البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

التلقّي العربي للظاهرة الاستشراقيّة، بين الارتياب والتماهي

الباحث :  نوال بن صالح
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  42
السنة :  ربيع 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 15 / 2025
عدد زيارات البحث :  32
تحميل  ( 471.172 KB )
نوال بن صالح[1][*]

الملخّص

يُعدّ الاستشراق أحد أهم مظاهر العلاقة بين الشرق والغرب، وهو حركة ممتدّة عبر الزمن تتمثّل في جهود معرفيّة متنوّعة قام بها علماء ومؤرّخون وباحثون ينتمون لأوروبا بوجه خاصّ، وللعالم الغربي بوجه عامّ؛ لاكتشاف الشرق معرفيًّا. وتتنوّع أهداف هذه الحركة بتنوّع سياقاتها التاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، ممّا نتج عنها ميدان بحثي تميّز بالثراء والتنوّع في منتجه المدوّن، إذ لم يترك المستشرقون معرفة من المعارف الشرقيّة إلّا وتناولوها بالبحث والدراسة بما في ذلك عقائد الشرق وآدابه وفنونه، وقد ظلّ هذا المنجز -على أهميّته- محلّ تشكيك في أغراضه الخفيّة ونواياه تّجاه الشرق. تتناول هذه الورقة مختلف الرؤى الشرقيّة/ العربيّة تّجاه المنجز الاستشراقي وأوجه تلقّيه في الشرق، كما يتعرّض البحث إلى الإشكالات التي تناولها الخطاب النقدي العربي الموجّه للاستشراق الذي اتّسم في أغلبه بالشكّ والريبة في نواياه كما في وسائله وأساليبه. فالمنجز الاستشراقي كان ولا يزال محطّ اتهام من الأقلام العربيّة مهما ادّعى الحياد والموضوعيّة.

الكلمات المفتاحيّة: الاستشراق، الشرق، الغرب، المعرفة، السلطة، العربي.

عتبة الاستهلال

لا يزال المنجز الاستشراقي يحظى باهتمام بالغ داخل الأوساط الثقافيّة والدوائر السياسيّة العربيّة؛ لما له من صلة وثيقة بالعلاقة المضطربة التي تربط بين الشرق والغرب، بل ولما يمثّله الاستشراق نفسه من أهميّة بوصفه مظهرًا من مظاهر الصراع بين الشرق الإسلامي العربي والغرب المسيحي اليهودي. وحركة الاستشراق حركة واسعة النطاق، متشعّبة الفروع، تختلف في بدايتها وفي المراحل التي قطعتها، وفي اتّجاهاتها ودوافعها، مثلما تختلف في النتائج التي وصلت -أو سعت للوصول- إليها، وقد أسهم في حركة الاستشراق عدد غير قليل من الباحثين، عبر العصور التاريخيّة المختلفة، وكانت جهودهم متفاوتة مختلفة في صورها وبواعثها وقيمتها الفكريّة وحتى في أهدافها.

والحقيقة أنّ الاستشراق لم يكن فعلًا بريئًا، إنما كان ظاهرة منظّمة تمثّل جهدًا معرفيًّا قام به الغرب في محاولته فهم الحضارة الإسلاميّة في الشرق، وقد استطاع أن ينجز على مدى قرون طويلة مشاريع كبيرة من الدراسات والبحوث التي تحاول أن تتعرّف على الشرق وتقدّمه في جوانبه المتعدّدة فكريًّا، واجتماعيًّا واقتصاديًّا.

ومن الطبيعي أن تختلف الخلفيّات الحاكمة على دراساته ونتائجها باختلاف اتّجاهات المستشرقين والمدارس التي ينتمون إليها، وتلوّنت بتلوّن الأهواء والخبرات القبليّة عن الشرق، التي يأتي المستشرق الغربي مشبعًا بها ليكتب عن الآخر الشرقي، إذ يمثّل الاستشراق تصوّر الذات الغربيّة عن الشرق، الذات الغربيّة المحملة بإرث كبير وتراكمات من الحقد أو الصياغات المغلوطة التي صاغها صراع فكري وحضاري امتدّ عبر عصور طويلة وفرضته ملابسات تاريخيّة وسياقات سياسيّة كثيرة؛ ولهذا كان من الصعب على أي باحث في مجال الاستشراق أن يغفل دراسة الاستشراق بوصفه ظاهرة معرفيّة ثقافيّة تتداخل فيها عوامل السياسة والتاريخ والاقتصاد.

تُعنى هذه الورقة أساسًا بالتلقّي الشرقي -العربي بوجه خاصّ- المقاوم لمدخَلَات الفكر الاستشراقي، وكيفيّات التعاطي النقدي مع هذه المعرفة التي شملت تاريخ الشرق وعاداته وآدابه وجميع جوانب حضارته. ضمن هذه المعالم يتحرك البحث مستعينًا بدراسات متخصّصة، متنوّعة الآراء حول موضوع الفعل الاستشراقي نفسه سواء تعلّق الأمر بمصداقيّته العلميّة أم بأغراضه ونواياه المبيَّتة.

1. الاستشراق: المعرفة المتّهمة

لم يتبلور الوعي العربي بالاستشراق كظاهرة معرفيّة إلّا في القرون الأخيرة، أي بعد عهود طويلة من وجوده فعليًّا على أرض واقع البحث العلمي، وهو الأمر الذي تؤكّده عمليّة نقد مفهوم الاستشراق الذي انطلق في بدايات النهضة العربيّة عندما لاحظ المفكّرون العرب والمسلمون دخول عنصر الاستشراق بقوّة في دراسة التراث العربي والإسلامي. ويعود السبب في هذا الاهتمام بنقد الاستشراق إلى انبهار المفكّرين والمثقّفين العرب والمسلمين بهذه الجهود العلميّة التي يخدم بها المستشرقون تراثًا غير تراثهم[2].

الحقيقة أنّ الانطباع العام الذي يحيل عليه لفظ (الاستشراق) في الوعي الفكري العربي هو ذلك التوجّس والشكّ وعدم الوثوق في براءة نوايا المستشرق، «إنّ لفظة مستشرق تثير في نفوسنا أحاسيس شتّى، بيد أنها لا تخلو من الشكّ والارتياب، وهذا الشكّ وهذا الارتياب ليسا من صنعنا ولا من طبيعتنا، بل إنهما من صنع بعض المستشرقين المسرفين الذين لم يتجرّدوا عن يهوديّتهم أو نصرانيّتهم أو عرقيّتهم حين كتبوا عن العرب أو عن الإسلام»[3].

وبالرغم من حساسيّة التّعاطي العربي مع المنجز الاستشراقي بوجه عامّ، يعترف جلّ الدارسين العرب بأنّ الاستشراق ظاهرة فكريّة قد لعبت دورًا خطيرًا في الفكر والأدب العربيين قديمًا وحديثًا، إذ يؤكّد (أحمد سمايلوفيتش) أنّ الغرب قديمًا قد أخذ بواسطة الاستشراق العلوم والآداب والفنون عن العرب، ونقلها إلى الغرب، حيث أقام نهضته على دعائمها، أمّا حديثًا فقد أخذ الاستشراق الأفكار والنظريّات، والآراء الغربيّة المؤسّسة على ثقافة العرب، فردّها إليهم مؤثّرًا بذلك في نهضتهم المعاصرة أبلغ تأثير[4].

