البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الاستشراق في فكر إدوارد سعيد قراءة في منهج الخطاب

الباحث :  أ. د. لطيف نجاح شهيد القصاب
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  17
السنة :  السنة الخامسة شتاء 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 18 / 2019
عدد زيارات البحث :  9775
تحميل  ( 831.568 KB )
قراءة كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد تعطي استنتاجاً تدريجيّاً بأن الكتاب يمثل خطاباً فكريّاً بليغاً أكثر منه نصّاً مكتوباً بروحٍ علميةٍ خالصةٍ، فليس هو بحثاً منهجيّاً يستقرئ كتابات المستشرقين للكشف عن الموقف الثقافي المرتبط بالسلطة مثل ما ذهب إليه بعض النقاد، ولا هو مجرد سياحةٍ تأمليةٍ محمّلةٍ بإسقاطاتٍ أيديولوجيةٍ، تغذيها تجارب الكاتب الشخصية، ولواعجه النفسية.
النقطة الأساسية التي يثيرها هذا البحث هي أن إدوارد سعيد استطاع أن يحرز نجاحاً مذهلاً في جعل كتابه الاستشراق مقروءًا على الصعيد العالمي والغربي على وجه الخصوص بسبب موقعه الأكاديمي المرموق، هذا الموقع الذي استثمره الكاتب خير استثمارٍ في مجال ربط المعرفة بالسلطة، وكذلك بفضل قدرته الباهرة على «مخاطبة» النخبة والجمهور على السواء بلغةٍ انكليزيةٍ فذةٍ يحسده عليها حتى كبار الكُتّاب الإنكليز.
من العرض السابق نخلص إلى أن إدوارد سعيد في كتابها لاستشراق كان أديباً ملتزماً بأداء رسالةٍ سياسيةٍ أو أخلاقيةٍ أكثر منه ناقدًا في موضوعٍ أدبيٍّ صرفٍ يقتضي تغليب العلم على ما عداه. وأغلب الظن أن النجاح الذي أحرزه الكتاب مردُّه إلى هذا المنهج الصادم الذي اتّبعه المؤلف باحترافيةٍ عاليةٍ حينما لم يعمد إلى تصنيف موضوع الاستشراق إلى أنواعٍ أو أشكالٍ مختلفةٍ على غرار ما اتّبعه السابقون من المشتغلين بهذا الحقل المعرفي، بل اكتفى إدوارد سعيد بتقديمه جملة واحدةً، والحكم عليه حكماً مطلقاً. 

إدوارد سعيد: النشأة العلمية والتربوية
ولد إدوارد سعيد في مدينة القدس عام 1935، وتخرج من مدرسة سانت جورج الإنجيلية المقدسية في سنة ١٩٥٧. حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة برنستون، ثمّ على الماجستير سنة 1960، والتحق بعدئذ بجامعة هارفارد لدراسة الدكتوراه، وكانت أطروحته بعنوان «رسائل جوزيف كونراد ورواياته القصيرة» وانتهى منها عام 1964 ليصبح بعدها أستاذًا جامعيًّا للغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية حتى تقاعده.
قبيل حرب ١٩٤٨، وتحديدا في كانون الأول عام ١٩٤٧ انتقلت عائلته الثرية من حيّ الطالبية في القدس إلى بيروت ثم إلى القاهرة، ليصبح بعد ذلك إدوارد سعيد تلميذاً في المدرسة الأمريكية، ومنها إلى كلية فكتوريا المخصصة لأبناء الطبقات العليا. وبعد 40 عاما من مغادرته القدس عاد إليها زائرا  عام 1998، وعندما قرّر أن يزور منزله الذي ولد فيه شرق القدس وجده قد تحول إلى مستوطنة يهودية.
شغل إدوارد سعيد منصب عضو في المجلس الوطني الفلسطيني لعدة عقود. وعرفه الجمهور الغربي بوصفه مفكرًا عامًّا كما عرفه عازفا بارعا على آلة البيانو.
يقول معاصروه كثيرًا ما كان ينطق إدوارد سعيد اسمه الاول «إدوارد» بسرعة كبيرة ويشدّد على اسم «سعيد»، وأحيانا أخرى كان يربط الاسمين معًا وينطقهما بشكلٍ لا يتّضح أيٌّ منهما! لقد احتاج إدوارد سعيد -كما كتب في مذكراته- إلى أن يسلخ أكثر من 50 عامًا من عمره كي يعتاد على هذا الاسم، أو لكي يشعر بضيق أقلّ حيال اسم إنجليزي بعيد الاحتمال عن أن يكون مقرونًا ب«سعيد»، وهو اسمُ عائلةٍ عربيٌّ صميمٌ على حدّ تعبير إدوارد سعيد نفسه.
  حازت مذكراته «خارج المكان» المؤلفة سنة 1999 على العديد من الجوائز منها جائزة مدينة نيويورك. يقول صبحي حداد وهو مترجم كتاب إدوارد سعيد المعنون «تعقيبات على الاستشراق»: «انتمى إدوارد سعيد إلى تلك القلّة من النقاد والمنظّرين والمفكّرين الذين يسهل تحديد قسماتهم الفكرية الكبرى، ومناهجهم وأنظمتهم المعرفية وانهماكاتهم، ولكن يصعب على الدوام حصرهم في مدرسة تفكير محددةٍ، أو تصنيفهم وفق مذهبٍ بعينه... كان يساريّاً، علمانيّاً... ولكنه كتب نقداً معمّقاً بالغ الجرأة ضد يسارٍ أدبيٍّ يبتذل الموهبة الإبداعية حين يخضعها للسياسة اليومية أو الطارئة.
لإدوارد سعيد زهاء عشرين مؤلَّفاً منها ثمانية كتبٍ عن فلسطين تمّت ترجمتها إلى ٣٥‏ لغةٍ عربيةٍ وأجنبيةٍ. عانى إدوارد من مرضٍ عُضالٍ ووافته المنية في نيويورك عام 2003م، وأوصى أن ينقل رفاته إلى لبنان[1].

