشراقيّة الكلاسيكيّة
الميزة
تاريخي، سوسيولوجي، سياسي
تاريخي ومقارن
المنهج
الجانب السياسي
الجانب الديني
التركيز
سياسيّة وأمنيّة
دينيّة وثقافيّة
التحيّزات
مكافحة المقاومة، التوظيف السياسي
التبشير، تبرير الاستعمار
الهدف الأساسي
خامسًا: الدوافع والأهداف التي تقف وراء دراسة الغرب للمهدويّة
1. دراسة المهدويّة بين الإيديولوجيا والأهداف الاستعماريّة: بالتأكيد، لم تكن دراسة الغرب للعقيدة المهدويّة مجرّد بحث أكاديمي بحت، بل كانت امتدادًا لصراع أيديولوجي طويل، ففي خضم الصراعات السياسيّة والثقافيّة التي شهدها التاريخ بين العالم الغربي والعالم الإسلامي قديمًا وحديثًا، وجدت العقيدة المهدويّة مكانة خاصّة في أيدولوجيّات هذا الصراع، حيث اعتبرها مفكّرو الغرب وساسته تهديدًا مباشرًا لمصالحهم[39]، بينما رأى فيها آخرون أداة للتأثير على مسار الأحداث[40] في الشرق الأوسط. ونتيجة ذلك كانت هذه الدراسات في جوهرها، محاولة لفهم قوّة فكريّة وروحيّة لعقيدة دينيّة قادرة على تحريك الجماهير الإسلاميّة وتشكيل مستقبل الأمّة.
هذا بالتأكيد ما دفع الكثير من المستشرقين إلى دراستها، فهم يرون فيها نموذجًا فريدًا لبداية حضارة إنسانيّة مستقبليّة تسعى إلى التكامل: بين الدين والسياسة، بين الروح والمادّة. لكن هذا الاهتمام لم يكن بريئًا، بل كان مدفوعًا برغبة في التعمّق في دراسة المهدويّة ليس فقط لفهمها كفكرة دينيّة، بل لاستكشاف دورها في تشكيل الهويّة الإسلاميّة الجماعيّة، أو كقوّة روحيّة مؤثّرة ومحركة قادرة على إحداث تغييرات جذريّة في المجتمعات الإسلاميّة... ومن هذا المنطلق، فإنّ الدوافع هنا تتراوح بين: فضول أكاديمي لفهم التحوّلات الفكريّة في العالم الإسلامي، وبين رغبة في استيعاب الحركات الاجتماعيّة والسياسيّة التي تستلهم من المهدويّة طاقتها، خاصّةً في الشارع الإسلامي الشيعي (جبهة المقاومة)... بالتأكيد كان هذا الاهتمام هو الدافع الأساس، إضافة إلى دوافع وأهداف أخرى، ويأتي في طليعتها فهم كيفيّة توظيف هذه العقيدة في أجندات خاصّة ترتبط بمشاريع استعماريّة قديمًا، أو سياسية وأمنيّة حديثًا، وتهدف إلى فهم الآخر للسيطرة عليه أو تحجيمه وفق المصالح الغربية.
وبناءً على ذلك، فلقد كان للاستشراق دورٌ في تشكيل النظرة الغربيّة إلى العقيدة المهدويّة، هذا التحوّل في الدراسات الاستشراقيّة بين المرحلة الكلاسيكيّة والحديثة يكشف عن فروق جوهريّة. وهنا سنستعرض البواعث والدوافع التي حفزت الاهتمام بالمهدويّة، والأهداف التي سعوا لتحقيقها من خلال هذه الدراسات:
2. مقاصد[41] تناول الاستشراق الكلاسيكي للعقيدة المهدويّة
أ.- البواعث: البواعث الاستشراقيّة الكلاسيكيّة، التي تركّزت منذ القرون الوسطى حتى القرن التاسع عشر، كانت ذات طابع أيديولوجي وسياسي بالأساس. شملت هذه المرحلة محاولات لفهم العالم الإسلامي لأغراض التبشير المسيحي، وتعزيز سيطرة الإمبراطوريات الاستعماريّة.
- البعد الفكري: رغبة في تعزيز وإثبات تفوّق الفكر والثقافة الغربيّة مقابل المعتقدات الإسلاميّة.
- البعد الديني: التشابه بين العقيدة المهدويّة الإسلاميّة والعقائد المخلّصيّة في المسيحيّة واليهوديّة.
- البعد الاستعماري: خدمة الاستعمار عبر فهم ديناميكيّات المجتمعات الإسلاميّة للسيطرة عليها.
إجمالًا كانت البواعث في هذه المرحلة ترتكز على أيديولوجيّات دينيّة وسياسيّة صريحة، لدعم المشروع التبشيري والاستعماري الأوروبي وتبرير الهيمنة الغربيّة، مع التركيز على تفوّق المسيحيّة، ومحاولة تهميش العقائد الإسلاميّة ومنها العقيدة المهدويّة.
ب. الدوافع: الدوافع الكلاسيكيّة تضمّنت محاولات للتحكّم بالرؤية العالميّة تجاه الإسلام، وتهيئة العقل الغربي لتقبّل فكرة التفوّق الأوروبي في جميع النواحي.
- زعزعة العقيدة: دحض العقائد الإسلاميّة ومن بينها العقيدة المهدويّة، وتقديمها كحركة متطرّفة أو خرافيّة.
- السيطرة الفكريّة: اعتبار الاستعمار «مهمّة حضاريّة» تحتاج لفهم البنى العقائديّة للمجتمعات المستعمَرة.
- تبرير الاستعمار: دعم الاستعمار بتقديم المهدويّة بصبغة مذهبيّة وتعميق الشقاق المذهبي.
إجمالًا كانت الدوافع في هذه المرحلة تحمل الرغبة في تشويه المعتقدات الإسلاميّة وتقديم العقيدة المهدويّة كحركة مشوّهة أو غير عقلانيّة، ممّا يخدم مصالح المستعمرين في قمع أي حركات مقاومة قد تستند إلى هذه العقيدة.
ج. الأهداف: الأهداف الكلاسيكيّة تضمّنت فهم العقائد الكبرى كالمهدويّة، ممّا يتيح للمستعمرين فرض هيمنتهم الثقافيّة، وتقديم قراءات بديلة عن الإسلام وعقائده، ممّا قد يزعزع ثقة المسلمين بأنفسهم.
- التبشير والتفوق الديني: ترويج الأفكار المسيحيّة الخلاصية، وزرع الشكوك بأصالة المهدويّة، من أجل مواجهتها وتقويضها.
- تعزيز الانقسام بين المذاهب الإسلاميّة: بتسليط الضوء على الاختلافات حول العقيدة المهدويّة، بهدف إضعاف الوحدة الإسلاميّة، وتسهيل سيطرة القوى الاستعماريّة.
- تعزيز النفوذ الاستعماري: تسخير المعرفة بالمعتقدات المهدويّة لفهم دوافع التمرّد والمقاومة، لتسهيل عملية السيطرة عليها.
إجمالًا كانت الأهداف في هذه المرحلة تتركّز على تعزيز السيطرة الفكريّة والسياسيّة على العالم الإسلامي، عبر تقديم صورة سلبيّة عن الإسلام ومعتقداته، ولذا قدّمت صورة مشوّهة عن العقيدة المهدويّة، وكان الهدف الأساس تشويه أي حركة إسلاميّة قد تهدد النظام الاستعماري القائم.
3. مقاصد تناول الاستشراق الحديث للعقيدة المهدويّة
أ. البواعث: في الدراسات الحديثة، بدأت البواعث تأخذ طابعًا أكاديميًّا وتحليليًّا، مع تراجع الأهداف التبشيريّة والاستعماريّة المباشرة، ورغم ذلك لا تزال بعض البواعث مرتبطة بالسياق الجيوسياسي الحديث.
- البعد الأكاديمي: اهتمام معرفي خالص لفهم العقيدة المهدويّة كجزء من الدراسات الدينيّة والسياسيّة والأمنيّة.
- البعد السياسي: التحوّلات الجيوسياسيّة ودور الإسلام السياسي، وفهم الحركات المهدويّة المعاصرة.
