البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

صعوبات تعلُّم العربية عند المستشرقين المعاصرين : جمع التكسير أنموذجًا

الباحث :  أ.د. رياض كريم عبد الله البُديري
اسم المجلة :  دراسات استشراقية
العدد :  19
السنة :  السنة الخامسة - صيف 2019م / 1440هـ
تاريخ إضافة البحث :  August / 31 / 2019
عدد زيارات البحث :  3450
تحميل  ( 960.283 KB )
المقدمة
يردد بعض المُحْدَثين: مستشرقين وعربًا، مقولة: امتلاء اللغة العربية صعوباتٍ وعيوبًا، حتى نمّطت هذه المقولة اللغة العربية بغرائبيةٍ منعت كثيرًا من الناطقين بغيرها من تعلّمها، وصدّتهم عن الاطّلاع عليها، فكان أن «اشتهرت العربية بأنها لغةٌ صعبةٌ» [1]. وقد استشعر المحدثون أهمية مناقشة هذا الموضوع، سواءً أكان للإقرار بوجوده أم لردّه. وتتمثّل أمام الباحث اللساني حركةٌ تأليفيةٌ، سواءً بكتبٍ مستقلةٍ، أم بمباحثَ متوزعةٍ في كتب فقه اللغة. والتفصيل فيها يخرجنا من موضوعنا.
 ويودّ الباحث أن يضيف ثلاث ملاحظاتٍ عن الصعوبات التي يذكرها المستشرقون عن العربية :
الأولى: إن من الصعوبات المذكورة ما لا يواجهه الناطق الأصلي باللغة العربية، فتغدو تلك الصعوبة متعلقةً بطرائق تدريسها أو بأساليب عرضها لا بنظامها اللغوي.
الثانية: إن الصعوبات المفترضة لا تنبع من نظام اللغة وبنيتها، بل من عواملَ أخرى كثيرةٍ كالدين والاجتماع والتاريخ والثقافة، وهي عواملُ أكد اللغويون [2]، أثرها وتأثيرها في تعلّم اللغة أو دراستها، بما تضيفه من زوائدَ وملاحقَ ضارّةً لغير أبنائها. لذا لا أميل لوصم أي لغةٍ -بما فيها العربية- بالعيب؛ لأن اللغات لا يُعاب نظامها، فالناطقون بها الذين ابتكروها، وتكلّموها، وتواصلوا بها، من غير شكوى، ولا نَنْسَ أنّ اللسانيات الوصفية تأبى الحكم سلبًا أو إيجابًا على اللغة وقواعدها، فللسانيِّ الوصفي أنْ يصف لا أن يحكم. ولكني أميل للقول بوجود مشاكلَأو صعوباتٍ، قد تعاني منها هذه اللغة أو تلك، لأسبابٍ ليست لغويةً بالدرجة الأولى.
الثالثة: الذي يهمّ الباحثَ هو رفضُ العيب وطريقةُ ردّه؛ لأن نبز العربية بالعيوب هو من مقولات الاستشراق الكلاسيكي، والتي راجعها الاستشراق المعاصر. فتمايز الاستشراقان بذلك.
وقد ذكر المستشرقون صعوباتٍ كثيرةً منها ما نُسِب إلى النظام اللغوي للعربية ومنها ما نُسِب إلى الاستعمال والتركيب والمعجم. وهذه الصعوبات، هي: جمع التكسير والمثنّى والرابط الفعلي والحذف وعنف المعجم العربي والإسهاب والافتقار للمصطلح. وسيعرض الباحث للدفاع عن جمع التكسير، وردّ الرأي الذي يعدّه عيبًا، تُوسَم معه العربية بالصعوبة.
الكلمات الدلالية: جمع التكسير؛ المستشرقون؛ المعاصرون؛ اللسانيات؛ صعوبات
جمع التكسير:
(1) تعريف ومقارنة
يُعرّف جمع التكسير بأنه ما دَلّ على أكثر من اثنين، وله مفردٌ في معناه وأصوله، مع تغيُّرٍ حتميٍّ يطرأ على صيغته عند الجمع [3]، ويكون إمّا بزيادةٍ أو حذفٍ أو تغيّرٍ لصوامت اللفظ أو صوائته. وأشار المستشرقون والمحدثون العرب [4]، إلى اختصاص الساميات الجنوبية بهذا النوع من الجمع، ولا سيما العربية الشمالية (عربيتنا الفصحى). وقد عرضوا لكيفية صياغة أوزان جموع التكسير عن طريق اللواصق أو بعملياتٍ أخرى من التحوّل الداخلي لبنية الكلمة من تضعيفٍ وتسكينٍ. وقد أشاع الدرس اللغوي عند المستشرقين أنّ جمع التكسير جمعٌ داخليٌّ [5] أي تحوّلٌ داخليٌّ وليس كالجمع الخارجي بالعلامة اللاصقة كجموع السلامة. وقد انتقل تقليد المستشرقين بدراستهم جمع التكسير عن طريق اللواصق، إلى الدرس اللغوي الحديث، الذي صار يَعدُّ العدد معنى صرفيًّا، يُعبّر عنه باللواصق [6].

(2) حداثة جمع التكسير
يعزو ديفيد جستس «السبب الجوهري في تنوّع أبنية الجمع العربية إلى وجود نوعين من الجمع في فترةٍ مبكرةٍ من تاريخ اللغة العربية» [7]. ولا يخبرنا أيّ الجموع أسبقُ وجودًا: السلامة أم التكسير. ويحدّدها الدكتور إبراهيم السامرائي بقوله: «إن جموع التكسير سبقت الجموع الصحيحة في اللغة العربية...» [8]. ويفصّل مؤكِّدًا قوله في موضعٍ آخرَ: «أمّا جموع التصحيح المذكر، فالتزامه بالواو والنون إشارةٌ إلى أنه أحدثُ عهدًا من جمع التكسير؛ وذلك لأنه يشير إلى أن اللغة بدأت مرحلةً جديدة، تخضع فيها للقواعد المقررة، متخلصةً من الشذوذ وتعدّد الألسنة»[9]. ولا سبيل إلى اختبار فرضية السامرائي، إلا بالنظر التجريدي، وانتقال اللغة من التعدّد إلى أنظمة التوحُّد والانتظام. وأميل -نظريًّا- لمخالفة السامرائي، وأرجّح أن جمع السلامة هو أول الجموع -تاريخيّا- في العربية؛ لثلاثة أسبابٍ:
الأول: إن عدم الوسم (ّ) هو العلامة التي تُميّز الأصل، ولمّا كان الجمع فرعًا والمفرد أصلًا، احتاج الفرع لعلامة تُميّزه عن الأصل، إذ «الفروع هي المحتاجة إلى العلامات، والأصول لا تحتاج إلى علامة» [10]. ولذلك ظهر جمع التكسير متأخِّرًا في العربية عن جمع السلامة؛ لأن المضي بالوسم العلاماتي لوحده مُكلِف في تماثله الذي لا يحقق التمايز، والنظام اللغوي للعربية يحرص على استثمار الإمكانيات الخلافية للتعبير عن الجمع.
