البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تأملات واستدراكات على كتاب (الأندلس برؤى استعرابية) ، دراسة في جهود المستعربين الاسبان المهتمين بالتراث الاندلسي للدكتور محمد العمارتي

الباحث :  أ. د. محمد بلال أشمل
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  17
السنة :  السنة الخامسة شتاء 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 18 / 2019
عدد زيارات البحث :  1725
تحميل  ( 748.291 KB )
تطاون العامرة
I- تلقيت نبأ صدور الكتاب بخوفٍ ورجاءٍ؛ فأما الخوف، فمن أن يكون «ضعيفًا» و«مجروحًا» كنظرائه من بعض الأعمال الموضوعة أو المترجمة المتصلة بالشأن الثقافي الإسباني. وأما الرجاء، فأن يكون في رتبة سحر وبهاء الموضوع الاستعرابي عامةً، وغصة الأندلس خاصةً. ولقد قرأت الكتاب بضعَ مراتٍ قراءة المتفحص الناقد، وقرأته قراءة العاشق الشغوف بموضوع الأندلس، ومقالات القشتاليين حولها، فظهر لي أن صاحبه فتح باباً واسعاً من الأمل في استئناف النظر في الموضوع الاستعرابي بعدةٍ منهجيةٍ قويةٍ، وجهازٍ مفهوميٍّ صارمٍ، ورؤيةٍ فكريةٍنفاذةٍ إلى الجوهر، خاصةً وأن الرجل وضع في العربية لأول مرة دراسةً رصينةً حول الموضوع، وبالأخص تلك المتعلقة ب«غرسية غومث»، وإسهامات رجال مجلة «الأندلس» في المعرفة الاستعرابية. بل وكيف لا نعدّ عمله كذلك وقد دعانا إلى استثمار فصول الكتاب من أجل وضع دراساتٍ أخرى تتناول موضوع الاستعراب الإسباني في مختلف جوانبه، ومتنوع مظاهره (ص 419).
II- صدور كتاب «الأندلس برؤًى استعرابيةٍ» من باحثٍ ينتمي إلى مدينة راسخة القدم في الإسبانيات المغربية، له من الدلالات ما لا يخفى على كل مطلعٍ على دقائق المتن المغربي المتصل بالشأن الإسباني سواء باللغة العربية أو القشتالية. ولعل إحداها أن الباحث، استأنف طورًا من التقليد بدأه كبار المنشغلين بالشأن الإسباني تأليفًا وترجمةً من عبد الرحيم جبور العدي إلى حسن الوراكلي مرورًا بمحمد العربي المساري، ومحمد ابن عزوز حكيم، ومصطفى اعديلة وغيرهم، فكان بذلك، حلقةً في سلسلةٍ ذهبيةٍ من رواد الإسبانيات المغربية.
قد يكون الباحث على غير بينةٍ من هذا الأمر، أو لم يكن يعنيه أن يسلك ضمن ممثلي الإسبانيات المغربية السابقين؛ إذ لا يظهر أن منطلقاته تسير في هذا المدى، ولا كانت مقاصده ترجو تحقيقه، لأنه كان يسترشد بالغايات المعرفية، ويستهدي بالمقاصد العلمية. ومع شرف هذه المقاصد، ومع نبل هذه الغايات، إلا أنّنا كنا ننتظر منه، أو كان يجب لنا أن ننتظر منه، أن يجعل من مسعاه حلقةً ضمن الجهود المبذولة لتعقل خطاب الاستعراب الإسباني ضمن الاسبانيات المغربية كما نهض بها أصحابها في المدينة التي ينتمي إليها.
وقد يتساءل متسائل: ولِمَ له أن يصنع ذلك، فيربط عمله النقدي للاستعراب الإسباني بمدينةٍ عامرةٍ مثل تطاون، إذا لم يكن له وعيٌ بالمكان المشترك، وبما يقتضيه من ضغط التخوم، وبأس التاريخ؟
وجوابنا هو أنّا حين كنا ننتظر منه أن يسلك عمله في عداد المشتغلين بالإسبانيات المغربية، كنا نحتكم إلى نفس منطق المستعربين في العناية بالتراث العربي الإسلامي في بلادهم، ونصطنع حجتهم في الاشتغال به درسًا وترجمةً ونشرًا. ويقوم هذا المنطق، وتنهض هذه الحجة- كما عبر عنها المؤلف في مواضعَ عدةٍ في كتابه (صفحات 33 و 36 و  37 و 38-39 و 42- 43)[1] على أن الإسبان أولى الناس بالتراث العربي الإسلامي في الأندلس؛ فهم ورثته، وأصحابه، ومن ثم، ف«الواجب القومي» (ص 41)، والداعي الأخلاقي، والضرورة العلمية، تقتضي أن يكونوا هم من ينهضون بالحفاظ عليه، ويحرصون على صيانته من كل عبثٍ ماديٍّ أو معنويٍّ، ويسعون إلى دراسته الدراسة التي تليق به، ويترجمونه الترجمة التي هو أهلٌ لها، وينشرونه النشر الذي يجمع به الفضل من جميع أطرافه.