- البعد الثقافي: دراسة المهدويّة لفهم تطوّر الفكر الديني الإسلامي في مواجهة الحداثة والعولمة.
إجمالًا انتقلت البواعث الحديثة نحو البحث الأكاديمي والتحليل الثقافي. صارت المهدويّة موضوعًا لدراسة أهميّتها المتزايدة في السياسة والمجتمع، وتحليل الأبعاد المختلفة للعقيدة، بعيدًا عن الصراعات الدينيّة المباشرة، ومع بقاء البواعث الجيوسياسيّة قائمة لفهم الحركات الإسلاميّة المعاصرة. تحوّلت الدراسات إلى فهم الحركات المهدويّة المعاصرة كجزء من تحليل التهديدات الأمنية والتحديات السياسيّة.
ب. الدوافع: أمّا الدوافع الحديثة فهي أكثر تعقيدًا وتشعّبًا، ويتميّز بتداخل الدين مع السياسة، خاصّة في المناطق التي تشهد اضطرابات أمنيّة وصراعات سياسيّة على السلطة.
- فهم البناء الفكري لحركات المقاومة: دراسة المهدويّة تعتبر محورًا رئيسيًّا لفهم منطلقات الحركات الإسلاميّة.
- الحاجة إلى فهم الأيديولوجيّات المقاومة: فهم دور العقيدة المهدويّة في التحوّلات السياسيّة في العالم الإسلامي، وفهم تأثيرها كأيديولوجيّة مقاومة للهيمنة الغربية.
- فهم الديناميكيّة: داخل الفكر المهدوي الحديث، ونزع الطابع الثوري منها، والعمل على تفكيكها وتقويضها.
تسعى الدراسات الحديثة إجمالًا لفهم الحركات المهدويّة من منظور تحليل سياسي واجتماعي وأمني، مع تركيز على دورها في التعبئة الجماهيريّة والتغيّرات السياسيّة، وتأثير العقيدة على الساحة الجيوسياسيّة في المنطقة.
ج. الأهداف: تسعى الدراسات الحديثة إلى فهم العلاقة بين العقيدة المهدويّة والأحداث الجارية في العالم الإسلامي، من خلال تحليل المهدويّة وفهم أبعادها النفسيّة والاجتماعيّة، وبهدف فهم الدور الذي تلعبه هذه العقيدة في تشكيل السلوك السياسي وتوجيه حركات المقاومة، وبالتالي التنبّؤ بالتحوّلات المستقبليّة.
- فهم العقيدة المهدويّة: ودورها في تشكيل الهويّة الإسلاميّة (الشيعيّة)، بهدف فهم تأثيرها على السلوك الجماعي، وتوقّع تأثيرها في الأزمات المستقبليّة.
- تفكيك الخطاب المهدوي للحركات المقاومة: وتجريده من قوته الثوريّة، والتقليل من أهميّة المهدويّة كعامل تغيير سياسي أو اجتماعي، وتصويرها كعنصر مثالي أو أسطوري لا يتناسب مع متطلَّبات الحداثة.
- إدارة الصراع: فهم ديناميكيّات المجتمعات الإسلاميّة، والتركيز على فهم الأبعاد الاستراتيجيّة للحركات المهدويّة -موالية للمقاومة أو مناوئة لها- في السياق الجيوسياسي.
إجمالًا الهدف الرئيسي يتضمّن تحقيق فهم أعمق للقوّة الكامنة في العقيدة المهدويّة، والتركيز على النواحي السياسيّة والأمنيّة من أجل توظيفها كأداة للصراع أو السيطرة، وبهدف استغلال هذه العقيدة لتحقيق مكاسب ملموسة تعزّز النفوذ الغربي.
المقارنة بين مقاصد المرحلتين
المرحلة الحديثة
المرحلة الكلاسيكيّة
المعيار
أكاديميّة، ثقافيّة، سياسيّة
دينيّة وأيديولوجيّة، استعماريّة
البواعث
تحليل الديناميكيّة والحركات، استشراف المستقبل
تقويض المهدويّة، تعزيز السيطرة
الدوافع
البحث العلمي، فهم الحركات المهدويّة، إدارة الصراع
التبشير، الهيمنة، تعزيز الانقسام
الأهداف
منهجيّات متعدّدة: تاريخيّة، أنثروبولوجيّة، سياسيّة
نصيّة استقرائيّة، تاريخيّة، مقارنة، متحيزة
لمنهجيّات
فهم أعمق للتحوّلات، تأسيس حركات عميلة
تبرير الاستعمار، عقائد الإسلام ضعيفة
مخرجات
سادسًا: الأهداف الغربيّة من توظيف الدراسات المهدويّة
في عالمٍ تتشابك فيه المصالح وتتعقد فيه العلاقات، تبرز العقيدة المهدويّة كهدفٍ استراتيجيٍ لمؤسّسات الهيمنة الغربيّة، فهم يرون فيها أكثر من مجرّد معتقد ديني، بل رؤيةً مستقبليّةً مبنيّة على العدالة والمساواة، وتؤمن بانتصار الحقّ على الباطل. هذه الرؤية تشكّل تحدّيًا مباشرًا للنظام العالمي القائم على الهيمنة والاستبداد، والذي تسعى القوى الغربيّة إلى حمايته؛ ولذلك فقد استُخدمت الدراسات الاستشراقيّة الحديثة كأداةٍ لتحليل المهدويّة وتفكيكها، ضمن مشروعٍ أوسع يهدف إلى السيطرة على العالم الإسلامي.
1. السيطرة على مراكز النفوذ في العالم الإسلامي: تسعى المؤسّسات الغربيّة إلى ضمان السيطرة[42] على المناطق ذات الأهميّة الاستراتيجيّة، التي يمكن أن تتأثّر بالحركات المهدويّة ... فهم العقيدة المهدويّة ودورها وأثرها (ديناميكيّتها) يُمكّن الغرب من توجيه الأحداث بما يخدم مصالحه، سواء من خلال التدخّل المباشر أو عبر الوكلاء المحلّيّين.
2. إضعاف الحركات الثوريّة المعادية للغرب: الحركات التي تتبنّى الفكر المهدوي غالبًا ما تحمل طابعًا ثوريًّا يسعى إلى إسقاط الأنظمة الفاسدة وإقامة نظام عادل ... تُعتبر هذه الحركات تهديدًا مباشرًا للهيمنة الغربيّة، وبالتالي تُوظّف الدراسات الاستشراقيّة لتقديم توصيات حول كيفيّة إضعافها أو القضاء عليها.
3. بناء صورة عدائيّة للعالم الإسلامي: تُستخدم الدراسات الاستشراقيّة الموجّهة لإبراز المهدويّة كعقيدة غامضة تحمل طابعًا عنيفًا أو راديكاليًّا، عن طريق تشويه الحقائق ... هذه الصورة تُسهم في خلق تصور عالمي يُبرّر التدخّلات الغربيّة، سواء العسكريّة أو السياسيّة، تحت ذريعة «حماية الأمن العالمي»، مثل ما حدث مع داعش في العراق وسوريا.
4. تفكيك الوحدة الداخليّة للمجتمع الإسلامي: تسعى القوى الغربيّة إلى تفكيك المجتمعات الإسلاميّة من الداخل باستخدام أدوات معرفيّة ناعمة .. العقيدة المهدويّة، التي تتمتّع بقدرة عالية على تعبئة الجماهير، يتمّ استهدافها لزرع بذور الفتنة وتصويرها كعقيدة انقساميّة:
- بين السنّة والشيعة، بالتركيز على الخلافات المذهبيّة بخصوص العقيدة المهدويّة وتضخيمها، بهدف تعزيز التفكك المذهبي.
- بين الشيعة أنفسهم، بخلق حركات تدعي الانتساب للمهدويّة ومساندتها، وشنّ العداء على المرجعيّة الدينيّة وحركات المقاومة.
الهدف هو تعزيز الانقسامات الطائفيّة، بحيث تنشغل المجتمعات الإسلاميّة بالصراعات الداخليّة، مما يُضعف قدرتها على مواجهة الهيمنة الخارجيّة.