- أضف إلى أثر الاستشراق الواضح في جمع تراث العرب وتحقيقه، فلا ينكر جلّ الدارسين العرب تمتّع المستشرقين بالبراعة في التحقيق والتدقيق، والغوص في التراث، وقد زاد تمكّنهم من عديد اللّغات الشرقيّة أبحاثهم قوّة ومصداقيّة، على الأقلّ بالنسبة للغرب. وذهب عدد غير قليل من الدارسين العرب إلى الإشادة بجهود المستشرقين، إذ يؤكّد (علي حسني الخربوطلي) على القيمة العلميّة لأعمال المستشرقين، «الحقّ أنّ مناهج المستشرقين في البحث هي مناهج تتميّز بالجدّ، وبالدأب على البحث، والتعمّق، والتحليل، والاستقراء، والاستنتاج والوصول إلى الحكم العام (…)، وبقدر ما في طرائق البحث والاستنتاج من سلامة وحياد تكون الأحكام العامة دائمًا سليمة محايدة بعيدة عن الإجحاف والأغراض»[5]. ويذهب عدد آخر من الدارسين أبعد من ذلك، فيرى أنه بوصفنا عربًا مدينون للاستشراق الذي وظّف العقليّة الغربيّة المنظّمة في دراسة التراث العربي، ممّا سمح له بالبقاء والحياة[6].

وبعيدًا عن الدفاع عن الاستشراق أو دفعه، يحاول كثير من الدارسين تفسير الهفوات أو التمثّلات التي تجسّدت في الخطاب الاستشراقي على أنها لم تكن سوى استجابة للثقافة التي أنتجتها «أي إنّ الاستشراق استجاب للأساس النظري للثقافة التي أنتجته، أكثر ممّا استجاب لإرادات الأفراد المفكّرين ورغباتهم واختياراتهم الأيديولوجيّة المبيّتة»[7]. وعلى هذا الأساس تكون زلّات المستشرقين خارجة عن إرادتهم لم يقترفوها بقصد، إنما فرضتها مرجعيّاتهم الفكريّة والثقافيّة. بينما تحمّل (سهام ربيع عبد الله) المستشرقين مسؤوليّة سوء الفهم المتبادل بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، على الرغم من ما يقال عن حوار الثقافات أو الحضارات. فالمحقَّق أنّ جانبًا كبيرًا من المسؤوليّة يقع على عاتق المستشرقين الذين أسهموا -عن عمد أو عن غير عمد- في صياغة التصوّرات الأوروبيّة عن الإسلام، وهي في أغلبها مجافية للحقيقة[8].

غير أنّ ما طرحه (إدوارد سعيد) في تفكيكه للخطاب الاستشراقي مستندًا إلى فهم (ميشال فوكو) لمقولة الخطاب، يعيد الاستشراق إلى دائرة الإدانة لا في تفاصيليه ومخرجاته العلميّة فحسب، بل وفي استثماره من قِبل السلطة المركزيّة الغربيّة؛ ولهذا يرى سعيد أن الاستشراق «أسلوب للسيطرة على الشرق واستبنائه وامتلاكه والسيطرة عليه»[9]. إنّ نظرة سعيد هذه زوّدت التيّار الفكري المتوجّس بالأساس من الفعل الاستشراقي بمزيد من مسوّغات رفضه، بل وتصنيفه ضمن فكرة المؤامرة التي رسّخت في الوعي السياسي العربي على مدار عصور من العلاقات المتوتّرة بين الشرق والغرب، ذلك أنّ سعيدًا شاهد من أهلها، مفكّر مشبّع بالفكر الغربي واللسان الإنجليزي؛ ممّا أضفى على الخطاب الرافض والمدين للاستشراق شيئًا من المشروعيّة.

2. شبهة المصطلح ومشكلة البداية

من بين الإشكالات التي يواجهها التلقّي العربي للفكر الاستشراقي، إشكاليّة ضبط مصطلح الاستشراق والدلالات التي يحيل عليها المفهوم وحصر الكتابات التي يمكن أن تندرج ضمن حيّز الدراسات الاستشراقيّة، لهذا يواجه مصطلح الاستشراق ومنه مصطلح الشرق صعوبة، ليس في مفهومه فحسب، بل وفي أبعاده وفي الدراسات التي يمكن أن تنضوي تحت لوائه. والحقيقة أنّ هذا الاضطراب واللبس انوجد عند الغربيّين كما عند الشرقيّين، ولعلّ السبب في ذلك يرجع إلى تطوّر الظاهرة عبر العصور واختلاف أهدافها ووسائلها وتغيّر السياقات التاريخيّة التي وجدت فيها، بل إنّ بعض الدارسين -مستسلمين لفكرة المؤامرة- يرى أن صبغة الضبابيّة والغموض التي اصطبغ بها المصطلح غير بعيدة عن نوايا استشراقيّة مبيّتة أرادت للمصطلح أن يصطبغ بهذا اللبس وهذه الهلاميّة، من بينهم (محمد فتح الله الزيادي) الذي يقول: «لعلّه من المفيد والضروري أن أؤكّد أوّلًا على توضيح مصطلح (الاستشراق) الذي أعتقد أنه يعاني من ضبابيّة في الوضوح (…) وقد يكون التّلاعب بالمعاني والمصطلحات مقصودًا ومبيَّتًا كما هو الحال عند كثير من الغربيّين الدارسين للإسلام والمتعاملين مع قضايا الفكر الإسلامي»[10]. حيث ينضمّ هذا التشكيك والارتياب إلى فكرة التوجّس العامّ من الفعل الاستشراقي بوجه عامّ.

في حين يحاول (منذر معاليقي) ضبط مصطلح (الاستشراق) من خلال تحديد الوظيفة التي يضطلع المستشرق بأدائها، فالمستشرق «هو الأستاذ الذي انكبّ على دراسة اللغة العربيّة وتاريخها، واطلع على حضارة العرب ودين الإسلام، وهو بالأحرى الأستاذ الجامعي الذي عرف العلم والمعرفة والبحث والعمل الدؤوب المستمرّ والمتواصل، أو مَن تخصّص في أحد فروع المعرفة المتّصلة بالشرق، والتي جعلها أسلوبًا غربيًّا لفهم الشرق والسيطرة عليه»[11].

ومن الدارسين العرب من نظر إلى من يقوم بالعمل الاستشراقي نظرة دينيّة صرفة، فقد وصف (أحمد عبد التواب) المستشرق بالكافر، فيرى أن الاستشراق «دراسات أكاديميّة يقوم بها غربيّون كافرون -من أهل الكتاب بوجه خاصّ- للإسلام والمسلمين من شتّى الجوانب؛ عقيدة كانت أو شريعة أو ثقافة أو حضارة أو تاريخًا، ونظمًا وثروات وإمكانات... بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تبرير هذه التبعيّة بدراسات»[12]. إذ يحرص هؤلاء على توصيف المستشرقين بداية من خلال الأهداف التي سعوا -في نظرهم- جاهدين في تحقيقها والتي لا تعدو أن تكون فعلًا عنصريًّا استعلائيًّا هدفه إلباس الفعل التضليلي لباس الأكاديميّة، وقد ساعدهم في ذلك جملة من الفواعل في دوائر رسميّة وعلميّة غربيّة ليست بريئة في أهدافها.

- أمّا )إدوارد سعيد( فقد ذهب بعيدًا في تفكيكه لمصطلح (الاستشراق) حين عرف الاستشراق بوصفه تمظهرًا لسيطرة المركزيّة الغربيّة على الشرق، وتمثّلًا من تمثّلات النظرة الاستعلائيّة الغربيّة للآخر الشرقي، يقول: «الاستشراق أسلوب غربي للسيطرة على الشرق وامتلاك السيادة عليه (…) وبأنّ الاستشراق قد شكّل الحضارة الشرقيّة في كوكبة الأفكار الشرقيّة، كالاضطهاد والأبهة الشرقيّة، والقسوة الشرقيّة»[13].

