البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الدين والسياسة في الحقبة السلجوقية (الايديولوجيات المتصارعة لنظام الملك والخلافة العباسية)

الباحث :  Shimoyama Tomoko
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  11
السنة :  السنة الرابعة - ربيع 2017م / 1438هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 16 / 2017
عدد زيارات البحث :  3094
تحميل  ( 380.047 KB )
كما أشار بَرْكي([1])، يمكن القول إلى حدٍّ كبيرٍ إن الحياة الاجتماعية - الدينية للمجتمعات المسلمة في الشرق الأوسط قد تأثّرت كثيراً بالنمط الأساسي للتنظيم الديني- السياسي في إسلام القرون الوسطى ما بعد الخلافة، حيث تعرّضت مشكلة الحكم والسلطة في الدول الإسلامية إلى تغيير جذري. وكان الحكم والسلطة من أهم المواضيع السياسية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ولا يزالان لغاية اليوم محط إرباك عند معظم الباحثين([2]). إن نقطة التحوّل التاريخية في زوال الخلافة تعود جذورها إلى الفترة السلجوقية إثر تطور التحوّل الاجتماعي- الديني المتطرف الذي بدوره أدى إلى زوال الخلافة العباسية وصعود نظام اجتماعي -  سياسي جديد دام لغاية زوال الحكم العثماني. ولكن رغم الأهمية الكبرى للبحث الموجود عن السلاجقة في التاريخ الإسلامي، يبقى البحث حول الحكم والسلطة في هذه الفترة المشكلة الأكثر إرباكاً. ويعود السبب في ذلك إلى أنه لا توجد دراسة أيديولوجية عامة لهذه الفترة، حسبما أشار همفريس([3])، تُعنى ليس بالأفكار السياسية فحسب بل أيضاً بالخطابة والرمزية والدعاية في إطار تحقيق اجتماعي- ثقافي واسع([4]). ويبدو أن الظهور المعقّد للتاريخ الاجتماعي- السياسي للسلاجقة نابع من هذه النقطة بناءً على الاعتبار بأن أي نصّ تاريخي هو ايديولوجي والافتقار إلى دراسة الأيديولوجيا يؤدي إلى قراءة خاطئة للتاريخ. لذلك، رغم الإحياء الأخير للدراسات حول السلاجقة، فإن نمط الحكم والسلطة في تلك الحقبة الهامة لا يزال يمثّل معضلة معقدة للغاية أدت حتى إلى سوء فهم الطبيعة الأساسية للحياة الاجتماعية - السياسية للمجتمعات المسلمة المعاصرة.

في هذا البحث، سنركّز على التحوّل الاجتماعي البارز في أوائل الحقبة السلجوقية والذي يُلاحظ في الصراع الايديولوجي بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية. وينْصَبُّ اهتمامنا على إعادة البحث في الخلاف الثقافي الأساسي بين الايديولوجيا العربية- السنية للخلافة العباسية البائدة والايديولوجيا الإيرانية- السنية لنظام الملك، الوزير المشهور لدى السلطان السلجوقي ألب أرسلان وابنه ملكشاه. الأوّل جعل الشرعية الجديدة للخلافة العباسية مستندةً على ما تُسمى "الصحوة السنية" خلال فترة الحكم الانتقالية من البويهيين إلى السلاجقة. والثاني جعل شرعية السلطنة السلجوقية مستندةً على ما يدعوها همفريس([5]) الاوتوقراطية ضمن إطار العمل للمعتقد التقليدي السني. وحسبما أورد همفريس، نتجت الاوتوقراطية الفارسية- الإسلامية من المسعى الايديولوجي السلجوقي بهدف إعادة التأكيد على مبادئ المَلَكية الإيرانية بمصطلحات إسلامية لغاية وفاة ملكشاه (توفي عام 485 هـ/1092 م). وكان نظام الملك من أبرز الشخصيات الداعية إلى الاوتوقراطية الفارسية- الإسلامية وهو مَن أسّس النظام الاجتماعي- السياسي الجديد معتمداً على السلطنة السلجوقية، والذي من خلاله لم يتمّ إحياء المَلَكية الإيرانية فحسب بل تم استحضار أيضاً نموذج جديد لبنية الحكم والعلاقات الاجتماعية- السياسية في العالم الإسلامي([6]). وهنا، يعي همفريس أيضاً الصراع الايديولوجي العميق بين الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية حين يشرح بأنّ التعريف الكلاسيكي لسلطة الخلافة والذي صيغ خلال الفترة نفسها صمد وقوّض التركيبة الفارسية-الإسلامية الصاعدة بعد ذلك. ولكن "المفاهيم السياسية السلجوقية بقيت مؤثرة للغاية في أنحاء منطقة النيل- جيحون لغاية نهاية القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي([7]) وسوف نُبيّن الطبيعة الأكثر دقة لهذا الصراع الأيديولوجي من وجهة النظر التاريخية الآتية.

في هذا البحث نهتم بالتعريف التاريخي الذي أطلقه همفريس على الايديولوجيا في مجتمع غير مستقر، حيث يمكن لايديولوجيا مُعيّنة أن تطفو باعتبارها "انتقاداً لنظام اجتماعي- سياسي ما بحيث على حد سواء تصف ذاك النظام وتدعو أعضاءه إلى الحفاظ عليه أو تغييره أو إسقاطه"([8]). من وجهة النظر التاريخية هذه، لا تكون الايديولوجيا "هيئة مستقلة من الأفكار، بل هي ردٌّ على وضع اجتماعي- سياسي مُعيّن"([9]). ويمكن أن نعدّ أي ايديولوجيا كمحاولة لتبيان ديناميكيات اجتماعية- سياسية معيّنة واقتراح جدول أعمال لمواجهتها. لذلك، من خلال مقارنة الايديولوجيات المتناقضة الناشئة في مجتمع غير مستقر، يمكن أن ندرك التحوّل الاجتماعي- السياسي الديناميكي. وهنا، يكون من الطبيعي جداً أن تكون كل ايديولوجيا ذات طبيعة مثالية وتدعي أن تنفيذ برنامجها سيؤسس "نظاماً من شأن صوابيته وشرعيته أن يكونا أمراً بديهياً عند الجميع"([10]). والأهم من ذلك أنه في أي مجتمع مستقر، المفاهيم التي تشرّع النظام السائد قد لا تُنصّ على شكل طروحات مجرّدة؛ إلا أنه مُجرّد أن يتعرض النظام السائد إلى الخطر، يبدأ المتحدثون باسم هذا النظام ومعارضوه بالدفاع عنه أو انتقاده([11]). في هذا السياق، نحن مهتمون بالجانب التاريخي للايديولوجيات والعملية التاريخية لطريقة التعبير عنها، حيث يمكننا من وراء ذلك وصف التحوّل الاجتماعي- السياسي الديناميكي. وهدفنا إدراك التاريخية للخلاف الايديولوجي بين الخلافة العباسية البائدة والسلطنة السلجوقية على يد نظام الملك.

في هذا المضمار، يبدو أن ايديولوجية نظام الملك عبارة عن أجندة سياسية جديدة اقترحت نموذجاً جديداً من النظام الاجتماعي- السياسي مكان ايديولوجيا الخلافة العباسية البائدة، لأن هاتين الايوديولوجيتين تصارعتا بشدة رغم صورتهما الخارجية السنية المشتركة. وبُغية فهم هذه النقطة بشكل تام، يجب أن نُشير إلى أن كل ايديولوجيا، حسبما يؤكّد همفريس([12])، هي خطابية بطبيعتها. بمعنى آخر، البعد الايديولوجي في أي نص، أي الأجندة الخفية التي تصوغ خيار المؤلف وتعاطيه مع الموضوع، يجب البحث عنها عادةً بين السطور. أضف إلى ذلك، قد تختلف كل ايديولوجيا حقيقية في أي نص أو حتى تتناقض مع محتواها الظاهري وهدفها... قد نبدأ برؤية الشياطين أينما نظرنا، مما يُشوّه النية الحقيقية والأهمية الثقافية للعمل أثناء البحث الحصري عن أُسسه الايديولوجي([13]).

على سبيل المثال، كانت دراسة الفكر السياسي عند الغزالي من قبل هلنبراند([14]) محاولةً ترمي إلى فهم الواقعية السياسية الثابتة عند الغزالي بين سطور أعماله السياسية الشهيرة والتي لم تحظ لغاية الآن باهتمام كاف. فضلاً عن ذلك، يجب أن نبقي في الحسبان أن "الأجندة الخفية" قد لا يُعبّر عنها أبداً في أي نص ويمكننا فهمها فقط من خلال أعمال عن الواقعية السياسية ضمن هيكليات السلطة المتبدلةً دوماً في المجتمع العباسي.
من دون إيلاء أي اهتمام للجانب الخطابي للايديولوجيا والتأكيد المفرط على جانبها الدعائي، فشلت نظرية المقدسي([15]) المثيرة للجدل حول "الصحوة السنية" في فهم الأجندة الخفية للايديولوجيات "السنية" في ذاك الزمن. وكان خطأ المقدسي أنه لم يأخذ بعين الاعتبار الجانب الثقافي للايديولوجيات. وسنظهر بأن الايديولوجيا العربية- السنية للخلافة العباسية البائدة والعقيدة الإيرانية- السنية لنظام الملك ارتكزتا على خلفية ثقافية متضاربة رغم أنّ كلتيهما أُشيعتا من خلال التأكيد على الصورة الدينية المشتركة "للمذهب السني".

في هذا الخصوص، يُلفت انتباهنا همفريس([16]) أيضاً إلى حقيقة أن عدداً من "الايديولوجيات الإسلامية" تأثرت كثيراً بدرجة واسعة من التقاليد الثقافية غير العربية والتي كانت سائدة قبل الإسلام. وحسبما تُشير لامبتون ([17])، شهد التاريخ المبكر للإسلام انقساماً خطيراً بين التقليد الثقافي العربي وذاك الإيراني ما قبل الإسلام. لكن ما تفتقره وجة نظر همفريس أن تلك المساهمات الثقافية رافقها الصراع من أجل البقاء، من خلال التأثير على الثقافة الإسلامية وتحوّلها، وكانت لا تزال في بداية تشكّلها. ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم تماماً المشروع الايديولوجي الإيراني- السني لنظام الملك في وجه الايديولوجيا العربية- السنية للخلافة العباسية البائدة. وتجدر الإشارة إلى أننا نستخدم مصطلحي "عرب" و"إيران" ليس من منطق عرقي أو قومي، بل بوصفها مفاهيم تحليلية للإشارة إلى القيم الثقافية المتصارعة.

