البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الحفاظ على الحدود أو توسيعها (الشيعة السود في أميركا)

الباحث :  أوكسفورد هاندبوكس، لِياكات تاكيم
اسم المجلة :  دراسات إستشراقية
العدد :  2
السنة :  السنة الأولى - خريف 2014 م / 1436 هـ
تاريخ إضافة البحث :  August / 19 / 2015
عدد زيارات البحث :  1626
تحميل  ( 456.962 KB )
تمهيد:
فيما كُتب الكثير عن صعود وتجربة المجتمع المسلم الأمريكي الافريقي في أميركا، لم تُعط الأبحاث الغربية أهمية كافية للشيعة السود في البلاد. هذه المقالة ستحاول استعادة التوازن. أولاً، ستناقش الدراسة المؤسسات الشيعية ونشاطاتها الإرشادية في أميركا. وسيتبين أنه نظراً لكونهم أقلية في المجتمع المسلم في أميركا، فإن المجتمع الشيعي أكثر انطوائية ومهتم على نحو كبير بالحفاظ على حدوده أكثر من اهتمامه بتوسيعها. إضافة إلى ذلك، إن الانقسامات العرقية داخل المجتمع الشيعي وحقيقة أن المذهب الشيعي يعتمد بشكل أكبر على المراجع في الخارج هذا يعني أن المجتمع الشيعي ليس مهتماً بالتواصل مع مهتدين محتملين. وبالاعتماد على نتائج المسح الذي أجري لصالح الدراسة، يتبين أن الوهابيين من خلال هجماتهم العنيفة ضد الشيعة أثاروا حفيظة كثيرين من المهتدين الذين لم يسمعوا سابقاً شيئاً عن التشيّع، على نحو متناقض، أدى هذا الأمر إلى اعتناقهم المذهب الشيعي. كما أن المقالة ستراجع وضع التشيع في المؤسسات التأديبية وتحلل أعمال مهتدٍ شيعي بارز وسيتم التطرق إلى أثره الفاعل على السجناء في المؤسسات التأديبية الأمريكية.

المقدمة:
وثّق الخبراء في الشؤون الإسلامية بوفرة أصل المجتمع المسلم الأمريكي الافريقي وتجربته، ومعظم أولئك الذين ناقشوا وضع المسلمين الأفارقة في أميركا قاموا بذلك عبر الاعتماد على وجهة نظر سنية أو حللوا ذاك الوضع ضمن سياق الحركات الأمريكية الأفريقية الأهلية مثل معهد موريش للعلوم وأنصار الله وأمة الإسلام. ولكن، لم يولِ الباحثون اهتماما ًكبيراً للشيعة السود في أميركا. على سبيل المثال، في كتابه الجهاد الأمريكي، يذكر ستيف باربوزا عدة مسلمين سود. وهم يتراوحون بين أعضاء في أمة الإسلام معهد موريش للعلوم وبين أفراد في المجتمع السني. على الرغم من ذلك، لم يُذكر أي شيعي أسود، ولم يتم الاعتراف حتى بوجود التشيع في صفوف الأفارقة السود في أميركا.
هذه الدراسة ستفحص أصول ونمو المذهب الشيعي ونموه والتحديات المتلاحقة التي يواجهها الشيعة الأمريكان الأفارقة أو كما سأدعوهم بالشيعة السود في أميركا. وستناقش المقالة أيضاً التواصل بين المهاجرين والشيعة السود وستخلص إلى أنه منذ تأسيسها في الآونة الأخيرة، بقيت المؤسسات الشيعية التي تتواصل مع المجتمع الأسود قليلة. كما ستتطرق الدراسة إلى أنه نظراً لاعتماده على المجتمع المهاجر، يبقى على المذهب الشيعي من أصل أفريقي أن يصوغ هويةً له ويندمج في ضمن المذهب الشيعي من دون المساومة على تحسّسه الخاص المتعلق ببشرته السوداء. وهذا يُقوض من قدرة المذهب الشيعي على الانتشار في أميركا.
الشيعة الأوائل في أميركا :
يمكن أن يعود تاريخ التواجد الشيعي في أميركا إلى أواخر القرن التاسع عشر. ومن بين المهاجرين الأوائل إلى أميركا خلال الثمانينيات كان الشيعة الأثنا عشريون الذين قدموا مما كانت تُسمى سوريا الكبرى. وبين العامين 1900 و1941 استقر عدة مئات من السكان الشيعة في أمكنة مختلفة في أميركا. وكثيرون سكنوا في دتريوت من أجل العمل في شركة فورد. كما تواجد الشيعة بشكل كبير في مدينة ميتشغن. وهناك دليل قوي على أن الشيعة اللبنانيين الأوائل سكنوا في مدن أخرى كنيويورك وكوينسي وشيكاغو وسيدار رابيدس وتوليدو وسويكس فولز وروس ونورث داكوتا. وفي أواخر التسعينيات، بدأ مجتمع كبير من الشيعة بالتمركز في أماكن مختلفة في أميركا.
وخلافاً لأوائل القرن العشرين حين كان أغلبية الشيعة من اللبنانيين، يتألف المجتمع الشيعي الأمريكي الحالي من جماعات عرقية وثقافية مختلفة جداً ومعظمها تجمّع بأعداد كبيرة منذ السبعينيات. وتعود أصولهم إلى إيران والعراق ولبنان وشبه القارة الهندية والدول الخليجية وشرقي أفريقيا وأجزاء من شمالي أفريقيا. وعدد متزايد من الأمريكان الأفارقة انتقلوا إلى اعتناق المذهب الشيعي بعد اعتناقهم الأولي للمذهب السني أو لأمة الإسلام. كما أن بعض الجماعات الصوفية مع ميل شيعي تأسست في أميركا. وهناك على الأقل ثلاث منظمات شيعية صوفية في ضمن المجتمع الإيراني في كاليفورنيا.
