الباحث : أ. م. د. حاتم كريم اليعقوبي / سيف الـدين مهند كاظم جواد
اسم المجلة : دراسات استشراقية
العدد : 12
السنة : السنة الرابعة - صيف 2017م / 1439هـ
تاريخ إضافة البحث : November / 23 / 2017
عدد زيارات البحث : 8767
المقدمة
تنوعت دراسات المستشرقين حول الاسلام عامة والتاريخ الاسلامي خاصة ويأتي اهتمامهم في ذلك لأسباب متعددة منها ما هو علمي او اقتصادي او سياسي او ديني اضافة الى اسباب اخرى, وسعيآ منا لمعرفة طبيعة المنهج الذي سلكوه في دراستهم لثورة الامام الحسين (عليه السلام) جاء اختيار هذا البحث الموسوم (ثورة الامام الحسين في منظور نخبة من المستشرقين).
يتضمن البحث ثلاثة محاور الاول منها بعنوان (مقدمات ثورة الامام الحسين(عليه السلام) وأسبابها في المنظور الاستشراقي) اما المحور الثاني فيتضمن (مجريات احداث ثورة الامام الحسين (عليه السلام)) اما المحور الثالث كان بعنوان (ابرز نتائج الثورة من خلال كتابات بعض المستشرقين والرد عليها).
ويعتمد في اعداد البحث على مجموعة من المصادر والمراجع وبعض الكتب المترجمة ابرزها: (مقتل الحسين) لأبي مخنف، لوط بن يحيى بن سعد بن مسلم الأزدي (ت157ه / 773م)، وكتاب (الطبقات الكبرى) لمحمد بن سعد (ت230ه/ 844م), وكتاب (تاريخ خليفة بن خياط) لمؤلفهِ أبي عمرو خليفة أبن خياط (ت: 240ه /854م) ، وكتاب (الإمامة والسياسة)، المنسوب الى أبي عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت276ه/889م) و كتاب (أنساب الأشراف) لمؤلفه أحمد بن يحيى بن جابر البـــلاذري (ت279ه/892م), و كــــتاب (تاريخ اليعقوبي) لأحمد بن أبي يعقوب (ت284ه/897م), وكتاب (تاريخ الرسل والملوك) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (310ه/922م), و كتاب (الفتوح) لأحمد بن أعثم الكوفي (ت314/926ه) .
أما المراجــــــع الأجنبية المترجمة فكانت ذات فائدة جلية لهذه الدراسة وكان من بينها: كتاب (الخوارج والشيعة) للمستشرق الألماني (يوليوس فلهاوزن), و كتاب (تاريخ الشعوب الإسلامية) للمستشرق الألماني (كارل بروكلمان), وكتاب (عقيدة الشيعة) للمستشرق الإنكليزي (دوايت دونلدسن).
ــ أولاً ــ
مقدمات ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وأسبابها في المنظور الاستشراقي
نحن هنا نطرح قضية اقسى وانبل نضال دموي خاضته قوى الايمان, ضد قوى الالحاد, فانتصرت قوى الايمان رغم هزيمتها في معركة المواجهة, وانهزمت قوى الالحاد رغم انتصارها, وجاء انتصار الامام الحسين (عليه السلام) المقتول على يزيد القاتل على المدى الطويل ليؤكد حتمية تاريخية هي حتمية انتصار قوى الايمان على قـوى الشر والظلم ...
عندما يتبادر إلى الذهن شخص الإمام الحسين (عليه السلام) سوف يتجسد أمام العين صورة المأساة التي حدثت أثناء مقتله واستشهاده .
لقد رأى المستشرقون في ثورة الإمام الحسين, بأنها موقعة عسكرية تغلبت خلالها الكثرة على القلة والتنظيم على الارتجال دون الالتفات إلى اختبارات العناية الإلهية وسرها وتداخلها في هذا الحدث الذي غير مسيرة التاريخ الإسلامي جذريا .
لقد تحدث المستشرق الفرنسي سيدو عن الإمام الحسين (عليه السلام) موضحآ بأن الحسين بن علي كان قواماً بما دعي إليه لانه يرث عن أبيه الشجاعة والقوة والبأس، ورغم انه كان أشد حرصاً من أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) الذي خذل أهله وذويه بتنازله عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان بعد مقتل الإمام علي, فعرف الإمام الحسين (عليه السلام) كيف يحفظ كرامته حتى في زمن الفتنة، وعجز الإمام الحسين عن الوقوف في وجه السلطة الأموية على الرغم من محاربته للبيت الأموي (1).
لم يكن سيدو دقيقا في وصف شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) معتمداً على الروايات المحرفة في نقل الاخبار، فقد وضع مقارنة بين الإمام الحسين وأخيه الإمام الحسن (عليه السلام) ووالدهما الإمام علي (عليه السلام) ، والبيت الأموي، وتخلل قول سيدو، العديد من المطاعن لشخصية الإمام الحسين وأسرته (2) .
إِن المنهج الذي اتبعه المستشرق سيدو في كتاباته، جزء من المنهج الذي أتبعه أغلب المستشرقين في حديثهم عن سيرة وعلاقة الصحابة ببعضهم وبخاصة المقربون من الرسول الكريم (صل الله عليه واله وسلم) (3).
لقد أَخطأ المستشرق سيدو عندما وصف الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه لم يكن شجاعاً مثل أبيه، وإِنه لم يخرج إِلا اجتهاداً في نفع المسلمين، وفي جانب آخر من قوله، ذكر بأن الإمام الحسين كان أحرص من أخيه الحسن (عليه السلام) الذي خذل أهله عند تنازله عن حقه بالخلافة، وهو ما يتناقض مع الروايات العربية الصحيحة التي تجمع على أَن الإمام الحسن لم يتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، ولاسيما أَنّ الإمام الحسن قد سعى جاهداً للوقوف بوجه معاوية عندما قرر شن الحرب ضد معاوية لكنه أدرك بأن معظم جيشه قد انحازوا الى معاوية، وأنهم سيغدرون به إِذا ما حصلت المواجهة بين الطرفين فقبل الإمام الحسن (عليه السلام) الهدنة التي عرضها معاوية بن أبي سفيان(4), ومن الأمور المهمة التي دفعت الإمام الحسن (عليه السلام) على ان يقبل بالهدنة مع معاوية هو حنكته السياسية وعدم مجازفته بعد ان رأى جميع الأمور ليست في صالحه وأَنّ حقن دمه ودماء المسلمين أولى من القتال(5)، وعندما أعترض عليه المسلمون خاطبهم قائلاً: (ما أردت بمصالحتي معاوية إِلا أَنّ أرفع عنكم الثقل) (6) .
ولعل الاهم من ذلك والذي نظر فيه الإمام الحسن (عليه السلام) بعين البصيرة الربانية بأنه إن حارب معاوية فأن المنافقين في جيشه وهم ليسوا بقلة سيسلمونه أسيراً وإِن معاوية لا يقتل الإمام الحسن (عليه السلام) بل يخلي سبيله، وبذلك سيمن على بني هاشم بأطلاق سراح سيدهم فتصبح حادثة الطلقاء في مكة لا قيمة لها لأنها ستصبح معادلة لها في التأثير, فأين من يقول بضعف شخصية الإمام الحسن (عليه السلام) عن مثل هذه الأمور المواقف الثابتة التي تنم عن إنسان عظيم وقائد عظـيم قد
أوتي العلم والحنكة السياسية بكل ما تحمل الكلمة من معنى(7).
ان المتأمل في ثورة الامام الحسين (عليه السلام) يتجلى له بوضوح شجاعته وزهده في الدنيا والدليل على ذلك انه لما تبين له خلاف ما ذكر في المراسلات مع اهل العراق واجتماعهم عليه ظل مصرا على التوجه الى العراق, والقول بان الامام الحسين (عليه السلام) غير رايه واراد الرجوع إلى المدينة غير دقيق ويتناقض مع رده على نصيحة أخيه محمد بن الحنفية حين أشار عليه بعدم الخروج أو التوجه إلى اليمن فقال الإمام الحسين(عليه السلام):
(كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء...) (8) .
ألا أن هناك من أهل الشر والبغضاء لآل البيت لم يرض بمساعدته فقدر الله تعالى أن يستشهد مظلوماً (9).
اتهم المستشرق البلجيكي هنري لامنس الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه ظل خامل الذكر خلال خلافة الإمام علي (عليه السلام) المضطربة، وكان أقل من أخيه الحسن أقبالاً على الحياة، اذ لم ينهج نهجه في الاسراف و الانهـمال في اللذات إلى حـدد الشــطط (10).
لم يكن لامنس دقيقاً في تصوير شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) ففي الوقت الذي قلل من شأن الامام الحسين (عليه السلام) فأنه طعن بشخصية الإمام الحسن (عليه السلام) ايضا عندما وصفه بالإسراف في التمتع بملذات الحياة, وأن مراجعة بسيطة لأمهات المصادر التاريخية تثبت شطط لامنس في التجني على شخصية الامامين الحسن والحسين (عليه السلام) والطعن فيهما, بل سيرى المكانة التي كانا يتمتعان بها في المجتمع الاسلامي, وسيرى تأثيرهما في مسار ذلك المجتمع .