بخصوص الطبيعة الخطابية لايديولوجية نظام الملك، لا يمكننا أن ننسى الاتجاه العام للباطنية والظلامية في إسلام العصور الوسطى. قد ولّدت المطابقة الصارمة للخلافة العباسية ثلاثة اتجاهات أساسية للباطنية:
الفلسفة والتشيّع والصوفية بوصفها حالة دفاعية في وجه الاضطهاد. ولكن، كما يُشير هودجسون([18])، كانت الباطنية في تلك الفترة عبارة عن نزعة أكثر شمولية ضد الانسياق الفكري المتطرف "للشريعة" واخترقت بعمق وعي النخبة الثقافية. في هذا السياق، لم تُبيّن أبداً أفكارهم بوضوح ولا يمكننا التعامل معها من خلال قراءة وضعية. وكانت يافاري([19]) قد أشارت إلى الطبيعة الخطابية لكتاب سياسة نامه (سير الملوك) المليء "بالتناقضات الكامنة" و"المفارقات الضمنية" ولا يمكن قراءته حرفياً. يمكننا أن نفترض بأن الايديولوجيا الإيرانية- السنية عند نظام الملك والتي تشكلت في قلب الخلافة العباسية كانت خطابية أيضاً تستند على باطنيتها الخاصة. لهذا السبب، باستطاعتنا أن نأخذ وجهة نظر تأويلية تعي أن المؤرخين لم يعيشوا أبداً واقع الماضي بالمعنى التفسيري والظاهري، بل يروون لنا  فقط القصة التاريخية إلى ما لا نهاية ضمن وجهات نظرنا المحدودة والمستنبطة.

الايديولوجيا العربية - السنية للخلافة العباسية في أوائل الحقبة السلجوقية:
اهتمامنا هو ايديولوجيا الخلافة التي تطورت في الفترة التي حصلت فيها ما تُسمى "الصحوة السنية". من خلال هذه الفكرة الشهيرة، أظهر المقدسي عملية ايديولوجية معينة بحيث أن "العباسيين خلال حكم الخليفتين القادر (381-422 هـ/ 991-1031 م)  والقائم (422-467 هـ/ 1031-1075 م) حاولوا إعادة شرعنة الخلافة بعد الانهيار الدراماتيكي لسلطتها السياسية إبان البويهيين الشيعة([20]). ونتيجة اختبار المرحلة الانتقالية في السلطة من البويهيين إلى السلاجقة، سعى الخليفتان كلاهما من أجل ايديولوجيا جديدة بهدف إحياء سلطة الخلافة وسط عدم الاستقرار السياسي الحاصل. وفي خضم تلك العملية أُعلن عن العقيدة القادرية، والنظرية الكلاسيكية للخلافة ألفها علماء تقليديون على غرار الماوردي (توفي عام 450هـ/ 1058 م) وابن أبي يعلى بن الفرّا (توفي عام 458 هـ/ 1066 م) بأمر من القائم. ونظرية المقدسي عن "الصحوة السنية" تُبيّن بوضوح مزايا هذه العملية الايديولوجية للخلافة العباسية ما بعد البويهيين، رغم أن طبيعتها المثيرة للجدل كانت قد نُقحت إلى حد كبير. على سبيل المثال، عرض بوليت([21]) وبِرْكي([22]) فكرة منقحة عن "إعادة مركزية التسنّن" مكان "الصحوة السنية" للمقدسي، مع الإشارة إلى أن تعزيز التسنّن في تلك الفترة لم يكن موجّهاً ضد الشيعة بل المقصود منه إيجاد التجانس بين السنة.

ولكن، ليس المقدسي وحده من تغاضى عن الخلاف الثقافي الأساسي بين السنة بل أيضاً بوليت وبِرْكي. إن التنوّع الديني- الثقافي الذي شكّل تحدياً للإسلام المتطابق في الخلافة العباسية إبان حكم البويهيين لم يتلاش في فترة انهيار الخلافة و"الصحوة السنية" أو "تجانس السنة" تحت قيادة الخلافة. ووفقاً لوجهة نظر همفريس التاريخية بشأن الايديولوجيا فإن تنوعاً ثقافياً كهذا لا يمكن أن يتجانس ضمن ايديولوجيا موثوقة بل يبقى يشكل تحدياً بطريقة خفية ويحاول ايجاد ايديولوجيا جديدة تحل مكانها. لذا، كما ذُكر أعلاه، ينصب اهتمامنا على تبيان الخلاف الثقافي الأساسي بين ايديولوجيا الخلافة العربية- السنية والايديولوجيا الإيرانية- السنية لنظام الملك، من خلال الإضاءة على أجندتهما الخفية وراء صورتهما الخارجية السنية المشتركة.
وكما عرّف المقدسي "الصحوة السنية" على نحو أدقّ بأنها "صحوة تقليدية سنية"، كان التقليديون السنة، وخصوصاً الحنابلة، المدافعين الأساسيين عن ايديولوجيا الخلافة العباسية. في النقاش الآتي، أولاً سنلقي نظرة عامة على طبيعة السلطة الدينية- السياسية في التقليدية السنية باعتبارها أساس ايديولوجيا الخلافة العباسية في ذلك الوقت. ومن ثم سندرس الدعاية والأجندة الخفية لايديولوجيا الخلافة العربية- السنية من خلال الصحوة السنية في الفترة الأولى من الحقبة السلجوقية.

طبيعة السلطة الدينية عند التقليديين السنة:
إن النقطة المركزية في طبيعة السلطة الدينية للتقليديين السنة هي طبيعة السنة والإجماع، لأن الالتزام الصارم بهذين المبدأين، إلى جانب القرآن، هو أساس التقليدية السنية. وكما أشار ابراهاموف([23])، إن نقل التقليديين السنة لكثير من التقاليد التي أعطت السنة النبوية منزلة توازي تلك التي يتمتع بها القرآن هو القضية الأساس في دراسة السلطة الدينية للسُنّة النبوية. وأخذاً بعين الاعتبار أنه بمجرد تسلّط السنة تسلّط أولئك المسؤولين على جَمْع التقاليد أيضاً، يمكننا أن ندرك بسهولة أن تسلطاً كهذا تأسس بأسلوب متكرّر. تسلط افتراضي كهذا للسُنة النبوية هو واحد من أسس السلطة الدينية عند التقليديين السنة. وهنا يجدر بنا أيضاً التذكير بأن السنة النبوية هي في الأصل مفهوم عربي قديم وقبل أن يُعرّفها الشافعي بأنها سنة النبي الواردة في التقاليد الرسمية المنقولة عن النبي بقي مفهومها غامضاً تماماً مع معناها الواسع بأنها سابقة جديرة بالثناء. ونطاق الغموض هذا عن السنة النبوية استُخدم كأساس لشرعنة الحكم الأموي([24]).
يُعد تسلط الإجماع هو الآخر ذا طبيعة افتراضية بالمعنى الآتي: أولاً، أُتمّ من خلال النهي عن البدعة: ثانياً، إحدى تعريفات التقليديين للجماعة كانت أنهم جماعة من المؤمنين يجب عليهم تأكيد الإجماع على علماء بارزين من التقليديين السنة، كضمان للخلاص([25]). فيجدر بنا على الفور ملاحظة الطبيعة الدعائية للتهجّم على البدعة، لأن فعلاً مخالفاً ضالاً يسلط الضوء على معتقدهم التقليدي على نحو أكثر فاعلية. لذلك، صاغ التقليديون السنة مطابقة أصولية بادعاء توحيد الأمة الذي يتحقّق عن طريق "النهي عن البدعة"([26]). وتلك المطابقة هي التي سمحت للتقليديين السنة بتأسيس معتقدهم الذي لا يرقى إليه الشك بعد فشل محنة الخليفة المأمون (198-218/ 813-833) باعتبارها ذروة انتصار العقلانية. فشل المحنة العقلانية للمأمون والمطابقة الصارمة عند العباسيين رافقهما ميل عام نحو الباطنية، بين مروحة واسعة من المفكرين، وكان ذلك أكثر وضوحاً في الصوفية والفلسفة([27]). وتُعد عملية التجانس للمعتقد الإسلامي عند العباسيين نقطة أساسية لإدراك النبرة الخطابية في ايديولوجيا نظام الملك.

ايديولوجيا "الصحوة التقليدية السنية" للخلافة العباسية: إعادة تأسيس السلطة الدينية- السياسية للخلافة:
هناك توافق مشترك في الدراسات الإسلامية بأنه نظرياً ليس هناك ربط ضروري بين السلطات السياسية والدينية في الإسلام السني، والذراع العلماني كالخليفة والسلطان لا يستطيع بتاتاً إعلان أي عقيدة رسمياً([28]). ولكن، على الصعيد العملي، لعب الخلفاء دوراً بارزاً في القضايا الدينية، كما لوحظ في إعلان العقيدة القادرية وإصدارها المتكرر في فترة "الصحوة السنية"، بحيث أن التقليديين السنة اعتمدوا على القوة السياسية للخلافة التي تجبر المسلمين على الانقياد فقط إلى طريقتهم الدينية التقليدية([29]). وكما يُشير المقدسي، مثّل الحنابلة نواة التقليديين السنة الذين كان لهم دور أساسي في الإصدارات المتكررة للطريقة القادرية وفي سلسلة من حركات "الصحوة السنية" في بغداد وكانوا هم مَن حشدوا العناصر التقليدية المتنوعة الأخرى لصالح حركتهم الدينية- السياسية لإحياء السنة([30]). أخذاً بعين الاعتبار المشاعر العربية عند ابن حنبل والأصل العربي الغالب للحنابلة([31])، يمكننا اعتبار أن ايديولوجيتهم السنية للخلافة العباسية ذات طبيعة عربية- سنية.

لذلك، كانت الخلافة أداة سياسية من أجل دعم المطابقة الدينية التقليدية السنية، وفي المقابل، أسس التقليديون سلطة سياسية للخلافة لا يرقى إليها الشك باعتبارها الرمز السياسي للإسلام السني ضمن إطار معتقدهم. وحين كتب الماوردي عن نظريته حول شرعية جديدة للخلافة من خلال إعادة تأسيس نظام الخلافة مع مجيء السلاجقة، كانت الخلافة مُجرّدة أصلاً من السلطة السياسية الأساسية السابقة في العراق. ورفع الماوردي هذه الخلافة الضعيفة إلى مقام السلطة السياسية العليا، بحيث أن شرعية الخليفة تعترف بها القوات العسكرية المحلية وتسمح له بالسيطرة على أرض الخلافة المتناثرة من خلال وحدة دينية- سياسية. ولكن، تجدر الإشارة إلى أن السلطة العليا للخلافة كانت بدلاً من ذلك ذات طبيعة نظرية وافتراضية للأسباب التالية: أولاً، كان الخليفة يتمتع بالسلطة فقط ضمن الإطار القانوني المحدود لمعتقد التقليديين السنة؛ ثانياً، كان الخليفة محروماً من استقلاليته الإدارية، ويقيده قانون شرّعته أغلبيّة العلماء، أي التقليديين([32])؛ ثالثاً، احتاج الخليفة إلى اللجوء لألعاب السلطة الخفية من أجل الحفاظ على سلطته السياسية العليا، كما سنرى لاحقاً.
ويكشف المقدسي أن التقليديين الحنابلة كانوا الأطراف الأساسية في ما تُسمى "الصحوة السنية" ويبدو أنهم تشاركوا ايديولوجيا معينة تكمن وراء عقائدهم الدينية ونظرياتهم السياسية التي شرعت سلطتهم الدينية الخاصة بهم فضلاً عن السلطة السياسية للخليفة.