أما منطقنا وحجتنا، فهي أنّا في خصوص مدينتنا، وعموم بلادنا، أولى الناس بالإقبال على  الاستعراب الإسباني، والاشتغال بقضاياه، دراسةً وترجمةً، للأسباب التالية:
- أن التراث العربي الإسلامي في الأندلس تراثٌ مشتركٌ بيننا وبين الإسبان، بحكم التزامن التاريخي، والتجاور الجغرافي؛
- أن مدينتنا كانت عاصمة الحماية الإسبانية في شمال المغرب، وفي تربتها تجذرت اللغة والثقافة الإسبانيتان، وعلى صعيدها تعايشتا مع الثقافة العربية والأندلسية؛
- أن مدينتنا كانت لها مع وجوه الاستعراب الإسباني صلاتٌ وثيقةٌ، سواءً بالزيارة الدائمة، كما صنع «ألكانطرا إي لافوينتي»، و«خوان فيرنيت» و«غرسية غومث»، و«سالفادور فيلا» و«لويس سيكو دي لوسينا» (وهؤلاء الثلاثة ذكرهم الباحث في ص 267-268)، أو بالتعاون العلمي كما صنع «مياس فياغروسا» مع المرحوم امحمد عزيمان في نشرهما لكتاب الفلاحة لابن بصال[2]، (ص 311)، أو بالمراسلة المستمرة مع رجالاتها كما صنع «آسين بالاسيوس» مع الوطني الكبير الحاج عبد السلام بنونة، أو بالإقامة الطويلة في تطاون كما صنع «كارلوس كيروز»(1884-1960)؛
- أن الثقافة الإسبانية مكونٌ أساسيٌّ من مكونات الثقافة الوطنية، وإحدى الخصائص المميزة لمدينتنا ولعموم الشمال المغربي، وأن الاشتغال بالاستعراب الإسباني، وبكل ما يتصل بالتراث العربي الإسلامي في الأندلس، هو عين اشتغال المستعربين الإسبان ب«الذاكرة الجماعية» حين مضيّهم إلى الاشتغال بهذا التراث (ص 41 و 42).
- أن الانفتاح على هذه الثقافة ضروريٌّ لأمننا القومي والروحي؛ فهي مرآة جارتنا على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعقلي،وبوابة المغرب إلى أوروبا الموحدة، وأقرب النقاط الأوربية إلينا جغرافيًّا وتاريخيًّا، وآخر الامبرياليات التي ما تزال تحتل جيوبنا الوطنية في سبتة المحتلة، ومليلية السليبة، والجزر الجعفرية الأسيرة[3].
وكيفما كان الحال، ليس لنا أن نطلب من المؤلف أن يسلك عمله ضمن المشتغلين بالإسبانيات المغربية بالأسباب المباشرة، فلنقنع منه بالأسباب غير المباشرة، وهي مقاصده العلمية، وغاياته المعرفية؛ إذ يكفينا منه أنه لمح دون أن يصرح إلى أن اختياره للاستعراب الإسباني كان بسبب كونه «وليد الإحساس بالأهمية القصوى الملحة التي ينفرد بها هذا الموضوع، وأهميته وقدرته على خلق آفاقٍ علمية جديدةٍ للتعامل مع الآخر (الإسباني) القريب جدًّا منّا، ومن ثقافةٍ أو تراثٍ هو قاسمٌ مشتركٌ بيننا، ومن ماضٍ حضاريٍّ هو صنع أجدادهم الإسبان، وأجدادنا نحن المسلمين والعرب» (ص 7)، فلننظر إذًا في هذه المقاصد، ولنفحص هذه الغايات التي شيد على أساسها دراسته العلمية. 
III- وقبل المضيّ إلى ذلك، لا بأس من الإشارة إلى أن المؤلف يجعل من انصراف الباحثين عن الاشتغال بالاستعراب الإسباني إلى مواضيع أخرى من البحث، أو ندرة ما كتب عنه، أو رداءة الأبحاث التي أنجزت حوله، من الدواعي التي حركته إلى الاشتغال بموضوعه، وتدارس قضاياه ومسائله. صحيحٌأن المؤلف لم يفصح لنا عن أسباب هذا الإقصاء، ولا دواعي هذا الإبعاد، ولا مسوغات هذا الانصراف الذي لحق الاستعراب الإسباني، حتى ظل «مقصيًّا» و«مبعدًا» من التداول الثقافي العربي (من التمهيد)، فمنتهى ما قرره أن الانصراف واقعٌ، وأن الإبعاد كائنٌ، وأن الإقصاء موجودٌ. ولكنا نعتقد أن الأسباب العامة والخاصة التي قد تكون طافت بخاطره وهو يفكر في هذا الأمر هي هذه:
- أن عموم الثقافة العربية لم تسلم بعد من مقدماتٍ مشهورةٍ مفادها أن الثقافة الإسبانية لم تثمر الثمارِ التي تهيئها لتصدر العالمية، وأن ما عرف منها من ثمارٍ طيبةٍ في الأدب خاصة، كان محض صدفةٍ تاريخيةٍ لم تتكرر، فيحسن الانصراف إذّاك عن هذه الثقافة، وطلب غيرها في اللغات الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية؛
- أن عموم المشتغلين بالاستشراق، وخصوص الدارسين للاستعراب، لم يحققوا بعد دعوى عبد الرحمن بدوي حول قلة شان الاستشراق الإسباني ضمن الاستشراقيات الغربية، والتي أطلقها الرجل في غياب النصوص والوثائق مستثنيا في ذلك «آسين بالاسيوس»[4].
- أن التداول الثقافي العربي- ومنه المغربي- ما يزال يجمد على ولائه الفرنكفوني، فلم يجدد لغاته الرفادية، ولم يوسع آفاقه الفكرية، ولم يحقق ديموقراطيته اللسنية. ويظهر ذلك غالبًا في مجالي الفكر والفلسفة على ما قررناه في مكانٍ آخر[5].