لكن بعض الدارسين والمهتمّين بالدرس الاستشراقي يعتقدون أنّه يجب النظر إلى كلمة الاستشراق من زاوية تاريخيّة أساسها أنّ حكمة الله تعالى قد اقتضت أن يخضع العالم إلى سيطرة قوّتين كبيرتين تحقّقان التوازن، إحداهما في الشرق وأخرى في الغرب، تمثّل ذلك في الصراع بين الفرس والروم، ثمّ بين المسلمين والروم، ثمّ بين المسلمين والصليبيّين، ثمّ بين العثمانيّين والأوربيّين، ثمّ كان آخر فصول هذه الملحمة الصلات بين الشرق ممثّلًا في آسيا وأفريقيا وبين الغرب ممثّلًا في أوروبا وأمريكا[14].

فتعريف الاستشراق يخضع في نهاية المطاف إلى زاوية نظر الدارس، «فالذي رأى الاستشراق من زاوية معرفيّة قال: إنّ الاستشراق هو معرفة الغربيّين بالعالم الشرقي، أو هو اتّجاه الغربيّين للبحث أو التخصّص في الشرق، ومن رَآه من زاوية سياسيّة قال: إنّ الاستشراق هو جهود الغربيّين لمعرفة الشرق والسيطرة عليه، أو هو الأسلوب الغربي للسيطرة على الشرق[15].

تنضاف إشكاليّة أخرى إلى مسألة ضبط مصطلح الاستشراق وضبط مفهومه تتعلّق بعزوف المستشرقين المعاصرين عن هذه التسمية، بل وتهرّبهم من المصطلح، بالرغم من أنّ المصطلح نفسه كان يلقى رواجًا في انطلاقة النهضة الفكريّة العربيّة، فهذا المستشرق الفرنسي (دومينيك شوفالييه) ينكر المصطلح ويحمله تبعات تاريخيّة ليست إيجابيّة. ومثل هؤلاء يفضّلون وصفهم بالمهتمّين بالشرق أو الدارسين له، بل إنّ واحدًا من أكثر المستشرقين شهرة (كبرنارد لويس) يعبّر عن مقته لمصطلح الاستشراق، ويعترف أن كلمة «مستشرق» يجدر بها أن ترمى في الزبالة لأنها ملوّثة[16]. وهذا اعتراف ضمني من أحد المستشرقين بعدم براءة الخطاب الاستشراقي من نيّة التّحامل على الشرق والتجنّي عليه. لكن مسألة التهرّب من المصطلح لا يعفي من استمرار التمسّك بالمضمون، وإن كان هنالك من ينعت الاستشراق القديم بالاستشراق التقليدي أو الكلاسيكي، محاولًا التوجّه إلى تحوير المصطلح إلى أيّ مصطلح آخر قد يكون مقبولًا في هذا الزمان بديلًا عن مصطلح الاستشراق[17].

ويحمل (قاسم السامرائي) الغموض والإبهام الذي يكتسيه مصطلح (الاستشراق) إلى الغرب: «لأنّ الشرق هو اصطلاح ابتدعته أوروبا لكلّ أرض تقع وراء حدودها شرقًا إلى اليابان، بيد أنّ هذا المصطلح بدأ يتزحزح عبر القرون ليقتصر في مفهومه العام والغامض على الشرق الأوسط وما في هذا الشرق من أديان (عدا النصرانيّة لأنّ الفكر الأوروبي لا يحبّ ربطها بالشرق) وثقافات أو حضارات مختلفة. والباحث في أيّ فرع من فروع المعرفة التي تتعلّق بقريب أو بعيد بهذا الشرق يسمّى مستشرقًا»[18].

أمّا (شكري النجار) فيميّز بين المستشرقين الأوائل الذين غلبت على أبحاثهم روح الافتراء على الشرق وحضارته وبين المستشرقين المتأخّرين الذين نحوا منحى موضوعيًّا في قراءتهم للشرق: «لقد حاول الكتّاب المتأخّرون أن يتخلّصوا من الخيالات والأوهام التي كانت تسيطر على الكتّاب الأوائل، حين يكتبون عن الشرق، وأن يكونوا أكثر موضوعيّة وإيجابيّة، كما لم يعودوا يختلقون أحداثًا لا وجود لها في الواقع، كما كان يفعل (فلوبير) مثلًا، ولكن هذا لا يعني أنّ هؤلاء الكتاب المتأخّرين قد وصلوا إلى الموضوعيّة العلميّة كما يزعمون»[19]. ولا يزال مصطلح الاستشراق حتّى اليوم موضوع جدل حادّ حول مناسبته للفعل العلمي الذي يقوم به الغربي نحو الشرق، فظهرت مصطلحات من مثل (الاستشراق الجديد).

ومثلها مثل جلّ مفردات الجهاز المصطلحي للاستشراق، تطرح مسألة تحديد نقطة بداية تاريخيّة واضحة للحركة الاستشراقيّة بوصفها مسألة خلافيّة، حيث تختلف نظرة الدارسين العرب لطبيعة الفعل الاستشراقي نفسه، بما في ذلك أشكال الكتابات التي يمكن أن تندرج ضمن التراث الاستشراقي. والحقيقة أن تحديد البدايات ظلّ مرتبطًا إلى حدّ كبير بنظرة الدارس لأهداف الاستشراق من غرض تبشيري إلى استعماري إلى علمي خالص. لكن الاستشراق بوصفه حركة علميّة نشأت عن فعل قصدي وغايات محدّدة نتج عنها أعمال أكاديميّة مكتوبة، لم يستقر-مصطلحًا- إلّا في القرن الثامن عشر.

والحقيقة أنّه لا يعرف بالضبط من هو أوّل غربي عُني بالدراسات الشرقيّة، ولا في أي وقت كان ذلك، ولكن المؤكّد أنّ بعض الرهبان الغربيّين قصدوا الأندلس في إبان عظمتها ومجدها، وتثقّفوا في مدارسها وجامعاتها، وترجموا معاني القرآن الكريم والكتب العربيّة إلى لغاتهم، وتتلمذوا على علماء المسلمين في مختلف العلوم، ولا سيّما الفلسفة والطبّ والرياضيات. ثمّ بعد أن عاد الرهبان إلى بلادهم ونشروا ثقافة العرب ومؤلّفات أشهر علمائهم، أسست للدراسات العربيّة... وأخذت الأديرة والمدارس الغربيّة تدرس مؤلّفات العرب المترجمة إلى اللاتينيّة[20]. من هنا لا يمكن التعرّف بدقّة إلى البداية المنظمة للاستشراق، فقد نشأت الحركة بجهود عفويّة، ثمّ ما لبثت أن تطوّرت لتكون حركة منظّمة لها كوادرها ومؤسّساتها المختلفة. ويقسّم (محمّد فتح الله الزيادي) تاريخ حركة الاستشراق إلى مراحل تمثّل فترات تاريخيّة وسياسيّة تباينت فيها موازين القوى بين الشرق والغرب[21].

أمّا فيما يخص الدوافع التي حفّزت الدارسين الغربيّين على الانبراء لافتضاض علوم الشرق ومعارفه، فقد اختلفت وجهات نظر الدارسين العرب في ظاهرة الاستشراق -أسبابها ودوافعها- وتنوّعت الآراء في تحديد فترة بدايتها التاريخيّة، بيد أنّ معظم المهتمّين بالأمر، من كتّاب ومؤرّخين عرب، أعادوا منطلقاتها الرئيسة إلى نزعة التعصّب الديني، وسمة الاستعلاء السياسي عند الغرب. وأرجعها بعضهم إلى دوافع شخصيّة ومحاولات فرديّة، حين ازدهرت العلوم العربيّة في القرن الثاني عشر، وانتشرت المراكز العلميّة في العالم الإسلامي[22]، وبالمقابل أصاب الحضارة الإسلاميّة الركود والتوقّف، واضطربت أوضاع المسلمين، وتمزّقت دولهم وانصرفوا إلى الترف واللهو، فطمع فيهم عدوهم الجاثم على حدودهم، المترقّب لأوضاعهم، الطامع في أرضهم، وأخذ يعد نفسه لمواجهة ذلك العدو اللدود[23].

