البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الوحي القرآني بين الفكر الإسلامي والفكر الاستشراقي والحداثوي

الباحث :  أ. د. يعقوب حسن بريد الميالي
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  17
السنة :  السنة الخامسة شتاء 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 18 / 2019
عدد زيارات البحث :  4888
تحميل  ( 997.210 KB )
مقدمة
الوحي مصدر الأديان الإلهيّة التي نزلت على هذه الأرض، وهو يمثّل الوسيلة التي يتصل بها الله سبحانه بالإنسان، وذلك أنّ الله يرسل رسله إلى البشر فينقلون لهم التعاليم الإلهيّة. والقرآن كتاب الإسلام الخالد، وهو كلام الله المنزل على عبده ورسوله محمّد P، الذي استطاع أن يقهر أهل البلاغة والشعر بما فيه من نَظْمٍ وإعجاز، فقد تحدّاهم بما عندهم من الفنون، وهي البلاغة والتعبير، ورغم أنّ القرآن جاء على وفق قوانين اللّغة العربيّة إلا أنّه جاء باستعمالاتٍ لم يعهدها العرب من قبل، ولم يصلوا إلى مستواها، ولهذا وقفوا أمام هذا الكتاب موقف المتحيّر المستسلم.
وبعد أن انتشر الإسلام في الجزيرة العربية، واستسلم العرب للدين الجديد، أصبح القرآن موضع اهتمام المسلمين، والمحور الأساسي لدراساتهم، وشغلهم الشاغل. وكانت دراساتهم منصبّةً على فهم هذا الكتاب وبيان مضامينه، ووجوه إعجازه. ولم يتبادر الشك إليهم بمصدريّته الإلهيّة، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل كما في حدوثه وقدمه، ولكن لم يساورهم الشكّ من جهة أنّه كتاب الله، ولكن هذا لايعني عدم وجود بعض الحركات والاتجاهات التي كانت تدعو إلى الإلحاد وعدم الاعتراف بالدين والقرآن، ولكن هذه الاتجاهات لم تأخذ حيّزاً واسعاً أو مستمرًّا، بل كانت محدودةً من حيث الزمان والمكان.
وفي العصر الحديث وبعد ظهور الحضارة العلمانيّة في أوروبا، وظهور حركة الاستشراق بدأ التشكيك يتسرب إلى القرآن، وبدأت تظهر تفسيراتٌ جديدةٌ لظاهرة الوحي، فقالوا أنّه كتابٌ بشريٌّ من صنع النبيّ بعد أن عاش تجربةً روحيّةً على درجةٍ عاليةٍ من الصفاء استطاع من خلالها أن يأتي بهذا الكتاب ويدعي أنّه أتى به من الله. وادعى بعضهم أنّ الوحي عبارةٌ عن شعوذةٍ، أو نوباتٍ من الصرع كان يعيشها النبيّ، وقال آخرون بأنّه إلهامٌ شعريٌّ، وآخرون قالوا بأنّه حالةٌ من النبوغ عاشها النبي محمّد والأنبياء السابقون له، أو أنّه متأثّرٌ بالتوراة والإنجيل، وغيرها من التفسيرات لظاهرة الوحي التي تنتهي إلى أنّ القرآن نصٌّ بشريٌّ لا إلهيٌّ، وهو مرتبطٌ بالزمان والمكان الذي نزل فيه، وبالتالي لا يصلح لكلّ زمانٍ ومكان كما تدعي الثقافة الإسلامية. وقد تأثر الكثير من المسلمين بهذه الادعاءات التي تعتمد على المنهج التجريبي في بيان الظواهر، وتحاول أن تفهمها فهمًا ماديًّا؛ لأنّ المنهج التجريبي لايعترف بما وراء المادة، وكلّ شيءٍ يقع خارج هذا العالم المادي يعتبره خرافةٌ وأسطورةٌ.
وقد حاولنا أن نبيّن هنا حقيقة الوحي، وطريقة الاتصال التي تتم بين النبيّ والوحي، وهل هو أسطورةٌ كما تدّعي المدرسة الاستشراقيّة والحداثوية، أم أنّه حقيقةٌ واقعيّةٌ لها ما يبررها ويثبت وجودها. وسنبيّن أولاً الرؤية الإسلامية للوحي، ومن ثَمّ سنبيّن الرؤية الاستشراقيّة والحداثوية للوحي. 

الوحي لغة
1.قال ابن فارس: (الوحي: إلقاء علم في إخفاء أو غيره إلى غيرك، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك حتى علمه، فهو وحي،...... والوحي: السريع، والوحي: الصوت)[1].
2. وفي الصحاح: (الوحي، الإشارة، والكتابة، والرسالة،والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك، فيقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت، وهو أن تكلّمه بكلامٍ تخفيه)[2].
3. وقال ابن منظور: (الوحي: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك. يقال: وحيت إليه الكلام، وأوحيت، ووحى وَحياً، وأوحى أيضاَ، أي كتب)[3].
4. وقال الراغب الأصفهاني: (أصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة قيل: ( أمرٌ وحي)، وقد يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوتٍ مجرَّدٍ عن التركيب وبإشارةٍ ببعض الجوارح، وبالكتابة، وقد حُمل على ذلك قوله تعالى عن زكريا: ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا﴾[4][5].
وعلى هذا فكلّ إعلامٍ من طرفٍ لطرفٍ فيه سرعة وإخفاء فهو وحي، سواءً كان هذا الإعلام بإشارةٍ أو بكتابةٍ أو أيِّ وسيلةٍ أخرى مشتملةٍ على السرعة والخفاء.

الوحي في الاستعمال القرآني
وردت لفظة الوحي في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة، حيث جاءت بصيغة الفعل مرةٌ وأخرى   بصيغة الإسم. ويمكن رصد مجموعةٍ من المعاني لهذه الكلمة في الاستعمالات القرآنية:
1. الإلهام الفطري لبعض الناس، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ﴾[6].
2. الوساوس الشيطانية، كما في قوله تعالى:﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ﴾[7]، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡ﴾[8].
3. الإلهام الغريزي، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ ٦٨ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾[9].
4. تقدير الخلقة بالسنن والقوانين، كما في قوله تعالى: ﴿فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ﴾[10].
5. الإشارة كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَ لَيَالٖ سَوِيّٗا ١٠ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا﴾[11].
6. الوحي المنزل على الأنبياء، كما في قوله تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾[12].

الوحي اصطلاحا
يمكن تقديم مجموعة من التعريفات للوحي والتي ذكرت في المصنفات، وهي كالتالي:
1. (إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء إمّا بكتابٍ أو برسالةٍ ملكٍ أو منامٍ أو إلهامٍ)[13].
2. (إنّ الوحي عبارةٌ عن فكرةٍ يدركها الإنسان، مصحوبةً بشعورٍ واضحٍ بأنّها ملقاةٌ من طرفٍ أعلى منفصلٍ عن الذات الإنسانية، وبشعورٍ آخرَ واضحٍ بالطريقة التي تم فيها الإلقاء، مع وجود عنصر الغيب والخفاء في هذه العملية، ولذا تسمى بالوحي)[14].
3. (إنّ الوحي عبارةٌ عن عرفانٍ يجده الشخص في نفسه مع اليقين بأنّه من قِبل الله بواسطةٍ أو بغير واسطة، والأوّل بصوتٍ يتمثل لسمعه، أو بغيرِ صوتٍ)[15].
ويمكن تعريف الوحي بأنّه عبارةٌ عن وسيلةِ الاتصال بين الله والأنبياء، أيًّا كانت الطريقة والوسيلة المستخدمة في هذا الاتصال.