اما المستشرق الالماني هاينس هالم فقد تحدث عن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وعلل سبب خروجه من مكة إلى العراق، بقوله في ربيع سنة 60ه/680م، توفي معاوية بن أبي سفيان في دمشق بعدما كان قد حمل الناس على مبايعة أبنه يزيد خليفة له، وبتولي يزيد بن معاوية الخلافة صعد إلى الحكم رجل بعيد عن الدين لم يكن قد تعرف على النبي محمد (صل الله عليه واله وسلم)شخصياً، وكانت خلافته لأبيه تؤكد على ترسيخ مبدأ الوراثة في الحكم (11).
وتابع هاينس هالم سرده للأحداث التاريخية مشيرآ إلى أن البيت الأموي ظل متمسكاً في حكم دمشق حتى سنة 132ه -750م وقد كان تبدل الحاكم في دمشق إشارة إلى أتباع الإمام علي (عليه السلام) الذين اندفعوا محاولين مرة أخرى انتزاع السلطة، وفي ذلك الوقت كان الإمام الحسين (عليه السلام) ، الأبن الثاني للإمام علي مقيمآ في المدينة, فتوجه رُسلٌ من أهل الكوفة إلى المدينة يناشدوه ويطلبون منه المجيء إلى العراق لقيادة الشيعة وأسقاط نظام الحكم في دمشق بزعامة يزيد بن معاوية وقد كان ذلك العامل الرئيس الذي دفع الامام الحسين (عليه السلام) للتوجه الى العراق والقيام بثورته (12), على وفق رؤية المستشرق الالماني هالم لكن الحقيقة ان هالم وقع في خطأ تاريخي كبير اذ ان الامام الحسين (عليه السلام) لم يلتققِ في هذه المدة بشيعته في المدينة بل ان اهل الكوفة ورسلهم التقوا الامام في مكة بعد اشهر من خروجه من المدينة, والحقيقة ان الامام الحسين (عليه السلام) قرر الخروج الى العراق لحظة خروجه من المدينة ومـن دون ان يـؤثر فـي قراره احـد .
اما المستشرقة الايطالية لورا فيشيا فاجليري فقد تحدثت عن ظروف ما قبل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وذكرت بأن عبدالله بن عمر و عبدالله بن العباس وغيرهم لقوا الإمام الحسين (عليه السلام) في الطريق من مكة إلى المدينة، وحذروه من خطورة ثورته أذا ما توجه إلى العراق بعد عديد الرسائل التي بعثا بها العراقيون إلى الحسين (عليه السلام) يدعونه للقدوم، وكرر أبن عباس النصح للحسين (عليه السلام) في مكة، بل أن عبدالله بن الزبير حاول أن يثنيه عن القيام بمغامرته، ووصفت فاجليري دور عبدالله بن الزبير بالمخادع وذلك لأنه كان يسعى لإخلاء الميدان له في مكة المكرمة للسيطرة عليها (13), وقد وقعت فاجليري في نفس الخطأ الذي وقع فيه هالم الالماني عندما اعتقد خاطئا بان العراقيين راسلوا الامام الحسين (عليه السلام) في المدينة وكان ذلك هو الباعث على خروج الامام الحسين (عليه السلام) الى العراق, وان الدوافع المبدئية لثورة الامام الحسين (عليه السلام) تمثلت بالخروج على يزيد بن معاوية, فوصفت خطواته العظيمة تلك بالمغامرة .
أما المستشرقة الامريكية أيرا لابيدس فقد أشارت إلى أن وفاة معاوية بن أبي سفيان جعلت نجله وخلفه يزيد يخوض حرباً واسعة ضد منافسين مكيين بقيادة الحسين بن علي (عليه السلام) وعبدالله بن الزبير، وعزم الحسين (عليه السلام) التوجه من المدينة إلى الكوفة لتولي قيادة أتباعه، ولكن فرقته الصغيرة تم الإجهاز عليها في مدينة كربلاء(14), ولعل عدم معرفة لابيدس بالواقع الاسلامي دفعها الى تصوير ما حصل بانه منافسة بين رجالات مكة ويزيد الشامي على السلطة لا غير .
اما المستشرق الهولندي سنوك هرخرونيه فقد صور من ثار على يزيد بأنهم كانوا نهازي فرص فبعد وفاة معاوية القوي والداهية، بدا وكأن الفرصة قد واتت عبدالله بن الزبير والحسين بن علي (عليه السلام) ، فرفضوا البيعة ليزيد وخـرجا من المدينة إلى مكة لتنظيم المعارضة ضد حكم يزيد وفي الوقت الذي بقي فيه ابن الزبير في مكة فان الإمام الحسين (عليه السلام) اتجه إلى العراق وربما كان خروجه ذاك بنصيحة من ابن الزبير، وفي معركة غير متكافئة وبعد أن خذله مؤيدوه، قتل الإمام الحسين (عليه السلام) مع عشرين من أهل بيته بالقرب من كربلاء، وهكذا قضي على الرغبة الكامنة في نفوس أبناء على في الوصول إلى الخلافة، وكان هؤلاء يرون أنهم أحق بالخلافة من غيرهم(15) .
ان الحقيقة التي غابت عن هذا المستشرق بان ابناء الامام علي (عليه السلام) لم يكن لاحد منهم الرغبة الكامنة في الوصول الى الحكم وربما ادى بهذا المستشرق جهله لأصل مبادئ الاسلام الى ان يصور الصراع بين الحسين (عليه السلام) وبين يزيد بصراع حول السلطة واحقية من يتمتع بها .
تحدث المستشرق اليهودي أجناس جولد تسيهر عن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) مركزا على دعوات الشيعة في العراق له للقدوم إليهم واصفآ اياهم بقصر النظر والطيش بأشراكهم للإمام الحسين (عليه السلام) ، فبعد ولاية الأمويين الخلافة بقليل سنحت لشيعة الإمام علي (عليه السلام) فرصة لتولي السلطة بعد مجيئ يزيد بن معاوية الى الحكم، ولكن اختيارهم لهذه الفرصة وفي ذلك الوقت بالتحديد دلَّ على قصر نظرهم، فأشركوا الإمام الحسين (عليه السلام) في نزاع دام مع الغاصب الأموي، ادى الى مقتل الإمام الحسين(عليه السلام), وقد زودت مأساة كربلاء (سنة 680م/60ه) الشيعة فيما بعد بعدد كبير من الشهداء، أكتسب الحداد عليهم حتى اليوم مظهراً عاطفياً في العقائد الشيعية (16).
استخدم المستشرق البرطاني دونلدسن روايات اليعقوبي والطبري والمسعودي في نقل الحادثة التاريخية عن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ، فذكر بأن معاوية قد حصل على البيعة ليزيد قبل وفاته، وقد أثارت الحادثة أفكار الحزب العلوي في الكوفة الذي كان ينتظر وفاة معاوية المسيطر على كل الامور في الدولة, وما ان مات معاوية حتى أرسل الإمام الحسين (عليه السلام) أبن عمه مسلم بن عقيل (عليه السلام) إلى الكوفة للاطلاع على أوضاع المدينة قبل التوجه إليها، فكتب مسلم إلى الحسين (عليه السلام) يطمأنه باستقرار الأوضاع وأن أتباعه مستعدين لاستقباله، لذلك قرر الإمام الحسين التوجه إلى مدينة الكوفة على الرغم من النصائح الموجه له من عبدالله بن الزبير التي دعاه فيها إلى عدم التوجه إلى الكوفة، و ذكـر دولندسن بأن الحسين (عليه السلام) لم ينجح في تحقيق أهدافه، وقتل على يد رجل من مذحج أحتز رأسه وأنطلق به إلى أبن زياد، ثم دفن في عسقلان ومن ثم تم نقله إلى مصر(17) .
لقد وقع دونلدسن في جملة من الاخطاء التاريخية منها انه صور خروج الامام الحسين (عليه السلام) وكانه باحث عن السلطة ولا يتورع عن الذهاب الى أي مكان من دون ان يخطط ويعرف عواقبه ومن دون السماع الى نصح الناصحين منتهيا الى قضية لايزال الحسم فيها مؤجلا بعد الآراء في مصير راس الحسين (عليه السلام) فقطع بوجوده في مصر رغم ان هذه الروايات هي روايات ضعيفة ومتأخرة تاريخيا.
لم يكن المستشرق الالماني كارل بروكلمان في رأيه سوى صدى لآراء من سبقه من المستشرقين اذ قال بأن معاوية بن أبي سفيان عندما تولى السلطة الح أهل الكوفة على الحسين (عليه السلام) في القدوم إليهم ومبايعته بالأمر فأستجاب لهذا الإغراء لكنه لم يجد في العراق عند وصوله التأييد الذي توقعه (18) .