الثاني: إن انتظام جموع السلامة في الساميات كلها، وتوسّع الساميات الجنوبية فيه، سندٌ قويٌّ لهذه الفرضية. وبذلك يمكن الافتراض بقوةٍ أن جمع السلامة هو الطور الأول، بل هو أقربُ لمنطق اللغة، في اقتضائها التمييز باللاصقة في المستوى الأول، مُميّزا أولا بين المفرد والجمع. وربما يقوّي فرضيتنا أن ما أُلحق بجمع المذكر السالم من جموعٍ تتغير صوائت بنيتها عند جمعها بالواو والنون، ما يمكن عدّه مرحلةً ممهدةً لجمع التكسير، الذي تتغير بنية المفرد فيه، ولكنه لا يتضمّن إلصاق لاحقةٍ في موقع العلامة الإعرابية:
أَرْض
أَرْضُوْنَ
أَرَضُوْنَ
أَراضٍ
الثالث: ومن أسباب ترجيح حداثة جمع التكسير في تاريخ اللغة العربية، أنّ جمع المذكر السالم، هو من تجليات ظاهرة الإعراب، تلك الظاهرة القدمى؛ ولأننا نقول بتزاحم التعبير عن الحالة الإعرابية والتعبير عن العدد في آخر المفرد؛ لذا لجأت بنية اللغة لفكّ هذا التزاحم عبر نقل التحوّل الداخلي للتعبير عن العدد من موطن اللاحقة الإعرابية إلى موطنٍ داخل البنية المقطعية للكلمة؛ لضمان أمرين «أولهما إفراغ موطن اللاحقة لتتسيّد به علامة الإعراب، وثانيهما ضمان لاستمرار علامة الكثرة...»[11]. وبتعبيرٍ آخرَ يمكن أن نرجّح أنّ نظام الإعراب في العربية سببٌ رئيسٌ في نشوء استراتيجيا جمع التكسير؛ لأنه نظامٌ له الأولوية في البقاء والاستمرار، ما أوجب الحفاظ على لواصق الكثرة بنقلها من موضع الإعراب الأخير إلى موضعٍ داخل بنية الكلمة لضمان استمرار أمرين بجمع التكسير: ظهور الحركة الإعرابية الأصلية لا الفرعية، والتعبير عن العدد بالتحوّل الداخلي. فكان اللجوء إلى جمع التكسير لنزعةٍ تريد الإبقاء على التعبير عن الجمع عنصرًا قارًّا لا يتأثّر بتحولات الإعراب.

نصوص المستشرقين المعاصرين
(1) «وليس في العربية إلّا مشكلةٌ واحدةٌ عامةٌ، مشكلةٌ بنيويةٌ تحديدًا. وهي أنه لا يمكن التنبؤ بجمع الاسم. فهناك عددٌ من الاحتمالات النظرية لجمع الاسم الواحد، وهي احتمالاتٌ تحكمها صيغة المفرد نوعًا ما» [12].
(2) «لكنّنا يجب أن نعترف أن العربية لا تتميّز بصرفٍ مهذبٍ فيما يخص الجمع»[13].
(3) «وربما كان الجمعُ الأقلَّ تهذيبا least well - profiled في العربية» [14].
(4) ويقارن بين جمع الاسم في العربية وجمعه في الإنجليزية، بقوله: «فالجمع في الإنجليزية مهذبٌwell - profiled، أما في العربية فلا» [15].
(5) عند تعريفه يقول أدولف دنتس: «يُقصد بمصطلح التكسير بناء الجمع الذي لا يُعرف له أساسًا وحداتٌ صرفيةٌ خاصةٌ للجمع...» [16]، ويقول أيضا: «ومع أنماط الاسم الثلاثية الأصول غير الموسّعة لا يوجد أيُّ تنبّؤ عن صيغة الجمعالتابعة»[17]. ويرى جمع التكسير (الجمع الداخلي)» أكثر الملامح لفتًا للأنظار في الاسم العربي على الإطلاق» [18].
على اعتبار أنّ «القاعدة العامة للجمع في الإنجليزية هي إضافة (s) إلى الاسم الذي يُراد جمعه...»[19]. ويمكننا تلخيص اعتراضاتهم على جمع التكسير:
1. جمع التكسير غير مهذب أي تتعدد الصيغ المعبّرة عنه، وليست متحدة كلواصق جمع السلامة.
2. لا يمكن التنبّؤُ بجمع الاسم لتعدد الاحتمالات.
وقد انقسم المستشرقون الكلاسيكيون ([20] ) في رأيهم بجمع التكسير، بين من شكا منه؛ لأن ليس ثمة أساسٌ صوتيٌّ أو شكليٌّ نستطيع وفقه اشتقاق جمع التكسير من المفرد، ومن لا يرى فيه أيَّ صعوبةٍ. وقد رسخ في بنية العقل الاستشراقي عدّ جمع التكسير مشكلةً في النظام البنيوي للعربية، فصار موضوعا للكتابة والتحليل اللسانيينِ، فصرنا نجد عنوانات مثل: (مشكلة جمع التكسير في العربية مع مقارنةٍ ساميّةٍ):
The «broken» Plural Problem in Arabic and Comparative Semitic, Robert R.Ratcliffe[21].
دفاعٌ عن مقولة جمع التكسير
سيكون دفاع الباحث عن جمع التكسير في إطارين لسانيين، أولهما: تقابليٌّ، والآخر بنيويٌّ.
أوّلًا: جمع التكسير في إطار اللسانيات التقابلية - التعليمية
(1) امتياز اللغات الأخرى بعدم انتظام الجمع: يُقرّر ديفيد جستس أن في الإنجليزية «يظهر تميُّزها بالتهذيب أكثر ما يظهر في صياغة الجمع»[22]. ويرى أن «القاعدة العامة للجمع في الإنجليزية هي إضافة (s) إلى الاسم الذي يُراد جمعه...»[23]؛ لذلك يستنتج أن «الجمع في أنه في الإنجليزية مهذّبٌ well-prfiled، أما في العربية فلا» [24]، كما مرّ بنا. ولنا أن نرد ما يقوله جستس:
أ- إن امتياز الجمع بالإنجليزية من خلال إلحاق الحرف (s) بنهاية الكلمة، موافقٌ لطبيعتها الإلصاقية، ولا يصحّ حمل شبه انتظامه على لغةٍ اشتقاقيةٍ كالعربية. فضلًا عن ذلك فإنّ صورة الجمع هذه قد تتوقف، يقول جستس: «الوسم بالجمع يُوقَف في بعض السياقات، وهو تعدٍّ على خصيصة التهذيب»[25]. وقد أورد الدكتور مجيد الماشطة [26] صورًا كثيرةً للجمع اللانظامي (غير القياسي) في الإنجليزية.