ضمن هذه الايديولوجيا، كانت السلطة الدينية للتقليديبن السنة والسلطة السياسية للخلافة غير منفصلتين. يذكر ابن البقال الحنبلي (توفي عام 440هـ/ 1048 م) بوضوح تلك الارتباطات الايديولوجية على النحو الآتي: "الخلافة كالخيمة، والحنابلة هم حبال الخيمة؛ فإذا فُكت الحبال، لا شك أن الخيمة تسقط"([33]). في ايديولوجيتهم، التي نستطيع أن ندعوها ايديولوجيا "الصحوة التقليدية السنية"، كان يُنظّر للخلافة وتُخوّل وتُستغل كأداة سياسية من أجل تحقيق هدف ايديولوجي للتقليديين السنة وبشكل أساسي الحنابلة وهذا الهدف يرمي إلى إعادة تأسيس سلطة الخلافة الدينية- السياسية التي لا يرقى إليها الشك. وذاك هو السبب وراء إعلان المذهب الحنبلي علناً وإصداره مراراً وتكراراً تحت عنوان العقيدة القادرية. وحينما هاجمت هذه العقيدة آراء لاهوتية معينة عند الشيعة والمعتزلة والأشعريين، لم تكن القضية عقيدة لاهوتية بحد ذاتها، بل دعاية لإظهار الطبيعة البدعية لوجهات النظر المعارضة والتأكيد في المقابل على صوابية معتقد التقليدية السنية والخلافة.

ايديولوجيا الخليفة القائم ووزيره ابن مسلمة إبان صعود السلاجقة:
بعد الإشارة إلى دور التقليديين الحنابلة بوصفهم دعاةً أساسيين لايديولوجيا الخلافة في توجه "الصحوة السنية"، سوف نضع تحت المجهر سياسات الخليفة القائم أثناء صعود السلاجقة كدراسة حالة من أجل معرفة كيف أن ايديولوجيا الخلافة العباسية ما بعد البويهية وُضعت موضع التنفيذ. قبل الانتقال إلى الاستعراض التاريخي، من المفيد أن نلفت الانتباه إلى البصيرة الإدراكية عند المقدسي بأن السياسة الأساسية للخلفاء الذين افتقروا إلى السلطة الاستبدادية في تلك الفترة ارتكزت على تعديل ميزان القوة بين الأمراء. فيدخل الأمراء في صراع مع بعضهم البعض لكسب اعتراف الخليفة بسلطتهم الشرعية من خلال سلطته "العليا"، حسبما أفاد الماوردي. لكن مجرد أن يصبح أحدهم أقوى من الأمراء الآخرين، قد يُشكل خطراً على نفوذ الخليفة وفي نهاية المطاف على سلطته. بناءً عليه، يتحتم على الخلفاء إبقاء الأمراء في صراع مستمر من أجل تشتيت قوتهم في مواجهة بعضهم البعض([34]). على الرغم من أن المقدسي لم يذكر ذلك، فمن المنطقي أن يزداد نفوذ الخليفة وسلطته مع تعمّق الانقسام السياسي في المجتمع الإسلامي، تماماً كما حصل إبان حكم الرعيل الأخير من السلاجقة. هذه الاستراتيجيا تحمل الميزة النموذجية لسياسة ماكيافيلي المبنية على مبدأ "فرّق تسُد"، التي تتناقض مع دعاية الخليفة بتوحيد الأمة الإسلامية. من وجهة نظرنا، هذه الجوانب المتناقضة للدعاية والأجندة الخفية لها مزايا ايديولوجية أساسية عند الخلافة العباسية ما بعد البويهية. والنتيجة المنطقية لمشكلة بنيوية كهذه في ايديولوجيا الخليفة العباسي هي عدم الاستقرار المُطوّل في السياسات العباسية والسلجوقية.
لنركز على سياسة الخليفة القائم أثناء وصول طغرل بك إلى بغداد عام 447 هـ/1055 م، بوصفها مثالاً قيّماً لإظهار الازدواجية الايديولوجية عند الخليفة. تحرّك طغرل بك تدريجياً باتجاه الغرب منذ احتلاله لنيشابور عام 429 هـ/ 1038 م. وفي العام 447 هـ/ 1055 م، بعث الخليفة القائم رسالةً يدعو فيها طغرل بك للقدوم إلى بغداد من أجل إسقاط البساسيري الذي مثّل خطراً كبيراً على الخلافة العباسية. ردّ طغرل بك بأن سبب ذهابه إلى بغداد من أجل تأدية واجب الحج في مكة وإبعاد قُطّاع الطرق عن الطرقات المؤدية إلى مكة ومحاربة الفاطميين([35]). لكنه لم يف بوعوده ومن الواضح أنه استغلّ حجة دينية من أجل دخول بغداد([36]).
لابد من أن يكون جواب طغرل بك ردّاً على الإجراءات الدعائية السابقة للعباسيين. ففي العام 444 هـ/ 1052 م، أصدر ديوان الخليفة القائم وثيقة تنكر المعتقد النسبي للفاطميين من خلال الادعاء بأن نسبهم يعود إلى العلويين ليس سوى تزييفاً([37]). في العام 445 هـ/ 1053 م، أُعيد إصدار العقيدة القادرية في ديوان الخليفة بقيادة وزير الخليفة القائم ابن سلمة (توفي عام 450 هـ/ 1058 م) والقاضي الحنبلي ابن أبي يعلى بن الفرا([38]). والطبيعة الدعائية لهذه الإجراءات واضحة. في العام نفسه، أصدر طغرل بك أمراً بلعن الأشعري علناً في خراسان، على الأغلب عملاً بنصيحة وزيره الكندري([39]). ونحن شبه متأكدين أن طغرل بك اتبع مسار السلطان الغزنوي محمود بن سبكتكين الذي اتبع سياسة القادر الدينية في الأراضي المحتلة الجديدة تحت سيطرته([40]) وهدف إلى إظهار أنه يتبع الايديولوجيا التقليدية السنية للخلافة. تجدر الإشارة إلى أنه قبل التراسل أعلاه بين الخليفة القائم وطغرل بك عام 447 هـ/ 1055 م حول قدوم الثاني إلى بغداد كانا قد أظهرا لبعضهما أنهما يتبعان الايديولوجيا العباسية نفسها. ونظراً لأن الماوردي كان مبعوث الخليفة إلى طغرل بك خلال عام 435-436 هـ/ 1043-1044 م وكون الأحكام السلطانية على أغلب تقدير تألفت بين العامين 437 هـ/ 1045-1046 م و450 هـ/ 1058 م([41])، من المعقول أن نفترض بأن نظريته بشأن الخلافة لعبت دوراً مهماً في ترتيب قبول طغرل بك بالايديولوجيا العباسية الجديدة وإظهارها، لا سيما من خلال السبّ العلني للأشعري والاضطهادات المستبدة بحق الأشعريين. حسبما أوردت لامبتون، يبدو أن الماوردي كان يهدف إلى تحذير السلاجقة من اغتصاب سلطة الخليفة([42]). لذلك، من وجهة نظرنا، بالاستناد على هذا الأساس الأيديولوجي زحف طغرل بك في نهاية المطاف إلى بغداد بعد 18 عاماً من التحرك البطيء باتجاه غربي إيران منذ احتلاله لنيشابور. ولم يسمح قبول طغرل بك بالايديولوجيا العباسية الجديدة له بدخول بغداد فحسب بل صورته السجلات اللاحقة بأنه منقذ الخلافة السنية من البويهيين والبساسيري المتحالف مع الفاطميين([43]).

ولكن رغم التجانس الايديولوجي الظاهر بين الخليفة القائم وطغرل بك، ساد توتّر كبير بين الاثنين نتيجة الأهداف السياسية الخفية عند كلّ منهما. ولعب وزير القائم ابن مسلمة دوراً أساسياً في حالة التوتّر هذه. وفقاً لسبط بن الجوزي، في العام 448 هـ/ 1056 م أرسل طغرل بك رسالة إلى الخليفة القائم يشتكي فيها بأن ابن مسلمة لم يدفع مبلغ الـ300000 درهم كاملاً، وهو المبلغ الذي وعد الوزير بدفعه أثناء توجه طغرل بك إلى بغداد من أجل إسقاط البساسيري([44]). وهذا المؤرّخ اقتبس أيضاً كلاماً لأمير كردي اسمه علي بن ورام الذي تواصل معه ابن مسلمة من أجل التقرّب من البساسيري. فرد على ابن مسلمة بأن الوزير نفسه كان مسؤولاً عن الكارثة التي ارتكبتها قوات طغرل بك في بغداد، ولم يكن أمام الناس أي ملاذ آخر سوى الاعتماد على البساسيري([45]). واقتُبست مسألة أكثر إثارة للاهتمام تجلّت بانتقاد لهاشمي مجهول لابن مسلمة حين كان البساسيري يستعد لاحتلال بغداد في العام 450 هـ/ 1058 م: "لقد راهنت على مقامرة خطيرة مع السلالة العباسية وخسرتها"([46]). وفقاً لهذه الروايات، بعكس تصوير طغرل بكفي السجلات اللاحقة بأنه منقذ الخليفة العباسي، فإن أهالي بغداد شجبوا مخاطرة ابن مسلمة وسياسته الفاشلة في وضع طغرل بك كقوة مضادة للباساسيري وحتى أنهم فضلوا حكم البساسيري في بغداد لا حكم طغرل بك. ويبدو أن ترحيب أهالي بغداد الصاخب باغتيال الوزير بأمر من البساسيري يعكس أيضاً غضبهم الكبير تجاهه([47]).

إن لرهان الذي خسره ابن مسلمة دلالة ذات مغزى على لعبته المزدوجة ضد طغرل بك الذي يتبع الأجندة السياسية الخفية للخليفة، والتي تظهر أكثر في مؤامرته الفاشلة عام 450 هـ/ 1058 م. في ذاك العام، حرّض الوزير إبراهيم ينال على محاربة أخيه طغرل بك، وخلال غياب الأخير عن بغداد بهدف خوض المعركة مع أخيه في همدان، خطّط مع وزير طغرل بك الكندري من أجل إلحاق الهزيمة بطغرل بك([48]). وكانت مؤامرة ابن مسلمة تنطوي على التسبب بانقسام السلالة السلجوقية الجديدة عبر صراع داخلي، بالاستناد على استراتيجية "فرّق تسُد". وكان المقدسي قد أشار إلى سياسة ابن مسلمة المبنية على تفادي وقوف طغرل بك وجهاً لوجه مع البساسيري من أجل الحفاظ على التوتر المستمر بينهما([49]). كانت تلك الأجندة الخفية للوزير الذي دعا طغرل بك إلى بغداد كقوة مقابلة للبساسيري، والآن كرر استراتيجيته مرة أخرى ضد طغرل بك من خلال جعل أخيه قوة مقابلة له. ولكن أثناء غياب طغرل بك، احتل البساسيري بغداد وخسر ابن مسلمة مقامرته الخطرة. من وجهة نظر المنتقد الهاشمي المجهول، خسر ابن مسلمة رهانه لأن مؤامرته ضد طغرل بك أدت إلى احتلال البساسيري لبغداد. وقُتل في نهاية المطاف على يد البساسيري في نهاية لعبته الخطرة.