IV- لننظر الآن في الغايات والمقاصد التي وضعها المؤلف نصب عينيه وهو بصدد إنجاز دراسته. يظهر أن أولى تلك الغايات والمقاصد سعي المؤلف إلى تخليص الاستعراب الإسباني من الخوض في الإشكالات العامة المرتبطة بالاستشراق، وإخراجه من دائرته (انظر تمهيد الكتاب). ولذلك وجدناه يعكف على الدعوة إلى نحت مصطلحٍ جديدٍ يوفي حق هذا الشّعب العلمي من الخصوصية بعد أن ميز بين مصطلحات «الاستشراق» و«الاستفراق» و«الاستعراب». ولقد وفق المؤلف في إخراج «الاستعراب» من دائرة «الاستشراق»، ونفى عنه تلبسه بإشكالية «المستشرقين» المعرفية والسياسية، واستخلصه من شبهة «الاستفراق»، ومحص إشكاليته الخاصة، معرفيًّا ومنهجيًّا، ولكنه لم يذكر لنا أيًّا من الأمثلة التي يدافع فيها أصحابها عن اختياراتهم الاصطلاحية فيما سماه ب«المنظومة الاصطلاحية العربية»، كأن يقول مثلا إن الباحث الفلاني يزعم أن «الدراسات العربية في إسبانيا» ينبغي تسميتها ب«الاستفراق»، أو ينبغي نعتها ب«الاستشراق»، أو ينبغي وصفها ب«الاستعراب»، وهذه هي حجته التي عليها بنى اختياراته، بل اكتفى فقط بالحكم على «قصورها عن إيجاد مصطلحاتٍ مناسبةٍ ودالةٍ على تطور الدراسات العربية بإسبانيا في تسلسلها التاريخي والعلمي» (ص 45). لقد صح لديه أن هذه «الدراسات العربية بإسبانيا» لا يمكن لنا تسميتها ب«الاستشراق»، لأنها طلبت خصوص المسلمين في الأندلس، ولا يمكن لنا نعتها ب«الاستفراق» لأنها لم تطلب عموم المسلمين والعرب في إفريقيا، ولا بالأحرى تسميتها ب«الاستعراب»، لأنها طلبت محض التراث الإسلامي خلال العصر الوسيط في الأندلس. وكنا ونحن نتابعه في نقده ل«المنظومة الاصطلاحية العربية»، وكيف نعى عليها أنها لم «ترق إلى مستوى رصد تجليات وأعمال هذه الحركة في أبعادها المعرفية والعلمية بدقةٍ مقبولةٍ ومعقولةٍ إلى حدٍّ كبيرٍ» (ص 19)، وكيف أكد على أهمية ضبط المصطلحات (ص 17)، كنا ننتظر منه أن يمضي إلى نحت مصطلحٍ جديد كما وعد بذلك (ص 57) يسمي به هذه الحركة العلمية «التي قامت في أواسط القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين»، ويستعيض بها عن مصطلحات «الاستشراق»، و«الاستعراب»، و«الاستفراق». ولكنه بعد كل ذلك عاد فتبنى نفس المصطلح السائد (أي الاستعراب، ص 22-23)، مع أنه حكم ب«غربته» (ص 61) وزاد عليه فقط نعت «الحديث»، فصار الاستعراب لديه استعرابا حديثا، والمستعربون الإسبان، «مستعربين حديثين» (ص 28)، وأحيانا يسميهم «الدارسين الإسبان المحدثين» (هامش رقم 1، ص 216، وص 222) وفاته أن يستعيض عنه بمصطلح كرره عدة مرات (مثلا ص 29، 230) وهو اسم «الأندلسيات» بعد أن استقر هو نفسه على أن «الاستعراب محدد الموضوع والهدف والغاية المتمثلة في ميدان الدراسات الأندلسية» (ص 29).
لم يستطع المؤلف إذًا نحت مصطلحٍ جديدٍ ل«الدراسات العربية في إسبانيا»، ولم ينتبه إلى وجاهة مصطلح «الأندلسيات» المعرفي والتاريخي والمنهجي، واستمر في استعمال مصطلح «الاستعراب» على ما قرره له من آفة إلغاءٍ ل«حركية التطور والتدرج» وما يقوم به من «إسقاطٍ لمعيار الاختلاف والتباين» (ص 61). وهكذا وجدناه يحتفظ بهذا المصطلح في متن دراسته، ويضعه عنوانا مزدوجا لها.
ولو أراد مزيدًا من الضبط، لاختار مصطلح «الأندلسيات الإسبانية»، تمييزا لها عن «الأندلسيات المغربية»، وعن نظيراتها «الأندلسيات العربية» و«الغربية»، لسبق علمه أن أغلب جهود المستعربين من الإسبان مضت إلى دراسة الظاهرة الأندلسية في متعدد مظاهرها، ومختلف تجلياتها، وما كان من إقبالهم على دراسة أو ترجمة نصوصٍ وظواهرَ من الشرق العربي، لم يكن إلا دعمًا وإسنادًا لمشروعهم في تعقل ماضيهم الإسلامي عقيدةً، والعربي لسانَا، كما صنع «كابانيلاس» مع الغزالي[6] وابن سينا[7] أو «كروث إيرنانديث» مع هذا الأخير[8]، و«رامون غيريرو» مع أبي نصر الفارابي[9]، سواءً باللسان القشتالي كما صنع أغلب وجوه المستعربين الذين ذكرهم الباحث، أو باللسان الفرنسي كما صنع «آسين بالاسيوس» نفسه مع تصوف أبي حامد الغزالي[10]، الذي حظي بنقل مجموعةٍ من مؤلفاته إلى الإسبانية ك«الاقتصاد في الاعتقاد» من لدن «بالاسيوس»[11]، أو «مقاصد الفلاسفة» على يد «مانويل ألونسو»[12] أو «المنقذ من الضلال» على يد «إيميليو طورنيرو»[13]، أو