إن النمو والتشكيل المختلف للسكان الشيعة في أميركا هما ظاهرة حديثة نسبياً. وفي جزء منه، هو نتيجة رد على التغيرات التي طالت قوانين الهجرة الأمريكية في العام 1965. كما أن عوامل أخرى أسهمت في الهجرة المتزايدة للمجتمعات الشيعية المختلفة إلى أميركا. فالثورة الإسلامية في إيران والظروف الاجتماعية- السياسية الشنيعة في العراق والصراع المدني في باكستان وتجزئة باكستان إلى شرقي بنغلادش والحرب الأهلية في لبنان والظروف الاجتماعية –الاقتصادية الصعبة في شرقي أفريقيا وتأسيس نظام طالبان المعادي للشيعة في أفغانستان، كلها أسهمت في ازدياد التواجد الشيعي في أميركا. لذا، كغيرهم من السنة، يتألف المجتمع الشيعي في أميركا الآن من تشكيلة من أناس أتوا من دول كثيرة ولديهم خلفيات لغوية ووطنية وعرقية وقومية مختلفة.

نشاطات التمدد الشيعي في أميركا :
في البداية، لا بد من التذكير بأن التعريف الذاتي الشيعي في أميركا يحكمه التخوف من الحفاظ على المعتقد في وجه وضع أقلي مزدوج. فنظراً لكونه أقلية في ضمن المجتمعات الأمريكية والمسلمة على حد سواء، فإن المجتمع الشيعي إنطوائي وأكثر اهتماماً بصون الهوية المشتركة والطائفية المتمايزة بدلاً من توسيع حدوده الدينية. ولذا، بدلاً من التواصل مع مهتدين مُحتملين، الشيعة الأمريكان مهتمون أكثر بضمان عدم تشبه الجيل الأصغر ضمن المجتمع بالغرب وعدم التأثر بالخطاب الوهابي والسلفي المُعادي للشيعة.
إن معظم دُور العبادة الشيعية تأسست منذ الثمانينيات. ويستخدم الشيعة موارد مالية محدودة لتأسيس وتدعيم مؤسساتهم الدينية ودعمها والمشاركة في النشاطات الجماعية على حساب العمل الإرشادي أو المساعدة في تحسين صورة الإسلام خارج المجتمع.
وبقي الأمر على ما هو عليه إلى أواخر الثمانينيات حتى بدأ الشيعة يعون بأن المنظمات السنية أثرت في كيفية إظهار الإسلام في أميركا وفهمه. ونظراً للتوترات الطائفية السنية- الشيعية المتزايدة في الثمانينيات، أدرك الشيعة سريعاً أنهم لا يمكنهم الاعتماد على المؤسسات السنية لتمثيلهم أو التحدث باسمهم. ومع ازدياد هجرة الشيعة إلى أميركا، بدأوا ينظرون إلى أميركا بوصفها مكاناً خصباً، من أجل تعزيز تقديم صورة أفضل عن الإسلام والبحث عن مهتدين. لذا، شهدت الثمانينيات تأسيس عدد قليل من المؤسسات الشيعية التي تواصلت مع المجتمع غير المسلم.
وأرسلت المصادر الخاصة مثل منشورات أنصاريان في طهران الأدب الشيعي إلى السجون الأمريكية. كما أرسلت بعثة بلال الإسلامية في شرقي أفريقيا بعض المواد إلى أفراد مهتمين بالإسلام الشيعي. وتأسست عدة معاهد شيعية على يد أفراد من أجل التواصل مع غير المسلمين. وكانت أول مؤسسة شيعية هيTahrikeTarsile Qur’an. فبعد تأسيسها في نيويورك عام 1978 على يد أونيلا خالفان، كان للمؤسسة هدف خاص هو نشر نسخ عن القرآن تُوزع في أمكنة مختلفة في العالم، من ضمنها السجون الأمريكية. والمؤسسة الشيعية الأخرى،  Qur’an Account Inc، أُسست عام 1987. وأسسها طبيب الأطفال العراقي المتقاعد الدكتور هاشم في العاصمة واشنطن. ومنذ بداية عمل المؤسسة، ساهم الدكتور هاشم في جعل ما يزيد عن 6300 شخص يعتنقون الإسلام. وترسل المؤسسة نسخاً عن القرآن واستمرت في إصدار نشرة فصلية لمدة 23 عاماً.
بعثة بلال الإسلامية التي تأسست في منتصف التسعينيات في نيويورك تعمل الآن من أورلاندو، فلوريدا. في البداية، معظم نشاطاتها تركزت على ترينيداد. وتركيز نشاطات البعثة الآن ينصب على أميركا عموماً. وتُجيب بعثة بلال الإسلامية على رسائل من نزلاء في مؤسسات تأديببية مختلفة وترسل كتباً حول الإسلام. وبعض المؤسسات المنتشرة في كندا تقوم أيضاً بنشاطات إرشادية في أميركا أيضاً. فتعمل مؤسسة الخدمات الإنسانية الإسلامية من كيتشنر، ووترلو، في كندا. وتنشر كتباً مختلفة ولها عمل توسعي في المؤسسات التأديبية في أميركا. كما أن المؤسسة ترجمت بعض الأعمال الشيعية الهامة إلى اللغة الإنكليزية. إضافة إلى ذلك، كان لها دور في مشاريع إنسانية عديدة. ومؤسسة الخوئي في نيويورك تحافظ أيضاً على تواصل منتظم مع السجناء الشيعة وتعمل مع وزارة المؤسسات التأديبية على تأمين احتياجات السجناء الشيعة.
معظم هذه المؤسسات تفتقر إلى الدعم المالي الذي يُقدم، على سبيل المثال، إلى رابطة العالم الإسلامي المدعومة من قبل السعودية. فالافتقار إلى العلاقات الدبلوماسية بين أميركا وإيران، البلد الشيعي الوحيد، جعل الأخيرة غير قادرة على تقديم البنية المؤسساتية أو الدعم المالي الضروري لتعزيز العمل التوسعي الشيعي في أميركا. وبقيت النشاطات الإرشادية الشيعية محصورة بعدد قليل من المنظمات ضعيفة التمويل غير المبنية بشكل صحيح من أجل الدعوة الشاملة. انّ صحيح الإقرار بأن دُور العبادة الشيعية تلك انطوائية وليست موجهة من الخارج. بل إن نشاطات معظم تلك المؤسسات موجهة من أجل تقديم الخدمات الدينية الأساسية مثل تسهيل الصلاة وإقامة المراسم والزيجات وإرشاد أفراد المجتمع.