لكن بسبب قِدَم العلاقة بين الشرق والغرب يبدو أنّ من الصعب تحديد بداية للاستشراق، إذ إنّ بعض المؤرّخين يعودون به إلى أيّام الدولة الإسلاميّة في الأندلس، في حين يعود به آخرون إلى أيام الصليبيّين، بينما يُرجِعه كثيرون إلى أيام الدولة الأمويّة في القرن الثاني الهجري، وأنّه نشط في الشام بواسطة الراهب (يوحنا الدمشقي) في كتابين: (حياة محمّد)، والثاني (حوار بين مسيحي ومسلم). وكان هدفه إرشاد النصارى في جدل المسلمين، وأيًّا كان الأمر، فإنّ حركة الاستشراق قد انطلقت بباعث ديني يستهدف خدمة الاستعمار وتسهيل عمله ونشر المسيحيّة. وقد بدأ الاستشراق اللاهوتي بشكل رسمي حين صدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام 1312م، وذلك بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربيّة في عدد من الجامعات الأوروبيّة[24].

وجدير بالذكر أنّ الخلاف حول مسألة تحديد تاريخ دقيق لبداية الاستشراق يبلغ مداه، ويتجلّى ذلك في كون الخلاف ليس حول سنة دون غيرها بل يتعدّاه إلى خلاف حول العصر نفسه، والسبب يعود إلى نظرة الدارس لمفهوم الاستشراق وللشروط التي تجعل فعلًا أكاديميًّا ما يندرج تحت بند الدراسات الاستشراقيّة. وعليه نجد آراء كثيرة حول بداية الاستشراق، فهناك من يربط بين دراسة التاريخ العربي والإسلامي في أوروبا وبداية الأطماع الاستعماريّة الأوروبيّة في العالمين العربي والإسلامي في أواخر القرن الثامن عشر، حينما ضعفت قبضة الدولة العثمانيّة، وبدأت الدول الأوروبيّة تنظر بعين الطمع في ممتلكات الرجل المريض. فقد حرصت الدولة العثمانيّة في أوّل عهد حكمها للبلاد العربيّة والإسلاميّة، على أن تسدل ستارًا كثيفًا يحجب أنظار الأوروبيّين عن هذه البلاد، حتى لا تمتدّ إليها أصابع الاستعمار. وإن كان هذا الستار قد نجح فترة طويلة في أن يحمي البلاد العربيّة والإسلاميّة من الأطماع الاستعماريّة، إلّا أنّه منع أيّ لون من ألوان الاتّصال الحضاري الذي يتيح الفرصة للعلماء الأوروبيّين لدراسة تاريخ الشرق وحضارته، كما جعل العرب والمسلمين بمعزل عن حضارة أوروبا، وقد كانت هذه القارّة تختار عصور النهضة بعد تخلّيها عن طابع العصور الوسيطة[25].

أمّا الرأي الآخر فيجعل الحملة الفرنسيّة على مصر سنة (1798م) بقيادة (نابليون بونابارت) بدايةَ الاستشراق الإيجابي الحقيقي، حينما صحب نابليون معه على ظهر أسطوله عددًا كبيرًا من العلماء، الذين تخصّصوا في فروع عديدة من المعارف، كما صحب مطبعة بحروف عربيّة. وقد بدأ العلماء الفرنسيّون نشاطهم منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدامهم مصر. ويرى عدد غير قليل من الباحثين أنّه بالرغم من إخفاق الحملة الفرنسيّة سياسيًّا وعسكريًّا، إلّا أنها نجحت حضاريًّا.

وقد كانت كثير من الدول العربيّة والإسلاميّة ترغب في التحرّر من الحكم العثماني؛ مما شكّل دافعًا للعرب والمسلمين إلى المطالبة باقتباس بعض معالم الحضارة الأوروبيّة التي لا تخالف عقائد العرب وتقاليدهم. إلى جانب هذه الآراء حول نشأة الاستشراق، وُجد من المفكّرين من يعتقد جازمًا أنّ الاستشراق قد بدأ منذ قرون كثيرة سابقة للقرن الثامن عشر. فيعيد مسألة البدايات الأولى إلى العصور الإسلاميّة المبكرة، حين اتّخذ إقبال الأوروبيّين على الاستفادة من الحضارة العربيّة شكلًا علميًّا منظّمًا. فقد اهتمّت الدول الأوروبيّة بإرسال بعثات علميّة إلى بلاد الأندلس لدراسة العلوم والفنون والصناعات في معاهدها الكبرى، نتيجة ذيوع وشهرة الأندلس وحضارتها في ربوع أوروبا.

وإذا كانت مسألة تحديد القرن الذي بدأ فيه الاستشراق تبدو من الصعوبة بمكان، فإنّ بعض الدارسين العرب لا يتوانى في ضبط نشأة الاستشراق ضبطًا دقيقًا، مستندًا في ذلك إلى التصوّر الذي يربط الاستشراق بفعل اتّصال الغرب بالشرق اتّصالًا أكاديميًّا، فهذا (محمّد ياسين عريبي) يعيد البداية الفعليّة للاستشراق إلى سنة (967م) حين قام (جربير دي أورياك) برحلة من فرنسا إلى قرطبة طلبًا للحكمة في عهد (الحكم الثاني)، ومكث في الأندلس ثلاث سنوات يدرس الرياضيّات والفلك والكيمياء ويتزوّد بالحكمة وينشدها على أيدي علماء مسلمين[26]. ينضاف سبب آخر إلى صعوبة تحديد بداية الاستشراق يتمثّل في غموض مفهومي الشرق والغرب وتطوّرهما سواء تعلق الأمر بالبعد الجغرافي أو البعد السياسي، فلم يعدّ مصطلح الشرق يحيل على المكان بقدر ما يحيل على مفهوم حضاري صرف.

ثمّ إنّ هذا التباين الواضح بين مفهومي الشرق والغرب في الواقع لم يتبلور إلّا بعد أن عرف العرب مع ظهور الإسلام فروقًا واضحة في تصوّر الحياة وطرائق العيش وسبل التفكير، فقد «احتدم الصراع بين الشرق والغرب بسبب حضارة العرب الإسلاميّة التي سرعان ما امتدّت من الجزيرة العربيّة إلى شرق آسيا وشمال إفريقيا، بل امتدّ إشعاعها إلى جنوب أوروبا وشمالها، كما في الأندلس وصقليّة وجنوب فرنسا وغيرها. وإذا كان المجال المغناطيسي لهذه الحضارة هو العقيدة كشرط نفسي لبناء الشروط الموضوعيّة، فإنّ الكنيسة الرومانيّة تنبّهت إلى خطر هذا المجال الذي كان يستوعبها بسبب ما للتوحيد من تطابق بين العقيدة والعقل في الحضارة الجديدة، ومن هنا واجهت الكنيسة هذا التحدّي سرًّا وعلنًا وعلى كل المستويات، حتى صيّرته من الدفاع إلى الهجوم، كما في ظاهرة الحروب الصليبيّة التي بدأت مع نهاية القرن الحادي عشر الميلادي»[27].