كما صنع طائفةٌ من المستعربين الإسبان الذين لم يذكرهم  الباحث أمثال «بويغ مونطادا» الذي نشر أبحاثه بالفرنسية[14] والألمانية[15] والإنجليزية[16] فضلاً عن الإسبانية[17]. وعلى ذكر لغة الاستعراب الإسباني، لم يرد لدى المؤلف ذكر أي أثرٍ لهؤلاء مكتوبٍ بغير لغة «سرفانتيس»، عدا إشارته إلى تعدد اللغات التي تم اصطناعها في مجلة الأندلس (ص 303-304)، ما يعطي الانطباع أن لغة الاستعراب الإسباني كلها قشتالية، وهذا يخالف الواقع تمامًا لما نعلمه لهؤلاء من إسهامٍ في المعرفة الاستعرابية باللغات الغربية. ولكن عذر الباحث أنه عني فقط بالرعيل الأول من المستعربين الذين كتبوا بالقشتالية-باستثناء «غايانغوس» الذي كتب بالإنجليزية، و«بالاسيوس» الذي نشر بعض أبحاثه بالفرنسية- ولم يتعرض بالحديث إلى خلفهم ممن نشروا أعمالهم باللغات الغربية وبخاصة الإنجليزية، ولم يتناول إسهامهم مثلاً في الفقه الإسلامي ولا في الفلسفة. وإذا صنع ذلك مثلاً مع «مانويل ألونسو»، الذي وضع طائفة بأعماله مع الترجمة العلمية له (دون ذكر تاريخ ولادته عام 1893، ولا وفاته عام 1965)، لم يتعرض لسائر أعماله التي نشرها في مجلة «الأندلس»، أو في «مدينة الله» وقد أحصينا منها عددا يفوق ما نشره الباحث عنه بنيفٍ وعشرين عملاً[18]. أما «كارلوس كيروز» (1884-1960)  الذي نشر أعمالاً ذات أهميةٍ عظيمةٍ في مجال ما نسميه ب«المالكيات الإسبانية»، فلم يورد له ذكرًا، ولعله تعصب ل«غرسية غومث» الذي نشأت بينه وبين مدير «مركز الدراسات المغربية» بتطاون، جفوةٌ بسبب انتقادات الثاني للأول فيما يتصل بترجمته ل«طوق الحمامة» لابن حزم القرطبي، فلذلك لم يتحدث عنه، أو ربما عدّه من رجال «الاستفراق» حين رآه ينشر أعماله تحت ألويتهم، مع أن قراءة متفحصة لما نشره الرجل، وبخاصةٍ عمله عن «الملكية العقارية في الفقه المالكي»[19] أو «مؤسسات الفقه الإسلامي المالكي» [20] أو «السلطة القانونية والملكية العقارية في الفقه المالكي»[21] يغير تصوراتنا المسبقة عما هي عليه فلسفة «الاستفراق»، وغاياتها الاستعمارية والإيديولوجية. ولعل عذر الباحث اختصاصه أهل الاستعراب الإسباني بالأدب قصةً وشعرًا، واستفاضته في الحديث عن المرحلة التأسيسية مع رجال «مجلة الأندلس»، وهو العمل التوثيقي العظيم الأهمية الذي نهض به الباحث على سندٍ من المصادر والمراجع الأصلية.
ولقد صنع الباحث ذلك كله ولكن دون أن يحدد لنا الإطار الزماني الذي تناول فيه المعرفة الاستعرابية، وترك لنا مبادرة صنع ذلك حينما حدد لنا منتصف الثلاثينات كفضاءٍ لبحثه عن إسهاماتهم وبخاصة رجال مجلة الأندلس والمعاهد التي كانت تصدرها وتشرف عليها، مع توطئةٍ تاريخيةٍ بالبدايات الأولى لحركة الاستعراب خلال سيادة الحكم الإسلامي على الأندلس، وبعدها حين انطلقت في أواسط القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين» (ص 23-33) خاصةً مع بني كوديرا، ورجال مجلة الأندلس، ولم يتعده إلى مرحلة رجال مجلة «القنطرة»، وما شهدته من استئنافٍ وتجديدٍ لحركة الاستعراب الإسباني الحديث.
V- وعلى حرص الباحث على ضبط دراسته وفق تصورٍ منهجيٍّ معلومٍ، يسعى إلى تدقيق مصطلحاته، ويتثبت من مضامين فصوله، إلا أنا وجدنا منه انحرافًا عن غاية العنوان الذي وضعه لدراسته؛ فالذي يطلع على العنوان كما وضعه المؤلف بهذه الصيغة «الأندلس برؤًى استعرابيةٍ»، يتوقع أن يجد دراسةً موضوعةً حول الأندلس من حيث هي ظاهرةٌ حضاريةٌ وثقافيةٌ وسياسيةٌ وتاريخيةٌ، فيمضي إلى الحديث عن تشكلها السياسي، منذ الفتح الإسلامي، إلى مختلف الدول التي تعاقبت على حكمها، وما عرض لها من الأحداث التاريخية، وما شهدته من علومٍ ومعارفَ، وكيف تشكلت نظريًّا في المعرفة الأندلسية لدى علمائها وفقهائها وشعرائها ورحالتها وعامة الناس فيها، وكيف صارت «فردوسًا مفقودًا» توالت الدعوات على ردها إلى الإسلام والمسلمين، والرضى والتسليم بما قدره الله لها، ثم النظر في رؤى المستعربين إليها، وتأصيل رؤيتهم في التاريخ السابق على فتحها من لدن المسلمين، وكيف كان «المستعربون» (بالمعنى القديم) ينظرون إليها، وما هي أصداء رؤاهم في كتاباتهم إذا وجدت، وكيف تناولها المستعربون الجدد (بالمعنى الحديث) بالنظر والتحليل، وكيف استخلصوها من بطون