ب- إنّ عدم تعدُّد وسائل الإنجليزية في التعبير عن الجمع؛ راجعٌ إلى أنها لغةٌ «لا تعطي التنوّعات المطّردة للجمع فيها شيئًا مهمًّا تؤديه دلاليًّا»[27]. أما العربية -كما سيأتي- فلا تتعدّد وسائل الجمع وأبنيته لغرض التعبير عن العدد فحسب، بل لها مقاصدُ دلاليةٌ أخرى. فضلًا عن أن امتياز العربية بالميل للتحديد الدقيق في المطابقة العددية -وسيأتي تفصيله- يقابله أن «الإنجليزية تفتقر بشكلٍ كاملٍ إلى الوسائل الصرفية لتعيين العدد، سواءً أكان ذلك في الاسم... أم الفعل...»[28].
وبذلك لا يكون لجمع الاسم في الإنجليزية، مزيةٌ على جمع الاسم في العربية، ما يجعله غيرَ مجدٍ في الموازنة على سبيل الطعن بمقولة جمع التكسير.
(2) أسباب أخرى:
أ. تنوعت طرائق عرض جموع التكسير، عند علماء العربية، واتخذت سبيلين:
الأول: طريقة تذكر الاسم المفرد، ثم تُورِد صيغ الجمع التي يأتي عليها [29].
الآخر: طريقة تذكر صيغ الجمع، ثم تُورِد أوزان الأسماء المفردة التي تُجمع على كل صيغة [30].
وبذلك أشاعت هاتان الطريقتان معاناة في فهم جمع التكسير واستيعابه. فإذا بُدِئ بذكر المفرد، نحو: (شَيْخ)، فستُذكر أوزان جموعه، نحو: (أَفْعال: أشياخ) و(فُعُوْل: شيوخ) و(فِعْلَة: شِيخة)، وستتكدّس أوزان الجمع للاسم المفرد في موضع واحد، وتتكرر؛ لأنّ كثيرًا من الأسماء المفردة المختلفة أوزانها، تشترك بوزن الجمع نفسه. أمّا إذا بُدِئ بذكر أوزان الجمع، فسوف تتوزع جموع المفرد الواحد على أكثرَ من موضعٍ، فالاسم المفرد (عَبْد)، يُجمع على (فَعِيْل: عبيد) و(فِعال: عباد) و(أَفْعُل: أعبد) و(فُعْلان: عُبدان)(فِعْلان: عِبدان).
فضلا عن طرائق العرض، فقد كان لتقسيم الصرفيين جمعَ التكسير على جموعٍ: قلةٍ وكثرةٍ، وإيهام المُتعلّم بانضباطٍ عالٍ لهذا الاشتراط، في حين أن الاستعمال اللغوي، يرى غير ذلك، ويقول سيبويه: «واعلم أن لأدنى العدد أبنيةٌ هي مختصةٌ به، وهي له في الأصل، وربّما شَرِكه فيه الأكثرُ، كما أن الأدنى ربما شَرِك الأكثرَ»[31]. ولذا لم يُقسّم سيبويه جموع التكسير إلى جمع قلّةٍ أو كثرةٍ، وإنما صنّفها بحسب أبنية المفرد؛ لذلك سارت الدكتورة خديجة الحديثي [32] على منواله ولم تُقسّم جمع التكسير إلا بحسب الأبنية السماعية والقياسية، ثم ذكرت جموع القلة وجموع الكثرة معيارًا تقسيميًّا ثانيًا. وقد أشار كثيرٌ من المُحْدَثين العرب [33]، إلى أثر الاستعمال والقرائن في قيام جمعٍ مكان آخرَ من غير مراعاةٍ لضابط القلة أو الكثرة. بل رأى أندري رومان [34] أن التفريق لا تؤيده النصوص. والأرجح أن التفريق بدقّةٍ قواعديةٍ، مِمّا لا يميل إليه المنشئون.
ب. ولكون المستشرق من غير الناطقين الأصليين، فإنه يجد صعوبةً في فهم جمع التكسير واستيعابه. إنّ عدم التنبّؤ بجمع المفرد، مردّه إلى أنه غير عربيٍّ، وليست العربية لغته الأم بل هي اللغة الثانية المكتسبة بالتعلّم. أمّا العربي فلا يجد صعوبةً في صَوْغ جمع التكسير؛ لأنه ناطقٌ أصليٌّ؛ لذا يجمع بسهولة (سِلاح) على (أسْلِحة) و(طالِب) على (طُلّاب) و(خبر) على (أخْبار) و(مِفْتاح) على (مَفاتيح)، وإن لم يدرس جموع التكسير أو يتذكرها، وكذلك إن لم يكن متعلّمًا أصلًا.
ج. كذلك فقد نظر بعض المستشرقين لجمع التكسير على أنه مقولةٌ معجميةٌ، مقدمةً منهم للقول بعدم نظاميّتها، ويقول أدولف دنتس: «فقد طُوّر بناء الجمع المعجمي... من خلال وحداتٍ صرفيةٍ خاصةٍ للجذر (جمع التكسير) تطويرًا كبيرًا» [35]. ولعلّ في إشارات كتب الصرفيين العرب، مسوّغٌ لهم، كالقول بتحكيم السماع على كثيرٍ من جموع التكسير، كقول الرضي: «جموع التكسير أكثرها محتاج إلى السماع» [36].
ثانيا: جمع التكسير في إطار بنية العربية ونظامها
(1) انتظام جمع التكسير في الدراسات الصرف صوتية
كتب بعض من المحدثين -مستشرقين وعربًا- عن انتظام جمع التكسير، في ضوء النظر المقطعي لتحوّلات هذا الجمع، وإن تفاوتت عمقًا واتّساعًا. وقد أشار الدكتور علي أبو المكارم إلى أهمية الدراسة الصوتية لجموع التكسير بقوله: «إذْ للجمع صورةٌ صوتيةٌ مختلفةٌ عن صورة مفرده، وعلى الرغم من أن جمع التكسير يحتاج إلى دراسةٍ خاصةٍ، فإنّ من الممكن أن نَلْمح فيه تأثرا بالنظام المقطعي، أو بتعبيرٍ أكثرَ دقّةً، يبدو مُطّردًا فيه نظامٌ مقطعيٌّ خاصٌ يحتاج إلى تحليلٍ...» [37]. ومن هذه الدراسات [38]:
1. انتظام الأسماء في العربية، الجمع نموذجًا، د.الأزهر الزنّاد.
2. التحليل الصوتي في دراسات المستشرقين، مايكل بريم أنموذجًا، د.موسى صالح الزعبي (ص: 44، 254- 287).
3. العربية الفصحى، هنري فليش (ص: 168 - 173).
4. المنهج الصوتي للبنية العربية، د.عبد الصبور شاهين (ص: 134 - 142).
5. الاسم الجمع في العربية والإنجليزية، د.مجيد عبد الحليم الماشطة، ضمن كتابه (اللغة العربية واللسانيات المعاصرة) (ص: 167- 173).