ربط المستشرق بروكلمان بين إعلان الإمام الحسين (عليه السلام) ثورته، وبين دعوة أهل الكوفة إليه حتى يخيل للباحث أن السبب الرئيسي للثورة هو دعوة أهل الكوفة، وأن ذلك غير صحيح، وذلك شبيه بما أورده بعض المؤرخين والكتاب المسلمين الذين حاولوا أن يجعلوا من شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) شخصية مرتبكة في أتخاذ القرارات وعكسوا ذلك على قضية خروجه إلى العراق، والحق إن الإمام الحسين (عليه السلام) كان عازماً على الثورة ضد السلطة الأموية من أول يوم عرض فيه الوليد بن عتبة (*) والي المدينة البيعة على الإمام الحسين (عليه السلام) ، ليزيد بن معاوية، فرفض الإمام ذلك وخرج مع جميع أهل بيته إلى مكة، ومن ثم إلى العراق، ومن المؤكد إن الإمام لم يكن هدفه الأساسي الحج فقط، فالخروج إلى الحج لا يقتضي اخراج كل هذا العدد من الأطفال والنساء (19).
كان للمستشرق الالماني يوليوس فلهاوزن رأيه حول ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في كتابيه الدولة العربية، وأحزاب المعارضة السياسية، معتمداً على مصادر اليعقوبي والطبري والمسعودي، وغيرهم في سرده لأحداث الثورة، أذ ذكر فلهاوزن بأنه لمـا تـوفى معاويـة وانتهـت خلافته فـي سـنة ٦٠ھ حييـت أمال الشـيعة مـن جديـد في شخصية الامام الحسين بن علي (عليه السلام) فرفض, وكان آنذاك في منتصف الخمسين من عمره ان يبايع يزيداً، وحتى يخلص مـن سلطان يزيد فر من المدينة، وهي المركز الدائم لانصار علي (عليه السلام) ، والتجا الى مكة عند اواخر رجـب سنة ٦ھ فدعاه اهل الكوفة اليهم للخروج تحت قيادته على سلطان بني امية وارسلوا اليـه في هذا المعنى بعدة رسائل، ووصل الـى مكـة رسـلهم الأول فـي ١0 رمضـان سـنة٦٠ھ وكان اصحاب هذه الرسائل رجالاً بارزين من القبائل، ومـن اليمانيـة علـى وجه التخصيص، وقد كانت اليمانية في الكوفة اكبر القبائل عدداً واهمية ومالت نفس الحسـين الى تلبية هذه الدعوة الملحة التي وجهها الكثيرون ولكنه آثر ان يبعث اولاً بابن عمه مسلم بـن عقيل ليتحسس الأرض ويهيئ السبيل امامه ونزل مسلم في الكوفة اولـاً عنـد المختـار بـن ابـي عبيد الثقفي (20).
حاول فلهاوزن أن يوحي للقارئ بأن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن عازماً على الخروج إلى الكوفة بوصفه أن مكة كانت مأمن الإمام، وأن الحاح أهالي الكوفة عليه هو الذي دفعه للتوجه إلى العراق وتلبية ندائهم والحق إن الإمام الحسين (عليه السلام) قد عزم الخروج إلى العراق منذ أن عرض عامل يزيد في المدينة الوليد بن عتبة البيعة على الإمام ،(21) كما أن رفض الإمام للبيعة أوصل الأمور إلى نقطة اللاعودة بينه وبين الحكم الأموي، بل أن مروان بن الحكم قد تنبه للأمر وأشار إلى الوليد بضرورة بيعة الإمام والأكثر ان دعا الامر وقوع القتل بينهم (22).
تابع فلهاوزن سرد الاحداث المتعلقة ببداية انطلاق الثورة الحسينية واشار الى ان كسـب الأنصار للحسـين يـتم بسرعة، ولكن مع احتياط شديد، فلم يكن يقبل كل مـن يظهـر الرغبـة فـي الانضـمام, وفـي مـدة قليلة تقدم الألاف بالبـيعة للحسين عن يد مسلم بن عقيل او مـن ينيـبهم عنـه (23) .
اما المستشرق الالماني جرهارد كونسلمان فيرى ان فترة السلم الوجيزة انتهت بموت معاوية بن ابي سفيان وكان ذلك بداية حقبة جديدة من الحرب الاهلية أذ اعلن حفيد النبي الحسين بن علي (عليه السلام) الخصومة ليزيد وبذلك بدأت شيعة علي برفع راسها من جديد وبدأوا بأرسال الرسل الى مكة يطلبون من الحسين (عليه السلام) تقلد منصب الخليفة عندهم, وقد غادر اربع رجال الكوفة على ابل سريعة متخذين اربع طرق مختلفة حتى يحدو من خطر فشل البعثة, وكان عدد الرسائل مائة وخمسين تحمل توقيعات عدة الاف من اسماء رجال الكوفة الذين أرادوا التعبير من خلال توقيعهم عن رغبتهم في العودة بالحـسين حاكما على الـكوفة (24) .
ادعى كونسلمان ان الحسين بن علي لم يظهر ميلا بتلبية نداء الذهاب الى بلاد الرافدين فقد كان لايزال يذكر ان حكم علي والحسن قد انتهى بكارثة وعار, وكان الحسين بن علي يخشى تحول المرض لا نـصاره في تغــيير رايهم وخشى مـن الخــيانة (25) .
ان ما ادعاه كونسلمان بعيد عن الروايات الاسلامية الصحيحة اذ إن الروايات التي وصلت إلينا عن معارضة الامام الحسين (عليه السلام) ثم خروجه إلى الكوفة واستشهاده تتميز بأنها مباشرة عن رواة شاركوا في الأحداث، أو عن آخرين قريبين منها، وهي تعـرض لأوضـاع الكوفـة الاجتماعيـة، وتتـضمن في بعـضها أدق التفاصـيل, اذ تشير هذه الروايات الى ان الامام الحسين (عليه السلام) كان عازما على التوجه الى العـراق من اجل طلب الاصلاح اول الامر ولتلبية دعوات اهل الكوفة للقدوم اليهم من اجل مبايعته, وبعد توافد الكتب على الحسين وهو بمكة، وجميعها تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، (26) وقـد فهـم مـن تلـك الرسـائل المتلاحقة من الكوفة الرغبة الصادقة والمحبة الجامحة لشخـصه في نفـوس الكـوفيين، وأنهـم قـد نابذوا إمامهم، ولم يعترفوا بيزيد وأنهم سيخرجون أمير الكوفة – النعمان بـن بـشير – وأنهـم في حاجة لإمام يجتمعون عليه، وهذا الإمام الذي يرغبون فيه هو الحسين بن علي (عليه السلام) ( 27) وليس كما يدعي كونسلمان بان الدافع لخروج الامام الحسين (عليه السلام) هو من اجل تلبية مطالب اهل الكوفة واغفل كونسلمان عن السبب الرئيس للخروج وهو من اجل طلـب الاصلاح في المجتمع الاسلامي دون تردد وكان الامام في ترقب للأوضاع السائدة في العراق بعد وفاة معاوية ومجيئ يزيد الى الحكم, من اجل الخروج واعلان ثورته .
تحدث المستشرق يان ريشان عن بدايات ثورة الامام الحسين (عليه السلام) وعن ما يحمله يزيد بن معاوية من صفات اذ وصف يزيد بقلة التقوى واللهو والانغماس بالملذات و بحب الموائد والخمر, اما الحسين الذي كان في دمشق فقد تحرك الى مكة وهناك تلقى دعوة من اهالي الكوفة يستحثونه فيها على رئاسة التمرد المـعتزم على حد تعبير ريشان, ولما لم يكن للحسين (عليه السلام) حسن الاطلاع على الخطر الحقيقي ولا على التدابير الوقائية التي اتخذها يزيد, فانه ارسل ابن عمه مسلم بن عقيل (عليه السلام) للاطلاع على الوضع في العراق وسار الحسين (عليه السلام) الى الكوفة بعد ان ادى العمرة (28) .
اما فيما يتعلق بالمعارضـة التي واجهها الامام الحســين قبل خروجه الى العراق فقد ذكر ريشان بان العديد من اقرباء الحسين (عليه السلام) اعترضوا على خروجه الى العراق خائفين من انه يسرع الى مغامرة غير معقولة فأجابهم بقوله: (ان الله يفعل ما يريد, وانا ادعه يختار لي الافضل, اما هو, فلا يمكن ان يكون ضد من يرى اتباع الحق) (29).
ــ ثانيآ ــ
مجريات احداث ثورة الامام الحسين (عليه السلام)
ذكر المستشرق هنري لامنس بان الإمام الحسين (عليه السلام) ارسل أبن عمه مسلم بن عقيل (عليه السلام) إلى مدينة الكوفة ليستطلع الأوضاع في المدينة، فكتب إلى الإمام الحسين(عليه السلام) يخبره بأن الوضع مناسب وأن الآلاف من أنصار الشيعة مستعدون للمشاركة في الثورة ضد النظام الأموي، وعلى الرغم من أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان حذراً من هذه المغامرة غادر في سبتمبر/أيلول 60ه/680م، مكة سراً، حيث كان يؤدي فريضة الحج(*)، ثم سلك طريق الحج متوجهاً إلى العراق مصطحباً أسرته ونفراً من أقربائه ولا يتجاوز عددهم الخمسين شخصاً، وعندما وصل خبر مسير الحسين(عليه السلام) إلى العراق، قام عبيد الله بن زياد بإرسال العديد من دوريات المراقبة لرصد ومراقبة جميع الطرق الصحراوية، وقام بإعدام قادة التمرد في الكوفة كان من بينهم مسلم بن عقيل (عليه السلام) ، ولم يصل خبر مقتله ألا بعد اقتراب الامام الحسين (عليه السلام) من الــفرات (30).