وقد استمرّت الحروب الصليبيّة زهاء مئتي سنة تمّ خلالها مسح الحضارة العربيّة مسحًا شاملًا مثلما تجلّى ذلك على الخصوص في الترجمات اللاتينيّة بمدارس جنوب إيطاليا وإسبانيا لأمهات الكتب العربيّة في شتّى مجالات المعارف الصوريّة والموضوعيّة والإنسانيّة. وإذا كانت الحروب الصليبيّة قد أخفقت في تغريب العرب بالقوّة، فإنها نجحت أيما نجاح في تغريب العقل التاريخي، حينما حوّلت زاوية الحضارة المنعكسة من الشرق إلى دائرة مغلقة في الغرب، وقد تعزّزت هذه الدائرة المغلقة والمنغلقة بفعل المركزيّة الغربيّة قديمها وحديثها التي اعتبرت نفسها الممثل الحقيقي والأصلي للوجود الإنساني، وما عداها وسيلة ليست بغاية[28]. الأمر الذي عزّز تكوثر العقل المركزي الغربي على ذاته، وصياغته للشرق صياغة تنطلق من نظرة استعلائيّة كانت شديدة الوضوح في كثير من النصوص الاستشراقيّة، أي إنّ الفعل الاستشراقي قد تشبّع بجملة الأحداث التاريخيّة التي عمّقت الهوة بين الشرق المسلم والغرب المسيحي.

3. الاستشراق في الكتابات العربيّة: بين الشكّ والوثوق

تتباين التصوّرات ووجهات النظر العربيّة ممثّلة للشرق في معالجة الاستشراق من باحث إلى آخر، سواء تعلّق الأمر بالمضامين المعرفيّة التي يقدّمها، أم بالأغراض غير الواضحة التي تنطوي عليها كثير من الدراسات الاستشراقيّة. وإن كانت جل الكتابات تتّسم بوسم الدفاع عن الشرق دينًا ولغةً وتاريخًا وحضارة في مواجهة الاستشراق، «فإذا كانت القضايا التي أثارها الاستشراق تعدّ أخطر هجوم قام به أصحابه على العرب وشخصيّتهم ودينهم ولغتهم وفكرهم وثقافتهم وأدبهم، فإنّ ردّ الفعل الذي قام به العرب يعدّ بحقّ أروع دفاع عمّا هو عربي وإسلامي، حتّى ليستطيع المرء أن يعتبر ما أنتجوه خلال مواجهتهم لهذا الهجوم أروع ما في أدبهم المعاصر من فكر وفلسفة وعمق وثقافة ومنطق»[29]. وسواء اعتبر المرء هذا النوع من الأدب أدبًا جدليًّا أو أدبًا فلسفيًّا أو أدبًا دفاعيًّا، فلا يسعه إلّا أن يعترف بروعة أسلوبه وغزارته وما فيه من خصائص ومميّزات[30]. لقد انطلقت جلّ الكتابات المدافعة عن الشرق والعروبة من رفض المرجعيّات الفكريّة والمبرّرات غير المنطقيّة التي استند إليها المستشرقون في الكتابة عن حضارة الشرق، «فالاستشراق خطاب أو إنشاء، لكنّه خطاب لا يعكس حقائق أو وقائع، بل يصوّر تمثّلات أو ألوانًا من التمثيل، حيث تتخفّى القوّة والمؤسّسة والمصلحة. إنّه خلق جديد للآخر، أو إعادة إنتاج له على صعيد التصوّر والتمثيل، ممّا يجعل الاستشراق «موضوع معرفة»، بينما يظلّ موضوعه الذي هو «الشرق» موضوعَ واقعٍ لا تربطه به صلة تطابق أو انعكاس. فإذا استثنينا بعض النصوص التي تستند إلى شيء من الموضوعيّة، «فإنّ بنية الاستشراق ليست سوى بنية من الأكاذيب أو الأساطير التي ستذهب أدراج الرياح إذا ما انقشعت الحقيقة المتعلّقة بها»[31]، وذلك باعتبار أنّها «تخفي قوّة أو سلطة أو إرادة قوّة»[32].

وبالمقابل يرى المستشرقون هذا الرفض العربي لجلّ الدراسات الاستشراقيّة تجنّيًا وجهلًا ورفضًا للرأي الآخر، فالمستشرق (ستورى) يدافع عن المستشرقين، ويرى عدم اتّهامهم جميعًا، دون استثناء، بالتعصّب والإجحاف، فيقول: «إنّكم في البلاد العربيّة تعتقدون أنّ جميع المستشرقين متعصّبون على الإسلام، وما أرى هذا الاعتقاد صحيحًا دون قيد. نعم، إنّ هناك فريقًا تعصّب بحكم صنعته التي يرتزق منها، ولكن هذا الفريق معروف عندنا كما هو معروف عندكم، وليس من الإنصاف أن يشمل الحكم جميع الباحثين. إنّ الذين خدموا العربيّة كثيرون، وقد حاولوا أن يكونوا منصفين في أبحاثهم بقدر ما يمكن للإنسان أن يكون منصفًا»[33]، لكن عددًا غير قليل من الأقلام العربيّة لا توافق على الطريقة التي تبنّاها المدافعون عن الشرق، القائمة على كثير من مشاعر الحماس والتعصّب للعقيدة على حساب الجدل العلمي المستند على العقل والوقائع.

يتساءل (أحمد عبد الرحيم السايح) في كتابه: «الاستشراق ومنهج نقده» حول إمكانيّة بناء موقف علمي من الاستشراق، وتنطلق رؤياه من ضرورة عدم غضّ الطرف عن هذه المعرفة، بل واعتبارها جديرة بالاهتمام، هذا من جهة، ثمّ إنّ النظرة للاستشراق لا بدّ أن تجابه بطريقة علميّة صحيحة خالية من العقد النفسيّة والشوائب الفكريّة والتأثيرات الخارجيّة المختلفة من جهة أخرى[34]. لكن حقيقة تكاد تكون ثابتة لدى المتلقّي العربي متخصّصًا كان أو غير متخصّص هي أنّ الاستشراق «ظلّ عبر مراحل تاريخه الطويل محمّلًا بجروح عميقة ودامية، الأمر الذي أدّى بكثير من الباحثين إلى التعامل معه تعاملًا حذرًا ويقظًا وأحيانًا مخيفًا»[35].

كما أنّ انهيار النفوذ الأوروبي الاستعماري في معظم الدول العربيّة والإسلاميّة، صرف المستشرقين إلى الجوانب العلميّة، فقد انهار الاستعمار الذي كان سند الاستشراق؛ لذا رأى كثير من المستشرقين أن يصبح العلم والحقيقة أساسًا لاستشراقهم[36].

وأصبح كثير من المسلمين لا ينظرون إلى الحضارة الأوروبيّة، على أنها حضارة المستعمرين الطامعين، بل على أنها حضارة عالميّة حديثة، فقد انهار الرباط الذي كان يربط الاستعمار والحضارة الغربيّة، ومن ثم تغيرت النظرة إلى النظرة إلى التاريخ الإسلامي والعربي[37]. وبالرغم ممّا يُتّهم به من ادّعاء العلميّة والموضوعيّة، أصبح الاستشراق في العالم الأوروبي الحديث كله مادّة علميّة معترفًا بها من الجميع، وهي مادّة علميّة ممثّلة أكاديميًّا في مختلف الجامعات الأجنبيّة. هذا مع الاعتراف بالشروخ الجلّيّة بين الشرق والغرب، حيث اصطدمت حركة الاستشراق في التاريخ المعاصر بالفروق القائمة بين الدنيويّة والمادّيّة الأوروبيّة، والروحانيّة الشرقيّة[38].

