البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

موقف المستشرقين من التصوف الإسلامي (دراسة تحليلية نقدية في كتابات المستشرقين)

الباحث :  أ. د. عبد الرحمان تركي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  17
السنة :  السنة الخامسة شتاء 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 18 / 2019
عدد زيارات البحث :  7027
تحميل  ( 958.140 KB )
أولا - الملخص:
تطرقت في هذا المقال إلى تعريف المستشرقين وبيان أصنافهم ودوافعهم في دراسة الإسلام وحضارته وعلومه، كما تطرقت إلى كيفية تعاملهم مع بعض قضايا التصوف الإسلامي ومسائله، وإلى رؤيتهم الخاصة التي تربط بين هذا التصوف بمثيله في الديانات الأخرى كالنصرانية واليهودية من حيث المصدر والمنهج والموضوع، وهذا كله بالرجوع إلى مصادر ومراجع عديدةٍ.

ثانيا - الموضوع:
1 - تعريف المستشرقين:
تعددت تعاريف المستشرقين بحسب تجربة كل مفكرٍ أو باحثٍ ورؤيته للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في العالم الإسلامي، وعلائقه مع المستشرقين الذين تنوعت بيئاتهم وثقافاتهم ونظراتهم للحضارة والفكر والتاريخ لدى العرب والمسلمين، ومن هذه التعاريف:
1- هم الباحثون والكُتّاب الغربيون الذين يكتبون عن الفكر والحضارة في الإسلام[1].
2- هم الذين يحاولون بأبحاثهم ودراساتهم إيجاد طريقة للوصول إلى تلاؤمٍ مع الشرق مبنيةٍ على منزلة الشرق الخاصة في التجربة الأوربية الغربية، فالشرق ليس لصيقاً بأوربا وحسب، بل إنه كذلك موضع أعظم مستعمرات أوربا وأغناها وأقدمها ومصدر حضاراتها ولغاتها ومنافسها الثقافي وأحد صورها الأكثر عمقاً وتكرار حدوثٍ للآخر، وإضافةً فقد ساعد الشرق على تحديد أوربا (أو الغرب) بوصفه صورتها وفكرتها وشخصيتها وتجربتها المقابلة [2].
3- هم كل من يقوم بتدريس الشرق أو الكتابة عنه أو بحثه في تاريخه أو آدابه أو لغاته، وفي كل جوانبه المحددة أو العامة [3]، ويقصد بالشرق هنا العالم العربي أو العالم الإسلامي، وكلاهما يقع في شرق الغرب الأوربي والأمريكي.
4- هم الشعراء والروائيون والفلاسفة والمنظرون السياسيون والاقتصاديون والإداريون من مواطني الدول الاستعمارية الذين يتبعون أسلوبا في الفكر والسلوك يقوم على التمييز بين الشرق والغرب بوصفه نقطة الانطلاق لسلسلةٍ من النظريات والملاحم والروايات والأوصاف الاجتماعية والمسارد السياسية التي تتعلق بالشرق وسكانه وعاداته [4].
5- هم المؤلفون الذين يقدمون تقاريرَ ودراساتٍ للمؤسسات السياسية الاستعمارية (كالبريطانية والفرنسية والأمريكية) من أجل السيطرة على الشرق واستبنائه وامتلاك السيادة عليه [5].
وما دامت الدراسات الاستشراقية وليدة منطق القوة والهيمنة غالباً، فإن العرب والمسلمين يقدَّمون في كثيرٍ من الأحيان في صورة شيءٍ يحاكمه المرء كما في محكمة العدل، شيءٍ يدرسه المرء ويصوره كما في خطةٍ دراسيةٍ، شيءٍ يؤدبه المرء كما في مدرسةٍ أو سجنٍ، وشيءٍ يوضحه المرء ويصوره ويمثل عليه كما في دليلٍ وجيزٍ في علم الحيوان، وفي كل هذه الحالات أو التشبيهات يُحتوى ويُمثّل بأُطرٍ طاغيةٍ [6].
6- هم المثقفون والباحثون الذين ينتمون إلى غير ديانة الإسلام، ويكتبون عنه وعن شعوبه وحضارته وعلومه، وبهذا نعتبر مثقفي العرب غير المسلمين مستشرقين إذا كانوا يكتبون عن الدين الإسلامي، كما هو الحال بالنسبة للنصارى العرب.
7- هم الكُتّاب غير العرب الذين يكتبون عن لهجات العرب ومذاهبهم ونحلهم وبيئاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهنا لا يقتصر مسمى المستشرقين على الغربيين، بل يعم كل من يكتب في الثقافة العربية من غير العرب، وهذا ما ينطبق مع مفهوم الاستشراق اليوم، نظرا للتطور السريع في وسائل الإعلام والاتصال، ونظرا لظهور أقطابٍ دوليةٍ جديدةٍ إضافةً إلى الدول الاستعمارية التقليدية.

ويمكن أن نصنف أسماءهم إلى صنفين:
أ - من حيث الزمن: طبقة القدماء مثل توما الأكويني [7]، وطبقة المحدَثين مثل كارا دوفو [8] وجولد تسيهر[9].
ب - من حيث الاتجاه العام نحو الإسلام والمسلمين، فهناك طبقة المادحين للحضارة الإسلامية مثل زيغريد هونكه [10]، وطبقة المنتقدين لها المشوهين لسمعتها مثل أرنست رينان[11][12]، وهناك الباحثون الذين اتسمت مقالاتهم وكتاباتهم بالعلمية والموضوعية، ومنهم من أسلم نتيجة بحثه النزيه مثل ناصر الدين دينيه [13].

2 - بدايات الاستشراق:
لا يُعرف بالضبط من هو أول أوربيٍّ عُني بالدراسات الشرقية ولا في أيِّ وقتٍ كان ذلك، ولكن المؤكد أن بعض الرهبان الغربيين قصدوا الأندلس في إبان عظمتها ومجدها، وتثقفوا في مدارسها وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم، وتتلمذوا على علماء المسلمين في مختلف العلوم وبخاصة في الفلسفة والطب والرياضيات، وبعد عودتهم إلى بلادهم نشروا ثقافة العرب ومؤلفات أشهر علمائهم، فكان أن تأسست - بعد ذلك - المعاهد والمدارس المتخصصة في دراسة مؤلفات العرب المترجمة إلى اللاتينية [14].
ويؤرخ لبدء وجود الاستشراق الرسمي في الغرب بصدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام 1312م بتأسيس عددٍ من كراسي الأستاذية في العربية واليونانية والعبرية والسريانية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وأفينيون وسلامانكا[15].
وكانت معلومات الأوربيين عن العرب في البداية ضئيلةً جدًّا، بل كانت مشوهةً ومشوشةً، حيث وصفت بعض دراساتهم الجغرافية حياة العرب على أنها قائمةٌ على النهب واللصوصية، والتفتت أنظارهم أكثر نحو العرب بفتح إسبانيا وقبرص والذي - عُدّ من طرفهم - كارثةً مماثلةً للاجتياحات التترية للمراكز الحضارية والثقافية في العالم، الأمر الذي استثار الفزع الشديد والقلق عند الأوربيين، ومن ذلك أن أسقف قرطبة عام 854م اشتكى من كون المسيحيين الشباب يأخذون من الآداب العربية أكثر مما يأخذون من اللاتينية، ويقرأون الأشعار والحكايات العربية ويدرسون مؤلفات الفلاسفة واللاهوتيين العرب، بينما يتجاهلون تماما التعليقات والشروحات اللاتينية على العهدين القديم والجديد (التوراة والإنجيل)[16].
وفي بداية القرن 16م حصلت تغيُّرات كبرى في موقف النصارى إزاء الإسلام، حيث إن الأوربيين بدأوا يلمسون كيف أن السبق الثقافي أصبح يتحول إلى صفهم، وبدءًا من نهاية العصر الوسيط لم يعد الأوربيون ينظرون إلى الإسلام بوصفه منافساً جدّيًّا في ميدان العقل والعلم، حتى أن مارتن لوثر[17] تهكم على تصورات القرون الوسطى الأوربية حول الإسلام، وقدم لتأييد وجهة نظره هذه نماذج مما أسماه خرافات الأوربيين وجهالاتهم حيال الإسلام، ولكن ما إن اقتربت الجيوش العثمانية سنة 1529م من فيينا حتى تغيرت تلك اللهجة فأصبحت أكثر عدائيةً وحدّةً، وانبعثت القوالب القروسطية مركزةً على وصف الإسلام بأنه دين العنف[18].
وبدأ الاستشراق بدراسة اللغة العربية والإسلام، وانتهى بعد التوسع الاستعماري الغربي في الشرق إلى دراسة جميع ديانات الشرق وعاداته وحضاراته ولغاته وتقاليده وجغرافيته، وإن كانت العناية بالإسلام والآداب العربية والحضارة الإسلامية هي أهم ما يُعنى به المستشرقون حتى اليوم نظرا للدوافع الدينية والسياسية التي شجعت على الدراسات الشرقية[19].
واكتشفت أوربا الفكر الإسلامي في فترتين من تاريخها، في فترة القرون الوسطى اكتشفت هذا الفكر وترجمته من أجل إثراء ثقافتها بالطريقة التي أتاحت لها وهدتها إلى حركة النهضة العلمية والصناعية منذ أواخر القرن الخامس عشر[20].
وفي الفترة الاستعمارية اكتشفت الفكر الإسلامي مرةً أخرى لا من أجل تعديلٍ ثقافيٍّ، بل من أجل تعديلٍ سياسيٍّ لوضع خططها الاستعمارية مطابقة لما تقتضيه الأوضاع في البلاد الإسلامية من ناحيةٍ، ولتسيير هذه الأوضاع بناءً على ما تقتضيه هذه السياسات في البلاد الإسلامية من أجل السيطرة على شعوبها من ناحيةٍ أخرى[21].
وبالرجوع إلى كتاب (المستشرقون) لنجيب العقيقي نجد أنهم قد عُنوا بتحقيق كثيرٍ من المخطوطات العربية الدينية والأدبية والتاريخية، وترجمتها إلى عديد اللغات، ودراسة العلوم العربية الإسلامية والتصنيف فيها مثل: القرآن وعلومه- النبي محمد P والسنة النبوية- الفقه- علم العقائد- الملل والمذاهب والفِرق- التصوف- الحضارة الإسلامية- العلوم والصناعات- الآداب والفنون- اللغة العربية وعلومها- التاريخ الإسلامي- المعاجم- الشعوب والأنساب والسلالات- الخلفاء والملوك والأمراء- الإسلام وسائر الأديان- الجغرافيا[22].