حقيقة الوحي
ذكر القرآن الكريم ثلاثَ كيفياتٍ للوحي النبوي، أي خصوص الوحي الملقى إلى الأنبياء، وقد جاء هذا التقسيم في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ﴾[16]، فقد ذكرت الآية المباركة ثلاثة طرقٍ للاتصال ما بين الله والأنبياء، وهي أن يوحي الله مباشرة إلى النبيّ، أو يكلّمه من وراء حجاب، أو أن يرسل الملَك وهو المعبّر عنه بالرسول.
والسؤال عن حقيقة الوحي هو: ما حقيقة هذا الإيحاء الإلهي المذكور في الآية المباركة؟ وما هي حقيقة التكليم من وراء حجابٍ؟ ثمّ الرسول الذي يرسله الله وهو الملك كيفَ، يوصل الرسالة إلى النبيّ، وكيف يتصل به؟ فهل يتلبس الملك بحقيقة البشر؟ أم أنّ النبيّ يتحول إلى الحقيقة الملكية؟ أم يبقى كلُّ واحدٍ منهما على حقيقته الخَلقيّة؟ ولأجل الجواب عن كلّ هذه الأسئلة نقول: لقد وُجد ثلاثُ اتجاهاتٍ في التراث الإسلامي في تصوره الحقيقة الوحي وكنه ذلك الاتصالبين الله والأنبياء (عليهم السلام)، وسنفصّل القول في هذه الاتجاهات الثلاثة:

أولا: الاتجاه الكلامي
وجد في هذا الاتجاه عدةُ نظرياتٍ  في تفسير ظاهرة الوحي التي تعد أهم مرتكز من مرتكزات الفكر الديني والإسلامي بشكلٍ خاصٍّ، وذلك لأنّ القرآن هو نتاج هذه الظاهرة، والقرآن هو دستور الإسلام.
النظرية الأولى: يرى أصحاب هذه النظرية  أنْ لا سبيل إلى الوصول إلى حقيقة هذا الاتصال بين الله وأنبيائه، وأنّ ما بين أيدينا من الأدوات المعرفية عاجزةٌ عن معرفة كنه الوحي. ولهذا يقول الشيخ السبحاني: (وبالجملة، فإنّ كلّ ما يدركه الإنسان، نتاج أدوات المعرفة بأشكالها المختلفة، سواءً أكانت حسيّةً أم عقليةً أم وجدانيةً، وأمّا الوحي الذي يختص به الأنبياء، فإنّه إدراك خاصٌّ متميّزٌ عن سائر الإدراكات، فإنّه ليس نتاج الحسّ ولا العقل ولا الغريزة، وإنّما هو شعورٌ خاصٌّ، لا نعرف حقيقته، يوجده الله سبحانه في الأنبياء. وهو شعورٌ يغاير الشعور الفكري المشترك بين أفراد الإنسان عامةً، لا يغلط معه النبي في إدراكه، ولا يشتبه، ولا يختلجه شكٌّ ولا يعترضه ريبٌ في أنّ الذي يوحي إليه هو الله سبحانه، من غير أن يحتاج إلى إعمال نظرٍ، أو التماس دليلٍ، أو إقامة حجةٍ، ولو افتقر إلى شيءٍ من ذلك، لكان اكتسابًا عن طريق القوة النظرية، لا تلّقيًا من الغيب، من غير توسيط القوة الفكرية)[17].
وقد أشكل على هذا الكلام بأنّ الوحي عبارة عن الإعلام الخفي، فهو من مقولة الفعل الإلهي، وهو من الأمور الوجدانية التي يدركها الإنسان بوجدانه. نعم أخفى الله وأنبياؤُه بعض أسراره   علينا، ولكّنهم ذكروا طرقه وكيفية وصوله، فليس الوحي من الحقائق المجهولة الكنه بالمرّة بحيث لا ندركها إلا من خلال آثارها، ولا معرفتنا به معرفةً تفصيليّة، وإنّما هي معرفةٌ إجماليةٌ كما ندرك الكثير من الحقائق الغيبية بهذا النحو من المعرفة، ولولا ذلك لتعذر التصديق به بداهةً لأنّ الإيمان متوقفٌ على المعرفة[18].
ولكن الكلام ليس في المعرفة الإجمالية، بل إنّ عدم الوقوف على حقيقته تفصيلا هو المبنى، أمّا أنّ الإيمان متوقفٌ على المعرفة، لذا يتعذر التصديق به من دون معرفته فهو مردودٌ أيضاً، لأنّ الصادق إذا أخبر وهو يحمل المعجزة (القرآن) يجب تصديقه.
ويرى الشيخ مرتضى مطهري أنّ النبوة نوعُ اتصالٍ للنبيّ مع العالم الآخر، أمّا ماهذا العالم الآخر فلا ندري ما هو؟ والذي يحصل في الوحي هو أنّ هناك أناساً عندهم استعدادٌ للارتباط بالعالم الآخر وهم الأنبياء R [19].
ويقول محمّد حسين الصغير: (الوحي الإلهي يجب أن يأخذ معنى المعرفة التلقائية والمطلقة لموضوعٍ لا يشغل التفكير، وأيضا غيرِ قابلٍ للتفكير)[20]. إذاً، الوحي عبارةٌ عن ارتباطٍ بين النبيّ والعالم الآخر الذي هو عالم ماوراء المادة، ومن خلال هذا الاتصال يحصل النبيّ على المعرفة في أشكالها المتنوعة. أمّا ما حقيقة هذا الاتصال فهذا مما لا طريق إليه.
النظريّة الثانية: حاول أصحاب هذه النظرية أن يقدّموا تفسيرا للوحي، والأساس في فهمهم هو أنّ الوحي مأخوذٌ فيه الإنزال من الأعلى إلى الأسفل، من السماء إلى الأرض.
  قال السيوطي: قال الأصفهاني واختلفوا في معنى الإنزال: فمنهم من قال إظهار القراءة، ومنهم من قال: إنّ الله تعالى  ألهم جبرائيل كلامه وهو في السماء وهو عالٍ من المكان وعلّمه قراءته، ثم جبريل أدّاه في الأرض وهو يهبط في المكان. وفي التنزيل طريقان أحدهما: أنّ النبي P انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكيّة، وأخذه من جبريل. والثاني: أنّ الملك انخلع إلى البشريّة حتى يأخذه الرسول منه، والأول أصعب الحالين[21].
وقال الطيبي: لعلّ نزول القرآن على النبي P أن يتلقفه الملك من الله تلقفاً روحانيًّا، أو يحفظه من اللوح المحفوظ، فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه[22].
وقال البيهقي في معنى قوله تعالى:﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾[23] يريد والله أعلم أنّا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه، وأنزلناه بما سمع، فيكون الملك منتقلاً به من علوٍّ إلى أسفل[24].
وقال السيوطي: (ويؤيد أنّ جبريل تلقفه سماعاً من الله تعالى، ما أخرجه الطبراني من حديث النواس بن سمعان مرفوعا: إذا تكلّم الله بالوحي أخذت السماءَ رجفةٌ شديدةٌ من خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخرّوا سُجَّدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلّمه الله من وحيه  بما أراد، فينتهي به على الملائكة، فكلّما مرّ بسماءٍ سأله أهلها: ماذا قال ربنا؟ قال: الحق. فينتهي به حيث أمر[25].
ويطلق الشيخ مرتضى المطهري على هذا النوع من الفهم بالفهم العامي لظاهرة الوحي. إذ يقول: في مثل هذه النظرة ما إن تذكر الوحي حتى يتبادر إلى الذهن أنّ الله مستقرٌّ في الأعالي في نقطةٍ في السماوات السماء السابعة مثلا بعيدةٍ جدًّا، في حين أنّ النبي يعيش على الأرض، أي ثمة مسافةٌ شاسعةٌ بين الله والنبي، وإذا ما أراد الله أن يوصل تعاليمه إلى النبي احتاج إلى موجودٍ يقطع هذه المسافة[26].