5. استخدام المهدويّة في الحرب النفسيّة: تمثّل العقيدة المهدويّة ركيزة أمل وشعور بالتمكين لدى المستضعفين؛ لذا فإنّ إحدى الأهداف الاستراتيجيّة هي تحويل هذا الأمل إلى مصدر لليأس والشكّ ... عبر الحرب النفسيّة، تسعى المؤسّسات الغربيّة إلى تشكيك الأتباع في رموزهم الدينيّة، وفي مصداقيّة العقيدة نفسها، ممّا يؤدّي إلى زعزعة الثقة والالتفاف حول الحركات المهدويّة.
6. تعزيز السيطرة الجيوسياسيّة: الاستشراق الحديث لا يعمل بمعزل عن الاستراتيجيّات الجيوسياسيّة الكبرى. العقيدة المهدويّة تُعتبر محورًا حسّاسًا في مناطق استراتيجيّة مثل العراق، إيران، واليمن .. فهم الديناميكيات المتعلّقة بالمهدويّة يساعد الغرب في وضع سياسات تضمن بقاءه مسيطرًا على هذه المناطق الحيويّة، سواء من خلال دعم الأنظمة الحاكمة، أو عبر التدخّل المباشر، أو دعم ومساندة الحركات المهدويّة العميلة.
هذا التوظيف يكشف عن أبعاد أعمق للصراع بين الغرب والإسلام، حيث يتحوّل الدين من فضاء روحاني إلى ساحة معركة أيديولوجيّة وسياسيّة...؛ لذا يجب على العالم الإسلامي أن يُعيد النظر في كيفيّة تعريف المهدويّة للحضارات الأخرى والتأثير على الرأي العام العالمي، وحماية إرثه من محاولات التشويه والاستغلال.
سابعًا: الأبعاد السياسيّة والأمنيّة في الدراسات الاستشراقيّة الحديثة للمهدويّة
تعدّ الدراسات الاستشراقيّة الحديثة للمهدويّة بمثابة لغز محيّر، تتقاطع فيه الأبعاد الدينيّة والفكريّة والسياسيّة والأمنيّة. وتحتلّ هذه العقيدة مكانة جوهريّة في الفكر الإسلامي، فما الذي يجعل الغرب ينظر إليها من منظور سياسي وأمني؟ الجواب يكمن في عمق الدوافع الغربيّة، حيث تتداخل المصالح الاستراتيجيّة بالهواجس الأمنيّة، وتتشابك مع الاعتبارات الثقافيّة الغربيّة. ويمكن إجمال هذه الأسباب على النحو التالي:
1. الهواجس الأمنيّة تجاه الحركات المهدويّة: لطالما ارتبطت الحركات ذات الصبغة المهدويّة تاريخيًّا بفترات اضطراب سياسي واجتماعي، حيث تقدّم هذه الحركات نفسها كقوّة ثوريّة، وتسير على منهج المهدويّة، فتسعى لتغيير الأنظمة الظالمة وإقامة نظام عادل، من هذا المنطلق، ترى مؤسّسات الهيمنة الغربيّة في المهدويّة تهديدًا أمنيًّا، خاصّة في مناطق تتّسم بعدم الاستقرار السياسي. ففكرة ظهور الإمام المهدي تعطي زخمًا لحركات دينيّة تسعى إلى مقاومة الأنظمة الفاسدة أو القوى الخارجيّة، ممّا يجعلها في نظر الغرب مصدر قلق أمني دائم.
2. أدوات النفوذ الثقافي والسياسي: المهدويّة، تلك العقيدة التي تتجاوز حدود الزمان والمكان، أصبحت بؤرة اهتمام المؤسّسات الغربيّة. فهي ترى فيها أكثر من مجرد عقيدة دينيّة، بل قوّة سياسيّة متجدّدة، قادرة على حشد الجماهير وتحريكها؛ لذا تسعى هذه المؤسّسات، عبر دراساتها الاستشراقيّة، إلى فكّ رموز هذه القوّة، وكشف أسرار تأثيرها على الديناميكيّات السياسيّة في العالم الإسلامي، فهم يدركون أنّ فهم المهدويّة يعني فهمًا أعمق لآليات المقاومة، وتحديدًا أدق لنقاط الضعف والقوّة في المعركة الثقافيّة.
3. الخوف من «المهدويّة» كرمز للمقاومة: أحد المخاوف الرئيسيّة عند الغرب هو إمكانيّة تحوّل المهدويّة إلى حركة عابرة للحدود قادرة على توحيد الطوائف والمذاهب المختلفة تحت راية انتظار الإمام المخلّص. مثل هذا السيناريو يمثّل تهديدًا جديًّا للمصالح الغربيّة[43] ... وفي المقابل أيضًا، شكّلت المهدويّة رمزًا للمقاومة والتغيير لدى العديد من المسلمين، خاصّة في فترات الاضطراب والاحتلال. هذا الأمر جعلها هدفًا رئيسيًّا للدراسات الاستشراقيّة، التي سعت إلى تجريدها من معناها الروحي وتحويلها إلى مجرّد فكرة متطرّفة.
4. المهدويّة كأيديولوجيّة مضادّة للعولمة الغربيّة: في عصر العولمة، حيث تحاول القوى الغربيّة فرض نماذجها السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، تقدّم المهدويّة نموذجًا حضاريًّا بديلًا تتبنّاه حركات المقاومة. إنها تخلق الأمل والروح الثوريّة في مواجهة الأنظمة المحلّيّة الفاسدة، ولا تقف عند ذلك، بل تتحدّى أيضًا النظام العالمي القائم على الهيمنة الغربيّة. هذا التحدّي الفكري والأيديولوجي والروحي يعيد صياغة العلاقة بين الإسلام والغرب، ممّا يثير قلقًا عميقًا لدى القوى الغربيّة المهيمنة التي ترى في المهدويّة تهديدًا طويل الأمد.
5. البعد النفسي والوجداني للعقيدة المهدويّة: تتميّز المهدويّة بقوّة رمزيّة استثنائيّة، حيث تمثّل الأمل في العدالة المطلقة والانتصار النهائي للحقّ على الباطل. هذه الرؤية من الأمل والتفاؤل تشكّل مصدر قوّة وتعبئة نفسيّة في وجدان المسلمين، وتُعتبر عنصرًا محوريًّا في ثقافة المقاومة. ولكن من وجهة نظر مغايرة قائمة على المصالح الاستراتيجيّة الغربيّة، فإن الدراسات الاستشراقيّة تسعى إلى تحليل هذا البعد النفسي من أجل تفكيك الأسس العقيديّة المهدويّة التي يقوم عليها خطاب المقاومة، ومحاولة تقويضه وتجريده من قوته الثورية.
ثامنًا: النقد الموجّه للدراسات الاستشراقيّة حول العقيدة المهدويّة
تحت ستار البحث العلمي، غالبًا ما تختبئ أيديولوجيّات وأهداف خفيّة. وعلى الرغم من أنّ الدراسات الاستشراقيّة حول العقيدة المهدويّة تدّعي الحياديّة والموضوعيّة، إلا أنها حملت في طيّاتها تحيّزات ثقافيّة وأيديولوجيّة سعت إلى تشويه صورة هذه العقيدة.
سنقوم في هذه السطور بتحليل نقدي شامل وسريع لهذه الدراسات المختصّة بالقضيّة المهدويّة، وكشف الثغرات والتحيّزات التي شابت منهجها[44]، وذلك بهدف إعطائها صورتها الحقيقيّة، بعيدًا عن الأيديولوجيّات المستوردة.
1. نقد النظرة الاستشراقيّة الكلاسيكيّة: تُمثّل النظرة الكلاسيكيّة للعقيدة المهدويّة مرحلة تأسيسيّة في سعي الغرب لفهم العقيدة الإسلاميّة المرتبطة بالإمام المهدي المنتظرf. إلّا أنّه رغم الطابع الاستكشافي لهذه المرحلة، لفم تكن بمنأى عن التحيّزات الأيديولوجيّة والمعرفيّة التي ألقت بظلالها على المنهجيّة والنتائج، فقد انطلق المستشرقون الكلاسيكيّون من خلفيّات دينيّة وثقافيّة غربيّة، وحاولوا مقاربة هذه العقيدة الإسلاميّة الأصيلة، لكنهم غالبًا ما وقعوا في شرك الإسقاطات الثقافيّة والنظرة الأحاديّة التي أضعفت قدرتهم على الإحاطة بجوهرها.