3 - دوافع المستشرقين:
أهمها:
1- الدافع الديني:
بدأ الاستشراق بالرهبان واستمر كذلك حتى عصرنا الحاضر، وهؤلاء كان يهمهم أن يطعنوا في الإسلام ويشوهوا محاسنه ويحرفوا حقائقه، ليثبتوا لجماهيرهم التي تخضع لنفوذهم الديني أن الإسلام - وقد كان يومئذ الخصم الوحيد للنصرانية في نظر الأوربيين - دين لا يستحق الانتشار، وأن المسلمين قومٌ همجٌ لصوصٌ وسفاكو دماء، يحثّهم دينهم على الملذات الجسدية ويبعدهم عن كل سموٍّ روحيٍّ وخلقيٍّ، وهم يعلمون (أي الرهبان) ما تركته الفتوحات الإسلامية الأولى ثم الحروب الصليبية ثم الفتوحات العثمانية في أوربا بعد ذلك في نفوس الأوربيين من خوفٍ من قوة الإسلام وكرهٍ لأهله، فاستغلوا هذا الجو النفسي وازدادوا حرصا واندفاعا إلى دراسة الإسلام[23]. 

2- الدافع الاستعماري:
لما انتهت الحروب الصليبية بهزيمة الصليبيين وهي في ظاهرها حروبٌ دينيةٌ، وفي حقيقتها حروبٌ استعماريةٌ لم ييأس الغربيون من العودة إلى احتلال بلاد العرب، فاتجهوا إلى دراسة هذه البلاد في كل شؤونها من عقائدَ وعباداتٍ وأخلاقٍ وثرواتٍ ليتعرفوا إلى مواطن القوة فيها فيضعفوها، وإلى مواطن الضعف فيغتنموها، ومن ذلك تشجيعهم القوميات التاريخية التي عفى عليها الزمن في بلادنا. إنهم ما برحوا منذ قرن يحاولون إحياء الفرعونية في مصر، والفينيقية في سوريا ولبنان وفلسطين، والآشورية في العراق، ليتسنى لهم تشتيت شملنا كأمةٍ واحدةٍ، وليتسنى لهم السيطرة على مضامين التعليم ومناهج الثقافة، وإقصاء اللغة العربية لغة القرآن التي تجمع أممًا وألوانًا وأجناسًا شتى[24].

3- الدافع الاقتصادي:
ومن الدوافع التي كان لها أثرها في تسارع حركة الاستشراق رغبة الأوربيين في التعامل معنا لترويج بضائعهم ومنتوجاتهم وشراء مواردنا وثرواتنا الطبيعية الخام بأبخس الأثمان[25].

4- الدافع السياسي:
وهنالك دافِعٌ آخرُ أخذ يتجلى في عصرنا الحاضر بعد استقلال الدول العربية والإسلامية، ففي كل سفارةٍ من سفارات الدول الغربية لدى هذه الدول ملحقٌ ثقافيٌّ يحسن اللغة العربية ليتمكن من الاتصال برجال الفكر والصحافة والسياسة فيتعرف إلى أفكارهم، ويبث فيهم من الاتجاهات السياسية ما تريده دولته[26].

5- الدافع العلمي:
ومن المستشرقين من أقبل على الاستشراق بدافع حب الاطلاع على حضارات الأمم وأديانها ولغاتها، ولذا جاءت أبحاثهم أقرب إلى الحق وإلى المنهج العلمي السليم، من هؤلاء توماس أرنولد[27] في كتابه (الدعوة إلى الإسلام)[28].
ومن هؤلاء الذين كتبوا لبيان الحقيقة العلمية خدمةً لمجتمعاتهم الأوربية نذكر المستشرق جوزيف رينو (1795 - 1868م)[29] الذي ترجم تقويم البلدان لإسماعيل أبي الفداء، وهؤلاء (أي المستشرقون الذين يحركهم الدافع العلمي) يدين لهم بعض المثقفين العرب بالوسيلة التي واجهوا بها مركّب النقص الذي اعترى الضمير الإسلامي أمام ظاهرة الحضارة الغربية[30].
ومن هؤلاء أيضا الكاتب الألماني مراد هوفمان الذي درس الإسلام ثم اعتنقه سنة 1980م، وكانت أول معرفته بالإسلام في الجزائر سنة 1962م حين رأى صمود وصلابة المجاهدين ولم يفهم من أين يأتيهم هذا الدعم الخفي حتى قرأ القرآن، وكان كتابه (الإسلام كبديل) دفاعاً عن الإسلام ديناً وحضارةً، وتجليةً لحقائقه ومفاهيمه الأصيلة، وردّاً للشبهات والشعارات التي أُلصقت به زورا وبهتانا مثل (الجبرية، التطرف، العنف، الجمود، الترف والإغراق في مجالس اللهو...)[31].