ثانيا: الاتجاه الفلسفي
 يرى فلاسفة المدرسة المشائيّة أنّ الوحي عبارةٌ عن اتصال النبي بالعقل الفعّال، وهو العقل العاشر بحسب نظريّة العقول العشرة التي أثبتوا من خلالها أنّ الصادر الأول من الواجب تعالى هو العقل الأول، فأوجد العقل الأول العقلَ الثاني والثاني أوجد العقل الثالث وهكذا حتى العقل العاشر الذي هو مُخرجٌ للنفوس الإنسانية من القوة إلى الكمال، ومفيضٌللمعارف على قلوب الأولياء، والصور الحيوانية والشجرية والمعدنية على المادة الأولى، فوظيفة العقل الفعّال تكميل النفوس الإنسانية أولا، وإفاضة الصور الجوهرية على عالم المادة ثانيا.
ومعارف الإنسان العادي تحصل له عن طريق حواسه الخمسة أولا، والإدراكات الحاصلة عن القوة العقلية ثانياً، أمّا الأنبياء فإنّ معارفهم تكون من خلال اتصالهم بالعقل الفعّال المشتمل على كل الصور الجوهرية. فتتصل نفوسهم بالعقل الفعّال اتصالاً روحانيًّا معنويًّا، وتلقى الحقائق والمعارف من خلال ذلك الموجود النوراني[27].
يقول الفيض الكاشاني: إنّ الروح الإنساني كمرآةٍ، فإذا صقلت بصقالة العقل للعبودية التامّة، وزالت عنه غشاوة الطبيعة ورين المعصية، لاح له حينئذٍ نور المعرفة والإيمان، وهو المسمى عند الحكماء بالعقل المستفاد، وبهذا النور العقلي تتراءى فيه حقائق الملكوت وخبايا الجبروت، كما تتراءى بالنور الحسي الأشباح المثالية في المرايا الصقيلة إذا لم تفسد صقاليتها بطبعٍ، ولم يتكدّر صفاؤها برَينٍ، ولم يمنعها حجابٌ عن ذلك، وذلك لاتصاله بذلك العالم واتحاده بالعقل. وإليه أشير بقوله تعالى: ﴿ لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ﴾[28][29].
إذاً، فالوحي عندهم عبارةٌ عن الاتصال بالعقل الفعّال الذي هو مصدر العلم، ويكون المعلوم من خلال هذا الاتصال معلوماً حضوريًّا لا حصوليّا، أي حضور نفس المعلوم عند النبي لا صورة المعلوم.

ثالثا: الاتجاه العرفاني
يقدِّم العرفاء تفسيراً لظاهرة الوحي يتلائم ورؤيتهم المعرفية نحو الوجود، وهي نظرةٌ تختلف عن الاتجاه الأول والثاني، إذ الوحي عندهم يمثل مرحلة القمة من مراحل الكشف الشهودي، ويتجلى العلم الحضوري للنبي الذي لا يمسه العلم الكسبي الذي يناله الإنسان بحواسه المادية منها أو العقلية، كما ليس هناك مجال للخطأ أو الاشتباه في ساحته.
ويرى العرفاء أنّ الوحي ظاهرةٌ من سنخ المكاشفات العرفانية، والعلم الحضوري، ويعتقدون أنّ نزول جبرائيل على قلب النبي P ليست ظاهرةً تتمثل بنقل التعاليم عن طريقٍ حصوليٍّ، ومن خلال أداتَيِ السمع أو البصر، إنّما هو تَلَقٍّ من قبيل الكشف والعلم الحضوري.
 وبنيتهم المعرفية منبنيَةٌ على أنّ الإنسان مركبٌ من جنود العقل والجهل، ولكن الإنسان المصطفى ليس فيه سوى جنود العقل، فمن الناس من يتركب مزاجه، ولا أثر لجنود الجهل في روحه، وهذا المزاج هو المزاج الأعدل. وأصح المكاشفات وأتمها عندهم إنّما تحصل لمن يكون مزاجه الروحاني أقرب إلى الاعتدال التام، كأرواح الأنبياء[30].
يقول السيد حيدر الآملي: (الطريق الثاني في التعليم الربّاني، وذلك يكون على وجهين: الأول إلقاء الوحي، وهو أنّ النفس إذا كملت ذاتها وزال عنها درن الطبيعة أقبلت بوجهها على باريها وتمسكت بجود مبدعها، واعتمدت على إفادته وفيض نوره، فيتوجه إليها باريها توجهاً كليّاً، وينظر إليها نظراً إلهيًّا. واتخذت من العقل الكلي قلماً ومن تلك النفس (الكلية) لوحاً، وانتقشت فيها العلوم المختصّة بها، فصار العقل الكلّي كالمعلم والنفس القدسي كالمتعلم، وتحصل جميع العلوم لتلك النفس. والنفس فيها جميع الصور من غير تعلُّمٍ وتفكُّرٍ، ومصداقُ ذلك قول الله  عزّ وجلّ  لنبيه: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا ﴾[31][32]، ويطلق العرفاء على أعلى مرحلةٍ من مراحل الكشف بالحقيقة المحمدية، وإنّما سُمِّيتْ بذلك لأنّها آخر نقطةٍ وصل لها الخاتم P وهي نهاية سير الإنسان، كما أنّ النبي P يمثل المظهر الأتم لهذا المقام، فهو أول من وصل إلى ذلك المقام[33].

إمكان الوحي
إنّ الموضوع الأساس في هذا المطلب هو: إذا اقتنع الإنسان بإحدى الطرق الثلاثة التي تقدّمت، والتي يحصل من خلالها الوحي، يأتيه السؤال التالي: هل من الممكن أن يتصل الإنسان بعالمٍ غير هذا العالم المادي؟ وأنّى للمادي أن يتّصل بالمجرد؟.
ولكن الإنسان بصفته مخلوقاً له بعدان، بعدٌ ماديٌّ يتمثل في هذا الجسم، ولكن له بعدٌ آخرُ هو البعد الروحاني الذي يستطيع من خلاله الاتصال بعالم ما وراء المادة. ثم إنّ حقيقة الإنسان تكمن في الجانب الروحي منه لأنّ هذا الجسد متغيرٌ باستمرارٍ، فتموت خلايا وتنمو مكانها خلايا أخرى، كما أنّ الجسد يتلف بعد الموت، ولكن الروح تبقى.
وللغزالي كلامٌ جميلٌ في هذا المجال وهو يردّ على منكري النبوة وإمكان الوحي وبعد شرحه أطوار المعرفة التي تحصل للإنسان حيث يقول: «وكما أنّ المميّز لو عرضت عليه مدركات العقل لأباها واستبعدها، فكذلك بعض العقلاء أبى مدركات النبوة واستبعدها، وذلك عين الجهل إذ لا مسند له إلا لأنّه طورٌ لم يبلغه ولم يوجد في حقّه، فيظنّ أنّه غير موجودٍ في نفسه. والأكمه لو لم يعلم بالتواتر والتسامع بالألوان والأشكال، وحُكي له ذلك ابتداءً، لم يفهمها ولم يقرّ بها. وقد قرّب الله تعالى ذلك على خلقه بأن أعطاهم أنموذجاَ من خاصيّة النبوة وهو النوم، إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب إمّا صريحاً وإمّا في كسوةٍ، مثل أن يكشف عنه التعبير. وهذا لو لم يجربه الإنسان من نفسه وقيل أنّ من الناس من يسقط مغشيًّا عليه كالميت، ويزول عنه إحساسه وسمعه وبصره فيدرك الغيب، لأنكر وأقام البرهان على استحالته وقال: القوى الحساسة أسباب الإدراك، فمن لا يدرك الأشياء مع وجودها وحضورها، فإن عدم إدراكها مع ركودها أولى وأحق. وهذا نوعُ قياسٍ يكذبه الوجود والمشاهدة، فكما أنّ العقل طورٌ من أطوار الآدمي يحصل فيه [على] عينٍ يبصر بها أنواعاً من المعقولات، والحواس معزولة عنها، فالنبوة أيضًا عبارةٌ عن طورٍ يحصل فيه عينٌ لها نورٌ يظهر في نورها الغيب وأمور لا يدركها العقل)[34].
أي إنّ الإنسان يرفض ما لا يدركه عقله ويظنّ أن الوجود هو مستوى تفكيره فقط، فيعتقد أنّ ما يوجد يجب أن يدركه حتى يصدّق بوجوده، ولكن إذا أخبر الصادق الأمين أنّه رأى ما رأى فإنّ العقل يدعونا للتصديق به، خاصةً وهو يحمل إلى جانبه المعجزة التي جاءت لإثبات دعواه.