وفي هذا السياق، يأتي هذا النقد العلمي ليُسلّط الضوء على الأبعاد المنهجيّة والفكريّة والسياسيّة التي شكّلت هذه الدراسات[45]، في محاولة لتفكيك إشكاليّاتها والكشف عن مواطن القصور فيها.
2. المنهجيّة: القراءة الناقصة والمتجزأة: تُعاني الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة للعقيدة المهدويّة من قصور منهجي[46] واضح، حيث اتّسمت بقراءة أجزاء متفرّقة، متجاهلةً الصورة الكلّيّة، ممّا جعلها تفتقر إلى استيعاب السياق الإسلامي الشامل لهذه العقيدة. فقد ركّزت تلك الدراسات على زوايا محدودة وانتقائيّة، مستعينة بأدوات تحليليّة ضيّقة الأفق، ما قادها إلى استنتاجات مشوّهة ومتحاملة. وبدلًا من التعمّق في فهم العقيدة ضمن أطرها التاريخيّة والدينيّة الغنيّة، اختزلتها إلى ظاهرة شاذّة ترتبط بالصراعات والاضطرابات، متجاهلة بذلك أبعادها الروحيّة والإنسانيّة العميقة.
والمعضلة الأكبر تكمن في الإفراط في التركيز على الجوانب السلبيّة المرتبطة بالعقيدة، حيث أسقط المستشرقون تصوّرات ومفاهيم غربيّة عليها، فاختزلوا المهدويّة إلى عنصر اضطراب، متجاهلين الجوانب المضيئة والإيجابيّة التي تشكّل جوهرها. هذا النهج المنحاز لم يكتفِ بتشويه صورة العقيدة، بل أدّى إلى تقديمها بوجه مُحرَّف، بعيد كل البعد عن حقيقتها ومكانتها في الفكر الإسلامي.
3. الأبعاد الفكريّة: التحيّز الثقافي والديني: لطالما أثقلت الدراسات الكلاسيكيّة حول العقيدة المهدويّة بأعباء ثقافيّة ودينيّة متجذّرة، متأثّرة بمركزيّتها الثقافيّة وخلفيّاتها اللاهوتيّة. ففي سعيهم لفهم المهدويّة، وقع المستشرقون في فخّ إسقاط تصوّراتهم المسيحيّة عليها، فحوّلوا حركة إصلاحيّة مستقبليّة ذات أبعاد روحيّة ودنيويّة بعيدة إلى مجرّد انتظار مأساوي لنهاية العالم، وأغفلوا بذلك الجوانب الفكريّة العميقة التي تشكّل جوهر العقيدة، مثل علاقتها بفكرة الإمامة والخلافة الربّانيّة في الأرض، أو الإيمان بالتدخّل الإلهي في مسار التاريخ البشري؛ ممّا جعلهم يختزلونها ضمن إطار أيديولوجي ضيّق يخدم أهدافهم الاستعماريّة.
أمّا الخطيئة الأكبر التي ارتكبتها هذه الدراسات، فهي قراءة المهدويّة بمنظور استعلائي، ينظر إليها كنتاج لضعف المجتمعات الإسلاميّة وأزماتها، متجاهلين الأبعاد المعنويّة العميقة. لقد صوّروها كوسيلة للهروب من الواقع، بدلًا من كونها عقيدة تحمل رؤى إصلاحيّة ومنطلقات معنويّة سامية. وهكذا فإنّ هذه الدراسات، بتحيّزاتها وأخطائها المنهجيّة، لم تُفلح في استيعاب حقيقة المهدويّة، بل شوّهتها عبر تصويرها كعقيدة تتناقض مع العقلانيّة الغربيّة، وساهمت في تشويه صورة الإسلام ذاته، بتقديمه كدين يزخر بالخرافات، وتقويض مصداقيّة معتقداته.
4. الأبعاد السياسيّة: القراءة الاستعماريّة للعقيدة المهدويّة: ارتبطت الدراسات الكلاسيكيّة حول العقيدة المهدويّة بوشائج وثيقة بالمشروع الاستعماري الغربي، حيث رأت في المهدويّة تهديدًا صريحًا لمصالحه ونفوذه. منذ البداية، صُوّر الإيمان بالمهدويّة كحالة دائمة من الانتظار لمخلّص سيحرّر المؤمنين من الاستعباد، ما جعلها في نظر الغرب الاستعماري عقبة كبرى أمام هيمنته. واستغلّ المستشرقون الظروف السياسيّة المصاحبة للاستعمار لتضخيم الطابع الثوري للمهدويّة، وتشويه الحركات التاريخيّة المرتبطة بها، مثل ثورة المهدي في السودان[47] التي وصفوها بأنها تمرّد على «النظام الحضاري»، متجاهلين كونها مقاومة مشروعة ضدّ الاحتلال ... لم تقف تحريفات المستشرقين عند هذا الحدّ، بل تعاملوا مع المهدويّة كظاهرة فكريّة اجتماعيّة جامدة، خالية من الحيويّة والتطوّر، متغاضين عن التحوّلات الفكريّة التي أثّرت فيها هذه العقيدة عبر التاريخ. وبدلًا من دراستها كجزء من ديناميكيّة الثقافة الإسلاميّة، أسقطوا عليها صورة نمطيّة تختزلها كمنبع دائم للصراع والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي.
والأكثر إثارة للسخرية هو ازدواجيّة المعايير التي طبّقها المستشرقون في مقارباتهم، ففي الوقت الذي قُبلت فيه عقائد مشابهة في الغرب، مثل عقيدة المخلّص في المسيحيّة، كجزء من الثقافة الدينيّة، اعتُبرت المهدويّة الإسلاميّة عائقًا أمام التقدّم والحضارة. هذا التناقض الفاضح يُظهر أن الهدف الأساسي لتلك الدراسات لم يكن السعي إلى فهم موضوعي للمهدويّة، بل كان تقويضها وتشويه صورتها، بهدف تسهيل السيطرة على الشعوب الإسلاميّة.
5. الدوافع والأهداف: دعم التبشير والاستعمار: خلف واجهة الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة حول العقيدة المهدويّة، تتجلّى الأهداف الكامنة وراءها والتي كانت ترمي إلى خدمة أجندة التبشير المسيحي وتعزيز المشروع الاستعماري الأوروبي، فقد عمد المستشرقون إلى تشويه صورة المهدويّة، بتصويرها رمزًا للاضطراب والعجز عن مواكبة تحديات العصر، واختزال الإيمان بها في كونه وسيلة «خرافيّة» للهروب من الواقع. هذا التحليل أو الرأي لم يكن بريئًا، بل صبَّ في صالح الخطاب التبشيري الذي يدّعي تفوق المسيحيّة وسموّها على الإسلام ... كما استُخدمت هذه العقيدة كأداة لتبرير التدخل العسكري والسيطرة الاستعماريّة، من خلال تصوير الحركات المهدويّة التاريخيّة على أنها تمرّدات فوضويّة تهدّد «الاستقرار» الذي زعم الاستعمار أنّه يجلبه معه. ولم يكتفِ المستشرقون بذلك، بل سعوا إلى إثارة الخلافات المذهبيّة بين السنّة والشيعة حول المهدويّة، مستغلين هذا الانقسام لتعميق سياسة «فرّق تسد»؛ ما أضعف الوحدة الفكريّة والسياسيّة للمجتمعات الإسلاميّة.
ولعلّ الأدهى من ذلك هو هيمنة الدوافع والأجندات المسبقة على هذه الدراسات، إذ لم يكن الهدف فهم العقيدة بموضوعية، بل توظيفها لتحقيق مصالح استراتيجيّة. فقد سعت النظرة الاستشراقيّة الكلاسيكيّة إلى فرض السيطرة الفكريّة والثقافيّة على العالم الإسلامي، ودعم المصالح الاستعماريّة، وتحويل الدين الإسلامي إلى أداة للهيمنة. وتجسّدت هذه الأهداف في تبرير الاحتلال، وتعزيز النفوذ الأوروبي، كما عملت على تعميق الشروخ بين الطوائف الإسلاميّة واستخدام المهدويّة كذريعة للتدخل السياسي، ما جعل هذه الدراسات أداةً استعماريّة بامتياز.