عوامل أخرى تشكل تحدياً أيضاً لقدرة المجتمع الشيعي على الإنغماس بشكل فعال في النشاطات الدعوية. فوصول مهاجرين جدد أثّر على المجتمع الشيعي الأمريكي حيث خَبِر الإسلام بشكل أساسي عبر ظاهرة "الإسلام الوارد". فيميل المهاجرون الجدد إلى إحياء العادات التقليدية وفرض تعبير محافظ وغريب للإسلام. والهم الأساسي للمهاجرين هو الحفاظ على الفهم التقليدي للإسلام بدلاً من التواصل مع مهتدين محتملين أو الانخراط في حوار مع غير المسلمين. ويميل المهاجرون الذي وصلوا مؤخراً إلى التكتّل حول قطاعهم العرقي الخاص والشعور بأنهم مهددون من قبل "الآخرين" خصوصاً إذا لم يكونوا قد أهدوا أو تواصلوا مع غير المسلمين في بلدانهم الأصلية.  

الشيعة السود في أميركا:
تميّز تاريخ الإسلام السود المبكّر في أمريكا بوجود زعماء أصحاب كريزما أمثال تيموثي درو (توفي عام 1929) وإليجا محمد (توفي عام 1975) اللذين قادا الحركات الدينية المناهضة لأميركا البيضاء المسيحية. وتواجد هؤلاء الزعماء واعتماد الرموز الإسلامية جعل الإسلام مسألة جاذبة بالنسبة لكثيرين من الأمريكان الأفارقة.
ولغاية الستينيات، تم التعرف على الإسلام في أميركا وفهمه من خلال منشور المسلمين داخل البلاد، وبشكل أساسي أمة الإسلام وقبل ذلك معهد موريش للعلوم. والمذهب الشيعي، سواء لدى المهاجرين أو الأمريكان السود، لم يُسمع له صوت في الإسلام الأمريكي. وبقي الأمر على ما هو عليه لغاية الثورة الإيرانية عام 1979 حتى بدأ المجتمع الأمريكي الأفريقي ينظر إلى المذهب الشيعي على أنه تعبير محتمل للإسلام المعياري. قبل ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى قليل من الشيعة السود. ويُقدر بأنه خلال العام 1982، نظراً لتأثير الثورة الإسلامية في إيران، اعتنق ألف شخص من أصحاب البشرة السوداء المذهب الشيعي في منطقة فلادلفيا وحدها.
وكان عيسى محمد، زعيم أنصار الله، القائد الأسود الوحيد المعروف بأنه يذكر أفراد الإٍسلام الشيعي في عظاته. على سبيل المثال، في عظة له عام 1982 يقول إن علي ابن أبي طالب، الإمام الشيعي الأول، كان أسود البشرة. كما أنه يؤكد بأن نسبه يعود إلى النبي محمد عبر فاطمة وعلي. واللقب الذي اختاره لنفسه هو مهدي، اسم يتلاءم مع التعاليم الشيعية الخاصة بالانتظار. ولكن، عيسى محمد لم يعتنق أبداً التشيع أو ينشر تعاليمه.
عندما ظهر التشيع بين السود، افتقر إلى الشخصيات أصحاب الكاريزما من أجل تقديم أساس مذهبي للحركة الديناميكية. وفي الحقيقة، ليس لدى الشيعة السود أي حركة تتكلم باسمهم. وليس باستطاعتهم تأمين الحماية أو الخدمات الاجتماعية أو فرص العمل لأولئك الذين ينضوون تحت رايتهم. ونظراً لمنزلتهم الواهنة، فإن الأساس العقائدي لدى الشيعة السود مرتبط بالتفسير الذي يقدمه المجتمع الشيعي المهاجر.
وفيما يجب على جميع المسلمين السود تحمّل وصمة اللون والمعتقد، فإن الشيعة السود يتحمّلون وصمة إضافية لكونهم أقلية في الإسلام. وهذا مرده بأن الإسلام الشيعي نُظر إليه على أنه انحراف من قبل كثيرين في المجتمع الأسود. بحلول الثمانينيات، عندما ظهر التشيع لدى السود على المسرح الديني الأمريكي، كان الوهابيون يعززون بشكل فعال عقيدتهم في المساجد والكليات والسجون الأمريكية. ونظراً لكون وجهات نظرهم مبنية على إدراك ضيق ومحدود التفكير حول الإسلام، اعتبر الوهابيون أن المذهب الشيعي مذهب ابتداعي. وعبر اعتناق التشيع، أصبح الشيعة السود منبوذين ليس فقط من قبل عائلاتهم وأصدقائهم بل أيضاً من قبل المجتمع المسلم الأمريكي الأسود الذي شعر بأنه غُدر من قبل الشيعة السود.
ولكثيرين من السنة السود، مثّل المذهب الشيعي في المجتمع الأسود هرطقة دينية. وهذا العمل الملموس من الخيانة الدينية يفسر على الأغلب حالات التمييز والعنف التي تحدث عنها الشيعة السود في المؤسسات التأديبية والمجالات الأخرى. ومع اعتبارهم كفرة، هُمشوا وأحياناً عُزلوا. وبالنتيجة، افتقر الشيعة السود إلى العطاء الجماعي والمساعدة الاقتصادية الذاتية التي كان باستطاعة السنة السود الحصول عليها بعد اعتناقهم المذهب السني.