أشار هاينس هالم إلى أنه عند وصول الإمام الحسين (عليه السلام) قرب الكوفة، لم يأتِ شخص واحد من بين آلاف الشيعة الكوفيين لنصرة حفيد النبي، وفي سنة 61ه-680م، خيم الإمام الحسين (عليه السلام) ومن رافقه في موقع كربلاء على بعد 70كم شمال مدينة الكوفة و20كم غربي الفرات، وفي اليوم التالي وصلت إلى المكان قوات بلغ عددها 4000 مقاتل بقيادة عمرو بن سعد وقطعت الطريق عنهم ومنعتهم من الوصول إلى الماء، مما جعلهم يعانون العطش الشديد لمدة ثلاثة أيام، على الرغم من المفاوضات التي جرت بين الطرفين إلا أن الإمام الحسين بقي مصمم على موقفه من عدم بيعة يزيد بالخلافة (31).
على الرغم من النصائح الموجهة للإمام الحسين بعدم الخروج إلى العراق بحسب ما ذكرت فاجليري إِلا أَنّ الإمام الحسين لم يتخلى عن موقفه، فأكتفى بأداء العمرة بدلاً من الحج، وأستغل فرصة غياب الوالي عمر بن سعيد الأشدق الذي كان يؤدي مناسك الحج في مكة، فتوجه مع جماعته في صحبة واحدة، وكانوا قرابة خمسين رجلاً من الأقوياء والأصدقاء القادرين على حمل السلاح، والنسوة والأطفال، وقد ذكرت فاجليري الأماكن كلها التي وقف بها الإمام الحسين في طريقه من مكة إلى الكوفة معتمدة على روايات الطبري والدينوري في تصوير الثورة الحسينية، وأوضحت بأن الإمام الحسين واهل بيته قد عانوا من العطش لمدة ثلاثة أيام، ونجحت جماعة جريئة يقودها أخو الحسين، العباس (رضوان الله تعالى عليه) في اختراق الحصار وصولاً إلى النهر لكنه لم يفلح إلا في ملء قربة قليلة بالماء، واستمرت المفاوضات لعقد الصلح وانتزاع التنازل من الإمام الحسين (عليه السلام) لكن دون جدوى(32) .
اما المستشرق بروكلمان فقد اعتقد بأن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يستسلم إلى جنود يزيد بن معاوية في كربلاء، اعتماداً على كونه حفيد النبي (صل الله عليه واله وسلم) )33) وذكر بروكلمان بأن طلائع الجيش التابع ليزيد أعرضت مسير الإمام الحسين (عليه السلام) عند خروجه إلى الكوفة، وأبى الإمام الحسين (عليه السلام) العودة وأستمر في مسيره إلى كربلاء، ثم حاصروه هناك متأملين أن يدفعه الظمأ على الاستسلام، وفي العاشر من محرم سنة 61ه-681م، أنذره قائد جيش يزيد، عمرو بن سعد بن أبي وقاص(*) ألا أن الحسين (عليه السلام) أستمر بموقفه (34).
أن ما أدعاه بروكلمان عن أتكال الإمام الحسين (عليه السلام) على الحصانة التي كان يتمتع بها بوصفه حفيد الرسول )صل الله عليه واله وسلم) ، غير دقيق، ولم يكن الإمام (عليه السلام) غافلاً عن عدم احترام الأمويين لنسبة ولارتباطه بالرسول ) صل الله عليه واله وسلم) فالأمويون لم يظهروا أي احترام لهذه العلاقة الشريفة وقد أثبتت الأحداث السابقة للثورة ذلك (35).
كيف يمكن أن يعتمد الإمام الحسين (عليه السلام) على نسبه كحصانة له وهو يعلم إن مواجهة الأمويين وانسياق الناس ورائهم في حروبهم ضد الإمام علي (عليه السلام) دون مراعاة لمركز الإمام كخليفة للمسلمين، أو مراعاة لتاريخه المشرف في الدعوة الإسلامية (36).
لقد ذكر فلهاوزن بأن الإمام الحسين (عليه السلام) قد أرسل ابن عمه مـسلم بن عقيل(*) قبل أن يتوجه هو إلى الكوفة لكي يرى صدق ما كتبوا له ولكي يمهد له الأمر ولم يلبث حين وصل إليهم بأن دب إليه أهل الكوفة وبايعه قسم منهم حتى قبض عليه من قبل شرطة عبيد الله بن زياد فأحاطوا بالدار المختبئ بها فخرج إليهم مسلم بن عقيل وقاتلهم قتال الأبطال، ثم أعطي له الأمان ونقل إلى قصر يزيد بن معاوية وجرد من سلاحه فقتل ورمي من فوق القصر(37) .
أستمر فلهاوزن بتتبع أحداث الثورة وذكر بأن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما علم بما حل بأبن عمه مسلم بن عقيل وهو في طريقه إلى كربلاء لم يتراجع عن مسيره، وفي العاشر من محرم، يوم الأربعاء العاشر من اكتوبر سنة ٦٨٠م، انتظم كل فريـق بعد صلاة الفجر استعداداً للقتال, وكان مع الحسين اثنان وثلاثون فارسـاً واربعـون رجلـاً، بمـا فهيم ١٨من ابناء عمومته وفي اللحظة الأخيرة وقع حادث مشجع له هو ان الحر بن يزيد عـدل الى الحسـين وقاتل معـه كفـارة عـن مسـلكه السـابق, وسـبق القتـال كلـام، وخطـب الحسـين فـي اعدائه وهو راكب جملاً، الى ان انطلق سهم لم يصـبه، فتوقـف عـن الخطبـة, وتلـا رمـي السـهام القتال بالسيوف, وودع اصحاب الحسين صاحبهم على موعد لقاء في الجنـة قبـل ان يـدخل كـل منهم المعركة الواحد بعد الآخر، ولم يكن في غاية لهم الا ان يموتوا في القتال بمـشهد منه (38) امـا الحسين(عليه السلام) فقد ظل يرقب المعركة وهو جـالس امـام الخيمـة الكبـرى التـي ضـمت النسـاء والأطفال وكان النسوة يَنُحن ويلوح ايضاً ان ابناء عمـه كـانوا ايضـاً يشـهدون المعركـة دون ان يخوضـوها الى ان اهرق دماء الأخرين فجاء دورهم فقتلوا جميعاً اما حفيد النبي الحسـين فلـم يجسـر احـد علـى قتلـه، الـى ان قـام شـمر فقضـى على هذا التردد, لقد كان قائد الهجوم، ان اصح الحديث عن القيادة فـافلح اولـاً فـي ان يبعـد الامام الحسين(عليه السلام) من معسكر النسوة والأطفال، وهو معسكر لم يكن لاحد ان يمسه بأذى, وهنالك انقض عليه الكثيرون طعناً وضرباً حتى اصابوه بثلاث وثلاثين طعنة واربع وثلاثين ضربة، ولم يشأ احـد منهم بعد ذلك ان يكون القاتل فسلب الحسين الامام(عليه السلام) وسبي اهل بيته في يوم العاشر من محرم سنة 61ه، وهكذا انتهت خطة الثورة، ولكن استشهاد الحسين كان له شأن معنوي كبير، وكان له تأثيـر عـظيم عند الـشيعة (39).
اعتمد فلهاوزن في هذا الموضع على روايـة أبي مخنـف، وهـي روايـة طويلـة مفصـلة جـداً نقلها الطبري بأكملها تقريبا، فضلا عن روايات اليعقوبي في ذكر تواريخ واقعة الطف ومجريات الثورة وما آلت اليه احداثها من استشهاد اصــحاب الامام الحــسين (عليه السلام) وسبي النساء بعد استشهاد الحسين (عليه السلام) (40).