الاستشراق لغةً واصطلاحاً وتعريفاً وتاريخاً
الاستشراق في العربية مأخوذٌ عن مادة (ش ر ق) والأصل فيها «واحدٌ يدلُّ على إضاءةٍ وفتحٍ. من ذلك شَرَقَت الشّمسُ، إذا طلعتوأشرقت، إذا أضاءت. «واستشرق على زنة استفعل معناه طلب الشرق[2]. والمعنى الاصطلاحي للاستشراق لابدّ أن يُستمد من قواميس اللغة الأجنبية التي خرج منها هذا المصطلح أولاً، وهو بحسب القواميس الإنكليزية المتداولة يؤدي معنى دراسة الشرق لغةً وتاريخاً ومجتمعاً والمستشرق هو الخبير بلغات الشرق وتاريخه[3]. وقد استقر مصطلح الاستشراق عام 1873م في المؤتمر الأول للمستشرقين الذي عقد في باريس في العام نفسه كما يقول الدكتور عبد الأمير الأعسم[4]. وبعد مئة عام من هذا التاريخ أي في عام 1973م عقد في باريس مؤتمرٌ للمستشرقين وقرّر فيه المؤتمرون حينئذ إلغاء كلمة الاستشراق من التداول، واستبدالها بعبارة العلوم الإنسانية الخاصة بمناطق العالم الاسلامي[5]. لكن الدكتور علي حسين الجابري يحدد تاريخاً مختلفاً لمؤتمر المستشرقين الأول يعود به إلى سنة 1311م [6]. وملاحظة الفارق الزمني بين التاريخين السابقين تكشف صعوبة الإمساك بالبداية الحقيقية لفكرة الاستشراق من الناحية التاريخية، وهو الأمر الذي نستنتجه أيضا من ملاحظة التفاوت الكبير بين ما يورده كلٌّ من الدكتور مصطفى السباعي والمستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون في تحديد تاريخ الاستشراق. إذ يحدد الدكتور مصطفى السباعي تاريخ الاستشراق بسنة 999م حينما شرع القس الفرنسي جربرت بنشر ثقافة العرب وعلومهم إثر عودته من الأندلس[7]. في حين يحدد المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون بداية الاستشراق بالتزامن مع سقوط غرناطة أي في عام 1492م [8].   
أما تعريف الاستشراق في العربية فقد اختلف هو الآخر بحسب رؤية كلُّ معرّفٍ إلى الغرض الذي ينتهي إليه الاستشراق، فمن رأى أن غاية الاستشراق هي التبشير الديني أطّره بهذا المعنى، ومن رأى أن الغرض منه غرضٌ استعماريٌّ صاغ تعريفه بما يلائم ذلك. ويمكننا إيراد جملةً من التعريفات تتناسب مع الطرح المتقدم، منها أنّ الاستشراق هو تخصص الغربي الصليبي في دراسة الشرق شموليّاً لإضعاف نقاط قوته، وإبراز ضعفه،  وتشويه الإسلام لدى الغربي[9]. ومنها أنّ الاستشراق هو دراسة لغات الشرق القديمة ولهجاته الحديثة وتاريخه وأساطيره وعاداته وأديانه ومصادر ثرواته[10]. والاستشراق بحسب إدوارد سعيد في جوهره مذهبٌ سياسيٌّ فُرض فرضاً على الشرق[11]، ويمثل أسلوباً للخطاب أي للتفكير والكلام، تدعمه مؤسساتٌ وأفرادٌ، وبحوثٌ علميةٌ ومذاهبُ فكريةٌ وأساليبُ استعماريةٌ، وباختصارٍ، فإن الاستشراق هو أسلوبٌ غربيٌّ للهيمنة على الشرق[12].  كما أن المستشرق عند إدوارد سعيد هو «كل من يعمل بالتدريس أو الكتابة أو إجراء البحوث في موضوعات خاصة بالشرق، سواءً كان ذلك في مجال الأنثروبولوجيا أي علم الإنسان، أو علم الاجتماع، أو التاريخ، أو فقه اللغة»[13]. وإن معظم المستشرقين -لا جميعهم-  من الغربيين[14].
ويرى الدكتور حسام الآلوسي أن الإجماع يكاد ينعقد على أن الاستشراق بوصفه حركةً منظمةً بدأ مع أواخر القرن الثامن عشر، وطيلة القرن التاسع عشر، ولم تكن حركة الاستشراق نتيجةً لحب الاستطلاع ولكن من أجل الاستعمار وإثبات التفوق الغربي والتبشير[15]. ومثل هذا التحديد التاريخي للاستشراق والغرض منه تؤيده موسوعة السرد العربي للدكتور عبد الله ابراهيم إذ يقول: «ومن المعلوم أن المدونات الاستشراقية التي نشطت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر قدمت صورةً اختزاليةً عن الشرق ثقافةً ومجتمعاً، صورةً توافق الرؤية التي ينتظرها الغربيون وتستجيب لتصوراتهم النمطية عنه، وتفاعل الخطاب الاستعماري والصورة الرغبوية الاستشراقية في استبعاد الأشكال الحقيقية وذمها، وبها اُستُبدلت أشكالٌ أخرى توافق تصوراتها»[16]. ويقسم الدكتور مصطفى السباعي الاستشراق إلى استشراقاتٍ متعددةٍ بحسب الدوافع الدينية، والاستعمارية، والتجارية، والسياسية والعلمية[17]، كما يقسم دارسي الاستشراق من العرب إلى ثلاثة أصنافٍ: المفرطين في الاعجاب وعلى رأسهم نجيب العقيقي، والمفرطين بالعداوة وعلى راسهم أحمد فارس الشدياق، والمعتدلين ممن نظروا بموضوعيةٍ وإنصاف إلى مسألة الاستشراق، ولا يكاد ينطق باسمٍ صريحٍ لواحدٍ من هؤلاء. وأغلب الظن أنه أراد الإيحاء بأنه رأس هؤلاء المعتدلين أو أحدهم في أقل تقدير[18].

منهج الكتاب وعيوب التعميم والتعتيم 
قراءة كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد تعطي استنتاجاً تدريجيّاً بأن الكتاب يمثل خطاباً فكريّاً بليغاًذا صفةٍ إعلاميةٍ[19] أكثر منه نصّاً مكتوباً بروحٍ علميةٍ خالصةٍ على الرغم من استعمال الكاتب 414 هامشاً تحيل القارئ إلى مراجعَ أجنبيةٍ مختلفةٍ. فليس الكتاب بمجمله بحثاً منهجيّاً يستقرِئ كتابات المستشرقين للكشف عن الموقف الثقافي المرتبط بالسلطة كما وصفه مترجم الكتاب الدكتور محمد عناني[20]؛ إذ الكتاب في خطه العام لم يؤد مهمة الاستقراء بالمعنى الذي ذهب إليه المترجم بإقرار الكاتب نفسه الذي سنورده لاحقاً. والكتاب يتكئ في أطروحته الأساسية على جملةٍ من التعميمات على الرغم من طابعه الاستدراكي العام[21]، وتشمل هذه التعميمات الاستشراق والمستشرقين على السواء، من دون تمييزٍ بينهم بحسب النوع أو الاتجاه، فالاستشراق استشراقٌ واحدٌ واتجاهٌ واحدٌ، وواقعه « معادٍ للإنسانية»[22]، والمستشرقون لا يتميز أحدهم عن الآخر، وهم جميعا يمثلون رابطةً « لها تاريخٌ محددٌ في التواطؤ مع السلطة الإمبريالية»[23]. واستعمال لغة التعميم واقعيّاً لا يمكن نفيها اتكالا على شعور الكاتب بخشيته من هذه اللغة التي يصفها بعدم الدقة ويقرنها بممارسة التشويه، حين يقول: «تنحصر مخاوفي في أمرين: التشويه وعدم الدقة، أو بالأحرى ذلك اللون من عدم الدقة الذي ينتج عن التعميم»[24]. أو حينما يتنصل عن تأكيد التصريح بالتعميم، فيقوم بطرح سؤالٍ مفاده هل إن البحث اللغوي الذي قام به نفرٌ من المستشرقين الباحثين في اللغات الشرقية القديمة يدخل تحت بند الاستشراق السياسي أم إنه يمثل نوعاً من الاستشراق قائمٍ على البحث العلمي المجرد؟ ثم يجيب إدوارد سعيد قائلا: «التساؤل عمّا إذا كانت مناقشة الآداب أو فقه اللغات القديمة تحمل دلالةً سياسيةً أو تضم في تضاعيفها دلالةً سياسيةً مباشرةً تساؤلٌ عريضٌ واسعُ النطاق حاولت معالجته ببعض التفصيل في كتاب آخر[25]. وكان بإمكان إدوارد سعيد أن يحيل القارئ إلى كتاب الاستشراق نفسه لا إلى كتابٍ آخرَ باعتبار أن كتاب الاستشراق يصرّح تصريحاً لا مواربة فيه بضم أيِّ جهدٍ أكاديميٍّ استشراقيٍّ سواء ما يدخل في البحث اللغوي أوالتاريخي ونحو ذلك إلى منظومة الاستشراق السياسي ذات الأهداف الاستعمارية وأن الاستشراق حتى في بحوثه العلمية يمثل أسلوبا استعماريّا[26]، وأن المستشرق هو «كل من يعمل بالتدريس أو الكتابة أو إجراء البحوث في موضوعاتٍ خاصةٍ بالشرق، سواءً كان ذلك في مجال الأنثروبولوجيا أي علم الإنسان، أو علم الاجتماع، أو التاريخ، أو فقه اللغة»[27]. ولو أن إدوارد سعيد عمد إلى الجواب المباشر عن السؤال السابق بدلاً من الدخول في تلك المتاهة اللفظية لكان قدّم لقارئه خدمةً أفضلَ في الفهم وسرعة الاستيعاب. ولكنني لا أستبعد إمكانية أن يكون إدوارد سعيد قد فعل ذلك عن قصدٍ بغية إكساب كتابه نصيباً أكبر من الدراسة والاهتمام، كما سنقف على ذلك لاحقاً في مبحث أسلوب الكتاب وأسباب رواجه.