4- موقف المستشرقين من التصوف الإسلامي:
1-  تقديم:
جذب التصوف إليه اهتمام المستشرقين، فتعددت دراساتهم وأبحاثهم حوله، وأثارت دهشتهم وولعهم الشخصيات المشتهرة في مجاله مثل رابعة العدوية والحسن البصري وأبو القاسم الجنيد بن محمد وأبوحامد الغزالي ومحي الدين بن عربي (ت 638ه) والحسين بن منصور الحلاج (ت 309ه) وشهاب الدين السهروردي (ت 580ه).
ونذكر من هؤلاء المستشرقين: لويس ماسينيون[32] في دراسته عن الحلاج[33]، وروجيه إرنالديز في كتابه (رسلٌ ثلاثةٌ لإلهٍ واحدٍ)[34]، وجيب هاملتون[35] في كتابه (دراساتٌ في حضارة الإسلام)[36]، ورينولد نيكلسون[37] في كتابه (تراث الإسلام)[38]، وآسين بلاسيوس[39] في دراسته لشخصيتَيْ ابن عربي وأبي حامد الغزالي[40]، وأجناس جولد تسيهر في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام)[41]،وآدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري)[42]، ودي بور في كتابه (تاريخ الفلسفة في الإسلام)[43]، وجيرالد ديركس في دراسته (الصليب والهلال، محاورةٌ في العقيدة بين المسيحية والإسلام)[44].
وبعد نظرٍ وقراءةٍ متأنيةٍ في كتاباتهم نجدهم تساءلوا هل إن التصوف هو الأساس المشترك الذي تلتقي عنده الديانات الثلاثة (الإسلام واليهودية والمسيحية)؟، وبحثوا عن العلائق والصلات النظرية والعملية التي تربط بين التصوف الإسلامي والرهبنة لدى النصارى، كما تساءلوا هل إن أصول التصوف الإسلامي أجنبية، من الرهبانية السريانية[45] أو من الأفلاطونية المحدثة[46] أو من الزرادشتية الفارسية[47] أو الفيدانتا الهندية[48]، أم أن أصوله نشأت من التعمق في تأمل القرآن واستخراج ما يدعو إليه من الزهد وحب الآخرة؟.
كذلك لقيت الطرق الصوفية عنايةً من المستشرقين الذين تعددت أبحاثهم ومقالاتهم حولها، وأثار اهتمامهم دراسة سِيَر زعمائها ومشائخها مثل عبد القادر الجيلاني وأبي الحسن الشاذلي وأبي العباس أحمد بن محمد التيجاني ومحمد بن عبد الرحمان القشتولي الجرجري وغيرهم، ومع هذا فدراسة الفرق والطرق الصوفية ومشائخها وكتاباتها ومعتقداتها وممارساتها، والتي كانت تعبيرا عمليًّا عن علم التصوف لم تلقَ الاهتمام الكافي والملائم لأدوارها التاريخية ولمنجزاتها التربوية والاجتماعية.
ومن المستشرقين الذين كتبوا في هذا الجانب جان شوفليي في دراسته عن التصوف والمتصوفة في المغرب العربي، وسبنسر ترمنغهام في كتابه (الفرق الصوفية في الإسلام)[49]، وإدوارد دو نوفو في دراسته الاثنولوجية حول الجماعات الدينية عند مسلمي الجزائر في العهد الاستعماري[50].
وبعد نظرٍ في كتاباتهم وأعمالهم نجدها مع أهميتها وغناها بالمعلومات ليست مبنيةً على زيارات للزوايا ورجوع إلى مصادر الطرق الأساسية.

2- تعريف التصوف:
من المستشرقين الذين كتبوا حول التصوف جان شوفليي الذي يرى أننا عندما نتكلم عن التصوف أو مذهب الصوفية (Sufism) ندخل في ناحية من أروع نواحي الفكر الإسلامي بل الحضارة الإسلامية، ذلك أن تصنيف العلوم - كما هو الحال عند ابن خلدون - يضع التصوف من بين العلوم الإسلامية الشرعية التي مصدرها الشرع ممثلا في القرآن والهدي النبوي، وحينما نقول (صوفيٌّ) أي منتسبٌ إلى الصوفية منخرط في سلكهم، كما هو الحال عندما نقول (التسنن أو التشيع) نسبة إلى المذهبين السني أو الشيعي[51].
في تعريف التصوف يذهب شوفليي إلى أن الأرجح من كل الاشتقاقات ربط الكلمة بلبس رداء الصوف، وهو علامةٌ على إرادة الانقطاع الباطني، وهناك اشتقاقٌ آخرُ وإن كان بعيداً من حيث الاشتقاق اللغوي، يربط لفظ الصوفية بالصّفاء، فعندما ينقطع الصوفي عن الدنيا ويعود إلى باطنه فإنه يتطهر من الخفي من شهواته، وتقوم حياته الروحية على أن يُطهّر جميع حركاته وسكناته وأفعاله حتى ينتهي إلى صفاء نية القلب مصدر إلزامه الخلقي، وبهذا فهناك ثلاثُ خصائصَ رئيسيةٍ يثيرها لفظ الصوفية هي: الانقطاع والتطهر والحكمة[52].
وعن التصوف يقول أنه الانتقال من حالة السقوط في وحل المادة إلى حالة مؤمنٍ ذي مقامٍ وحالٍ،  ليست النزعة الصوفية في بادئ الأمر تأمُّلاً فلسفيّاً لاهوتيّاً مثل علم الكلام، وليست تأويلاً للأحلام، وإنما هي لديه تجربةٌ داخليةٌ، هي نوعُ طريقةٍ في الحياة وفي السلوك، ولما كانت (أي التجربة الصوفية كما يكتب عنها ويروي) سفراً قاصداً في الأعماق فإنها تعبّر عن رجاءٍ وتطلّعٍ إلى الآفاق، وعلى حركةٍ مزدوجةٍ للقلوب: الانكفاء والاستكانة إلى وحشة الباطن داخل الخلوة حيث يشرق حضور الله، والخروج عن الذات إلى الحق عن طريق الوجد، ذبذبةٌ واضطرابٌ وقلقٌ، وتقلّب من حال إلى حال كانقباض القلب في خفقانه وانبساطه[53].
أما المستشرق دي بور فيرى أن السبب الذي حدا بأهل الورع من المسلمين عن علم الكلام أنهم لم يجدوا فيه ما تطمئن به نفوسهم، وأنهم أحبوا أن يتقربوا إلى ربهم بطريقٍ آخر يتمثل في انتهاج التصوف، والذي عظم بتأثير تقدم المدنية والنفور من الدنيا[54].
وذهب المتصوفة- وفق ما يكتب هذا المستشرق - في إنكارهم لقدر العالَم وفي إنكارهم لشخصية الإنسان أبعد مما ذهب إليه المتكلمون، وإذا كان العالم قد ذهب عند المتكلمين ضحية القول بالخلق من حيث هو فعلٌ لله وحده، فقد ذهب عند أهل التصوف ضحية القول بأنه لا موجود إلا الله، والله يحب الإنسان ويقذف النور في قلبه، كما أن وسيلة السّمو والصلة بالله عندهم هي المحبة وليست الخوف أو الرجاء، وليست السعادة معرفةً ولا هي إرادةٌ، بل هي في الاتحاد بالمحبوب[55].
ويلاحظ المستشرق جولد تسيهر أنه في عصور التصوف والزهد الإسلامي تجلّت المبالغة في ناحيتين: الأولى تعبديةٌ والثانية أخلاقيةٌ، فالتعبدية تتمثل في الذكر الذي احتفظ بمكانته طوال الأدوار التي مرّ بها التصوف، والخلقية تبرز في المبالغة في التوكل أي الثقة في الله، وهذه العاطفة هي التي دفعت بهم إلى أقصى درجات الطمأنينة النفسية القانعة[56].
نجد هنا أن المستشرقين الذين سبق ذكرهم في تعريف التصوف، عرّفوه على أساس أنه علم يهتم بالباطن والوجدان، وأنه في مقابل علم الظاهر المتمثل في مسائل الفقه من العبادات والمعاملات، أي الحقيقة في مقابل الشريعة، أو أنه في مقابل علم الكلام الذي انتهى إلى جدلٍ عقليٍّ فلسفيٍّ لا يثير كوامن النفس، كما أنه (أي التصوف) تجربةٌ داخليةٌ تتغير من شخصٍ لآخر تبعاً لحالته النفسية وتصوره للدين الذي يؤمن به.

3- التصوف أثناء عصور الانحطاط:
وفيما له علاقة بالتصوف والحياة الروحية في المجتمعات الإسلامية نجد أن بعض المستشرقين اتفقوا مع بعض العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي في مواجهة أخلاق الخمول والتواكل والكسل التي تفشّت في المجتمعات العربية والإسلامية بسبب سوء فهمٍ للقضاء والقدر وسوء فهمٍ لمعنى العبادة في الإسلام.