جاذبية التشيّع بالنسبة للمجتمع الأسود:
لِمَ بعض الأمريكان الأفارقة يجدون التشيع جاذباً؟ أعطى الإسلام الأمريكان السود هوية جديدة حيث عدَّ بأنه "الآخر". ولكن، كان المذهب الشيعي الآخر ضمن الآخر. فقد حظي بجاذبية خاصة لدى كثيرين في المجتمع الأسود. ولأنه كان أقلية في معظم العالم الإسلامي، يحمل التشيع إحساساً يتوافق مع ما سمّاه تشارلز لونغ بـ"الإدراك الحجري"- حالة عقلية،يعيش فيها العقل في الواقع المريح نوعاً من الرغبة في المعارضة، حالة من الرفض الكوني الحقيقي. والمذهب عند السود، في صميمه، أداة لمواجهة أي شكل من القمع. ومفاهيم مثل "الرفض الرجعي" و"الإحساس بالظلم" منغمسة بعمق في ضمن المذهب الشيعي.
فيعتقد الشيعة بأن حقوق علي وعائلة النبي (يُدعون أيضاً أهل البيت) قد سُلبت على يد الصحابة، ما يعني أن التشيع منذ البداية صعد بوصفه مجموعة مخالفة ومعارضة لأغلبية المسلمين. وهذا الإحساس تجلّى في أشكال مختلفة خلال مسار التاريخ الشيعي. بداية، المعارضة الشيعية عبرت عن نفسها عبر رفض خلافة أبي بكر للنبي ومُدافعةً في المقابل عن خلافة علي بالاستناد على مبدأ التعيين الإلهي. والصراعات اللاحقة التي نشبت بين علي بن أبي طالب ومعاوية وبين الحسين ويزيد والثورات الشيعية المختلفة ضد الحكام الأمويين والعباسيين، كلها تجليات إضافية عن تلك الاختلافات. من ثمَّ، المعارضة السياسية والتمرد ضد حكومة مركزية ذات هيمنة سنية شكلا أساس تطور الحركة الطائفية البارزة التي ادعت لنفسها مفهوماً خاصاً بالسلطة والقيادة الدينيتين.
وروح المقاومة والمعارضة ضد الظلم يمكن تخليده بأقصى حالاته في الإسلام الشيعي وليس السني. فالأخير، في مناسبات كثيرة، كيّف نفسه مع الحكام المستبدين لأنه يرفض الفتنة. وكثيرة هي التقاليد التي انبثقت لمنع المعارضة في وجه النخبة الحاكمة. وكما أُعلن، حاكم شرير أفضل من الفوضى في المجتمع. وكانت طاعة الحاكم تُعادل طاعة الله.
والنموذج الشيعي عن مواجهة الاستبداد والظلم كسب زخماً أكبر بعد الثورة الإيرانية. فمواجهة المرجع الخميني لأميركا ووصفها بأنها "الشيطان الأكبر" كانا الرؤية التي يمكن للشيعة السود في أميركا أن يتماثلا معها بسرور. وفي الواقع، كثيرون هم الأمريكان السود الذي اعتنقوا المذهب الشيعي بعد زيارة إيران أو القراءة عنها. فقد انبهر الشيعة السود بالحماسة الثورية التي ولّدتها الثورة الإيرانية. وأكثر من أي عامل آخر، كانت الثورة ومواجهة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط ما جذب كثيرين من السود الأمريكان نحو التشيّع. فالروح الثورية المنغمسة في المذهب الشيعي اعترف بها يفون حداد. فاستناداً لقوله: عدد متنام من السود انجذب إلى الإسلام الشيعي جراء روحه الثورية.
إن التأثير الإيراني على الشيعة السود يمكن إدراكه من حقيقة أنه في خلال الثمانينيات والتسعينيات، كثيرون من السود دُعوا لزيارة البلاد. وبعضهم قرر دراسة العلوم الدينية في قم. ومن بين شيعة سود آخرين، درس هاشم علي علاء الدين، على سبيل المثال، في قم. وفيما درس هاشم العلوم الدينية في إيران خلال التسعينيات، وجد حاجةً في مساعدة الآخرين في فهم المذهب الشيعي. فساعد في تأسيس  Islamic Foundation Cooperation، مؤسسة تساعد الشيعة السود في زيارة ضريح الإمام الشيعي الثامن علي الرضا في مشهد وتشجعهم على الخضوع لمقررات قصيرة المدة في إيران.
إلى جانب العامل الإيراني، طرح المذهب الشيعي نموذجاً يُحتذى به يمكن للشيعة السود أن يستمدوا الإلهام منه عبر مطالبتهم بالعدالة الاجتماعية- الاقتصادية. فالأئمة الشيعة، خصوصاً علي والحسين، أصبحوا نماذج يُحتذى بها جراء معارضتهم ومحاربتهم المتمردين والأنظمة الاستبدادية. ومثل تلك المفاهيم تجد لها صدى بقوة بين الأمريكان السود الذين يعانون من العنصرية والبطالة والتمييز في أميركا البيضاء. فلم يُقدم التشيّع للسود فقط الروح بل أيضاً النموذج الأمثل لمعارضة ومقاومة الاضطهاد ومقاومته. وإيران وحزب الله كانا النموذجين المعاصرين عن التحرر من العبودية والتبعية لأميركا.
سبب محتمل آخر لجذب السود نحو التشيّع هو أنه حين ظهر التشيع بين السود، فقد المذهب السني بين السود روح المقاومة ومواجهة أميركا البيضاء التي مورست خلال زمن إليجا محمد ومالكوم أكس. وخلال الثمانينيات، عندما ظهر التشيع بين السود لأول مرة في أميركا، سوّى وارث الدين محمد الخلاف بين حركته وأميركا البيضاء. وتحت تأثير إيران الخميني، بدأ المذهب الشيعي معارضته للهيمنة الأمريكية في كافة أنحاء العالم.