القرآن
القرآن كلمةٌ عربيّةٌ أصيلةٌ[35]، وهي مصدرٌ على زنة (فَعْلَاْن)، وتأتي بمعنى القراءة، والجمع. وعلى المعنى الأوّل تكون كلمة القرآن مصدراً للفعل (قرأ)، وعلى المعنى الثاني تكون مصدراً ل: قرأت الشيء، أي جمعت بعضه إلى بعض[36].
وذهب الشافعي إلى أنّ القرآن اسم علمٍ غير مشتقٍّ، فهو اسم لكتاب الله مثل سائر الكتب السماوية. وقد رجّح السيوطي قوله هذا[37].
وأمّا المعنى الاصطلاحي للقرآن: فهو الكتاب الإلهي المنزّل على قلب النبي الأكرم محمّد P، وبذلك صار القرآن عَلَما لهذا الكتاب[38].
وقد وردت لفظة القرآن في أكثر من ستّين مورداً في القرآن، كما قد وردت ألفاظ أخرى للقرآن يراد بها جميعاً نفس القرآن الكريم مع لحاظ بعض الخصوصيات فيها كالفرقان والكتاب والذكر.

سعة الوحي القرآني
المراد من هذا البحث هو هل إنّ القرآن وحيٌ باللفظ والمعنى أو أنّه وحيٌ في خصوص المعنى فقط دون اللفظ؟ وقد وجد في المسألة ثلاثة أقوال[39]:
الأول: إنّ المعنى من الله وأنّ اللفظ من جبرائيل، وقد استدلوا على هذا القول بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ١٩ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ﴾[40].
الثاني: أنّ المعنى من الله وأنّ اللفظ من النبي P واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:  ﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ﴾[41]، ووجه الاستدلال بهذه الآية أنّ المنزل على القلب هو المعنى وليس اللفظ.
ولكن يمكن القول: أن لا ملازمة بين أنّه إذا نزل على القلب أن لا يكون معه اللفظ، بل هو نزل على قلب النبي P وأنّ الألفاظ تلقّاها من قبل الله تعالى، ويدل على أنّ الألفاظ ليس من قبل النبي قوله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ﴾[42]، وتحريك اللسان له علاقة بالألفاظ دون المعاني.
الثالث: أن اللفظ والمعنى كلاهما من الله، وقد ذكر العلّامة الطباطبائي أنّ عامّة المسلمين يعتقدون أنّ القرآن بلفظه كلام الله تعالى أنزله على النبيّ P[43].
وقد استُدل على هذا الرأي بقوله تعالى: ﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ ٢١ فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۢ﴾[44]، وكذلك قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا﴾[45][46].
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾[47] وظاهر النطق هنا يدل على الألفاظ لا المعاني.
كما يمكن الاستدلال على الرأي الثالث بالآيات القرآنية التي جاء فيها الفعل (قل) حيث ورد في القرآن الكريم فعل الأمر (قل) في عشرات الموارد، ولو كانت ألفاظ القرآن من النبيل ايحتاج أن يقول (قل) بل يؤدي المعاني المراد إيصالها من دونه مباشرةً، كما في قوله تعالى: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾[48] فلو كانت الألفاظ منه لقال: الله أحد، كما هو المتعارف بين الناس، فإذا قال الأب لأبنه: (قل لزيد أن يأتي) فالإبن لا يقول لزيد: (قل لزيد أن يأتي) بل يقول له (أبي يريدك) أو (إذهب إلى أبي).
وقد ذكر عبد القاهر الجرجاني وبحسب نظرية النظم التي تبناها: أنّ إعجاز القرآن يكمن في نظمه، والنظم مرتبطٌ بالألفاظ التي تترتب على ضوءه المعاني[49].
 كما انّ الوحي الذي نزل على النبي بالمعنى هو السنّة، والتي هي قسم من أقسام الوحي الإلهي، فقد ورد أنّ جبريل كان ينزل بالسنّة كما ينزل بالقرآن، ولهذا جازت رواية السنّة بالمعنى، ولم تجز قراءة القرآن بالمعنى، لأنّ جبريل أدّاه باللفظ ولم يبح الله له إيحاءه بالمعنى، والسر في ذلك أنّ المقصود منه التعبّد بلفظه والإعجاز به[50].

المُحَدَّث
إنّ الوحي بالمعنى العام أي الاتصال بعالم ماوراء الطبيعة (المادة) له مراتبُ مختلفةٌ، فهو غير منحصرٍ بالأنبياء، وإن كان الوحي في أعلى رتبه منحصراً بالأنبياء والرسل الذين يبلغون رسالات ربهم إلى الخلق، وقد ذكر القرآن بعضاً ممن له اتصالٌ بالعوالم الأخرى من خلال الاتصال مع الملائكة والحديث معهم، وهذا نحو قوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصۡطَفَىٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٢ يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ﴾[51].
فهذا يدل دلالةً واضحةً على اتصال مريم بالملائكة وتحدُّثهم معها، ولا شك أنهم كانوا يُعلّمونها ويُفيضون عليها من عطاء الله لها، وحتى أنّ الطعام كان يأتيها من وراء الغيب، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ﴾[52].
ويطلق على صاحب هذه الحالة من الاتصال بعوالم الغيب في روايات أهل البيت ب (المُحدَّث)، والمُحدَّث ليس نبيّاً، وليس رسولاً، ولكنّه يُحدَّث فيسمع، وهذا المعنى، الذي يفيد أنّ غير النبي يمكن أن يكون مُحدّثا، يكاد يكون من الأمور القطعيّة في الإسلام[53]. 
ويصرّح أمير المؤمنين  بهذا المعنى حيث يقول في نهج البلاغة: «ولقد كنت مع رسول الله بحراء، أرى نورَ الرسالة، وأشمُ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزول الوحي إليه» وعندما ذكر الإمام علي حالته للنبيّ وأنّه سمع ورأى، أجابه النبيّ P: ياعلي، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ولكنك لست بنبيٍّ[54].
وهذا المعنى هو الثابت لأهل البيت Q باتصالهم مع الله، فهم ليسوا أنبياء ولكنّهم يتصلون بالسماء عن هذا الطريق.

الوحي في الفكر الاستشراقي
يعود اهتمام المستشرقين بالوحي الإلهي إلى العصور الوسطى، محاولين إيجاد تفسيرٍ لهذه الظاهرة، يتوافق مع أهداف الاستشراق الهادفة إلى إبعاد الوحي القرآني عن حقيقة صدوره الإلهي[55]. ولهذا تجدهم يضعون احتمالات متعدّدةً لمصدرية القرآن ومَنْشَئِه، فتارةً يقولون أنّه حالةٌ مَرَضِيّةٌ وأخرى أنّه شعوذةٌ، وأخرى انه نبوغٌ بشريٌ، ومرةً يقولون أنّ مصدره الكتب السابقة للإسلام كالتوراة والإنجيل، وأنّ النبيّ قد أخذه من علماء اليهود والنصارى، وغيرها من الاحتمالات التي كان الهدف منها قطع العلاقة ما بين القرآن وعالم الغيب. وإليك أبرز النظريات التي قدّمها الفكر الاستشراقي في بيانه للوحي القرآني:

1. الوحي حالةٌ مَرَضِيّةٌ
يذهب أصحاب هذا الاتجاه  إلى القول بأنّ الوحي ليس إلا تهويماتٍ باتولوجيةٍ مرضيةٍ للنبيّ، لكنّه عبقريٌّ، وذو طبيعةٍ ومزاجٍ سوداويْين. وقد اعتمد هذا الاتجاه على الروايات التي تصوّر حالة النبيّ P وهو يتلقى الوحي[56].
والسبب الذي دعاهم إلى هذا الاعتقاد هو الأعراض الخارجية التي كانت تصيب النبيّ P من تصببه للعرق وشحوب الوجه، وصدور بعض الأصوات من النبيّ، ولأنهم يعتمدون المنهج العلمي (التجريبي/ المادي) في تفسير الظواهر، فظنّوا أنّه ينتابه الصرع. ولكنّ المصروع لا يتذكر ما أصابه، وما جرى له،  إلا أنّ النبيّ كان يخبر بما نزل عليه من الوحي، وكانت حواسه متنبهةً بشكلٍ غيرِ عاديٍّ، فيذكر بدقّةٍ عاليةٍ كلّ ما أُوحي إليه. ثم إنّ هذه الحالة لا تحصل للنبيّ دائماً في كلِّ وحيٍ موحًى إليه، بل كثيراً ما يحدث الوحي والنبيّ بتمام يقظته.