6. علم الصرف الصوتي، د. عبد القادر عبد الجليل (ص: 381 - 392).
وبالمجمل، تقترح هذه الدراسات تفسيراتٍ صوتيةً لتحوّلات صيغ جموع التكسير بشكلٍ جديدٍ، وهي محاولةٌ لا تُعدّ برأي الدكتور مجيد الماشطة [39]، خروجًا على أقوال الصرفيين العرب، بل توضيحًا لما يقولونه، وتفسيرًا صوتيًّا لقضايا صرفيةٍ. وتتناول هذه الدراسات التحوّلات الداخلية لجموع التكسير، من خلال التمييز بين صوامت المفرد وصوائته والمقطع الصوتي، أي: ما يَعْرُض لجمع التكسير، لا بحسب أوزانه وصِيَغه، بل بحسب ما يطرأ على صوامت المفرد من تغييراتٍ مقطعيةٍ مختلفةٍ. وأهم هذه المحاولات وأكثرها رصانةً وجِدّة وشمولًا، محاولة الدكتور الأزهر الزنّاد، في كتابه: (انتظام الأسماء في العربية: الجمع نموذجًا).

مُلخّص محاولة الدكتور الأزهر الزنّاد
 ينظر هذا الكتاب في الآليات المولّدة للجمع عمومًا، ولكنّ أكثره موجّهٌ لجمع التكسير. يحاول فيه الدكتور الأزهر الزنّاد أن يُثبت فرضيةً تعمّ انتظام جموع التكسير. وعلى خلاف الدكتور إبراهيم السامرائي، يرى الدكتور الأزهر -وأوافقه نظريًّا- أن اللغة العربية اعتمدت استراتيجيا جمع السلامة في طورٍ أوّلَ. ثم إذ بانت الكلفة النظامية في هذه الاستراتيجيا، بما تقتضيه من زيادةٍ في البنية المقطعية لزيادة الدلالة الصيغية على العدد، نشأت نزعةٌ إلى الاستعاضة عنها باستراتيجيا التكسير، أي: باستغلال ما يتوفر في البنية المقطعية الداخلية من إمكانيات في تلوين الحركات نوعًا ومدًى داخل الكلمة. بمعنًى آخرَ، إنّ التعبير عن الجمع باعتماد الصيغة (جمع التكسير) ناتجٌ عن الحاجة إلى الاقتصاد في البنية اللغوية، هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى استثمار طبيعة العربية الاشتقاقية لتنويع موارد التعبير عن الجمع.
وعلينا ألّا ننسى أنّ التحوّل إلى إسترتيجيا جمع التكسير، إنما جاء لكبح تمادي الإعراب بالنيابة، ممثَّلًا بجمع المذكر السالم -بعدّه استثناءً- من أن يتّسق ويطّرد مثل إعراب الأسماء المفردة، فكان جمع التكسير تعزيزًا للإعراب بالحركات. وأكثر إجراءات التحوّل الداخلي لهذه المحاولة يتمثّل بنقل الصوائت أو المقاطع أو تبديلها أو تقصيرها أو إلصاق الصوامت (أحرف الزيادة): تسبيقًا وحشوًا وإلحاقًا، مع ضمان التمايز الصيغي.
وممّا دعا أيضا لابتكار جمع التكسير، هو اكتظاظٌ في موقع اللاحقة، إذ تتنازعه لاحقة الإعراب ولاحقة العدد؛ ولكثرة اللواحق بعلاماتها، نشأت في اللغة رغبةٌ إلى تطوير التسبيق والإقحام، كل ذلك لإحداث التوازن في توزيع العلامات بمقولاتها الصرفية والمعجمية والإعرابية. فانتقلت لاحقة الجمع -من خلال جمع التكسير- إلى مَوطنٍ حركيٍّ شاغرٍ داخل البنية المقطعية للمفرد.
وكمثالٍ على محاولة الدكتور الأزهر الزنّاد، سنعرض لجمع التكسير لصيغة المفرد على زنة (فاعِل)، وهي: (فَواعِل) أو (فواعِيْل) أو (فُعَّل) أو (فُعَّال) [40].
وزن فَاعِل
صيغة جمعه
مثاله
وصف التغيير
خلاصته
فارس
فواعل
فوارس
انتقل فاعِل بجمعه على فواعِل وهو الأصل في جمعه، بإقحام الواو
إقحام [41]
خاتم
فواعيل
خواتيم
بإطالة إلى (ـــــ): فاعِل ! فواعيل
إطالة
راكع
فُعّل
رُكّع
1. بحذف (ـــــا) ! فوعل
2. بمماثلة الواو لعين الصيغة: فعْعَل ! فُعّل
حذف ومماثلة
طالب
فُعّال
طُلّاب
بإطالة فتحة العين إلى (ـــــــًـــــــ): فُعَّل ! فُعَّال
إطالة

ونُسجّل على محاولة الدكتور الأزهر الزناد، ملاحظتين:
الأولى: أن أكثر آرائه، هي وصفٌ للتغيُّرات، تخلو من التفسير.
الثانية: كثرة افتراضاته، في محاولةٍ منه؛ لتستقيم أولى خطوات فرضيته. لكنها تبقى محاولةً جادّةً جدًّا، وغيرَ مسبوقةٍ.
(2)جمع التكسير بين الاشتقاق والإلصاق
اللغة العربية في الأكثر تصريفها اشتقاقي، والأقل منه إلصاقيٌّ، واللغات الأوروبية على خلاف العربية، أكثر تصريفها إلصاقيٌّ، والأقل اشتقاقيٌّ [42]. فالفَرْق بين نظام العربية الاشتقاقي ونظام الفرنسية الإلصاقي، على سبيل المثال، يوضّحه المستشرق الفرنسي هنري فليش بقوله: «فنحن نستخدم في الفرنسية جزءًا ثابتًا لا يتغيّر، وهو في الواقع مكوّنٌ من صوامتَ، ومصوّتاتٍ متداخلةٍ في هذه الصوامت، بحيث يُصاغ من العنصرين كلٌّ لا يقبل التجزئة. ولكي نكوّن الكلمات نُضيف إلى هذه الأجزاء زوائدَ، سواءً في صدرها وهي السوابق أم في عجزها وهي اللواحق. أمّا اللغة العربية، فإنها تبدأ من الأصل، وهو الهيكل الصامتي الذي يُشكّل بنْياتٍ مختلفةً بإدخال المصوّتات...» [43]. وكمثالٍ على توضيح الفرق بين النظامين: الاشتقاقي والإلصاقي، للنظر إلى التغيّرات التصريفية التي تدخل على الفعلين: (يكتب write)، و(يقرأread):
الصيغة
وزنها
بالعربي
بالإنجليزي
الفعل المضارع
يَفْعل
يَكْتب/ يَقْرأ
Write / read
اسم الفاعل
فاعِل
كاتِب / قارِئ
Writer / reader
الجمع
فُعّال
كُتّاب / قُراء
Writers /readers
اسم المفعول
مَفْعُوْل
مَكْتُوْب / مَقْرُوْء
Written / readable
المصدر
فِعالَة
كِتابَة / قِراءَة
Writing / reading
 فما نراه هو أن الجذر العربي تدخله المتغيرات من صوائتَ وصوامت (حروف الزيادة أو التضعيف)، وما يستتبعه من تغيّراتٍ مقطعيةٍ، كلُّ ذلك على وفق قوالبَ محددةٍ مُستقرأةٍ تُدعى بالأوزان الصرفية. أمّا في الإنجليزية، فإنها تعمد إلى طريقةٍ واحدةٍ هي الغالبة، وتتمثّل بلصق أواخر الجذر بلواصقَ للتعبير عن الصيغ نفسها، من غير أن يدخل الجذر أيُّ تغييرٍ.