فالتّصوف في مسيره امتزج أثناء مرحلة الانحطاط والجمود التي سادت الأمة الإسلامية، امتزج بأفكار تقديس الأشخاص والبحث الحثيث عن الكرامات وخوارق العادات والقصص الغريبة، والتمسح بالأضرحة والاعتقاد القوي بنفعها وضرها، مما أدى إلى ضمور طلب العلم من مظانه وغياب الأخذ بالأسباب وانعدام التفكير العقلاني.
وهذا ما لاحظه محمد عبده حيث ذهب إلى أن مَن فسد مِن المتصوفة بثوا في الحياة الإسلامية منذ عدة قرونٍ أوهاماً لا صلة لها بالدين لصقت بالأذهان مما أدى إلى نشوء الكسل وفشوّ الجهل[57].
وهذا ما لاحظه أيضا مالك بن نبي الذي حارب فشوّ الخمول والركود والقابلية للاستعمار في المجتمعات الإسلامية، في الوقت الذي دعا فيه إلى إحياء الجانب الروحي الصوفي واستثمار آثاره الإيجابية[58].
هذا النقد نجده عند المستشرق جيب هاملتون الذي رأى أن التصوف لم يعد يعتمد على تعاليمَ ومبادئَ ثابتةٍ بقدر ما صار يعتمد على أشخاصٍ نصبوا أنفسهم أئمةً وشيوخاً أو اعتبرهم أتباعهم كذلك، وأن النزعات الصوفية المتأخرة أعادت تقديس الأئمة وجعلهم واسطةً بين الله والإنسان، وأضمرت روح التفكير والنقد والنظر العقلي ودفعت إلى الخمول والجمود[59].
وكذلك نجده عند المستشرق جولد تسيهر الذي يحكي عن المتصوفة أنه يُروى عنهم طائفةٌ من المبادئ تبيّن مقدار ازدرائهم للعمل والسعي لكسب القوت وسدّ حاجات العيش، لأنهم يرون في الكدّ والسعي فقدانا للتوكل ونقصا في الثقة بالله، ويرون اللجوء لله مباشرةً في قضاء ما يحتاجون إليه دون الاستعانة بالوسائط، ومن البديهي - كما يذهب هذا المستشرق- أن تصَوُّراًكهذا للحياة لم يتفق مع الآراء الرائجة في محيط الفكر الإسلامي، وهي آراء سبق أن سارت وهي في طريق نموها وتطورها متجهةً نحو الحقائق الواقعية[60].
وفي الحقيقة فإن هذا الوصف ينطبق في العصور الأخيرة (ما بعد عصر ابن خلدون تقريباً) على واقع الشعوب الإسلامية في كل الميادين، حيث عانت من ظواهر التخلف والانحطاط الفكري والعلمي، والتناحر السياسي، وغياب روح المبادرة والأخذ بالأسباب، والتعصب المذهبي وانسداد باب الاجتهاد الفقهي والاكتفاء باجتهادات ومؤلفات السابقين وشروحها، والانغلاق على الذات وعدم الاطلاع والمواكبة لبدايات النهضة الصناعية في أوربا، وبالتالي لا يمكن أن نلصق كل آثار التخلف على علم التصوف، بل هو كغيره من بقية العلوم العربية الإسلامية اصطبغت بما أصاب المجتمع والأمة في ذلك الوقت.