2. القول بأنّ القرآن شعوذةٌ
ويذهب بعض المستشرقين إلى أنّ الوحي عبارةٌ عن الأوهام والخداع والهوس الناتج عن الحدس، وقد تبناه النبي على أنّه وحيٌ[57].
وراح بعض المستشرقين إلى أبعد من ذلك حين اتهموا النبيّ P بأنّ له في دار الأرقم بن أبي الأرقم جلساتٌ روحانيّةٌ تشبه جلسات الكهّان. وقد نجح في تأسيس جمعيّةٍ سرّيةٍ في البداية تشبه الماسونية، لها شيفرتها الخاصّة هي (السلام عليكم)، وعلاماتٌ تميّز أعضاءها مثل إرسال طرف العمامة بين الكتفين[58].
وهذا الكلام لايعدو كونَه تهمةً مفتراةً على النبيّ P، فهذه المضامين العالية التي يحملها القرآن الكريم في الجوانب والصُّعُد المختلفة في تشريع الأحكام وسن القوانين، فضلا عن العقائد والأحكام والقيم الأخلاقيّة، كلّ هذه الجوانب تكشف الفرق والمدى الواسع بين الوحي ونتاج الكهانة الذي لا يرقى إلى مستوى هذا القرآن.

3. نظريّة النبوغ
الأساس الذي قامت عليه هذه المقولة هو عدم وجود جهةٍ ما يتصل بها النبيّ حتى يأتينا بالوحي، بل جاء به من نفسه، أي إنّ الأنبياء ليسوا إلاّ أناسًا يمتلكون عقولاً مشرقةً تهديهم إلى صلاح مجتمعهم وسعادته، فيضعون مجموعةً من القوانين والأحكام التي من شأنها أن تؤدي إلى تطور حركة الإنسان وتبلغ به محل السعادة. والأنبياء هم أناسٌ عباقرةٌ، يمتلكون صفاءً في الروح وقوّةً في الإرادة. يقول المستشرق الألماني ثيودور نولدكه: (إنّ محمّداً حمل طويلًا في وحدته ما تسلمه من الغرباء، وجعله يتفاعل وتفكيره، ثمّ أعاد صياغته بحسب فكره، حتّى أجبره أخيراً الصوت الداخلي الحازم على أن يبرز لبني قومه)[59].
ويقول الشيخ السبحاني: إنّ تفسير النبوة بالنبوغ ليس تفسيراً جديداً، وإن صيغ في قالبٍ علميٍّ جديدٍ، وإنّ جذور هذا الرأي تمتد إلى عصر ظهور الإسلام حيث كان العرب الجاهليون يحسّون بجذبات القرآن وبلاغته الخلّابة[60].
والنبوغ عندهم لا يعني أنّ النبيّ محمّدًا اعتمد على عبقريّته وما عنده من أفكارٍ، بل استفاد من الديانات السابقة عليه كاليهوديّة والنصرانيّة والحنيفيّة الإبراهيميّة، وكان لاتصاله باليهود والنصارى الذين التقاهم في بعض أسفاره أو الذين التقاهم في مكّة. كما أنّه كان مطلعًا على تاريخ الرسل والأنبياء السابقين، ولأنّ النبيّ محمّدًا كان يمتلك رؤيةً نقديّةً استطاع من خلالها أن يغربل كلّ ما تلقاه ويبقي فقط ما يخدم تصوراته[61].
ولكن ما يخبر به النبيّ لا يمكن أن يكون نبوغًا، بل هو وحيٌ من الله يخبر في طيّاته عن الكثير من الحوادث الغيبيّة المستقبلية، وإنباؤه لا يخطئ أبدًا، بل يتحقق على وفق ما يخبر به، كما في قوله تعالى: ﴿تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمۡ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٖۖ ذَٰلِكَ وَعۡدٌ غَيۡرُ مَكۡذُوبٖ﴾[62]، فلا يجرؤ أحدٌ من نوابغ الدهر أن ينبئَ بأنّ العذاب سينزل بعد ثلاثةِ أيامٍ، أو أن يخبر بأنّ جيش الروم سيهزم الفرس بعد سنواتٍ قليلةٍ كما في قوله تعالى: ﴿غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ
بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ ٣ فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ...﴾[63]، فالنوابغ لا يُخبرون عن الحوادث المستقبلية على نحو الجزم والقطع، بل على نحو الترديد. ثمّ إذا كانت دعوات الأنبياء كلّها نبوغاً لِمَ لم يدّعوا ذلك، بل هم ينسبون ما عندهم إلى الله تعالى، ولا ينسبون إلى أنفسهم شيئا.

4. تجلّي الأحوال الروحيّة للنبيّ
يقول أصحاب هذه النظريّة: لا نشك في صدق الأنبياء وإخبارهم عمّا رأوا وسمعوا، وإنّما منبع ذلك من أنفسهم، وليس هناك شيءٌ جاء من عالم الغيب، الذي يقال عنه أنّه عالم ما وراء الطبيعة. وإنّ النبيّ توصل إلى الوحي بالانقطاع إلى عبادة الله تعالى، والتوجه إليه بخلوته في غار حراء، فقويَ هنالك إيمانُه، وسما وجدانُه، فاتسع محيطُ تفكيره، وتضاعف نور بصيرته، فاهتدى عقله الكبير إلى الآيات البينات في ملكوت السماوات والأرض إلى هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وما زال يفكر ويتأمل، وينفعل ويتململ، ويتقلب بين الآلام والآمال، حتى أيقن أنّه النبيّ المنتظر الذي يبعثه الله لهداية البشر، فتجلّى له هذا الاعتقاد في الرؤى المنامية، ثمّ قوي حتى صار يتمثّل له الملَك يلقّنه الوحي في اليقظة[64].
ولهذا عدّ المستشرق الإنجليزي مونتغمري وات أنّ النبيّ محمّداً كان صادقاً في القول مخطئًا بالاعتقاد بشأن الوحي، بمعنى أنّ النبيّ لم يسع لخداع أتباعه عندما ادّعى بأنّ الله تعالى أنزل الوحي عليه، ولذا فهو صادقٌ في القول، لأنهّ لم يشأ ممارسة الخداع، ولكنّه في الوقت نفسه مخطئٌ بهذا الإعتقاد، لأنّ الله لم يُنزل الوحي عليه كما كان يعتقد[65].
إذاً فحياة النبيّ الروحية التي عاشها، وصلاح نفسه والقيم التي يحملها في داخله هي التي أوحت إليه على أنّه نبيٌّ مرسلٌ من السماء، وأنّه قد أُلقيت على عاتقه مهمّة التبليغ إلى الناس، وإنقاذهم.
ولكن ما جاء به القرآن الكريم من الإعجاز في شتّى المجالات، في منطقة يسودها الجهل والأميّة في كلّ جوانبها يكشف عن زيف هذه المدّعيات التي لاهمّ لها سوى الحطّ من شأن هذا الكتاب وحامله.
وكلّ هذه الآراء في تفسير الوحي الإلهي التي جاءت من المستشرقين نابعةٌ في الأساس من النزعة التشكيكية التي اجتاحت أوروبا إبان عصر النهضة الذي جعل عالم الغيب في خانة الخرافة والأساطير، وذلك بسبب النزعة المادية التي سادت في التفكير الأوروبي، فراحوا يعلّلون الأشياء بعللٍ ماديّةٍ معتمدين في ذلك على المنهج التجريبي الذي جاءت به الفلسفة الوضعية، وأنّ كلّ شيء لا يخضع للتجربة فهو غير موجود.
كما لا ننسى ما للاستشراق من أهدافٍ استعماريّةٍ هدفها السيطرة على الشرق والمنطقة الإسلاميّة منه على وجه الخصوص، من خلال مسخ ثقافة المسلمين وتشكيكهم في دينهم وعقائدهم، لأنّها تمثل حاجزاً كبيراً أمام السيطرة الاستعماريّة على الشعوب المسلمة. ولهذا تراهم يشكّكون في كلّ شيءٍ، يشككون في الصغيرة والكبيرة، وفي البديهيات الدينية. وهذا لا يعني أنّ نقدهم للفكر الإسلامي خالٍ من الفوائد العلميّة التي تضمّنتها مصنفاتهم، بل ساعدت مؤلفاتهم على إيجاد حركةٍ نقديّةٍ في مراجعة التراث الإسلامي من قبل المسلمين أنفسهم.