المعرفة الإسلامية، عبر التأمل والدراسة والترجمة والمقارنة والنشر، وهل استطاعوا وضع «نظرية الأندلس» على غرار ما صنع مفكرو إسبانيا المعاصرين (أورتيغا إي غاسيت)، ولا بأس من إجراء مقارنةٍ بين رؤى المسلمين للأندلس، ورؤى المستعربين لها لاسيما وأن «الفردوس المفقود» كان له العديد من «الشقونديين» العرب والمسلمين الذين تغنوا بفضله، واستلهموا منه الجيد والردئ من الأفكار والحدوس والخواطر. غير أن الذي حدث هو أن المؤلف تحدث عن «جهود المستعربين الإسبان المهتمين بالتراث الأندلسي»، وخيرًا صنع، فمضمون الكتاب يتجه هذه الوجهة، ويجلي مظاهر هذا «الاهتمام»، ويسمي الرجال الذين نهضوا به، ويعدد أعمالهم، وينظر في تاريخ عملهم المؤسسي (المكتبة العربية الإسبانية مثلا أو معهد آسين بالاسيوس) والإعلامي (مجلة الأندلس والملك مثلا)، ويخص بالذكر «إيميليو غرسية غومث» من سائرهم. ولذلك فإن أصح عنوان كان ينبغي أن يوضع لهذه الدراسة هو ما أخرّه المؤلف، فجعله عنوانًا فرعيًّا لها، أو هذا العنوان الذي صاغه في الخاتمة (الاستعراب وأهميته في مقاربة التراث الأندلسي في شمولية محاوره وتعددها» (ص 417). ولعله يعتزم وضع دراسةٍ عامةٍ تتناول ما قلناه حتى يستقيم عد الدراسة الحالية تمهيدًا لها أو محض تقديمٍ، ولذلك وضع لها ذلك العنوان الأخّاذ في دلالته، القوي في معانيه، مع عدم الالتزام بشرط «الحداثة» الذي اشترطه في بداية الكلام؛ والذي يقتضي أن يكون «الأندلس برؤًى استعرابيةٍ حديثةٍ: دراسةٌ في جهود المستعربين الإسبان المحدثين المهتمين بالتراث الأندلسي».
VI- بعد أن عرضنا لطائفةٍ من الأفكار المتصلة بدوافع إعداد هذه الدراسة، ومضامينها، وغاياتها، ومقاصدها، نأتي الآن إلى الوقوف في عجالةٍ عند جملةٍ من الهوامش، فنقول:
-يرتئي المؤلف أن الاستعراب الإسباني «يحمل المركزية الإسبانية بافتخاره واعتزازه وانتمائه لهذا التراث [الأندلسي]». (ص 40-43) وفي نظرنا، ليس من الضروري أن يكون «الافتخار»، ولا «الاعتزاز بالانتماء إلى التراث»، مبررًا لكي يكون صاحبه شاعرًا بالمركزية، وإلا لكنا أول الشاعرين بها لأنا نفتخر ونعتز بالانتماء إلى التراث الأندلسي. إن أيّ مركزية هي مركزية مُلغِيةٌ لغيرها، مُقصية لوجوده، ولامتداده. وما نعلمه عن الاستعراب الإسباني أن سيرته لا تمضي في هذا الاتجاه، اللهم إلا إذا فهمنا المركزية الإسبانية في صنيع المستعربين الذين ينسبون كل فضل للظاهرة الأندلسية إلى العرق الإبيري، فهو الجوهر، أما العرب المسلمون، أما لغتهم، أما عقيدتهم، فلم تكن إلا من الأعراض العابرة التي ليست لها من الأهمية في نظام الفكر والحياة والإبداع، إلا وظيفة الحامل، ورتبة الوسيلة.
- أصاب الباحث عين الحق حين نعى علينا عدم استثمارنا لما كتبه الاستعراب» (التقديم)؛ فلعل إحدى فضائل هذا المبحث أنه يهيئ لنا الأسباب الطيبة لمعرفة أنفسنا، وكيفيات رؤية الآخر لنا في امتدادنا الزماني. وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة مثلاً إلى أنّا لم نستثمر الاستثمار الحق ما أسميه ب«المالكيات الإسبانية» ضمن «الإسلاميات الإسبانية» بعامةٍ، ففيها كنزٌ عظيمٌ على أولي العزم من الباحثين النهوض بمهام دراسته الدراسة النقدية المناسبة لجلال قدره.
- كما أصاب الباحث حين تنبه إلى «خصوبة القضايا والمباحث التي يطرحها خطاب الاستعراب الإسباني (ص 418-419)، ولذلك فهو يوجه عنايتنا إلى ضرورة دراسة هذا الخطاب، وتناول «دوافعه الدينية والعلمية» (ص 419)، وهي مجالات للبحث لم يقدر لها أن تظهر في دراساتٍ علميةٍ محكمة الهندسة والبناء.
- لا نوافق الباحث تمامًا فيما ذهب إليه من المقارنة بين «مونطافيث» والمستشرقين (ص 25)؛ فمن خلال اطلاعنا على أعماله المنشورة، وتعرّفنا عليه شخصيّا عام 2008، فإن مشروعه يندرج ضمن المجهود الاستعرابي، كامتدادٍ لمدرسة «كوديرا»، وكتطويرٍ لها، وكتحقيقٍ لمشروعها العلمي، وتجسيدٍ لهواها العربي الأندلسي، فكأنما الرجل استأنف خطًّا آخر في الدراسات الاستعرابية، ولكن بأفقٍ جديدٍ، ورؤيةٍ سديدةٍ.
- نؤكد بمناسبة وصل الباحث «الاستفراق» بالاستعمار (ص 25)، على ضرورة تجاوز هذا الوصل، والتركيز على «الفصل»، أو قل التركيز  على مضمون «الاستفراق»، لا الغايات والمقاصد التي كان يرتضيها.