لكننا نرى خسارته من زاوية مختلفة، لأننا نعرف بأن طغرل بك ما لبث أن "أنقذ" بغداد والخليفة القائم بعد إلحاق الهزيمة بأخيه ينال. وقيل حتى إنه "أنقذ الإسلام"([50]). بهذا المعنى، يكون خروج البساسيري ضد الخلافة ليس سوى جانب واحد من خسارة هذا الوزير الماكر، وجانبها الأكثر خطورة تجلّى بصعود طغرل بك وخلفائه الذين فعلياً ثبتوا دعائم الدولة السلجوقية لفترة طويلة بعد أن "أنقذ" المؤسِّس الخليفة العباسي. خسر ابن مسلمة لعبته المزدوجة أمام طغرل بك، عبر دعوته من أجل طرد البساسيري والتحريض على طرده بناءً على سياسة "فرّق تسُد". خسر الوزير هذه اللعبة ودفع حياته ثمناً لذلك، وبعد ذلك تم الترحيب بالسلطان طغرل بك على أنه حتى "منقذ الإسلام".
ولكن، تحت غطاء التوافق الدعائي بين العباسيين والسلاجقة المستندين على سلطة الخليفة كرمز "للمجتمع السني الموحّد"، استمرّ العباسيون بتنفيذ أجندتهم الخفية المبنية على إثارة الصراع الداخلي بين السلاجقة، وفي المقابل تحقيق الهيمنة العباسية، التي فشل ابن مسلمة في تحقيقها. وهذه السياسية نابعة من ايديولوجيا "الصحوة السنية" للخلافة المستندة على المزج بين المطابقة التقليدية السنية الصارمة واستراتيجية "فرّق تسُد". ويترتب على ذلك نتيجة منطقية قوامها أن بنية السلطة والعلاقات الاجتماعية- السياسية في السياسات العباسية والسلجوقية شهدت عدم استقرار بنيوي. هذه المشكلة البنيوية طرحت "سؤالاً جديداً بشأن مستقبل السلالة السلجوقية ومنصب الخليفة في الامبراطورية"، كما يذكر ميثا([51]). في خضم هذا السياق التاريخي يمكن أن نفهم الطبيعة الحقيقية لايديولوجيا نظام الملك.

الايديولوجيا الإيرانية- السنية لنظام الملك:
كما تعرض المدائح البندرية بأن "نظام الملك أعاد النظام في الدولة والاستقرار والصواب للدين"([52])، ثمة اتفاق عام بأن نظام الحكومة السلجوقية أسسه ذاك الوزير الكفوء. لا شك أن كفاءته السياسية استندت على ايديولوجيا صلبة معينة، سمحت له بإنشاء حكم للسلاجقة يتميز بكثير من التنظيم والتوازن. لكن ما يُثير الدهشة أن لا أبحاث جدية عرضت ايديولوجية هذا الوزير الهام. بل إن معظم الدراسات ركّز على الأفكار المنشورة في كتاب سياسة نامه، بدلاً من التركيز على ايديولوجيته وأفكاره وتاريخه المهني إجمالاً([53]). من وجهة نظرنا، هذا الافتقار في البحث يعود إلى طبيعة ايديلوجيته الازدواجية القائمة على الدعاية والأجندة الخفية. إذا أخذنا بالحسبان الاتجاه العام للباطنية في السياق الديني للنظام العباسي، يمكننا الافتراص بأن هذه النزعة الباطنية العميقة أثرت على نظام الملك وهو لم يتحدث أبداً بشكل واضح عن ايديولوجيته وأخفى أجندته وراء خطابه وممارساته الدبلوماسية وسياساته. ونحن بحاجة إلى فهم أجندته الخفية النافذة على الجوانب الدعائية أو الدبلوماسية، من خلال الانتباه إلى حقيقة أن الطبيعة الباطنية المحتملة جداً لايديولوجيته لم تسمح بقراءات موضوعية.

التغير الايديولوجي من الكندري إلى نظام الملك، من خلال سياسته الدينية تجاه الأشعريين- الشافعيين:
يُستحسن بدء دراستنا الايديولوجية عن نظام الملك بالأخذ بعين الاعتبار انتقال الوزارة من عميد الملك الكندري (توفي 456 هـ/ 1064 م) إلى نظام الملك في الفترة التأسيسية للحكم السلجوقي. وفقاً للسجلات، وقع خلاف شرس بين الوزيرين أدى إلى مقتل الكندري([54]). على الأغلب، فإن صراعهما، حسبما يُشير الصافي([55])، لم يكن خلافاً شخصياً فحسب على وزارة ألب أرسلان، بل هو خلاف أيديولوجي أيضاً. ولكن يتغاضى الصافي عن حقيقة أن خلافهما الايديولوجي ينبثق من الطبيعة الإيرانية لايديولوجا نظام الملك، ولهذا السبب لا تتجاوز دراسته الايديولوجية عن السلاجقة كونها مجرد تفكيك لدعاية السلاجقة حول الشرعية. وسوف نتبحّر أكثر في هذه النقطة.

إن اختلافهما الايديولوجي واضح أكثر في سياستهما الدينية اتجاه الأشعريين- الشافعيين([56]). فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن تفضيل الكندري للمذهب الحنفي وتفضيل نظام الملك للمذهب الأشعري- الشافعي ينبعان ببساطة من تعصبهما الديني، يكون ذلك سوء فهم كامل للتاريخ السلجوقي ونكون بحاجة إلى فهم السياق الدقيق والقراءة الموضوعية.

اضطهاد الكندري للأشعريين- الشافعيين وأجندته الخفية:
كان الاضطهاد الذي مارسه الكندري ضد الائتلاف الأشعري- الشافعي في نيشابور([57]) والذي بدأ حوالى العام 440 هـ/ 1048 م مرده إلى مصلحته السياسية في تأمين موطئ قدم في المجتمع النيشابوري من خلال تأسيس علاقات وثيقة مع الحنفيين الذين فقدوا حماية الغزنويين بعد الحكم السلجوقي في نيشابور وسعوا إلى الحصول على دعم سياسي جديد. واتبع الكندري العادات المحلية للأسر الحاكمة السابقة التي تدخلت في الصراع الفئوي بين الحنفيين والشافعيين والكرميين، من خلال دعم كل فئة واستغلالها من أجل صراعهم السياسي مع خصومهم في الأسر الحاكمة الأخرى([58]). وكما يقترح بوليت([59])، تلك السياسات ترتكز على الميزة الواضحة لمبدأ "فرّق تسُد". وهنا نشير إلى شَبَهٍ مثير للانتباه بين الكندري والعباسيين من خلال اتباعهما لسياسة "فرّق تسُد". ويجدر بنا التذكير بأن الكندري كان متورطاً بالكامل في ايديولوجيا الخلافة القائمة على دعامتين اثنتين: الدعاية والأجندة الخفية. من جهة، على الأغلب كان الكندري مَن عزّز اللّعن العام للأشعري في العام 445هـ/ 1053 م. رداً على نشر الخلافة للعقيدة القادرية. ومن جهة أخرى، دعم أيضاً المؤامرة الفاشلة لإلحاق الهزيمة بطغر بك مع وزير القائم ابن مسلمة في العام 450 هـ/ 1058م. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار سلسلة أعماله السياسية المتناقضة، يكون من المنطق الشكّ بأن الأجندة الخفية لهذا الوزير الطموح تنطوي ليس على تقديم الدعم لطغرل بك ولا للقائم، بل إنه سعى إلى تحقيق مبتغاه الشخصي تحت ستار مزدوج بأنه وزير طغرل بك والمتآمر على الخليفة العباسي القائم. من الجدير الإشارة إلى أنه في كتاب تفضيل الأتراك لابن حسول (توفي عام 450 هـ/ 1058 م)، الذي يبدو أنه الأساس الايديولوجي للكندري، لم يُشر إلى سلطة الخلافة على أنها مصدر الشرعية السلجوقية([60]).

وكان الهدف الخفي للخلافة إبقاء الأمراء في حالة صراع دائم من أجل الحفاظ على السلطة "العليا" للخليفة بالاستناد على سياسة "فرّق تسُد". ولكن، يبدو أنه كان للكندري طموحات تتجلى باستثارة صراع دائم على السلطة بين الخليفة القائم وطغرل بك سعياً من أجل تحقيق نفوذه الخاص عبر ترشيح أنوشيروان الأكثر قدرة على الإدارة لمنصب السلطان. من وجهة نظرنا، هذا هو السبب الذي دفع الكندري إلى دعم الخليفة القائم وطغرل بك بالتناوب بهدف تعميق الخصومة بينهما. من وجهة النظر هذه، يجب أن يعترينا الشك حتى بأن الكندري، سويةً مع ديوان الخليفة، كان له يد في الموت المفاجئ لطغرل بك في العام 455 هـ/ 1063 م خلال رحلته إلى الري بهدف الزواج من ابنة الخليفة القائم([61])، لأنه بعد رحيل طغرل بك وضع يده على ممتلكات السلطان وخطّط لتنصيب سليمان ابن أنوشيروان سلطاناً([62]). 
انتهى طموح الكندري في السلطة بعد مقتله إثر صراعه مع نظام الملك على وزارة ألب أرسلان عام 456 هـ/ 1064 م. ويكون الانعكاس المنطقي للتشابه الايديولوجي بين الخلافة العباسية والكندري نشر سياسة "فرّق تسُد" والتسبب بعدم الاستقرار البنيوي في السياسات العباسية والسلجوقية. ومن وجهة نظرنا، تضمن الخلاف بين نظام الملك والكندري هذه النقطة. لأن الهدف الايديولوجي لنظام الملك، كما سنرى لاحقاً، تمثّل بالتغلّب على عدم استقرار بنيوي كهذا في المملكة السلجوقية. وكانت سياسته تجاه الأشعريين- الشافعيين التجلي الأكثر دراماتيكية لخلافه الايديولوجي التام مع الكندري.
بعد الاضطهاد الذي مارسه الكندري، فرّ كثيرون من قادة الأشعريين والشافعيين من نيشابور وتفكّكت([63]) الفئة الأشعرية- الشافعية في البلدة. أصدر القُشيري (توفي عام 465 هـ/1073 م) رسالة بعنوان شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة([64])، لكن لم يكن لها أي أثر. شكّك ابن الجوزي بتقية القُشيري في هذه الرسالة. وتساءل كيف أن القُشيري دافع عن الأشعري فحسب من خلال التأكيد على موقفه التقليدي من دون أي حساب للاضطهاد والدحض([65]).

ربما تراجع القُشيري عن الموقف العقلي للأشعريين في نيشابور والذين توزعوا من المدرسة الأشعرية في بغداد وتأثروا بابن فراق (330-406/ 941-1015) وأبي إسحاق الإسفراييني (توفي عام 418 هـ/ 1027 م)([66]).
وكان شكّ ابن الجوزي في محلّه، فتراجعه لا يغدو كونه مجرد دعاية لإظهار امتثالهم للمعتقد التقليدي السني، مع نزعة باطنية عميقة من ذاك العصر؛ لا سيما أنه كان من كبار الصوفيين. موقف ملتزم كهذا تطوّر مع حفيد ابن فراق، أبي بكر أحمد الفراقي (توفي عام 478 هـ/ 1085 م). في العام 460 هـ/ 1067م، حضر اجتماعاً لإصادر العقيدة القادرية في ديوان الخليفة القائم، ودعم ما تنصّ عليه العقيدة: "ليس لنا معتقد آخر سوى هذه العقيدة"([67]).