التفاعل الشيعي بين السود والمهاجرين:
من أجل فهم التحديات المعاصرة وتجليات التشيع بين السود، من المهم فهم علاقته مع تشيّع المهاجرين. أتى المذهب الشيعي إلى المجتمع الأسود عبر المجتمع المهاجر وليس من خلال الحركات الإسلامية الزائفة. هذا يعني أن الرؤى ووجهات النظر والمفاهيم لدى الشيعة السود تشكلت من خلال الصور التي أحضرها الشيعة المهاجرون إلى أميركا. ومن خلال التفاعل مع الشيعة المهاجرين أو الأدب الوارد من قبلهم حضر المذهب الشيعي إلى المجتمع الأسود. وهذا جعل التشيع بين السود معتمداً إلى حد كبير وسريع التأثر بتفسيرات التشيع المهاجر.
إن الاعتماد على المجتمع المهاجر برز من حقيقة أن الشيعة السود لم يمتلكوا الموارد التي تخولهم بناء مؤسساتهم أو مراكزهم الخاصة. ولتاريخه، هناك حفنة قليلة من المساجد الشيعية لدى السود في أميركا. وحقيقة أنهم ظهروا فقط بعد الثورة الإيرانية عندما هاجر شيعة كثر إلى هنا، يعني: أنّ الشيعة السود أذعنوا إلى حد كبير ولم يواجهوا التعبير المهاجر للإسلام الشيعي.
كما كان هناك أيضاً سبب آخر وراء اعتماد المجتمع الشيعي الأسود على الشيعة المهاجرين. إن التشيع بين السود هو ظاهرة جديدة نسبياً. بالفعل، إن عدد الشيعة السود لا يتجاوز بضعة آلاف. فالافتقار إلى الموارد المالية حتّم على الشيعة السود الاعتماد على الشيعة المهاجرين الذين أظهروا وأوردوا فهمهم  الثقافي الخاص حول التشيع في أميركا. علاوة على ذلك، ندرة القادة أصحاب الكاريزما الذين يمكن لهم الإعراب عن رؤية أو تشكيل حركة في ضمن المجتمع الأسود جعلت التشيع بين السود يعتمد على المجتمع المهاجر.
يمكن للمهاجرين التباهي ليس فقط لأنهم مرتبطون منذ زمن بالإسلام الشيعي بل أيضاً لدعمهم المبشرين الذين يتكلمون عن التشيع الذي غالباً ما يتجلى من قبل جهات ثقافية أتت من البلد الأصلي. وحتى المراجع لم يعوا أو يلبوا الاحتياجات الخاصة للمجتمع الأسود في أميركا. فمعظم أولئك المراجع لم يتحروا عن إمكانيات التواصل مع المجتمع الأسود في أميركا. فالمراجع الذين يعيشون بشكل أساسي في إيران والعراق، هم أكثر اهتماماً بتقديم الإرشاد والتعاليم الدينية لأتباعهم في أوطانهم بدلاً من التواصل مع مهتدين جدد في أميركا.
ورغم جنيهم الموارد المالية الطائلة من خلال الخُمس، لم يُنشئ المراجع المؤسسات التي يمكنها التواصل وتأمين متطلبات الشيعة السود في أميركا. على سبيل المثال، مؤسسة الإمام المهدي للمرجعية في لوس أنجلوس، مكتب ارتباط وأحد أشهر المكاتب التابعة للمرجع السيستاني، لم تُنشئ لغاية الآن أي آلية فعالة أو تخطط لأي برنامج من أجل التواصل مع الشيعة السود.
إنهم المهاجرون الشيعة من يُحددون دائماً التشيع الأمريكي، حقيقة حرمت الشيعة السود من الحيّز والصوت التأويلي في المجتمع. في الواقع، قد لا يُعد تضخيماً إن قلنا: إنّ الأسلمة ارتبطت بالانسجام مع التشيع المهاجر. فبناءً على مكان إقامتهم، كان الشيعة السود على تواصل مع العرب أو أولئك من جنوبي آسيا أو الخوجا أو التعبير الإيراني حول التشيع. وسواء في المسائل المتعلقة بالشريعة الشيعية أو إقامة الشعائر أو التعبير عن ثقافة خاصة، اتبع الشيعة السود التفسيرات والتأويلات التي تصدر عن الشيعة المهاجرين. بالنتيجة، التشيع الأمريكي أتي ليُحدّد مع المهاجر ويتعارض مع  المجتمع الشيعي بين السود. ولتاريخه، ليس هناك أي مؤسسة شيعية مستقلة تابعة للسود يمكنها أن تتحدى الاحتكار الذي يتمتع به الشيعة المهاجرون.
يميل المهاجرون إلى اعتبار أنفسهم ليسوا فقط حاملي راية "الإسلام الأصيل" بل أيضاً ملتزمين بفرض فهمهم للإسلام في الوسط الأمريكي. وهذا له أثره في تهميش معتنقي الإسلام والمجتمع الشاب اليافع الذي يتهم الأهالي غالباً بفرض "إسلام مشروط ثقافياً". وهذا بالتأكيد هو الحالة مع التشيع الأمريكي حيث يتمتع المهاجرون ليس فقط بقوة اقتصادية بل أيضاً بسلطة أكبر. فيتمتع المهاجرون بالتفوق المالي والعددي من أجل تأسيس المراكز ويتمتعون بحق ذي ادعاء ذاتي حول كيفية إدارة تلك المراكز. وفي كثير من المدن الأمريكية، أصبحت المراكز الشيعية ملكية حصرية للمهاجرين الإثنيين. فيُحدد المهاجرون من سيتحدث في المراكز وما هي القضايا التي يجب التطرق إليها.
إن المهاجرين يرون الإسلام الشيعي بموشور ثقافي، صورة اعتادوا عليها. لذا، من أجل ممارسة التشيع في أي طريقة أخرى يُنظر إليه غالباً على أنه انحراف أو يُترجم على أنه بدعة ثقافية. وخبرتهم حول التشيع، حتى في أميركا، تُصاغ من قبل تجربتهم في وطنهم الأصلي. هم يحملون وصمة عار العبودية واللون والمحن الاقتصادية ويتوقعون بأن الهداية ستساعدهم في معالجة معاناتهم والتغلب عليها. يأملون بأن القضايا التي تهمهم مثل التعليم والعدالة الاجتماعية والعمل التوكيدي والعنصرية والبطالة والإسكان والعلاقة بين الشيعة السود والمهاجرين وإيجاد شركاء الزواج المناسبين، كلها سيُعالجها الزعماء الشيعة والمبشرون في المراكز.