- نلاحظ أن الباحث نفسَه ينقطع أحيانًا حين يستفيض في الحديث عن شخصيةٍ، ويذكر أخرى بالاسم فقط مثلما هو الحال مع الباحثة الإسبانية «كارمن رويث» (ص 25) والباحث «غرسية فيغيراس» (ص27)، ولعل داعي الاختصار كان يضغط عليه، فيكتفي بالإشارة دون التفصيل، أو لأنه عدّ «غرسية فيغيراس» من سلالة «المستفرقين»، ولذلك أمسك الكلام عن أعماله، وهي بالمناسبة عديدةٌ وكثيرةٌ ولا بد من الاعتكاف على دراستها الدراسة التي تليق بمنزلة الرجل في تاريخ المعرفة الإسبانية في شمال بلادنا.
- يذكر الباحث أحيانًا بعض الآراء والأحكام، ولكنه لا يوثقها، مثلما صنع مع رأي «غرسية غومث» في الدعوة إلى «مكاشفة الذات الثقافية الإسبانية» (ص 28 )؛ وأغلب الظن أن ما أثبته الباحث محض انطباعٍ تكوّن لديه من مدارسته الطويلة لعمل هذا المستعرب الكبير.
- لا نشاطر الباحث قوله أن ترجمات رجال الاستعراب ودراساتهم «دقيقةٌ» (ص 376)؛ فلدينا ترجماتٌ فيها من الفساد والتحريف والأهواء ما لا نحتاج إلى بيانه. ولعل ما صنعه «مانويل ألونسو»، وهو من هو في «الرشديات الإسبانية»، مع «مناهج الأدلة» لأبي الوليد، خير دليل، فالرجل يقول ما يحب، ويترجم ما يهوى، وينبغي التروي كثيرًا حين الأخذ بترجمته لهذا المتن.
VII- لنختم كلامنا حول هذه الدراسة ببعض الملاحظات الشكلية، والاستدراكات الجوهرية، فنقول:
- لا يصرح الباحث بمصادره في كثيرٍ من المواضع حين يترجم لأعلام الاستعراب الإسباني الحديث أمثال «مانويل ألونسو» (ص 298)، و«إلياس تيريس سابدا» (ص 299-300)، و«داريو كابانيلاس» (ص 249-250)، و«خوان فيرنيت» (ص 250)، و«فيرناندو دي لا غرانخا» (ص 300-301)، و«خواكين فايفي» (ص 301) أو لبعض رجال الاستعراب القدامى أمثال «رايموندو» (ص 137-138)، أو «رايموندو لوليو» (ص 129) أو لبعض المستشرقين أمثال «صامويل شتيرن» (ص 163-164).
- أدرج الباحث «مجلة الغرب» ضمن اتجاه العناية بالتراث الأندلسي (ص 291)، والحال أن هذه المجلة أنشأت من لدن «أورتيغا  إي غاسيت» لمقاصد أخرى تدخل في عقيدة صاحب «إسبانيا بغير عمدٍ» التي ترى أن مستقبل إسبانيا يوجد في أوروبا، ولذلك دأب على نشر زبدة الفكر الأوروبي في هذه المجلة، أو تحت إشرافها في منشوراتٍ مستقلةٍ. وما نشره «كروث إيرنانديث»[22] مثلاً ضمن موادها، لا يحسب لها أنها كانت تعنى بالتراث الأندلسي. ولعل مقدمة ترجمة «طوق الحمامة»[23] التي وضعها مؤسس «مجلة الغرب» تنطوي على بعض الأفكار التي تجعل من هذه المجلة آخر الأمكنة الطبيعية التي نتوقع أن تنشر ما يفيد العناية بالتراث الأندلسي.
- وقع من الباحث بعض الغلط في مواضع منها مثلاً أن الأب «مانويل ألونسو» (1893-1965) درس وحقق كتاب أبي الوليد بن رشد حول «علم الكلام» (ص 283). والحقّ أن الرجل لم يصنع إلا أن جمع بعض مصنفات الفيلسوف القرطبي، وهي «مناهج الأدلة»[24]، و«فصل المقال»[25]، و«الضميمة» (التي نشر نصها اللاتيني كما هو لدى «رايموندو مارتي» في «خنجر الإيمان» جنبًا إلى جنب مع الترجمة القشتالية)[26] وقام بترجمتها مع دراسةٍ وافيةٍ حول مذهب صاحبها الديني والفلسفي، ضم ما كان نشره سابقًا حوله من دراساتٍ مثل «ابن رشد، الفاحص للطبيعة»[27]، و«التسلسل الزماني لأعمال ابن رشد»[28]، ووضع عنوانًا لها هو «علم كلام ابن رشد»، أو إذا شئت قلت «مذهب أبي الوليد الكلامي وعقيدته في صلة الشريعة بالحكمة».
- كما وقع من الباحث غلط في نسبة ترجمة «تهافت التهافت» لابن رشد إلى الأب «سالفادور غومث نوغاليس» تبع فيه «ميشيل جحا» في كتابه «الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا» في صفحة 149. أما المترجم الحقيقي للتهافت، فهو «كارلوس كيروز» التطاوني مقامًا، الأستورياني مولدًا ونشأةً. وملخص قصة هذه الترجمة كما وثقها في المقدمة الأستاذ «برادو كويفاس»، ناشر ترجمة «كتاب الجهاد» (من «بداية المجتهد» لابن رشد) التي أنجزها «كيروز» مبكرًا في حياته العلمية في تطاون خلال سنوات 1916، 1948 و 1960)، ولم تنشر إلا عام 2009- هي أن صاحبها الحقيقي وضع مخطوطتها لدى «نوغاليس» لكي تنال موافقة السلطة الكنسية قبل النشر، ولكنها لم تر النور لتعقيد مساطر الموافقة من جهةٍ، وتلكؤ الرجل من جهةٍ في الدفع بها إلى تلك السلطة، أو إرجاعها إلى صاحبها[29]. وهكذا لم تنشر تلك الترجمة، وتوفي صاحبها، ومن كانت في عهدته معًا. ولعل أسرة «كيروز» ماضيةٌ الآن إلى رفع دعوًى قضائيةٍ لاسترجاع المخطوطة التي تضم كتاب «التهافت» ومقدمة مترجمها له.