الوحي في الفكر الحداثوي
يبرز الفكر الحداثوي كمقولاتٍ حاولت تفسير الظاهرة القرآنيّة بمجموعةٍ من التفسيرات التي ترجع جذورها في أغلب الأحيان إلى الفكر الاستشراقي، فقد قامت مجموعةٌ غير قليلةٍ من المسلمين باعتناق التفسيرات الغربيّة لظاهرة الوحي القرآني ولأسبابٍ متعدّدةٍ، ولعلّ من أهمّها أنّهم فهموا أنّ التراث يمثل إعاقةً أمام تطور الأمّة الإسلاميّة، لهذا سعوا إلى التخلّص من مقولاته، ويرون أن لا تقدّم للأمّة إلّا من خلال اعتناق المقولات الغربية في جوانبها المختلفة وتطبيقها على الثقافة الإسلامية. وسنتناول أبرز مقولاتهم في الوحي الإلهي.

أولا: تاريخيّة النص القرآني
المراد من التاريخيّة عندهم: هو إخضاع النص القرآني لأثر الزمان والمكان والمخاطب مطلقاً.[66] أي إنّ النصّ القرآنيّ متأثّرٌ بثقافة عصره والمجتمع الذي نزل فيه، وإنّه مرتبطٌ بالزمان والمكان الذي نزل فيه، وعلى هذا فهو لا يصلح لكلِّ زمانٍ ومكانٍ كما يدّعي الفكر والثقافة الإسلاميْين، ولهذا يقول هاشم صالح في هامشٍ على محمّد أركون: الأرخنة هي الكشف عن تاريخيّة الخطا بالقرآني عن طريق ربطه بالبيئة الجغرافية والطبيعيّة والبشريّة القبائلية لشبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، ومعلومٌ أنّ الخطاب القرآني كان قد برع في التغطية على هذه التاريخية عن طريق ربطه باستمرار بالتعالي الذي يتجاوز التاريخي الأرضي كلّيًّا أو يعلو عليه[67].
ويقول نصر حامد أبو زيد: إنّ النصوص دينيّةً كانت أم بشريّةً محكومةٌ بقوانينَ ثابتةٍ، والمصدر الإلهي للنصوص الدينيّة لا يخرجها عن هذه القوانين، لأنّها تأنسنت منذ تجسّدت في التاريخ واللغة وتوجهت بمن طوقها ومدلولها إلى البشر في واقعٍ تاريخيٍّ محدّد[68]. ويضيف أبو زيد: لقد كان محمّد  المستقبِل الأول للنص ومبلغه  جزءاً من الواقع والمجتمع، وكان ابن المجتمع ونتاجه[69].
ويؤكد أبو زيد بأنّ قداسة النصّ القرآنيّ ليست ذاتيةً، بل إنّ قداسته أضيفت له فيما بعد، يقول:  إنّ النصوص في ذاتها لا تمتلك أيَّ سلطةٍ، اللهم إلاّ تلك السلطة المعرفيّة التي يحاول كلُّ نصٍّ، بما هو نصٌّ، ممارستها في المجال المعرفي الذي ينتمي إليه. وإنّ كان نصٍّ يحاول أن يطرح سلطته المعرفيّة بالجديد الذي يتصور أنّه يقدمه للنصوص السابقة عليه. لكن هذه السلطة النصّية لا تتحول إلى سلطةٍ ثقافيّةٍ اجتماعيّةٍ إلا بفعل الجماعة التي تتبنى النص وتحوله إلى إطارٍ مرجعيٍّ. من هنا تصحّ التفرقة بين النصوص والسلطة التي يضفيها عليها العقل الإنساني ولا تنبع من النص ذاته[70].
إذاً، الوحي القرآني مرتبطٌ بزمان ومكان نزوله، أي الجزيرة العربيّة في القرن السابع الميلادي،  وبالتالي لا يصلح لكلّ زمانٍ ومكانٍ كما يدّعي الفكر الإسلامي. غير أنّ الواقع خلاف ما يدّعون، فالقرآن نصٌّ إلهيٌّ ألقيت على عاتقه هداية الإنسانية.
إنّ مقولاتهم متأثّرةٌ بالواقع الحضاري الغربي الذي حصل على التقدّم التقني بفعل تطور المنهج التجريبي، لذا حسبوا أنّ كلّ شيءٍ لابدّ من تفسيره تفسيراً تجريبيًّا، وما لا يكون خاضعاً للحسّ والتجربة يجب نفيه وعدم الاعتراف به، وإن لم يمكن فتأويله على وفق مناهج الفلسفة الوضعيّة. وليس هذا اتهاماً لهم، بل هم يصرحون بذلك على الدوام، يقول حسن حنفي: أنا مفكرٌ وضعيٌّ، وأقصد أني وضعي، منهجي، ولست وضعيًّا مذهبيًّا. إنّ كلّ مايخرج عن نطاق الحسّ والمادة والتحليل أضعه بين قوسين، لذلك أنتسب كثيرا إلى الظاهريات (الفينومينولوجيا).... والوحي بالنسبة لي فإنّني آخذه على سبيل الافتراض، فالوحي افتراضٌ في البحث العلمي، والتحقق من صدقه، أي التحقق تجريبيٌّ وليس صوريًّا[71].
أمّا محمّد أركون فيقول: إنّ كلّ شيءٍ يتجاوز الماديات يعتبر ميتافيزيقيًّا لا معنى له، وهذه هي العقلانيّة الوضعيّة التي لا تعترف إلا بالماديات[72].
في الواقع هم لم يفرقوا بين النص القرآني وبين تفسيره وفهمه من قبل المسلمين، وذلك لأنّ التفسير هو الذي يخضع للتاريخيّة وزمان ومكان المفسر، أمّا النص نفسُه، فهو حيٌّ طريٌّ يمكن للإنسان أن يستفيد منه حين يستنطقه. ولعلهم فرقّوا بين النص وتفسيره ولكنهم خلطوا بينهماعن قصد، لأنّهم يدركون ما يقولون، لأّن القول بتاريخيّة النصّ توفّر لهم الطريق الأسهل للقطيعة مع التراث.

ثانيا: التجربة الدينيّة
تنسب هذه المقولة إلى الإيراني عبدالكريم سرش، وهي ليست إلا صدًى آخرَ لمقولة بشريّة القرآن التي جاء بها الفكر الاستشراقي، بحسب تحليلاته الماديّة التي تعتمد على المنهج الوضعي في بيان حقائق الظواهر وتفسيرها.
والمراد من التجربة الدينيّة هو أنّ النبيّ P عاش تجربةً ليس لنا القدرة على الإطلاع عليها إلا من خلال ما نقله لنا النبي عن طريق النص القرآني، وبحسب هذه المقولة فإنّ النص القرآني عبارةٌ عن إخبارٍ لما عاشه النبي من حالةٍ صوفيّةٍ أو عرفانيّةٍ أطلق عليه اسم الوحي، وبالنتيجة فإنّ الوحي نابعٌ من داخل النبيّ نفسه ولم يتلقه من مصدرٍ خارجيٍّ، بل هو عبارةٌ عن إلهامٍ شعريٍّ لكنّه أرفع من إلهام الشعراء، لأنّ الشاعر أيضاً يتصور أنّ مصدراً خارجيًّا يلهمه[73].
يقول سروش: في هذه التجربة يرى النبيّ وكأنّ شخصاً يحضر عنده ويحدّثه في أذنه وقلبه بمضمون الرسالة السماوية، ويكلّفه بإبلاغ التعاليم والأوامر الإلهية للناس، ويحصل للنبي علمٌ يقينيٌّ بهذا الأمر بحيث يشعر بالاطمئنان القلبي والشجاعة الفائقة التي تدفعه إلى استقبال جميع أشكال العناء والتعب والمرارة في هذا السبيل بهدف امتثال الأمر وأداء الوظيفة الإلهية.
والنبيّ مصلحٌ لا غير، ولكنّه موفَّقٌ إلى أبعد الحدود، ولكن الفرق بين الأنبياء وغيرهم من أصحاب التجارب الدينيّة هو أنّ الأنبياء لا يبقون أسرى تجربتهم الشخصية، ولا يشغلهم التنعم بها عن أداء دورهم الإنساني، بل إنّهم بسبب حلول هذه التجربة في عمق ذواتهم يشعرون بوظيفةٍ جديدةٍ، ويتبدل النبي عندها إلى إنسانٍ جديدٍ يسعى إلى بناء عالَمٍ جديدٍ وإنسانٍ جديدٍ[74].
إنّ القول: أنّ القرآن من صنع النبيّ نفسه، وأنّ النبوّة أشبه بالإلهام الشعري ولكنّها درجةٌ أعلى من الشعر تهمةٌ قديمةٌ للنبيّ وللقرآن، فقد كان يطلقها كثيرا كفّار قريش، وقد سجّل القرآن هذا الاعتراض والاتهام، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۢ﴾[75]، وكذلك قوله تعالى: ﴿أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ ٱلۡمَنُونِ﴾[76]، ومرةً أخرى يقولون بأنّه أضغاث أحلامٍ: ﴿بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۢ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ﴾[77].
وفي الردّ على هذا الكلام يمكن القول: إنّ القرآن لو كان ممّا أفاضته التجربة النبوية، ولم يكن موحًى إليه من قبل الله، فإنّه سيكون مساوياً للنصوص الموجودة في عصره من شعرٍ ونثرٍ، ولاستطاع المعارضون أن يأتوا بمثله، وإنّ القول بأنّه أعلى مراحل الشاعريّة لا يخرجه عن كونه شعراً، وقد تحداهم في عدّة مواضع، ولايزال هذا التحدي مستمرّاً إلى يومنا هذا، ولقد حاول الكثير عبر الزمن معارضته ومجاراته، ولكنّهم أخفقوا في هذا التحدّي، وهذا إن دلّ على شيءٍ فإنّما يدل على أنّه ليس بكلام بشرٍ، وأنّه ليعلو ولا يُعلى عليه، فهو ليس بشعرٍ، إنّما هو القرآن، فله أسلوبه الخاص به، الذي يدلّ على أنّه ليس من صنع البشر، قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ وَقُرۡءَانٞ مُّبِينٞ ﴾[78]، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ
بِقَوۡلِ شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ﴾[79].
ثمّ إنّ القول بأنّ القرآن نتيجة تجربة النبيّ يخالف الإعجاز البياني للقرآن، لأنّ الإعجاز البياني مبنيٌّ بالأساس على أنّ القرآن كلام الله تعالى الذي هو فوق كلام البشر، وقد تحدى العرب، لكنّهم لم يستطيعوا أن يجاروه. والإعجاز البياني هو نظم القرآن الذي امتاز به عن النصوص الأخرى.