4- التقارب بين الإسلام والنصرانية واليهودية:
هل التصوف هو عنصر الالتقاء بين الديانات الثلاثة (الإسلام واليهودية والنصرانية)؟.
وهل التصوف هو أحد السبل التي تجمع الشعوب في سلكٍ روحيٍّ توحديٍّ ينشد المعرفة الخاصة بالله، قوامها الشعور الذي في النهاية هو واحدٌ أو متقاربٌ بين هذه الشعوب؟.
هل تأثرت الطرق الصوفية في طقوسها وممارساتها الصوفية بالطوائف الصوفية في الملل الأخرى كالنصرانية؟.
وهل هناك قواسمٌ مشتركةٌ بين الطوائف الصوفية المختلفة ولو لم يكن هناك تأثُّرٌ ولا تأثيرٌ؟.
هل تناولت الطوائف الصوفية المختلفة موضوع التصوف باعتباره تلك الحالة النفسية الوجدانية التي تنتاب المتصوف حين يقترب من الله ويتخلق بأخلاقه ويعمل بوصاياه؟، أم باعتباره شعائرَ وطقوساً مفروضةً يجب مراعاتها والتقيد بها؟، أم باعتباره ظاهرةً تشترك فيها الإنسانية بكل دياناتها ومذاهبها؟.
في الإجابة عن هذه الأسئلة ذهب المستشرقون إلى أنّ التصوف في الحضارة العربية الإسلامية يماثل من حيث الجوهرُ التصوَّفَ في الحضارات والملل الأخرى، وهو (أي التصوف) المنطقة المشتركة التي تلتقي عندها كل الديانات لاسيما اليهودية والنصرانية والإسلام، وأن المتصوفة المسلمين يقتربون كثيراً من رهبان النصارى مهما كانت التعارضات العقائدية والدينية بينهم، وذلك من حيث التركيزُ على الجانب الباطني الوجداني والاشتراك في صفات العزلة والرهبنة والتنسك، والتقرب إلى الله بواسطة الإيمان القلبي وأخلاق الحب والخوف والرجاء، وغيرها من أخلاق المتصوفة.
وحول هذا الاقتراب خاصة في مجال المحبة والإيمان القلبي يقول روجيه أرنلديز: «فالقلب، إذاً، هو المحور الذي تتجه نحوه الرسائل الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام) مهما كانت تعارضاتها العقائدية»، ويقول «لكن يتفق لكلٍّ منهم (اليهودي والمسيحي والمسلم) وهو يعيش قيمه الخاصة أن يتمكن من الانفتاح على قيم الاثنين الآخرين فينبثق تشاركٌ أكيدٌ، ويتألق على مستوى الاختبار الديني اختبارٌ يكون القلب وحده قادراً عليه»[61].
واقترب من هذا الرأي رينولد نيكلسون إذ قال أن التصوف هو المنطقة التي تلتقي فيها النصرانية بالدين الإسلامي[62]، كذلك ذهب جيب هاملتون إلى أن التصوف في الإسلام كنزعةٍ زهديةٍ فيها تأملٌّ وسعيٌ لإدراك التجربة الدينية كان محكوماً بقوة الوحدانية المنزهة وبالفرائض القرآنية، لكنه استمد كثيراً من التجربة المسيحية وأدرجها في صوره التعبيرية بقدر ما يتلاءم ذلك كله مع مواقفه الدينية الأساسية[63].
وخلص بعض المستشرقين إلى أن التصوف بكامله في نشأته وتطوره تأثّر بعواملَ أجنبيةٍ عن الدين الإسلامي كالنصرانية أو الزرادشتية أو الثقافة اليونانية القديمة،ما يفسر لديهم بعد ذلك التشابه أو التقارب بين التصوف في الإسلام ومثيله في النصرانية أو غيرها من الديانات والملل، ومن هؤلاء المستشرقين آدم متز الذي يقول: «وتدل أقدم الكتب الصوفية التي وصلت إلينا، وهي مصنفات الحارث بن أسد المحاسبي المتوفي سنة 243هـ/858م دلالةً واضحةً على أنه تأثر بالنصرانية تأثُّراً، فإنه قد بدأ أحد كتبه بمَثل الباذر المذكور عن المسيح Q[64]» [65]، وجولد تسيهر الذي يقول: «وقد حاكى هؤلاء الزهاد المسلمون وعبّادُهم نُساك النصارى ورهبانَهم..»[66]، ويقول كذلك: «ومما هو جدير بالذكر أن فقرات الأناجيل التي يكثر الاستشهاد بها في الحِكَم التي تحث على الزهد، والتي تتحدث عن طير السماء التي لا تبذر ولا تحصد ولا تكدس ولكن يغذيها خالقها، هذه الفقرات توجد بنصها تقريبا في لبّ هذه المبادئ الخاصة بالتوكل..»[67].
ومن هؤلاء كذلك دي بور (ت. ج) الذي يقول: «هذه النزعة التي كانت موجودةً منذ عهد الإسلام الأول، قويت بتأثير عوامل ترجع إلى النصرانية وإلى مؤثراتٍ فارسيةٍ - هنديةٍ، ونمت وعظم أمرها بتأثير تقدم المدنية والنفور من الانغماس في الدنيا، فنشأت عن ذلك مجموعة ظواهرَ دينيةٍ يطلق عليها عادة اسم التصوف»[68].
الأمر نفسُه نقله إلينا جان شوفليي عن آسين بلاثيوس الذي كشف عن المصادر العربية للكوميديا الإلهية والذي قدّم الصوفية على أنها إسلامٌ تنصّر، ومثل هذه الصياغة التبسيطية - كما خلُص جان شوفليي في تعقيبه على بلاسيوس - إنما تُحرّف الحقيقة وتقلل من الآثار القرآنية المتجذرة في الصوفية، وتزيد من تضخيم التأثيرات الأجنبية عن القرآن، ولا تصور أصالة المتصوفة الذين تذوقوا معنى النبوة وقرأوا القرآن قراءةً تأمليةً روحيةً[69].
ولكن على الرغم من هذا الاقتراب الذي يبدو لأولئك المستشرقين فإن متصوفة الإسلام يفترقون عن الرهبان بعقائدهم المؤسسة على توحيد الله وتنزيهه عن مشابهة خلقه، فهم (أي متصوفة الإسلام) يُجِلُّون الله عن الولد والوالد والنظير وعن أن تجري قدرة البشر عليه، وينزهونه عن التمييز والإحاطة وإدراك الأبصار، ويصفونه بكل صفة كمالٍ وصف بها نفسه في كتابه أو في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
ثم إن محاولات التوفيق والتقريب بين الأديان من ناحية الإيمان والمحبة، والتسليم باتحادها عند التصوف بحجة أن أتباع الأديان يتوجهون إلى الله، والقلوب هي منطلق التوجه ومحل العبادة، هذه المحاولات تتعارض مع حقائق كلِّ دينٍ وعقائده ومفاهيمه التي تميزه، والدين الإسلامي الذي أعطى قيمةً عليا للجانب الروحي في الإنسان كما أشارت إلى ذلك آياتٌ قرآنيةٌ كثيرةٌ مثل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ﴾[70]، وقوله: ﴿ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ﴾ [71]، والذي (أي الجانب الروحي) ارتفعت به مكانة الإنسان وجعله الله في مقامٍ من التكريم بحيث أسجد له الملائكة، هذا الدين لم يقتصر على مظاهر العبادة والأعمال ولم ينعزل عن معركة الحياة كما هو الحال بالنسبة للأديان الأخرى.
وهذا الدين لا يعدّ نفسه دينا جديدا في مقابل النصرانية أو اليهودية لمجرد أنه تاريخيّاً جاء بَعدَهما، بل إنه يرى نفسه إكمالا وتصحيحا للدين الداعي إلى التوحيد الذي وصّى به إبراهيم ومَن بعدَه من الأنبياء، كما نصت على ذلك آياتٌ كثيرةٌ منها: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ﴾[72]، فالإسلام يبني صرحه على أسس الديانتين السماويتين اللتين سبقتاه، مشيدا بأنبياء الله معترفاً ومؤكِّداً لجوهرهما الذي لم يُنسخ بالوحي،والإسلام له رسالة الوحي إلى الناس كافة في المعمورة كلها، يقول تعالى: ﴿قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ
وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾[73] [74].
وعند المقارنة بين تعاليم الدين الإسلامي وتعاليم النصرانية في المجال الصوفي الأخلاقي، والتي يتداولها أتباعها اليوم، نجد أن بعض تعاليمها غير قابلةٍ للتطبيق والتنفيذ، كما يُقر بعض كُتّاب الغرب الذين يصفون هذه التعاليم بالمثالية والسّمو، يقول مايكل هارت: «كان المسيح يمتلك ولاشكَّ أفكاراً أخلاقيةً ساميةً وأصيلةً كقوله: (لقد قيل لكم أحبّوا جيرانكم واكرهوا أعداءكم، ولكني أقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، افعلوا الخير مع الذين يكرهونكم وصلّوا لأجل أولئك الذين يستغلونكم ويضطهدونكم)، ثم قوله: (لا تقاوم الشر بل كل من ضربك على خدك الأيمن أدر له الأيسر)، ومع أن هذه الأفكار هي من الأفكار المثالية العالية التي عرفها البشر، إلا أنه لم يتبعها أحد ولو تبعها جميع الناس لما ترددنا عن وضع المسيح في المرتبة الأولى »[75]، ويقول أيضا: «إن هذه الأفكار ليست متبعةً بشكلٍ واسعٍ عمليّاً وحتى أنها غير مقبولةٍ أصلاً، فالمسيحيون يعتقدون أن هذه المبادئ هي مبادئُ مثاليةٌ لا تصلح لقيادة سكان هذه الأرض التي نعيش عليها، فنحن لا نمارسها ولا ننتظر من أيِّ إنسانٍ أن يمارسها ولا نعلّم أطفالنا أن يمارسوها، فالتعاليم المميزة للمسيح تبقى تعاليم آسرة ولكنها أساسيّاً اقتراحاتٌ غيرُ مجربةٍ»[76].
كذلك في مجال المقارنة بين المنظور الإسلامي والمنظور اليهودي–النصراني، نجد المستشرق جيرالد ديركس يذهب من خلال دراساته المتعددة لنصوص كتب الديانات الثلاثة (الإسلام واليهودية والنصرانية) إلى وجود حيّزٍ من التشابه والتقاطع بينها، من حيث الشكل كقصص الأنبياء والأمم الغابرة (خلق آدم Q وهبوطه من الجنة- ابنا آدم اللذان قتل أحدهما أخاه- موسى Q وبنو إسرائيل- مولد يحيى Q- ميلاد عيسى Q)، ووجود تناقضٍ واضحٍ بينها من حيث المضمون، فالله في الإسلام واحدٌ ليس له نظيرٌ، وهو ليس مجموعة أربابٍ، وليس إلاها قوميّاً أو عرقيّاً وليس واحداً من مجموعة آلهةٍ[77].
ويستدل بآيات قرآنية منها قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾[78]، يستدل على الاختلاف الجوهري بين المنظورين، فمن خلال هذه الآية الإسلام، الذي يدعو إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، هو دعوة كل الأنبياء والرسل عليهم السلام، بينما الإسلام، حسب المنظور اليهودي - المسيحي وحسب ما يعتقد معظم الغربيين من غير المسلمين، ما كان له وجودٌ حتى بعثة محمد عليه الصلاة والسلام في القرن السابع الميلادي، وهو الذي أوجد الإسلام من خلال اقتباسه لكثير من تعاليم الكنائس الشرقية والكتابات المسيحية المرفوضة والمحظورة [79].
ويستنتج هذا المستشرق نقاطاً وعناصرَ اختلافٍ جوهريةً بين المنظورين، ومنها في المجال الأخلاقي أن المنظور اليهودي–النصراني غالباً ما يصور الأنبياء والرسل على أنهم أناسٌ خطاؤون يرتكبون ذنوباً يستحقون عليها التأنيب، وعلى النقيض يصور المنظور الإسلامي هؤلاء الأنبياء والرسل كأشخاصٍ من ذوي الفضيلة والتّقى والأخلاق السامية [80].
وإضافةً لما سبق نقول أن المتصوفة المسلمين الذين اتصفوا بالزهد والخشوع والتقوى والانقطاع إلى العبادة كانوا أكثر وضوحاً في تصوفهم، وكان لجوؤهم إلى التصوف استجابةً لنداء القرآن، يقول ابن خلدون: «هذا العلم (أي علم التصوف) من العلوم الشرعية الحادثة في الملة  وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذةٍ ومالٍ وجاهٍ والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عامّاً في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة»[81].