يدافع المستشرق الأمريكي المعاصر (ولفرد كانوتيل سميث) عن الدنيويّة الأوروبيّة، ويصفها بأنها عالميّة، فيقول: «إنّ الفروق الجامدة بين المدنيّات لا وجود لها اليوم، فالحضارة الحديثة رغم أنها نشأت في أوّل الأمر في الغرب والشرق. فالدنيويّة إذا ولو أنها مستحدثة بوجه عامّ، إلا أنها لن تصبح غريبة، بل عالميّة تسري في كل الحضارات»[39] وحينما تطوّرت حركة الاستشراق في العصر الحديث، وبدأت تأخذ الطريق العلمي بدأ الصدام بين فلسفة الشرق وبين فلسفة الغرب، وكان لا بدّ لنجاح جهود المستشرقين من تقارب هاتين الفلسفتين، بحيث تكون هناك فلسفة لا هي شرقيّة بحتة، ولا هي غربية خالصة[40].

ممّا لا شكّ فيه أنّ هناك فئة من المستشرقين اندفعت برغبة علميّة صادقة وبدافع ذاتي وهواية شخصيّة تطورت إلى احتراف لدراسة التاريخ الإسلامي، ومحاولة التعرّف على الحقيقة قدر المستطاع وحسب جهدها واجتهادها في فهم وقائع التاريخ[41]. وقد ظهرت ومن خلال هذا الجهد عديد الدراسات القيّمة والتي تقدّم فائدة علميّة في تفسير التاريخ الإسلامي، ولكنّها في الوقت نفسه لا تخلو من شطحات أو تحريفات أو تشويهات لها ما يبرّرها، بسبب من جهل أو تقصير في فهم النصوص العربيّة، أو بسبب بيئة المستشرق أو ثقافته أو الأفكار التي أثّرت أو تؤثّر فيه عبر مسيرته العلميّة.

ولهذا لاحظ (فاروق عمر فوزي) أنّ المستشرق الواحد يختلف في موقفه من بحث إلى آخر أو مقالة إلى أخرى، وقد يغيّر في تفسيراته ويبدّل في آرائه من كتاب إلى آخر، تبعًا لاستزادة معلوماته ونضجه أو اطّلاعه[42].

فالواقع أنّ الحقب المتتابعة التي مرّ بها الاستشراق عبر مسيرته الطويلة لم تكن غالبيّتها تخلو من باحثين أوروبيّين اتّسموا بالحياد والموضوعيّة، فهذا (هادريان إيلاند) يصحّح في كتابه: «الديانة المحمّديّة» عديد الآراء الأوروبيّة حول الإسلام، فقد دعا إلى القراءة عن الإسلام من مصادره وينابيعه الأصليّة الموجودة في الكتب العربيّة، وحينذاك سيرى القارىء بعيونه وليس بعيون الآخرين[43].

- ويؤكّد (جوزيف نيد هام) على ضرورة ترك الفكرة الأوروبيّة التي تؤمّن بالاستعلاء والسيادة والتمحور حول الذات، فيقول: «لا بدّ أن نرى أوروبا من الخارج، أن نرى نقائص أوروبا ونجاحاتها من خلال أعين ذلك الجزء الواسع من البشريّة الذي يتكوّن من شعوب آسيا وإفريقيا»[44].

أمّا (محمّد عبده)، فيقرّر أن يردّ على بعض المستشرقين كما فعل أستاذه (جمال الدين الأفغاني)، مذكّرًا الغرب المستشرق بما يدينه لحضارة الشرق من أسباب تطوّره وتحضّره، فيقول: «إنّ أوّل شرارة ألهبت نفوس الغربيّين، فطارت بها إلى المدنية الحاضرة كانت تلك الشعلة الموقدة التي كان يسطع ضوؤها من بلاد الأندلس على ما جاورها، وعمل رجال الدين المسيحي على إطفائها عدّة قرون، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. واليوم يرعى أهل أوروبا ما نبت في أرضهم بعد أن سُقيت بدماء أسلافهم المسفوكة بأيدي أهل دينهم في سبيل مطاردة العلم والحرّيّة وطوالع المدنية الحاضرة»[45].

فيما يدافع (عبّاس محمود العقّاد) عن الفكر الإسلامي دفاع المستميت، وقلّما نجد أحدًا تتبّع الفكر الاستشراقي بالنقد والغربلة والبحث فيه كما فعل العقّاد، فأشاد به حيث تجب الإشادة، وأطلق سهام النقد حيث كان لا بدّ من انتقاد، حيث يقول: «إنّ كتّاب الغرب حين يكتبون عن الإسلام يتفاوتون في قيمة الكتابة، ولكن تفاوتهم على حسب الدراية والمعرفة...»[46].

أمّا (مالك بن نبي) فيعتبر ظاهرة الاستشراق ظاهرة فريدة في الفكر الإسلامي المعاصر، وموقفه من الاستشراق ينطلق من تجربته العلميّة المتفرّدة، حيث إنّه أوّلًا تعلّم العربية بعد أن تقدّمت به السن، وثانيًا أنّه تعرّف على الفكر العربي الإسلامي عن طريق الاستشراق نفسه، وثالثًا أنّه أحاط بالفكر العربي الإسلامي الحديث إحاطة شاملة، ورابعًا أنّه كرس حياته كلّها للدفاع عن هذا الفكر وإنارة السبيل أمام الأجيال الإسلاميّة المعاصرة. ويبدو لنا أنّ أكثر ما اهتمّ به، هو الصراع الفكري في العالم العربي الإسلامي المعاصر، فهو يعالج في كتبه هذا الموضوع مواجهًا الاستشراق بكلّ ما أوتي من قوّة فكريّة امتاز بها في البحث والنظر والنقد.

وبعد أن أكّد ضرورة تصنيف المستشرقين إلى طبقات، اهتمّ بدراسة الأدب الاستشراقي في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، فتعرّض لمجموعة من المستشرقين قائلًا: «إنّ الجيل المسلم الذي انتسب إليه يدين إلى هؤلاء المستشرقين الغربيّين بالوسيلة التي كانت بين يديه لمواجهة مركّب النقص الذي اعترى الضمير الإسلامي أمام ظاهرة الحضارة الغربيّة، ويؤكّد أنّه وأشباهه من العرب والمسلمين يدينون لأمثال هؤلاء المستشرقين على الأقل في المحافظة على شخصيّتهم الإسلاميّة، ومع ذلك فإنّه يقرّر أنّ مدحهم التراث العربي الإسلامي قد جاء بعواقب خطيرة للغاية؛ لأنّه كان بمثابة مخدّر يجعل النائم يواصل نومه إلى ما لا نهاية له. وإذا حدث وأن استيقظ مفكّر مسلم، فإنّ هناك من معاول الاستعمار من المستشرقين مَن يقوم بإبطال فعاليّته[47]. إذ يساوي (مالك بن نبي) بين خطورة من يطعن في الشرق من المستشرقين بمن يمدح فيه.

أمّا (ضياء الدين ساردار) فيرى أنّ الاستشراق كمشروع فكري، كان مرتبطًا بطرق مهمة بالاستعمار الأوروبي المعاصر، وإنّ نوع المعرفة الذي كان الاستشراق كفرع بحثي يميل لإنتاجها تنحو منحى محاولة إضفاء شيء من المشروعيّة على ممارسة السلطة الأوروبيّة على العالم الإسلامي، وهذه العلاقة الوطيدة بين الاحتلال والاستشراق واجهت نقدًا شديدًا في وقت لاحق، من داخل الدوائر الاستشراقيّة وخارجها[48]. فلا يمكن إغفال دور العلاقة بين المستعمر الأوروبي الغربي والمستعمر الشرقي من أثر واضح في ترسيخ تمثّلات الطرف الأقوى للطرف الأضعف، فلقد كان لهذا الصراع حول تمثيل الشرق آثارًا بعيدة المدى، حيث عمل على ترقية المعرفة العنصريّة وممارستها، وشيّد الأرضيّة التي جرت فوقها نقاشات واسعة حول الجنس الإنساني وتصنيفاته...[49].