- كما أن الباحث جعل تاريخ نشر ترجمة قصة «حي ابن يقظان» لابن طفيل التي أنجزها «بونس بويس»، وقدم لها «مينندث بيلايو» عام 1910 (ص 161)، والحق أنها نشرت عام 1900. والباحث يتبع في ذلك ميشيل جحا في كتابه «الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا» بصفحة 585 (هامش رقم 2، ص 179، وص 180). وبمناسبة الملاحظتين الأخيرتين، أشير إلى أن هذا الكتاب وغيره - ككتاب العقيقي «المستشرقون»، الذي اعتمده الباحث في دراسته، مليء بالأخطاء، وصاحبه غير ضابطٍ في معرفته بوجوه الاستعراب الإسباني، ولذلك يحسن التحرز في النقل عنهم فيما يتصل بهذا الشأن.
- يحتفظ الباحث بالصيغة القشتالية لأسماء المدن الأندلسية مع أن لديها أسماءها العربية المتداولة في المتن التاريخي والأدبي العربيين مثل «ألباسطي» (هامش رقم 1، ص 195) عوض «البسيط»، أو «مورسيا» (ص 194)، عوض «مرسية».
- ونسب الباحث خطأً إلى «أنخل بالنسيا غونثالث» كتاباً معروفاً ل«آسين بالاسيوس» هو «الإسلام بطابع مسيحي» أو «الممسحن»[30]– أو «الإسلام المسيحي» كما يترجمه الباحث (ص 182).
- إصرار الباحث على ترجمة عنوان قصة حي بن يقظان ب«الفيلسوف العصامي» في موضعين (صفحات 192 و 188) مع أنه تقرر أن هذه الترجمة ليست إلا تكثيفاً لمضمون القصة، وأن عنوانها الأصلي هو ما دأبنا على تداوله. كما أن الباحث لأمرٍ ما نسب خطأً ترجمة هذه القصة إلى «كوديرا» (ص 188)، حينما كان بصدد وضع لائحةٍ بأعماله ضمن الاستعراب الإسباني، مع أن ما بيدنا من ترجمة «أنخل بالنسيا» المنشورة عام 1934 أي بعد وفاة «كوديرا» الواقعة عام 1917، لا تشير إلى ذلك وهو الذي أرخ في تقديمه لكل الترجمات الغربية التي أنجزت لهذا المتن الفلسفي والأدبي.
VIII- وبعد، نعتقد أن الباحث كان يدرك أن الإقدام على هذا الموضوع، محفوفٌ بكثيرٍ من المزالق المنهجية، ومحاطٌ بكثيرٍ من المحاذير المعرفية، وأن النهوض بهذا الأمر لا يتهيأ إلا لمن حذق أصول الكتابة بالعربية، وتمكن من قواعد التبليغ العربي، وسهل عليه المرور بسلاسة بين اللسانين العربي والقشتالي. ومع ذلك فقد نهض بالمسؤولية العلمية والحضارية في الخوض في موضوعٍ عسيرٍ وعزيزٍ، وتحمل مشاق البحث بصبرٍ العلماء، وجلد المفكرين، فقدم لنا عملا عظيم الأهمية في الإسبانيات المغربية، جليل القدر في الإسبانيات العربية، رغم اختلافنا معه في كثيرٍ من الأفكار والأحكام، ورغم استدراكنا عليه في عديد المواضع والفقرات مما ذكرنا ومما لم نذكر. أقول في نهاية هذه التأملات والاستدراكات، أني فرحت بهذا الكتاب الفرحة التي تليق بموضوعه، واستبشرت به البشرى التي تكون في مثل هذه المناسبات الطيبة حين تنشر طيبات ثمار الفكر المغربي، ويملأ ريحها النفس والعقل والوجدان، خصوصًا بعد أن توج الباحث عمله العلمي بنظيرٍ له في صفيٍّ له يعتبر من أبرز وجوه الاستعراب الإسباني وهو «غرسية غومث»، فهنيئًا له بهذا الكتاب، وأملنا أن يبارك الله في عمره فيتحفنا بمزيدٍ من الأبحاث الجادة والرصينة في موضوع الإسبانيات المغربية.

--------------------------------------
[1] كل الإحالات داخل المتن هي على كتاب الدكتور محمد العمارتي: «الأندلس برؤًى استعرابيةٍ: دراسةٌ في جهود المستعربين الإسبان المهتمين بالتراث الأندلسي»، دار الكتب العلمية، بيروت، 2014، 461 صفحة.
[2] Ibn Baṣṣāl, Libro de Agricultura, Millás Vallicrosa y Muḥammad  ᶜAzzīmān (ed. y traducción), Tetuán, 1955.
[3] محمد بلال أشمل، مقالات في الفكر الإسباني المعاصر، منشورات الجمعية الفلسفية التطوانية، تطاون، 2008، ص 43.
[4] انظر الحوار الذي أجرته مجلة « الكرمل » مع عبد الرحمن بدوي  في عددها 42 لعام 1991، ص 120-127.
[5] «الفلسفة الإسبانية في التداول الفكري المغربي»،  ص 35- 44 و«حوار الفكر المغربي الإسباني: النداء الضروري والاستجابة الممكنة»، ص 11-33، في كتابنا «مقالات في الفكر الإسباني المعاصر، تطاون، 2008.