تحدث المستشرق جرهارد كونسلمان عن مجريات احداث ثورة الامام الحسين وذكر بان انصار شيعة الامام علي (عليه السلام) تجمعوا امام قصر الوالي للمطالبة بالأفراج عن مسلم بن عقيل (عليه السلام), فأوقف مسلم بن عقيل على سطح مقر الحاكم وجعله ينظر على الجماهير التي تجمعت في قلب المدينة فضرب الجلاد عنق مسلم بن عقيل وسقط وسط الجماهير, وبذلك اعطى الحاكم تحذيرا لكل من يحلم باستعادة السلطة من خلال الحسين فلم يعد هناك في الكوفة من يظهر ميلا لدعم قضية الحسين (41), اما حفيد النبي الحسين (عليه السلام) فقد وصل على مقربة من الكوفة مع اهل بيته, وبالقرب من مدينة القادسية التي تبعد 10 كيلو متر عن الفرات انظم اليه نفر قليل من الانصار وعند القادسية عرف الحسين (عليه السلام) بمقتل مسلم بن عقيل وكان الحسين (عليه السلام) يأمل دخول الكوفة دخول الفاتحين محاط بترحيب شيعة علي (عليه السلام), وقد تتبع قافلة آل الحسين على مسافة بعيدة فرسان من المدينة لبمراقبة ما يقوم به حفيد النبي, وعند اقتراب الحسين من الكوفة جرت المفاوضات بين المعسكرين وتوجه الانذار الاخير للحسين (عليه السلام) فأما المبايعة في دمشق او القضاء عليه, الا ان الحسين اصر على عدم التسليم ليزيد بن معاوية, فبقي الحسين مع قلة من الرجال الذين بقوا معه فوصل الحسين مع اتباعه الى مدينة كربلاء وهو اسم المكان الذي وصل اليه حفيد النبي لأخر قتال وكان معه 150 رجلا, اما خصمه فقد بلغ عدد مقاتليه خمسة الاف مقاتل (42) .
وصف كونسلمان شخصية الامام الحسين بانه رجلا ذا كلام ساحر خاصة في وقت الشدة واستخدامه لعنصر الاقناع في المعركة بكلماته وقد بقيت هذه الكلمات للحسين الشهيد مقدسة عند الشيعة حتى اليوم, وقد استخدم الامام الحسين(عليه السلام) الكثير من عناصر الفصاحة فاستعان بالمبررات وعبارات الرجاء والتهديد المباشر, وقد اصاب الوهن صوت الحسين (عليه السلام) عند الظهيرة فجف حلقه وشفتاه ولسانه بفعل العطش, واخيرا انتهت الخطبة وصار القرار للسيوف, وصار على حفيد الرسول القتال بالسيف ويعتقد جميع المؤرخين ان السيف الذي كان بيد الحسين (عليه السلام) هو (ذو الفقار) سيف ابيه علي (عليه السلام), وقد قاتل الحسين (عليه السلام) ببسالة عظيمة, وعندما انكسر حفيد النبي امام اليد العليا للخصم في النهاية كان قد اصيب بأربعة وثلاثين ضربة سيف وثلاثة وثلاثين رمية نبال (43).
اشار المستشرق ريشان بان الحسين بن علي (عليه السلام) اضطر الى الاتجاه الى ضاحية كربلاء بسبب وجود قوة عسكرية اموية ارسلت لملاقاته حالت دون وصوله الى الكوفة, اما الوصول الى ماء الفرات فقد قطع عليه من قبل عدوه, لكن العباس الاخ الغير شقيق للحسين (عليه السلام) نجح بملئ بعض القرب القليلة ليستقي منها ال72 رجلا الذين يرابطون منذ عدة ايام في جو شديد الحر, وكان بين ذوي الحسين زينب اخت الامام الحسين وعلي (عليه السلام) ابنه الطفل الذي سيكون الامام الرابع وقد بقيا معا على قيد الحياة (44).
اما مجريات ثورة الامام الحسين فقد اوضح ريشان بان الامام الحسين (عليه السلام) بعد ان رفض ما عرض عليه من استسلام تهيأ للمعركة الاخيرة وحذر من معه من اهله بما يلحق بهم من خطر اذا ما ضلوا معه, فسهر جميع اتباع الامام الحسين (عليه السلام) في ليلتهم الاخيرة وقضوها في الصلاة, وفي يوم 10 محرم بدأت المعركة الاخيرة والمذبحة وخاطب الحسين اعدائه لكي يفكروا قبل ان يهاجموا من كان اعزه النبي ويدعوه يمضي الى سبيله حرا, لكن هؤلاء اصروا على ان يخضع لأوامرهم, لكن بعض المهاجمين المترددين من قبل عادوا فأشعلوا الخيام بالنار وحاولوا وضع اليد على النساء, وكان بين الضحايا الاوائل الذين تلقاهم الامام بين ذراعيه ابنه علي الاكبر, وقاسم ابن الحسن, وابو الفضل العباس اخوه (45).
حاول يان ريشان ابراز جوانب العنف والوحشية التي اتبعها مقاتلي يزيد في ثورة الامام الحسين (عليه السلام) اذ وقعت في معركة الطف اشياء مفجعة زيدت وضخمت بما لدى الشيعة من تقوى حزينة وهكذا فان عندما كان الحسين يمسك بين ذراعيه وليدا جديدا جاء سهم فأصاب عنق الوليد الذي كان الامام يترك دمه ينسـاح على الارض ويدعوا الله ان يعاقب الاشرار وتقدم شمر بن ذي الجوشن على راس مجموعة من الجنود, وهاجم الحسين وقطع راسه, ونقل راسه الى الكوفة ثم الى دمشق, اما جسده الذي داسته الخيل فقد قبر حيث وجد, واقيم حوله بعد ذلك مدفن عظيم(46).
أوضح المستشرق الامريكي ويليام جيمس ديورانت بعض تفاصيل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) فأشار أنه بموت معاوية بن أبي سفيان اشتعلت نار الحرب من أجل وراثة العرش، فقد أرسل شيعة الكوفة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يطالبونه بالمجيء ويعدونه بمناصرته وتأييد حركته في الوصول إلى الخلافة، فخرج الإمام الحسين (عليه السلام) وبعون من أتباعه المخلصين، ولما أصبحت تلك القافلة على مقربة من الكوفة قابلتها قوة من جند يزيد بقيادة عبيد الله بن زياد، وعرض على الإمام الحسين (عليه السلام) أن يستسلم ألا أنه رفض ذلك (47).
أن ما أدعاه ديورانت صحيح، فقد ذكرت الروايات بأن رسول عبيد الله بن زياد قد أمر الحر بن يزيد بأن يدفع الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه في العراء دون حصن أو ماء، بالقرب من نينوى على نهر الفرات في سهل يسمى كربلاء في 12 محرم، 61ه/681م، وبعد المفاوضات طلب عبيد الله بن زياد من الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبايع يزيد بن معاوية، وأن يسلم نفسه وألا استعملت القوة ضده، ألا أن الإمام الحسين (عليه السلام) قد رفض ذلك وواصل تقدمه (48).
ــ ثالثاً ــ
ابرز نتائج ثورة الامام الحسين (عليه السلام) من خلال كتابات بعض المستشرقين والرد عليها
فيما يتعلق بالنتائج التي افرزتها ثورة الامام الحسين (عليه السلام) اوضح المستشرق هاينس هالم انه وفي التاسع من محرم تقدمت قوات يزيد إلى مقربة من معسكر الإمام الحسين، وفي صباح اليوم التالي العاشر من محرم، العاشر من أكتوبر/تشرين الأول سنة 68م-61ه، بدأت المناوشات بين الطرفين انتهت بعد الظهر باقتحام مخيمات الإمام الحسين فقتل الحسين (عليه السلام) وجميع من رافقه من الذكور من بينهم الإمام العباس) رضوان الله تعالى عليه) وأبن الإمام الحسين (علي الأكبر)، وأبن أخيه القاسم بن الحسن (عليه السلام) وغيرهم (49).
أما الأحداث التي أعقبت استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) فأوضح هاينس هالم بأن قتلى كربلاء دفنوا في نفس المكان الذي حدثت فيه المجزرة، وقد شيد قبر كبير للإمام الحسين (عليه السلام) الذي يعتبر من أهم المزارات الشيعية في الوقت الحاضر، ونقل رأس الإمام الحسين إلى قصر يزيد بن معاوية وقد قام عبيد الله بن زياد بضربه بعصى وكسر له عدة انسان، أما النساء الأسيرات ومن بينهم السيدة زينب أخت الإمام الحسين وابن الإمام الحسين (عليه السلام) الذي بقي هو الوحيد على قيد الحياة، علي الأصغر(عليه السلام) قد نقلوا إلى الكوفة ومن ثم إلى دمشق حيث عاملهم الخليفة معاملة حسنة ثم سمح لهم بالسفر الى المدينة, ويقال ان راس الامام الحسين قد دفن في دمشق ولا يزال ضريحه يزار حتى يومنا هذا في حجرة صغيرة في باحة المسجد الاموي في دمشق وهناك رواية اخرى تقول بان راس الامام الحسين دفن في عسقلان في فلسطين ثم نقل من هناك لانقاذه من اعتداء الصليبيين الى القاهرة ويقع ضريحه هناك الى جانب جامع الازهر(50).
أوضح هاينس هالم في كتابه الآخر الغنوصية في الإسلام ببعض الإشارات عن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وأشار إلى أن الإمام الحسين (عليه السلام) قد حاول بعد موت معاوية في سنة 60ه/680م، أن يفرض حقه فلجأ لمساعدة أنصار بيته الكوفيين، وارتحل مع أهله وبعض المخلصين له من المدينة إلى العراق ووجه إليه عامل الكوفة الأموي فرقة صغيرة من الجند وأوقفوه عند مدينة كربلاء جنوب مدينة الكوفة، وبعد المفاوضات بين الجانبين أندلع القتال بين الفريقين، وتحول إلى مذبحة كبيرة قتل فيها حفيد رسول الله ) صل الله عليه واله وسلم ) مع القسم الأكبر من أهل بيته وأتباعه، وأرسل رأسه إلى دمشق (51).