في المقابل، يعدّ الشيعة السود أن المهاجرين أكثر اهتماماً بمعالجة المسائل التاريخية والدينية التي هي موضع خلاف بين المسلمين الشيعة والسنة. كما أن المبشرين في المراكز التابعة للمهاجرين يتطرقون أيضاً إلى القضايا ذات العلاقة بالسياسات الخارجية الأمريكية في العراق وأفغانستان وباكستان وإيران. كما يُركز المهاجرون على قضايا مثل التربية الاخلاقية لشبابهم ومواجهة سياسات الحكومة مثل الاعتقال التعسفي والاحتجاز وآثار الأنظمة الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول 2001. ونادراً ما تُناقش القضايا المرتبطة مباشرة بالشيعة السود.
إن النقاش حول التفاعل بين الشيعة المهاجرين والسود وافتقار السود إلى الانغماس في المراكز الشيعية يجب أن لا يغفل عن حقيقة أن هناك عدداً لا بأس به من الشيعة السود في المؤسسات التأديبية. وتثقيفهم وتغذيتهم الروحية أمر منوط إلى حد كبير بنشاطات المؤسسات الشيعية المختلفة.

التشيع في المؤسسات التأديبية:
إن هجرة الشيعة إلى أميركا والثورة الإيرانية وصعود حزب الله في لبنان والإنترنت والاجتياح الأمريكي للعراق وقدرة وصول أكبر إلى الأدب الشيعي، كلها أمور جعلت التشيّع ظاهرة أمريكية وليست أجنبية بحتة. هذه العوامل، إلى جانب التقبيح الوهابي للمذهب الشيعي، شجعت الكثيرين من أصحاب البشرة السوداء، ومن بينهم أولئك المحبوسون في المؤسسات التأديبية، على النظر إلى التشيّع بوصفه تعبيراً بديلاً عن الإسلام المعياري.
وتشير الاتصالات التي جرت مع سجناء شيعة عديدين أن أغلب المهتدين من المجتمع الأمريكي الأفريقي اعتنقوا التشيّع نتيجة لجهودهم الخاصة ومبادراتهم لا عن الطريق الهداية الشاملة من المجتمع الشيعي. وكما ذُكر آنفاً، هذا مرده في الأغلب إلى افتقار المؤسسات الشيعية إلى الموارد المالية من أجل الانخراط في نشاطات إرشادية شاملة. وأشار بعض النزلاء إلى أن إشارات الازدراء إزاء التشيّع من قبل أئمة السجن في خطب أيام الجمعة دفعت السجناء إلى مزيد من الفضول وأدى بهم ذلك إلى التحقيق عن المعتقدات والشعائر الشيعية. وما يدعو للسخرية، جراء هجماتهم الوحشية وتشويه صورة التشيّع، زاد الوهابيون من فضول أعداء من المهتدين الذين لم يسمعوا سابقاً أي شيء عن هذا الفرع في الإسلام. وبعد مزيد من البحث حول المذهب الشيعي، اعتنق بعض هؤلاء التشيّع.
بالنسبة للسجناء الشيعة، اعتناق التشيع يعني اتباع مجموعات جديدة من الالتزامات والنماذج المُثلى. فبدلاً من صحابة النبي، أصبحت النماذج المُثلى النبي والإئمة الشيعة. وفقه أبي حنيفة أو محمد بن إدريس الشافعي استُبدل بفقه جعفر الصادق، الإمام الشيعي السادس. كما استُبدلت الأحاديث وكُتيبات الفقه السنية بتلك الشيعية. وبعد الاهتداء، وجب على السجناء الشيعة الاعتماد في ممارساتهم الدينية على الرسالة العملية للمرجع الشيعي كأمثال المرجع السيستاني أو فضل الله أو خامنه اي. ومثل تلك التغيرات غالباً ما كانت تؤدي إلى مشاحنات وتوترات طائفية داخل المؤسسات التأديبية.
بعد اعتناق التشيّع، يبحث السجناء عن فريق أو مؤسسة يمكن أن تثقفهم وتوجههم. وكثيرون من السجناء يشتكون بأن المؤسسات الشيعية أو المساجد لا ترد على رسائلهم أو ترسل لهم الكتب التي يطلبونها. ويذكرون أيضاً أنه على الرغم من المحاولات الكثيرة للتواصل مع المنظمات الشيعية، لم يُحققوا نجاحاً، ويشعرون إلى حد كبير بأنهم مُهمَلون. كما أن السجناء يسعون إلى الوصول إلى رجال الدين الشيعة من أجل التواصل مع المراجع أو مكاتبهم.
إن الإحساس بالعزلة لدى السجناء الشيعة يرافقه واقع أن اعتناق التشيّع يعني أيضاً بالنسبة لهم تبدّل الشبكة الاجتماعة والصداقة. فالشبكة الأكثر اتساعاً للأخوية السنية التي قدمت الدعم والحماية والإرشاد الديني تُستبدل بمجموعة أصغر من النزلاء الشيعة، ومعظمهم يتحمّل بعضاً من التمييز الطائفي. لذا، التحديات بالنسبة للمهتدين للشيعة لا تأتي فقط من خلال النزلاء غير المسلمين بل أيضاً من التفاعل مع المسلمين. ويعيش السجناء الشيعة حالة من الامتعاض لأن التثقيف الديني المُقدم في نظام السجون يُعلّم فقط الإسلام السني. ويشتكون من أنه حين يتم التطرق في النقاش إلى التشيّع، غالباً ما يُعدّ حركة ابتداعية بدأها يهودي اسمه عبد الله بن سبأ. ويورد السجناء الشيعة أيضاً أنهم غير قادرين على الوصول إلى كتب أو مؤسسات شيعية من أجل تثقيفهم حول التاريخ أو الدين أو الأحكام الشيعية. ومعظم معرفتهم حيال المذهب الشيعي تنبع من خلال إدراك رفاقهم الشيعة في السجن الذين يُعدون أكثر تمكناً لكن ليسوا خبراء في مجال الإسلام الشيعي.