يؤكد إدوارد سعيد اهتمام حركته النقدية بالاستشراق الفرنسي والإنكليزي بصفةٍ رئيسية لكنه مع هذا التأكيد لم يذكر مستشرقاً فرنسيّاً معروفاً بتعاطفه الواضح مع العرب مثل غوستاف لوبون[28]، مثلما لم يذكر مستشرقا إنكليزيا كأرنولد توينبي الذي كتب عن شخصية رسول الاسلام بمزيج من الود والإكبار[29]، أو غيره ممن تطوعوا لتفنيد حجج الاستشراق ضد الإسلام ومنها الحجة التي تزعم بأن الإسلام ما هو إلا فرعٌ مشوَّهٌ من المسيحية أو النصرانية على نحو ما فعله توماس كارليل الذي وصف المسيحية بالضوضاء الباطلة التي لا ترقى إلى توهج الإسلام وامتزاجه في نفوس أتباعه[30].
بل حتّى إنه لم يذكر المستشرقين الذين اشتغلوا في ميادين معرفة حضارة الشرق ودراستها دراسة علمية منهجية، ولم يكن لهم أي ارتباط بدوائر الاستشراق الرسمية، وقدّموا ضمن ما قدموه خدمات معرفية جليلة، خصوصا في إطار تحقيق التراث العربي، وفكّ رموزه،  ونشره، ونقده نقدا علميا، ومن هؤلاء المستشرقين من أمضى عمره، وأنفق ماله في سبيل تحقيق مخطوط، أو فك رمز من الرموز[31]. إن إغفال التمييز بين العلماء المختلفين في تفكيرهم عن السائد العام، وعدم ذكر حتى المشاهير منهم بدعوى تعذر الاستقراء التام فيه جناية على البحث العلمي، لا سيما أن إدوارد سعيد يُفرد مساحةً لمشاهير الأدباء ممن خالفوا الطرح السائد في زمانهم بخصوص النظرة للشرق والشرقيين من أمثال (غوته) ونحوه، وقد تكون هذه المؤاخذة المؤشرة من لدن فريق من الناقدين لجهد إدوارد سعيد، هي المؤاخذة الأشهر والأكثر عصيانا لمحاولات التفنيد مهما حاول إدوارد سعيد أن يحصّن مذهبه في الانتقاء بالقول مثلا: «إننا نستطيع أن ندرس العلاقة بين الاستشراق الإسلامي أو العربي وبين الثقافة الأوربية الحديثة دون أن نقوم في الوقت نفسه بذكر كل مستشرق ظهر على هذه البسيطة»[32].

خصوم الكتاب وأبرز الاعتراضات
في التذييل المكتوب على كتاب الاستشراق عام 1995 حاول إدوارد سعيد أن يختزل جبهة المعارضين لأفكاره بشخصٍواحدٍ أو شخصين فقال: «من الجهل المطبق القول بأن الاستشراق مؤامرة، أو الإيحاء بأن الغرب شرٌّ، وكلاهما من السخافات التي تجاسر لويس بوقاحة فنسبها إلي، هو وتابعه-الذي يتولى التعليق على الأحداث الجارية- وهو العراقي كنعان مكية»[33]. أقول إن الذين ردّوا على كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد من الغربيين والشرقيين أوسع دائرة من هاتين الشخصيتين قطعاً، وأثقل منهما في ميزان النقد لكنه ربما أراد بهذا الاختزال المقصود إيصال رسالةٍ سياسيةٍيراها ملحةً وتتعلق بطبيعة الصراع الأمريكي العراقي في فترة كتابته التذييل، ذلك أن رقعة المناوئين لفكر إدوارد سعيد أكثر عددًا وأكبر خطرًا من هذين الاسمين، وإن كان برنارد لويس تحديدًا هو الأشهر والأقدم عداوةً لإدوارد سعيد من الناحية التاريخية. وبخصوص هذه النقطة فقد جمع الدكتور حسام الآلوسي على سبيل المثال طائفةً من الردود المعارضة لأطروحة إدوارد سعيد في الاستشراق لعددٍ من كبار المفكرين في العالم الغربي والعربي، بضمنها ما أورده برنارد لويس، وقال بحقها الآلوسي في معرض تقييمها حينئذٍ: «ولسنا بحاجةٍ بعد هذا أو ذاك إلى تلخيص ردود إدوارد سعيد على برنارد لويس، فهي فيما أوضحنا من ردود لويس تتعلق بأمور جزئية معلوماتية بين الطرفين لا تؤخر ولا تقدم شيئا»[34]. وأظن أن أقوى الردود العلمية المناهضة لأفكار إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق تتمثل بنقطتين رئيسيتين أشرنا إليهما سابقا ويمكن تمييزهما بوضوح من بين 14 نقطة جمعها الآلوسي من أقوال المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسن وبعض ما قاله مفكرو اليسار العرب ضد إدوارد سعيد وهاتان النقطتان هما[35]:
1 -لا يميز ادوارد سعيد بين الكتابات الاستشراقية الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تكشف عن تزمت، وبين جهود المستشرقين في خدمة التراث العلمي العربي، ولاسيما جهود المستشرقين الألمان.