ثالثا: التناص في النص القرآني
إنّ (التناص) و (البين النصيّة) و (التعالق النصي) مفاهيمُ يراد بها في التأويل الحداثي أنّ النص ليس بنيةً مغلقةً ومنكفئةً على نفسها، ولكنّه يحمل  أراد من شئه أم لم يرد  بصمات نصوصٍ سابقةٍ، وآثار مبدعين آخرين، تسهم في تشكيله، وتعميق رمزيته[80].
أو هو تشكيل نصٍّ جديدٍ من نصوصٍ سابقةٍ وأنّ النص  أيّ نصٍّ  هو خلاصةٌ لنصوصٍ تماهت في ما بينها فلم يبق منها إلاّ الأثر، ولا يمكن إلا للقارئ النموذجي أن يكتشف الأصل، فهو الدّخول في علاقةٍ مع نصوصٍ بطرقٍ مختلفةٍ «يتفاعل بواسطتها النص مع الماضي والحاضر والمستقبل إضافةً إلى تفاعله مع القرّاء والنصوص الأخرى»[81].
ويبرز التناصّ كمسألةٍ أساسيةٍ في الفكر الحداثوي في نظرتهم وفهمهم للنصوص الدينية، ومن ثمّ لا يوجد نصٌّ خال صٌغير مشوبٍ وإنّما يوجد (البين النّصّيّة) أو (التعالق النصًي). وفي هذا المجال يقول نصر حامد أبو زيد: يوجد التعالق النصّي في القرآن، أي أنّه نصٌّ مشكَّلٌ من معتقداتٍ، وثقافاتٍ، وأدبياتٍ أخرى، كالتوراة والإنجيل، والشعر الجاهلي، والسجع[82].
والتناص ليس فقط من الكتب السابقة للقرآن، بل إنّ القرآن اقتبس من الواقع العربي في الجزيرة العربية الكثير الكثير وإنّ الواقع أصلٌ تشكّل منه النص القرآني، يقول نصر حامد أبو زيد: إنّ الواقع هو الأصل، فمن الواقع تكوّن النصّ ومن لغته صيغت مفاهيمه، ومن خلال حركته بفاعليّة البشر تتجدّد دلالته فالواقع أولاً والواقع ثانياً والواقع أخيرا[83].
ومن مظاهر التناص القرآني كما يراه أبو زيد هو اعتبار الإسلام امتداداً للحنفيّة الإبراهيميّة يقول أبو زيد: وليس من قبيل التأويل الآيديولوجي أن نقول أنّ الإسلام، بهذه المثابة من حيث هو دينٌ يردّ نفسه للحنيفية ملّة إبراهيم، كان تجاوبًا مع حاجة الواقع[84].
ويضيف أبو زيد بأنّ العرب المعاصرين لتشكيل النص لم يكونوا قادرين على استيعاب (التغاير) و(المخالفة) بين النص والنصوص التي لديهم، ولذلك كانوا حريصين أشدّ الحرص على جذب النصّ (الجديد) إلى أفق النصوص المعتادة فقالوا عن النبيّ: شاعرا، وقالواعنه كاهنا. ولا شكّ أنّ هذه الأوصاف قامت  عندهم  على أساسٍ من إدراك (المماثلة) بين نص القرآن ونصوص الشعراء والكهان[85].
ولا شك أنّ التأكيد على مقولة (البين النّصّيّة) أو (التعالق النصي) يفرغ النص القرآني من ربانيته، فيغدو نصّاً لغويّاً مشوباً بإحالاتٍ إيحائيةٍ، وإرجاعاتٍ غيرِ مؤتلفةٍ لمبدعين آخرين، وهذا ما يتناسب مع أنسنة النص القرآني الذي دعت إليه الحداثة في تأويليتها، وهي بهذا تحاول إخراجه من جوهره الرباني الخالص.
ولكن البيئة التي نشأ فيها النبيّ P هي بيئةٌ أميّةٌ ليس لها عهد بالحضارة، بل الجهل يعمُّ جميع أركانها، وإنّ خروج القرآن من هذه البيئة لهو أمرٌ محالٌ  فلا يمكن أن يكون هذا الكتاب عالي المضامين في العقائد والأحكام والأخلاق والمعارف المختلفة وهو مرتبطٌ ببيئةٍ جاهلةٍ، لا تحظى بأقلّ المراتب من العلم والمعرفة.
أمّا تأثّر القرآن بالكتب السابقة كالتوراة والإنجيل، فلم يُعهد من النبيّ محمّد P أنّه درس عند أحدٍ من علماء اليهود أو النصارى، حتى نقول أنّه اقتبس من هذه الكتب ما تعلمه وضمّنه في القرآن. أمّا وجود بعض الموضوعات والقصص التي جاءت في القرآن وهذه الكتب فهي كاشفةٌ عن وحدة مصدر هذه الكتب المقدّسة، وهو الله تعالى. أمّا تأثر القرآن بالأساطير والحضارات الأخرى القديمة التي نشأت في الشرق الأوسط، فلم يعرف عن العرب اتصالهم بهذه الحضارات وأهلها، فضلاً عن النبيّ P.