التوترات الطائفية في المؤسسات التأديبية :
بعد اتصالي بسجناء شيعة، تبين أن تحدياً كبيراً يواجهونه يتجلى بمواجهة تمييز واسع النطاق وضغط من أجل العدول عن معتقدهم. ويشتكي السجناء من أن الكتب الشيعية الموجودة في مكاتب السجن أُزيلت على يد النزلاء السنة. والحدّة بين الجماعتين وصلت غالباً إلى مواجهة جسدية داخل المؤسسات التأديبية وأحياناً أدت إلى قبوع بعض السجناء في السجن الانفرادي.
بدأت التوترات حين طالب السجناء الشيعة بتوفير صفوف منفصلة ومقررات تثقيفية والتواصل مع رجال دين شيعة، والاعتراف بمتطلباتهم الخاصة بناءً على حاجاتهم الفقهية. من المهم الإبقاء في الحسبان أن مثل تلك المطالب للسجناء الشيعة نابعة من حقيقة أن الفقه الشيعي، إلى حد ما، يختلف بشكل أساسي عن المذاهب السنية الأربعة. وفي كثير من الحالات، الفقه الشيعي أكثر صرامة. في حالة الأحكام الغذائية، مثلاً، يرى الفقه الشيعي أن يُذبح الحيوان وفقاً للأحكام الواجبة بصرامة ما يعني إدارة وجه الحيوان نحو مكة وأن تُذكر البسملة وأن تُشحذ أوردة مُعينة. في المقابل، بعض المدارس السنية تقول إنه في حال ذُكرت البسملة قبل الأكل، يحلّ أكل اللحم بغض النظر عن كيفية ذبح الحيوان. كما يختلف الفقه الشيعي عن السني بخصوص مواقيت الإفطار وصلاتي الصبح والعشاء، وحول ما إذا كان يمكن الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء أو لا.
إنّ الاختلافات بين السجناء الشيعة والسنة تغطي كثيراً من جوانب الفقه الإسلامي. على سبيل المثال، السجناء الشيعة لا يحتفلون بانقضاء شهر رمضان بالاستناد على أحكام رجال الدين السنة. بل، ينتظرون البيانات الصادرة عن مكاتب المراجع التي تؤكد بأن القمر الجديد قد شوهد. في العام 2005، شكل مجلس العلماء الشيعة في شمالي أميركا لجنة هلال التي من شأنها أن تقرر متى يبدأ الشهر الإسلامي الجديد. بناءً على اختلافات مُشابهة، لا يحتفل السجناء الشيعة بالأعياد الإسلامية مثل عيد رمضان مع أخوتهم السنة.
علاوة على ذلك، للشيعة أعيادهم الدينية الخاصة التي لايحتفل بها السنة. فيُحيي الشيعة يوم عاشوراء وهو اليوم الذي ذُبح فيه الحسين، حفيد النبي محمد، على أرض كربلاء في العراق. كذلك أيضاً، يحتفل الشيعة بيوم الغدير (في الشهر الثاني عشر من التقويم الإسلامي) حيث يعتقد الشيعة أن النبي في ذلك اليوم عيّن بصراحة عليّاً خلفاً له.
تنبع التوترات الطائفية أيضاً، وفقاً للسجناء الشيعة، من ممارسات تشويه السمعة التي يمارسها رجال الدين الوهابيون في خلال خطبهم. فبعض رجال الدين يُشجعون حسب التقارير على اضطهاد الشيعة السود. واشتكى فرانكي كانسل، الذي كان سجيناً في مؤسسة فيشكيل التأديبية في نيويورك، من أن رجال الدين السنة في المؤسسة لم يسمحوا ببحث أو الاعتراف بالخلافات الموجودة بين الطائفتين الإسلاميتين ووصفوا الشيعة باستمرار على أنهم كفرة ومنافقون وعباد شيطان ورافضة من أجل إذلالهم ودفعهم لاعتناق المذهب السني. وجراء تحوّلهم نحو التشيّع، فقد السجناء الشيعة الأخوة والمؤاخاة اللتين يتمتع بهما سائر السجناء المسلمون، خصوصاً أنهم لا يستطيعون المشاركة في الخدمات الدينية التي يُقدمها رجال الدين المسلمون.
يشتكي السجناء الشيعة من أن المواد المعادية للشيعة تُوزّع على نحو واسع في المؤسسات التأديبية. فالأدب المعادي للشيعة مثل خطوط الردة يوزع في أميركا. وتذمّر سجين آخر اسمه أنطوني كوك أنه في العام 1999 في سجن غريت ميدو، وزّع رجل الدين مادة مطبوعة تعدّ الشيعة مشعوذين ودجالين وجشعين وجبناء ومراوغين. ولاحقاً، وُضع كوك قيد العناية الوقائية بعد تحذيرات بأن حياته في خطر وفقاً لتهديدات صادرة عن مسلمين آخرين.
بعد التواصل مع عدد من السجناء الشيعة، كشف معظمهم أن حياتهم تعرضت للتهديد من قبل السنة أكثر مما تعرضت له على يد السجناء غير المسلمين. على النقيض من ذلك، عندما احتج السنة السود بأنهم لا يتلقون المعاملة نفسها التي تحظى بها المجموعات الدينية الأخرى في السجن، أقرت المحاكم علناً ودافعت عن ادعاءاتهم الدستورية بأن لهم حق الحرية الدينية. ولكن، هؤلاء السجناء أنكروا للشيعة السود الحقوق نفسها التي طالبوا بها لأنفسهم، ما معناه ممارسة الدين الإسلامي وفقاً لعقائدهم. في كثير من الحالات، مورس التمييز بحق السجناء الشيعة في المؤسسات نفسها التي طالب فيها السنة بحقوقهم. على سبيل المثال، في المؤسسة التأديبية غرينهافن، اتهم السجين براون بأن مسؤولي السجن مارسوا التمييز بحقه وإخوانه في الدين عبر حرمانهم من الخدمات الدينية والنصيحة الروحية. السجناء الشيعة في المؤسسة نفسها اشتكوا من أن الأدب الشيعي أُزيل من المكتبة وأنهم تعرضوا لأنواع أخرى من التمييز.