2 -اذا كان بين المستشرقين من قدّم نقدًا سلبيًّا حول الاسلام ورسوله فإننا نجد ابتداءً من القرن الثامن عشر نقدا ضد المسيحية والمسيح والكنيسة والإنجيل والتوراة أكثر وأخطر مما قدمه الفكر الاستشراقي حول أيِّ دينٍ آخرَ، زد على ذلك أن عدداً من المستشرقين عرفوا بالحديث عن هويتين غربية وشرقية وانتهوا إلى تفوق الهوية الشرقية على الغربية مثل رينيه غينيون في كتابه الشرق والغرب ولكن إدوارد سعيد يتجاهل هذا كله.
أما القسم الأعظم ممّا جمعه الآلوسي من النقاط الأربعة عشرة فلا تتصل بصميم النقد المؤسس على حِجاجٍ واستدلالٍ معتبريْن، من ذلك ما ذهب إليه نديم البيطار من عدّ ما كتبه إدوارد سعيد تمثيلاً لشكلٍ ميتافيزيقيٍّ على أساس أن الاستشراق يمثل حالةً مستديمةً وجوهراً ثابتاً رافضاً للديالكتيك... أو أن  كتاب الاستشراق برمته ليس على مستوًى معتدٍّ به من الأهمية أو الاهتمام[36]. واتهام الخصم بأنه ذو فكرٍ ميتافيزيقيٍّ تهمةٌ جاهزةٌ درج العلمانيون على إلصاقها بكل ما لا يتطابق مع مزاجهم الفكري العام، كما هو الحال بالنسبة للمتدينين المتعصبين الذين سرعان ما يصنفون أي مختلف مع توجهاتهم الأيدولوجية ضمن اللائحة  الإلحادية؛ لأن القول بكون الاستشراق يمثل جوهراً ثابتاً لا يستلزم رفضاً لمنطق الديالكتيك وإنما هو وصفٌ موحٍ بأن الاستشراق الذي يصور الشرق بالمتخلف، والشهواني، والشرير... إلخ يمثل حالةً استراتيجيةً يسعى الفكر السياسي الغربي لبقائها حيةً في وعي جماهيره، وهو أمرٌ ترصده باستمرارٍ مراكز البحث المعنية بهذا المجال[37].        
 على أن التهوين من شأن المستوى الفكري أو العلمي للمقابل المختلف، يمثل عادةً «شرقيةً» متخلفةً إذا جاز لي أن أشارك بعض المستشرقين تقييم سلوك الشرقيين على نحو المماحكة في الأقل. والحق أن درجة التأثير التي أحدثتها أطروحة الاستشراق لا يمكن غض الطرف عنها بتاتاً، ومما يسجله بعض المفكرين الغربيين لإدوارد سعيد أنه استطاع أن يجعل من معنى  المستشرق المعاصر مرادفاً للشخص المنحاز لليهودي ضد الفلسطيني[38]. وأن كتاب الاستشراق ومؤلفات الكاتب اللاحقة أحدثت تأثيرًا واضحاً في نظرية النقد الأدبي، فضلا عن تأثيرها في العلوم الإنسانية[39].   
يتهم بعض النقاد الغربيين إدوارد سعيد بكونه أحد المساهمين في انشاء خطاب الاستغراب لمعاكسة خطاب الاستشراق الغربي[40]. غير أن هذا التصور مرفوضٌ من طرف إدوارد سعيد كما يبدو من قوله: «الرد على الاستشراق ليس الاستغراب ولن يجد من كان شرقيّاً يوماً ما أيَّ تسريةٍ في القول بأنه ما دام شرقيًّا هو نفسه فمن المحتمل، بل من الأرجح، أن يدرس شرقيين جدداً–أو غربيين- من ابتكاره الخاص. وإذا كان لمعرفة الاستشراق أيُّ معنًى، فإنه يكمن في كونه تذكيراً بالتدهور المغوي للمعرفة، أية معرفة، في أي مكان، وفي أي زمان»[41]. وبحسب فهمي لقصد النص السابق الحافل بأدوات الإضراب والاستدراك أن فكرة الاستغراب المذمومة من وجهة نظر إدوارد سعيد هي تلك التي تمثل معادلاً موضوعيّاً لفكرة الاستشراق بمعنى أن يكون الاستغراب هو النظر إلى الغربي من خلال صورةٍ متخيلةٍ سلفاً، صورةٍ افتراضيةٍ مجافيةٍ للواقع الحقيقي.   
على أن ثمةَ مؤاخذةً رئيسيةً على الجهد النقدي الذي عرضه إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق، يمكن أن نصطلح عليها بمنهجية التعتيم، وتتلخص هذه المؤاخذة بعدم إقرار الناقد بصحة بعض المقولات الاستشراقية التي كتبها أو يكتبها غربيون أو شرقيون على الرغم من إمكانية تأويل تلك المقولات بما يناسب مجال مراجعة الذات الشرقية والتنبيه على مواضع الخلل، والقصور، وأضرب مثالاً على ذلك بازدراء إدوارد سعيد لمن يقول: «لم يظهر العرب حتى الآن القدرة على الوحدة المنضبطة والدائمة، فدفقات الحماس الجماعي تتفجر في صدورهم، لكنهم لا يقومون صابرين بمشروعاتٍ جماعيةٍ، وهم يحتضنونها عادةً بفتورِ همةٍ، ويفتقرون إلى التنسيق والتناغم في التنظيم وأداء العمل»[42]. والمتأمل الموضوعي في النص السابق يلاحظ تشخيصاً واقعيّاً للحالة التي تعاني منها معظم مجتمعاتنا الشرقية والعربية منها على وجه الخصوص، ولا يمكن ردّها ببساطةٍ إلى فرضية التلفع بأردية الاستشراق، وتفسيرها بالأمراض النفسية التي خلّفها الاستشراق داخل النسق الفكري للشرقي، وأدّت به إلى النظر إلى ذاته بمنظار النقص والدونية. بل الصحيح التعامل مع هذه الانتقادات بأفقٍ أكثر انفتاحاً، والاستفادة مما تطرحه لحلّ المعضلات الاجتماعية والإدارية لدينا بدلاً من وصمها بعار الاستشراق. إن إدوارد سعيد حينما يطرح نفسه فاضحاً للخطر الاستعماري مطلوبٌ منه في الوقت نفسه أن يساهم في بلورة وصفةٍ مفيدةٍ لمجابهة هذا الخطر، لا الاكتفاء بموقف المتفرج على النحو الذي يفعله المستشرقون عادةً، وأشار له بعض الباحثين، ومنهم الدكتور نصر حامد أبو زيد[43]، وإذا كان من حق إدوارد سعيد أن يعفيَ نفسه من الإسهام في مثل تلك الوصفة المقترحة، فليس من حقه أن يمنع الآخرين من محاولات التفكير بإيجادها.