5- فكرة وحدة الوجود:
ومن آثار التصوف التي كثر الجدل والنقاش حولها، والتي اعتبرها بعض المستشرقين فكرةٌ ذاتُ أصولٍ غيرِ إسلاميةٍ، وإحدى نقاط الالتقاء بين المتصوفة المسلمين وغيرهم، هي فكرة وحدة الوجود.
وهي فكرةٌ أوردها كُتّاب مقالات الصّوفية والزهاد عن بعضهم لاسيما أهل التصوف الفلسفي، وتعني أن كل ما تراه من المخلوقات ليس شيئا غير الله، وأن الوجود وخالقه وحدةٌ واحدةٌ، فالكل واحدٌ وهو نفس الذات الإلهية، فلا تمييز في هذه الفكرة ولا فصل بين الخالق ومخلوقاته، وهناك معنًى آخرُ أضيقُ للمصطلح يشير إلى العلاقة بين الله وجزءٍ خاصٍّ من العالم وهو الذات الفردية للمتصوف عندما تصل إلى حالة الاتحاد[82].
وفي هذا المعنى أورد المستشرق دي بور عن المتصوفة اتفاقهم بأنه لا فاعل في كل شيءٍ إلا الله، وأن الغلاة منهم زادوا على هذا بأن قالوا أنه لا موجود في كل شيء إلا الله، ومن هذا المنزع الأخير نشأ مذهبٌ في وحدة الوجود خالف مذهب جمهور المسلمين، وكان من شأنه أن جعل العالم خيالاً لا حقيقةً، كما وحّد بين ذات الإنسان وذات الله، وبعد أن كان المتكلمون يقولون بوحدة الذات الإلهية قال الصوفية بوحدةٍ شاملةٍ لكل شيءٍ[83].
هذه الفكرة (بالمعنى السابق) متعارضةٌ مع الشريعة الإسلامية التي جاءت بإثبات وجودين، وجود الله الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء، ووجود المخلوق المفتقر إلى الله خالقه، وإضافةً إلى هذا فإن فكرة وحدة الوجود بهذا المعنى تُسوّي بين من يعبد الله ومن يعبد المخلوق لأنه صورة للذات الإلهية.
وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بتجلية حقيقة التوحيد من كل لبسٍ أو غموضٍ وببيان صلة العبد بخالقه، وهي صلة العبودية التي رددتها جميع رسالات السماء، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ﴾[84].
وحول الاعتراض على فكرة وحدة الوجود يذكر المستشرق ولتر ستيس أن هناك ثلاثة أسبابٍ رئيسيةٍ لعدم الثقة فيها، وهي[85]:
1 - يركز التأليه على فكرة إلهٍ شخصيٍّ، بينما وحدة الوجود تتجه نحو مطلقٍ غيرِ شخصيٍّ، فماهية العبادة في الإسلام والمسيحية واليهودية أن يتوجه العابد في صلاته إلى الله، لكن أيمكنه أن يصلي للعالم أو يسأل الغفران والنعمة من المطلق؟.
2 - إذا كان العالم كما تزعم وحدة الوجود وكل ما يوجد فيه إلهيّاً كان الشر الموجود فيه إلهيّاً أيضاً.
3 - الإنسان لاشيءَ أمام الله، فهو ذرة من الغبار أو الرماد، وهو موجودٌ آثمٌ، مثل هذا الموجود من التجديف على الله أن يدعى الاتحاد معه.
أما معنى وحدة الوجود الذي يردده جمهور الصوفية المحققون، فهو أن الأشياء موجودة بوجودٍ واحدٍ هو الحق سبحانه، لا أنها موجودةٌ بوجودٍ زائدٍ على الوجود الحق سبحانه[86]، فلا وجودَ مستغنياً بذاته إلا وجود الله، والعالم ليس وجوده من ذاته ولا بذاته ولا لذاته، ولا قوام له بذاته، وإنما هو شأنٌ من شؤون الله أو فعل من أفعاله [87]، وهذا المعنى نصَّ عليه القرآن الكريم إذْ فيه أن مشيئة الله هي النافذة، وأن الوجود وما فيه صادرٌ عن الله، قال الله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾[88].

ثالثا - خاتمة:
نخلص في هذا المقال إلى أن المستشرقين نظروا إلى العلوم الإسلامية -والتصوف أحدها- بعيونٍ مختلفةٍ وبمقاصدَ متباينةٍ، منهم من اقتصر على الجوانب التاريخية في نشأة هذه العلوم، وتخيّر من الأخبار والروايات وأقوال العلماء والمفسرين والفقهاء ما يناسب غرضه من إيرادها كمحاولة التوفيق والتقريب بين الديانتين (الإسلام والنصرانية)، أو إثبات التأثر بالأناجيل وأقوال الرهبان والقسيسين، ودراسة الآيات التي تناولت العلاقة مع اليهود والنصارى وعقائدهما وتبديلهما لكلام الله تعالى، أو دراسة نزول القرآن وتناسب آياته مع الظروف والأحوال التي عايشها النبي محمد P سواءً في مكة أو في المدينة، كما فعل جولد تسيهر في مؤلفه (العقيدة والشريعة في الإسلام).
ومنهم من أتى -في حديثه عن الإسلام- بآيات القرآن يقتبس منها العقائد والعبادات والأخلاق وقصص الأنبياء والمرسلين وأممهم، مقارناً إياها بما جاء في نصوص العهدين القديم والجديد، ومنصفاً في تبيان أوجه التشابه والتطابق أحياناً، وأوجه التناقض والافتراق الواضح، وهذا ما نجده لدى جيرالد ديركس في كتابه المترجم (الصليب والهلال، محاورة في العقيدة بين المسيحية والإسلام).
ومنهم -أي المستشرقين- من اهتم بكل العلوم الإسلامية ودراستها كعلوم القرآن والحديث والفقه (القانون الإسلامي أو الحقوق الإسلامية)، كما هو الحال في ترجمة القرآن لجاك بيرك، أو في المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي لونسنك (المستشرق الهولندي)، أو مبحث (الشريعة الإسلامية) لجوزيف شاخت ضمن كتاب (تراث الإسلام) للمصنفين جوزيف شاخت وكليفورد بوزورث.