ولأن العربية لغةٌ اشتقاقيةٌ، فجموع التكسير المشتقة، هي أقرب لطبيعتها الاشتقاقية من جموع السلامة الإلصاقية. وجمع التكسير جمعٌ داخليٌّ[44]، أمّا جمع السلامة فخارجيٌّ. يقول هنري فليش: «وقد حدثت هذه الجموع المكسّرة، لا بوساطة الإلحاق، ولكن بتأثير التحوّل الداخلي...»[45]، بمعنى أن جمع التكسير هو جمعٌ مشتقٌّ بتحوّلاته الداخلية، وليس إلصاقيًّا كجموع السلامة. وكاد أن يكون أنّه مقولةٌ معجميةٌ، ومنع ذلك:
1. إنّ التعبير عن العدد هو معنًى صرفيٌّ.
2. إنّ الضوابط التي وضعها الصرفيون العرب، أحلّت النظام في بنية هذه الجموع من خلال الأوزان الصرفية لها، والمعايير التي تجعل لمفردٍ معيّنٍ جمعًا محدَّدًا.

يمكننا القول أن جمع التكسير خدم نظام العربية، من خلال:
أوّلًا: إنّ التعبير عن الجمع من خلال التحوّلات الداخلية، زاد وسيلةً من وسائل التعبير عن العدد، فضلا عن وسيلة الجمع بالإلصاق (جمع السلامة) والروافد المعجمية (اسم الجمع واسم الجنس الإفرادي واسم الجنس الجمعي). فتنازع التعبير عن العدد في الأسماء: اللواصق والاشتقاق والمعجم. وهو ثراءٌ للتعبير عن مقولة العدد، وغِنًى يتيح حرية الاختيار للمُنشئ.
ثانيا: إنّ التعبير عن العدد من خلال الجمع المتحوّل داخليًّا (جمع التكسير)، يجعل إعرابه كإعراب الأسماء المفردة، يقول ابن يعيش: «واعلم أن إعراب هذا الضرب يكون باختلاف الحركات نحو هذه دورٌ وقصورٌ ورأيتُ دورًا وقصورًا ومررتُ بدورٍ وقصورٍ، بخلاف جمع الصحة، وإنما كان إعرابه بالحركات؛ لأنه أشبه بالمفرد»[46]، وبالمعنى نفسه يقول هنري فليش: «أما الجموع الداخلية -جموع التكسير- فإنها تُخرجنا من نطاق هذه الخصائص المتّصلة بلواحق الإعراب. فهذه الجموع المكسّرة ليست جمعًا لمفردٍ، شأن الجمع الخارجي، وإنّما هي تسلك مسلك كلمةٍ أخرى بالنسبة إلى المفرد، وهي في حالات إعرابها مشابهةٌ لسائر الأسماء، سواءً في ذلك أسماء الإعراب الأول أو الثاني، بحسب الصيغ»[47]. وبذلك يُحقق جمع التكسير:
1.ترسيخًا للإعراب بالحركات الأصلية الثلاث لا بالعلامات الفرعية، فاسحًا للموقع الأخير للاصقة الإعراب وحدها، وعدم السماح باكتظاظ هذا الموقع، مُنحّيًا التعبير عن العدد لداخل بنية الكلمة عبر تحولاتها المقطعية.
2. اتساقًا مع طبيعة العربية الاشتقاقية، وميلها لتقليل اللواصق في التعبير عن المعاني الصرفية.
ثالثا: إن عدّ جمع التكسير ثمرةً لظاهرة التحوّل الداخلي في صرف العربية الاشتقاقي، إنما «يدل على مرونة اللغة العربية، وخصوبتها في إنسال الصيغ المختلفة من المادة الواحدة»[48]. بل تعدّت جموع التكسير دلالتها على المرونة إلى أن «تغلب وبقوةٍ على الجمع المطّرد (القياسي) المبنيّ بواسطة نهاياتٍ تصريفيةٍ»[49]، ويعني به جموع السلامة.
إنّ دراسة جموع التكسير في إطار نظام العربية اللغوي يكشف أنه «منبعٌ غزيرٌ من منابع التجدُّد والانطلاق في اللغة، فهي ليست هذه الأبنية والصيغ التي ذكرها النحاة، وإنما هو فن استخدام الحركات وحروف اللين كفنّ استخدام التفاعيل في الأوزان الشعرية تمامًا، قابلٌ للدوام المتجدد المستمر. وبإمكان اللغة أن تنمّيها وتجدّدها لا أن تقف عندها كجموع التصحيح التي لا تتجاوز إضافة العلامة الواحدة أبدًا، ولا يعمّ استعمالها إلا في ضربٍ معيَّنٍ من الاسم لا تتجاوزه. وقد استطاعت العربية أن تستغلّ هذا المنبع الغزير أكبر الاستغلال وأن تتفنّن في بناء الصيغ واستعمالها أوسعَ التفنن حتى اتّسع نطاقها وشمل كل اسمٍ أو صفةٍ لعاقلٍ أو لغيره...»[50]. وهذا يؤكّد تأخّر جموع التكسير التي تستلزم التفنن في استعمالها واشتقاقها، عن جموع التصحيح يسيرة الشكل.

(3) ميل العربية إلى التحديد
تميل الساميّات عمومًا إلى التخصيص في العدد والجنس، ولا سيما اللغة العربية، على خلاف اللغات الهندوأوروبية [51]. وتكثر في العربية الوسائل المعبّرة عن الجمع، إذِ «الأبنية التي تدلّ على الكثرة في المفرد ستةٌ: جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، وجمع التكسير، واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، واسم الجنس الإفرادي»[52]. واسم الجمع نحو: قومٌ ونساءٌ وجيشٌ، واسم الجنس الإفرادي نحو: ماءٌ وذهبٌ وزيتٌ، واسم الجنس الجمعي [53]، نحو: بقرةٌ وبقرٌ، ثمرةٌ وثمرٌ، زنجيٌّ وزنجٌ، روميٌّ ورومٌ. فيعبّر عن الجمع في العربية مقولاتٌ متعددةٌ، تتنوّع مظاهرها، ما بين الاشتقاق الصرفي، واللاصقة الإعرابية، والوسيلة المعجمية. وتنوّع وسائل العربية وكثرتها في تعبيرها عن الجمع إنما لميلها الشديد للتحديد والدقة العددية، متمثّلةً مع الاسم كما مرّ بنا، فضلًا عن المطابقة العددية التي تعود على الاسم ملتصقةً بالفعل.