بحسب قول هاينس هالم أنه منذ ذلك الحين أحتلت آلام الحسين مكان الصدارة في تبجيل الشيعة وأرتـبط بمـوته أهم المآسي الشـيعية وهو يوم عاشوراء وهو ذكرى موته، ويوم الأربعين الذي يسمى (برجعة الرأس) الذي أعيد فيه رأس الإمام الحسين إلى العراقيين(52).
أكتسب موت الإمام الحسين (عليه السلام) تدريجياً معنى الشهادة، واصبح قبر الحسين(عليه السلام) في كربلاء أحد مواقع المزارات الكبرى في العالم الإسلامي، أما موت الحسين (عليه السلام) على أيدي السلطة الأموية يشكل موضوع خلاف أكبر من أي صراع حول الشريعة واللاهوت، أو أي خصومة بين قبائل وأعراف، فالإمام علي (عليه السلام) هو أبو المذهب الشيعي والحسين (عليه السلام) شهيده (53).
وأشار بروكلمان إلى أن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما سقط في ميدان المعركة حملوا رأسه إلى يزيد فحزن حزناً عميقاً لهذه النتيجة التي لم يكن يتوقعها، وأمر بإرجاع العلويين الذين نجوا من المذبحة إلى المدينة (54).
أراد المستشرق بروكلمان من هذا الادعاء أن يحمل الإمام الحسين (عليه السلام) كل ما حدث له، وأن الأمويين وعلى رأسهم يزيد بن معاوية براء من ذمة وأن هذا خلاف ما ورد في المصادر والروايات التاريخية، أذ كان يزيد بن معاوية عازم على قتل الإمام الحسين (عليه السلام) إذا لم يقم بمبايعته، وتذكر الروايات بأن يزيد بن معاوية قد كتب لعامله في المدينة الوليد بن عتبة قائلاً: (أذا أتاك كتابي هذا، فأحظر الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير، فأخذهما بالبيعة لي، فأن امتنعا فأضرب أعناقهما، وأبعث لي برؤوسهما، وخذ الناس بالبيعة، فمن أمتنع فأنفذ فيه الحكم والسلام)(55).
فأين أدعـاء بروكلمان بأن الحزن قد أصاب يزيد عند قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ؟
أختتم بروكلمان حديثه عن مقتل الحسين (عليه السلام) بوصفه أن ميتة الشهداء التي ماتها الحسين (عليه السلام) والتي لم يكن لها أي أثر سياسي، قد عجلت في التطور الديني للشيعة، حزب الإمام علي (عليه السلام) الذي أصبح فيما بعد ملتقى جميع النزاعات المناوئة للعرب (الشعوبية)(*) واليوم لايزال ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء أقدس محـجة عند الشيعة (56).
من خلال هذا القول أفرغ المستشرق بروكلمان ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) من أي محتوى أو ثقل سياسي في التاريخ الإسلامي وتحديداً في العصر الأموي، فهذا الادعاء مخالف للحقيقة، فقد كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) أول ظهور علني رافضي ضد البيت الأموي، يسعى إلى التغيير، ضد الأقلية التي استأثرت بالخلافة وحولتها إلى ملك وراثي متجاهلة الأكثرية المجبرة على الصمت والمكرهة على تقبل الوضع (57).
لقد شحنت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) الفكر السياسي في الإسلام بمادة جديدة من التحدي الصعب والانتصار على الذات والتضحية من أجل المبدأ فكانت حدثاً غير عادي في التاريخ العربي الإسلامي من حيث اجتاحت في أعقابها دولة الأمويين عاصفة ثورية عارمة، كان من نتائجها القريبة أسقاط الحكم السفياني دون أن ينجوا منها الحكم المرواني على المدى الأبعد(58) .
اما المستشرق فلهاوزن فقد وصف استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه قطعة مسرحية انفعالية (ميلو دراما) بينما وصف مقتل الخليفة عثمان بن عفان بأنها مأساة أما عيوب الحسين (عليه السلام) الشخصية تختفي أمام ثورته ومقتله بدعوى أن دم الرسول( صل الله عليه واله وسلم) يجري في عروقه ومن أهل بيت الرســول، فلم يكن عليه أن يجهد نفسه (59).
أن ما أدعاه فلهاوزن غير صحيح، فقد قدم الإمام الحسين (عليه السلام) أعز شيء كان يملكه وهو التضحية بنفسه وأصحابه وأهل بيته من أجل بلوغ هدفه المتمثل بالوقوف بوجه السلطان الجائر الذي أبتعد عن الإسلام، كما أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يرغم أحد في الانضمام إليه والقتال معه، أذ أوضح بأن القوم يستهدفونه هو دون غيره وخيرهم للانصراف في الليلة التي سبقت المعركة، ولكن ثقة أصحابه به وإيمانهم بقضيتهم جعلهم يضحون في أنفسهم في سبيل ذلك (60).
وكان المستشرق جرهارد كونسلمان هو الاخر قد ركز على ابراز نتائج ما آلت إليه ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) فقد ذكر بأن مقاتلي يزيد قد قتلوا جميع انصار الحسين بلا رحمة وقاموا بفصل الرقبة عن جسد كل القتلى بما فيهم الحسين (عليه السلام) ومثلو بالكثير من جثث القتلى وهنا يحاول كونسلمان ابراز سلوك العنف والوحشية التي ارتكبها مقاتلي يزيد بحق اهل بيت الرسول, ويضيف كونسلمان بان الجثث الدامية المقطوعة الراس بلا دفن وكان من بين الضحايا اثنان من ابناء الحسين وكان يبلغان من العمر الحادية عشر والثالثة عشر, ولم يبق على قيد الحياة الا النساء وبعض الغلمان تم ارسالهم الى الكوفة تركو كربلاء باكين ووصلوا الكوفة باكين, ودخلت النساء والاطفال من باب المدينة يترنحن من الكلل, اما اصحاب الفضول الذين كانوا ينتظرون هناك فشرعوا في النحيب وسرعان ما اصابتهم الهستيريا وكانت النساء تضرب صدورها وكان رجال ونساء الكوفة يبكون لان ذنبهم واحباطهم هو الذي ادى الى مقتل الامام الحسين (عليه السلام) )61).
ورأى كونسلمان بان استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) أدى إلى أن تصير سلالة محمد وعلي (عليه السلام) وآل بيتهما في ضمير كثير من المسلمين، أنبل جنس عاش يوماً ما على أرض الدولة الإسلامية، وصار استشهاد الإمام الحسين في كربلاء أهم حدث في مجرى التاريخ بالنسبة للشيعة وضل هذا الشهيد رمزاً للشيعة حتى يومنا هذا، كما قوت هذه الثورة روح الانفصال والتفكك في جسد الدولة الأموية أستمر ذلك حتى سقوطها(62) .
ووصف كونسلمان واقعة الطف من اهم الحوادث في مجرى التاريخ الاسلامي, وكان من نتائج هذه الثورة انه قوى شيعة علي في رفضهم للحكام الذين لاتمتد جذورهم الى آل بيت النبي وقد قوى انقسام الاسلام عريكتهم وكانت ثورة الحسين (عليه السلام) فاتحة لعهد جديد من الثورات عصفت بالبيت الاموي (63) .
تحدثت المستشرقة جوناثان بيركي عن بعض جوانب ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وذكرت بأن الدولة الإسلامية بعد مقتل الإمام علي (عليه السلام) بنيـت على نظـام الوراثة تتوسطها مطالب الشيعة بأحقية أبناء علي (عليه السلام) في الخلافة، وواجه الأمويون معارضة شديدة جراء ترشيح يزيد بن معاوية للخلافة، وبرز معارض من أسرة علي وهو الحسين (عليه السلام) الذي انتهت ثورته بكارثة كربلاء عام 680م الغير موفقة، وترتب على هذه الثورة العديد من النتائج وأبرزها اشتداد المعارضة ضد السلطة الأموية (64).
لقد واجه المسلمون النهاية الفاجعة للثورة وما اعقبها من ذيول وقطع الرؤوس والسبي بثلاثة مواقف على حد وصف المستشرقين :
الموقف الاول: موقف شيعة اهل البيت, فقد استقبلوا النهاية الفاجعة بالحزن والندم والغضب, وحزنوا بسبب فظاعه ما حدث في كربلاء وندموا لانهم قصروا في النصرة والمساندة وغضبوا على النظام الاموي لأنه ارتكب الجريمة البشعة وقد تفاعل الندم مع الحزن فولد عندهم مزيدا من الغضب وولد لديهم الرغبة في التكفير عبروا عنها بمواقفهم من النظام ورجاله شعرا وخطابا وثورات استمرت اجيالا وجعلت من شعار (يا لثارات الحسين) شعارا لكل الثائرين على الامويين (65) .