[6] Cabanelas Rodríguez, Darío., «A propósito de un libro sobre la filosofía  de al-Kindi», Verdad y vida, 10, Madrid, (1952), pp.257-283; «Notas para la historia de Algazel en España», Al-Andalus, 17, Madrid-Granada, (1952), pp. 223-232; «Un opúsculo inédito de Algazel: «Un libro de las intuiciones intelectuales», al-Andalus, 21, Madrid-Granada,  (1956), pp. 19-58.
[7] Cabanelas Rodríguez, Darío., «El Milenario de Avicena: Balance filosófico», Verdad y Vida, 14 (1956), pp. 87-104.
[8] Hernández, Miguel Cruz., «Algunos aspectos de la existencia de Dios en la filosofía  de Avicena», Al-Andalus, Vol. XII, fasc. 1 (1947), pp. 97-122; «El poema de Avicena sobre el alma», MEAH, Vol. I (1952), pp. 67-84.
[9] Guerrero Ramón.Rafael., «La concepción del hombre en al-Fārābī», MEAH, Fasc. 1, Vol. XXIII (1974), pp. 63- 83.
[10] Asin Palacios, Miguel., «La mystique d’Al-Ghazali», Mélanges de la Faculté Orientale, 7, Bierut (1914), pp. 67-104.
[11] Algazel, El justo medio en la creencia. Compendio de teología dogmatica, Asin Palacios, M., (trad.), Madrid, 1929, 556 págs.
[12] Algazel, Maqāṣid al-falāsifa o Intenciones de los filósofos, traducción, prólogo y notas del P. Manuel Alonso Alonso, S.I., Barcelona, Juan Flors, 1963.
[13] Algazel, Confesiones: el salvador del error, traducción, introducción y notas de Emilio Tornero, Madrid, Alianza Editorial, 1989.
[14] Puig Montada, Josep. «Quelques remarques sur les notions de nécessité et de puissance». In: Penser avec Aristote. (Ed.) M. A. Sinaceur Toulouse, 1991. 725-742; «Les stades de la philosophie naturelle d’Averroès», Arabic Sciencess and Philosophy 7 (1997), pp. 115-137.
[15] Puig Montada, Josep. «Zur Bewegungsdefinition im VIII. Buch der Physik». In: Averroes and the Aristotelian Tradition. Sources, Constitution and Reception of the Philosophy of Ibn Rushd (1126-1198). Proceedings of the Fourth Symposium Averroicum (Cologne, 1996).
[16] Puig Montada, Josep. «Maimonides and Averroes on the First Mover». In: Maimonides and Philosophy. Papers Presented at the Sixth Jerusalem Philosophical Encounter, May 1985. (Ed.) Shlomo Pines, Yirmiyahu Yovel Dordrecht [etc.], 1986. 213-223; «Averroes and Aquinas on Physics VIII 1: A Search for the Roots of Dissent». In: Knowledge and the Sciences in Medieval Philosophy. Proceedings of the Eigth International Congress of Medieval Philosophy (S.I.E.P.M.). Helsinki 24-29 August 1987. Vol. 2. (Ed.) Simo Knuuttila, Reijo Työrinoja, Sten Ebbesen Helsinki, 1990. 307-313; «Averroes' Commentaries on Aristotle. To Explain and to Interpret». In: Il comento filosofico nell'Occidente latino (secoli XIII-XV). (Ed.) G. Fioravanti Turnhout, 2002. 327-358.
[17] لدينا لائحةٌ بأعماله المنشورة سنعدها للنشر ضمن مشروعنا عن الرشديات الإسبانية.
[18] بين أيدينا لائحةٌ كاملةٌ بأعماله نرجو نشرها قريبا ضمن مشروعنا عن الرشديات الإسبانية.
[19] Quirós Rodríguez,C., «La adquisición originaria de la tierra en el derecho musulman mālekí», Archivos del Instituto de Estudios Africanos, Madrid, año III, 10 (1949), pp. 57-68.
[20] Quirós  Rodríguez, C., Instituciones de religión musulmana, Alta Comisaria de España en Marruecos, Delegación de Asuntos Indígenas, Imprenta del Majzen, Tetuán, 1947, 181 págs. (+ 16 págs. de índice).
[21] El poder judicial y la propiedad inmueble en el Derecho Malekita, Alta Comisaría de España en Marruecos, 1935, Tetuán, 40 págs.
[22] Cruz Hernández, M., «El averroísmo y el origen medieval del espíritu laico», Revista de Occidente, 91 (1970), pp. 26-37.
[23] José Ortega y Gasset.,  prólogo al Collar de la paloma de Ibn Ḥazm de Córdoba, Emilio García Gómez (trd.,) Madrid, 1952, pp. XI-XXVIII; Estudios sobre el amor, Alianza Editorial, Madrid, 1984, pp. 231-250.
[24] M. Alonso (trd.), en Teología de Averroes, CSIC, Madrid, 1947, pp. 203-353.
[25] Ibíd.,   pp. 149-200.
[26]Ibíd.,   pp. 355-365.
[27] Ibíd.,  pp. 25-49.
[28] Ibíd.,  pp. 51- 98.
[29] El Libro del Ŷihād, Quirós, Carlos (trad.), Prado Cueva, Manuel Enrique (Intro. y ed.), Biblioteca Filosofía en Español, Fundación Gustavo Bueno, Pentalfa Ediciones, Oviedo, 2009, pp. 11-12.
[30] El Islam cristianizado. Estudios del sufismo a través de las obras de Abenarabi de Murcia, 1 ª ed. Madrid, 1931; 2 ª ed, Hiperión, Madrid, 1981.