---------------------------------
[1] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس،  ط1، القاهرة 1371ه،ج6،ص92  93
[2] تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1404ه  1984م، ج6، ص 2520.
[3] لسان العرب ابن منظور المصري، دار صادر، بيروت لبنان 1376ه 1956م، ج15، ص 379.
[4] سورة مريم، الآية 11.
[5] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق عدنان صفوان داوودي، دار القلم دمشق  الدار الشامية بيروت، ط3، 1424ه، ص 858.
[6] سورة القصص، الآية 7.
[7] سورة الأنعام، الآية 112.
[8] سورة الأنعام، الآية 121.
[9] سورة النحل، الآيتان 68- 69.
[10] سورة فصلت، الآية 12.
[11] سورة مريم، الآيتان 10- 11.
[12] سورة الشورى، الآية 3.
[13] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، شهاب الدين القسطلاني، دار الفكر، بيروت  لبنان 1421ه 2000م، ج1، ص 83
[14] علوم القرآن، محمّد باقر الحكيم، مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط5، 1424ه،  ص 151.
[15] الوحي المحمّدي، محمّد رشيد رضا، مطبعة المنار، مصر، ط3،1352ه، ص 28.
[16] سورة الشورى، الآية 51.
[17] الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، (محاضرات الشيخ جعفر السبحاني)، حسن مكي العاملي، مؤسسة الإمام الصادق، قم، ط5، 1423ه، ج3، ص 128 129
[18] الحقائق والدقائق في المعارف الإلهية، فاضل الصفّار، دار المحجة البضاء، بيروت، لبنان، ط1، 1436ه  2015م، ج1، ص 196  197.
[19] النبوة، بحوث وحوارات الاتحاد الإسلامي للأطباء، مرتضى مطهري، ترجمة جواد علي كسّار، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، ط1، 1420ه، ص 58.
[20] تاريخ القرآن، محمّد حسين الصغير، دار المؤرخ العربي، بيروت  لبنان، ط1، 1420ه 1999م، ص 15.
[21] الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، منشورات رضى  بيدار  عزيزي، ج1 ص 156.
[22] المصدر السابق، ج1، ص 157.
[23] سورة القدر، الآية 1.
[24] المصدر السابق، ج1، ص 158.
[25] المصدر السابق، ص 158.
[26] النبوة بحوث الاتحاد الإسلامي للأطباء، مصدر سابق، ص 54  55
[27] أنظر الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل، مصدرٌ سابقٌ، ج3، ص 146  147
[28] سورة النجم، الآية 18.
[29] أنوار الحكمة، الفيض الكاشاني، تحقيق وتعليق محسن بيدار فر، منشورات بيدار، قم  إيران، ط1، 1425ه، ص 194.
[30] أنظر. العرفان النظري مبادئه وأصوله، يد الله يزدان بنا، تدوين عطاء أنزلي، ترجمة عبّاس الموسوي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط1، 2014م، ص 92 93
[31] سورة النساء، الآية 113.
[32] جامع الأسرار ومنبع الأنوار، سيد حيدر الآملي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت  لبنان، ط1، 1426ه  2005م، ص451
[33] شرح تمهيد القواعد في العرفان النظري، من أبحاث السيد كمال الحيدري، بقلم محمّد الربيعي، مؤسسة الإمام الجواد للفكر والثقافة، بغداد  العراق، 1436ه  2014م، ج2، ص 42، 49.
[34] مجموعة رسائل الإمام الغزالي، الرسالة السابعة، دار الكتب العلمية، بيروت  لبنان، ط4، 1427ه  2006م، ص66 67
[35] المراد من أنها أصيلة هو أنها غير دخيلةٍ من لغةٍ أخرى واستعملتها العرب ثم أصبحت منها، والدخيل هو ما كان منقولا من لغات أجنبية إلى العربية.( أنظر.تراث فقه اللغة في العربية، مدخل للباحث العربي، عمرو خاطر عبد الغني وهدان، مؤسسة حورس الدوليّة، الاسكندرية، ط1، 2010م، ص82).
[36] أنظر. مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1415ه 1995م، ج1، ص41
[37] انظر. الاتقان في علوم القرآن، ج1، ص 51
[38] أنظر. مناهج تفسيرالقرآن (من أبحاث السيد كمال الحيدري)، طلال الحسن، مؤسسة الهدى للطباعة والنشر، بيروت، 1435ه 2010م، ص16
[39] البرهان في علوم القرآن، الزركشي، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط1، 1376ه 1957م، ج1، ص 229  230
[40] سورة التكوير، الآيتان 19- 20.
[41] سورة الشعراء، الآيتان 193 - 194.
[42] سورة القيامة، الآية 16.
[43] القرآن في الإسلام، محمّد حسين الطباطبائي، تعريب السيد أحمد الحسيني، دار الزهراء للنشر، بيروت  لبنان، ط2، 1398ه  1978م، ص 76
[44] سورة البروج، الآيتان 21- 22.
[45] سورة النساء، الآية 82.
[46] عُصرة المنجود في علم الكلام، العلّامة  زين الدين علي بن محمّد بن يونس العاملي النباطي البياضي ت 877ه، تحقيق حسين التنكابني، مؤسسة الإمام الصادق، قم  إيران، ط1، 1428ه، ص 211
[47] سورة النجم، الآيتان 3- 4.
[48] سورة الاخلاص، الآية 1.
[49] دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، مكتبة القاهرة، مصر، 1381ه  1961م، ص 344
[50] أنظر. الإتقان في علوم القرآن، ج1، ص 159.
[51] سورة آل عمران، الآيتان 42- 43.
[52] سورة آل عمران، الآية 37.
[53] النبوة، مرتضى مطهري، مصدرٌ سابقٌ، ص 59  60.
[54] نهج البلاغة، الخطبة: 192 (الخطبة القاصعة)
[55] القرآن الكريم في دراسات المستشرقين دراسةٌ في تاريخ القرآن، نزوله وتدوينه وجمعه، مشتاق بشير الغزالي، دار النفائس، بيروت  لبنان، ط1، 1429ه  2008م، ص 52.
[56] تكوين النص القرآني النبوة والوحي والكتاب، قاسم شعيّب، الانتشار العربي، بيروت  لبنان، ط1، 2016م، ص 43.
[57] القرآن الكريم في دراسات المستشرقين، مصدر سابق، ص 54.
[58] تكوين النص القرآني النبوة والوحي والكتاب، مصدر سابق، ص 43.
[59] تاريخ القرآن، ثيودور نولدكه، ترجمة جورج تامر، مؤسسة كونراد  أدناور، بيروت، ط1، 2004م، ص 4
[60] الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل، مصدر سابق، ج3، ص 132
[61] تكوين النص القرآني، مصدرٌ سابقٌ، 46  47.
[62] سورة هود، الآية 65.
[63] سورة الروم، الآيات 2- 4.
[64] الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، مصدر سابق، ج3، ص 136  137.
[65] محمّد في المدينة، مونتغمري وات، ترجمة وتحقيق شعبان بركات، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، ط1، 1985م، 495  496.
[66] العلمانيون والقرآن (تاريخية النص)، أحمد إدريس الطعان، مكتبة ودار ابن حزم للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية  الرياض، ط1، 1428ه  2007م. ص 332.
[67] هامش هاشم صالح على كتاب محمّد أركون (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني)، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2005م، ص 21.
[68] نقد الخطاب الديني، نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط3، 2007م، ص88  89.
[69] مفهوم النص دراسةٌ في علوم القرآن، نصر حامد أبو زيد، الهيئة المصرية للكتاب، 1990م، ص 67.
[70] التفكير في زمن التكفير، نصر حامد أبو زيد، مكتبة مدبولي، مصر، ط2، 1995م، ص138.
[71] الإسلام والحداثة، حسن حنفي ومجموعة مؤلفين، دار الساقي بيروت، 1990م، ص  219.
[72] القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، محمّد أركون، مصدرٌ سابقٌ، هامش صفحة: 172.
[73] تكوين النص القرآني، مصدر سابق، ص 50.
[74] التجربة الدينية للنبيّ، مقال لعبد الكريم سروش، ترجمة أحمد القبانجي، شبكة الحوار المتمدن.
[75] سورة الصافات، الآية 36.
[76] سورة الطور، الآية 30.
[77] سورة الأنبياء، الآية 5.
[78] سورة يس، الآية 69.
[79] سورة الحاقة، الآية 41.
[80] أنظر:النص القرآني من تهافت القراء إلى أفق التدبر، قطب الريسوني، منشورات وزارة الأوقاف والشؤن الإسلامية، المملكة المغربية، ص 267.
[81] أنظر.  النقد والدلالة نحو تحليلٍ سيميائيٍّ للأدب، محمّد عزّام، منشورات وزارة الثقافة،  1996م، ص 148.
[82] النص والسلطة والحقيقة، نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي، بيروت  الدارالبيضاء، ط1، 1995م، ص 242
[83] نقد الخطاب الديني، مصدر سابق، ص106.
[84] مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، مصدر سابق، ص74.
[85] المصدرالسابق، ص157.