الموقف الثاني: موقف عامة المسلمين الغير ملتزمين بالخط السياسي للشيعة وأئمة اهل البيت, فقد واجه هؤلاء الكارثة بالدهشة والاستنكار وقد هالهم ما كشفت عنه عملية قمع الثورة من اسلوب معاملة الامويين لخصومهم السياسيين, هذا الاسلوب الذي لا يحترم شريعة ولا أخلاقا ولا يقيم وزنآ حتى للأعراف الاجتماعية(66) .
الموقف الثالث: موقف اهل النظام فقد استقبل هؤلاء البشائر بالقضاء على الثائر بالفرح والبهجة واظهروا شعورهم بالراحة ولم يكف بعضهم عن إظهار الشعور بالتشفي والشماتة فقد اظهر يزيد بن معاوية شعوره بالفرح والغبطة بال يبدو ان قدوم السبايا اتخذ مناسبة شعبية فرحة استخدمت فيها الموسيقى والاهازيج (67).
ونبتت على أكتاف ثورة كربلاء ثورة في الكوفة وثورة في البصرة وانتفاضة في مصر وحركة في اليمن وثورة في الشام وتمرد في خراسان حتى عمت الثورات الخيرة كل مناطق العالم الإسلامي وقلبت المفاهيم الزائفة في ضرورة اطاعة السلطان مهما كان ظالماً، وأحرقت كل عرش زائف (69) .
الخاتمة
بعد أن توكل الباحث على الله ومَنّ عليه بإتمام البحث، تبين من خلال عرض الموضوع ما يأتي:
اولاً: شخص معظم المستشرقين الذين تحدثوا عن اسباب ثورة الامام الحسين (عليه السلام) بان الاصلاح كان الدافع الرئيس للثورة, وقد تبناه الامام الحسين (عليه السلام) شعارآ .
ثانياً: لم يختلف المستشرقون الذين تحدثوا عن مجريات ثورة الامام الحسين (عليه السلام) في ذكر مسيرة الحسين (عليه السلام) من مكة الى العراق وكذلك في تفصيل وقائع المعركة .
ثالثاً: اظهر المستشرقون يزيد على حقيقته ومدى حقده على الرسول محمد ) صل الله عليه واله وسلم ) وعلى آل بيته الاطهار بالانتقام من الامام الحسين (عليه السلام) وقتله وسبي عياله .
رابعاً: يرى المستشرقون ان ثورة الامام الحسين (عليه السلام) كانـت فاتــحة لعــصر جــديد من الثورات ضد السلطة الاموية إذ اسهمت في اضعاف النظام الاموي, واجـج استشهاد الامام (عليه السلام) شعلة الثورة في فئات متعددة من المجتمع الاموي.
خامساً: يجمع معظم المستشرقين بان أي ملحمة انسانية في التاريخ القديم والحديث لم تحظ بمثل ما حظيت به ملحمة الاستشهاد في كربلاء من إعجاب ودرس وتعاطــف، فقد كانـت حركة على مستوى الحدث الوجداني الأكبر لاُمّة الإسلام، بتشكيلها المنعطف الروحي الخطير الأثر في مسيرة العقيدة الاسلامية ..
سادساً: أكثر المستشرقين الذين كتبوا عن الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته إِنما نقلوا عن بعض الكتب التي درست الثورة دراسة سطحية لذلك لم تنقل الـحادثة التاريخية بصورة دقيقة، لذلك جاءت كتاباتهم منصبة على ذكر استشهاد الإمام الحـسين دون أَن يكون لهم موقف من الإمام (عليه السلام).
* هوامش البحث *
(1) سيدو، تاريخ العرب العام، ص166.
(2) ينظر: الماجد، موقف المستشرقين من الصحابة، ص551، الحصين، موقـف المستشرق سيدو من السيرة، ص93.
(3) لمعرفة موقف المستشرقين من الصحابة ينظر: الماجد، سعد بن عبدالله، موقف المستشرقين من الصحابة، ص 540 .
(4) ينظر: الصلابي، علي محمد، الحسن بن علي، ص356.
(5) ملحم، المؤرخون العرب والفتنة، ص308.
(6) الدينوري، الأخبار الطوال، ص221.
(7) ينظر: الصلابي، علي محمد، الحسن بن علي، ص356.
(8) ينظر: أبن عساكر، تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسين، ص167، بارا، أنطوان، الحسين في الفكر المسيحي، ص107.
(9) ينظر: بن خياط، تاريخ خليفة، ص143، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ص169، الديــنوري، الأخبار الطوال، ص337،
المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص60.
(10) لامنس، دائرة المعارف الإسلامية، مادة الحسين بن علي، ج7، ص427.
(11) هالم، الشيعة، ص28-29.
(12) هاينس هالم، الشيعة، ص30-31.
(13) فاجليري، موجز دائرة المعارف، مادة الحسين بن علي، ج12، ص3853.
(14) لابيدس، تاريخ المجتمعات الإسلامية, ج1، ص126.
(15) هورخرونيه، صفحات من تاريخ مكة، ص108.
(16) جولد تسيهر، العقيدة والشريعة، ص197.
(17) دونلدسن، عقيدة الشيعة، ص95-97.
(18) بروكلمان، تاريخ الشعوب، ص127.
الوليد بن عتبة*
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، كان والياً للمدينة في عهد معاوية وولده يزيد، وأميراً للحج عدة مرات، وقيل أن الخلافة عرضت عليه بعد وفاة معاوية بن يزيد فأبى، توفي سنة 64ه، للمزيد ينظر: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص239، أبن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص496.
(19) ينظر: أبن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص160.
(20) فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية، ص143.
(21) ينظر: الطبري، تاريخ الرسل، ج4، ص300، أبن كثير، البداية والنهاية، ج28، ص182.
(22) ينظر: المسعودي، مورج الذهب، ج3، ص65، أبن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص264.
(23) فلهاوزن احزاب المعارضة, ص 233
(24) كونسلمان، سطوح نجم الشيعة، ص54-55.
(25) كونسلمان، سطوح نجم الشيعة، ص 56.
(26) ينظر الطبري، تاريخ الرسل، ج4، ص311, البلاذري انساب الاشراف ج3, ص 167 .
(27) ينظر: أبن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص165.
(28) يان ريشان، الإسلام الشيعي، ص54 .
(29) يان ريشان, الاسلام الشيعي, ص 55.
(30) لامنس، دائرة المعارف الإسلامية، مادة الحسين بن علي، ج7، ص429.
الحج * كلام لامنس غير دقيق لان الحسين قد ادى العمرة وليس الحج
(31) هاينس هالم، الشيعة، ص31.
(32) فاجــليري، موجز دائرة المعـارف الإسلامية، مادة الحسين بن علي، ج12، ص3853.
(33) بروكلمان، تاريخ الشعوب، ص128.
عمر بن سعد *
عمر بن سعد بن أبي وقاص، ولد يوم مقتل عمر بن الخطاب، أرسله عبيد الله بن زياد لحرب الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، قتل سنة 66ه على يد المختار الثقفي، للمزيد ينظر: أبن سعد، الطبقات، ج5، ص125، الدينوري، الإمامة والسياسة، ج2، ص11، أبن عساكر، تاريخ دمشق، ج45، ص37.
(34) بروكلمان، تاريخ الشعوب، ص129.
(35) ينظر: الطبري، تاريخ الرسل، ج4، ص132، أبن الجـوزي، المنتظم، ج5، ص324، أبن الأثير، الكامل في التاريخ،
ج3، ص264، ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص147.
(36) مهدي، الرؤية الاستشراقية عند كارل بروكلمان، ص226.
مسلم بن عقيل *
مسلم بن عقيل بن أبي طالب أبن عم الحسين (عليه السلام) وسفيره إلى الكوفة، قدمها وأخذ البيعة إلى الحسين (عليه السلام) ، خذله أهل الكوفة وأستشهد في 8 ذي الحجة سنة 60 ه، ينظر: خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، ج1، ص280، أبن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص23-28.
(37) فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية، ص144 .
(38) فلهاوزن احزاب المعارضة, ص 236 .
(39) فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية، ص149 .
(40) ينظر: الطبري، تاريخ الرسل، ج4، ص300، أبن كثير، البداية والنهاية، ج28.
(41) كونسلمان, سطوع نجم الشيعة, ص 56 .
(42) كونسلمان, سطوع نجم الشيعة, ص 57 .
(43) كونسلمان, سطوع نجم الشيعة, ص 60 .
(44) ريشان, الاسلام الشيعي, ص 53 .
(45) ريشان الاسلام الشيعي, ص 55 .
(46) ريشان الاسلام الشيعي, ص 60 .
(47) ديورانت، قصة الحضارة، ج2، ص82.
(48) ينظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص46-35، بن خيـاط، تاريخ خليفة، ج1، ص284، الدينوري، الأخبار
الطوال، ص251-261، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص244.
(49) هاينس هالم, الشيعة, ص 32 .
(50) هاينس هالم, الشيعة, ص 34 .
(51) هاينس هالم, الشيعة, ص 36.