سياسة نظام الملك تجاه الأشعريين- الشافعيين وأجندته الخفية:
تغيّر الوضع جذرياً في العام 469 هـ/ 1077 م. ففي هذا العام، انتقل ابن القُشيري وتلميذ الجويني أبو ناصر القُشيري (توفي عام 514 هـ/ 1120 م) من نيشابور إلى بغداد لإلقاء الخطب في المدرسية النظامية، بإذنٍ من نظام الملك([68]). وألقى خطبته بدعم عسكري من قبل رئيس الشرطة في بغداد، وتهّجم علناً على العقيدة الحنبلية حول ما تقوله بشأن القرآن والتجسيم وعلى الأغلب من وجهة نظر تقليدية لمدرسة الأشعرية في نيشابور قبل تراجع القشيري. وحين أشعلت خطبته صراعاً مريراً بين الحنابلة والأشعريين- الشافعيين، طلب أبو إسحاق الشيرازي- المدرّس الشافعي الذي عيّنه نظام الملك ليتولّى إدارة المدرسة النظامية في بغداد- العون من نظام الملك الموجود في نيشابور. فكتب نظام الملك رسالةً قوية اللهجة وبعثها إلى وزير الخليفة المقتدي (467-487 هـ/ 1075-1094 م) ابن جُهير (توفي عام 483 هـ/ 1090-1091 م) وابنه وصهر نظام الملك، عميد الدولة بن جهير (توفي 493 هـ/ 1090-1100 م)، وأدان فيها بشدّة تعصّب الحنابلة. اقتبس سبط بن الجوزي جزءاً من الرسالة حيث ظهر انتقاد نظام الملك الشديد للنظام العباسي، وهو أمر يستحق الوقوف عنده بالتفصيل.

أولاً، يدعي نظام الملك أن الأشعريين- الشافعيين تخلوا عن عادة التقية التي اعتمدوها في سياق الصراع المتجذّر ضدهم، وطلبوا منه تقديم يد العون. ثم يعلن أنه أسس المدرسة النظامية لتكون مركزاً لنشاطهم.
ثانياً، ينتقد علناً النظام العباسي المستند على المعتقد المُشرّع ذاتياً للتقليديين السنة، بحيث أن الحنابلة يسعون بكل جهد لاستبعاد حتى العلماء السنة من الفئة الأشعرية- الشافعية. ويقول:
أولئك الذين يعتنقون عقيدة أحمد بن حنبل، رحمة الله عليه- وهو البريء من أفعالهم السيئة والمشينة، ولا تربطه أي صلة بتصرفاتهم وآرائهم التي يُلامون عليها- كانوا كُثر من حيث العدد ولا يُستهان بقوتهم، وكانوا موحّدين أيضاً في اعتناقهم لمذاهب خاطئة. لكن لغاية الآن، لم تبلغ بهم الجرأة أبداً لأن يُقدموا على أي فعل سيء أو عمل شنيع كاعتبار أنفسهم أئمة ومعارضة علماء الأمة من دون وجل أو خوف من العقاب([69]).
ثالثاً، يوحي بأن فئتي الملك في الحكم السلجوقي، أي الحنفيين والشافعيين، تكنّان العداء المستمر تجاه الحنابلة، فقال:
ليس مفاجئاً أنهم (الحنابلة) يعتدون بجرأة على أهل السنة (الأشعريون- الشافعيون) ويُكبدونهم المعاناة من كل انواع الإضطهاد في هذه الدولة (العباسية) المحدودة. من جانبنا، في خراسان ودولة الأتراك (السلاجقة)، رغم مناطقها المختلفة وبلداتها الممتدة، ليس هناك مذهب غير مذهب الإمامين أي الشافعي وأبي حنيفة. وفي أي من هذه المدن، مَن تُسوّل له نفسه اتباع الشرّ واعتناق مذهب يعارض هذين المذهبين، فإننا نعتبر ذلك غير شرعي ونحكم بقطع رأسه وإراقة دمه وإبداء احتقارنا العظيم([70]).
أخيراً، بعد انتقاد الحنابلة بشدة وتهديدهم، أنهى نظام الملك رسالته بتحذير مهذب للخليفة من أجل وقف صراعه ضد الأشعريين- الشافعيين على أمل أنه "بحضور الخليفة وفي المقعد الموقّر للإمامة، لا شيء قد يحصل ليلحق الضرر بقواعد المجاملة والهيبة المصونة للخلافة"([71]). تحت تأثير هذه الرسالة وبعد نضال غير ناجح من أجل مصالحة القائد الحنبلي شريف أبي جعفر مع أبي ناصر القشيري وأبي إسحاق الشيرازي، أقدم الخليفة المقتدي الذي كان تحت وصاية نظام الملك على سجن أبي جعفر بغية وضع حد للصراع. وبعد فترة، غادر أبو ناصر القشيري بغداد بطلب من الخليفة المقتدي، وكان نظام الملك من أوصاه بذلك([72]).
تعكس رسالة نظام الملك النقاط الأساسية لسياسته تجاه الأشعريين- الشافعيين. أولاً، ارتبط دعمه لهم بعداوته للحنابلة باعتبارهم منظري ايديولوجا الخلافة. ثانياً، على عكس الكندري الذي أثار الصراعات المحلية بين الحنفيين والأشعريين- الشافعيين، فإن دعمه للأشعريين- الشافعيين لم يقترن بأي اضطهاد بحق الحنفيين، بل يقترح الوحدة بين الفئتين في مواجهة عدوهما المشترك، الحنابلة. وفي هذا الخصوص، هو يقارن بين الدولة العباسية المحدودة ذات الأساس الايديولوجي الحنبلي الخاطئ وتوسّع الدولة السلجوقية صاحبة الخلفية الحنفية والشافعية حيث يُعد الحنابلة فيها غرباء. ثالثاً، هو يُعبّر عن رغبته في قطع العلاقات الايديولوجية المتينة التي تربط الخلافة بالحنابلة. ويحذّر الخليفة المقتدي من مغبة الدفاع عن الحنابلة والانتباه إلى الخلاف الايديولوجي بين الحنابلة وسائر "العلماء" في الدولة السلجوقية، أي الحنفيين والشافعيين. في هذا السياق، من المعقول أن نشكّ بأن دعم نظام الملك للأشعريين- الشافعيين  في بغداد يستند على أجندته الخفية في مواجهة هيمنة الحنابلة باعتبارهم منظري ايديولوجيا الخلافة. ومنح نظام الملك الأشعريين- الشافعيين فرصة "الصحوة" وواقعاً كلّفهم بمهمة سياسية تقتضي مواجهة سلطة الحنابلة في بغداد. وبهذا المعنى، يكون الأشعريون- الشافعيون القوة الأساسية في صراع نظام الملك الايديولوجي ضد الحنابلة. إذا أخذنا بعين الاعتبار الدور الأساسي لأبي ناصر القشيري وتدفّق الأشعريين- الشافعيين من خراسان إلى المدرسة النظامية في بغداد، يبدو أن نظام الملك قصد إمداد قوته ضد الحنابلة بأشعريين- شافعيين من خراسان يحملون فكراً عقلانياً يتعارض والمدرسة التقليدية للأشعريين في بغداد([73]). وكما يُشير أورمسبي([74])، فإن الغزالي درّس هذا المزج بين النظرية القانونية واللاهوت في بغداد ثم تطورت الأشعرية في النهاية لتكون الأنموذج المهيمن في العقيدة السنية. ولذلك بفضل سياسة نظام الملك المتعمّدة، استبدل الأشعريون- الشافعيون العقلانيون العقيدة السائدة للتقليديين الحنابلة بين العباسيين. وفي هذا السياق، يجب أن نعيد النظر في ما سُميت "عقيدة الأشعرية الوسطى". لم تكن الأشعرية "درباً وسطياً" متجانساً، بل انفصلت إلى اتجاهين الأول تقليدي والآخر عقلاني، وتطوّر العقلاني إلى عقيدة سنية جديدة من خلال استراتيجية نظام الملك. ومن هذا المنطلق، يجب أن تُعدّ "صحوتهم العقلانية السنية" كنقيض ايديولوجي "للصحوة التقليدية السنية".
لذلك، تمثّل سياسية نظام الملك السياسية تجاه الأشعريين تحولاً ايديولوجياً كاملاً عما اتبعه الكندري. وكانت الخلافة العباسية قد وفّرت قاعدةً ايديولوجية للاضطهاد الاستراتيجي الذي مارسه الكندري بحق الأشعريين (بشكل أساسي الفئة الأشعرية- الشافعية) على مستويين: أولاً، الاضطهاد بترخيص من عقيدة الخليفة (دعاية ايديولوجيا الخليفة)؛ ثانياً، استراتيجيته التي توزاي بشكل وثيق سياسة "فرّق تسُد" التي ينتهجها الخليفة (الأجندة الخفيّة لايديولوجيا الخليفة). بهذا المعنى، إن كان من المؤكد تقريباً أن الكندري هدف إلى مواجهة الخلافة العباسية من خلال التحكم بسلطان طيّع، فاستراتيجيته لم تتخط إطار النظام السياسي العباسي الذي تُهمين عليه ايديولوجيا الخليفة ذات الوجهين وكان منخرطاً فيها بالكامل.
إن الانعكاس المنطقي للتشابه الايديولوجي والاستراتيجي بين الخلافة العباسية والكندري هو عدم الاستقرار البنيوي في السياسات العباسية والسلجوقية على المستويين السياسي والديني على حد سواء. على النقيض من ذلك، كان الهدف من الدعم الاستراتيجي الذي قدّمه نظام الملك للأشعريين- الشافعيين هو التغلب على النظام السياسي العباسي. وسعى إلى تغيير طبيعة عقيدة الخلافة السنية من خلال استبدال التأثير الهائل للحنابلة على الخلافة بعقيدة سنية جديدة للأشعريين- الشافعيين، أو بعبارة أدق، استبدالهم بأشعريين- شافعيين أصحاب خلفية فكرية عقلانية يحملونها من نيشابور وخراسان. في هذه الرسالة، ادعى نظام الملك بأن في هذه المناطق التي تنتمي للدولة السلجوقية إبان توليه الوزارة ليس باستطاعة التأثير الحنبلي أن ينتشر نظراً للوحدة الوثيقة بين الفئتين الأشعرية والشافعية الواعيتين لـ"رذيلة" الحنابلة. وكان هذا الإدعاء الضمني بانفصال الحكم السلجوقي عن الخلافة العباسية وسياسة "فرّق تسُد" المُتّبعة، والتي انتشرت في كافة أرجاء الخلافة كما تكشف استراتيجية الكندري([75]). ولذا، يكون التحوّل الايديولوجي الجذري من الكندري إلى نظام الملك واضح.
بناءً عليه، تهدف أجندة نظام الملك الخفية من خلال حماية الأشعريين- الشافعيين إلى تحقيق الأهداف الايديولوجية التالية: 1) اتحاد الحنفيين والشافعيين ضد الحنابلة في الحكم السلجوقي؛ 2) انفصال النظام السلجوقي عن ايديولوجيا الخلافة العباسية المنتشرة والمبنية على سياسة "فرّق تسُد"؛ 3) الانتقاد الحاد للحنابلة وفصل الخلافة العباسية عن التأثير الحاسم للحنابلة؛ 4) دعم الأشعريين- الشافعيين كنوع جديد إيراني من أهل السنة في مواجهة الحنابلة وتقليص هيمنتهم في الخلافة العباسية.
من وجهة نظرنا، تشكل النقاط المذكورة في أعلاه أساس ايديولوجيا نظام الملك. وسوف نضع تلك النقاط تحت المجهر في سياق أكبر من خلال دراسة نظريته السياسية الشهيرة حول المَلَكية والدين.