6. النتائج: إخفاق في فهم حقيقة المهدويّة: لقد أخفقت الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة في تحقيق فهم موضوعي وشامل للعقيدة المهدويّة، إذ شابتها عيوب جوهريّة حالت دون إدراك عمق هذه العقيدة ومضامينها الفكريّة والروحيّة. فقد انحرفت تلك الدراسات عن مسار النزاهة العلميّة، ومالت إلى تشويه صورة المهدويّة، سواء بقصد أو عن غير قصد، من خلال تعميمات مغلوطة (مؤدلجة) أغفلت التنوّع الكبير داخل المعتقد الإسلامي، وتجاهل التأثيرات الإيجابيّة للعقيدة، مثل دورها الحيوي في تعزيز الهويّة الجماعيّة وترسيخ قيم العدل والمساواة، واكتفت بالتركيز على الجوانب السلبيّة، ممّا أفضى إلى ترسيخ صور نمطيّة خاطئة تصوّر الإسلام كدين يتّسم بالفوضى واللاعقلانيّة.
ولم يقتصر هذا الإخفاق على التشويه فحسب، بل تجلّى أيضًا في ضعف التفاعل مع المصادر الإسلاميّة الأصيلة. فقد اعتمد المستشرقون على مصادر ثانويّة وتحليلات خارجيّة، متجاهلين التفسيرات الداخليّة التي يقدّمها الفكر الإسلامي للمهدويّة، ممّا أدّى إلى بناء استنتاجات سطحيّة ومضلّلة. كما افتقرت هذه الدراسات إلى المنهجيّة النقديّة، فاستندت إلى تعميمات متسرّعة دون إجراء تحليل معمّق أو تقديم دلائل علميّة موثوقة، وقد عكست هذه المقاربة نزعة استعلاء ثقافي وهيمنة فكريّة، أفرزت فهمًا ضيّقًا ومشوّهًا، بعيدًا عن روح البحث العلمي الرصين.
وكانت لهذه الرؤية المشوّهة تبعات خطيرة، إذ ساهمت في إضعاف الفهم الصحيح للمهدويّة لدى الغرب. إن هذا الإخفاق يفرض ضرورة ملحّة لإعادة النظر في تلك الدراسات، وتفكيك التحيّزات الثقافيّة والدينيّة والسياسيّة التي طغت عليها، كما يستوجب التمييز بين العقيدة المهدويّة الإسلاميّة والتصوّرات اللاهوتيّة الغربيّة عن المخلّص، والتركيز على فهمها في سياقها الفكري الإسلامي المتكامل الذي يعبّر عن قيم العدالة والإصلاح. ولا بدّ من إماطة اللثام عن العلاقة بين هذه الدراسات والمشاريع التبشيريّة والاستعماريّة التي استغلّتها لترسيخ الهيمنة الغربيّة، بحيث تقتنع ويصبح واضحًا لديها أنّ المهدويّة ليست مجرّد تصوّر غيبي، بل هي انعكاس لرسالة سماويّة تحمل قيمًا إنسانيّة سامية.
الخاتمة
- يُعَدُّ الاستشراق، في مختلف تجلّياته الكلاسيكيّة والحديثة، مرآةً عاكسةً لرغبة الغرب في فهم الشرق وسبر أغواره، وإن كان هذا الفهم مشوبًا برؤية نظريّة مشوّهة أو منحازة أحيانًا. لقد مرَّ هذا الحقل الفكري بتحوّلات جذريّة عبر العصور، متأثّرًا برياح السياسة والثقافة التي عصفت بالساحة العالميّة. ومع انقضاء عهد الاستعمار وظهور حركات التحرّر الوطني، انبثق الاستشراق الحديث، محاولًا أن يُقدّم صورة أكثر موضوعيّة للشرق، غير أنّ هذه «الموضوعية» لم تلبث أن انحرفت عن مسارها، لتتحوّل إلى أداة توظَّف لتبرير التدخّلات الغربية في العالم الإسلامي، خصوصًا عقب الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
- لقد سعت الدراسات الاستشراقيّة الكلاسيكيّة جاهدةً لحصر المهدويّة في إطار نظريّاتها وأهوائها الخاصّة، متجاهلة عمقها التاريخي وأبعادها الروحيّة المتجذّرة في الفكر الإسلامي. هذا التحيّز المنهجي، الذي اقترن بغايات تبشيريّة وأهداف سياسيّة، لم يسفر إلّا عن صورة مشوّهة لهذه العقيدة صيغت وفقًا للمنظور الغربي وأجنداته.
- العقيدة المهدويّة ليست مجرّد ظاهرة ثقافيّة عابرة، بل هي إيمان عميق يستند إلى جذور ربانيّة وإنسانيّة، يحمل إرثًا تاريخيًّا عظيمًا. إنها عقيدة تتجاوز محاولات الحصر والتحريف، لتظلّ شاهدة على رسوخها في وجدان الشعوب الإسلاميّة ورؤيتها للعدالة والإصلاح.
- تُمثّل النظرة الاستشراقيّة الحديثة محاولةً جادةً لفهم العقيدة المهدويّة في الأطار الديني والسياسي والأمني. ومع ذلك، فإنّ هذه الدراسات ليست بمنأى عن النقد؛ إذ تحفّها العديد من الإشكاليّات التي تثير تساؤلات حول موضوعيّتها ودقّتها، فبينما تتجاوز الدراسات الحديثة حدود التحليل الديني والثقافي، لتغوص في الأبعاد السياسيّة والأمنيّة للعقيدة المهدويّة، مستشعفةً تأثيرها البالغ على الحركات السياسيّة الإسلاميّة، إلا أنها غالبًا ما تسقط عليها تصوّراتها الخاصّة وتحيّزاتها الثقافيّة.
- تواجه الدراسات الحديثة للعقيدة المهدويّة أزمة منهجيّة تتجلّى في هيمنة الأطر الفكريّة الغربيّة على حساب السياق الإسلامي الأصيل. فبدلًا من الانطلاق من أعماق الفكر الإسلامي وتأمّلاته المتنوّعة، تلجأ هذه الدراسات إلى استيراد مفاهيم غربيّة جاهزة مثل «المخلص» المسيحي أو «نهاية العالم»، لتطبّقها على العقيدة المهدويّة بشكل قسري. هذا النهج يؤدّي إلى تشويه حقيقي لجوهر العقيدة، حيث يتمّ اختزالها في أبعاد سياسيّة وأمنيّة ضيّقة، متجاهلة عمقها الروحي وأثرها البالغ في تشكيل الهوية الإسلاميّة.
- تتفاقم هذه الإشكاليّة مع النزعة العلمانيّة والحداثيّة التي تسود هذه الدراسات، حيث يُنظر إلى العقيدة المهدويّة كظاهرة اجتماعيّة مجرّدة، متجاهلين أبعادها الروحيّة والغيبيّة.
- إنّ هذه الدراسات، برغم ادّعائها الحداثة، لا تزال أسيرة للأطر الاستشراقيّة التقليديّة التي تضع الإسلام في موضع «الآخر» وتتعامل مع عقائده كظواهر غريبة تحتاج إلى تفسير من منظور خارجي. هذا النهج يقصي الفهم الداخلي ويُجرّد العقيدة من سياقها الفكري الخاصّ، مانعًا إيّاها من حقّها في أن تُفسّر بمفاهيمها الذاتيّة.
- تُعاني هذه الدراسات من التجزئة، إذ يتمّ التعامل مع العقيدة المهدويّة كمفهوم منعزل عن المنظومة الفكريّة والدينيّة الشاملة للإسلام، كما يتمّ إسقاط نماذج غربيّة جاهزة عليها، ممّا يؤدّي إلى تفسيرات سطحيّة ومشوّهة تُهمل خصوصيّتها الإسلاميّة.