وظهر الميل إلى التحديد في التعبير عن العدد إلى التوسّع في صيغ جمع التكسير وهو ما يُسمّيه هنري فليش (الإفراط في التقعيد) [54]، فكثُرت صيغ جموع التكسير في حين أن أقرب الساميّات لها، اقتصرت على عددٍ محدّدٍ من هذه الصيغ.

(4) الدلالة والشكل
يُركّز هذان السببان على أهمية الدلالة والشكل الموسيقي. ففي الجزء الأول نجد السبب في اختلاف جموع التكسير، وتعدّدها، نابعًا من اختلاف الدلالة. وهو أمرٌ فطن إليه المستشرق ديفيد جستس، فرأى تمييزًا دلاليًّا واضحًا بين جمعين لمفردٍ واحدٍ، إذ (كاتبون) جمع لـــ (كاتِب)، للذين يؤدون الكتابة في وقت معيّنٍ، و (كُتّاب) جمع لــ (كاتِب) للذين يمتهنون الكتابة [55]. طبعا ميّز جستس بين اختلاف دلالة جمع التكسير عن دلالة جمع السلامة، ولنا أن ننطلق في التمييز الدلالي من جموع التكسير نفسها. وقد رأى أندري رومان في تعدّد صيغ جموع التكسير للمفرد الواحد، مقاصدَ بلاغيةً كالكناية والمجاز [56]. فقد ميّز الاستعمال اللغوي في دلالات جمع المفرد الواحد، نحو:
عين (البصر) ! أعين: أفعُل
عين (الماء) ! عيون: فُعُول
عين (الوجيه) ! أعيان: أفْعال
بيت (الشِّعر) ! أبيات: أفْعال
بيت (السكن) ! بيوت: فُعُول
وللدارسين العرب [57] محاولاتٌ لتفسير تعدُّد جموع التكسير لاختلاف دلالة كلِّ صيغةٍ وتنوّع المعنى في بنى الجمع. أما في الإنجليزية، فالأمر خلافه. إذ «الإنجليزية لا تعطي التنوعات المطّردة للجمع فيها شيئًا مهمًّا تؤديه دلاليًّا...»[58]، على خلاف العربية التي تستغلّ صيغ الجموع لأجل التمايز الدلالي [59].
أمّا الجزء الثاني، فنجد أن لطبيعة الشعر العربي أثرًا في هذا. فالشعر العربي قائمٌ على العروض، ويحتاج الشاعر إلى تنويعٍ في صيغه وحريةً أكبرَ في بنية كلماته المقطعية؛ للتعويض عن صرامة العروض، الذي يُلجئه إلى الاختيار من الجموع المتنوعة الصيغ، لتكون نافذةً للشاعر ليُعبّر عن المعنى الواحد أو المتقارب بألفاظِ جموعٍ تختلف في بُناها الصرفية فالمقطعية. فقد يضطرّ الشاعر لكلمةٍ دون أخرى لأنها أليقُ بقافيته أو أنسب لوزنه، ومتّفقةٌ ومقاطعَ عروضه. ونحن نرى أن هذا سببٌ مهمٌّ في نشوء الغِنى المعجمي وفائض الصِّيَغ، من نحو: (أُسُد وأُسْد وأسُود وآساد)، و(عِباد وعبيد وأعبُد وعِبدان)، و(أثْوُب وثياب وأثواب)، و( صَحْب وصِحاب وأصحاب).

الخاتمة والنتائج
عرض البحث لموضوع طالما كتب فيه المستشرقون وسواهم، وهو كثرة صعوبات تعلّم اللغة العربية، حتى شاع الحكم بكونها لغةً صعبةً. واتّخذ الباحث من دعوى صعوبة (جمع التكسير) عند المستشرقين المعاصرين أنموذجًا للبحث، دارسًا إياها ومحلِّلا لها، ومناقشًا أسس هذا الزعم، وحتى مسوّغات القول به. وقد ردّ أركان هذه الدعوى مستعينًا بانسجام هذا الجمع مع النظام اللغوي للعربية، وبامتياز اللغات الأخرى بجموعٍ شبيهةٍ بجمع التكسير في العربية. وخلص الباحث إلى أن طرائق عرض جمع التكسير في العربية والنظر إليه كمقولةٍ معجميةٍ، أدّت لشيوع صعوبات تعلمه من المستشرق غير الناطق بالعربية.

ومن نتائج البحث:
1. بيّن البحث أن بعض صعوبة جمع التكسير سببه أسلوب عرضه وطرائق تدريسه.
2. أكّد البحث أن جموع التكسير سمةٌ لغويةٌ تشترك فيها اللغات السامية الجنوبية عمومًا وتتميّز بها العربية خصوصًا أكثر من غيرها.
3. أوضح البحث أن جمع التكسير يتّسق مع الطبيعة الاشتقاقية للعربية، أكثر من جمع السلامة الإلصاقي.
4. ذهب البحث إلى كشف الانتظام الصوتي لجموع التكسير، وبذلك استثمر المعرفة الصوتية في التحليل الصرفي.
5. بيّن البحث أن وجود جمعٍ اشتقاقيٍّ وآخرَ إلصاقيٍّ في العربية زاد من إمكانيات التنويع في التعبير عن المعنى الواحد، ولا سيما عند الشعراء.

المصادر والمراجع
1. أبنية الصرف في كتاب سيبويه، د. خديجة الحديثي، منشورات مكتبة النهضة، بغداد، ط1 / 1965 / 1385 هـ.
2. الأبنية الصرفية في ديوان امرئ القيس (رسالة دكتوراه)، صباح عباس سالم الخفاجي، جامعة القاهرة كلية الآداب، القاهرة 1398 هــ /1978 م.
3. أثر البنية الصرفية في أداء المعنى، د. رياض كريم البديري، مجلة صاد، مؤسسة وارث الأنبياء الثقافية، البصرة، ع (13) ربيع 2015.
4. ارتشاف الضرب من لسان العرب، أبو حيان الأندلسي (745هـ)، تح: د. رجب عثمان محمد، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1/1418هـ-1998م.
5. أسس علم اللغة، ماريو پاي، ترجمة د.أحمد مختار عمر، ط8/1419هـ 1998م، القاهرة، عالم الكتاب.
6. الأشباه والنظائر ، للسيوطي (ت 911 هــ)، مطبعة دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد، ط2 / 1359.
7. الأصول في النحو، ابن السراج (316هـ)، تح: د. عبد الحسين الفتلي، بيروت ط1/1405هـ-1985م.