المَلَكية والدين في ايديولوجيا نظام الملك:
رأينا تواً بأن الأجندة الايديولوجية الخفية عند نظام الملك تنطوي على إزالة الهيمنة الحنبلية في النظام العباسي من خلال العمل على تعزيز همينة الأشعريين- الشافعيين. وهنا سؤال يطرح نفسه: هل ايديولوجيته المعادية للمذهب الحنبلي تحمل أيضاً طبيعة معادية للخلافة أو لا؟ النقطة الأساس هي طبيعة تشريعه للسلطنة، بالاعتماد على فكر سياسي تقليدي إيراني حول المَلَكية. وهو يعدُّ مصدر تشريع السلطنة "الدين السليم" الذي ترجمه دارك بـ"الإيمان السليم". في الواقع، هذه الكلمة تتناقض و"أصحاب الدين السيء"، عبارة ترجمها دارك بـ"أصحاب البِدَع".

أهم شيء يحتاجه الملك هو الدين السليم، لأن المَلَكية والدين كشقيقين؛ مجرد أن يضرب الاضطراب البلاد يعاني الدين أيضاً؛ ويظهر أصحاب البِدَع والمفسدون؛ ومجرد أن تدخل الأمور الدينية في حالة من الفوضى، ينتشر الارتباك في البلاد؛ فيكسب المفسدون القوة  ويصبح الملك عاجزاً ويائساً؛ وتنمو البدعة ويظهر الخوارج([76]).
إن التوأمة بين المَلَكية والدين عبارة عن نظرية سياسية تقليدية إيرانية عادة ًما كرّرها فلاسفة إيران في العصور الوسطى مثل مسكويه والغزالي ونجم الدين الرازي وغيرهم...([77]) وترجمة ابن اسفنديار للنص الفهلوي المفقود الشهير وهو عبارة عن رسالة وزير أردشير بن بابك بن ساسان (224-240) تشير إلى هذه النظرية السياسية على النحو الآتي:
لا عجب في أن رغبتي النهمة في الخير تؤدي إلى ثبات الدين! ولأن الدين والمَلَكية شقيقان وُلدا من الرحم نفسه، هما لا ينفصلان أبداً وكلاهما، الخير والفساد والحقيقة والزيف، من الطبع نفسه([78]).

وعبارة نظام الملك كررت هذا المفهوم التقليدي. ولكنها ليست مجرّد تكرار للنظرية القديمة الإيرانية، بل ترتكز على وجهة نظره الهامة حول توسع الاضطراب الديني- السياسي في عصره.
فانتقد بشدة أنه في هذا الاضطراب الاجتماعي العميق: "يكسب المفسدون القوة ويجعلون الملك عاجزاً وجزعاً". هذه الجملة هي الأساس لفهم ايديولوجيا نظام الملك، من خلال فهم ما يعنيه بـ"المفسدين". بعد أن لاحظنا تحوّله الايديولوجي الجذري من سياسة "فرّق تسُد" التي اتبعها الكندري نتيجة تأثره العميق بالايديولوجيا العباسية، يمكن أن نفهم بأنه يتهم ايديولوجيا الخليفة بأنه مصدر الإضطراب الديني-  السياسي في المملكة السلجوقية. باختصار، كانت وزارته وسياسته المشاركة بعمق في الايديولوجيا العباسية والمتأثرة بها للغاية، مسؤولتين عن تدهور "المَلَكية والدين" في المملكة السلجوقية. والنقطة الأساسية هي أن نظرية نظام الملك حول السلطنة ترتكز على وجهة نظره الهامة بشأن ايديولوجيا الخليفة ذات الوجهين. وقوله المأثور الشهير "قد تستمر المملكة مع الكفر، لكن لن تدوم مع الاضطهاد"([79]) هو أيضاً انتقاد حاد للتناقض البنيوي في النظام العباسي الذي أشرنا إليه.
في هذا السياق، "الدين السليم" قد يتناقض مع العقيدة الإشكالية للعباسيين. ولذلك، كان لنظرية نظام الملك حول السلطنة طبيعة أساسية باعتبارها مؤامرة مضادة للخلافة([80])؛ وهمّه تحقيق النظام الاجتماعي على يد السلطان باعتباره الممثل الحقيقي لله. والفرق بين الخلافة والسلطنة عُبّر عنه بوضوح في المقطع الآتي:

الآن في أي وقت مضى من حكم بعض الخلفاء، إن باتت امبراطوريتهم ممتدة فهي لم تخلُ من الاضطراب وانتفاضات الثوّار؛ لكن في هذا العصر المبارك ليس هناك أحد في كل العالم يُفكّر في معارضة مولانا وحاكمنا، أو يتجرأ على رفع رأسه خارج طوق الطاعة له([81]).
رغم الجانب الغامض لهذا النص، من الواضح أن نظام الملك ينتقد الخلافة الحالية التي تتناقص بوضوح مع السلطنة الحالية. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه من خلال مصطلح الجمع "المفسدين"، هو لا يُشير إلى الخليفة الحالي نفسه، بل يدلّ على مساحة واسعة من مؤيدي ايديولوجيا الخلافة. وبالمثل، مفهوم "السلطان صاحب الدين السليم" هو القاعدة الايديولوجية للسلطنة بتوجيه نظام الملك، ليس من قبل السلطان الحالي نفسه. ولذلك، في كتابه "سير الملوك" يعلن نظام الملك عن مواجهته الايديولوجية مع الخلافة العباسية، وإن كانت بطريقة ضمنية تماماً([82]).
إذا أخذنا بعين الاعتبار التوهج الفكري لمناقشة مكانة الخليفة الحالية في أثناء الفترة السلجوقية، تصبح معارضة نظام الملك الايديولوجية للخلافة العباسية أمراً غير مفاجئ. وتظهر علاقة نظام الملك الوثيقة بالمنظرين الأشاعرة، من بينهم الجويني (توفي عام 499 هـ/1055 م) والغزالي (توفي 505 هـ/1111م) الذي حاول تطوير نظرية جديدة حول مساءلة الخلافة عن مكانتها الحالية، بأنه حظي بخلفية نظريّة لنظريته بشأن السلطنة المعادية للخلافة([83]). بعد قرن من الزمن، وقبل فترة قصيرة من زوال الخلافة العباسية، عبّر نجم الدين الرازي (توفي عام 654هـ/ 1256م) بصراحة عن المسألة قائلاً: "المَلَكية والدولة تشكلان عربة عظيمة من أجل الوصول إلى المجد، والسلطنة هي الخلافة الحق"([84]). 
لذلك من المعقول أن نفترض بأن الجندة الايديولوجية الأساسية لنظام الملك لم تكن من أجل إضعاف التأثير الحنبلي على الخلافة العباسية فحسب بل أيضاً لمواجهة السلطة الدينية- السياسية عند الخلافة بتلك التي تتبناها السلطنة السلجوقية باعتبارها المَلَكية الجيدة. ووفقاً للنظرية السياسية التقليدية الإيرانية حول المَلَكية، فإن الهدف السياسي لهذا الوزير الإيراني الموهوب كان استعادة النظام الاجتماعي المستقر والمتوازن عبر التخلص من الفوضى البنيوية الدينية- السياسية التي سببتها ايديولوجيا الخلافة العباسية. ولذلك السبب نحن نعدّ الايديولوجيا الإيرانية- السنية التي يتبناها نظام الملك هي عبارة عن معارضة ايديولوجية للايديولوجيا العربية- السنية للخلافة العباسية. وخلافاً لأيديولوجيا الخلافة التي سببت الفوضى البنيوية الدينية- السياسية بالاستناد على سياسة "فرّق تسُد"، بدأ نظام الملك باستعادة الاستقرار الديني- السياسي المتوازن من خلال ايديولوجيته الإيرانية المبنية على "التوأمة بين المَلَكية والدين" بالاعتماد على سلطة جديدة للسلطنة السلجوقية. وكما لاحظنا، كانت حماية العقيدة السنية الجديدة للأشعريين- الشافعيين العقلانيين في وجه هيمنة العقيدة السنية للحنابلة التقليديين عبارة عن الأجندة الخفية للوزير من أجل استعادة النظام الديني- السياسي المتوازن.

بناء ًعليه، تجدر الإشارة أيضاً إلى أن تفويض السلطنة السلجوقية لم يكن الهدف السياسي لنظام الملك. بالنسبة لهذا الوزير الإيراني، كانت سلطنة السلاجقة الأتراك أداة سياسية لتحقيق هدفه وهو إحراز التحوّل الجذري في بنية الحكم الدينية- السياسية.

الخاتمــة
يمكن عدّ ايديولوجا نظام الملك الإيرانية- السنية على تناقض تام مع الايديولوجيا العربية- السنية للخلافة العباسية وأن الطبيعة الإيرانية الثابتة هي جوهر ايديولوجيته. وعلى الرغم من أن المقدسي اعتبر أن نظام الملك أسهم في "الصحوة السنية"، كان المظهر السني الصارم غطاءً خطابياً للطبيعة الدقيقة لايديلوجيته الإيرانية باعتبارها مؤامرة مضادة مخفية ضد الخلافة العباسية العربية- السنية. وكما لاحظنا، تظهر ايديولوجيا نظام الملك الإيرانية- السنية في تناقض واضح مع الأجندة الخفية للكندري المنغرسة بعمق استراتيجياً في الايديولوجيا العربية- السنية للخلافة العباسية.
ولذلك أخطأ الصافي([85]) في قراءة ايديولوجيا كلّ منهما حين ادعى بأن نظام الملك فضّل التعاون مع الخلافة فيما توجه الكندري نحو استبدال الخلافة بأخرى. كان لدى الوزيرين ميل مماثل باتجاه معارضة الخلافة. لكن ايديولوجيا نظام الملك خطابية للغاية ومخفية وفقاً للتوجه العام عند الباطنية والظلامية، الناتج من المطابقة الصارمة للايديولوجيا العباسية. في هذا السياق، غفل الصافي بالكامل عن الطبيعة الإيرانية لايديولوجيا نظام الملك مكرراً تشديد المقدسي على المظهر السني لها.
قراءة أخرى خاطئة في بحث المقدسي تجلت في اعتباره ايديولوجيات السلاجقة كتلك التي تبناها نظام الملك والغزالي أنها ايديولوجيات رسمية لتشريع السلطة السياسية للسلطنة السلجوقية والتي لم يكن لها أي وظيفة سوى تأسيس شرعية للسلاجقة الأتراك([86]). ولكن الأجندة الخفية للوزير لم تكن منح الشرعية للسلاجقة الأتراك، أي إيجاد مجرد بديل للخلافة العباسية. بل انطوى هدفه الايديولوجي على التغلب على الفوضى البنيوية الاجتماعية التي سببتها ايديولوجيا الخلافة العباسية المبنية على المطابقة الدينية وسياسية "فرّق تسُد"، وتأسيس نظام متوازن جديد في بلاده امتد إلى حكم الامبراطورية الفارسية القديمة، إبّان حكم السلاجقة العظام.
وسوء قراءة الصافي للايديولوجيات هو توجه عام عند الدراسات السلجوقية التي سبّبت أمثلة عدة عن سوء فهم تاريخ السلاجقة. على سبيل المثال، حتى بعد الدراسة المتعمّدة للميزة البارزة في الكفاءة السياسية التي يتمتع بها نظام الملك "كتوازن دقيق بين إطار ربط مركزي جزئياً وغير مركزي جزئياً بين نظام الملك في بغداد والمناطق والمقاطعات المتناثرة في الامبراطورية"، يستنتج ميثا([87]) بسرعة أن "هذا المفهوم (عند نظام الملك) أصبح بسهولة شعاراً ايديولوجياً قدّم من خلاله السلاطين السلاجقة أنفسهم على أنهم أبطال الإسلام السني- ما دفع جورج مقدسي إلى الإشارة إليه من خلال تسميته "الصحوة السنية". من المثير للاهتمام أنه في هذه النتيجة المتناقضة مع حجته الأساسية، ارتكب ميثا الخطأ نفسه الذي وقع فيه الصافي حين كرّر من دون تمحيص نظرية "الصحوة السنية" بخصوص ايديولوجيا نظام الملك باعتبارها ايديولوجيا الدولة السلجوقية التي تشرّع الايديولوجيا العربية- السنية للخلافة العباسية. ولذلك تغاضى بالكامل عن الطبيعة الإيرانية لايديولوجيا نظام الملك، من دون الأخذ بعين الاعتبار المعنى الايديولوجي للكفاءة السياسية المثالية التي يتمتع بها الوزير الإيراني.
من المُسلّم به على نطاق واسع أن الكفاءة السياسية الإيرانية عند نظام الملك تأثرت بالتحوّل العميق الذي أصاب النظام الاجتماعي- السياسي في التاريخ الإيراني والإسلامي([88]). ولكن التغاضي عن أنّ ايديولوجيته المضادة للخلافة العباسية أدى حتى إلى زوال الخلافة وتأسيس نظام اجتماعي- سياسي جديد في التاريخ الإيراني والإسلامي ما بعد الخلافة لفترة طويلة.
إن سوء قراءة الطبيعة الإيرانية للايديولوجيا الخطابية عند نظام الملك ضد الخلافة العباسية، والتي تغاضى عنها البحث المعاصر، يؤدي إلى سوء فهم نقدي ليس للتاريخ السلجوقي فحسب بل أيضاً لمعضلة الحكم والسلطة في التاريح الإسلامي ما بعد الخلافة. بالاستناد على الإطار المفهومي لايديولوجيته موضع البحث في هذه الدراسة، سوف نناقش أكثر كفاءته السياسية وأجندته الخفية في ما خص الحكم والسلطة في المستقبل.