- تُظهر الدراسات الاستشراقيّة الحديثة حول العقيدة المهدويّة نزعة واضحة لتجاهل السياقات الثقافيّة والفكريّة الإسلاميّة الأصيلة التي تُشكّل جوهر هذه العقيدة، ممّا يؤدّي إلى فصلها عن جذورها الدينيّة وتشويه معانيها الحقيقيّة؛ إذ إنها تُغفل القيم الإسلاميّة الكبرى التي تشكّل بنيتها الأساسيّة، مثل الخلافة في الأرض والعدالة الاجتماعيّة ومبادئ السماء، ممّا يُضعف قدرتها على تقديم رؤية متكاملة.
- تستغلّ بعض الدراسات الاستشراقيّة الخلافات المذهبيّة بين السنّة والشيعة حول العقيدة المهدويّة كأداة لتفتيت الوحدة الفكريّة الإسلاميّة، وبدلًا من تقديم رؤية جامعة تعكس التنوّع داخل الفكر الإسلامي، تُركّز على تضخيم الفجوات بين المذاهب.
- إنّ النهج الاستشراقي في تناول العقيدة المهدويّة، الذي يُقصي السياقات الفكريّة والدينيّة الإسلاميّة الأصليّة، يُفرغها من معانيها الحقيقيّة، ليُقدّمها في صورة مشوّهة تخدم الأطر الفكريّة الغربيّة على حساب حقيقتها الإسلاميّة.
- تُعاني الدراسات الاستشراقيّة الحديثة حول العقيدة المهدويّة من ميل واضح نحو المبالغة في إبراز بُعدها السياسي، ممّا يجعلها تبدو وكأنها أداة حصرية للتجييش السياسي والمقاومة الإسلاميّة، متجاهلة بذلك عمقها الروحي وأبعادها الفلسفيّة التي تتجاوز حدود السياسة الضيّقة.
- لقد أمعن المستشرقون في تقديم العقيدة المهدويّة كحركة سياسيّة محضة، متناسين أنها تحمل في طيّاتها رؤية شاملة تعزّز الأمل الإنساني، وتبثّ الروح الإيجابيّة في انتظار تحقيق العدالة الإلهيّة.
- يعكس النهج الاستشراقي تحيّزات واضحة للمصالح الغربيّة، ويفتقر إلى الحياديّة العلميّة، إذ يُصرّ على تصوير المهدويّة كمصدر أيديولوجي للتصعيد العسكري والمقاومة السياسيّة، بينما يغفل دورها الأصيل في تعزيز قيم العدالة والسلام.
- تُعاني الدراسات الاستشراقيّة الحديثة المتعلّقة بالعقيدة المهدويّة من قصور واضح في تناولها الشامل لهذه العقيدة؛ إذ تركّز بشكل مفرط على الأبعاد السياسيّة والأمنيّة. وغالبًا ما تتأثّر هذه الدراسات بالمواقف السياسيّة للدول الغربيّة تجاه العالم الإسلامي، ما يؤدّي إلى تأطير العقيدة بخطاب عدائي يُبرزها كعنصر صراع وتهديد، ويُقصي التفسيرات المعتدلة التي ترى فيها أداة للأمل والاستقرار الاجتماعي.
- تركز الاستشراقيّة الحديثة على الآثار الآنية للعقيدة، دون استشراف تأثيراتها المستقبليّة على الديناميكيّات السياسيّة والاجتماعيّة، ممّا يُفقدها القدرة على فهم الدور المتنامي للمهدويّة في تشكيل حركات التغيير والهويّة الإسلاميّة.
- إنّ اقتصار الدراسات على الجوانب السياسيّة والأمنيّة للحركات المهدويّة يُقدّم صورة مشوّهة وغير متكاملة عن العقيدة، فالمهدويّة ليست حركة سياسيّة فحسب، بل هي عقيدة ربانيّة متجذّرة في القيم الروحيّة والاجتماعيّة والثقافيّة لكلّ الأديان السماوية؛ لذلك من الضروري أن تتبنّى الدراسات الحديثة منهجيّة شاملة تُبرز الأبعاد المتنوّعة للمهدويّة، بما في ذلك أبعادها الروحيّة والفكريّة والإنسانيّة والحضاريّة، لتقديم فهم عميق ومتكامل يعكس جوهرها الحقيقي.
- تتطلّب دراسة العقيدة المهدويّة نهجًا نقديًّا متوازنًا يعيد تقويم الأساليب المستخدمة في الدراسات الاستشراقيّة الحديثة. فعلى الرغم من سعي هذه الدراسات لفهم الجوانب السياسيّة والأمنيّة، إلا أنها غالبًا ما تغفل الأبعاد الروحيّة والفكريّة العميقة التي تشكّل جوهر المهدويّة.
- ينبغي أن تستند الدراسات المستقبليّة إلى منهجيّة بحثيّة متكاملة تجمع بين التحليل الثقافي والحياديّة الفكريّة، مع ضرورة الابتعاد عن الأيديولوجيّات التي قد تشوّه هذا الفهم.
- إنّ الدراسات الاستشراقيّة المعاصرة حول المهدويّة ليست مجرّد محاولات أكاديميّة محايدة لفهم العقيدة الدينيّة، بل هي جزء من مشروع سياسي وأمني متكامل، إنها تعكس رغبة الغرب في استيعاب وتحليل القوى التي تهدد مصالحه في المنطقة، مع محاولة تطويعها أو مواجهتها وفق استراتيجيّات متعدّدة الأبعاد ... ومن هذا المنطلق فإنّ المهدويّة تمثّل في عيون الغرب خريطة طريق لنهضة حضاريّة وروحيّة تتحدّى الهيمنة الغربيّة القائمة؛ لذا تسعى هذه الدراسات إلى تشويه صورة المهدويّة، وتقويض مكانتها لدى الرأي العام العالمي، لتبرير التدخل الخارجي في الشؤون الداخليّة للدول الإسلاميّة.
- إنَّ دراسة المهدويّة من منظور استشراقي تكشف عن شبكةٍ معقّدةٍ من التداخلات بين العقائد الدينيّة والمصالح السياسيّة، فقد سعى المستشرقون -سواء في إطارهم الكلاسيكي أو المعاصر- إلى فهم هذه العقيدة الإسلاميّة العميقة، لكنّ تحليلاتهم لم تَخْلُ من تحيّزات ثقافيّة وسياسيّة أضفت ضبابيّةً على صورتها. نتيجة لذلك، تراوحت رؤاهم للمهدي بين تصويره كمنقذ عالمي أو كمصدر تهديد متطرف، ما يعكس فهمًا مشوشًا لهذه الشخصيّة المحوريّة في الإسلام.
- اعتمدت الدراسات الكلاسيكيّة على منهجيّات سطحيّة ومتحيّزة، تفتقر إلى الحياد الأكاديمي. ركّزت على الأبعاد التاريخيّة والدينيّة، متجاهلة الجوهر الروحي والفلسفي للعقيدة. استندت إلى مصادر مشوّهة وانتقائيّة، معارضة للعقيدة غالبًا؛ ما أسهم في تقديم صورة مختزلة وغير متوازنة.
- أظهرت الدراسات الحديثة تطوّرًا منهجيًّا باستخدام أدوات تحليليةّ متقدّمة، مع إدراك تدريجي لأهميّة الأبعاد العقديّة والروحيّة. ومع ذلك، لا تزال تركّز بشكل أساسي على الجوانب السياسيّة والأمنيّة، متأثّرة بالفكر الغربي ومنهجيّته. ورغم اعتمادها على مصادر أكثر تنوّعًا، فإنها غالبًا ما تغفل المصادر الإسلاميّة الأصيلة، ما يجعلها تفتقد لفهم شامل ومتوازن.
لائحة المصادر والمراجع
1. أجناس، جولدتسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة: محمد يوسف موسى وآخرون، الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى 1959م.
2. ألبرت، حوراني، الإسلام في الفكر الأوروبي، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م.
3. الحاج، د. ساسي سالم، نقد الخطاب الاستشراقي، الناشر دار المدد، بيروت، الطبعة الأولى 2002م.
4. الحاج، دواق، العقل الاستطلاعي عند محمد أركون وتطبيقاته في نقد الاستشراق الكلاسيكي، مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، الجزائر، العدد 22، عام 2016م.