وغير بعيد عن المقولة التي تدفع دفعًا إلى إعادة النظر في المنتج الاستشراقي ونقده بمعزل عن ردّات الفعل المتعصّبة التي اصطبغت بها جلّ الدراسات التي انبرت للردّ على افتراءات المستشرقين على الدين الإسلامي وسقطاتهم الثقافيةّ بهذا الخصوص، يؤكّد (فؤاد زكريا) على أنّ النقد الموجّه للاستشراق ظاهرة قديمة، وقد ظهر بوضوح في بعده الديني، أو في بعده السياسي المرتكز على الدين منذ (جمال الدين الأفغاني)، أي منذ عصر النهضة الفكريّة العربيّة[50]. وتورّط عدد غير قليل من المستشرقين في الكتابة المتحاملة على الشرق أمر لا يمكن إنكاره.

فالحقيقة الكبرى في نظر هؤلاء النقّاد، هي أنّ كثيرًا من المستشرقين يشاركون في مؤامرة تستهدف تجريح الإسلام وتشويه تعاليمه، وبناء عليه يعيب (فؤاد زكريا) على هؤلاء الذين يصدّون هجمات المستشرقين قلّة وعيهم بخطر المهمّة التي يضطلعون بأدائها، بل وعدم كفاية معرفتهم بالمصدر الذي ينبع منه الاستشراق ذاته، وبالمناهج التي تتبّع في أبحاثه ناهيك عن قلّة معرفة أغلب الذين يصدون هجمات المستشرقين بتفاصيل التراث الشرقي الذي ينافحون عنه أمام المستشرقين[51]. وخلاصة ذلك كما يرى (فؤاد زكريا) أنّ النقد الإسلامي للاستشراق يرتكز أساسًا على موقف إيماني، ولا يثير مشكلة حقيقيّة على المستوى العقلي، ولا يرتكز على حجج قابلة للنقاش، ومن ثمّ يرى أن المنظور الديني في نقد الاستشراق هو أضعف المنظورات وأقلها جدارة بالمناقشة[52].

ويفسّر الباحث رسوخ هذه الصورة المقولبة المشوّهة التي ارتسمت في المخيّلة عن الشرق الإسلامي بتبلورها في حالة صراع ديني وسياسي واقتصادي مرير، منذ أن كان الشرق الإسلامي هو سيِّد الحضارة ورائدها. إلّا أنّه وبعد التقهقر الذي شهده العالم الإسلامي، وانتشار أنواع النهضة السياسيّة والثقافيّة والعلنيّة والصناعيّة في أوروبا، على أنقاض الكنيسة، تضخّمت التطلّعات الإمبرياليّة التوسعيّة عند القوى الغربيّة[53].

لعلّ أهمّ دراسة فكّكت الاستشراق تفكيكًا علميًّا هي ما قام به (إدوارد سعيد) في كتابه: «الاستشراق»؛ إذ عرّى فيه البنية العسكريّة والفكريّة للأنجلو سكسون في القرنين التاسع عشر والعشرين، وفضح عمليّة سيطرة المركز الغربي على الشرق ورغبة امتلاك السيادة عليه وإعادة بنائه وإنتاجه سياسيًّا وعقائديًّا وعلميًّا من خلال نصوص تستمدّ سلطتها المرجعيّة من التمثيلات النصّيّة من دون تفحّص لمدى تطابق تلك النصوص مع الحقيقة التاريخيّة[54]. وبيّن كيف تغذّى الاستشراق على الأمل في الاستحواذ على الشرق معرفيًّا، وإعادة صياغته وفق نظرة استعلائية هدفها الأوحد هو الهيمنة عليه، وبعبارة أخرى فقد تصدى (سعيد) في مؤلَّفه لدراسة الشرق المخترع بواسطة الغرب. وقد كانت هذه المحاولة الجادة في تفكيك المركزيّة الغربيّة ورقة التوت التي سقطت وكشفت ثقوبًا واضحة في الخطاب الاستشراقي الذي ظلّ على مدى عصور طويلة يطل من شرفة عالية على الآخر الشرقي ويكتب عنه متشبّعًا بخبرة قبلية لها تصوّرها الثابت عن الشرق، «فالخطاب الاستشراقي إنشاء لا يعكس حقائق أو وقائع، بل يصوّر تمثّلات أو ألوانًا من التمثيل، حيث تتخفّى القوّة والمؤسّسة والمصلحة. إنّه خلق جديد للآخر، أو إعادة إنتاج له»[55]. ويؤكّد (سعيد) أنّ البلدان المستعمرة وُصفت بطرق سلبيّة قلّلت من أهميّتها وجعلت منها بلدانًا أخرى لتشكّل خلفيّة لصورة إيجابيّة متحضرة عن المجتمع الغربي، ولقد تمّت هيكلة هذا التمثيل بصورة كبيرة. وبرسوخ النظرة المتوجّسة لكل كتابة تأتي من الغرب، تلقى على عاتق الكتابات العربيّة المنتقدة للاستشراق مسؤوليّة التّعاطي العلمي مع هذه النصوص ومناقشة مضامينها في سياقاتها التاريخيّة والسياسيّة.


خاتمة

يمثّل الاستشراق واحدًا من أهمّ المحدّدات التي رسمت العلاقة بين الأنا الشرقي والآخر الغربي، بل وأحد أهم مغذّيات الصراع بين الشرق والغرب، إذ أسهمت هذه الحركة الفكريّة وفيرة التأليف والنشاط الأكاديمي في توسيع الهوّة بين الضفّتين الحضاريّتين، وكان لها دور خطير في صياغة صورة الشرق، حيث أدلت بدلائها في تراثه فكرًا وعقيدةً وأدبًا، ولم توفّر وسيلة في سبيل افتضاض الآخر الشرقي معرفة وتاريخًا وحضارة. والحقيقة أنّ الشعور بخطر تلك الكتابات لم يكن ضمن أجندة الوعي الشرقي العربي إلّا في عصر النهضة العربيّة، حينما بدأت بعض الأقلام تحاور -على قلّة إمكاناتها المعرفيّة والمنهجيّة- أعمال المستشرقين سيّما ما يتعلّق منها بالعقيدة.

فقد ظلّت الساحة الفكريّة شبه خالية للمستشرقين يكتبون ما يشاؤون، معتمدين على كنوز ومخطوطات شرقيّة سمحت لهم سطوة حكومات البلدان التي ينحدرون منها بالاستيلاء عليها وتأويلها من خلال نظرة أحادية لا تضع في حسبانها عديد المعطيات التي جعلت الشرق مسلوب الإرادة ومعدوم الفعل اتجاه منطق المركزيّة الغربيّة. بل إنّ عددًا غير قليل من الأكاديميّين العرب -سيّما الذين درسوا عن المستشرقين- تماهوا تماهيًا تامًّا مع أطروحات الاستشراق حدّ الانسلاخ من الشرق.

إلّا أنّ الأمر لم يدم طويلًا، فقد واجه الفعل الاستشراقي ردّة فعل عنيفة من عدد غير قليل من الأقلام العربيّة التي واجهت طروحاته وفكّكت مقولاته بعيدًا عن الردود السطحيّة التي وسمت بعض الكتابات التي تفنّد افتراءات المستشرقين، متّخذة مواقف الدفاع والمنافحة عن حضارة الشرق.



لائحة المصادر والمراجع

1. اسمايلوفيتش، أحمد، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، د.ط، 1991.

2. بعلي، حفناوي، مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، ط1، 2007.

3. تاج، محمد قدور، الاستشراق؛ ماهيته، فلسفته ومناهجه، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، 2014.