أسلوب الكتاب وأسباب رواجه   
تُرجم كتاب الاستشراق إلى عشرات اللغات الإنسانية المتداولة، وما كان لهذا الكتاب أن يجد مثل هذه الفرصة النادرة من ذيوع الصيت والانتشار لولا نفوذ صاحبه العلمي وكونه أحد ألمع أساتذة جامعة كولومبيا المصنفة باعتبارها إحدى أفضل خمس جامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، وتفخر سجلاتها الرسمية بحصول  104 من خريجيها على جائزة نوبل، وتعادل ميزانيتها السنوية ميزانية أربع دولٍ عربيةٍ مجتمعةً هي لبنان والأردن وفلسطين وسورية[44]. ولولا هذا الموقع الأكاديمي الرفيع الذي تربع عليه إدوارد سعيد حتى النهاية لما استطاع أن يخاطب الجمهور الغربي، وأن يحرك بعضا من المياه الراكدة في قناعاته تجاه الآخر والعربي المسلم منه على وجه التحديد وهو يأسره بمتعة التفتيش والتحليق في جوٍّ أدبيٍّ ملحميٍّ، ويقوده بحذقٍ ومهارةٍ إلى مكامن الإبداع الماثل في عيون الأدب الغربي مجنداً في ذلك كل ما أوتيه من قدرةٍ لغويةٍ فذةٍ يحسده عليها كبار الكُتّاب الإنكليز أنفسهم. أغلب الظن أن «الاستشراق»، هذا الكتاب الفريد لم يكن ليأخذ هذه المساحة من الشهرة وذيوع الصيت لو كان خالياً من اللغة الأدبية الفخمة المتعالية على اللغة العاديّة، وهو ما يذهب إليه المترجم الأول لكتاب الاستشراق، ويتطابق مع ما أورده ميشيل فوكو من أن النص يمكن أن يغدو خطاباً أصيلاً إذا كان محملاً بقوةٍ بلاغيةٍ تجعل منه سلطةً مؤثرةً على القارئ[45]، على أن النمط الذي يمكن أن يندرج تحته خطاب إدوارد سعيد من حيث آلية الاشتغال، بتعبير أحمد المتوكل، هو النمط الوصفي الحجاجي، كما أن تحليل هذا الخطاب من الناحية البنيوية مندرجٌ على أساس علاقة الضدية بين الغرب (نحن) والشرق (هم)[46]. أما التحليل اللغوي لبنية هذا الخطاب من حيث دلالة المفردة والسياق فسوف نعتمد في محاولات فهمها على مترجمَيْ كتاب الاستشراق، لأن الكاتب مصنَّفٌ باعتباره كاتباًإانكليزيّاً لا عربيّاً. يقول الدكتور محمد عناني في هذا الصدد: «إدوارد سعيد ذو أسلوب خاصٍّ به، بل أصبح عَلَما عليه ولا يكاد يشاركه أحدٌ فيه، خصوصاً لأنه باحثٌ أدبيٌّ في المقام الأول، ولأنه يكثر من الاعتماد على النصوص الأدبية إلى جانب النصوص الثقافية وينطلق في دراسته العلمية من مناهج البحث العلمية في النقد الأدبي، وأن هذا الأسلوب الخاص يمثل صعوبةً خاصةً للقارئ حتى في البلدان الناطقة بالإنكليزية»[47]. ويذكر الدكتور كمال أبو ديب مؤشريْن لتوصيف أسلوب إدوارد سعيد في الكتابة أولهما: «جلالٌ في اللغة والتركيب وجزالةٌ وشدةٌ وأسرٌ، ودرجةٌ باهرةٌ من الجدية في اللهجة والتناول نادرا ما تشف جملته عن سخريةٍ... وهو حين يكتب منتقداً أحداً بحدةٍ، فإنه يصوغ ما هو أصلاً لهجةً ساخرةً، بصيغةٍ تخرجه من السخرية إلى المفارقة اللاذعة، وثاني مؤشراته: ألقٌ، وتوهُّجٌ، وجيشانٌ عاطفيٌّ وشبوبٌ وشبقٌ للحياة والجدال والتفنيد والإقناع[48]. ومما نستشفه من القولين السابقين أن الكتاب مَصُوغ بأسلوبٍ فلسفيٍّ موغلٍ بالتجريد[49]، ومحفوفٌ بالتورية وعصيٌّ على فهم عامة الناس، لا سيما في إطار ما يرمي إليه الكاتب من أجوبةٍ وراء السطور تتحول مع مضي الوقت إلى شيءٍ أشبه ما يكون بالمغارة العميقة التي لا يمكن الإفلات من أسر دهاليزها إلا بالصبر على المراجعة وإعادة المراجعة. ونستطيع أن نبرهن على ذلك اللون من السرد الإدوارد سعيدي بما يسوقه الكاتب من أسئلةٍ قيّمةٍ ومطوّلةٍ في نهاية كتابه، ثم تكون المفارقة غير المنتظرة، عندما يعقّب الكاتب أخيرًا عليها بالقول: «أرجو أن تكون بعض إجاباتي عن هذه الأسئلة مضمرةً في ما سبق لي قوله»[50].
ويبدو أن درجة الصعوبة العالية التي لاحظها المترجمان لكتاب الاستشراق[51] كان قد لاحظها من قبلهما أو من بعدهما المستشرق البولندي جيفيولسكي الذي رأى في لغة كتاب الاستشراق هو الآخر  « لغةً صعبةً تعتمد على الإيحاء»[52].
وبقدر ما يتعلق الأمر بترجمة كتاب الاستشراق إلى العربية فقد ثارت عدةُ سجالاتٍ في أيٍّ من الترجمتين هي الأفضل من أختها، وأقصد ترجمة الكتاب التي قام بها الدكتور كمال أبو ديب عام 1981 والترجمة التي صاغها الدكتور محمد عناني عام 2006. وأرى كما يرى كثير من القرّاء أن ترجمة محمد عناني هي الأكثر توفيقا في تجلية أفكار الكتاب الأصلي بملاحظة أن المترجم ينتهج نهج التفسير والتوضيح لما أشكل من معاني الكتاب، وما اعتراها من لبس وغموض[53] بخلاف المترجم الأول لكتاب الاستشراق الذي تتبدى في ترجمته سمة الإبهام، ويغلب عليه انتهاج منهجٍ متشددٍ في التعريب حتى في الكتب الأخرى التي ترجمها للمؤلف نفسه ولاسيما كتاب الثقافة والامبريالية، ويمكن أن نورد شاهدًا على ذلك بتعريب المترجم للفظة الاستراتيجيات بلفظة الاستخطاطيات[54]. ولكن قد يُطعن على الحكم بترجيح نص (محمد عناني)، المترجم الثاني للكتاب دون نصّ (كمال أبو ديب) وهو المترجم الأول انطلاقا من فكرة المديح المتكرّر الذي وجّهه إدوارد سعيد لهذا المترجم[55]. ولهذا المعترض أقول: إن إدوارد سعيد لم يطلع على ترجمة محمد عناني، لظهورها بعد وفاته، ولا يبعد أنه سيكيل المدح والثناء أيضا للمترجم الجديد على غرار ما صنعه مع القديم، خصوصا إذا تم إصدار الترجمة بإذن منه، هذا أولا، وثانيا: إن إدوارد سعيد إذا كان حجة في اللغة الانكليزية بحكم تخصصه فيها فليس هو كذلك قطعاً في العربية التي أقرّ هو نفسه في أكثر من مناسبةٍ بضعفه فيها قياساً بالإنكليزية، محيلاً أسباب ذلك الضعف إلى تربيته العائلية من جهةٍ، وإلى محاولاته المتأخرة في استعادة عربيته الضائعة من جهةٍ أخرى[56].