8. انتظام الأسماء في العربية، الجمع نموذجًا، الزهر الأزناد، دار نيبور، العراق، ط 1 / 2014.
9. أهمية لغات الشرق القديم أو (اللغات السّاميّة) في دراسة النحو العربي: دراسةٌ تطبيقيةٌ على (المفرد والمثنى والجمع)، د. إلياس بيطار، مجلة التراث العربي، دمشق ع (71-72)، 1418هـ-1998م.
10. التطور النحوي للغة العربية، برجشتراسر، إخراج وتصحيح: د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط4/1423هـ-2003م.
11. التكملة، أبو علي الفارسي (377هـ )، تح: د. كاظم بحر مرجان، مطابع جامعة الموصل، 1401هـ-1981م.
12. التوليد المعجمي في اللغة العربية، أندري رومان، ترجمة محمد أمطوش، عالم الكتب الحديث، إربد - الأردن 2012 م.
13. جموع التصحيح والتكسير في اللغة العربية د. عبد المنعم سيد عبد العال، القاهرة، مكتبة الخانجي.
14. حاشية الصبان (ت1206هـ) على شرح الأشموني لألفية بن مالك، مصر دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي.
15. دراساتٌ في العربية، لمجموعةٍ من المستشرقين الألمان المعاصرين، تحرير: المستشرق الألماني فولفديتريش فيشر، ترجمة: د.سعيد حسن بحيري، القاهرة، مكتبة كلية الآداب، ط1/1426هـ-2005م.
16. دراساتٌ في اللغة العربية، د.خليل يحيى نامي، دار المعارف بمصر، 1974 م.
17. دراساتٌ في فقه اللغة العربية، د. السيد يعقوب بكر، بيروت 1969 م.
18. دراسات لغوية مقارنة، د. إسماعيل أحمد عمايرة، عمان دار وائل للنشر، ط1/2003م.
19. دلالة الشكل في اللغة العربية في ضوء اللغات الأوروبية، ديفيد جستس، ترجمة الدكتور حمزة بن قبلان المزيني، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ط 1 / 1425 هـــ (2005 م ).
20. شذا العَرْف في فن الصرف، أحمد الحملاوي، 1927، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصرية.
21. شرح ابن عقيل، (769هـ)، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط14/1384هـ-1964م، بيروت.
22. شرح الشافية، رضي الدين الاسترابادي (686هـ)، تح: محمد نور الحسن وآخرين، بيروت دار الكتب العلمية.
23. شرح المفصل، ابن يعيش(643هـ) ، مصر، المطبعة المنيرية.
24. شح كتاب سيبويه، السيرافي (368هـ)، تح: د. رمضان عبد التواب وآخرين، القاهرة، مطبعة دار الكتب والوثائق المصرية، ط2/1429هـ-2008م.
25. صيغ الجموع في اللغة العربية مع بعض المقارنات السامية، د. باكزة رفيق حلمي، مطبعة الأديب البغدادية، 1972.
26. الظواهر اللغوية في التراث النحوي، د. علي أبو المكارم، دار غريب، القاهرة، ط 1 / 2007.
27. العربية الفصحى، هنري فليش، تعريب د. عبد الصبور شاهين، بيروت، المطبعة الكاثوليكية، ط1/1966م.
28. علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي، د. محمود السعران، مصر دار المعارف، 1962.
29. علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي، د. محمود السعران، مصر دار المعارف، 1962.
30. فقه اللغات السامية، كارل بروكلمان، ترجمة: د. رمضان عبد التواب، مطبوعات جامعة الرياض، 1397هـ-1977.
31. فقه اللغة المقارن، د. إبراهيم السامرائي، بيروت، دار العلم للملايين، 1968م.
32. فقه لغات العاربة المقارن، د. خالد إسماعيل علي، إربد، 1421هـ-2000م.
33. في اللغة والأدب، د.محمود محمد الطناحي، دار الغرب الإسلامي، لبنان 2002.
34. في علم اللغة التطبيقي، د. أحمد سليمان ياقوت، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية.
35. كتاب سيبويه (180هـ)، تح: عبد السلام محمد هارون، بيروت، عالم الكتب، 1975.
36. اللغة العربية معناها ومبناها، د. تمام حسان، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973م.
37. اللغة العربية واللسانيات المعاصرة ، د. مجيد عبد الحليم الماشطة، دار الرضوان، عمّان - الأردن، ط1 / 1434 هــ - 2013 م.اللمع.
38. المجمل في العربية النظامية، أندره رومان، ترجمة وتقديم حسن حمزة، المركز القومي للترجمة، القاهرة ط1 / 2007 م.
39. مدخلٌ إلى دراسة نحو اللغات السامية المقارن، سباتينو موسكاتي وآخرون، ترجمة: د. مهدي المخزومي وآخر، بيروت، ط2/1414هـ-1993م.
40. المقرب، ابن عصفور (669هـ)، تح: أحمد عبد الستار الجواري وآخر، بغداد، مطبعة العاني، 1986م..
41. من أسرار اللغة، د. إبراهيم أنيس، القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية، ط3/1966.
42. المنهج الصوتي للبنية العربية، د. عبد الصبور شاهين، بيروت، 1400هـ-1980م.
43. النحو الوافي، عباس حسن، القاهرة، دار المعارف، ط3/1966م.
https://books.google.iq/books?id=PtfjM-tqnTgC&printsec=frontcover&hl=ar&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false


----------------------------------------
[1]    دلالة الشكل في العربية: 25.

[2]    ظ: أسس علم اللغة: 206 - 209، علم اللغة، محمود السعران: 69.
[3]    ظ: التكملة: 398، الأشباه والنظائر: 2/125-128، حاشية الصبان على شرح الأشموني: 4/120، جموع التصحيح والتكسير في اللغة العربية د. عبد المنعم سيد عبد العال: 27.
[4]    ظ: فقه اللغات السامية: 96، التطور النحوي: 106، 109 - 111، مدخلٌ إلى نحو اللغات السامية المقارن: 148، من أسرار اللغة: 138، علم اللغة العربية: 183، فقه اللغة المقارن: 95، فقه العربية المقارن: 143، صيغ الجموع في اللغة العربية: 254- 255، دراسات في فقه اللغة العربية، د. السيد يعقوب بكر: 31، 35، دراسات في اللغة العربية: 66، فقه لغات العاربة: 267 .
[5]    ظ: العربية الفصحى: 65-67، مدخلٌ إلى نحو اللغات السامية المقارن: 148، بنية العربية الكلاسيكية: 172، المجمل في العربية النظامية: 162.
[6]    ظ: اللغة العربية معناها ومبناها: 156.
[7]    دلالة الشكل في العربية: 138.
[8]    فقه اللغة المقارن: 97.