قضية فرانكي كانسل :
إن التوترات الطائفية وحرمان السجناء الشيعة من حقوقهم دفعت بعضهم إلى رفع شكاوى بحق المؤسسات التأديبية. وأدت القضايا تلك بوزارة المؤسسات التأديبية إلى إعادة النظر بتعاملها مع السجناء الشيعة. في العام 1999، رفع معتنق أسباني للمذهب الشيعي يُدعى فرانكي كانسل، سجين في مؤسسة فيشكل التأديبية، دعوةً مع مسؤولي السجن ادعى فيها أن الخدمات الإسلامية المُقدمة داخل المؤسسة هي فقط تلك ذات الارتباط بالمذهب السني.
وادعى كانسل أنه كان هناك خلافات كبيرة بين المسلمين الشيعة والطائفة التي يرتبط بها رجال الدين التابعين لوزارة المؤسسات التأديبية، المسلمون السنة. وادعى كانسل أيضاً أن الشيعة من غير المسموح أن يكون لهم مجموعات للتفقه في الدين أو صفوف من أجل تعلم الأحكام والشعائر والصلاة، كما حُرموا من الاحتفال بأعيادهم الدينية لأن أعيادهم غير معترف بها من قبل رجال الدين المسلمين.
ادعى كانسل أيضاً أن المعتقد السني والشعائر متعارضة مع معتقده وأن رجل الدين السني في المؤسسة لم يسمح بالاعتراف بالطوائف الإسلامية المختلفة وغالباً ما أشار إلى الشيعة بأنهم "كفرة" و"عباد شيطان". وطالب كانسل بأن يُسمح لرجل دين شيعي أو متطوعين بالدخول إلى السجن وإدارة خدمات شيعية وحلقات نقاش منفصلة.
أنكرت وزارة المؤسسات التأديبية الشكوى بناءً على "استشارتها لرجل الدين في الوزارة (هو نفسه سني) بأن جميع الجماعات الدينية المسلمة يعترف بها الإسلام"، فرفع كانسل عريضةً طالب فيها بأن تشمل شكواه هذا الاعتراف. فضمنت المحكمة العليا العريضة واستأنفت الوزارة وطلبت عون وزارة أخرى.
بعد أخذ ورد ومراجعة البرهان المُقدّم من كلا الطرفين، توصلت المحكمة إلى نتيجة مفادها الاعتراف بالاختلافات بين الطرفين الشيعي والسني ضمن الاعتراف المطلوب. وارتأت المحكمة بأن "الخلافات بين المعتقدات التاريخية والعقائدية، إضافة إلى الشعائر الدينية، بين المجموعتين كبيرة. كما أشارت المحكمة أيضاً إلى أن طلب كانسل رُفض بناء على رأي رجل دين، يُزعم على نحو كبير أنه مُذنب بجرم التمييز الديني. وهذا لم يُقدم قواماً معقولاً يفي برفض الشكوى".
في الجوهر، أُمرت وزارة المؤسسات التأديبية بأن ترعى حرية الممارسة الدينية للسجناء الشيعة في فيشكل. وبناءً على قضية كانسل، زادت الوزارة من برنامجها مع بروتوكول عُمم في أنحاء الولاية في آب 2001. وكان الهدف منه تعزيز قدرة السجناء الشيعة على الولوج إلى الخدمات الدينية والصفوف وعدم مضايقتهم أو ممارسة التمييز بحقهم بناءً على معتقداتهم الدينية.
وكان لقضية كانسل انعكاسات أساسية على نظام السجون. فأُجبرت وزارة المؤسسات التأديبية على مراجعة سياساتها بحق السجناء الشيعة، التي كانت، حسب رأي المحكمة، تمييزية. متشجعين بنتيجة عريضته، يسعى السجناء الشيعة الآخرون إلى الدفع نحو الاعتراف بالمذهب الشيعي كمدرسة فكرية مستقلة والسماح بنيل الخدمات والنصوص الشيعية في المؤسسات التي يُسجنون فيها.

الخاتمة :
جرى التركيز على الشيعة السود، لكن هذا لا يخفي حقيقة أن هناك كثيرين بين البيض يعتنقون المذهب الشيعي أيضاً. والمجتمع الشيعي لم يُدرك بعد أهمية ومجال عمل الدعوة في أميركا. فالمؤسسات الموجودة القليلة التي تعمل في مجال الدعوة تعاني من افتقار التوجيه الصحيح والقيادة والتمويل. كما أن هناك حاجة إلى هيئة مركزية يمكنها توجيه نشاطات التواصل لجميع المؤسسات.
إن المذهب الشيعي بين السود لم يصل بعد ليكون حركة متينة بالكامل. لغاية الآن، هو محصور بالدفاع عن نفسه من هجمات الوهابيين والسنة السود. ويحتاج الشيعة السود إلى صوغ هوية خاصة في ما بينهم والاندماج في ضمن المذهب الشيعي من دون المساومة على تحسسهم الخاص بشأن بشرتهم السوداء. كما أنهم بحاجة إلى تبني عقيدة تميزهم عن سائر الحركات الأمريكية السوداء. إضافة إلى ذلك، إن الشيعة السود بحاجة إلى اتباع قيادة تتمتع بكاريزما وإنشاء مؤسسات تعاونهم في مجابهتهم للعنصرية والإجحاف الاجتماعي ـ الاقتصادي في ضمن إطار عمل الإسلام الشيعي الأمريكي.
***