4. الحسيني، إحسان موسى، علماء المشرقيات في إنجلترا، المطبعة التجارية، القدس، د.ط، 2012.

5. الخربوطلي، علي حسني، المستشرقون والتاريخ الإسلامي، الهيئة المصرية العامة، للكتاب، مصر، د.ط، 1988.

6. زكريا، فؤاد، نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة، دراسة في المنهج، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، د.ط، دت.

7. الزيادي، محمد فتح الله، الاستشراق أهدافه ووسائله، دراسة تطبيقية حول منهج الغربيين في دراسة ابن خلدون، دار قتيبة، ط1، 1998.

8. ساردار، ضياء الدين، الاستشراق، صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربية، ترجمة: فخري صالح، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، مشروع كلمة، الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2012.

9. السامرائي، قاسم، الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع، ط1، د.ت.

10. السايح، أحمد عبد الرحيم، الاستشراق ومنهج نقده، دط، د.ت.

11. سعيد، إدوارد، الاستشراق؛ المعرفة، السلطة، الإنشاء، ترجمة: كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان، ط7، 2005.

12. سعيدي، محمد، مجلة الإنسان والمجتمع، العدد 2، ديسمبر 2010.

13. عبد الله، سهام ربيع، الاستشراق، الموسوعة السياسية للشباب، الإسكندرية، مصر، د.ط، 2007.

14. عريبي، محمد ياسين، الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي، المجلس القومي للثقافة للثقافة العربية، الرباط، المغرب، ط1، 1989.

15. فوزي، فاروق عمر، الاستشراق والتاريخ الإسلامي (القرون الأولى)، الأهلية للنشر والتوزيع الأردن، ط1، 1998.

16. الكيلاني، جمال الدين فالح، فلسفة الاستشراق في ضوء القرن الواحد والعشرين، د.ط، د.ت.

17. محمد حسين، محمد، الإسلام والحضارة الغربية، دار الإرشاد، بيروت، لبنان، ط1، 1988.

18. معاليقي، منذر، الاستشراق في الميزان، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1997.

19. النبهان، محمد فاروق، الاستشراق تعريفه، مدارسه، آثاره، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، إيسيسكو، 2012.

20. النجار، شكري، مجلة الفكر العربي، عدد31 يناير1983.

21. النملة، علي إبراهيم النملة، نقد الاستشراق والمستشرقين في المراجع العربية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 2010.

22. النملة، علي إبراهيم، الشرق والغرب، منطلقات العلاقة ومحدداتها، ط2، 2010.

23. يفوت، سالم، حفريات الاستشراق، في نقد العقل الاستشراقي، المركز الثقافي العربي بيروت لبنان، ط1، 1989.


[1](*)- أستاذة محاضرة، جامعة محمد خيضر بسكرة – الجزائر.


[2]- ينظر: النملة، علي بن إبراهيم، نقد الاستشراق والمستشرقين في المراجع العربيّة، ص15.


[3]- السامرائي، قاسم، الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، ص17.


[4]- ينظر: سمايلوفيتش، أحمد، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، ص7.


[5]- الخربوطلي، علي حسني، المستشرقون والتاريخ الإسلامي، ص123.


[6]- ينظر: م.ن، ص124.


[7]- يفوت، سالم، حفريات الاستشراق، في نقد العقل الاستشراقي، ص12.


[8]- ينظر: عبد الله، سهام ربيع، الاستشراق، ص3.


[9]- سعيد، إدوارد، الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء، ص22.


[10]- الزيادي، محمد فتح الله، الاستشراق أهدافه ووسائله، دراسة تطبيقية حول منهج الغربيين في دراسة ابن خلدون، ص13-14.


[11]- معاليقي، منذر، الاستشراق في الميزان، المكتب الإسلامي، ص62.


[12]- نقلًا عن: تاج، محمد قدور، الاستشراق ماهيته، فلسفته ومناهجه، ص18.


[13]- ينظر: محمد حسين، محمد، الإسلام والحضارة الغربية، ص49.


[14]- الاستشراق أهدافه ووسائله، دراسة تطبيقية حول منهج الغربيين في دراسة ابن خلدون، م.س، ص18.


[15]- الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء، م.س، ص46.


[16]- ينظر: النملة، علي إبراهيم، الشرق والغرب، منطلقات العلاقات ومحدداتها، ص144-145.


[17]- ينظر: م.ن، ص157.


[18]- الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، م.س، ص107-108.


[19]- النجار، شكري، «لم الاهتمام بالاستشراق؟»، ص65.


[20]- ينظر: الأشرف، صالح حمد حسن، الاستشراق مفهومه وآثاره، ص14.


[21]- ينظر: الاستشراق أهدافه ووسائله، م.س، ص232-526.


[22]- ينظر: النبهان، محمد فاروق، الاستشراق، تعريفه، مدارسه، آثاره، ص8.


[23]- ينظر: م.ن، ص8.


[24]- الكيلاني، جمال الدين فالح، فلسفة الاستشراق في ضوء فكر القرن الواحد والعشرين، ص12-13.


[25]- ينظر، المستشرقون والتاريخ الإسلامي، م.س، ص25-26.


[26]- ينظر: عريبي، محمد ياسين، الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي، ص241.


[27]- الاستشراق وتغريب العقل التاريخي العربي، م.س، ص133.


[28]- ينظر: م.ن، ص133.


[29]- فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، م.س، ص684.


[30]- م.ن، ص684.


[31]- الاستشراق، المعرفة، السلطة، الإنشاء، م.س، ص41.


[32]- حفريات الاستشراق، في نقد العقل الاستشراقي، م.س، ص8.


[33]- الحسيني، إحسان موسى، علماء المشرقيات في إنجلترا، ص14.


[34]- ينظر: المستشرقون والتاريخ الإسلامي، م.س، ص66.


[35]- محمد، سعيدي، «الاستشراق والتراث الفكري العربي والإسلامي، بين الرؤية الإمبريالية والرؤية العلمية»، مجلة الإنسان والمجتمع، ص7.


[36]- ينظر: المستشرقون والتاريخ الإسلامي، م.س، ص83.


[37]- ينظر: المستشرقون والتاريخ الإسلامي، م.س، ص83.


[38]- ينظر: م.ن، ص85.


[39]- نقلًا عن: علي حسني الخربوطلي عن كتاب سميث، الإسلام في التاريخ الحديث، ص102.


[40]- ينظر: المستشرقون والتاريخ الإسلامي، م.س، ص85.


[41]- فوزي، فاروق عمر، الاستشراق والتاريخ الإسلامي (القرون الأولى)، ص36-37.


[42]- ينظر: الاستشراق والتاريخ الإسلامي (القرون الأولى)، ص37.


[43]- م.ن، ص37-38.


[44]- نقلًا عن: فاروق عمر فوزي عن عرفان عبد الحميد، محاضرات في مناهج المستشرقين، ص98.


[45]- فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، م.س، ص685-686.


[46]- م.ن، ص692.


[47]- ينظر: فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، م.س، ص694.


[48]- سار دار، ضياء الدين، الاستشراق، صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربية، ص28.


[49]- ينظر: بعلي، حفناوي، مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن، ص90.


[50]- زكريا، فؤاد، نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة، دراسة في المنهج، ص87.


[51]- ينظر: نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة، دراسة في المنهج، م.س، ص9.


[52]- ينظر: م.س، ص24.


[53]- ينظر: الاستشراق، صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربية، م.س، ص21.


[54]- ينظر: الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، م.س، ص107.


[55]- حفريات الاستشراق، في نقد العقل الاستشراقي، م.س، ص6.