وثمة سؤالٌ قد يجدر طرحه قبل مغادرة هذه النقطة، ومفاده: هل ينحصر عدم إقدام إدوارد سعيد على التأليف بالعربية بضعفه فيها أم أن هناك سرًا آخر؟ أرى أن تعليل عدم تأليف إدوارد سعيد كتاباً عربيّاً بسبب الضعف وحده لا ينهض مع حقيقة عيش الكاتب في بيئة عربية مدّةً كافيةً تؤهله - في ما لو أراد-  لإنتاج كتابٍ يحظى بدرجةٍ جيدةٍ من القراءة، ويبدو أن المانع الرئيسي يكمن في رغبة الكاتب بأن يكون مستقبل رسالته الأول هو الجمهور الغربي، والأمريكي منه تحديدا ذلك أن توزيع مصدر الرسالة على أكثر من مُستقبِل لغويٍّ ينطوي على خطر تشتيتها، وربما إنهاء قدرتها على التأثير بملاحظة أن مستقبل الرسالة هو العنصر الذي يلي منتج الرسالة في درجة الأهمية[57].     
نخلص من العرض السابق إلى أن إدوارد سعيد في كتابه الموسوم بعنوان الاستشراق كان أديباً ملتزماً بأداء رسالةٍ سياسيةٍ أو أخلاقيةٍ أكثر منه ناقداً في موضوعٍ أدبيٍّ صرفٍ، ولأنه كذلك، فقد لامس وجدان أبناء جلدته بصرف النظر عن انتماءاتهم الأساسية أو الفرعية. من هنا رأى بعض القوميين في صاحب كتاب الاستشراق مدافعاً عن القومية العربية، وفي ذلك يقول إدوارد سعيد: «ما زلت أذكر أن إحدى المراجعات العربية الأولى للكتاب أشارت إلى المؤلف باعتباره نصير العروبة، والمدافع عن المقهورين والمظلومين، والذي جعل رسالته الاشتباك مع السلطات الغربية... وعلى الرغم مما في هذا من المبالغة فقد كان يعبر إلى حد ما تعبيرًا حقيقيّاً عن إحساس العرب بالعداء المستديم من جانب الغرب، كما كان يقدّم الردّ الذي كان الكثيرون من المثقفين العرب يرون أنه الردّ المناسب»[58]. ليس العربي المستلب أمريكيّا مَن وجد في إدوارد سعيد ضالته المنشودة في الردّ على خصمه الإمبريالي بل صار حتى المسلم الذي يعاني من سياسات أمريكا والغرب بوجهٍ عامٍّ ينظر إلى إدوارد سعيد بوصفه البطل المسيحي الذي انتصر للإسلام على الرغم من عدم وضوح عقيدة الرجل الدينية، وفيما إذا كان معتقدا بدينٍ أصلاً أم لا، وعلى الرغم من قول إدوارد سعيد نفسه: «إنني أقول بصراحةٍأنني غيرَ معنيٍّ بتبيان حقيقة واقع الشرق أو الإسلام»[59].
وسواءً أشاء إدوارد سعيد أم أبى فقد نُظر إليه نظرةَ إعجابٍ وتقديرٍ من لدن قطاعٍ عريضٍ من الشعب العربي، واحتلت صورته موقع الأديب الملتزم الذي يحمل في أعماقه رسالةً إنسانيةً نبيلةً، ويسعى جاهدًا لتحقيقها بصرف النظر عمّا يبذله في هذا السبيل من مكابداتٍ وخساراتٍ، مثلما كانت صورته على الجانب الآخر لا تعكس إلا صفة ناكر الجميل الذي لم يحسن إلى أمريكا البلد الذي آواه وجعل منه أحد المشاهير، ويمكن أن ندلل على ذلك بشواهد من  انقسام الرأي على شخصية إدوارد سعيد بين مناصرٍ ومعارضٍ، في إطار التعليقات الواردة على مقابلاته التلفزيونية والمعروض بعضها على موقع اليوتيوب مثلاً.  
استطاع إدوارد سعيد أن يحرز نجاحاً منقطع النظير في استثارة الباحثين والقراء ودفعهم إلى دراسة كتابه وتبنيه أو نبذه، وهو في الحالين نجاحٌ كبيرٌ يُحسب للكاتب وللكتاب، ولم يكن للكاتب أن يحقق هذا المقدار من النجاح لولا تناوله المثير  والقائم على دراسة الاستشراق بوصفه كتلةً واحدةً منسجمةً من غيرِ تصنيفٍ.  وأكاد أجزم أن الكاتب لم يكن له أن يحقق قدرًا كافياً من النجاح لو أنه انصاع إلى فرضية تصنيف الاستشراق إلى استشراقاتٍ متعددةٍ على نحو ما فعله من قبله د. مصطفى السباعي[60].
لم يكن لإدوارد سعيد أن يحقق ذلك النجاح الفريد من نوعه لو أنه قيّد لفظ الاستشراق مثلاً بالسياسي وأطرّه بنماذجَ أدبيةٍ مختارةٍ كما يقتضي المنهج العلمي الصارم، لكن إدوارد سعيد أصرّ عن سابقِ علمٍ وتخطيطٍ على اختيار عنوانٍ للكتاب مطلقٍ من كلِّ قيد هو الاستشراق (Orientalism) مدفوعاً بما يعرفه من سطوة العنوان على القارئ المتخصص فضلا عن غير المتخصص. لقد استطاع إدوارد سعيد بهذه الخدعة الفنية أو لنقل الحيلة التسويقية أن يجعل من كتابه حديث الساعة بالنسبة للمشاهير والجماهير على السواء. بل إن إدوارد سعيد تحوّل هو نفسه إلى جسمٍ لكتابه يُعرف به ويعرّف به، ويجمع من حوله جمهورًا خليطاً من المعجبين والناقمين أينما حلّ وارتحل.