(52) هالم، هاينس، الغنوصية في الإسلام، ص33.
(53) لابيدس، تاريخ المجتمعات الإسلامية، ص126.
(54) بروكلمان، تاريخ الشعوب، ص128.
(55) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص241.
الشعوبية *
فكر تبناه أعاجم من أجناس مختلفة فضلوا فيه أجناسهم على العرب، أو هي فرقة لا تفضل العرب على الأعاجم ولا ترى لهم فضلاً على غيرهم، والشعوبي هو المحتقر لأمر العرب، ينظر: الفيروز أبادي، القاموس المحيط، ج1، ص88
(56) بروكلمان، تاريخ الشعوب، ص128.
(57) الشبري، محمد مهدي، الرؤية الأستشراقية عند كارل بروكلمان، ص231.
(58) الشبري، محمد مهدي، الرؤية الأستشراقية عند كارل بروكلمان، ص 232.
(59) فلهاوزن، أحزاب المعارض، ص135.
(60) ينظر، جياد، الإمام علي في كتابات المستشرقين، ص18.
(61) كونسلمان, سطوع نجم الشيعة, ص 57 .
(62) كونسلمان، سطوح نجم الشيعة، ص58-59.
(63) كونسلمان، سطوح نجم الشيعة، ص61 .
(64) Berkey, Jonathan, The formation of islam, combridgeanirersity press, p.74.
(65) شمس الدين, ثورة الحسين في الوجدان الشعبي, ص 88.
(66) ريتشارد سوذرن, صورة الاسلام في اوربا في القرون الوسطى, ص19, ولي نصر, انبعاث الشيعة, ص 6 .
(67) يان هانغسون, الحسين حلقة وصل بين المسيحيين والمسلمين, ص44, رائد علي, الامام الحسين وعاشوراء من وجهة
نظر المستشرقين, ص53.
(68) المدرسي، هادي، الإمام الحسين، ص18.
(69) آيت اللهي، سيد مهدي، الإمام الحسين بن علي، ص17.
المصادر والمراجع
المصادر الاولية :
1- ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي (ت630هـ/1233م) .
الكامل في التاريخ, تحقيق ابي الفداء عبد الله, دار الكتب العلمية, (بيروت -1407ه/1987م) .
اسد الغابة في معرفة الصحابة, تحقيق علي محمد معوض, دار الكـتب العلمـية, (بيروت – د.ت) .
2- ابن أعثم, ابي محمد احمد الكوفي (ت314هـ/ 926م)
الفتوح, تحقيق علي الشيري, دار الاضواء, ط1, (بيروت – 1411ه/1991م) .
3- ابن الجوزي، أبي الفرج عبدالرحمن (ت597ه /1201م) .
المنتظم في تاريخ الملوك والامم, تحقيق مصطفى عبد القادر, دار الكتب العلمية, (بيروت – د.ت).
4- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع (ت230هـ/941م).
الطبقات الكبرى, تحقيق علي محمد عمر, دار الخانجي, ط1, (القاهرة - 1421ه/2001م) .
5- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن (ت571هـ/1176م).
تاريخ مدينة دمشق, تحقيق محب الدين ابي سعيد, دار الفكر, ط1, (دمشق– 1417ه /1997م).
6- ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمرو القرشي الدمشقي (ت774هـ/1372م)
البداية والنهاية في التاريخ, مؤسسة التاريخ العربي،(بيروت- د.ت) .
7- البلاذري، أبو جعفر أحمد بن جابر (ت279هـ/892م).
جمل من انساب الاشراف, تحقيق سهيل زكار, دار الفكر, ط1, (بيروت-1416ه /1996م) .
8- خليفة، أبو عمرو خليفة بن خياط (ت240هـ/855م).
تاريخ خليفة بن خياط, تحقيق سهيل زكار, دار الفكر, ط2, (بيروت -1413ه/1993م).
9- الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة (ت276هـ/889م).
الامامة والسياسة، تحقيق محمد الرافعي، مطبعة النيل، (القاهرة - 1321ه/1904).
10- الطبري, ابي جعفر محمد بن جرير (ت 310هـ/ 922م)
تاريخ الرسل والملوك, تحق محمد أبو الفضل إبراهيم, مطبعة دار المعارف, ط2, (القاهرة – 1391ه/1971م) .
11- الفيروز آبادي، مجد الدين محمد يعقوب (ت817هـ/1414م)
القاموس المحيط، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، (بيروت - 1423ه /2003م) .
12- اليعقوبي، أحمد بن يعقوب بن جعفر (ت292هـ/904م).
تاريخ اليعقوبي، دار الصادر، ط1، (بيروت- 1379ه /1960م) .
13- المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين (ت346هـ/957م).
مروج الذهب ومعادن الجوهر، دار الكتاب العالمي، ط2، (بيروت-1410ه/1990م).
المراجع الحديثة :
1- جياد، حاتم كريم
الإمام علي في كتابات المستشرقين الغربيين، العتبة العلوية المقدسة، ط1، (النجف الاشرف - 1432ه /2011م) .
2- الحصين, سلطان بن عمر.
موقف المستشرق سيدون من السيرة النبوية، (الرياض- 1413ه /1993م) .
3- شمس الدين, محمد مهدي
ثورة الحسين في الوجدان الشعبي ,الدار الاسلامية, ط1 (بيروت -1400ه/1980م).
4- الصلابي, علي محمد .
الحسن بن علي، مؤسسة أقرأ، ط1، (القاهرة – 1428ه /2007م) .
5- الماجد، سعد بن عبدالله .
موقف المستشرفين من الصحابة، دار الفضيلة، ط1، (الرياض، 1431ه /2010م).
6- ملحم، عدنان محمد.
المؤرخون العرب والفتنة الكبرى، دار الطليعة، ط2، (بيروت- 1422ه /2001م) .
7- المدرسي، هادي.
الإمام الحسين، مؤسسة الوفاء (بيروت- 1403ه/ 1983م).
8- الميلاني، فضال.
مراجعة ونقد لأثر صادر من المستشرق هاينس هالم، مجلة دراسات استشراقية، العدد 1، (العتبة العباسية - 1435ه /2014م) .
9- شيري، محمد مهدي علي.
الرؤية الاستشراقية عند كارل بروكلمان لتاريخ الدولة الإسلامية في كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، (جامعة كربلاء- 1431ه /2010م) .
الكتب المترجمة:
1- بارا، أنطوان.
الحسين في الفكر المسيحي، ترجمة محمد بحر، ط5، (بيروت- 1430ه /2009م).
2- بروكلمان، كارل.
- تاريخ الشعوب الاسلامية, ترجمة نبيه امين فارس, دار العلم للملايين, (بيروت- 1393ه /1973م).
- تاريخ الادب العربي, ترجمة محمد فهمي حجازي, الهيئة المصرية للكتابة, (القاهرة- 1413ه /1993م).
3- جولد تسيهر.
العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة محمد يوسف وآخرون، دار المثنى، ط3، (بغداد – 1428ه /2007م) .
4- دونلدسن، دوايت.
عقيدة الشيعة، ترجمة منير البعلبكي، دار الخانجي، (القاهرة - 1351ه /1933م) .
5- ديورانت، ول واير.
قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران، ط2، (بيروت – د.ت).
6- ريشان، يان.
الاسلام الشيعي، ترجمة حافظ الجمالي، ترجمة حافظ الجمالي، دار عطية للطباعة، ط1، (بيروت - 1417هــ /1996).
7- سيدو.
تاريخ العرب العام, ترجمة عادل زعيتر, دار احياء الكتب العربية, (القاهرة- 1366ه /1947م) .
8- فلهاوزن، يوليوس.
- تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام حتى نهاية الدولة الأموية، ترجمة محمد عبدالهادي، دار الترجمة والتأليف، ط1، (القاهرة- 1387ه /1968م) .
- أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام الخوارج والشيعة، ترجمة عبدالرحمن بدوي، مكتبة النهضة، (القاهرة- 1377ه /1958م) .
9- كونسلمان، جرهارد.
سطوع نجم الشيعة, ترجمة محمد ابو رحمة, مكتبة مدبولي, (القاهرة- 1425ه /2004م) .
10- لابيدس، أيرام.
تاريخ المجتمعات الاسلامية, ترجمة فاضل جكتر, دار الكتاب العربي, ط2, (بيروت- د.ت) .
11- هالم، هاينس.
- الشيعة، ترجمة محمود كبيبو، بيت الوراق، ط1، (بغداد-1432ه/2011م)
- الغنوصية في الاسلام، ترجمة، رائد الباش، دار الجمل، ط1، (د. م– 1424هـ/2003م) .
12- هورخرونيه، سنوك.
صفحات من تاريخ مكة المكرمة، ترجمة علي عودة الشيوخ، دار الملك عبدالعزيز، ط1، (السعودية-1419ه /1999م) .
13-Berkey, Jonathan, The formation of islam, combridgeanirersity press, (cambridg, 2003(, p.74.
14-Noldeke, Theodor, sketches from eastern History, (London, 1892), p.96 (94).