------------------------------
[1] مالك بن نبي: إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث (ضمن كتاب القضايا الكبرى)، دار الفكر، دمشق، ط 2002م، ص 167.
[2] إدوارد سعيد: الاستشراق (المعرفة-السلطة-الانشاء)، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط6، 2003، ص 37.
[3] إدوارد سعيد: المرجع السابق، ص 38، ومصطفى السباعي: الاستشراق والمستشرقون، ما لهم وما عليهم، المكتب الإسلامي، بيروت، ط²، 1979م، ص 8.
[4] إدوارد سعيد: المرجع السابق، ص 38.
[5] إدوارد سعيد: المرجع نفسه، ص 39، وإبراهيم مناد: نبذة عن مسيرة الاستشراق، حوليات التراث، مجلة دورية محكمة تصدر عن كلية الآداب والفنون، جامعة مستغانم، العدد 03، مارس 2005م، ص 153.
[6] إدوارد سعيد: المرجع السابق، ص 71.
[7] توما الأكويني (1225م/1274م): ولد بمدينة أكويني من أسرة ألمانية، التحق بجامعة نابولي، وحاضر بباريس وروما، تأثر بابن سينا وابن رشد. (نجيب العقيقي: المستشرقون، دار المعارف، القاهرة، ط4، ج1، ص 117، 118).
[8] كارا دوفو (1867/1953): درس العربية ودرّسها في المعهد الكاثوليكي بباريس، وعني بالرياضيات والفلسفة والتاريخ، صنف كتابا عن الإسلام. (العقيقي: المرجع السابق، ج1، ص 238، 239).
[9] جولد تسيهر (1850/1921م): تخرج باللغات السامية في بودابست (المجر)، وزار سوريا وفلسطين ومصر، واشتهر بتحقيقه في تاريخ الإسلام وعلوم المسلمين وفرقهم وحركاتهم الفكرية، له كتاب (العقيدة والشريعة في الإسلام). (العقيقي: المرجع السابق، ج3، ص 40، 41).
[10] زيغريد هونكه: مستشرقةٌ ألمانيةٌ، ومن المؤلفين والباحثين الأوربيين الذين كتبوا في موضوع تاريخ العلوم الرياضية والطبيعية عند المسلمين، وهي تقر في كتاباتها بفضل علوم المسلمين على أوربا، تقول: «لم يعمل العرب على إنقاذ تراث اليونان من الضياع والنسيان فقط وهو الفضل الوحيد الذي جرت العادة على الاعتراف به لهم حتى الآن، وقد أصبحوا- وهذا أمرٌ قلما خطر على بال الأوربيين- المؤسسين للكيمياء والفيزياء التطبيقية والجبر والحساب بالمفهوم المعاصر وعلم المثلثات الكروي وعلم طبقات الأرض، وإلى جانب الابتكارات والاكتشافات الفردية التي لا حصر لها في سائر العلوم التجريبية فقد وضعوا في يد العالم الأداة المتكاملة الجاهزة ألا وهي: النظام العددي والحسابي، ومناهجهم العلمية الطبيعية في مجال البحث التجريبي. (زيغريد هونكه: العقيدة والمعرفة، ترجمة عمر لطفي العالم، دار قتيبة، بيروت، ط1، 1987م، ص 133).
[11] أرنست رينان (1823/1892): فيلسوفٌ ومستشرقٌ فرنسيٌّ، رحل إلى المشرق ونزل لبنان، وانتخب عضوا في المجمع اللغوي الفرنسي، من آثاره كتاب (ابن رشد والرشدية). (العقيقي: المرجع السابق، ج1، ص 191).
[12] بن نبي: المرجع السابق، ص 167.
[13] ناصر الدين دينيه: ولد ألفونس اتيين دينيه في باريس سنة 1861م، وكان فناناً وصاحب طبيعةٍ متدينةٍ وكثير التفكير والتأمل، استمر طيلة حياته يناضل عن الإسلام كدينٍ، ويناضل عن المسلمين كشعوبٍ، سنة 1928م قام بأداء فريضة الحج ووضع كتابه (الحج إلى بيت الله الحرام)، وتوفي سنة 1929م بباريس ونقل جثمانه إلى مدينة بوسعادة حيث دفن تنفيذا لوصيته، واشتهر بكتابه عن حياة محمد P. (عبد الحليم محمود: تمهيد كتاب محمد رسول الله P، لاتيين دينيه وسليمان بن إبراهيم، ترجمة عبد الحليم محمود ومحمد عبد الحليم، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1981م، من ص 7 إلى ص 41).
[14] السباعي: المرجع السابق، ص 13، 14.
[15] إدوارد سعيد: المرجع السابق، ص 80، وإبراهيم مناد: المرجع السابق، ص 153.
[16] أليكسي جورافسكي: الإسلام والمسيحية، ترجمة خلف محمد الجراد، منشورات عالم المعرفة، الكويت، ط 1996م، ص 45.
[17] مارتن لوثر (1483-1546م): راهبٌ ومفكرٌ وكاتبٌ، انفصل عن الكنيسة الكاثوليكية وبدأ الإصلاح الديني (البروتستانية) في ألمانيا. (أليكسي جورافسكي: المرجع السابق، ص 97).
[18] أليكسي جورافسكي: المرجع نفسه، ص 97.
[19] مصطفى السباعي: المرجع السابق، ص 15.
[20] بن نبي: المرجع السابق، ص 169.
[21] بن نبي: المرجع السابق، ص 169، 170.
[22] العقيقي: المرجع السابق، ج³، ص 7، 8.
[23] السباعي: المرجع السابق، ص 15، 16، وإبراهيم مناد: المرجع السابق، ص 153.
[24] مصطفى السباعي: المرجع السابق، ص 17، 18، وخالد مفلح عيسى: اللغة العربية بين الفصحى والعامية، الدار الجماهيرية، ليبيا، ط¹، 1987م، من ص 53 إلى ص 141.
[25] مصطفى السباعي: المرجع السابق، ص 18.
[26] مصطفى السباعي: المرجع السابق، الصفحة السابقة.
[27] توماس أرنولد (1864/1930): مستشرقٌ إنجليزيٌّ، تعلم في كمبريدج وقضى عدة سنواتٍ في الهند أستاذاً في جامعة عليكرة، وأستاذاً للفلسفة في لاهور، وهو أول من جلس على كرسي الأستاذية في قسم الدراسات العربية في مدرسة اللغات الشرقية بلندن ثم اختير عميداً لها، وقد زار مصر في أوائل سنة 1930 وحاضر في الجامعة المصرية عن التاريخ الإسلامي، من آثاره: نشر باب ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل للشريف المرتضى. (العقيقي: المرجع السابق، ج2، ص 84).
[28] السباعي: المرجع السابق، ص 19، 25، ونجيب العقيقي: المستشرقون، دار المعارف، القاهرة، ج¹، ص 228، وإبراهيم مناد: المرجع السابق، ص 155.
[29] جوزيف رينو (1795 - 1867م): مستشرقٌ فرنسيٌّ، عين أميناً على المخطوطات الشرقية في مكتبة باريس، وأستاذاً للعربية في مدرسة اللغات الشرقية، نشر بمعاونة مستشرقين آخرين مصنفاتٍ عربيةً أدبيةً وتاريخيةً. (العقيقي: المرجع السابق، ج¹، ص 175 ).
[30] بن نبي:المرجع السابق، ص 168، 169، وإسماعيل العربي: مقدمة كتاب (الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي لجوزيف رينو)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط¹، 1984م، ص 5، 6.
[31] آنا ماري شمل: مقدمة كتاب (الإسلام كبديل) لمراد هوفمان، ترجمة غريب محمد غريب، مؤسسة بافاريا للنشر، ميونيخ، ط¹، 1993م، ص 9، 16.
[32] لويس ماسينيون  (1883م- 1962م): ولد في باريس، اشترك في مؤتمر المستشرقين 14 بالجزائر سنة 1905م، طاف العديد من المدن العربية، ومعظم الدراسات المتعلقة بالتصوف الإسلامي في دائرة المعارف الإسلامية بقلمه، منذ 1919م أصبح تحت تصرف وزارة الخارجية الفرنسية بوصفه ضابطاً ملحقاً بمكتب المندوب السامي الفرنسي بسوريا وفلسطين، وجرى لقاء بينه وبين المفكر الجزائري مالك بن نبي. (نجيب العقيقي: المستشرقون، دار المعارف، القاهرة، ط4، ج1، ص 263، 264، وعبد الرحمان بدوي: موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين بيروت، ط3، 1993م،من ص 529 إلى ص 534، وابن نبي مذكرات شاهد القرن (الطالب)، دار الفكر، بيروت، 1970م، ص 62).
[33] نجيب العقيقي: المرجع السابق، ج1، ص 263، وعبد الرحمان بدوي: المرجع السابق، ص 529،530.
[34] روجيه أرنلديز: رسل ثلاثة لإله واحد، ترجمة وديع مبارك، منشورات عويدات، بيروت- باريس، ط1، 1988م.
[35] جيب هاملتون (1895م- 1971م): مستشرقٌ إنكليزيٌّ، ولد في الاسكندرية (مصر)، دخل جامعة أدنبره حيث تخصص في اللغات السامية العربية والعبرية والآرامية، صار أستاذاً للغة العربية بجامعة لندن ثم بجامعة أكسفورد، وعمل مديراً لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة، إنتاجه يتوزع بين الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والأفكار السياسية في الإسلام، تناول المستشرق جيب الأمراض والمساوئ التي تفشّت في العالم الإسلامي كالتعصب والتقليد والجمود الفكري والاندفاع العاطفي الانفعالي الذي يشدد على تمجيد الماضي في كتابه (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) ولاسيما في الفصل السادس منه وهو بعنوان (الإسلام في العالم). جيب هاملتون: الاتجاهات الحديثة في الإسلام، ترجمة هاشم الحسيني، دار مكتبة الحياة، بيروت، طبعة 1966م، وابن نبي: وجهة العالم الإسلامي، ترجمة عبد الصبور شاهين،  دار الفكر، دمشق، طبعة 1985م، ص 18، وعبد الرحمان بدوي: موسوعة المستشرقين، ص 174، 175، ونجيب العقيقي: المستشرقون، ج2، ص 129، 130، 131).