يرى بعض منتقدي إدوارد سعيد أن خلفية الكاتب الثقافية والأثنية باعتباره عربيّاً، ومن بلدٍ محتلٍّ هو فلسطين قد أثّرت على دراسته للاستشراق، ومن ثم فإنه كان يصدر في أحكامه عن تصوراتٍ نابعةٍ في المقام الأول من عواملَ ذاتيةٍ لا موضوعيةٍ، وهذا رأيٌ لا يمكن إلا التسليم بصحته إلى حدٍّ بعيدٍ، لأنه من جهةٍ يتناسب مع مقولة وهم الحياد المعرفي ولاسيما في إطار العلوم الإنسانية[61]. ومن جهةٍ أخرى فإن الحكم السابق ينسجم إلى حدٍّ كبيرٍ مع الطبيعة النفسية لأيٍّ كائنٍ حيٍّ مرهف الحسّ، ويداهمه شعورٌ دائمٌ بفقدان الهوية والاغتراب الناجم عن اغتصابٍ تاريخيٍّ لوطنه الأم معروف المصدر والهوية، أو يعاني في الأقل من انشطار هويته الشخصية وارتباكها بين ما هو عربيٌّ مُشكَّكٌ فيه، وما هو غربيٌّ غيرُ مرغوبٍ فيه[62]. كتب إدوارد سعيد في أخريات حياته قائلا: «وقع خطأ في الطريقة التي تمّ بها اختراعي وتركيبي في عالم والديَّ وشقيقاتي الأربع. فخلال القسط الأوفر من حياتي المبكّرة، لم أستطع أن أت بينما إذا كان ذلك ناجمًا عن خطئي المستمر في تمثيل دوري أو عن عطبٍ كبيرٍ في كياني ذاته. وقد تصرّفت أحيانًا تجاه الأمر بمعاندةٍ وفخر. وأحيانا أخرى وجدت نفسي كائنا يكاد أن يكون عديم الشخصية وخجولاً ومتردّداً وفاقداً للإرادة، غيرأن الغالب كان شعوري الدائم أني في غير مكاني»[63].
ختاما وبالتوافق مع النتيجة السابقة بودي أن أطرح السؤال الآتي: ترى لو كان إدوارد سعيد كاتبا أمريكيّاً ومن أصلٍ غربيٍّ، أي لم يكن عربيًّا ومن أصلٍ فلسطينيٍّ ترى هل كان كتابه هذا سيثير كل هذا السيل من الردود السلبية والإيجابية، في حياته وبعد وفاته أيضا، وهل كان لخطابه الفكري أن يشكل أيَّ قيمةٍ تذكر في نطاق  الجمهور الغربي على مستوى النخبة والجمهور العام؟
أغلب الظن أن كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد لن يكون أكثر من مرجعٍ مغمورٍ وقد يلجأ إليه الباحث الغربي من أجل توثيق رأيٍ طريفٍ لأحد الأكاديميين في تفسير قصص فلوبير مثلا. أما على الصعيد العام فلن يتسنى للجمهور في أغلب الاحتمالات التعرف على إدوارد سعيد إلا بوصفه عازفاً بارعاً لآلة البيانو مثلا. فلولا أصل  إدوارد سعيد العربي الفلسطيني، وتبنيه لوجهة نظرٍ سياسيةٍ مناهضةٍ لوجهة نظر أمريكا وإسرائيل ما كان ممكنا بأيِّ حالٍ من الأحوال أن تبلغ الدراسات الأكاديمية والثقافية التي خُصِّصَت له شرقا وغربا حدود المئات، وأن يكون في مقدور خلاصات تلك الدراسات وحدها أن تنتج مجلداً  بأكمله[64].

الخاتمة
1 -كتاب الاستشراق ينطوي على خللٍ منهجيٍّ يتعلق بتعميماتٍ معتمدةٍ في غالبها على انتقاءات من كتابات لمستشرقين تتناول الشرقيين بامتهانٍ ودونيةٍ، وغضّ النظر عن كتابات لآخرين تنحى نحواً مغايراً في وصف الشرق والشرقيين. كما لم يميز إدوارد سعيد في ما نقله من كتابات للمستشرقين بين من كتب طلباً لمجرد الانتقاص ومن كتب تشخيصاً للخلل الذي يستلزم العلاج.  
2 - رواج الكتاب والاهتمام به من طرف النخبة والجمهور الغربيينِ مرده في المقام الأول إلى سطوة الكاتب العلمية، ومهارته في استعمال أدوات الحجاج، بأسلوبٍ أدبيٍّ فخمٍ شديد الحرص على التناغم مع الذائقة الغربية، ومحاكاة طرائقها في التفكير. وإدوارد سعيد في كتابه هذا كان أديباً ملتزماً بأداء رسالةٍ اجتماعيةٍ أكثر منه ناقداً في موضوعٍ أدبيٍّ صرفٍ يقتضي تغليب العلم على ما عداه. وأغلب الظن أن النجاح الذي أحرزه كتاب الاستشراق مرده إلى هذا المنهج الصارم الذي اتبعه المؤلف باحترافية عالية حينما لم يعمد إلى تصنيف موضوع الاستشراق إلى أنواعٍ أو أشكالٍ مختلفةٍ على غرار ما اتبعه السابقون من المشتغلين بهذا الحقل المعرفي، بل اكتفى الكاتب بتقديمه جملةً واحدةً، والحكم عليه حكماً مطلقاً. ولولا تلك الأسباب لما خرج النصّ من رفّ الكتاب محدود التداول إلى فضاء الخطاب المفتوح.

المصادر
أولا: الكتب
1-الاستشراق المفاهيم الغربية للشرق، إدوارد سعيد، ترجمة د. محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، 2006م.
2-الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم، د. مصطفى السباعي، دار الوراق للنشر والتوزيع، د.ط، د.ت.
3- الأبطال، توماس كارليل، ترجمة محمد السباعي، دار الرائد العربي، ط4، بيروت، 1982م.
4-تاريخ البشرية، أرنولد توينبي، ترجمة د. نقولا زيادة، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، د.ت.
5-تحليل الخطاب، مفاهيمُ نظريةٌ ونصوصٌ تطبيقيةٌ، د. جان نعوم طنوس، دار المنهل اللبناني، ط1، بيروت، 2014م.
6-تغطية الإسلام، إدوارد سعيد، ترجمة محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، 2005م.
7-خارج المكان، إدوارد سعيد، ترجمة فواز طرابلسي، دار الآداب، ط1، 2000م.
8-الخطاب وخصائص اللغة العربية، دراسةٌ في الوظيفية والبنية والنمط، أحمد المتوكل، دار العربية للعلوم ناشرون، ط1، الرباط، 2010م.
9-الثقافة الامبريالية، إدوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب، ط4، بيروت، 2014م.
10-حدود الهوية القومية، نقد عام، دار الوحدة، بيروت، 1982م.
11-حضارة العرب، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2012م.
12-الخطاب والتأويل، د. نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، ط3، الدار البيضاء، المغرب، 2008م.
13-خيانة المثقفين، النصوص الأخيرة، إدوارد سعيد، دار نينوى، دمشق، 2011م.
14-السلطة والسياسة والثقافة، إدوارد سعيد، ترجمة نائلة قلقيلي حجازي، دار الآداب، بيروت، 2008م.
15-السيرة النبوية وأوهام المستشرقين، عبد المتعال محمد الجبري، القاهرة،  1988 م.
16-الثقافة والامبريالية، إدوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب، ط4، بيروت، 2014م.
17-العالم والنص والناقد، إدوارد سعيد، ترجمة عبد الكريم محفوظ، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000م.
18-العقلانية العربية النقدية قضايا نقديةٌ وإشكالياتٌ فلسفيةٌ، د. علي حسين الجابري، دار ومكتبة البصائر، ط،  بيروت، 2012م.
19-مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، القاهرة، 1979م
20-مقدمة في علم الاستغراب، د. حسن حنفي، الدار الفنية، القاهرة، 1999م.
21-معجم القاموس المحيط، الفيروز آبادي، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، الأعلمي، لبنان، 2012م.