5. حميد، دباشي، ما بعد الإستشراق، ترجمة: باسل وطفه، منشورات المتوسط، إيطاليا، الطبعة الأولى، 2015م.
6. الخالدي، د. مصطفى، فروخ د. عمر، التبشير والاستعمار في البلاد العربية، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى 1953م.
7. دوايت، دونلدسن، (1884-1976م)، عقيدة الشيعة ، تعريب: ع. م، القاهرة، الطبعة الأولى 1946م.
8. زكريا، فؤاد، نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج، الناشر: مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، الطبعة الأولى 2019م.
9. الساده مجتبى، التراث المهدوي: استقراء التطوّر الفكري في مسيرة التراث المهدوي الشيعي، الناشر أطياف، القطيف، الطبعة الأولى، 2018م.
10. الساده مجتبى، بحث بعنوان: الحرب السرية ضدّ الإمام المهدي(عج) حاليًا، مجلة: الموعود، الناشر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي، النجف الأشرف، العراق، العدد 13، سنة 2022م.
11. الساده مجتبى، بحث بعنوان: المهدويّة في الرؤية الاستشراقيّة، مجلة: دراسات استشراقيّة، الناشر المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العتبة العباسيّة، العراق، العدد 28، سنة 2021م.
12. شتيبات، فريتس، الإسلام شريكًا دراسات عن الإسلام والمسلمين، ترجمة: عبد الغفار مكاوي، الناشر مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة ، طبعة عام 2022م.
13. عبد الله، الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدّمات أولية، الأصل: رسالة ماجستير بجامعة محمد بن سعود بالرياض، الناشر مركز البحوث والدراسات البيان، الرياض، الطبعة الأولى، 1435هـ.
14. علي، بخوش، مشروع القارئ في الفكر النقدي العربي، رسالة دكتوراة في الآداب واللغة العربية، تخصص: النقد الأدبي، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر ، السنة الجامعيّة: 2013/ 2014م.
15. عماد، بورزوز، من الاستشراق إلى الدراسات الشرق أوسطية، مجلة البحثيّة للعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، العدد 12، عام 2018.
16. عنان، د. رباح صعصع، المهدي المنتظر رؤية استشراقيّة، الناشر: المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة، العتبة العباسيّة، النجف، العراق، الطبعة الأولى 2019م.
17. فلوتن ج. فان، السيطرة العربية: والتشيع والمعتقدات (المهدية) في ظلّ خلافة بني أميّة، ترجمة: د. ابراهيم بيضون، دار النهضة العربية، بيروت، 1996م.
18. فهمي، هويدي، إيران من الداخل، الناشر: مؤسسة الأهرام، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1991م.
19. ناجي، د. عبد الجبار، التشيع والاستشراق، الناشر: المركز الأكاديمي للأبحاث، منشورات الجمل، بغداد وبيروت، الطبعة الأولى، 2011م.
20. النوراني، محمد سنان، بحث بعنوان: انتقادات المستشرقين للحديث الشريف في ضوء الواقع والميزان، مجلة: البعث الإسلامي، العدد 3 المجلد 68، الناشر مؤسسة الصحافة والنشر، الهند، مارس 2022م.
https://albasulislami.com/انتقادات-المستشرقين-للحديث-الشريف-في/
https://albasulislami.com/magazine-2022-23/
لائحة المصادر الأجنبية
1. End Times and the Secrets of the Mahdi - Unlocking the Mystery of Revelation and the Antichrist, by: Michael Youssef, published by: Worthy Books/ USA (February 23, 2016) Language: English, Print length.
https://www.amazon.com/End-Times-Secret-Mahdi-Revelation/dp/1617956627
2. Holiest Wars: Islamic Mahdis & Their Jihads, by: Timothy R. Furnish, Published by: Praeger; Illustrated edition/ USA (June 30, 2005) Language: English, Print length.
https://www.amazon.com/Holiest-Wars-Islamic-Mahdis-Jihads-ebook/dp/B0014EKKGK
https://sites.dlib.nyu.edu/viewer/api/embed/aub_aco002988
رابط النسخة العربيّة الالكترونيّة للكتاب:
https://www.amazon.com/Muslim-Studies-Muhammedanische-Studien-Leather/dp/B0B9WRYPCH
3. Introduction to Islamic Theology and Law, by: Ignaz Goldziher (Author), Language: English, Publisher: Princeton University Press; First Edition (April 1, 1981), Print length.
https://www.amazon.com/Introduction-Islamic-Theology-Classics-Eastern/dp/0691100993
4. ISLAMIC ESCHATOLOGY: Awaiting Al-Mahdi-The Twelfth Imam and the Future of Islam, by: Edward D. Andrews, Independently published/ USA (December 6, 2023), Language: English, Print length.
https://www.amazon.com/ISLAMIC-ESCHATOLOGY-Awaiting-Al-Mahdi-Twelfth/dp/B0CPWGV3WF
5. Muslim Studies: volume 1 & 2, by: Ignaz Goldziher (Author), Language: English, Publisher: Routledge (January 11, 2005), Print length: 254 & 388 pages.
https://www.amazon.com/s?k=Muslim+Studies&i=stripbooks-intl-ship&crid=3RUP5VYXGGVD7
6. Ten Years’ Captivation with the Mahdi’s Camps: Essays on Muslim Eschatology 2005-2015, by: Timothy R. Furnish, published by: Praeger/ USA (November 22, 2015) Language: English, Print length.
https://www.amazon.com/Ten-Years-Captivation-Mahdis-Camps-ebook/dp/B018GH53GE
7. The Late Great Planet Earth, by: Hal Lindsey (Author), Language: English, Publisher: Zordervan Co, USA, First Edition (May 23, 1970), Print length.
https://www.amazon.com/Late-Great-Planet-Earth/dp/031027771X#detailBullets_feature_div
8. The Mahdi and the Treasures of al-Talaqan, by: Sean W. Anthony, Published by: Brill Publishing House - Leiden/ The Netherlands, Arabica Scientific Journal, T. 59, Fasc. 5 (2012), http://www.brill.nl/ & https://www.jstor.org/stable/41727684
9. The Mahdi, Past and Present, by: James Darmesteter (Author), Language: English, Print length.
https://www.amazon.com/s?k=The+mahdi+past+and+present
10. The Shi’ite [Shiite] Religion: A History of Islam in Persia and Irak (Iraq), by: Dwight M. Donaldson (Author), Language: English, Publisher: Luzac & Co; 1st edition (January 1, 1933), Print length.
https://www.amazon.com/ShiIte-Religion-History-Islam-Persia/dp/0404189598
[1]*- باحث في الفكر الإسلامي، المملكة العربية السعودية.
[2]- الوهيبي، حول الاستشراق الجديد، المبحث الأول: الاستشراق في المنظور التاريخي، ص18-78.
حيث قسّم المنظور التاريخي للاستشراق الى أربعة مراحل:
الأولى: نشأة الاستشراق القديم وتطوّره حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي.
الثانية: الاستشراق من القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين.
الثالثة: الاستشراق من بعد منتصف القرن العشرين إلى بدايات القرن الحادي والعشرين.
الرابعة: الاستشراق بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م.
[3]- الحاج، د. ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي، أنظر الفصل الثاني، ص28-162.
حيث قسم مراحل الاستشراق بشكل عام الى أربعة مراحل:
الأولى: المرحلة الدينيّة (التبشير) - قبل الحروب الصليبيّة.
الثانية: المرحلة العسكريّة (الحروب الصليبيّة) - ظاهرة التبشير.
الثالثة: المرحلة السياسيّة (الاستعمار): الرحّالة المستشرقون، آثار الحركة التبشيريّة، الحملة الفرنسيّة.
الرابعة: المرحلة الحديثة (العلميّة) مستمرة حتى الآن.
[4]- انظر إلى: دارمستيتير جيمس، المهدي من أصول الإسلام إلى الحاضر، المستشرق الفرنسي.
[5]- دونلدسن، دوايت (١٨٨٤-١٩٧٦م)، عقيدة الشيعة، ب 21، ص230 وما بعد.
[6]- الساده، مجتبى، التراث المهدوي، ص199.
[7]- الساده مجتبى، الحرب السرية ضدّ الإمام المهدي(عج) حاليًا، ص235-295.