-------------------------------------

(*)  باحثة في جامعة صوفيا وجامعة تويو. ودكتوراه في الآداب العالمية والاساطير والفولكلور والديانات الابراهيمية.

-------------------------------------

هوامش البحث

([1])بركي، 2003، ص 203.
([2]) بيل، 1996، ص 502.
([3]) همفريس، 1991، ص 159.
([4]) نشر الصافي دراسة ايديولوجية شاملة تهدف إلى "تفكيك الاسطورة السلجوقية العظمى"، لكن عمله لم يتعد القراءات التفكيكية للايديولوجيا السلجوقية متسائلاً عن النظام التشريعي للنظام السلجوقي وأخفق في دراسة الطبيعة الثقافية لها (الصافي 2006). الأوراق المجموعة في المؤتمر "السلاجقة: هل أُعيد إحياء الإسلام" كشفت أن اتجاهات النشاطات الأكاديمية المستمرة في الدراسات السلجوقية، لكن باستثناء ورقة واحدة حول ايديولوجيا سلاجقة الروم، افتقرت الأبحاث لوجهة نظر الدراسة الايديولوجية على الرغم من أن المحرر شدد على أهميتها (لاينج ومسيت 2011). كما أن بحث بيكوكو (2010) عن التأريخ الجديد للسلاجقة وتقرير هان (2007) المفصل عن الحياة السياسية للخلافة العباسية لا يتطرقان إلى المسألة الايديولوجية. 
([5]) همفريس، 1991، ص 154.
([6]) المصدر نفسه، الصفحات 163-165.
([7]) المصدر نفسه، ص 154.
([8]) المصدر نفسه، ص 148.
([9]) المصدر نفسه، ص 154.
([10]) المصدر نفسه، ص 148.
([11]) المصدر نفسه.
([12]) المصدر نفسه، ص 150.
([13]) المصدر نفسه، ص 151.
([14]) هلنبراند، 1988.
([15]) المقدسي، 1973.
([16]) همفريس، 1991، ص 150.
([17]) لامبتون، 1988، الصفحات 1-2.
([18]) هودجسون، 1974، الصفحات 293-311.
([19]) يافاري، 2008، الصفحات 47-69.
([20]) المقدسي، 1973، ص 156.
([21]) بوليت، 1972، الصفحات .
([22]) بركي، 2003، ص 189.
([23]) ابراهاموف، 1998، ص 6.
([24])" السنة".
([25]) تجدر الإشارة إلى أن التعريفات الأخرى للجماعة تتضمن العلماء الرياديين في المجتمع المسلم، صحابة محمد (ابراهاموف 1998: 5-6).
([26]) لامبتون (1991: 12) أشارت أيضاً إلى الطبيعة المفيدة لنظرية الإجماع.
([27]) هودجسون، 1974، الصفحات 192-200.
([28]) بركي، 2003، ص 125؛ وات، 1998، ص 268.
([29]) المقدسي (1963أ: الفصل 4) يصف دور الخليفة في سلسلة من الصراعات الدينية في بغداد إبان تلك الفترة.
([30]) المقدسي، 1963، ص 308، الصفحات 317-319، 325-326.
([31]) مادلونغ، 1988، الصفحات 22-23.
([32]) الماوردي فوّض السلطة العملانية للخلافة إلى عناصر إدارية في النظام العباسي تمثلوا بالوزير والأمراء وقاضي القضاة إلخ...(لامبتون 1991: 95).
([33]) ابن أبي يعلى، 1419/1999 ص 350.
([34]) المقدسي، 1963أ، الصفحات 72-73.
([35]) سبط بن الجوزي، 1422/2001، ص 24.
([36]) المقدسي، 1963أ، الصفحات 86-87.
([37]) ابن الأثير، 1385/ 1965، المجلد 9، الصفحة 591. .
([38]) المقدسي، 1963أ، ص 347.
([39]) ابن الجوزي، 14121/1992، ص 340- 341؛ ابن كثير، 1988، المجلد 12، ص 64.
([40]) المقدسي، 1973، ص 156.
([41]) لامبتون، 1991، ص 83.
([42]) المصدر نفسه، ص 93.
([43]) الروندي، 1363/ 1984-1985، الصفحات 107-110؛ نيشابور، 1332/1953، ص 20.
([44]) سبط بن الجوزي، 1422/2001، ص 36.
([45]) المصدر نفسه، ص 69.
([46]) المصدر نفسه، ص 120.
([47]) سبط بن الجوزي، 1422/ 2001، الصفحات 131-132؛ ابن الطقطقي، 1386/1966، ص 295.
([48]) سبط بن الجوزي 1422/2001، الصفحات 112-116؛ المقدسي، 1963أ، الصفحات 106-108.
([49]) المقدسي، 1963، ص 99.
([50]) الروندي، 1363/ 1984-1985، ص 108؛ نيشابور، 1332/1953، ص 20.
([51]) ميثا، (2001: 14) أشار إلى هذه النقطة في دراسته لوجهة نظر الغزالي حول انهيار الحكم السلجوقي نتيجة صراع داخلي، لكنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن بنية الايديولوجيا العباسية أدت إلى عدم استقرار النظام السلجوقي.
([52]) البندري، 1400/ 1980، ص 60.
([53]) كما سنرى لاحقاً، أبحاث لامبتون الشاملة عن التاريخ السلجوقي تتضمن بعض المشاكل الجدية نظراً لسوء فهمها لايديولوجيا نظام الملك، لا سيما لامبتون 1984: 55-66.
([54])ابن الأثير، 1385/ 1965، المجلد 10، الصفحات 32-34؛ مجمل التواريخ والقصص، 1318/1939، ص 407؛ الروندي، 1363/1984-1985، الصفحات 117-118؛ نيشابور، 1332/1953، ص 24
 ([55])الصافي، 2006، الصفحات 52-53
 ([56])يجدر التذكير أن استخدام الأشعريين لكلمة "الدين السيء" لم تكن سوى تبرير ديني لضغوطات اجتماعية- سياسية ضد الشافعيين في تلك الفترة. في التاريخ الإيراني، كان للشافعيين عادة ميل لاهوتي نحو الأشعرية رغم أن العلاقة بين هذه المدارس الشرعية واللاهوتية لم تكن حاسمة. في هذه الدراسة نستخدم كلمة الأشعريين- الشافعيين ببساطة للدلالة على هذه الفئة الاجتماعية- الدينية بدلاً من التحقيق المفصل في علاقتهما الحقيقية. أنظر أيضاً (بوليت 1972: 28-46)؛ (مايدلونغ: 1988: الفصل 3).
([57]) بعد قدوم الأشعرية الجديدة على يد ابن فاروق وأبي اسحاق الاسفرييني بين الشافعيين في نيشابور، تطورت مجموعة اجتماعية من الأشعريين- الشافعيين حول نيشابور (مايدلونغ 1988: الفصل 3)("ابن فاروق"،"الاسفرييني").
([58]) بوليت، 1973، الصفحات 71-91.
([59]) بوليت، 1972، الصفحتان 71 و72.
([60]) هرمايا، 2008، الصفحات 204-221.
([61]) البندري، 1400/1980، ص 27.
([62]) المقدسي، 1963أ، الصفحات 124-127.
([63]) بيكوك، 2010، الصفحات 109-111.
([64]) محفوظة في (السبكي: 1383/1963:399-423).
([65]) المقدسي، 1963أ، ص 348؛ ابن الجوزي، 1412/1992، المجلد 15 ص 341.
([66])" ابن فراق"،"الإسفراييني":مايدلونغ 1971، الصفحات 109-110.
([67]) ابن الجوزي، 1412/1992، المجلد 16، ص 106.
([68]) لمزيد من التفاصيل حول سلسلة الأحداث التي تلت خطب أبي ناصر القشيري في بغداد، أنظر (المقدسي 1963أ: 350-366)؛ (ابن الجوزي 1412/1992:المجلد16، 181-183، 190-191)، (سبط بن الجوزي 1968:186-191)(ابن الأثير 1385/1965: المجلد 10، 104-105).
([69]) سبط بن الجوزي، 1968، ص 188.
([70]) المصدر نفسه.
([71]) المصدر نفسه.
([72]) بالاستناد على تصريح سبط بن الجوزي حول خطاب أبي ناصر القريشي في بغداد، إفرات (2011: 148).
([73])" ابن فراق"، "الإسفراييني"؛ مايدلونغ، 1971، الصفحات 109-110.
([74]) أورمبسي، 2012.
([75]) أُزيح الشافعيون عن المناصب الاجتماعية الأساسية جراء سياسة الكندري (مايدلونغ 1971: 126-130).
([76]) نظام الملك، 2002، ص 60.
([77]) مسكويه، 1369/1990-1991، المجلد 1، ص 114؛ نجم الدين الرازي، 1365/1986-1987، الصفحات 412-413؛ الغزالي، 1361/1982-1983، ص 106.
([78]) ابن اسفنديار، 1392/2013-2014، ص 51. بويس (1968: 33-34) ترجم أيضاً هذه الرسالة.
([79]) نظام الملك، 2002، ص 12.
([80]) لامبتون (1984: 56) يتغاضى عن الموقف الايديولوجي الأساسي لنظام الملك تجاه الخلافة، ذاكراً أن كتاب سياسة نامه نادراً ما يُشير إلى الخلافة.
([81]) نظام الملك، 2002، ص 11.
([82]) سيميدتشييفا (2004) حققت أيضاً في الملكية والشرعية في كتاب سياسة نامه.
([83]) فترة تأليف سياسة نامه التي يقدر دارك بأنها بين 479/1086 و484/1091 تتداخل مع ارتباط الغزالي المحتمل بمحكمة نظام الملك من العام 478/1085 إلى العام 484/1091 لغاية أن عُين مدرساً في المدرسة النظامية في بغداد (نظام الملك 2002).
([84]) نجم الدين الرازي، 1365/1986-1987، ص 429.
([85]) الصافي، 2006، ص 56.
([86]) المصدر نفسه، الصفحتان 55-56.
([87]) ميثا، 2001، ص 7.
([88]) يافاري، 2013.