[36]- جيب هاملتون: دراسات في حضارة الإسلام، ترجمة إحسان عباس ومحمد يوسف نجم ومحمود زايد، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1979م.
[37]- رينولد نيكلسون (1868م- 1945م): مستشرقٌ إنكليزيٌّ، يعد بعد ماسينيون أكبر الباحثين في التصوف الإسلامي، درس اللغتين الفارسية والعربية بجامعة كمبردج، وإنتاجه العلمي يتناول إضافةً إلى التصوف الإسلامي الأدب العربي والشعر الفارسي، له مقالاتٌ عديدةٌ نشرها في دائرة معارف الإسلام. (عبد الرحمان بدوي: موسوعة المستشرقين، ص 593، ونجيب العقيقي: المستشرقون، ج2، ص 91، 92).
[38]- رينولد نيكلسون: تراث الإسلام، تعريب جرجيس فتح الله، دار الطليعة، بيروت، ط3، 1978م.
[39]- آسين بلاسيوس (1871/1944): مستشرقٌ إسبانيٌّ، ولد في سرقسطة وتخرج من معهدها الديني، ونشر رسالته عن العقيدة والأخلاق والتصوف لدى الغزالي، وانتخب عضواً في مجامع علمية عديدة منها المجمع العلمي العربي في دمشق، ومثّل بلاده في معظم مؤتمرات المستشرقين، وتخصص في الفلسفة والتصوف، واهتم بدراسة حركة التفاعل الثقافي بين المسلمين والنصارى. (العقيقي: المرجع السابق، ج2، ص 194).
[40]- العقيقي: المرجع السابق، ج2، ص 194.
[41]- أجناس جولد تسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة محمد يوسف موسى وعبد العزيز عبد الحق وعلي حسن عبد القادر، دار الرائد العربي، بيروت.
[42]- آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر.
[43]- دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة، دار النهضة العربية، بيروت، ط5، 1981م.
[44] جيرالد ف. ديركس: الصليب والهلال، محاورة في العقيدة بين المسيحية والإسلام، ترجمة فخري اللقيس، دار اليمامة، دمشق، ط1، 2009م.
[45] السريانية نسبة إلى النصارى السريان الذين تولوا ترجمة كتب اليونان إلى العربية خاصة في العهدين الأموي والعباسي. (دي بور: المرجع السابق، ص 19).
[46] الأفلاطونية المحدثة: مدرسة فلسفية يونانية اندمجت فيها عناصر شتى من المذاهب الدينية والفلسفية بما في ذلك السحر والتنجيم والعرافة، من أهم رجالها: أفلوطين (ت 270م) الذي يرى أنه على قمة الوجود يوجد (الواحد) - أي الله - وهو  الخير بالذات الذي تصدر عنه الموجودات صدوراً ضروريّاً عن طريق الفيض أو الإشعاع النوراني، ولذلك سميت هذه المدرسة بمدرسة الفيض وسميت الأقانيم الصادرة. (محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، دار النهضة العربية، بيروت، ص 68، 69، 70).
[47] الزرادشتية: أتباع زرادشت الذي ظهر بفارس في القرن السادس قبل الميلاد، من مبادئهم القول بإلهين اثنين للخير والشر والنور والظلمة. (الشهرستاني: الملل والنحل، تحقيق أمير علي مهنا وعلي حسن فاعور، دار المعرفة، بيروت، ط5،  1996م، ج1، ص 281، 282).
[48] الفيدا: كتاب الهندوس المقدس، يتضمن أناشيدَ دينيةً وعباراتٍ يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين، ومقالات في السحر والرقى والتوهمات الخرافية، والفيدانتا فلسفة الهند الأخلاقية تضمنت مبادئ صوفية كمبدإ وحدة الوجود. (أحمد شلبي: أديان الهند الكبرى، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط10، 1997، ص 45، 46، 72).
[49] سبنسر ترمنغهام: الفرق الصوفية في الإسلام، ترجمة عبد القادر البحراوي، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1997م، أشيرُ إلى أنه بعد اطلاعي على هذا الكتاب لاحظت أخطاءً مطبعيةً كثيرةً، وعسراً في فهم كثيرٍ من الفقرات لرداءة الترجمة.
[50] إدوارد دو نوفو: دراسةٌ إثنولوجيةٌ حول الجماعات الدينية عند مسلمي الجزائر، ترجمة وتحقيق كمال فيلالي، دار الهدى، عين مليلة، ط2003م.
[51] جان شوفليي: التصوف والمتصوفة، ترجمة عبد القادر قنيني، دار إفريقيا الشرق، بيروت، طبعة 1999م، ص10.
[52] جان شوفليي: المرجع السابق، ص 8، 9.
[53] جان شوفليي: المرجع السابق، ص 11.
[54] دي بور: المرجع السابق، ص 125.
[55] دي بور: المرجع السابق، ص 129.
[56] أجناس جولد تسيهر: المرجع السابق، ص 133، 134.
[57] محمد عبده: الإسلام والرد على منتقديه، المطبعة الرحمانية، مصر، طبعة 1928م، ص 38.
[58] بن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ترجمة بسام بركة وأحمد شعبو، دار الفكر، الجزائر، ط1، 1413ه، ص 97.
[59] جيب هاملتون: المرجع السابق، ص 283، 284. نشير هنا إلى أن محمود قاسم (الكاتب المصري) يرى أن المنهج الصوفي من حيث المبدأ لا يعير أهمية للنظر العقلي الذي يحث عليه القرآن، وهو منهجٌ يفوق مستوى الإنسان عادةً، وحصول المعرفة من طريقه نوعٌ من الخوارق والمعجزات وهو ما لا يمكن قبوله في مجال العلم. (محمود قاسم: مقدمة مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط3، ص 23، 24).
[60] أجناس جولد تسيهر: المرجع السابق، ص 134، 135.
[61] روجيه أرنلديز: المرجع السابق، ص 61، 62.
[62] رينولد نيكلسون: المرجع السابق، ص 306.
[63] جيب هاملتون: المرجع السابق، ص 275، 276.
[64] ويؤيده مترجم الكتاب محمد عبد الهادي أبو ريدة فيقول: «وينقل المحاسبي في كتابه (الرعاية لحقوق الله) عن بعض الحكماء تمثيل الهادي بالباذر، وكلامه بالبذر، والناس بأرضٍ صالحةٍ مثمرةٍ، أو أرضٍ ذاتِ شوكٍ يخنق الزرع، أو صخرٍ أملسَ لا يمكِّن الزرع من النماء، وتدل المقارنة بين كلام المحاسبي وبين مثل الباذر في إنجيل لوقا مثلا (الفصل السابع والعشرين) على أن المحاسبي ينقل عن السيد المسيح Q». (محمد عبد الهادي أبو ريدة: هامش كتاب الحضارة الإسلامية لآدم متز، ج2، ص 467)، ولكن بمراجعة كتب الحديث النبوي نجد أن المثل يشبه إلى حد ٍّكبيرٍ نص حديثٍ شريفٍ يرويه مسلم في صحيحه من كتاب الفضائل باب بيان مثل ما بعث النبي P به من الهدى والعلم، (الجامع الصحيح، دار الفكر، بيروت، ج7، ص 63).
[65] آدم متز: المرجع السابق، ص 466.
[66] أجناس جولد تسيهر: المرجع السابق، ص 136.
[67] أجناس جولد تسيهر: المرجع نفسه، ص 135، 136.
[68] دي بور: المرجع السابق، ص 125، 126.
[69] جان شوفليي: المرجع السابق، ص 15، 17.
[70] الحجر 29.
[71] السجدة 9.
[72] الشورى 13.
[73] سورة آل عمران، الآية 84.
[74] مراد هوفمان: الإسلام كبديلٍ، ترجمة غريب محمد غريب، مؤسسة بافاريا للنشر، ميونيخ، ألمانيا، ط¹، 1993م، ص 51، 52.
[75] مايكل هارت: المئة الأوائل، ترجمة خالد عيسى وأحمد سبانو، دار قتيبة، بيروت، ط13، 2006م، ص 30، 31.
[76] مايكل هارت: المرجع نفسه، ص 31.
[77] جيرالد ف. ديركس: المرجع السابق، ص 19، 58.
[78] سورة الأنبياء، الآية 25.
[79] جيرالد ف. ديركس: المرجع السابق، ص 43، 44، 232.
[80] جيرالد ف. ديركس: المرجع نفسه، ص 51.
[81] ابن خلدون: المقدمة، دار القلم، بيروت، ط7، 1989م، ص 467.
[82] محمد غازي عرابي: النصوص في مصطلحات التصوف، دار قتيبة، دمشق، طبعة 1985م، ص 344، وابن خلدون: المقدمة، ص 472، وولتر ستيس: التصوف والفلسفة، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، القاهرة، طبعة 1999م، ص 258، وممدوح الزوبي: معجم الصوفية، دار الجيل، بيروت، ط1، 2004م، ص 427.
[83] دي بور: المرجع السابق، ص 127، 128.
[84] سورة النحل، الآية 36.
[85] ولتر ستيس: المرجع السابق، ص 301، 302.
[86] رفيق العجم: موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 1999م، ص 1034.
[87] محمد عبد الهادي أبو ريدة: تعليق على (تاريخ الفلسفة في الإسلام) للمستشرق دي بور، ص 127.
[88] سورة الصافات، الآية 96.