[8]- الحاج، د. ساسي سالم، نقد الخطاب الاستشراقي، ج1، ص101.
[9]- ناجي، د. عبد الجبار، التشيّع والاستشراق، ص207؛ عنان، د. رباح صعصع، المهدي المنتظر رؤية استشراقيّة، ص34.
[10]- كتاب: (Le Mahdi: depuis les origines de l’Islam jusquà nos jours) (المهدي من أصول الإسلام إلى الحاضر) للمستشرق اليهودي الفرنسي: (James Darmesteter). صدرت الطبعة الأولى في ٢٨ فبراير ١٨٨٥م باللغة الفرنسيّة، ثمّ ترجمته «آدا ساره بالين» إلى اللغة الإنجليزيّة في العام نفسه بعنوان: (The Mahdi Past and Present).
[11]- أجناس، جولدتسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام؛ ناجي، د. عبد الجبار، التشيّع والاستشراق، ص209؛ المهدي المنتظر رؤية استشراقيّة، م.س، ص30.
[12]- فلوتن ج. فان، السيطرة العربية: والتشيّع والمعتقدات (المهدية) في ظلّ خلافة بني أمية؛ ونفس الكتاب: فلوتن، السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات في عهد بني أمية.
[13]- دوايت، رونلدسن، عقيدة الشيعة.
[14]- حميد، دباشي، ما بعد الاستشراق، ص13-24.
[15]- ألبرت، حوراني، الإسلام في الفكر الأوروبي، ص26.
[16]- Darmesteter James, The Mahdi Past and Present, Le Mahdi: depuis les origines de l’Islam jusquà nos jours.
[17]- تمّ إعادة طبع هذا الكتاب في السنوات الأخيرة مرّات عديدة، وتمّ اختياره من قبل الأكاديميّين (في داخل الولايات المتّحدة الأمريكيّة) باعتباره مهمًّا ثقافيًّا (Scholar Select)، وجزءًا من قاعدة المعرفة للحضارة. .. حيث يمكن لأيّ جهة نسخ الكتاب وتوزيعه بحرّيّة، باعتبار لا يوجد كيان (فرد أو شركة) لديه حقوق طبع ونشر على نصّ العمل.
[18]- Dwight M. Donaldson, The Shi’ite [Shiite] Religion: A History of Islam in Persia and Irak (Iraq).
[19]- Ignaz Goldziher, Introduction to Islamic Theology and Law.
[20][2]- Ignaz Goldziher, Muslim Studies: volume 1&2.
[21]- التشيّع والاستشراق، م.س، ص209.
[22]- التشيع والاستشراق، م.س، ص203-343.
[23]- المهدي المنتظر رؤية استشراقيّة، م.س، يتكوّن الكتاب من 370 صفحة.
[24]- Edward D. Andrews, ISLAMIC ESCHATOLOGY: Awaiting Al-Mahdi-The Twelfth Imam and the Future of Islam.
[25]- Michael Youssef, End Times and the Secrets of the Mahdi - Unlocking the Mystery of Revelation and the Antichrist.
[26]- Timothy R. Furnish, Ten Years’ Captivation with the Mahdi’s Camps: Essays on Muslim Eschatology 2005-2015.
[27]- الدكتور تيموثي فورنيش: حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة ولاية أوهايو، وكانت أطروحة الدكتوراه الخاصّة به عن الحركات المهديّة السنيّة (باستخدام المصادر العربيّة). كاتب وأستاذ ومستشار سابق للجيش الأمريكي وقدامى المحاربين في الجيش الأمريكي، وقد حاضر في أماكن متنوّعة مثل الكلية الحربيّة للجيش الأمريكي، ومدرسة كونكورديا، والجامعة العبرية في القدس، والمركز الإسلامي في إنجلترا. كما ظهر على العديد من القنوات التلفزيونيّة. مجال خبرته هو علم الآخرة الإسلامي (معتقدات آخر الزمان) - وخاصّة المهدويّة أو المسيحيّة الإسلاميّة، وهو لغوي عربي سابق في الجيش الأمريكي، وقد قدّم استشارات بشأن قضايا العالم الإسلامي إلى قيادة العمليّات الخاصّة الأمريكيّة، وإلى مجتمع الاستخبارات.
[28][1]- Sean W. Anthony, The Mahdi and the Treasures of al-Talaqan, pages 459-483.
[29]- مركز بريل للدراسات والنشر، تأسّس عام 1683م، هي دار نشر ذات تركيز دولي قوي. تشتهر (BRILL) بمنشوراتها في المجالات التالية: الدراسات الآسيويّة، الشرق الأدنى القديم ومصر، الدراسات التوراتيّة والدراسات الدينيّة، الدراسات الكلاسيكيّة، دراسات العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث، الشرق الأوسط والدراسات الإسلاميّة (مركز للدراسات الشرقيّة - فكري وسياسي)، وقد اندمج مؤخرًا (2024م) مع (De Gruyter) لتصبح شركة متخصّصة في النشر باسم: (De Gruyter Brill)، ولديها فروع في الولايات المتّحدة الأمريكيّة واليابان.
[30]- Timothy R. Furnish, Holiest Wars: Islamic Mahdis & Their Jihads.
[31]- ألبرت، حوراني، الإسلام في الفكر الأوروبي، ص70-72.
[32]- الساده مجتبى، المهدويّة في الرؤية الاستشراقيّة، ص70-71.
[33]- المهدي المنتظر رؤية استشراقيّة، م.س، ملخص باختصار للفصل الثاني، من ص73-146.
[34]- النوراني، محمد سنان، انتقادات المستشرقين للحديث الشريف في ضوء الواقع والميزان، ص64-70.
[35]- دراسة المناهج المستخدمة في علم الاجتماع: مثل المنهج الوصفي، المنهج التاريخي، المنهج المقارن، وغيرها... وبإيجاز: المنهج السوسيولوجي هو الطريقة التي يتبعها علماء الاجتماع للوصول إلى فهم أعمق للواقع الاجتماعي.
[36]- المهدويّة في الرؤية الاستشراقيّة، م.س، ص70-71.
[37]- التشيّع والاستشراق، م.س، ملخص باختصار للفصول: الخامس والسادس والسابع، ص203-343.
[38]- عماد، بورزوز، من الاستشراق إلى الدراسات الشرق أوسطية، ص51.
[39]- محاضرة د. جون فولرتون ماك آرثر جونيور (مواليد 19 يونيو 1939م)، وهو قسّ ومؤلّف أمريكي، راعيًا لكنيسة جريس كوميونيتي، في صن فالي، كاليفورنا، منذ 9 فبراير 1969م، المحاضرة بعنوان: (الإسلام والمسيح الدجال) (John MacArthur Islam and the antichrist) ... تجدها:
https://www.youtube.com/watch?v=2sci_WFp8ec
[40]- Lindsey Hal, The Late Great Planet Earth, pages 162-170.
[41]- كلمة «المقاصد» تشمل المعاني الثلاثة، توضيح: البواعث: تمثّل الشرارة أو المحفزات الأولية، بينما الدوافع: هي القوى الداخليّة التي تستمر في دفع العمل أو التفكير، أمّا الأهداف: هي الغايات النهائيّة التي يسعى لتحقيقها.
[42]- شتيبات، فريتس، الإسلام شريكًا، ص78-79.
[43]- الإسلام شريكًا، م.س، ص81.
[44]- علي، بخوش، مشروع القارئ في الفكر النقدي العربي، ص140-177.
[45]- الحاج، دواق، العقل الاستطلاعي عند محمد أركون وتطبيقاته في نقد الاستشراق الكلاسيكي، ص150-163.
[46]- زكريا، فؤاد، نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج، ص57-59.
[47]- انطلقت شرارة الثورة السودانيّة في عام 1881م بقيادة محمد أحمد المهدي، الذي أعلن نفسه المهدي المنتظر. بعد صراع مرير لأكثر من أربع سنوات من النضال، تمكّن الثوار من إسقاط الحكم العثماني المصري، وأقاموا دولة إسلاميّة وطنيّة، عاصمتها أم درمان، لتشكّل منعطفًا حاسمًا في تاريخ السودان.