Bibliography
al-Bundarī, al-Fatḥ b. ‘Alī b. Muḥ̣ammad al- Iṣfahānī 1400/1980 Zubdat al-NusrawaNukhbat al-‘Usra (TarīkhDawla al-Salūq), Beirut: Dār al-Āfāq al-Jadīda.
Ghazālī, Muḥammad 1361/1382-3 Naṣīḥat al-Mulūk, Jalāl al-DīnHomā’ī(ed.), Tehran: Enteshārāt-e Bābak.
Ibn AbīYa‘lā b. al-Farrā’, 1419/1999 Ṭabaqāt al- Ḥanābila, vol. 3, ‘Abd al-Raḥmān b. Salīmān al-‘Uthaymīn(ed.), Riyad: al-’Amāna al-‘Āmma li al-Iḥtifāl bi-MurūrMi’at
‘Ām ‘alāTa’sīs al-Mamulaka.
Ibn al-Athīr, ‘Izz al-DīnAbū al-Ḥasan b. Alī 1385/1965 al-Kāmilfī’l-Tārīkh, y C. J. Tornberg(ed.), 13 vols, Beirut: Dār al-Ṣādir, reprint with corrections.
Ibn Isfandiyar (tr.), Nāma-yiTansar bi Gushāsp, 1392/2013-4 MojtabāMīnovī(ed.), Tehran: Khwārazmī, (1st. edition 1354/1975).
Ibn al-Jawzī, Abū al-Faraj 1412/1992 al-MuntaẓamfīTārīkh al- ‘Umamwa al-Mulūk, 18 vols, Muḥammad ‘Abd al-Qādir ‘Atā, Muṣṭafā ‘Abd al-Qādir‘Atā(ed.), Beirut: Dār al-Kutb al-‘Ilmiyya.
Ibn Kathīr, Abū al-Fidā’ al-Ḥāfiẓ 1988 al-Bidāyawa al-Nihāya, 15 vols, Beirut: Maktaba al-Ma‘ārif.
Ibn al-Ṭiqṭaqā, Muḥammad b. ‘Alī 1386/1966 al-FakhrīĀdāb al-Sulṭāniyyawa l-Duwal al-Islāmiyya, Beirut: Dār al-Sādir.
Miskawayh, Abū ‘AlīRāzī 1369/1990-1 Tajārib al-Umam, vol. 1, Abū al-QāsemEmāmī(tr.), Tehran: Sorūsh.
Mujmal al-Tawārīkhwa al-Qiṣaṣ, [Anonymous] 1318/1939 Malek al-Sho‘arā-ye Bahār(ed.), with further corrections by MoḥammadRamaḍānī, Tehran: Khāvar.
Najm al-DīnRāzī, Abū Bakr 1365/1986-7 Mirṣād al-‘Ibād, MoḥammadAmīnRiyāḥī(ed.), Tehran: ElmīFarhangī.
Nīshāpūrī, Ẓahīr al-Dīn 1332/1953 Saljūq-nāmah, Ismā‘īlAfshār(ed.), Tehran: KalālaKhāvar.
Niẓām al-Mulk, Abū ‘AlīḤasan 1389/2010-1 Siyar al-Mulūk (Siyāsat-nāmah), H. Darke(ed.), Tehran: ElmīFarhangī, (1st edition 1962).
Niẓām al-Mulk 2002 The Book of Government or Rules for Kings, Hubert Darke(tr.), London: Curzon, (1st. edition, 1960).
Qazwīnī al-Rāzī, Naṣīr al-DīnAbūRashīd ‘Abd al-Jalīl 1358/1980 Ba‘ḍMathālib al-NawāṣibfīNaqḍba‘ḍFaḍā’ih al-Rawāfiḍ (Kitāb al-Naqḍ), JalālMoḥaddethOrmavī(ed.), Tehran: Anjoman-e Āthār-e Mellī.
Rāwandī, Mụḥammad b. ‘Alī b. Sulaymān 1363/1984-5 Rāḥat al-ṢudūrwaĀyat al-Surūr, MoḥammadIqbāl(ed.), Tehran: Akbar ‘Elmī.
Sibṭ b. al-Jawzī, Shams al-DīnAbū al- MoẓaffarYūsuf b. Qïzoghlū 1422/2001 Mir’āt al-ZamānfīTārīkh al-A‘yān, FahīmīSa‘d(ed.), Partial edition for 447-452 A. H., Beirut: ‘Ālam al-Kutb.
1968: Mir’āt al-ZamānfīTārīkh al-A‘yān, Partial edition for 448-479 A. HSubkī, Tāj al-Dīn 1383/1963 Ṭabaqāt al-Shāfi‘iyya, MaḥmūdMuḥammad al-Tanāḥī(ed.), vol. 3, Cairo: Dār al-Iḥyā’ al-Kutb al-‘Arabiyya.

EI2: Encyclopedia of Islam, 2nd edition.
Abrahamov, Binyamin 1998 Islamic Theology: Traditionalism and Rationalism, Edinburgh: Edinburgh University Press.
Berkey, Jonathan P. 2003 The Formation of Islam: Religion and Society in the Near East, 600-1800, Cambridge: Cambridge University Press.
Sophia Journal of Asian, African, and Middle Eastern Studies/ N169.
Bill, A. James 1996 “The Study of Middle East Politics, 1946-1996: A Stocktaking,” Middle East Journal 50(4), pp. 501-512.
Boyce, Mary 1968 The Letter of Tansar, Rome: InstitutoItaliano Per Il Medio Ed EstremoOriente.
Bulliet, Richard 1972 Patricians of Nishapur: A Study in Medieval Islamic Social History, Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press.
1973 “Political and religious history of Nīshāpūr,” D.S. Richards (ed.), Islamic Civilization, 950-1150, Oxford: Bruno Cassirer.
Daftary, Farhad 1990 The Ismā‘īlīs: Their History and Doctrines, Cambridge: Cambridge University Press.
Ephrat, Daphna 2011 “The Seljuqs and the Public Sphere in the Period of Sunni Revivalism: The View from Baghdad,” in Christian Lange and SongulMecit (eds.), The Seljuqs: Politics, Society and Culture, Edinburgh: Edinburgh University Press.
Hanne, Erick J. 2007 Putting the Caliph in His Place: Power, Authority, and the Late ‘Abbasid Caliphate, Madison, N. J.: Fairleigh Dickinson University Press.
Harayama Takahiro 2008 “Legitimization of Rule by the Early Saljūqids: An Analysis of Ibn Ḥaṣṣūl’sTafḍīl al-Atrāk (the Superiority of the Turks),” Orient (The Society for Near Eastern Studies in Japan) 50(2), pp. 204-221 (in Japanese).
Hillenbrand, Carole 1988 “Islamic Orthodoxy or Realpolitik? Al-Ghazālī’s Views on Government,” Iran, 26, pp. 81-94.
Hodgson, Mashall G. S. 1974 The Venture of Islam: Conscience and History in a World Civilization, vol. 2, Chicago, London: The University of Chicago Press.
Humphreys, R. Stephen 1991 “Ideology and Propaganda: Religion and State in the Early Seljukid Period,” Islamic History: A Framework for Inquiry, Princeton: Princeton University Press, revised edition.

Lambton, A. K. S. 1984 “The Dilemma of Government in Islamic Persia,” Iran, 22, pp. 55-66.
1988 Continuity and Change in Medieval Persia: Aspects of Administrative, Economic and Social History, 11th-14th Century, New York: Persian Heritage Foundation.
1991 State and Government in Medieval Islam: An Introduction to the Study of Islamic Political Theory: the Jurists, London Oriental Series 36, Oxford: Oxford University Press, (1st edition 1981).
Lange, Christian and SongulMecit, 2011 The Seljuqs: Politics, Society and Culture, Edinburgh: Edinburgh University Press.
Madelung, Wilferd 1971 “The Spread of Māturīdism and the Turks,” Actas do IV Congresso de EstudiosÁrabes e Islāmicos, Coimbra-Lisboa, 1968, Leiden: E. J. Brill.
1988 Religious Trends in Early Islamic Iran, New York: State University of New York. Makdisi, George, 1963a Ibn ‘Aqīl et la resurgence de l’Islamtraditionaliste au XI siècle,

Damascus-Paris: InstitutFrançaise de Damas.
1962, 1963b “Ash‘arī and the Ash‘arites in Islamic Religious History,” Part 1 & 2, StudiaIslamica 17: pp. 37-80, 18: pp. 19-39.
1973 “The Sunni Revival,” D. S. Richards (ed.), Islamic Civilization, 950-1150, Oxford: Bruno Cassirer.
1982 The Rise of Colleges: Institutions of Learning in Islam and the West, Edinburgh: Edinburgh University Press.
1990  Eleventh-Century Baghdad, variorum reprint.
Mitha, Farouk 2001 al-Ghazālī and the Isma‘ilis: A Debate on Reason and Authority in Medieval Islam, London: The Institute of Isma‘ili Studies.
Ormsby, Eric 2012 Ghazalī: The Revival of Islam, London: Oneworld Publication. Peacock, A. C. S. 2010 Early Seljūq History: A New Interpretation, London: Routledge. Safi, Omid 2006 The Politics of Knowledge in Premodern Islam: Negotiating Ideology and

Religious Inquiry, Chapel Hill: University of North Carolina Press.
Simidchieva, Marta 2004 "Kingship and Legitimacy in Nịām al-Mulk'sSiyāsatnāmah, Fifth/Eleventh Century," B. Gruendler and L. Marlow (eds.), Writers and Rulers: Perspectives on Their Relationship from Abbasid to Safavid Times, Wiesbaden: Reichert Verlag.
Ṭabāṭabā’ī, SeyyedJavād 1384/2005-6 KhwājeNiẓām al-MulkṬūsī: GoftārdarTadāvom-e Farhangī-ye Īrān, Tabrīz: Sotūdeh, (2nd revised edition).
Watt, Montgomery 1998 The Formative Period of Islamic Thought, Oxford: Oneworld, (2nd printing).
Yavari, Neguin 1996 “Niẓām al-Mulk and the Restoration of Sunnism in Iran in the Eleventh Century,” Taḥqīqāt-e Eslāmī 10(1-2), pp. 551-570.
2008 “Mirror for Princes or a hall of mirrors? Niẓām al-Mulk’sSiyar al-Mulūk reconsidered,” al-Masāq 20(1), pp. 47-69.
2013 “Nizām al-Mulk,” Gerhard Böwen and Patricia Crone (eds.), The Princeton Encyclopedia of Islamic Political Thought, New York: Princeton University Press.