[9]    م. ن: 111. وممن مال إلى أسبقية جموع التكسير على جموع التصحيح استنادا للمنهج المقارن الدكتورة باكزة رفيق حلمي في كتابها: صيغ الجموع في اللغة العربية مع بعض المقارنات السامية: 229، والدكتور إلياس بيطار في بحثه: أهمية لغات الشرق القديم (أو اللغات السامية) في دراسة النحو العربي دراسة تطبيقية على المفرد والمثنى والجمع: 109، 111، 113، 117.
[10]  الأشباه والنظائر: 1 / 264، وبمعنى قريب منه ظ: شرح المفصل: 5 / 88.
[11]  انتظام الأسماء في العربية: 60.
[12]  دلالة الشكل في العربية: 28.
[13]  م. ن:132.
[14]  م. ن: 228.
[15]  م. ن: 133.
[16]  بنية العربية الكلاسيكية، ضمن كتاب (دراساتٌ في العربية) لمجموعةٍ من المستشرقين الألمان: 174.
[17]  م. ن: 174.
[18]  م. ن: 172.
[19]  دلالة الشكل في العربية: 132.
[20]  ظ: دراسات في فقه اللغة العربية (رأي المستشرق الألماني بارت Barth)، د. السيد يعقوب بكر: 30، العربية الفصحى، هنري فليش: 66.
[21]    https://books.google.iQ/books?id=PtfjM-tQnTgC&printsec=frontcover&hl=ar&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&Q&f=false
[22]  دلالة الشكل في العربية: 132.
[23]  م. ن: 133.
[24]  م. ن: 133.
[25]  م. ن: 133 - 134.
[26]  نحو: (man / men رجل) (foot / feet قدم) (tooth / teeth سنّ). وللمزيد من الأمثلة،يُنظر بحث الدكتور مجيد الماشطة (الاسم الجمع في العربية والإنجليزية)، ضمن كتابه (اللغة العربية واللسانيات المعاصرة): 173 - 175، وعلم اللغة التقابلي: 135.
[27]  دلالة الشكل في العربية: 133.
[28]  م. ن: 136 - 137.
[29]  ظ: كتاب سيبويه: 3 / 567 - 615، كتاب التكملة: 399 - 419، اللمع: 246، شرح الشافية: 2 / 90 - 109، المقرب: 461 - 485.
[30]  ظ: الأصول في النحو:2 / 431 - 438 ، وشرح ابن عقيل:2 / 454 - 472، وارتشاف الضرب من لسان العرب: 1 / 409 - 457، وشذا العرف:73 - 84 ، والنحو الوافي: 4 / 636 - 666.
[31]  كتاب سيبويه: 3 / 490.
[32]  ظ: أبنية الصرف في كتاب سيبويه: 295.
[33]  ظ: جموع التكسير والعرف اللغوي ضمن كتاب في اللغة والأدب، د.محمود محمد الطناحي: 2 / 605، والأبنية الصرفية في ديوان امرئ القيس، د. صباح عباس سالم الخفاجي: 231 -333 ، وفي علم اللغة التقابلي: 140 - 145، وجموع التصحيح والتكسير في اللغة العربية: 29 - 34، والظواهر اللغوية في التراث النحوي: 203 - 204.
[34]  ظ: المجمل في العربية النظامية: 164، والتوليد المعجمي: 150.
[35]  بنية العربية الكلاسيكية: 162.
[36]  شرح الشافية: ق1 ج 2 / 89. وفي كتاب سيبويه إشارات كثيرة لاحتكامه للسماع في جمع التكسير، ظ: 3 / 567، 571 - 573، 579.
[37]  الظواهر اللغوية في التراث النحوي: 203.
[38]  هناك كتاب (جموع التكسير في اللغات السامية)، لـ أ. مورتونن. ترجمه عن الإنجليزية د. سعيد حسن بحيري، ونشرته المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة 1983م، ولم أوفّق بالحصول عليه رغم مراسلاتي ومحاولاتي الكثيرة في العراق وخارجه.
[39]  ظ: اللغة العربية واللسانيات المعاصرة: 173.
[40]  للمزيد من التفصيل ظ: انتظام الأسماء في العربية: 91 - 101.
[41]  يُورد الدكتور الأزهر الزنّاد تفسيراتٍ متعددةً لإقحام الواو، ظ: انتظام الأسماء في العربية الجمع نموذجًا: 93 - 97.
[42]  من مظاهر الإلصاق في العربية: لواحق المثنى وجموع السلامة وعلامات التأنيث وياء النسب، و(ال) التعريف. ومن مظاهر الاشتقاق في الإنجليزية: تصريف الأفعال الشاذّة، والجمع غير المنتظم(man: men)، وغيرها.
[43]  العربية الفصحى: 54، وظ: 51، 52، 56.
[44]  ظ: العربية الفصحى: 65 - 67، مدخل إلى نحو اللغات السامية المقارن: 148، بنية العربية الكلاسيكية: 172، المجمل في العربية النظامية: 162.
[45]  العربية الفصحى: 66، و ظ: 67.
[46]  شرح المفصل: 5 / 6.
[47]  العربية الفصحى: 66، وظ: 65.
[48]  المنهج الصوتي للبنية العربية، د. عبد الصبور شاهين: 133.
[49]  بنية العربية الكلاسيكية: 162.
[50]  صيغ الجموع في اللغة العربية مع بعض المقارنات السامية، د. باكزة رفيق حلمي: 245.
[51]  ظ: دراسات لغوية مقارنة: 31، 34، 81.
[52]  جموع التكسير والعرف اللغوي، ضمن كتاب (في اللغة والأدب، دراساتٌ وبحوثٌ) د. محمود محمد الطناحي: 2 / 547.
[53]  بلحاظ تغيّر مفرد اسم الجنس الجمعيبالنقص، يمكننا أن نعده من جمع التكسير، فهو يدل على أكثر من اثنين، ويُشارك مفرده في الحروف، ويتغيّر بناء مفرده بأحد أشكال التغيّر وهو النقص. وإن لم يجعل الصرفيون أوزانه من أوزان جموع التكسير، فقد ألمح سيبويه إلى تمايزه بجمع القلة والكثرة (ظ: كتاب سيبويه / بولاق: 2 / 183، 184)، وللمزيد عن اسم الجنس الجمعي ظ: كتاب سيبويه / بولاق: 2 / 183، 184، 189، كتاب التكملة: 354 - 363، وأبنية الصرف في كتاب سيبويه: 229 - 230.
[54]  ظ: العربية الفصحى: 196، (هامش: 1).
[55]  ظ: دلالة الشكل في العربية: 137.
[56]  ظ: المجمل في العربية النظامية: 164، التوليد المعجمي: 150.
[57]  للمزيد ظ: فقه اللغة المقارن: 99 - 110، وجموع التكسير والعرف اللغوي ضمن كتاب في اللغة والأدب: 2 / 559 - 602، وأثر البنية الصرفية في أداء المعنى، د. رياض كريم البديري: 620-64.
[58]  دلالة الشكل في العربية: 133.
[59]  ظ: م. ن: 138.