22-ميشال فوكو المعرفة والسلطة، عبد العزيز العيادي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، بيروت، 1994م.
23-نقد المناهج المعاصرة لدراسة التراث الفلسفي العربي الإسلامي، د. حسام محي الدين الآلوسي، دار ومكتبة البصائر، ط1، بيروت، 2011م

ثانيا: الدوريات 
1-افتراءات المستشرقين على صحيح البخاري، د. عزية علي طه، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 282، 1988م.
2-التفاعل الإيجابي بين المثقف وقضايا الوطن والأمة: إدوارد سعيد أنموذجاً، د. أيمن طلال يوسف، د. خالد محمد صافي، مجلة الجامعة الإسلامية المجلد الخامس عشر، العدد الثاني، 2007م.
3-دراسةٌ إعلاميةٌ عن اللاجئ العربي، مجلة عمران المحكّمة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، صيف 2017م.

ثالثا: المواقع إلكترونية 
1-https://www.bidayatmag.com
2-https://ar.wikipedia.org
3-Webster's dictionary:1993

-----------------------------------
[1] ينظر خارج المكان: 25، وتغطية الإسلام: 9، وبحث التفاعل الإيجابي بين المثقف وقضايا الوطن والأمة: 317، مجلة الجامعة الإسلامية، ويكيبيديا الموسوعة الحرة https://ar.wikipedia.org، ومقالة إدوارد سعيد الناقد الأدبي، مجلة بدايات https://www.bidayatmag.com.
[2] ينظر القاموس المحيط:   663، وينظر المعجم الوسيط:   480 ، ومعجم الأفعال الثلاثية: 137.
[3] Webster's dictionary:273
[4]  نقد المناهج المعاصرة: 389 نقلا عن مجلة الاستشراق / بحث: الاستشراق من منظور عربي معاصر/ دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد / 1987م
[5] ينظر خيانة المثقفين: 12
[6] العقلانية العربية النقدية قضايا نقدية وإشكاليات فلسفية: 16
[7] الاستشراق والمستشرقون مالهم وما عليهم:10- 18 
[8] ينظر نقد المناهج المعاصرة: 358
[9] ينظر نقد المناهج المعاصرة: 407
[10] السيرة النبوية وأوهام المستشرقين: 9
[11] الاستشراق: محمد عناني: 321
[12] الاستشراق: محمد عناني: 44-47.
[13] الاستشراق: محمد عناني: 44.
[14] الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 488.
[15] ينظر نقد المناهج المعاصرة 402.
[16] موسوعة السرد العربي: ج 1: 342.
[17] ينظر الاستشراق والمستشرقون مالهم وما عليهم: 20-24.
[18] ينظر الاستشراق والمستشرقون مالهم وما عليهم: 9- 16.
[19] ينظر تحليل الخطاب، مفاهيم نظرية ونصوص تطبيقية: 20
[20] الاستشراق: محمد عناني: 27
[21] ينظر تصدير الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 14
[22] الاستشراق: محمد عناني: 102
[23] الاستشراق: محمد عناني: 518
[24] الاستشراق: محمد عناني: 53
[25] الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 55. يحيل إدوارد سعيد على كتاب له بعنوان:criticism between culture and system  وهو غير موجود ضمن كتبه المنشورة، ولعل ما أشار إليه بالإنكليزية يدخل ضمن كتابه الموسوم بعنوان: العالم والنص والناقد الذي صدر عن اتحاد الكتاب العرب بترجمة عبد الكريم محفوظ.
[26] ينظر الاستشراق: محمد عناني: 44.
[27] الاستشراق: محمد عناني: 44.
[28] ينظر حضارة العرب: غوستاف لوبون: 74-77.
[29] ينظر تاريخ البشرية: ارنولد توينبي: 451.
[30] ينظر الأبطال: 82.
[31] ينظر موسوعة السرد العربي: 374، وينظر الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم: 86، وينظر نقد المناهج المعاصرة: 425، وينظر افتراءات المستشرقين: 20-21.
[32] الاستشراق: ترجمة د. محمد عناني: 524.
[33] الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 524
[34] نقد المناهج المعاصرة: 448
[35] نقد المناهج 385- 392
[36] ينظر حدود الهوية القومية: 153-155، وينظر نقد المناهج المعاصرة: 385.
[37] نشرت مجلة عمران المحكمة منتصف عام 2017 دراسة إعلامية شملت صحفا فرنسية وألمانية ونمساوية خلصت إلى نتيجة مفادها أن الرأي العام في هذه الدول يحدد النظرة إلى اللاجئ العربي  لدولهم في إطار الإنسان المتخلف ذي الميول الإرهابية: 81-108.  
[38] Said’s Splash Ivory Towers on Sand: The Failure of Middle Eastern Studies in America, Policy Papers 58 (Washington, D.C.: Washington Institute for Near East Policy, 2001). نقلا عن الموسوعة الحرة (يوكيبيديا)https://ar.wikipedia.org
[39]  Stephen Howe, Dangerous mind? , New Humanist, Vol. 123 November/December 2008 نقلا عن الموسوعة الحرة (ويكيبيديا)https://ar.wikipedia.org
[40] O.P. Kejariwal, The Asiatic Society of Bengal and the Discovery of India’s Past, Delhi: Oxford UP, 1988: pp. ix–xi, 221–233 نقلا عن الموسوعة الحرة...
[41] الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 497
[42] الاستشراق: محمد عناني: 471
[43] ينظر الخطاب والتأويل: 109
[44] ويكيبيديا الموسوعة الحرةhttps://ar.wikipedia.org/wiki، الجزيرة نت http://www.aljazeera.net، موقع صحيفة رأي اليوم/ مقال حسيب شحادة http://www.raialyoum.com
[45] الثقافة والامبريالية: 13.
[46] الخطاب وخصائص اللغة العربية: 23 - 24.
[47] الاستشراق: ترجمة د. محمد عناني: 14.
[48] الثقافة والامبريالية: 30.
[49] صرح الدكتور محمد عناني بهذا القول في ترجمته لكتاب تغطية الإسلام، ينظر صفحة  23.
[50] الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 493.
[51] يصف فواز طرابلسي ترجمته كتاب خارج المكان لإدوارد سعيد وهي مجموعة مذكراتٍ بأنها معركةٌ مع إنكليزية إدوارد سعيد: ينظر خارج المكان: 13
[52] نقد المناهج المعاصرة:443.
[53] ينظر تصدير كتاب الاستشراق: محمد عناني: 16- 17.
[54] ينظر الثقافة والامبريالية: 10.
[55] ينظر الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 502.
[56] ينظر خارج المكان: 8- 10.
[57] تحليل الخطاب، مفاهيم نظرية، ونصوص تطبيقية: 22.
[58] الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 509.
[59] الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 504.
[60] الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم: 20-24.
[61]  ينظر ميشال فوكو المعرفة والسلطة: 32
[62] ينظر خارج المكان: 10
[63] خارج المكان: إدوارد سعيد: 25
[64] تصدير الاستشراق: ترجمة محمد عناني: 10-11.